Wednesday, March 23, 2005

ما لا يعرفه الناطقون بالعربية عن حقيقة ما جرى في حلبجه العراقية


ما لا يعرفه الناطقون بالعربية عن حقيقة ما جرى في حلبجه ألعراقية(الملف الكامل_الجزأالاول)1ج
د. محمد العبيدي
2005-01-24

الإهداء

إلى شعبنا العراقي الصابر وإلى صاحبي جود وانسكي الذي فتح بصيرة القارئ الغربي على حقيقة ما جرى في حلبجه وتخرصات ما يسمى بـ "المقابر الجماعية" أهدي هذا الملف
"متى ما إتهمت مجموعة إثنية مجموعة أخرى بالإبادة الجماعية أو بفعل فظيع، عليك التفتيش عن شركة للعلاقات العامة" (جود وانسكي)

المقدمة

سمعنا أبان إحتلال القوات العراقية للكويت عام 1990 بقضية حاضنات الأطفال حين إدعى كويتيون أن النظام العراقي قد سرق تلك الحاضنات من المستشفيات عند إحتلاله للكويت مما أدى لوفاة الأطفال الرضع الذين كانوا يعالجون بها، ثم تبين أن الفتاة التي صرحت بتلك المعلومات للجنة في الكونغرس الأمريكي والدموع تتساقط من عينيها والتي إنقلبت على أثرها الدنيا ولم تقعد لم تكن إلا "نيره" إبنة سعود ناصر الصباح السفير الكويتي في واشنطن التي لم تكن في الكويت حينذاك على الإطلاق. كما ثبت بعدئذ أن هذه المسرحية كانت من إخراج ونسج خيال شركة علاقات عامة أمريكية هي "هيل و نولتن" التي دفع لها الكويتيون مليون دولار شهرياً من أجل تأليب المجتمع الدولي، والأمريكي بالذات، على النظام العراقي. تلك الحادثة تراودني كلما فكرت بتداعيات أحداث حلبجه عام 1988 وما جرى فيها من قتل لمواطنيها والتي أصبحت فيما بعد، وخصوصاً بعد ماسمي بحرب تحرير الكويت، عنواناً إستخدمه ويستخدمه القادة السياسيون الأكراد لتنفيذ مآربهم في الإنفصال عن العراق. فقد أصبح واضحاً الآن وبما لا يقبل الشك أن القادة الأكراد ومن خلال شبكة واسعة في أوربا وأمريكا وبمساعدة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي قد وظفوا أيضا شركات متخصصة بالعلاقات العامة لتضخيم وتحريف حقيقة ما جرى في حلبجه ذلك العام.

قبل أكثر من ثلاثة أعوام سألني صديق أمريكي إسمه جود وانسكي Jude Wanniski عن حقيقة ما جرى في حلبجه وما حدث بعدها عام 1988، وذلك نظراً لما كان الرجل يقرأه من أنباء متضاربة عن حقيقة ما جرى هناك والتي كانت تنشرها ولحد الآن أجهزة الإعلام الغربية والأمريكية منها بوجه خاص. والسبب في سؤاله ذلك هو أنه كان من كبار رجال الإعلام الأمريكان، حيث كان يشغل منصب مساعد رئيس تحرير صحيفة وول ستريت جورنالWall Street Journal الأمريكية الشهيرة، وعمل بعدها مستشاراً إقتصادياً للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. بعد ذلك، ولحد الآن، ترأس شركة إستشارات إقتصادية/سياسية خاصة تتمتع بموقع متميز وذلك لما له من خبرة إقتصادية وسياسية جعلته متفوقاً على الكثيرين من أقرانه العاملين في هذا المجال. ولكون وانسكي إستمر بالكتابة عن قضايا الساعة الساخنة، فقد كانت إهتماماته بما كتب ويكتب عن حلبجه تؤرقه لما في الموضوع من فجوات لم يجد الإجابة عليها في ذلك الحين رغم كل ما إطلع عليه مما نشر حول الموضوع. وفي ذلك الوقت كانت أسئلته التي وجهها لي عن هذا الموضوع تجعلني في حيرة من أمري لأني لم أكن أيضاً ملماً بالكثير من المعلومات عن هذه القضية، خصوصاً وأني مقيم في إحدى الدول الأوربية وبعيد عن موقع الأحداث في العراق، ولم أستطع في حينه أن أزوده بمعلومات قاطعة عن حقيقة أشياء كثيرة تخص هذا الموضوع كنت أجهلها آنذاك.

وكانت هذه مناسبه بدأت معها رحلتي مع هذا الإعلامي والسياسي البارز في سبر أغوار كل ما نشر عن قضية حلبجه، ولم يفتنا في ذلك حتى الإطلاع على أبسط الأخبار والمعلومات سواء التي نشرت حول الموضوع في وسائل الإعلام الغربية، الأمريكية منها والأوربية، أو لدراستنا المعمقة لآلاف الوثائق التي حصلنا عليها من هنا وهناك. كما وإستطعت شخصياً الإتصال بأصدقاء وأقارب لي في العراق كانوا ضباطاً في الجيش العراقي طيلة الحرب العراقية الإيرانية، ومنهم ضباطاً كانوا على معرفة وثيقة بما جرى في تلك الفتره في حلبجه لقربهم من مواقع الحدث.

وطيلة حوالي ثلاثة أعوام من البحث والتمحيص إستخدم وانسكي المعلومات التي توصلنا إليها، إضافة إلى إتصالاته الشخصية بمسؤولين أمريكان كانوا في مواقع مهمة تؤهلهم الإطلاع على وثائق سرية للغاية حول ما جرى في العراق، في كتابة عدة مقالات أدهشت محتوياتها كل الساسة ورجال الإعلام الأمريكان وحتى مسؤولي البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، ذلك لأن المعلومات الموثقة التي نشرها وانسكي لا يمكن لأحد إلا أن يعترف بصدقيتها وحقيقة وقوعها. وهذا الملف يحتوي على كل ما كتبه وانسكي عن الموضوع إضافة لمعلومات وثائقية أخرى جمعتها من مصادر عديدة ومن إتصالاتي الشخصية بأشخاص لديهم الكثير من المعلومات التي لا تتوفر للمواطن العادي.

لا بد لي أولاً من أن أضع النقاط على الحروف حول الكيفية التي عمل فيها الأكراد على تحريف حقيقة ما حدث في حلبجه عام 1988 وكيف سوقوا لها في الإعلام الغربي والأمريكي بالذات وبمساعدة الموساد الإسرائيلي واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.

البداية

في عام 1993 تأسست في تل أبيب منظمة صهيونية بإسم جامعة الصداقة الإسرائيلية الكردية Israeli Kurdish Friendship League التي يرأسها الصهيوني اليهودي الكردي (أصلاً من مدينة زاخو العراقية) موتي زاكن Moti Zaken الذي عمل كمستشار لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين ناتنياهو للشؤون العربية (تصوروا !!! كردي يعمل مستشار الشؤون العربية لرئيس وزراء إسرائيل)، والذي تربطه أيضاً علاقة وثيقة باللوبي الصهيوني الأمريكي. وأثناء عمله مع بنيامين ناتنياهو الذي أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل في عام 1996 تم في ذلك العام تشكيل مؤسسة في واشنطن تحمل إسم معهد واشنطن للأكرادWashington Kurdish Institute والذي أسسه، بمساعدة مالية وإشراف من الموساد، الصهيوني مايك أميتاي Mike Amitayإبن الصهيوني المعروف موريس أميتاي Morris Amitay الذي عمل كمشرّع أقدم في الكونغرس الأمريكي وعضو اللوبي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية المؤثرة ومستشار لمركز فرانك جافني للسياسة الأمنية ونائب الرئيس السابق للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (مؤسسة صهيونية في الولايات المتحدة تتولى الدفاع عن حزب الليكود الإسرائيلي وتتخصص في التعاون المشترك بين كبار ضباط الجيش الأمريكي ونظراءهم في القوات المسلحة الإسرائيلية). ومن أعضاء المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي المعروفين هم كل من ديك تشيني، جون بولتون، دوغلاس فيث و ريتشارد بيرل. كما أن أميتاي أيضاً عضو مهم في الجناح المؤيد لنزعة اليمين الأمريكي المتطرف (المحافظين الجدد) الذين يدافعون عن التدخل الأمريكي الواسع والمباشر في الشرق الأوسط. ويشرف على معهد واشنطن للأكراد مجموعة من الأكراد المعروفين بإتصالاتهم وولاءهم للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية أمثال د. نجم الدين كريم (رئيس المعهد الحالي)، عمر حلمت، د. عثمان بابان، د. أسعد خيلاني، د. كندال نيزان، د. إسفنديار شكري و د. محمد خوشناو.

تداعيات قضية حلبجه وما رافقها من أحداث قبل توقف الحرب العراقية الإيرانية

كلنا نعلم أن الحرب العراقية الإيرانية قد بدأت في نهاية عام 1980، ولغاية 16 آذار/مارس 1988 قتل مئات الألوف من الجنود في هذه الحرب. أما إيران التي يزيد عدد سكانها على 60 مليون نسمة، فقد كان من المفترض بحسابات الغرب أنها من سينتصر في هذه الحرب على العراق ذو الـ 20 مليون نسمة، ولكن يبدو أن العراق قد كان أكثر قدرة من إيران من حيث تنظيم موارده والإنتصار بتلك الحرب في النهاية. ويتفق المؤرخون الآن أنه بنهاية عام 1987 رجحت الكفة إلى العراق، ونتيجة إحباطهم وقنوطهم، فقد زج الإيرانيون بأمواج بشرية من الجنود والمتطوعين ضد العراق، كما أنه في بداية عام 1988 كان العراق قد بدأ بإستعمال صواريخ سكود لضرب طهران .

وفي هذا الوقت بالذات كانت قصة حلبجه قد بدأت بالظهور على المستوى الإعلامي. فقد دخلت وحدة من الجيش الإيراني أو الحرس الثوري إلى هذه المدينة التي تبعد أميال قليلة عن الحدود مع إيران وإستطاعت بمساعة البيشمركة التابعة لجلال الطالباني من أن يسيطروا على حلبجه، الأمر الذي أدى بالعراقيين وقتها لطلب تعزيزات قدمت إليهم من المناطق المجاورة لإعادة إحتلال المدينة التي دخلتها القوات الإيرانية.

لقد بدأت قضية حلبجه تظهر على سطح الأحداث مباشرة بعد دخول الإيرانيين إليها حيث إستقدموا عدداً من الصحفيين لتصوير الضحايا الأكراد، وأن العدد 5000 للضحايا قد جاء مباشرة من الإيرانيين ولا يوجد هناك عدد لأولئك الضحايا من مصدر مستقل. وقد إستغلت إيران تلك الحادثة من أجل حملتها الدعائية ضد العراقيين. والغريب أن العدد الأول الذي ذكره الإيرانيون كان 4000، وقد نقلت ذلك الخبر إحدى الصحف البريطانية ناسبة ذلك الرقم للإيرانيين. ولكن بعد أربعة أيام زادت إيران من الرقم حيث أوصلته إلى 5000. وهنا دخلت منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch لتعتمد في تقاريرها اللاحقة على ذلك العدد الذي ذكره الإيرانيون من دون أدلة على الإطلاق على حقيقة ذلك الرقم.

بداية إتهام العراق

دعونا أولاً نذهب إلى الوراء للفترة التي أعقبت إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية مباشرة عندما وافق الإيرانيون على وقف إطلاق النار في وقت إختلف فيه الطرفان عمن سينهي الحرب. فالعراقيين كانوا مترددين بإيقاف هجومهم إذ أنهم لا يثقون بالإيرانيين بالطبع، ولكن الضغط على العراق جعله يوافق على الدخول في مفاوضات في وقت كان فيه الجيش العراقي مستعداً لمعاودة هجومه على الإيرانيين. وصل أثناء ذلك وفد من الأمم المتحدة إلى المنطقة حيث حددت المفاوضات لتجري في جنيف رغم أن حديثاً كان يجري وقتئذ بتحويل مكان المفاوضات إلى نيويورك، إلا أن العراقيين أصروا على المضي بالمحادثات وإلا أنهم سيعاودون هجومهم.

ففي يوم 8 أيلول/سبتمبر 1988 كان على وزير الخارجية العراقي الدكتور سعدون حمادي أن يقابل وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتس حيث كان حمادي يتوقع إستقبالاً حاراً في واشنطن للبدء بمرحلة جديدة من التعاون التجاري والصناعي بين الدولتين. ولكن بدلاً من ذلك، وفي الساعة الثانية عشر والنصف من بعد الظهر، وقبل ساعتين من الموعد المحدد للقاء حمادي وشولتس وبدون أي تحذير لحمادي على الإطلاق، خرج المتحدث بإسم الخارجية الأمريكية تشارلز ريدمان في مؤتمر صحفي مرتب مسبقاً قال فيه أن الولايات المتحدة مقتنعة بأن العراق قد إستخدم الأسلحة الكيمياوية في حملته العسكرية ضد المتمردين الأكراد. وأضاف، "نحن لا نعرف المدى الذي إستعملت فيه تلك الأسلحة، ولكن إستعمالها في هذه الحالة مستهجن وغير مبرر، لذا فنحن نعبر عن قلقنا الشديد إلى الحكومة العراقية التي تعرف جيداً موقفنا من إستعمال الأسلحة الكيمياوية بإعتباره غير مبرر وغير مقبول."

