إستخدام اليمين المتطرف الأمريكي للدين في السيطرة على شيعة العراق العرب
د. محمد العبيدي
كتبنا في مقالين سابقين عن الحركة الشتراوسية الفاشية في الولايات المتحدة والمتمثلة باليمين المتطرف الذي يسيطر الآن على رسم وتنفيذ السياسات العسكرية والخارجية للإدارة الأمريكية، والتي كان آخرها إحتلال العراق وإنهاء دولته. فقد بدأت خطة الشتراوسيين الفاشيين في اللحظة التي تولى فيها بوش الرئاسة الأمريكية، والتي بدأت بحملة دعائية مشابهة لحملات النازي غوبلز أيام هتلر وعلى شكل زرع قصص مثيرة في وسائل الإعلام عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وغيرها من الأكاذيب، التي كان مصدرها أحمد الجلبي وأعضاء في تنظيم المؤتمر الوطني الذي يقوده وحتى من عوائلهم. وقد ذكرنا في حينه أن الجلبي وأعوانه قد إختلقوا 108 قصص من هذا النوع على الأقل نشرتها وسائل الإعلام المرتبطة باليمين الفاشي الأمريكي والتي كانت نتيجة عمل " برنامج جمع المعلومات " في تنظيمه والذي قبض عنه ملايين الدولارات.
وبالإضافة إلى الكذب الذي يمثل زبدة السياسة لدى اليمين المتطرف، فإن إستغلال الدين لتنفيذ مآربهم يعتبر الوسيلة المهمة الثانية في منهجهم الفاشي. فعن الدين يقول شتراوس، مؤسس الحركة في الولايات المتحدة، " أن على الحكام أن لا يربطوا أنفسهم به ولكن أن يستخدموه من أجل "الإحتيال الديني على الناس". ومن أجل ذلك يدعو أعضاء هذه الحركة إلى وجوب دمج الدين والدولة إذا ما أراد الحكام السيطرة على الناس الذين لا يكن لهم هؤلاء الفاشيين، بأي حال من الأحوال، سوى الإحتقار والإذلال. إضافة إلى ذلك فإن أعضاء هذه الحركة يؤمنون بأن الدين يجب أن يستخدم كأداة للخضوع والسيطرة.
ومنذ جاء بوش إلى رئاسة الولايات المتحدة وسيطرة اليمين المتطرف على القرار السياسي والعسكري في الإدارة الأمريكية، بدأ هؤلاء بالسعي من أجل الضغط على الحكام، وخصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، من أجل إستخدام الدين الإسلامي للسيطرة على الناس وليس من أجلهم وبشكل خاص يفضي بالتالي إلى السيطرة على المشاعر الشعبية المناهضة لأمريكا وإسرائيل، إضافة لتسخير تلك الإنظمة للسير بالركب الأمريكي الصهيوني.
ففي الولايات المتحدة اليوم ما يقارب من 60 عضواً في إدارة بوش من النخبة الشتراوسية اليمينية الفاشية المتطرفة، وبعضهم درس في جامعة ميشيغان على أيدي شتراوس نفسه أو على أيدي تلامذته، ومن بينهم بول وولفويتس، مهندس الحرب على العراق وإحتلاله، الذي تتلمذ على أيدي شتراوس نفسه وأكمل درجة الدكتوراه على يد ألبيرت وولستيتر، أحد تلامذة شتراوس، الذي درّس كذلك ريتشارد بيرل، وكان أيضاً عراباً لأحمد الجلبي. وكحال شتراوس نفسه، فإن معظم قادة النخبة اليمينية الفاشية المتطرفة في الولايات المتحدة غير متدينين، ولكنهم تبنوا موضوع الدين كواسطة لفرض النظام على الناس الذين لا يمكن السيطرة عليهم بدونه، فهم يؤيدون التدين بسبب إيمانهم أن الدين أداة مفيدة ومؤثرة في الحفاظ على النظام والسيطرة على المجتمع. كما أن اليمين الفاشي المتطرف يؤمن بما قاله شتراوس أن الدين هو مثل "الغراء" (الصمغ) الذي يبقي المجتمع متماسكاً. وبهذا يعتبر الدين بالنسبة لهم القوة الأساسية لنجاحهم، كما ويؤمنون أيضاً بدور أكبر للدين في الحياة العامة، وأنهم ضد مسألة فصل الدين عن الدولة ذلك لأنهم يعتبرون الدين ضرورة ملحة من أجل إستخدامه كقانون أخلاقي يُفرض على الناس الذين بدونه يصبحون خارج نطاق السيطرة. ولكن بنفس الوقت تؤكد الحركة الفاشية أن الدين هو للناس فقط وليس للحكام الذين عليهم أن لا يتقيدوا به، بل من السخف التقيد به ذلك لأن الحقيقة التي يطرحها الدين، بإعتقادهم، هي مجرد "إحتيال أخلاقي". ومن هنا، فإن المجتمع العلماني برأيهم هو أسوأ شئ على الإطلاق لأنه يقلل من قابلية المجتمع على مواجهة التهديدات الخارجية. وبهذا يؤمن الفاشيون الجدد أن الدين يجب أن يستعمل لتخدير الشعب لغرض السيطرة عليه.
