الحملة الأمريكية اليائسة لإنهاء المقاومة الوطنية العراقية المسلحة
الحملة الأمريكية اليائسة لإنهاء المقاومة الوطنية العراقية المسلحة
بقلم: د. محمد العبيدي
في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي بتأريخ الأول من شباط/فبراير 2005، حدد الخبير الستراتيجي أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الستراتيجية والدولية في واشنطن ما أسماه «الستراتيجية الأمريكية الفعالة للعراق». وبعد نشر التقرير، تبارت العديد من وسائل الإعلام العربية وكذلك الكتاب العرب المؤمنين بـ «الديمقراطية الأمريكية» بالإشادة بتقرير كوردسمان كونه قد خلص بنصيحة للإدارة الأمريكية حول ضرورة مغادرة قوات الإحتلال الأمريكي للعراق. إلا أن ما لم يشر إليه هؤلاء هو تأكيد نصيحة كوردسمان على ما أطلق عليه «الخروج المنظم» من العراق وإعتبار ذلك تكتيكاً وليس ستراتيجية. إذ أن ذلك برأيه، وهو المهم لقوات الإحتلال، سيزيل الإصابات بين الجنود الأمريكان في العراق وينهي مصرعهم ويقلص نفقات الحرب.
لقد نصح كوردسمان الإدارة الأمريكية بوضع خطة واضحة لدعم ما أسماه «الحملة المضادة للتمرد»، أي بعبارة أخرى: لا تخرجوا سريعاً من العراق قبل القضاء على المقاومة الوطنية العراقية، وهذا ما حدده بالفعل في تقريره. فمن يقرأ تقرير كوردسمان سيجد أنه قد أشار بواضح العبارة أن المقاومة الوطنية العراقية قد نمت وإتسعت بشكل كبير ومنظم منذ بدأ إحتلال العراق، لذا نراه ينصح إدارة بوش بضرورة كبح جماح هذه المقاومة الباسلة والتخلص منها، خصوصاً وأنه حدد مسبقاً في تقرير آخر له نشر في نهاية كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي بعنوان «تطور التمرد العراقي»، حدد الأساليب التي تتبعها المقاومة الوطنية العراقية في شن هجماتها في العراق. وفي خلاصة تحليله لتلك الأساليب التي إستعملتها وتستعملها المقاومة، والتي أثبتت فعاليتها منذ إنطلاقها مباشرة بعد إحتلال العراق ولحد الآن، هو قوله بأن «المتمردين» قد تعلموا طرقاً وتكتيكات خاصة بالحرب السياسية والنفسية وحرب المعلومات. وحول تأكيده على حرب المعلومات، وجّه كوردسمان نصيحته للإدارة الأمريكية، وخصوصاً قوات الإحتلال بقوله: «هناك نقطة أساسية يجب تذكرها على الدوام وهي أن على وسائل الإعلام التركيز على حوادث بالغة التأثير وذات إصابات عالية» !!!
ترى ما المقصود بذلك؟
إن المتتبع لأحوال العراق منذ بدأ الإحتلال وحتى الآن سيجد أن الإعلام بشكل عام، والأمريكي منه بالذات، وكذلك الإعلام العراقي المرتبط بقوى الإحتلال، يركز بشكل غير عادي على أحداث تقع في العراق يذهب نتيجتها أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين حيث يلصقوها بقوى المقاومة الوطنية، في حين يعلم العراقيون تمام العلم أن عمليات كهذه لا يمكن أن تكون من فعل المقاومة الوطنية بل هي جرائم نفذتها وتنفذها قوى مرتبطة بشكل مباشر بالمحتلين وعملائهم هدفها النيل من المقاومة الوطنية العراقية. والعراقيون يعلمون جيداً حقيقة مفادها أن أي فعل لا يؤذي المحتلين وعملائهم لا بد أن يكون من فعلهم أنفسهم، فليس هناك من فصيل مقاوم يوجه سلاحه نحو المواطنين الأبرياء. وما الإرهاب الإعلامي هذا إلا جزءاً من مخطط وضعت تفاصيله بكل عناية دوائر المخابرات التي تسيطر على ماكنة الإعلام والدعاية سواء داخل العراق أو خارجه وخصوصاً تلك المبرمجة من قبل البنتاغون.