وبعد المؤتمر الصحفي، رفض وزير الخارجية الأمريكي شولتس إستقصاء المعلومات التي تحدث عنها الناطق الرسمي لوزارته حتى من قبل حلفاء أمريكا في الناتو، بالرغم من أن مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية قد قالت بأن هذا النوع من المعلومات عادة ما نشارك بها حلفاءنا وبشكل إعتيادي. وقد أفادت مصادر في الإدارة الأمريكية أن أدلة وزير الخارجية شولتس التي أعلنها تشارلز ريدمان قد جاءت بشكل رئيسي من إنصات بواسطة أجهزة الإتصالات والتي قد تكون تعرضت إلى سوء في ترجمتها.

هذا ولم يشر ريدمان في مؤتمره الصحفي إلى أي دليل، كما لم يحذر العراقيين الذي كانوا يزورون واشنطن عن هذه الإتهامات. وما أن وصل حمادي إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد مرور ساعتين على ذلك المؤتمر الصحفي لمقابلة شولتس، تمت محاصرته من قبل الصحفيين سائلين عن حقيقة تلك "المجزرة". إلا أن حمادي لم يستطع الإجابة على أسئلتهم بشكل متناسق، وبقي يسأل الصحفيين عن أسباب أسئلتهم تلك. ومن الطبيعي كان لقاء حمادي مع شولتس لقاءً فاشلاً ولم يكن حسب توقعات بغداد. وخلال 24 ساعة من المؤتمر الصحفي الذي عقده ريدمان صوّت مجلس الشيوخ بالأغلبية على قرار بفرض العقوبات الإقتصادية على العراقيين والذي كان يعني إلغاء بيع الغذاء والتكنولوجيا الأمريكية لهم. وقد تبع تأريخ 8 أيلول/سبتمبر 1988 سنتين من المضايقة الإقتصادية للعراق من قبل الخارجية الأمريكية والإعلام والكونغرس الأمريكي.

وفي الحقيقة، فقد كان العراقيون في تلك الآونة يقومون بعمليات عسكرية في محاولة لإعادة السيطرة على مدينة العمادية من الأكراد، ولكن حمادي نفى بشدة أن تكون القوات العراقية قد إستعملت الغازات ضد الأكراد. وقد طلب حمادي من شولتس أثناء ذلك المؤتمر الصحفي أن يعلن للعالم من هي مصادره لهذه الإتهامات ولكن شولتس قال أنه لا يمكنه الإفصاح عن المصادر إذ أن ذلك معناه فضح مصادر المخابرات.

عندها قال حمادي، إذن أين هم الضحايا؟ وكانت تلك هي المشكلة الكبيرة لشولتس والحكومة الأمريكية. وفعلاً أين هم الضحايا؟ فكل ما كان هناك هو تدفق الأكراد إلى تركيا وإيران، حيث كانت قوات البيشمركة هناك كدليل على هذا النزوح. إلا أن المراسلين الصحفيين الذين تحدثوا إلى الأكراد النازحين قد قالوا جميعهم أن قصص هؤلاء الأكراد تتوافق تماماً مع ما صرح به سعدون حمادي ألا وهو عدم وجود ضحايا، كما أنهم لم يتعرضوا للضرب بالغازات السامة.

وللحظات بدى أن العراقيين قد ربحوا جولة المؤتمر الصحفي ذلك بالسؤال الذي طرحه سعدون حمادي، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً بسبب ما حدث بعد ذلك. إذ أن الكمين الذي نصبه شولتس لسعدون حمادي قد خلق جدلاً كبيراً، حيث أن ما تبعه قد زاد من الطين بلّة. فبعد 24 ساعة من الإتهام العلني للعراق من قبل شولتس وافق مجلس الشيوخ على فرض الحصار الإقتصادي على العراق إعتماداً على تلك الإتهامات (شاهد نص القرار لاحقاً)، وقد كان التصويت بالإجماع تقريباً. وكما نشرت صحيفة الواشنطن بوست، فإن ذلك التصويت قد ألقى على العراق حملاً ثقيلاً لأن ذلك يعني بأن العراق سيواجه صعوبات جمة لإعادة جدولة ديونه التي كانت تبلغ في ذلك الوقت 69 مليار دولار.

وللتأكد من ذلك، فإن قرار مجلس الشيوخ لم يكن أمراً باتاً إذ أن على الكونغرس أن يقره لكي يصبح نافذ المفعول. ولكن بنفس الوقت أرسلت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ إثنان من موظفيها إلى المنطقة لإعداد تقرير عما يمكن قد حدث في المنطقة الكردية آنذاك، وهؤلاء الموظفين هما بيتر غالبريث وتشارلس دنبار. وبعد أسبوعين عاد هذين الموظفين مدّعين بأن العراقيين قد ضربوا الأكراد بالغازات السامة وأنهم لم يضربوا المتمردين الأكراد فحسب ولكن أيضاً مواطنين أكراد آخرين حيث قتل في تلك العمليات ما قد يصل إلى 100,000 مواطن كردي.

وبالطبع فقد كان العراقيون مستائين جداً من تلك الإتهامات، وعندما واجه الصحفيون وزير الدفاع العراقي بتلك المسألة فإنه رفضها بشكل قاطع ومؤكداً مرة أخرى بأنه لم تكن للجيش العراقي حاجة بإستعمال مثل تلك الغازات خصوصاً في مناطق مفتوحة حيث أن إستعمال الغازات يكون مسألة غير واقعية وعديمة الفائدة في مثل تلك الظروف الجغراقية. وفي الحقيقة فإن ما قاله صحيح، إذ أن الغاز هو سلاح خادع عند إستعماله وبإستثناء بعض الحالات الخاصة فإنه غير قاتل. إنه من المهم جداً القول أنه بالرغم من خاصية السلاح الكيمياوي هذا معروفة جداً للقوات العسكرية، إلا أنها لم تكن معروفة لوسائل الإعلام. وحيث إزدات حدة الصراع حول هذه المسألة، أصبح العراقيون حانقين كما هم الأمريكان، ومن أجل ذلك طالبوا جامعة الدول العربية تحديد موقفها، وقد فعلت ذلك ناعتة إتهام العراق بأنه إتهام مختلق. وكما هم العراقيون، فإن جامعة الدول العربية شددت على أن الأمريكان لا يمتلكون الدليل على إتهاماتهم للعراق.

وقد إدعى موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن لديهم أدلة "دامغة" بأن الهجوم على الأكراد قد حدث بالفعل. ولكن تبين فيما بعد أن تلك الأدلة لم تكن سوى أدلة "ساخرة ومضحكة" حيث أن كل ما جاءوا به هو إدعائهم بأن الأكراد قد أخبروهم !!! أن مثل هذا الهجوم قد وقع بالفعل. كما إدعى هذان الموظفان أيضاً بأنهما قد شاهدا فعلاً ضحايا تلك الغازات بشكل واضح وأنهما قد صورا الأكراد المصابين، ولكن أحداً لم يشاهد على الإطلاق ولحد الآن هذه الصور المزعومة، كما لم تثبت هوية هؤلاء الضحايا المزعومين إطلاقاً. أما فيما يتعلق بالعدد 100,000 للضحايا فقد ثبت فيما بعد أن ذلك العدد كان مجرد تخمين فقط. ولكن بنفس الوقت فإن تلك التهمة الخطيرة كانت في وقتها تعني حدوث "إبادة جماعية".

إن هذا الشأن بكامله كان في الحقيقة موضوعاً مربكاً للإدارة الأمريكية بالقدر الذي لم يظهر فيه لحد الآن أي دليل على وجود ضحايا جراء ذلك الهجوم بالسلاح الكيمياوي المزعوم، كما أن الولايات المتحدة لم تظهر لحد الآن السبب الذي حداها بتوجيه مثل ذلك الإتهام للعراق وأن مثل ذلك الهجوم قد حدث فعلاً. فإما أن ذلك كان تقديراً سريعاً ليس له أي صواب من قبل الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ أو أنه كان ملفقاً بشكل متعمد. وإن كان الإفتراض الأول هو الصحيح، فذلك يعني أنه كان يجب على موظفي لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن يصوبا أقوالهما، ولكن ذلك لم يحدث لحد الآن. والحقيقة أن محاولة الكونغرس، لكي يساعد على تجنب الأزمة، لتحويل قرار الحصار الإقتصادي على العراق الذي وافق عليه مجلس الشيوخ إلى قانون قد فشل بسبب مشاكل تقنية بيروقراطية. وفي نفس الوقت فإن بعض القطاعات الأمريكية التي كانت تتطلع لتطوير علاقات تجارية مع العراق كانت قد بدأت بتحريك قواها ضد الحصار المفترض منتقدة إياه بشكل واسع.

وبعد عشر سنوات على إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية، إستمرت وزارة الخارجية الأمريكية في التخطيط لسياسة تجاه العراق كما لو أنه مكون من مجتمع إجرامي، علماً أنه لحد الآن لم تتمكن الخارجية الأمريكية من إبراز أي أدلة على العراق من أنه كان وراء حدوث مثل تلك الهجمات بالأسلحة الكيمياوية المزعومة، إذ لو إعترفت الإدارة الأمريكية بعدم وجود مثل تلك الأدلة فهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة رفع الحصار عن العراق وهذا ما لم تكن تريده الإدارة الأمريكية على الدوام.

عندما إنتهت الحرب العراقية الإيرانية في آب/أغسطس 1988، إنتصر العراقيون الذين يقارب عدد نفوسهم 20 مليون نسمة في الحرب على إيران التي عدد نفوسها 60 مليون نسمة. وبالنظر قليلاً إلى الوراء سنجد السبب الذي من أجله قررت إدارة بوش شن حربها على العراق. فقد يكون ما حدث في ذلك التأريخ من عام 1988 معقولاً لدى الإدارة الأمريكية هو أن تنتصر إيران في الحرب مع العراق الذي كان بموضع الدفاع بالرغم من أن الولايات المتحدة كانت تساعد العراق عسكرياً بعض الشئ. ولكن من ناحية أخرى كانت إسرائيل تساعد إيران بالسلاح أيضاً إضافة لقصفها المفاعل النووي العراقي في بداية الحرب مع إيران. ومع توقعها أن العراق كان سيخسر الحرب، كانت الدوائر السياسية الأمريكية وإسرائيل تبدي فرحتها بمقتل كلا الجانبين، لأن من كانوا يقتلون في هذه الحرب هم مسلمون فقط.

وفي آذار/مارس من عام 1988 قرر العراق أن يكون بموضع المهاجم، فإقترض بلايين الدولارات من أصدقاءه العرب آنذاك وكذلك من بنوك أوربية لغرض شراء معدات حربية من الغرب حيث كانت النهاية أن إنتصر العراق في حربه مع إيران في أوائل أيلول/سبتمبر 1988. وتبعاً لما كانت قد خططت له الولايات المتحدة لإنهاء الحكم في العراق، باشرت خطتها تلك مباشرة بعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية حيث طلبت من الكويت في 8/8/1988، أي بعد يوم واحد فقط من إنتهاء الحرب، بزيادة تصديرها من النفط مخالفة بذلك كل قرارات الأوبك بحيث أصبح سعر البرميل الواحد من النفط 11 دولاراً بعد أن كان سعره 21 دولاراً، حيث كلف ذلك العراق خسارة قيمتها 14 مليار دولار في السنة في وقت كانت فيه كلاً من العراق وإيران بحاجة إلى أسعار ثابتة للنفط لإعادة بناء ما دمرته الحرب. هذا وأن البحرين أيضاً قد بدأت بزيادة مستويات إنتاج وتصدير نفطها في تلك الفترة. وبهذا بدأت مرحلة إنهاء النظام العراقي تسير وفقاً للخطة الأمريكية المعدة سلفاً والتي نفذتها الكويت والبحرين بشكل خاص.

إن الريبة واضحة هنا من أن الولايات المتحدة لم تأخذ ما حصل في شمال العراق محمل الجد إلا بعد إن إحتل العراق الكويت بعد سنتين من إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية لأنه لم يكن للولايات المتحدة دعم كاف حول مسألة إخراج العراقيين من الكويت، لذا كان من الضروري للولايات المتحدة أن "تشيطن" العراق من خلال حملة دعائية ضخمة. لذلك فإن مسألة ضرب الأكراد بالأسلحة الكيمياوية كانت ملائمة جداً للإدارة الأمريكية لشن حملة دعايتها تلك.