وبهذا الخصوص، ليس من الغريب معرفة أن شتراوس وأتباعه يؤمنون بأن النظام السياسي يمكن أن يكون نظاماً مستقراً فقط عندما يكون متحداً أمام تهديدات خارجية، وإن لم يكن هناك تهديدات خارجية، فيجب خلق واحد منها، وهذا مافعلته بالتأكيد النخبة الفاشية الأمريكية إبتداء من أحداث 11/9 ومروراً بإحتلال إفغانستان والعراق، والبقية تأتي. وبالإضافة إلى السياسة الخارجية العدوانية، فإن هؤلاء الفاشيون يؤمنون بالحروب المستمرة وليس بالسلام المستمر وبشكل لا يحيدون عنه، ويقود هذا التوجه الآن عراب الحركة الفاشية الأمريكية بول وولفويتس الذي يدعو إلى نظام عالمي جديد تسيطر عليه الولايات المتحدة بقوتها العسكرية. وحقيقة الأمر فإن هؤلاء لا يؤمنون على الإطلاق بالديمقراطية والليبرالية، ولكنهم يغزون العالم بأسماءها. ولنعد الآن إلى ما حدث في العراق بعد إحتلاله، وعلى الأخص في اليوم الذي أحكمت قوات الإحتلال الأمريكي قبضتها على مدينة النجف الأشرف. فقد كانت أولى مهمات القوات الأمريكية العاجلة، وبمساعدة من ضباط المخابرات المركزية، هو تحييد الحوزة الشيعية هناك والتي يقف على رأسها علي السيستاني، وإستخدامه بعد ذلك من أجل فرض سيطرتها على الشارع الشيعي. وقد سارت الأمور وفق ما تشتهي الإرادة الأمريكية، حيث إستطاع السيستاني الإيراني من السيطرة على مشاعر الشيعة العرب بإفتاءه عدم مقاومة المحتلين، الأمر الذي إنعكس إيجابياً ليس على قوات الإحتلال فقط بل على السيستاني نفسه أيضاً حين وافقت إدارة بريمر على إجراء "الإنتخابات" تنفيذاً لطلباته وفي موعد حدده بنفسه.
ولكي تسير الخطة التي أعدها اليمين المتطرف الأمريكي بإستخدام الدين، الإسلامي الشيعي هذه المرة، من أجل تنفيذ ما رسموه للعراق ووفقاً لنظرتهم بإستغلال الدين كما ورد أعلاه، فقد أصدروا أوامرهم إلى أحمد الجلبي بتشكيل المجموعة الشيعية "العلمانية" من تنظيمات وقوى ليس لقادتها أي إهتمام بالدين لا من قريب ولا من بعيد، والتي يمثل الجلبي نموذجاً واضحاً لها.
فما هو الدور الذي تم رسمه للجلبي من قبل الإدارة الأمريكية؟
قد يقول البعض أن الجلبي قد نبذته الإدارة الأمريكية، وخصوصاً وكالة المخابرات المركزية، حينما قطعوا عنه المعونة الشهرية بعد إتهامه بنقل معلومات سرية للإيرانيين. إلا أن المعروف أن للجلبي علاقات وثيقة جداً بمعظم رموز الحركة الفاشية المتطرفة في الإدارة الأمريكية، بل هو أحد رموزها والمتدرب على يد أحد قادتها، وقد يكون إسقاط الجلبي إعلامياً بذلك الشكل الذي سمعناه وقرأنا عنه مخطط مرسوم بعناية من قبل هؤلاء لغرض مباشرته بتنفيذ دور جديد في مسألة إستتباب الأمن لقواتهم في المرحلة اللاحقة للإحتلال من خلال إستخدامه موضوع الدين الذي يبدو لحد الآن أنه قد أنجزه بشكل جيد.
ولتنفيذ هذا المخطط، إستخدمت الإدارة الأمريكية أحمد الجلبي وإئتلافه الإسلامي الشيعي الجديد لغرض التعامل مع المرجعية الفارسية الشيعية، مستغلين علاقته الحميمة بالإيرانيين من جهة، وعلاقته بقادة الأحزاب الشيعية كالحكيم وإبراهيم الأشيقر، المتخفي تحت لقب "الجعفري"، الذين يستلمون أوامرهم مباشرة من السيستاني من جهة أخرى. وليس من المستغرب أن نرى الشارع الشيعي العربي وقد تم تخديره والسيطرة عليه، وبالضبط وفقاً لما رسمته النظرية الفاشية لليمين المتطرف الأمريكي. وما تأييد ديك تشيني ورامسفيلد لمواقف السيستاني، وكذلك ما أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس، في حديث لها نشرته مؤخراً صحيفة "لا ريبوبليكا" الايطالية، "أن علي السيستاني قام بدور مهم وأنه سيستمر في اداء هذا الدور مستقبلا" إلا تأكيد على أهمية الدور الذي لعبته المرجعية الفارسية وقيادات الأحزاب الدينية الشيعية العلمانية وغير العلمانية بكبح جماح الشيعة العرب.
وبهذا فقد نفذ السيستاني مخطط الإدارة الأمريكية الشريرة والقائمين على سياساتها العسكرية والسياسية الخارجية بنجاح، لحد الآن على الأقل. يبقى السؤال المطروح الآن هو كيف سمحت إيران للسيستاني والجلبي بتنفيذ هذا المخطط الأمريكي؟ ولابد من أجوبة على هذا السؤال سنكشف لاحقاً الكثير عنها وعن العلاقة التآمرية الأمريكية – الإيرانية على العراق قبل وبعد الإحتلال.
د. محمد العبيدي
14/2/2005
:للعودة الى سيبقى العراق الى الابـــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home