التعاون الأمريكي ـ الإيراني في إحتلال العراق ... حقائق دامغة (1)
التعاون الأمريكي ـ الإيراني في إحتلال العراق ... حقائق دامغة (1)
د. محمد العبيدي
يعلم الجميع أن إيران كانت واحدة من أكثر الدول المجاورة للعراق رغبة في الإطاحة بنظام الحكم السابق وحتى لو كان من قبل غزو أمريكي ـ بريطاني، حيث أبدت على الدوام رغبتها تلك بشكل علني. وعندما تأكدت إيران أن الولايات المتحدة عازمة على غزو العراق وإحتلاله، بدأت طهران تتناغم مع واشنطن مرة بشكل علني ومرات عديدة بشكل سري، وحيثما أرادت واشنطن المساعدة من طهران، أبدى الإيرانيون سعادتهم بتقديمها لهم ذلك لأن إيران تعلم جيداً أن إسقاط النظام في العراق لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الولايات المتحدة، بعد أن فشلت هي بإنهاءه في حرب إستمرت ثمان سنوات. وما موافقة إيران على تعاون حزبي الحكيم والدعوة التي يحمل قادتهما الجنسية الإيرانية والمرتبطين بشكل مباشر بإيران، إلا حقيقة ناصعة على التعاون بين إيران وأمريكا لإنهاء نظام الحكم في العراق، بل الحقيقة أن الإيرانيين كانوا متلهفين لمساعدة الأمريكان في إحتلال العراق وإستمرار إحتلاله بكل الوسائل المتاحة لهم على الأرض العراقية.
بالرغم من الحملات الكلامية والإتهامات بين الدولتين، إلا أن تلك الحملات لم تكن سوى حملات موجهة بعناية لنوع معين من المستمعين، المستمعين الذين يتوقعون من كلا الدولتين مثل تلك الحملات الكلامية الباعثة على الإثارة، وخصوصاً إستعمال ملالي طهران لعبارات مثل "الشيطان الأكبر" وغيرها من الشعارات الفارغة. فمن جهة التعاون بين الإيرانيين والأمريكان، يجب أن لا ننسى، على سبيل المثال، الحملة المضادة "للإرهاب" في البوسنة التي نسقت لها أمريكا مع السعودية وإيران بعملية مشابهة لعملية "إيران كونترا" الشهيرة، والتي يبدو أن الإيرانيين أرادوا من خلالها رد الجميل للأمريكان لمساعدتهم ببيع الأسلحة لهم عن طريق إسرائيل أثناء حربهم مع العراق. إن المساعدات التي قدمها الإيرانيون لقوات الإحتلال في العراق كثيرة، حيث أهم ما حصلوا عليه في العراق هو موافقة السيستاني الإيراني بإصدار فتواه للشيعة العرب العراقيين بعدم مقاومة الإحتلال، إضافة إلى تعاونهم الوثيق مع الأمريكان بإصدار تعليماتهم للسيستاني من أجل تخدير الشارع الشيعي العربي ودفعه للمشاركة بمهزلة الإنتخابات الأخيرة، وهذا ما أكدته إيران أخيراً على لسان مسؤوليها. أما المثال المعلن عن التعاون العسكري الإيراني مع قوات الإحتلال فهو مساعدة الإيرانيين للقوات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في إحتلال العراق، والذي نشرته صحيفة "الأسترالي" الأسترالية وذلك أثناء الأيام الأولى للعدوان على العراق. فقد نشرت الصحيفة تصريحاً لقائد القوات البحرية الأسترالية المشاركة في العدوان على العراق، الأدميرال ريتشي، مفاده أن القطع البحرية الأسترالية وجميع السفن الأخرى في الخليج العربي قرب المياه الإقليمية العراقية قد وضعت في حالة إنذار شديد حين تم "إكتشاف" أربعة قوارب إنتحارية عراقية محملة بالمتفجرات للقيام بأعمال قتالية ضد القطع البحرية المشاركة في العدوان على العراق. وما لا يعرفه القارئ أن هذا التحذير قد جاء بناء على معلومات من الإيرانيين عندما إكتشفت قوات خفر السواحل التابعة لهم تلك القوارب العراقية في مدخل شط العرب وإعترضت طريقها، وأن واحداً من تلك القوارب قد تمت السيطرة عليه حيث كان محملاً بما مقداره 500 كبلوغرام من المتفجرات.