الحرب العراقية الإيرانية والإستراتيجية الأمريكية

عملت الولايات المتحدة بإستمرار على إضعاف العراق بشكل دائمي أو تدميره بإعتباره قوة لها حساب في المنطقة والذي من الممكن أن يتحدى الولايات المتحدة في سيطرتها على تلك المنطقة الغنية بالنفط. ومنذ إكتشاف النفط في الشرق الأوسط أو ربما قبل ذلك كانت ستراتيجية الولايات المتحدة والقوى الإستعمارية الأوربية الأخرى هو منع ظهور أي حكم وطني في المنطقة. وقد إعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على الأنظمة الفاسدة الملكية والمشايخية في الشرق الأوسط، ذلك لأن تلك الأنظمة كانت دائماً دمى لتنفيذ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لقاء حماية الولايات المتحدة لها. لقد كان سقوط نظام الشاه في عام 1979 مفاجأة كبيرة لشركات النفط الأمريكية ووكالات مخابراتها والبنتاغون التي إستخدمت الشاه كشرطي حراسة لمصالحها في المنطقة. وقد كانت الحرب العراقية الإيرانية فرصة جديدة لإستعادة ما خسرته أمريكا نتيجة الثورة الإيرانية. وكانت سياسة ريغان/بوش (الأب) هي إضعاف وإحتواء إيران من أجل تحديد تأثيرها في المنطقة، وقد أضعفت الحرب إيران بالفعل حيث أضاعت إيران مصادر بشرية ومالية كبيرة في حربها تلك مع العراق.

وفي رأي الإدارة الأمريكية هو أنه بعد إضعاف إيران سيكون الهدف إضعاف العراق والتأكد من أنه لن يستطيع تطوير نفسه كقوة قادرة على تحدي الولايات المتحدة وسيطرتها على المنطقة. فبعد إنتهاء الحرب بين العراق وإيران تغيرت سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق حالاً وأصبحت عدائية بإستمرار حيث تحمل كل صفات المؤامرة المخطط لها مسبقاً. إن الطريقة التي تغيرت بها سياسة أمريكا تجاه العراق كانت واضحة جداً مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين العراق و إيران رسمياً في 20 آب/أغسطس 1988.

بالإضافة لإدارة ريغان، فإن إدارة بوش (الأب) لم تقدم أي دليل لحد الآن وعلى الإطلاق حول أدلتها عن التهم التي وجهت للعراق عن إستعماله الأسلحة الكيمياوية ضد مواطنيه، بل هي إستمرت فقط بتكرار التهم على الدوام عبر الصحافة وعبر خطب السياسيين الأمريكان. ويعتقد تقرير كلية الحرب الأمريكية الذي نشر حول هذه القضية أن تلك الإتهامات كاذبة وأنها إستعملت من قبل الإدارة الأمريكية لتغيير الموقف الشعبي العام من العراق، بل زاد التقرير من لهجته حين قال أن تلك التهم ما هي إلا مؤامرة على العراق. وإن كان الجزء الأول من ستراتيجية الولايات المتحدة تجاه العراق هو إظهار العداء له ومعاقبته إقتصادياً، فإن الحرب كانت هي الجزء الثاني، وتفاصيل ذلك خارج نطاق موضوع هذا البحث.

إيران – كونترا والتعاون التسليحي بين إيران وإسرائيل

يتذكر الجميع قصة إيران كونترا التي كانت فيها الأسلحة الإسرائيلية تصدر إلى إيران عندما وافق الرئيس الأسبق ريغان على بيع إيران أسلحة من مخزونها في إسرائيل حيث تذهب مردودات المبيعات إلى ثوار نيكاراغوا. وقد إستعملت هذه المجموعة الأموال الناجمة عن بيع هذا السلاح ولسنوات عديدة لدعم المتمردين في نيكاراغوا الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة في معاركهم ضد حكومة مناغوا اليسارية خلافاً للحظر المفروض من الكونغرس الأمريكي والسياسة المعلنة للولايات المتحدة كما أفصحت عنها وزارة الخارجية الأمريكية والرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان.

تعود فضيحة إيران كونترا إلى خريف عام 1980 حين كان الرئيس الأمريكي كارتر يسبق ريغان في الإستطلاع الذي حدث قبل الإنتخابات الأمريكية، حيث كان من الممكن أن يفوز كارتر بالرئاسة لو تم إطلاق سراح الرهائن الأمريكان في إيران، عندها تواطأ ريغان مع الإيرانيين من خلال مفاوضاته معهم لإطلاق سراح الرهائن. وفي ذلك الوقت، إلتقى وليام كيسي رئيس حملة ريغان الإنتخابية وجورج بوش (الأب) مع رئيس الوزراء الإيراني بني صدر في باريس في شهر تشرين الأول/أكتوبر وقبل أسابيع قليلة من موعد الإنتخابات، وكان جزء من الإتفاق مع الإيرانيين هو تزويدهم بأسلحة كانوا يحتاجونها بشدة في ذلك الوقت من حربهم مع العراق. وأثناء وجودهم في باريس سلم الأمريكان 40 مليون دولار للإيرانيين كدليل للثقة بين الحكومتين وبأن إدارة ريغان مهتمة جداً بالتعاون مع الإيرانيين في هذا الخصوص. كما تم الإتفاق حينها أن االرهائن يبقون محتجزين في إيران إلى ما بعد ظهور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك ما حدث بالضبط حيث أطلق سراحهم في الساعة الثانية عشر ظهراً من يوم 21 كانون الثاني/يناير 1981 وقت تنصيب ريغان رئيساً للولايات المتحدة.

هذا وكان أول لقاء بخصوص تزويد إيران بالإسلحة لقاء إطلاق سراح الرهائن قد عقد في برشلونه، إسبانيا في تموز/يوليو 1980وليس في مدريد كما أعلن عنه مسبقاً، حيث إلتقت مجموعة الجمهوريين في فندق الأميرة صوفيا وفي مركز إدارة بيبس كولا الدولية. وكانت المجموعة برئاسة وليام كيسي، الذي أصبح بعد ذلك بعدة أشهر رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكذلك روبرت ماكفارلين، الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لمجلس الأمن القومي في عهد ريغان، وبعد لقاء برشلونه بثلاثة أشهر تم لقاء مهم آخر في باريس. وقد أكد هذا اللقاء ريتشارد برينيك، أحد ضباط المخابرات الأمريكية حيث قال أن جورج بوش كان قد حضر ذلك اللقاء في باريس يوم الأحد 19 تشرين الأول/أكتوبر 1980 حين إلتقى مع رئيس الوزراء الإيراني وعدد من المسؤولين الإيرانيين لوضع التفاصيل النهائية لصفقة السلاح مقابل الرهائن. وقد أكد ذلك اللقاء الذي حضره بوش عميل الموساد الإسرائيلي آري بن ميناشيا الذي كان حاضراً ذلك اللقاء والذي كان متورطاً أيضاً بنقل السلاح إلى إيران.

وحول التفاهم المشترك بين أمريكا وإيران، صرح ريغان في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1986 قائلاً، "منذ أن تم الإتفاق مع إيران، لم يتوفر لدينا أي دليل بأن الحكومة الإيرانية قد شاركت بعمل عدواني أو إرهابي ضد الولايات المتحدة."

وبهذا تكون العبارات الجوفاء مثل "الشيطان الأكبر" وما إلى غير ذلك من عبارات كان يطلقها ملالي طهران ضد الولايات المتحدة ليست إلا من قبيل ذر الرماد في العيون وتغطية لتعاونها وإتفاقها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، كما سيرد ذكره لاحقاً أيضاً.

وقد إستمر التعاون التسليحي بين إيران والولايات المتحدة عبر إسرائيل، عندما قررت وكالة المخابرات المركزية الأمريكة ومجلس الأمن القومي التحرك مرة أخرى تجاه إيران للتفاض معها لإطلاق سراح وليام بكلي، مسؤول المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط الذي إختطفه حزب الله اللبناني في عام 1984، حيث صرحت شخصيات أمريكية قريبة من ريغان بأنه سيقوم بعمل أي شئ من أجل إطلاق سراحه.

وقد كان مجلس الأمن القومي الأمريكي مكوناً من كل من نائب الرئيس ريغان جورج بوش، وجورج شولتس وزير الخارجية ، وكاسبر واينبيرغر وزير الدفاع، و وليام كيسي رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والكولونيل أوليفر نورث، وروبرت ماكفارلين مستشار مجلس الأمن القومي. وقد أعطي الأمر لمجلس الأمن القومي الأمريكي في 7 حزيران/يونيو 1985 للتفاوض مع إيران من أجل الضغط على حزب الله لإطلاق سراح الرهائن الأمريكان والبريطانيين الذين كانوا رهائن عند الحزب.

وكانت المفاوضات التي تتعلق ببيع أسلحة أمريكية إلى إيران، عبر وسيط إيراني هو ألبرت حكيم، قد تمت من قبل أوليفر نورث حيث إستعملت الأرباح الناتجة عن هذه الصفقة لإرسال أسلحة إلى ثوار الكونترا في نيكاراغوا. وبعد إعطاء الأمر لمجلس الأمن القومي الأمريكي بالتفاوض مع إيران، تم إجراء ست صفقات بيع أسلحة لإيران وعلى النحو التالي:

1. في آب/أغسطس 1985، تم شحن 96 صاروخ من نوع "تاو"، حيث تم نقل الشحنة من إسرائيل على متن طائرة من نوع DC-8 إلى إيران، إضافة إلى تحويل مبلغ قدره 1,216,410 دولار إلى بنك سويسري مسجل بإسم تاجر السلاح الإيراني غوربانيفار، ولكن لم يطلق سراح أي رهينة بعد هذه الصفقة.
2. وفي أيلول/سبتمبر 1985 تم شحن 408 صاروخ من نوع "تاو" أيضاً إلى إيران، أطلق على أثرها الرهينة بنجامين وير بيوم واحد.
3. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1985، تم شحن 18 صاروخ من نوع "هوك" من إسرائيل وعبر البرتغال، كما حوّل نورث مليون دولار إلى حساب مصرفي بإسم شركة Lake Resources الذي يتم تشغيله من قبل المخابرات الأمريكية لغسيل الأموال من ولاية فلوريدا. وحسب هذه الصفقة، كان من المفروض شحن 80 صاروخ من نوع "هوك"، إلا أن 62 منها لم ترسل.
4. وفي شباط/قبراير 1986، تم شحن 1000 صاروخ من نوع "تاو" وبقيمة 10,000 دولار لكل صاروخ، حيث تم إيداع مبلغ قدره 10 ملايين دولار ثمن هذه الصفقة في حساب شركةLake Resources، في وقت كان قيه سعر تلك الصواريخ الفعلي هو 3.7 مليون دولار، وأن فرق السعر (الربح) 6.3 مليون دولار قد إستعمل لشراء أسلحة لثوار الكونترا.
5. وفي مايس/مايو 1986 دفعت إيران 16.5 مليون دولار كثمن لإدوات إحتياطية لصواريخ "هوك"، أعطي منها 6.5 مليون دولار إلى الحكومة الأمريكية وتم إيداع الربح بحساب شركة Lake Resources. بعدها بشهرين أطلق سراح الأب لورنس جينكو، أرسلت بعدها بقية الأدوات الإحتياطية لصواريخ "هوك" إلى إيران.
6. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1986، تم شحن 500 صاروخ من نوع "تاو" إلى إيران، أطلق على أثرها سراح الرهينة ديفيد جاكوبسن. تم دفع 3.6 مليون دولار من قيمة الصفقة إلى الحكومة الأمريكية وتم إيداع الربح بحساب شركة Lake Resources.


هذا مع العلم أن جميع هذه الأسلحة قد تم شحنها من إسرائيل ومن خلال طرق متعددة، وأنها تمت بعد إجتماع عقده بوش (الأب) مع مستشار إسرائيل لشؤون الإرهاب أميرام نير في فندق الملك داود بالقدس.

وحسب تقرير لجنة الكونغرس التي تشكلت للتحقيق بفضيحة إيران كونترا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1987، فإن بيع السلاح لإيران كان قد بدأ في صيف عام 1985 من خلال إسرائيل بعد إستلمت موافقة الرئيس ريغان. وأن إسرائيل قد وافقت على هذه الصفقة بعد إن إستلمت أيضاً تأكيداً من تاجر السلاح الإيراني مانوشير غوربانيفار وأخصائي مجلس الأمن القومي الأمريكي مايكل لدين، الذي يعمل تحت إمرة مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي روبرت ماكفارلن. وعندما سأل لدين رئيس وزراء إسرائيل آنذاك شمعون بيريز للمساعدة في بيع السلاح لإسرائيل، وافق الأخير على ذلك شرط أن تحصل موافقة أعلى الجهات الرسمية الأمريكية على ذلك.
وعندما طرح موضوع أول صفقة سلاح لإرسالها إلى إيران، طلب وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين موافقة أمريكية خاصة بذلك قبل إرسال الشحنة، حيث تمت تلك الموافقة من الرئيس ريغان. وقد تم دفع جزء من قيمة تلك الصفقة من قبل المليونير السعودي عدنان خاشقجي، الذي دفع مبلغاً قدره مليون دولار للصفقة الأولى وأربعة ملايين دولار للصفقة الثانية.