هذا وقد أكد كوردسمان في تقريره المشار إليه أعلاه أن نجاح المقاومة العراقية يعود إلى فشل قوات الإحتلال في «التعرف على نمو وخصائص تهديد قوات المقاومة رغم التعاون الذي تبديه قوات الأمن العراقية وميليشيات الأحزاب المرتبطة بالإحتلال، لذا من الضرورة فهم الطبيعة الحقيقية للتمرد!!!». ومن هنا كانت الستراتيجية الأمريكية بتفعيل إنكار الفعل المقاوم وتعتيم أخباره كطريقة للحرب المضادة للمقاومة، وهو ما يلاحظه الجميع من قبل وسائل الإعلام المرتبطة بشكل أو بآخر بالإدارة الأمريكية والمتأثرة بضغوطها. ورغم جميع محاولات مخططي السياسة الإعلامية الخاصة بالعراق في دوائر المخابرات الأمريكية والبنتاغون بفرض التعتيم الإعلامي على أخبار المقاومة، إلا أن كوردسمان لم يستطع إلا أن يثبت حقيقة يعرفها جميع أحرار العالم، والعراقيون منهم على وجه الخصوص، عندما قال: «نحتاج إلى التوقف عن الكذب على العراقيين وعلى الشعب الأمريكي والعالم ... لقد رفضنا الإعلان الحقيقي عن خسائر العراقيين وخسائرنا» !!! وتلك هي الحقيقة بأسطع صورها كما أبرزها المثل العربي «من فمك أدينك».
وتزامناً مع التعتيم الإعلامي على أخبار المقاومة وفعالياتها ضد قوى الإحتلال والمتعاونين معه، إستجمعت جميع أجهزة المخابرات التي تسرح وتمرح بأرض الرافدين قواتها ومخبريها من أجل تفعيل وتركيز عملها في القضاء على قيادات المقاومة الوطنية، إلا أنها بالتأكيد فشلت بذلك. وفي رأينا أنه حتى لو تعرضت واحدة أو أكثر من حركات المقاومة إلى هزيمة أو إنحسار لعملياتها بفعل الضربات الأمريكية لها فهذا لا يعني هزيمتها بأجمعها لأن جميع فصائل المقاومة العراقية تعمل بشكل لا مركزي وأنها غير مرتبطة بعضها بالبعض الآخر ولا يوجد هناك مركز مفصلي واحد لقيادتها جميعاً لكي يمكن أن توجه له ضربة من قبل المحتلين وأعوانهم يؤدي إلى إنحسار عملياتها بأجمعها.
لقد ذكرنا في مقال سابق أن أهمية كثرة عدد فصائل المقاومة العراقية في الوقت الراهن وعدم إرتباطها تحت قيادة مركزية واحدة جعل قوات الإحتلال تواجه مسألة شائكة في تحييد المقاومة أو التقليل من فعالياتها وضرباتها. ورغم التسريبات الإعلامية الأمريكية مؤخراً، إلا أن الحقيقة هي أن قوات الإحتلال لم تتمكن من التحدث مع قادة أي فصيل من فصائل المقاومة لغرض تحييده من جهة أو إيجاد أي موضوع مقنع يمكن التحدث به معه من جهة أخرى ذلك لأن إستراتيجية جميع قيادات فصائل المقاومة هو إيقاع أقسى الضربات والخسائر البشرية والمادية بقوات الإحتلال والمتعاونين معها، كما أنه لا يوجد هناك ما يمكن التحدث به مع قوات الإحتلال. كذلك عندما يكون حماس المقاومة في طرد المحتلين ليس سياسياً بحتاً فقط بل دينياً أيضاً فالمسألة بالنسبة للمحتلين تصبح أكثر تعقيداً، إذ لا يوجد هناك قاسم مشترك أو موضوع فاصل يمكن التحدث به مع أي فصيل من فصائل المقاومة ذات المنحى الديني، وأن تحييد فصيل أو أكثر من فصائل المقاومة يبقى عديم الفائدة بالنسبة للإحتلال لأن إخراج ذلك الفصيل أو تلك الفصائل سيبقي الحركات الأخرى قادرة على إيقاع ضرباتها بالعدو. من هنا يتبين أن وجود فصائل عديدة للمقاومة العراقية لها هدف مشترك واحد ولكنها ترتبط بقيادات ذات توجهات أيديولوجية مختلفة بدلاً من إرتباطها بقيادة سياسية واحدة هو أفضل سبيل لدحر الإحتلال وأعوانه، وعلى الأخص في المرحلة الراهنة.