فهل يعني هذا الخبر الأكيد أن الإيرانيين لم يكونوا يساعدوا قوات الإحتلال بتنفيذ مهمتهم بإحتلال العراق؟
لو أن أحد هذه القوارب قد ضرب، مثلاً، سفينة المواصلات الإسترالية "كانيمبلا" التي كانت موجودة قرب المياه الإقليمية العراقية على مقربة من مدخل شط العرب، وقتل على أثر هذا الهجوم الإنتحاري المئات من الجنود الأستراليين الذين كانوا على ظهر السفينة، فألم تكن قد كانت تلك ضربة قاصمة للأمريكان ومن ساعدهم في شن العدوان على العراق، وخصوصاً في أيام العدوان الأولى؟
المهم في الأمر أن "الإكتشاف" المنوه عنه أعلاه لم يتم من قبل الأستراليين أو غيرهم من القوات المعتدية على العراق، بل تم من قبل الإيرانيين الذي أخبروا قوات العدوان به. فالأستراليين وغيرهم من قوات الإحتلال لم يكونوا بحاجة إلى وضع قطعهم البحرية بحالة إنذار شديد لولا تحذير الإيرانيين لهم، الحالة التي بدونها ربما نكون قد شاهدنا قطعة أو قطعتين بحريتين من القطع المشاركة في العدوان على العراق وقد إنتهت إلى قاع الخليج العربي بمن فيها من جنود ومعدات عسكرية. كما أن ذلك يثبت بما لا شك فيه أن الأسطول الإيراني كان يشارك بشكل فعال في العدوان على العراق من خلال مراقبته للقطع البحرية العراقية ومنعها من الدفاع عن العراق وبالأخص ما قام به من عمليات قرب الشواطئ العراقية التي كانت إحداها ما ذكر أعلاه.
الغريب في الأمر أن ذلك الحادث لم يأتي ذكره في أي من وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، بل حتى الصحف الأسترالية لم تنشر الخبر على صدر صفحاتها بالرغم من أن الفعل الإيراني قد جنب الأستراليين كارثة كبيرة، بل نشروا الخبر في الصفحات الداخلية وبالشكل التالي، "البحرية الأسترالية أنقذت الأستراليين من هجوم قارب عراقي إنتحاري". كما لم تذكر وسائل الإعلام الأسترالية كيف أنقذت البحرية أرواح الأستراليين من ذلك الهجوم، إضافة إلى أنهم لم يذكروا أن الإيرانيين هم من حذرهم عن ذلك الهجوم.
يجب أن لا ننسى أيضاً التعاون بين إيران وقوات الإحتلال الأمريكية للعراق عندما ساعدت إيران قوات الإحتلال في القضاء على مجاميع أنصار الإسلام في شمال العراق. وعندما حاولت مجاميع من أنصار الإسلام العودة إلى داخل إيران، وبعد دخولها الأراضي الإيرانية بحوالي كيلومتر واحد، ألقت السلطات الإيرانية القبض عليهم وأعادتهم إلى العراق، كما صرح بذلك محمد حاجي محمود، زعيم الحزب الديمقراطي الإشتراكي الكردستاني، وحسبما ذكرته صحيفة Australian Financial Review الأسترالية. والمعروف جداً أن إيران كانت تدعم أنصار الإسلام بشكل سري لمدة عامين قبل إحتلال العراق مباشرة، والأغرب من ذلك أن الناطق بإسم وزارة الخارجية الإيرانية قد صرح بأن أنصار الإسلام هي مجموعة متطرفة وذات أهداف مشبوهة، وأن إيران ليست لها علاقة بهم. وعن هذا التعاون الذي أبدته إيران لقوات الإحتلال صرح وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد بقوله، "إن إيران لم تفعل أي شئ يجعل من حياتنا صعبة في العراق!!!".