هذا وقد نشر الكونغرس الأمريكي تقريراً في عام 1987 عما عرف بعملية "إيران كونترا" جاء فيه:

"مارست الولايات المتحدة نوعين متناقضين من السياسات الخارجية – معلنة و سرية. كانت الغاية من السياسة المعلنة هو تحسين العلاقات مع العراق، وبنفس الوقت كانت الولايات المتحدة تشارك بشكل سري معلومات إستخباراتية عسكرية عن العراق مع إيران. وقد أخبر الكولونيل أوليفر نورث الإيرانيين أن الولايات المتحدة ستساعد في التشجيع على التخلص من الرئيس صدام حسين وتلك مسألة تعارض سياسة الولايات المتحدة المعلنة. وقد وضح الكولونيل نورث في محادثة له مع ريتشارد سيكورد وألبرت حكيم وأحد المسؤولين الإيرانيين في مدينة فرانكفورت الألمانية عام 1985، حيث يعتبر هؤلاء الثلاثة من أهم اللاعبين في عملية "إيران كونترا"، حين قال لهم:

"إن أحد الأشياء التي نرغب بعملها هو أننا نرغب في أن نتدخل بشكل فعال في إنهاء الحرب العراقية الإيرانية بطريقة يكون واضحاً فيها للجميع أن الرئيس صدام حسين هو من يسبب المشاكل. وإن كان لي أن أتكلم مع أي قائد مسلم فإنه سوف لن يقول أن الرئيس صدام حسين هو المشكلة، بل سيقول أن إيران هي المشكلة. إن ما نتحدث عنه هي عملية يعتقد فيها جميع العرب أن العراق لا يمثل تهديداً لهم بل أن إيران هي من يمثل هذا التهديد وأن إيران هي من تسعى لإجتياح الكويت. إن المشكلة الحقيقية في منع تحقيق السلام في المنطقة هو الرئيس صدام حسين، وأنه علينا جميعاً أن نهتم بهذه المسألة."

إن الإعتقاد السائد الآن في الأوساط السياسية التي عارضت الموقف الأمريكي أن قضية حلبجه تؤكد أن للإسرائيلين يد طولى بما صرح به جورج شولتس، خصوصاً وأن إسرائيل كانت قد ساندت إيران في حربها مع العراق بإعتبارها واحدة من أكبر مجهزي السلاح لإيران أثناء الحرب مع العراق وقد كان إنتصار العراق في الحرب مفاجأة كبيرة لإسرائيل لذلك قررت القيام بشئ ما حيال ذلك، شئ يمكن أن يطلق عليه عبارة "دعاية إستباقية". وفي تقرير لها ذكرت وكالة إستخبارات الدفاع الأمريكية أن إسرائيل كان تزود إيران بكل ما تحتاجه لتصنيع أسلحة كيمياوية من النوع الذي قتل به الأكراد في حلبجه (غاز من مكونات السيانيد)، وما فضيحة "إيران كونترا" إلا الضربة الموجعة لإيران "الإسلامية" التي تتعاون مع الشيطان الأكبر (إسرائيل) من أجل أن تنتصر في حربها مع العراق. كما أن سبب تزويد إسرائيل لإيران بالأسلحة، وحسب موقع مؤسسة التعاون الأمريكية الإسرائيلية، كان حسب نظرية "عدو عدوي صديقي" لأن العراق كان يمثل الخطر الأكبر على إسرائيل. والسبب الثاني هو وجود عدد من اليهود في إيران حيث كانت إسرائيل تأمل في شراء سلامتهم أو إخراجهم من إيران سواء بعمليات سرية أو غير سرية.
لقد كانت أكثر الإهتمامات أثناء الحرب العراقية الإيرانية منصبة على أن واحداً من البلدين سينتصر في الحرب بالتأكيد وبذلك سيظهر كقوة يحسب لها حساب في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى أن ذلك الطرف، وحسب هذا الموقع الصهيوني، سيهدد أمن الدول الضعيفة في المنطقة وبالتالي الأمن الإقتصادي للغرب الذي يعتمد على نفط الخليج. لذلك فقد كان من مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل أن تطول هذه الحرب بحيث تنتهي وكلا الطرفان أضعف بكثير مما كانا عليه قبل بدأ الحرب بينهما. وليس هذا فقط، بل إستمرت إسرائيل بتعاونها التسليحي مع إيران في مجال الأسلحة الكيمياوية خصوصاً بين الأعوام 1992 و1994 حيث باعت إسرائيل لإيران معدات ومواد وأساليب وتكنولوجيا خاصة بإنتاج غاز الخردل وغاز السارين والتي وردتها لإيران شركة موشى ريجيف، حسبما ذكرته صحيفة هآرتز الإسرائيلية في عددها الصادر بتأريخ 20 كانون الثاني/يناير 1999.
هذا وكان سعي إيران لإمتلاك الأسلحة أثناء حرب الخليج على أشده، وذلك في ظل وجود العديد من الدول وتجار الأسلحة السريين، والساعين لعقد صفقات بيع الأسلحة وجني العمولات المغرية التي تعرضها إيران. ونظراً لحصول إسرائيل الدائم على نفس أنواع تلك الأسلحة الأمريكية، والتي كان يعتمد عليها الشاه في بناء ترسانة الأسلحة الإيرانية، فضلاً عن رغبة إسرائيل في بناء صناعة أسلحة وطنية، فقد تزعمت إسرائيل الدول الساعية لتسليح إيران. قدرت صحيفة Observer البريطانية حجم مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران بإجمالي قدره 500 مليون دولار أمريكي سنوياً. وفي زمن حكم الشاه محمد رضا بهلوي كانت إيران أكبر مشتري في العالم للأسلحة الإٍسرائيلية. وبعد الإطاحة بشاه إيران وتأسيس حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت تلك الحكومة معادية للصهيونية، ظاهراً على الأقل، فقامت بشنق مواطن إيراني يهودي بارز بتهمة "التجسس لصالح إسٍرائيل". إلا أنه عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران في عام 1980 إلتقى مندوبين إيرانيين في باريس مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي وعقدوا إتفاقية "اليهود في مقابل الأسلحة". وسمحت إيران لمواطنيها اليهود بموجب هذه الاتفاقية بالهجرة إلى إسرائيل، وفي المقابل باعت إسرائيل لإيران الذخيرة وقطع غيار الدبابة Chieftain وطائرات فانتوم F-4 الأمريكية. تمت هذه الاتفاقية من خلال تاجر أسلحة إسرائيلي إلى أن إنتهى العمل بها على نحو ملائم عام 1984، عندما كانت إيران بطيئة في تسديد الفواتير.
بالرغم من أن السرية هي المبدأ الأساسي في عالم تجارة الأسلحة، إلا أن تفاصيل العديد من صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران قد طفت على السطح. ففي عام 1981، قام ياكوف نيمرودي، أحد الأًصدقاء المقربين لقادة السياسة الإسرائيلية، ببيع ما قيمته 135 مليون و842 ألف دولار أمريكي من صواريخ هوك المضادة للطائرات، ومدافع الهاون عيار 155 مم، والذخيرة وغيرها من الأسلحة من خلال شركة International Desalination Equipment لمعدات تحلية المياه في تل أبيب. علماً بأن نيمرودي عمل خلال الفترة من 1955 إلى 1979 كملحق عسكري لإسرائيل في طهران.
أعلن راديو لوكسمبورج في 24 تموز/يوليو من عام 1984، أن نيمرودي قد إلتقى في زيورخ بنائب وزير الدفاع ورئيس المخابرات الإيرانية. وقد أعلنت مصادر الحكومة السويسرية أن الاجتماع قد أسفر عن صفقة لشحن حمولة 40 شاحنة من الأسلحة في اليوم من إسرائيل إلى إيران عبر إسرائيل وتركيا.

وفي 15 أيلول/سبتمبر من عام 1985، قامت طائرة شحن من طراز DC-8 بالهبوط الاضطراري في تل أبيب أثناء عودتها من إيران بعد أن كان من المفترض أن تتجه إلى ملاجا في أسبانيا. وقد تبين بعد ذلك أن الطائرة قد إشترتها شركة "نيجيرية" وهمية في بروكسل من مؤسسة غامضة في ميامي. وكشفت التحقيقات أن الطائرة كانت تحمل صواريخ هوك من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران عبر إسرائيل، كما تبين أن طائرة بوينج 707 مملوكة لهذه الشركة تقوم بنقل شحنات من 1250صاروخ TOW من إسرائيل إلى إيران عبر ملاجا.

وفي نفس الوقت تقريباً، أوردت صحيفة Observer البريطانية تقريراً حول سفينة تحمل 2,500 طن من البضائع الإسرائيلية كانت تقوم بالتوصيل السريع، وتتجه مباشرة نحو ميناء بندر عباس بدلاً من الذهاب أولاً إلى زائير حيث ينتظرها المشترون الإيرانيون ليقوموا بفحص الشحنة. وفي مايس/مايو عام 1986، أحبطت السلطات في ألمانيا الغربية صفقة للذخيرة بقيمة مليون دولار أمريكي، وكشفت عن صفقة للدبابات قيد التنفيذ. وأدين في هذه القضية شخص إسرائيلي وآخر كان يحمل الجنسية الإسرائيلية. وأعلنت مجلة Stern الأسبوعية في ألمانيا الغربية عن تلكس من شركة للصناعات العسكرية الإسرائيلية مملوكة للحكومة بتأريخ الأول من نيسان/أبريل ويشير إلى تورط الحكومة الإسرائيلية رسمياً.

وفي حزيران/يونيو من عام 1986 ورد تقرير بشأن رجل أعمال سويدي قام بدور الوسيط لبيع متفجرات إسرائيلية لإيران، وقد خرجت الشحنات من إسرائيل إلى إيران عبر الأرجنتين. وفي أيلول/سبتمبر من عام 1986، أوردت United Press International تقريراً بأن إتحاد البحارة الدانمركي لديه سجلات تثبت قيام شركة شحن دانمركية بنقل أربع شحنات تصل إلى 900 طن من ميناء إيلات الإسرائيلي إلى ميناء بندر عباس في إيران. وقد كان الإتحاد على ثقة من أن الأسلحة أمريكية الصنع.

ويعد إعادة بيع الأسلحة الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية بدون تصريح، محظوراً بموجب القانون الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة لبيع الأسلحة الأمريكية لإيران. وفي حوادث متفرقة خاصة بمفاوضات للبيع داخل الولايات المتحدة الأمريكية، قامت السلطات الفيدرالية بإلقاء القبض على إثنين من جنود الإحتياط الإسرائيليين وأمريكي من أصل يوغوسلافي هو بول كاتر. كان بول على صلة بوزير التجارة والصناعة الإسرائيلي آنذاك أريل شارون، وكان قد أبلغ زملائه أنه مفوض من جانب إسرائيل لبيع الأسلحة التي إستولت عليها إسرائيل في لبنان عام 1982، وتم فيما بعد إدانته والحكم عليه بالسجن.

ومع ذلك، فقد تم في عام 1986 إحباط أكبر صفقة للأسلحة لإيران من خلال عملية فيدرالية بإسم Sting، فقد أوقع عملاء مصلحة الجمارك الأمريكية بجنرال متقاعد من الجيش الإسرائيلي هو إفرايم بارعام ومعه 12 من الأعوان (منهم ثلاثة إسرائيليين) في كمين محكم في نيسان/أبريل 1986، حيث تم تسجيل شرائط بواسطة مصلحة الجمارك تكشف عن تورط الحكومة الإسرائيلية في خطة لبيع ما قيمته 2.6 مليار دولار أمريكي من الأسلحة الأمريكية لإيران بوساطة دولة ثالثة.

تمكنت صحيفة Chicago Tribune من الإطلاع على هذه التسجيلات والتي تكشف عن أن صامويل إيفانز المحامي الأمريكي المقيم في لندن قد قام بتنسيق عمليتين مختلفتين لعرض طائرات وصواريخ متقدمة ومعدات مدفعية على إيران. ويُسمع في التسجيلات صوت هذا المحامي وهو يقول أنه سوف يناقش هذه الصفقة مع وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق رابين، وأن سلطة الفصل في هذه الصفقة "تعود إلى بيريز (رئيس الوزراء)".

