هل تتفكك الولايات المتحدة قريباً؟
هل تتفكك الولايات المتحدة قريباً؟
بقلم :د. خير الدين العايب
بدأ العد التنازلي في تراجع هيبة الولايات المتحدة الأميركية الدولية بفعل أخطاء ارتكبتها الإدارة الأميركية الحالية والتي اتصفت سياساتها بالعنجهية والرغبة في السيطرة والتفرد بالإدارة الدولية ولم تحسب بأن عالم اليوم يحتاج إلى الاعتماد المتبادل بين الدول لمواجهة الهموم الدولية مشتركة مثلما تطالب به الدول رغبة منها في تحقيق التوازن والعدالة الدولية.
لقد ظنت الولايات المتحدة الأميركية أنها أسست إمبراطورية نجحت في تفكيك الإمبراطورية السوفييتية والمنظومة الاشتراكية وأنها باتت قوة دولية يحق لها لوحدها إدارة الشؤون الدولية ولم تحسب بأن معايير القوة الدولية اليوم لم تعد تتحدد في الجوانب العسكرية والاقتصادية فحسب بل تتحدد أساسا في المقدرة على التكيف مع الرهانات الدولية الناجمة عن التسارع والتداخل في الروابط بين الدول في المجالات الاقتصادية والمعلوماتية والأمنية.
وظلت الولايات المتحدة الأميركية، منذ التسعينات، حبيسة التفكير الاستراتيجي الضيق وهمها الوحيد هو الرغبة في الجلوس بمفردها على عرش الإدارة الدولية وكانت تتخوف من أي قوة دولية تشك في أنها سوف تضر بمستقبل زعامتها ولم تنتبه الولايات المتحدة إلى هذه القوى الدولية التي تخوفت منها وعملت على إبعادها قدر المستطاع من الإدارة الدولية لم ترغب بالمشاركة في الإدارة الدولية ولم تطمح إليها البتة.
بل ما كانت تفكر فيه هذه القوى كدول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين هو البحث عن آليات تستطيع بموجبها من أن تتعاون فيما بينها على حل مشكلاتها الداخلية ومواجهة الرهانات الآتية من البيئة الدولية.
وهكذا نجحت دول الاتحاد الأوروبي مثلا في تجسيد مشروعها الاتحادي بآليات مكنتها من البروز كقوة دولية جديدة يحسب لها الحساب وتتمتع باقتصاد متماسك وبإدارة مرنة استطاعت أن تتكيف مع تحولات العالم ومتغيراته وكانت النتيجة أن تحول الاقتصاد الأوروبي إلى اقتصاد متماسك رفع من النمو الاقتصادي لأوروبا وأعطى للعملة الأوروبية مكانة وهيبة.
وهذه المكانة الدولية الجديدة لأوروبا هي التي فرضت واقعا دوليا جديدا تمثل في مطالبة أوروبا الولايات المتحدة الأميركية في البدء بسحب صواريخها من بعض العواصم الأوروبية معللة ذلك بمقدرة اوروبا في الدفاع عن أمنها بمفردها وذات الإجراء سارت عليه روسيا الجديدة التي استطاعت هي الأخرى أن تتجاوز مشكلاتها وتعيد هيبتها وهاهي تعارض الولايات المتحدة الأميركية اليوم وبقوة في مشروع الدرع الصاروخية.
إن الهيبة تتولد من العقلانية وحسن الإدارة ومراعاة مصالح الآخرين واحترام إرادة الشعوب ولا تتولد من احتلال وتخويف الشعوب مثلما هو الشأن بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية التي كانت السبب في بداية انكماش الإمبراطورية الأميركية وربما هي بدايات التراجع الحتمي لإمبراطورية حكمت العالم بالحديد والنار.
وربما نشهد ميلاد عهد دولي جديد في المستقبل القريب يكون التوازن فيه لكتل وتجمعات سياسية واقتصادية جديدة قد تعيد النظر في الوضع الدولي الراهن الذي يتسم بالفوضى وبغياب العدالة وعدم احترام قواعد القانون الدولي.
الأكيد أن تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية الدولية لصالح قوى دولية جديدة سوف يخدم المجتمع الدولي أكثر مما يضره، ولكن يبقى على دول هذا المجتمع أن تطالب بالعدالة الدولية وبالمشاركة في الإدارة الدولية .
وهنا يقع العبء الأكبر على الدول العربية التي من مصلحتها الأساسية أن تسارع إلى حل خلافاتها ومشكلاتها المتراكمة وتبدأ بالتفكير في البحث عن آليات للتكيف مع الواقع الدولي الجديد، هذا الواقع الذي لم يعد يعترف بالكيانات السياسية المجهرية والمهزوزة سياسيا واقتصاديا بل يعترف بالدول المتماسكة اقتصاديا وتتمتع بقدر من الاحترام والنضج السياسي.
فعهد الأنظمة السياسية الشعبوية انتهى والمستقبل للأنظمة التكنوقراطية التي تستطيع أن تنقل شعوبها إلى عهد جديد ومتفتح على الثقافات والحضارات وقادرة على الدفع بشعوبها للنهوض من هذا الخمول والكسل الذي يغلف السماء العربية ومن ثمَّ المساهمة في التنمية الدولية.
العرب مطالبون بصنع مستقبلهم والظفر بمكانة دولية. لكن التساؤل الذي يدور في خلد أي عربي: هل الأنظمة الحالية قادرة فعلا على صنع مكانة وهيبة لشعوبها؟ الواقع يقول عكس ذلك، فما تختلف فيه الدول العربية أكثر مما يجمعها، وفي حالة التمادي في هذا الوضع سوف نظل على هامش الحياة الدولية ولا ندري ربما كتب علينا الزمان أن نبقى عبيدا ننتظر الرغيف الذي يأتينا من الخارج.
وها نحن عاجزون حتى على الالتقاء ومناقشة وضعنا، ويجب أن لا نتحسر على هذا الوضع ونرمي باللوم على الولايات المتحدة والاستعمار والإمبريالية، بل العيب فينا، وصدق من قال ان العرب سوف ينقرضون من عالم الدول كما انقرضت حضارات سابقة قبلنا، وإذا كنا بدأنا نشهد انكماش الحضارة الأميركية فنحن انكمشنا من يوم اتفقنا على أن لا نتفق.
كاتب ومحلل سياسي جزائري
Khiredine12@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home