ونتيجة لعجز أمريكا وأجهزة مخابراتها والمخابرات الأخرى المتعاونة معها في توجيه ضربات مؤثرة لفصائل المقاومة، وجدت الإدارة الأمريكية وعلى رأسها اليمين الفاشي المتطرف أن خير من يساعدها في القيام بمهماتها تلك هو أحمد الجلبي.
إن المسرحية التي قامت على أثرها الدنيا ولم تقعد والتي أخرجت فصولها أجهزة المخابرات الأمريكية والإعلام الأمريكي حول تزويد الجلبي للإيرانيين بمعلومات مخابراتية عن سياسة أمريكا المستقبلية في العراق بعد إحتلاله وغيرها من المعلومات السرية قد نفذ مفعولها الآن، لأن تلك المسرحية قد تم إخراجها إخراجاً جيداً لعرضها في مرحلة من مراحل إحتلال العراق، ونفذ الجلبي فصولها بكل دقة. ومن يعرف الجلبي، كونه تتلمذ على أيدي النخبة الفاشية اليمينية في الولايات المتحدة، إضافة إلى علاقاته الواسعة بقادة اليمين المتطرف الأمريكي الذين يرسمون وينفذون السياسات الخارجية والدفاعية الأمريكية، سيعي بالتأكيد أن تلك المسرحية التي نفذ الجلبي فصولها كانت من أجل تحضيره للقيام بأدوار مهمة أخرى لهم، ولكن هذه المرة لإنهاء العمل الوطني المقاوم للإحتلال، وهذا ما حصل في الأشهر القليلة الماضية.
ومن أجل بدأ الخطة الموضوعة للجلبي بتنفيذ دوره الجديد في المسرحية التي تلت مسرحية إسقاطه إعلامياً عندما إتهم بعلاقات إستخبارية مع الإيرانيين، تم تكليف الجلبي بإنشاء ما سمي في حينها «البيت الشيعي» العلماني والذي أنجزه خير إنجاز. لقد كانت أهم الأدوار التي لعبها الجلبي بعد تأسيس «بيته الشيعي» هو التحرك على التيار الصدري من أجل إنهاء مقاومته العسكرية للإحتلال الأنكلوأمريكي الصهيوني للعراق الذي نجح فيه وكما جاء متوازياً مع الضغط الذي عانى منه هذا التيار من المرجعية السيستانية الفارسية حيث إنتهى كما شاهدنا بإخراج هذا التيار من المقاومة الوطنية المسلحة.
ومن أجل الإستمرار بالدور المرسوم له، وبعد إخفاق قوات الإحتلال في تحجيم أي من فصائل المقاومة، توجه الجلبي إلى هيئة علماء المسلمين في محاولة خائبة منه لإستدراجها في اللعبة السياسية الأمريكية من جهة، ومحاولة إقناعها في التأثير على فصائل المقاومة الوطنية الإسلامية لإيقاف عملياتها ضد قوات الإحتلال والقوى العراقية الأمنية العميلة المتعاونة معها. وبعد محاولته الفاشلة تلك، أطلق الجلبي تصريحات إعلامية، تصب بذات الهدف، مفادها أنه إلتقى مع «المسلحين»، وأن هناك رغبة حقيقية لديهم في العمل والتنسيق من أجل «إنهاء الوجود الأجنبي في العراق»!!!، ولكن بعدم وجوب القتال!!!
ورغم معرفة العالم أجمع بحقيقة الدور الخياني القذر الذي مارسه الجلبي تجاه العراق وشعبه منذ إنغماسه بالسياسة وإرتباطاته المعروفة، لا بد لنا أن نذكر ما قاله عنه الصحفي المحافظ المشهور أرناود دي بورشغريف في مقال نشرته له صحيفة الواشنطن تايمز بأن «الجلبي واحد من أكبر المحتالين ذوي السمعة السيئة في تأريخ الشرق الأوسط».
فهل ستستطيع قوى الإحتلال وعملائها المنبوذين إنهاء المقاومة الوطنية العراقية المسلحة؟ هذا ما نشك فيه بكل تأكيد.
د. محمد العبيدي
6/3/2005
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبــــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home