وتعد هذه القضية خطيرة لأمريكا على وجه الخصوص لأن السلطات الفيدرالية قدمت الدليل في قرار الإتهام على أن تلك الصفقة قد تضمنت شهادات إعادة تصدير مزيفة تصدق على تصدير إسرائيل للفائض من أسلحتها لتركيا، وهو ما يعد مسموح به قانوناً، وليس لإيران لأنه محظوراً.

زعم الجنرال بارعام من داخل زنزانته في السجن، أنه قد حصل على تصريح من الحكومة الإسرائيلية لبيع الأسلحة. بينما أنكر المسؤولون في إسرائيل أي تورط وأصروا على أن التصريح كان لترويج المبيعات، وهو واحد من ألف تصريح تم توزيعها على موظفين عسكريين سابقين. وقد سعى الإسرائيليون بقوة لترسيخ هذا الزعم. وفي أواخر أيلول/سبتمبر 1986 دعا وزير الدفاع الإسرائيلي رابين لمؤتمر صحفي وصرح فيه بأن عملية إصدار التصاريح سوف تتغير بهدف تجنب ظهور مثل تلك التصاريح الحكومية. ولكن كان هناك تصريح سابق لياكوف نيمرودي بأن هذه المبيعات تتمتع بتفويض حكومي وأن هذه التصاريح تصدر عن قسم خاص في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ومن الصعب حدوث هذه التضاربات التي ذكرها رابين، كما أن هناك العديد من التقارير على مدى السنوات الماضية تفيد بأن بيع الأسلحة يتم بوساطة عملاء أو من خلال أطراف أخرى.

تجنبت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مناقشة هذه القضية مع الحكومة الإسرائيلية على الملأ. وعندما تم إلقاء القبض على المتهمين في عملية برمودا، وردت تقارير بأنه تم إستدعاء السفير الإسرائيلي لتوجيه تحذير شديد له. ومع ذلك فلم يركز النائب العام على دور الحكومة الإسرائيلية عندما تمت محاكمة المتهمين في عملية برمودا في نيويورك في تشرين لثاني/نوفمبر 1986.

وخلال أزمة الرهائن في 1979-1981، نبهت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل على وجه الخصوص بإيقاف توصيل صفقات الأسلحة بينما كانت إيران تحتجز رهائن أمريكان، ومن الممكن أن تكون إسرائيل قد امتثلت. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 1986 أكد وزير الخارجية جورج شولتز للدبلوماسيين من دول الخليج العربية أن إسرائيل قد أبلغت المسؤولين الأمريكيين أنها قد أوقفت بيع الأسلحة لإيران في عام 1983، وبالطبع لم يكن ذلك حقيقياً. والواقع أن شولتز قد إتهم الإتحاد السوفييتي بعدم التشديد على حلفائه بتجميد مبيعات الأسلحة لإيران.

وأثناء فترة رئاسة ريغان للولايات المتحدة الأمريكية، تأرجحت السياسة الأمريكية بين عدة مستويات من الدعم للعراق. وكانت السياسة الإسرائيلية بشأن حرب الخليج تميل دائماً للتصريح بأنها سوف تساعد على إستمرارها لأطول فترة ممكنة لأن المذابح البشعة كانت تلتهم المقاتلين من الطرفين وتمنعهما من الهجوم على إسرائيل.

وفي عام 1983، كشف وزير الدفاع آنذاك أريل شارون دون أن يقصد أثناء محادثات أمريكية، أن إسرائيل تبيع الأسلحة لإيران لأنها تعتبر العراق العدو الأكبر لها، وأنه تمت مناقشة الصفقات بإستفاضة مع المسؤولين الأمريكيين. وأقر المسؤولون الأمريكيون بهذه المناقشات ولكنهم أنكروا أن إسرائيل قد حصلت على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي ربيع عام 1985 أدت حملة المعلومات المضللة التي روجت لها إسرائيل، إلى طرح فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد طلبت من إسرائيل بيع الأسلحة لإيران. وقد تواردت أقاويل أن التسجيلات في قضية بارعام تفترض أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تفكر بشأن تحويل مساندتها لإيران بينما كان يتم الكشف عن عملية Sting.

وكان آخر دفاع للحكومة الإسرائيلية، هو نفسه الدفاع القديم المستهلك والذي كان من المحتمل أن يكون مدعوماً من جانب الجماعات الأمريكية التي تنادي بالحد من النفوذ السياسي لإسرائيل. وسعى مروجو المعلومات الإسرائيلية المضللة في واشنطن لإثبات أن الممارسات الإسرائيلية التي تتعارض تماماً مع الأهداف المعلنة للحكومة الأمريكية، إنما هي في الواقع جزء من "لعبة مزدوجة" منسقة بطريقة ما مع واشنطن. وهذه المرة لم يدع إلقاء الحكومة الأمريكية القبض على "الوسطاء" الإسرائيليين، أي شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تجميد وليس تشجيع صفقات السلاح الإسرائيلية لأعداء الولايات المتحدة الأمريكية.

تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان

إن منظمة مراقبة حقوق الإنسان هي منظمة أمريكية غير حكومية مقرها في نيويورك كانت قد ناصرت الادعاءات حول ما يسمى مجازر حلبجه والإبادة الجماعية للأكراد في شمال العراق، وقد نشرت المنظمة في 11 آذار/مارس 1991 تقريرها عن حلبجه. وزعمت المنظمة أن العراق قد إستخدم الأسلحة الكيمياوية في أربعين محاولة لشن هجمات على أهداف كردية خلال حملة وصفتها بأنها إبادة جماعية. ويعد أهم هجوم ذكر في تلك التقارير هو هجوم بالسلاح الكيمياوي الفتاك الذي وقع في آذار/مارس 1988 والذي راح ضحيته، وفقا لدراسة أعدتها المنظمة، أكثر من 3,200 شخص أو ربما يصل عدد الضحايا إلى 5000 شخص أو حتى إلى 7000 شخص كما يزعم جوست هلترمان كاتب التقرير الأصلي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الخاص بحلبجه الذي نشرته المنظمة في 11 آذار/مارس 1991. وقد ورد في التقرير الفقرة التالية نقلاً عن أحد قادة الإتحاد الوطني الكردستاني (حزب الطالباني) يقول فيه: إن ما حدث في حلبجه يومي 16 و 17 آذار 1988 لم يكن المرة الأولى التي إستعمل فيها العراقيون الغازات السامة، فقد سبق لهم أن أسقطوها من قبل على قرية باغلو التي تبعد 20-30 كيلومتراً من الحدود الإيرانية حيث كان لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني مقراته هناك في ذلك الوقت. وقد قتل ثلاثة أو أربعة من القادة بعد مرور خمسة دقائق من التعرض للغازات السامة، ولكني قد نجوت لأني كنت على بعد حوالي 20 ياردة من موقع سقوط القنابل، وكذلك لكوني كنت مرتدياً ملابس واقية وواضعاً القناع الواقي من الغازات.

الملفت للنظر في هذه الفقرة من التقرير التي إعتبرتها المنظمة إحدى الشهادات المهمة جداً عندما صاغت ذلك التقرير هو كيف أن هذا الشخص (قائد في حزب الطالباني) لم يستطع أن يحدد بالضبط إن كان قد قتل ثلاثة أم أربعة من رفاقة الذين يعمل معهم في نفس الموقع القيادي للحزب في تلك القرية وخصوصاً كما يقول أنه كان على بعد 20 ياردة منهم؟ والشئ المهم الآخر هو كيف علم هذا القيادي الكردي بأن العراق سيسقط عليهم الغازات السامة في ذلك الوقت والتأريخ بحيث كان قد إرتدى مسبقاً ملابسه الواقية والقناع الذي يقيه من إستنشاق تلك الغازات السامة؟ ولماذا لم يكن رفاقه قد إرتدوها أيضاً وهم على هذه المسافة القريبة جداً بعضهم من البعض الآخر؟

كما تقول منظمة مراقبة حقوق الإنسان، و وفقاً لإدعاءاتها، أنها قد درست بشكل مستفيض ولمدة ثلاثة سنوات 18 طناً من الوثائق وقابلت المئات من الشهود، وقررت بعدها أن الحكم في العراق قد قام بجريمة الإبادة الجماعية ضد الأكراد، وأنه قد قتل 50,000، وربما 100,000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال بعد أن فلتت زمام الأمور في الفترة ما بين شباط/فبراير و أيلول/سبتمبر 1988، وأن الضحايا كانوا من الأكراد العراقيين الذين قتلوا بطريقة منظمة حيث إستهدف القتل أعداداً كبيرة بناء على أوامر الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك فإن حقيقة أطنان المستندات التي تتحدث عنها المنظمة والتي تحتوي على أسماء الآلاف من المواطنين الأكراد التي تدعي المنظمة بأنه قد جرى قتلهم هم في الواقع أولئك الذين تم إسكانهم بعيداً عن الحدود.

لم تعد إدعاءات منظمة مراقبة حقوق الإنسان حول هذه المسألة قائمة الآن، إذ أن هناك حالتين تدعي بهما هذه المنظمة أنهما حدثتا في شمال العراق ألا وهي ضرب الأكراد بالغازات الكيمياوية في حلبجه في شهر آذار/مارس 1988 وكذلك في شهر آب/أغسطس 1988 في نهاية الحرب العراقية الإيرانية. فمنظمة مراقبة حقوق الإنسان أقرت الآن أن مدينة حلبجه قد وقعت بين الجانبين المتحاربين، العراق وإيران، بعد أن دفع الجيش الإيراني العراقيين خارج حلبجه. كما وأن وكالة مخابرات الدفاع الأمريكية أقرت أيضاً أن غاز من مركبات السيانيد قد إستعمل من قبل الإيرانيين وأن العراقيين إستعملوا غاز الخردل عندما أخرجوا الإيرانيين من حلبجه بعد أن إحتلوها. كما أن ورود عدد 5000 قتيل بين الأكراد المدنيين هو رقم مضخم جداً حيث أن المراسلين الصحفيين الذين زاروا الموقع بعد حدوث المعارك أكدوا بشكل متزامن أنهم شاهدوا "جملة" من الوفيات في الشوارع. أما الحديث عن مقتل 100,000 كردي فيما يسمى بحملة الأنفال فلم يوجد لهم أثر لحد الآن حتى بعد إحتلال العراق من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها، وأن الحديث عن أن هؤلاء الـ 100,000 قد تم جمعهم من قبل قوة عسكرية عراقية خاصة وتم إطلاق النار عليهم ودفنوا في مقبرة جماعية لم يتم إكتشافها لحد الآن.

وللعلم فإن منظمة مراقبة حقوق الإنسان قد أعربت عن تقديرها العميق لموظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بيتر غالبريث الذي كان مستشاراً في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي، و السفير تشارلس دنبار الذي عمل سابقاً في وزارة الخارجية الأمريكية، الذين زارا المناطق التركية التي لجأ إليها الأكراد، وذلك لما قاموا به من خدمات لهذه القضية خصوصاً في دور وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ لتشجيعهما على الإيمان بحدوث تلك الإبادة الجماعية المزعومة. علماً بأنه كان لبيتر غالبريث الدور الرئيسي في تلك الإدعاءات حين كان يعمل مستشاراً في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي بين الأعوام 1979 – 1993، وعمل بعدئذ سفيراً لأمريكا في كرواتيا. أما دنبار فقد عمل بعد ذلك موضفاً كبيراً في وزارة الخارجية الأمريكية وعمل فيما بعد كسفير لأمريكا في اليمن وقطر.

وهناك صوت معارض لذلك غريب جداً وهو خاص بوكالة الاستخبارات المركزية في ملف تشرين الأول/أكتوبر 2002 عن "برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص بالعراق"، حيث حدد هذا الملف عشرة حالات فقط لإستخدام العراق للأسلحة الكيمياوية، ولم يتم إستعمال أياً منها ضد الأكراد وبشكل خاص خلال الحرب العراقية الإيرانية. تمت الإشارة إلى سبع هجومات إستخدمت ضد الإيرانيين وثلاثة فقط كان ضحاياها من الإيرانيين والأكراد بما فيها حلبجه، ودعم هذا إدعاء العراق بأنه إستخدم غاز الخردل فقط في العمليات العسكرية ضد إيران. والأهم من ذلك زعمت وكالة الاستخبارات المركزية إصابة 20,000 شخص ما بين قتيل وجريح في الحملة العراقية المزعومة ضد الأكراد، بعكس تأكيد منظمة مراقبة حقوق الإنسان على وفاة 50,000 أو 100,000 شخص. إن تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية يجب أن يتم تفسيرها كأرقام قصوى ممكنة.