إضافة إلى ذلك فإن إيران قد وافقت على تسليم طيارين أمريكيين أسقطت طائرتهما فوق الأراضي الإيرانية من خلال مباحثات أجراها مع الإيرانيين زلمان خليل زادة (سفير أمريكا الحالي لدى أفغانستان)، منسق الإدارة الأمريكية مع التنظيمات والأحزاب العراقية التي لفقت الأكاذيب على العراق وساندت العدوان عليه وإحتلاله. وفي تلك المباحثات وافقت الولايات المتحدة على إنهاء وجود منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني كرد لجميل إيران في مساعدتها قوى العدوان على العراق، بل أن القوات الأمريكية قد قصفت ودمرت قاعدتين مهمتين لمجاهدي خلق داخل العراق، الأمر الذي بعث البهجة لدى الإيرانيين.
دعونا الآن نعود لزلمان خليل زادة، فالرجل قد عينه بوش مسؤولاً عن جنوب غرب آسيا والشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي وكذلك المبعوث الأمريكي لأفغانستان وإلى التنظيمات العراقية العميلة التي ساعدت في الغزو على العراق وسلموهم السلطة فيه بعدئذ. والسؤال الآن هو لماذا هذين البلدين؟ فبغداد تبعد عن كابول بـ 1424 ميلاً. والجواب هو أن هذه الأميال لها إسم، ألا وهو إيران ... فهل يكون إسم إيران هي مفتاح اللغز؟؟؟ وبالمناسبة، فإن زلماي خليل زادة هو الذي إختار حامد قرضاي لرئاسة أفغانستان، وهو الذي إختار أعضاء النخبة الأفغانية التي إنتخبت قرضاي لهذا المنصب بعد إحتلال أفغانستان، كما وهو الذي إختار مجموعات العراقيين الذين أقاموا مؤتمر لندن سئ الصيت قبل الحرب على العراق والذي عقد بحضوره. ونزيد القارئ علماً بأن خليل زادة هو أحد أركان الحركة الفاشية الشتراوسية من اليمين المتطرف والذي تتلمذ على يد أحد قادتها.
والمعروف عن خليل زادة أنه كتب في عام 1988 دراسة مهمة للإدارة الأمريكية دعى فيها لتقوية إيران وإحتواء العراق، كما كتب مقالاً في عام 1989 لصحيفة لوس أنجيليس تايمز بعنوان "مستقبل إيران كبيدق شنطرج أو كقوة للخليج" أشر فيها الأسباب الرئيسية التي على الولايات المتحدة الأخذ بها لشن حرب على العراق والتي من بينها ذكره "إن خروج العراق منتصراً على إيران سيجعله القوة التي لا تنازع في المنطقة، ولذا يجب عمل شئ ما لعدم حدوث ذلك". كما أشار خليل زادة أن إيران قد عانت بعد الحرب مع العراق من قصور ستراتيجي وأنها بحاجة إلى درجة من الحماية !!!
يجب أن لا ننسى التسليح الأمريكي والإسرائيلي لإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية. فبدون السلاح والعتاد الأمريكي لم يكن لإيران المقدرة على خوض تلك الحرب الطويلة مع العراق خصوصاً وأنه عند بداية الحرب كانت جميع أسلحة إيران أمريكية الصنع وبهذا كانت إيران بحاجة ماسة إلى العتاد والأدوات الإحتياطية لأسلحتها والتي كانت تزودها بها أمريكا وإسرائيل.
وما حرب الخليج الأولى على العراق التي تبعها أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الحصار الظالم إلا متنفساً كبيراً لإيران لإعادة بناء قوتها العسكرية التي بها تحققت نصيحة خليل زادة بإحتواء العراق وتقوية إيران. كما يجب الإشارة هنا أن الإعلام الغربي، والأمريكي منه بالذات المرتبط بالصهيونية العالمية لم يشر على الإطلاق لما جنته إيران من الحرب والحصار اللذان قادتهما أمريكا على العراق.
يتبع/...
د. محمد العبيدي
17/2/2005
للعودة إلى موقع : سيبقى العراق الى الابــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home