إن منظمة مراقبة حقوق الإنسان قد أقرت الآن أنها إعتقدت في البداية بصحة أقوال وزير الخارجية الأمريكي شولتس وبما قاله موظف لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بيتر جالبريث والتي ثبت الآن أنهما كانا على خطأ.

من ساند إدعاءات منظمة مراقبة حقوق الإنسان؟

1. جيفري غولدبيرج :

هناك آخرون تبنوا إدعاءات ومزاعم وقوع عمليات إبادة جماعية، وعلى رأسهم جيفري غولدبيرج Jeffrey Goldberg الذي كتب فى 25 آذار/مارس 2002 قصة من 18 ألف كلمة أسماها : "الرعب الأكبر" صدرت عن مجلة نيويوركر، ووضعت على الموقع الإليكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية عن عمليات الإبادة الجماعية المزعومة. فقصة غولدبيرج مليئة بالأحداث المثيرة حيث ذكر من خلالها على سبيل المثال، أن إمرأة تدعى "حميدة محمود" ماتت وهى ترضع طفلتها إبنة العامين، ثم ذكر قول منظمة مراقبة حقوق الإنسان "إن حملات الهجوم التي شنها الرئيس صدام حسين على مواطنيه تؤكد أن هذا هو الزمن الوحيد منذ محرقة النازيين الذي إستخدم فيه الغاز السام لإفناء النساء والأطفال". وقبل الحرب على العراق ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش خطاباً أشار به إلى المقالة التي كتبها جيفري غولدبيرج في مجلة نيويوركر عن تصوراته لما حدث في حلبجه عام 1988 وعن إدعاءه أن النظام العراقي قد قتل ما يقارب من 100,000 كردي. وفي ثلاثة لقاءات مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في أحد برامج يوم الأحد الحوارية أشار هو الآخر لنفس القصة التي أشار إليها رئيسه.

الملفت للنظر في مقالة جفري غولدبيرج هو محاولة يائسة منه لتصوير ما حدث في حلبجه على "أيدي العراقيين" وذلك بقوله "إن الطريقة التي وصفوها لي (أي الأكراد) كانت بالضبط تشبه غرفة الغاز (نفس المصطلح الذي يستعمله اليهود عن غرف الغاز التي قتل فيها اليهود على أيدي النازيين _إن كانت هناك صحة لذلك)"، ؟؟؟؟؟ الغريب أيضاً في أمر مقال جيفري غولدبيرج هو قوله أن العراقيين قد أسقطوا من الطائرات قنابل الغازات السامة من أجل إجراء تجارب طبية على سكان مدينة حلبجه !!!!. أمر غريب حقاً. إذ لو كان العراقيين قد أطلقوا هذه القنابل للغازات السامة من الطائرات فلماذا لم يقر الإيرانيين بإصابة قواتهم كذلك بمثل هذه الإصابات التي حدثت للمدنيين في تلك المدينة.

وحول قصة جيفري غولدبيرج وتخرصاته يقول جود وانسكي، "لا يوجد أي تقرير في العالم عن رئيس دولة يسمم ويقتل أبناء وطنه في العراء بدون سبب، فقد قتل هتلر اليهود لأنه كان يظن أنهم دون البشر في حين أن الرئيس صدام حسين لم يفعل ذلك. فلو كان الرئيس صدام حسين قد فعل ذلك فلماذا إلتجأ إليه حزب البارزاني لشن حرب على حزب الطالباني بعد حرب الخليج الأولى؟ إضافة لذلك كيف يمكن أن يقدم الأكراد مأواً لنزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي السابق أبان أحداث حلبجه عند هروبه من العراق ومن ثم مساعدته للإنتقال إلى الأردن. ذلك كمن يتصور أن أريل شارون يساعد غورنغ للهروب من ألمانيا إلى الأرجنتين. والغريب في الأمر أن رئيس الأركان العراقي هذا قد صرح مرات متعددة بأن العراق لم يقتل الأكراد بالغازات السامة.

كما أن جيفري غولدبيرج لم يقدم في مقالته أي دليل مادي بإستثناء إشارات لما أخبره بها مواطنون أكراد يتذكرون فقط أن غازاً ما قد إستعمل. والغريب في الأمر أن غولدبيرج هذا هو مواطن ثنائي الجنسية فهو يحمل الجوازين الإسرائيلي والأمريكي وأنه قد خدم لعدة سنوات في الجيش الإسرائيلي. وعند قراءة مقالته المطولة تشعر أنه لم يقدم أي دليل مادي على مذابح جماعية مزعومة. إذ أنه حتى تركيا في ذلك الوقت لم تستطع أن تؤكد بأن الأكراد الذين عبروا إلى أراضيها قد تم ضربهم بالغازات السامة أو كانوا مصابين بسوء التغذية كما زعم غولدبيرج.

وعندما تمت مقابلة جيفري غولدبيرج من قبل مراسل صحيفة The Village Voice الأسبوعية بعد أن نشر مقالته في النيويوركر، سأله المراسل لماذا لم يذكر تقرير وكالة إستخبارات الدفاع التابعة لكلية الحرب الأمريكية، فأجاب غولدبيرج بأنه رأى أن تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان قد كان حاسماً !!!! وتضيف صحيفةThe Village Voice أن غولدبيرج لم يذكر لقرائه أنه مزدوج الجنسية ويحمل جنسيته الإسرائيلية بجانب الجنسية الأمريكية، وأنه كان يعمل فى قوات الدفاع الإسرائيلية قبل ذلك بعدة سنوات أو أنه تجاهل عن عمد تقرير كلية الحرب والذي بالطبع طرح نتائج أخرى لم تكن على هواه. والأمر المهم هو أن مقاله ذلك محاباة ظاهرة للإسرائيليين الذين دعموا بدون تحفظ قصة حلبجه كما رددها الإعلام الأمريكي. إضافة لذلك فإن غولدبيرج هذا هو أحد رجالات ريتشارد بيرل وجيم وولسلي رئيس المخابرات المركزية السابق ومن أكبر المتشددين اليمينيين والذي كان قد أخبر المشاهدين الأمريكان من على شاشة إحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية بضرورة قراءة مقال غولدبيرج حتى قبل أن يصدر عدد مجلة النيويوركر الذي نشر فيه مقال غولدبيرج إلى الأسواق.

وبتفصيلات غريبة إتبع غولدبيرج ما ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان عن حلبجه وأكد أن العراقيين قد أسقطوا وابلاً من قنابل الغاز على المدينة الكردية بعد أن سيطر عليها الجيش الإيراني بالرغم من أن الإيرانيين لم يذكروا أي إصابات بالغاز. كما أن هناك جزء مهماً من سرد غولدبيرج لم يكن منطقياًً على الإطلاق له ولكل من ساند الإدعاء بقيام العراقيين بإرتكاب عمليات إبادة جماعية ضد الأكراد، وهو أن الأكراد فى رواياتهم ذكروا أنهم أصيبوا بقروح جلدية وفى بعض الأحيان سقط منهم قتلى على الفور بسبب غاز الخردل على الرغم من أن غاز الخردل لا يظهر أعراضاً فورية. ووفقاً لمذكرة صدرت فى كانون الأول/ديسمبر 2002 من وزارة الصحة البريطانية "إن غاز الخردل عادة لا يسبب ألماً وقت التعرض له، وقد يتأخر ظهور الأعراض لأربع أو ست ساعات، وفي بعض الأحيان تظهر على الفور أعراض مثل: الغثيان والدوار والقيء وألم بالعين". وبالمثل ذكرت مراكز الولايات المتحدة للسيطرة على الأمراض أن "غاز الخردل يحرق الجلد ويسبب قروحاً خلال أيام قليلة".

وفي تعليقه على المعلومات التي نشرها في مقالته يقول جيفري غولدبيرج "إنني لم أفكر بإدخال النتائج التي خلصت إليها تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية ووكالة إستخبارات الدفاع لكلية الحرب الأمريكية وتقرير المحللين في وزارة الدفاع بل إعتمدت فقط على المعلومات التي أوردتها منظمة مراقبة حقوق الإنسان والأطباء التابعين لها وما قالته لي المجموعات الكردية وبذلك فهو يعني أنه لم يأخذ محمل الجد تقارير المؤسسات الحكومية الأمريكية ذات الإختصاص بالموضوع وإعتبر أن الجهات التي زودته بالمعلومات أكثر صدقية من الجهات الحكومية الأمريكية ؟؟؟؟؟؟ كما وأضاف "إنني لم أعر أية أهمية للنفي الذي أعلنه العراقيون ؟؟؟؟؟". وتعقيباً على رد غولدبيرج ذلك، يقول ستيفن بلتير (طالع لاحقاً) "إن هذه المسألة مرعبة حقاً إذ أنه لغاية يومنا هذا، وأنا لست الوحيد الذي يؤمن به، إن ما حدث في حلبجه هو ليس بالطريقة التي وصفها غولدبيرج في مقاله."

ومن المهم القول أن مقالة غولدبيرج قد أدت مفعولها السئ بشكل لا يمكن حسابه لأنها إستغلت بشكل واسع في الإعلام الأمريكي وكذلك من قبل الرئيس الأمريكي ونائبه، بل ومن جميع صقور اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية وإتخاذ تلك المعلومات التي أوردها في مقاله كأحد الأسس لشن الهجوم على العراق وإحتلاله. وأن أحد أطراف اليمين المتشدد كان قد بدأ بالدعاية لمقالة غولدبيرج قبل أسبوع من نشرها في النيويوركر بحيث أنها وصلت بسرعة فائقة إلى أيدي الرئيس الأمريكي حين حمل المجلة بيديه وأشار لذلك المقال في أحد مؤتمراته الصحفية وكذلك حين أشار إلى معلومات ملفقة وردت في المقال ولم يرد ذكرها في تقارير أجهزة المخابرات لإدارته.

الغريب في الأمر أن جيفري غولدبيرج قد غير قصته عن مقتل الـ 100,000 كردي بالغازات السامة وحوّلها إلى أن هؤلاء قد تم قتلهم بواسطة إطلاق الرصاص عليهم وتم دفنهم في مقابر جماعية. وهنا على المرء أن يتساءل لو فرضنا أن الأكراد في ذلك الوقت كانوا أربعة ملايين نسمة حيث نفترض أيضاً أن نصفهم من النساء والنصف الآخر من الذكور، وهؤلاء الذكور نصفهم من الأطفال والشيوخ أي أن المتبقي منهم بعمر 18 إلى 50 سنة يقدر بمليون إنسان ومقتل 100,000 يعني أن10 بالمئة من الذكور الذين يستطيعون حمل السلاح قد تم إعدامهم. فإن كان ذلك قد حدث فعلاً، ترى ألم يوجد أحد كان قد شهد على واقعة كبيرة كهذه؟ واحد هرب من هؤلاء الـ 100,000 كردي، أو واحد من الذين قاموا بعملية الإعدام وصحى ضميره ليعترف بفعلته أو إلى ما شابه ذلك. إنها مسألة لا يمكن لعقل سوي أن يصدق حدوثها بالشكل الذي ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان وذكرها بعدئذ جيفري غولدبيرج. وحيث أن مقالة غولدبيرج كانت واحدة من الأسباب التي حدت بالإدارة الأمريكية للتركيز على هذه المسألة، فيبدو من سير الوقائع أن الإسرائيليين من خلال علاقة غولدبيرج بهم كانوا يزودوه بمعلومات هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة الغرض منها تهويل هذه الوقائع وإيقاع اللوم على العراقيين في وقت كان الإسرائيليون يعرفون قبل غيرهم أن إيران هي من قتلت الأكراد في حلبجه بغاز من مشتقات السيانيد التي ساعدت إسرائيل إيران على تصنيعه. وقد كان السبب واضحاً جداً خصوصاً بعد أن نجح الإسرائيليون من خلال اللوبي الصهيوني في واشنطن بالتأثير على وزير الخارجية شولتس قبل تلك المقالة بسنوات عديدة، إضافة لما لإسرائيل من مصلحة مباشرة في تقويض النظام العراقي وإنهائه.

وعلى نحو مثير، تم زج قصة غولدبيرج على الفور فى حملة إدارة بوش ووضعت مقالته في قسم "الحقائق" فى مجلة نيويوركر. ويمكن تفسيرها كجزء من الحملة الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة ضد النظام العراقي حيث يدعم غولدبيرج بحماس شديد فكرة الإطاحة بحكم الرئيس صدام حسين.

2. كرستين جوسدن

أما كرستين جوسدن Christine Gosden وهي أستاذه فى علم الوراثة الطبية فى جامعة ليفربول البريطانية، فكانت مدافعة عن تلك الإدعاءات رغم أنها قد بدأت تهتم بذلك فقط بعد زيارتها لحلبجه عام 1998. إنها مؤمنة حقاً بالوضع السائد هناك فى تلك السنوات العليلة وحولت نفسها إلى خبيرة فى الإرهاب وأيدت ذلك أمام الكونغرس. ثم شاركت فى تأليف عمل شديد الإثارة ظهر مؤخراً مع الصهيوني المعروف مايك أميتاي المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للأكراد.

لم تقم جوسدن بإضافة أي دليل لفهمنا للوقائع سوى أنها رفعت عدد إجمالي الوفيات إلى 200,000 قتيل علاوة على أنها أضافت إستخدام أسلحة بيولوجية وإشعاعية لقائمة العناصر التي يزعمون أنها قد إستخدمت بواسطة العراق ضد الأكراد.

والغريب في الأمر أيضاً هو أن جوسدن قد إبتدعت من أفكارها معلومات غاية في الغرابة حين أفادت أمام الكونغرس الأمريكي أن العراقيين قد إستعملوا خليطاً من الأسلحة الكيمياوية التي سببت تلك الوفيات بين الأكراد. إن التأريخ العلمي للكيمياء وخصوصاً الأسلحة الكيمياوية لم يذكر أية حالة تم بها الجمع بين أسلحة كيمياوية مختلفة لغرض زيادة تأثيرها القاتل على البشر. وبذلك فإن إفادة جوسدن أمام الكونغرس كانت جميعها ملفقة ومليئة بالأكاذيب والتخرصات غير العلمية التي يمكن لأي شخص متخصص بعلم الكيمياء أن يعرفها.

وقد إتصلت شخصياً بالدكتورة جوسدن فوجدت أن معلوماتها عن هذا الموضوع وتخرصاتها وإتهاماتها غير مبنية على أي أساس علمي ولم تتمكن إطلاقاً من تفنيد تساؤلاتي لها عن الكثير من المواضيع التي طرحتها عليها ومن أهمها هو محاولتها إلصاق صفة الخبيرة بالأسلحة الكيمياوية وهي المختصة بالأساس بعلم الوراثة الطبية التي ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بموضوع الأسلحة الكيمياوية. وحين أشرت عليها بأن تطلعني عن أي مصدر يؤيد أن العراقيين قد إستخدموا خليطاً من الأسلحة الكيمياوية في ضربهم للأكراد لم تستطع تزويدي حتى بمصدر علمي واحد. كما تمنيت على جوسدن لو أنها كانت قد خصصت بعضاً من وقتها للبحث عن أسباب وفاة مئات الألوف من الأطفال العراقيين فقط نتيجة إصابتهم بالسرطان كأحد الأسباب الرئيسية لإستعمال اليورانيوم المنضب من قبل القوات الأمريكية وقوات بلادها (بريطانيا) خصوصاً وأن ذلك الموضوع هو من صلب إختصاصها ولكنها رفضت الإجابة على سؤالي ذلك. لذلك فليس من الغريب أن إدعاءات جوسدن هذه قد حضيت بمساعدة من الصهيوني مايك أميتاي المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للأكراد والذي وجد فيها ضالته كأفضل دعائية "علمية" لقضية خاسرة أساساً، حيث رتب لها عقد ندوة كبيرة بمساعدة والده موريس أميتاي وبدعم مالي من وزارة الخارجية الأمريكية لغرض التحدث عن موضوع ليس لها فيه أي خبرة عملية أو علمية.

كما وأن هناك خبير آخر إنتقد بشدة إدعاءات جوسدن وهو د. غوردون براثرDr. Gordon Prather وهو عالم بالفيزياء النووية كان سكرتيراً مساعداً للجيش الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا فى فترة رئاسة الرئيس الأمريكي ريغان والذي له خبرة واسعة بالمواد الكيمياوية لما كان يضطلع به من مسؤوليات وبصيرة نفاذة فى ذلك المجال، وأكد براثر في تعليقه التالي على إدعاءات الإبادة الجماعية كرد منه على بعض من مزاعم الدكتورة جوسدن، "إن تأكيد الدكتورة جوسدن بأن 280 قرية قد قصفت بالغازات السامة ما هي إلا مزحة وكان لزاماً عليكم أن تعرفوها دون مراجعة الحقائق. لقد كانت هناك مئات القرى على الحدود العراقية قد أزالتها بغداد ولكن المقيمين فيها تم نقلهم لقرى جديدة تم بناؤها خصيصاً لهم فى الداخل (داخل البلاد في المنطقة الكردية). وتمت دعوة الصحفيين الغربيين لتلك الأماكن ليشاهدوا عن كثب تلك العملية، بما فيهم كارين اليوت هاوس Karen Eliot House التي تعمل في وول ستريت جورنال وهي الآن رئيسة لمجلة "داو جونز" الدولية."

وأضاف د. غوردون براثر تعقيباً على ما صرحت به جوسدن التي ظهرت في برنامج 60 دقيقة الشهير على إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية والذي أعادت فيه نفس تخرصات تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومقالة جيفري غولدبيرج، علق عليها قائلاً، "قالت جوسدن أن غاز الخردل يسبب السرطان وضرر شديد في الكروموسومات، وهنا أود أن أؤكد أن غاز الخردل إذا دخل العيون وبالذات إلى الشبكية فإنه من الممكن أن يسبب العمى وإذا دخل إلى الرئتين فإنه قد يسبب إلتهاباً رئوياً حاداً قد يؤدي إلى الوفاة، أما أن غاز الخردل يسبب السرطان وضرر شديد في الكروموسومات فهذا ما لم أسمعه في حياتي على الإطلاق. وعن إدعائها بأن العراقيين قد خلطوا مادة أخرى مع غاز الخردل تسببت بالأضرار المنوه عنها سابقاً فإن ذلك بالنسبة لي أغرب إدعاء يمكن لإنسان ذو ثقافة علمية أن يتصوره، فالمواد الكيمياوية لها عادة غريبة هو تفاعلها مع بعضها إذا خلطت سوية وبذلك لا يمكن إنتاجها وخزنها لفترة حتى لو كانت قصيرة، والشئ الآخر لماذا يريد من يصنع مثل تلك الأسلحة أن يخلط مواد سامة لينتج منها كوكتيل قاتل؟"

3. جوين روبرتس

كما وأن هناك جوين روبرتس Gwynne Roberts وهو مراسل التليفزيون البريطاني الذي زار معسكرات اللاجئين الأكراد فى عام 1988. لقد إدعى روبرتس أيضا أنه دخل خلسة إلى العراق وجلب معه قطع من أغلفة قنابل مع نماذج من التربة المحيطة بمنطقة الحادث وجد بها مختبر بريطاني بقايا من غاز الخردل. ولكن روبرتس لم يحدد على الإطلاق من أين أحضر تلك البقايا، إذ أن من المعروف أن كلاً من إيران والعراق لديهما غاز الخردل. لقد كان أغرب تقرير قدمه روبرتس عما أسماه بالمذبحة فى شمال العراق فى 29 آب/أغسطس 1988، وراح ضحيتها كما يدعي من 1,500 إلى 4000 قتيل معظمهم من النساء والأطفال قتلوا جميعاً بواسطة مزيج من غازات الأعصاب المختلفة. ولقد فسر عدم وجود الجثث بأن الجنود العراقيين قد أحرقوها بينما هم كانوا يرتدون أقنعة واقية من الغازات !!!.

يقول بلتير (شاهد أدناه)، "إن تقرير روبرتس لا يعني أي شئ على الإطلاق، إذ أننا نعلم تمام العلم أن هؤلاء اللاجئين كانوا يكذبون، ونحن نفهم تماماً فيزياء الحرب الكيمياوية وصعوبة التخلص من 4000 جثة، كما أن روبرتس لم يطلعنا عن المكان الذي جلب منه قطع أغلفة القنابل."

من عارض إدعاءات منظمة مراقبة حقوق الإنسان؟

1. ستيفن بلتير

ستيفن بلتير Stephen Pelletière هو أستاذ أمريكي متقاعد يزيد عمره على السبعين سنة يسكن في وسط بنسلفانيا الأمريكية، وحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية وكان مسؤولاً عن قسم العراق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الثمانينات وأبان الحرب العراقية الإيرانية. وقد ترك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عام 1987 ليصبح أستاذاً في كلية الحرب العسكرية في كارل آيل في بنسلفانيا، حيث أرسل في عام 1988 ليتحرى موضوع حلبجه. وقد خلص إلى إستنتاج مهم ألا وهو أن "مئات الأكراد" الذين ماتوا في حلبجه قد قتلوا من قبل الإيرانيين لأن سبب الوفيات هو السيانيد وأن العراقيين لم يستعملوه في حربهم مع إيران لأنه لم تكن عندهم القدرة على إنتاجه بل أنهم إستعملوا غاز الخردل. وقد ألقى الإيرانيون اللوم على العراقيين وبذلك إنتصروا في حرب العلاقات العامة بهذه المسألة فيما بعد بالرغم من أن الصحفيين قد شاهدوا في حلبجه أعراضاً سببها التسمم بواسطة السيانيد.

وفي حوار بين جود وانسكي و بلتير، قال بلتير حول موضوع حلبجه:

في 16/3/1988 وفي مدينة حلبجه الكردية إستعمل كلاً من الإيرانيين والعراقيين الغازات في معركتهم بهذه المدينة. يبدو أن الإيرانيين أرادوا أن يشاهدوا فوائد سلاح كيمياوي غير غاز الخردل، الذي كان العراقيون يستعملونه.

وما حدث في حلبجه هو كالتالي: ساعدت قوات جلال الطالباني الإيرانيين على الدخول إلى حلبجه في الليل وقد تفاجأ العراقيون في الصباح بهجوم الإيرانيين وجماعة الطالباني مما إضطرهم للخروج من المدينة، الأمر الذي حدى بالقائد العسكري العراقي الذي كانت قواته تسيطر على حلبجه بطلب ستار ناري بإستعمال الأسلحة الكيمياوية وهذا ما كان له وقع مربك على الإيرانيين الذين أخلوا المدينة حيث عادت القوات العراقية إلى الإستيلاء عليها وهنا كانت المفاجأة الإيرانية حيث ضربوا القوات العراقية التي إستعادت المدينة بغاز من مكونات السيانيد. وهكذا فإن مواطني المدينة قد أصبحوا عرضة لغاز السيانيد الإيراني وغاز الخردل العراقي حيث قتل "عدة مئات" من الأكراد نتيجة هذين الهجومين المتعاقبين. ولكن ما حدث بعد ذلك هو أنه عندما أعاد الإيرانيون إحتلال حلبجه بعد ضربها بالغازات الكيمياوية (أحد مركبات السيانيد) صوروا المنطقة بأكملها وأعلنوها للعالم بإعتبار ما حدث للمدنيين في حلبجه هو من فعل العراقيين، إضافة إلى إنكارهم إستعمال أي نوع من الأسلحة الكيمياوية.

وفي نفس الوقت جلب الإيرانيون أعداداً من المراسلين الصحفيين إلى المدينة لمشاهدة ما حدث فيها من موت ودمار، ولكن مع ذلك فإن ما شاهده الصحفيون هو قتلى أكراد كانت أطرافهم زرقاء مما يدل على أنهم قتلوا بمادة كيمياوية تدخل إلى الدم من النوع الذي لا يمتلكه العراقيون لأنه في ذلك الوقت لم تكن لديهم التقنية على إنتاجه. وهذه الحقيقة قد سجلها الصحفيون وكذلك مسؤولون من عدة وكالات غير حكومية تم إستدعاءها لمعاينة الموقع. وقد أكدت الحكومة الأمريكية تلك الحقيقة بعد ذلك بأن كلا الجانبين قد إستعملا الغازات الكيمياوية وشددت على أن الإيرانيين هم من قتل المدنيين الأكراد وليس العراقيين. إلا أن تلك المعلومات لم تعلن إلا بعد عام 1990 ولهذا بقى الإنطباع سائداً بأن العراقيين هم المسؤولين عما حدث للمدنيين في حلبجه.

ويتساءل بلتير، "ترى لماذا لم يحدث نفس الشئ بخصوص وفاة 1,4 مليون عراقي نتيجة الحصار وإستخدام أسلحة اليورانيوم المنضب مقارنة مع 100,000 كردي (إن كان ذلك صحيحاً) ؟ "

وفي تقرير للمخابرات السوفيتية KGB عن الغازات التي إستعملت في الحرب العراقية الإيرانية وخصوصاً تلك التي قتل فيها الأكراد في حلبجه، يورد التقرير أن الغاز قد يكون هو الفوسجين. والفوسجين هو مادة كيمياوية تستعمل في صناعة قاتلات الحشرات وفي درجة حرارة الجو الإعتيادية يكون مادة سامة وقد تكون قاتلة إن تم إستنشاقه بكثرة، وبتبريده وضغطه يتحول إلى مادة سائلة سرعان ما يتحول إلى غاز عند إطلاقه في الجو. ومن خواصه أنه أثقل من الهواء ولذلك يبقى في الطبقات السفلى من الأرض، وعند إطلاقه يكون غمامة صفراء اللون وله رائحة طيبة. وقد إستعمل الفوسجين بكثرة أثناء الحرب العالمية الأولى كغاز خانق وقد سبب عدداُ كبيراً من الوفيات. ومن أعراض الإصابة به هو تقرحات في الجلد وحروق وتخدش في العين وإصابة شديدة للجهاز التنفسي تؤدي إلى الوفاة. وبهذا فإن الصفات هذه هي نفس الصفات التي تحدث عنها الأكراد الذين أفادوا بوقوع ذلك الهجوم بالغازات السامة والذي يؤكد تقرير المخابرات السوفيتية أن الإيرانيين هم الوحيدون في المنطقة الذين أنتجوه وإستعملوه في حربهم مع العراق.

ذكر بلتير أن عدد القتلى كان بالمئات وليس بالآلاف كما زعمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان والإدارة الأمريكية، وإلى يومنا هذا تتفق وكالة الاستخبارات المركزية مع هذا الرأي. وقال أيضاً، "أن الصحفيين الذين جلبتهم إيران إلى المنطقة وصوروا تلك الصور الفضيعة التي شاهدها الجميع لم يستطيعوا حساب أكثر من عدة مئات من الجثث. ولمعرفة القصة الأصلية بإمكان أي كان الرجوع إلى تقرير الكرستيان ساينس مونيتور Christian Science Monitor والتقارير الأخرى، كتقرير وكالة رويترز، الذين ذكروا جميعاً أن مئتين أو ثلاث مئة شخص قد قتلوا في تلك الحادثة، في حين نرى الآن هذا العدد وقد تم تضخيمه بهذا الشكل من قبل الإيرانيين والإعلام الأمريكي". هذا ويؤكد تقرير كلية الحرب بأن العراق إستخدم غاز الخردل خلال الهجوم على حلبجه، وأن ذلك الغاز يصيب المصاب بالضعف، ولكنه ليس فتاكاً. أما معدل الوفيات من جراء إستخدامه فيصل فقط إلى 2 بالمئة وبذلك لا يمكن أن يكون قد تسبب في مصرع آلاف القتلى وهذا عكس ما ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان.

وأكد تقرير كلية الحرب الذي إستهدف إعادة صياغة الأحداث أن إيران هي التي بدأت بالهجوم وإستولت على المدينة، وقام العراقيون بهجوم مضاد بإستخدامهم لغاز الخردل ثم هجم الإيرانيين ثانية، وفي هذه المرة إستخدموا عنصراً فتاكاً ألا وهو كلوريد السيانوجين أو هيدروجين السيانيد وإستولوا ثانية على المدينة حيث أحكمت إيران قبضتها عليها. وبعد أن سيطروا على المدينة وأصبح عدد القتلى كبيراً ألقت إيران باللوم على العراقيين وتأصلت الإدعاءات الخاصة بالإبادة الجماعية من خلال الصحافة العالمية، والأمريكية منها بشكل خاص. وبعد ذلك بفترة وجيزة تم وضع تلك المزاعم في إطار ساخر من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ الأمريكي وذلك لدواعي سياسية.

وصف بلتير مستنداته في آخر عدد من النيويورك تايمز - الذي أصبح عرضة للبحث - قائلا: "إنني في وضع يجعلني أعلم بكل صغيرة وكبيرة لأنني كبير المحللين السياسيين في الشؤون العراقية في وكالة الإستخبارات المركزية خلال الحرب العراقية الإيرانية وكأستاذ في كلية الحرب منذ عام 1988 إلى عام 2000. كما كنت مهتماً بالإطلاع على الكثير من المعلومات المحظور نشرها والتي تسربت من واشنطن وكانت كلها معنية بحرب الخليج". وأضاف قائلاً، "بالإضافة إلى ذلك كنت رئيساً لتحقيقات الجيش في عام 1991 فيما يتعلق بكيفية دخول العراق في حرب ضد الولايات المتحدة، ولقد تم سرد تفصيلات كثيرة تخص موضوع حلبجه في النسخة المحظور الإطلاع عليها".

2. ميلتون فيورست

يعد ميلتون فيورست Milton Viorst مراسل الشرق الأوسط لمجلة نيويوركر ومؤلف لعدد كبير من الكتب مفكراً مشككاً بتلك الإدعاءات، حيث أنه قد زار مناطق الأكراد في العراق عندما ظهرت على السطح إدعاءات إستخدام الغازات السامة في عام 1988 و بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده الناطق الرسمي بإسم الخارجية الأمريكية أثناء زيارة حمادي إلى الولايات المتحدة، حيث قال بعد زيارته تلك، "وفقاً لما رأيت، يمكنني التأكيد أن غازاً ساماً قد إستعمل، وإنه لم يستعمل لغرض الإبادة الجماعية. إن الأكراد يمثلون حوالي 20 بالمئة من العراقيين وأنهم جماعات متقاربة إجتماعياً، لذا فإن كانت هناك إبادة جماعية فإنه من الحتمل جداً أن يخبر الأكراد هذه القصة للعالم. ويضيف قائلاً، "مما رأيته ومن واقع مشاهداتي، إستنتجت أن الغاز الفتاك، إذا تم إستخدامه، فإنه لا يستخدم في الإبادة الجماعية فالأكراد يمثلون خمس السكان العراقيين تقريباً وهم جماعة مترابطة للغاية. وإذا كانت هناك عملية قتل واسعة النطاق فإنهم كانوا سيعلمون بها ويشهدوا للعالم كله على ذلك. ولكنني أو أي شخص غربي آخر لم نسمع بمثل تلك الإدعاءات !".

وفي صميم الموضوع، ذكر فيورست أن "الصحفيين الذين زاروا مواقع الأكراد رأوا اللاجئين بقروح في الجلد ونظراتهم زائغة. وكما يبدو فهي أعراض تدل على تعرضهم للغازات السامة. وأنها قد تكون أعراضا ناجمة عن غازات مسيلة للدموع قوية ولكنها ليست فتاكة." وأضاف "ولكني وأي مواطن غربي آخر في شمال العراق كنا قد سمعنا بهذه الإدعاءات، كما لم يبدو على المجتمع الكردي أي ظاهرة أو أعراض للتوتر. وفي المدن الشمالية حيث يرتدي الرجال سراويل عريضة وعمائم كانوا كما عهدتهم من قبل كثيري الحيوية والنشاط والمرح. كما وأني قد تحدثت إلى العديد من الأكراد خصوصاً من قوات البيشمركة بالقرب من الحدود وكذلك أفراد من الجيش العراقي الذي إستقدم إلى المنطقة للعمل ضد المتمردين الأكراد ولم أسمع من أي الفريقين عن تلك الأحداث."

ويمضي فيورست يقول "لقد شاهد الصحفيون الذين زاروا معسكرات اللاجئين في تركيا جلوداً متقرحة وعيوناً حمراء متهيجة والتي هي أعراض الإصابة بالغازات. إلا أن الأطباء اللذين أرسلتهم فرنسا والأمم المتحدة والصليب الأحمر قالوا بأن هذه الأعراض قد يكون سببها غاز مسيل للدموع قوي جداً ولكن غير قاتل."

والواقع أيضاً هو أن الأطباء الأتراك الذين قابلهم الصحفيون داخل الأراضي الكردية بعد أن نزح إليها الأكراد أكدوا بأن الأكراد لم يتعرضوا لمثل تلك الغازات حيث لم تكن هناك حالات إصابة بمثل هذه الغازات المزعومة. إضافة إلى أن ممثل وزارة الخارجية التركية قد أكد في حينها أن الأطباء الأخصائيين الأتراك "لم يجدوا أي أثر أو دليل على إستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد الأكراد الذين عاينوهم". كما وأكدت ذلك المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة التي كان لها ممثلين في تلك المناطق، إضافة لتأكيد اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر وأطباء بلا حدود.

وفي كتابه "قلاع الرمال" Sandcastles الذي صدر عام 1994 أضاف فيورست لتقريره:

"عندما عدت للوطن تحدثت مع خبراء أكاديميين لم يستبعدوا بشكل قاطع إستخدام الغاز ولكن كان أصوب شيء الإعتماد على رأيهم لأنهم كانوا متشككين أيضاً. وحدها واشنطن وخاصة الكونغرس هم المتأكدون، بالرغم من أن السفارة الأمريكية في بغداد، التي كانت في أفضل موقع لمعرفة أهم الأحداث والاطلاع عليها، قد أصرت على القصة الأصلية وحيّر هذا الإصرار العراقيين أنفسهم.

وفي الكتاب المذكور نفسه وصف فيورست برنامج إعادة الإستيطان الخاص بالأكراد العراقيين فأوضح "أن الرئيس صدام حسين قد أرسل - بعد وقف إطلاق النيران – جيوشه لقمع عصيان الأكراد نهائياً، وأمر جيوشه بالوصول إلى الحدود الإيرانية وإخراج السكان الأكراد من الإقليم إلى بعد ثمانية أو عشرة أميال في العمق مع تحييد منطقة كان يستخدمها اللاجئون كملاذ."

"كانت أهداف الرئيس صدام حسين مفهومة ولكن الأهداف التكتيكية كانت غير سليمة. وقام الجيش بنسف عشرات القرى بالديناميت حتى تركوها أنقاضاً ونقل آلاف السكان من بيوت أجدادهم إلى قرى إعادة الاستيطان في داخل المنطقة الكردية." في هذه العملية قام حوالي 60,000 كردي بعبور الحدود مع تركيا حيث ذكروا للصحفيين أنهم يهربون من الهجوم بالغازات، وأنكر العراقيون بغضب هذا الإتهام ولكن وزير الخارجية الأمريكي "شولتس" إدعى بأنها صحيحة، وأن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وبدون إجراء أية تحقيقات إقترحت مشروع قانون لفرض عقوبات مشددة على العراق. وأجج اللوبي الموالي لإسرائيل نيران الصراع وتمت الموافقة على القانون وتمريره. ولكن في معسكرات اللاجئين الأتراك كانت فرق الأطباء الدولية أكثر تشككاً بإدعاءات اللاجئين وذكروا أن الفحوصات لم تؤكد إستخدام العراق للغاز على الإطلاق. وبهذا واجه فيورست الإدعاءات الخاصة بإطلاق العراقيين للغازات السامة على الأكراد كونه كان المحور الرئيسي لإدعاءات الإبادة الجماعية. فقد تحولت تلك الادعاءات إلى مزاعم بأن طرق قتل العراقيين تضمنت إستخدام الغازات والنسف بالقنابل وإعدام أعداد كبيرة من الأكراد.

3. راجو توماس

راجو توماس Raju Thomas هو أستاذ الشؤون الدولية في جامعة ماركيت في ميلووكي بولاية وسكونسون الأمريكية والذي كانت لتصريحات بلتير صدىً من قبله، حيث قال أن المسألة بأجمعها هي عبارة عن "أنا والبترول". فقد عرض ملف توني بلير صوراً أنا أعلم علم اليقين أنها صور من الماكنة الدعائية الإيرانية، وأن الإدعاء بأن العراقيين قد قتلوا مواطنيهم الأكراد بالغازات السامة هي جزء من الحرب الإعلامية على العراق والتي إستعملها الرئيس السابق كلنتن كمبرر لقصف العراق مرة أخرى وتدميره.

فحص الدكتور راجو توماس الأدلة عن حقيقة إستعمال العراق للأسلحة الكيمياوية ضد الأكراد وناقشها مع الدكتور بلتير. وحول رأي بلتير يقول الدكتور توماس، "إنني أعتقد بل ومتأكد أن السيناريو الذي جرت وفقه الأحداث هو أن الإيرانيين إعتقدوا بأن الأكراد قد تركوا حلبجه وأنهم كانوا يهاجمون العراقيين في المدينة وفي ضواحيها، ولكن العراقيين كانوا قد تركوا المدينة حيث عاد إليها الأكراد، وأن هذا هو الإحتمال الأكثر قبولاً ذلك لأن العراقيين والإيرانيين كانوا يقاتلون من أجل حلبجه. وقد إحتل الإيرانيون حلبجه بعد أن أجبروا العراقيين على مغادرتها. ثم طلب العراقيون الدعم الذي جاءهم بعد ذلك وتم لهم إخراج الإيرانيين من المدينة. إن تلك هي حقائق لا يمكن النقاش حولها، وبهذا فإني أعتقد بأن الإيرانيين هم من قتل الأكراد. إن مجريات الأحداث تدعم سؤال العراقيين، وهو لماذا يريدون ضرب المدينة بالسلاح الكيمياوي في وقت كانت قواتهم تدخل لإستعادة المدينة؟" (راجع مقالة الأستاذ توماس في هذه الدراسة)

ما هي الحقيقة؟


تتـمــة الموضوع سـتأتي يـوم بـعــدِ غــد ..إنشاء ألله..


للعـودة إلى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker