رسالة وردتني بالبريد موجهة الى المفكر والمناضل العربي بشارة مرهج .. وصاحب الرسالة يطلب من المفكر مرهج أن يرشح نفسهُ للإنتخابات النيابية اللبنانية ممثلاً لبيروت .. ويبدوا أن المفكر بشارة مرهج كان قد قرر عدم المشاركة في هذهِ الانتخابات.. والرسالة تؤرِخ للمناضل بشارة مرهج دورهُ الوطني والقومي تجاه لبنان وفلسطين والعراق.. وفيما يلي نص الرسالة:

رسالة مفتوحة الى النائب بشارة مرهج

الأخ بشارة
اعذرنا أن استعملنا كلمة "أخ" مجردة من كل الألقاب التي حملتها، لأننا ندرك أنها الكلمة الأحب إلى قلبك وعقلك وتربيتك الديمقراطية والوطنية، فطالما سمعناك تقول لنا أن الألقاب كلها تذهب أما الأخوة الصادقة بين الناس هي الابقى والأجمل والأروع.
ونحن إذ نتوجه أليك بهذا الكتاب المفتوح عشية أقفال باب الترشيح للمقعد النيابي في بيروت، فلكي ندعوك إلى أن ترشح نفسك نائبا عن بيروت، لأن بيروت وفيّة لمن كان وفيا لها، أمينا على روحها، حافظا لعهدها، متمسكا بوحدتها، حاملا لرسالتها العربية والحضارية، فما هان يوما في حق، ولا لان أمام إغراء، ولا هادن في مبدأ، ولا ساوم في كرامة الناس أو شرف الأمة. لقد عرفك أهل بيروت قبل النيابة عام 1992، فحملوك إلى الندوة النيابية آنذاك مخترقا اللائحة التي فازت آنذاك بكل المقاعد الا بالمقعد الذي فزت به أنت.
عرفوك مع رفاقك في زمن الحرب اللعينة، جسرا بين اللبنانيين الذين أرادت الحرب تمزيقهم، وحربا على الممارسات البدائية أو اللانسانية التي دفع اللبنانيون ثمنا لها، خطفا وقتلا وتهجيرا على الهوية، كما عرفوك مع رفاقك اطفائيا للحرائق التي أرادوا من خلالها إحراق البيوت والأحياء والزواريب، تحت مسميات متعددة وعناوين مختلفة، تماما كما عرفوك نارا على كل من استباح الحرمات، ودنس الكرامات، وانتهاك حقوق الناس.
عرفوك مع رفاقك في زمن الحصار الصهيوني للعاصمة عام 1982 مدافعا شجاعا عن عاصمة الحرية والعروبة، كما عرفوك مع رفاقك أيضا صامدا معهم، ومسعفا للجرحى منهم، مخففا على المصابين آلامهم، حتى توغلت دبابات العدو في شوارع العاصمة فرفعت مع رفاقك الشعار الخالد "ليس من العار أن تدخل دبابات العدو عاصمتنا وبلادنا، ولكن العار كل العار أن لا تجد من يطلق النار عليها"، فقدم رفاق لك أعزاء، من الرابطة، حياتهم شهداء على أبواب العاصمة ، فيما فقد أخرون على يد الاحتلال، وقد اصطدموا به على مداخل صيدا في أول مبادرات المقاومة المجيدة لشعبنا.
وخلال النيابة التي فزت بمقعدها باستحقاق ثلاث دورات متتالية، كان بيتك مفتوحا لكل الناس، وقلبك مشغولا بأوجاعهم وهمومهم ومآسيهم، تجمع في وقت واحد بين الموقف الثابت على الحق، وبين الانهماك المتواصل في متابعة حقوق مواطنيك.
أما خلال الوزارة التي نلت منها حقائب ثلاث، فقد كنت أمينا على القسم، وفيا على العهد، فلم تسجّل عليك مخالفة، ولم تغمض عينك عن تجاوز، فلم تستطع كل "لجان التفتيش" الكيدي والاستنسابي التي طاردتك مع زميلك فؤاد السنيورة، عامي 1998 و1999 أن تسجّل عليك تهمة تحيلك بموجبها إلى المحاكمة آو إلى أبواب السجن.
ويكفيك انك في وزارة الداخلية التي توليتها بجدارة بين عامي 1992 و1994، قبل إقالتك في مرسوم منتصف الليل وقد أصدره "الرؤساء" الثلاثة بعد عودتهم من دمشق، لأنك كنت وزير الدفاع عن حق الناس في التظاهر وعن حق الإنسان في التعبير. ويكفيك انك رفضت محاولات النيل من حق الطبقة العاملة في التظاهر، وانتفضت ضد أطلاق النار على تظاهرة لأنصار المقاومة في 13 أيلول 1993 والتي ذهب ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح، تماما كما رفضت قبل ذلك بأشهر اقتحام بعض العسكريين وزارة المالية للضغط على الوزير فؤاد السنيورة ونزلت بنفسك إلى الوزارة لكي تخرجهم منها صونا لحصانة الدولة وحفظا لكرامة السلطة التنفيذية.
ويكفيك فخرا ، انك في وزارة الداخلية، كنت ميدانيا إلى ابعد الحدود في معالجة أي خرق للقانون، ومواجهة أي جريمة، فذهبت فجر احد الأيام إلى طرابلس، وبمفردك، لتواجه اقتحام بعض "النافذين" لمركز الشرطة القضائية للإفراج عن بعض السجناء "المدعومين"، واصررت على إعادتهم إلى السجن، تماما كما ذهبت إلى البقاع اثر جريمة بشعة ارتكبها مهربون بحق رجال امن، ولم تعد حتى تم ألقاء القبض على الفاعلين، وكما بقيت تلاحق مرتكبي جريمة قتل صاحبي محل مجوهرات في بعبدا، وكان الفاعلون جنودا سوريين حتى أمر الرئيس الراحل حافظ الأسد بتسليمهم للسلطة اللبنانية.
فإذا لم يكن هذا كله تصديا مبكرا لظواهر تجاوز أجهزة أمنية، لبنانية أو سورية، لمهماتها، فكيف يكون التصدي الذي دفعت ثمنا له إزاحتك عن وزارة الداخلية، ومن ثم محاولة بعض هذه الأجهزة عرقلة وصولك إلى الندوة النيابية، كما تجلى في الفيتو الشهير الذي وضعه بعض هؤلاء على اسمك، فتعثرت بسبب هذا الفيتو محاولات الائتلاف عام 2000 بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب السابق الأستاذ تمام سلام.
أما في وزارة الإصلاح الإداري التي اقترحت تسميتها بوزارة "التنمية الإدارية" لكي تكون اصدق تعبيرا عن دورها ومهماتها، فقد عرف اللبنانيون الوجه التنموي والإداري الرفيع للوزير القادم من صفوف النضال الشعبي، فأعددت مع معاونيك الأكفاء ومع المنظمات الدولية، أفضل المشاريع للارتقاء بالإدارة اللبنانية عبر المكننة أو مشاريع القوانين العصرية، فاختارك المجتمع الدولي عضوا من بين 24 عضو من كل أنحاء العالم يشكلون لجنة الأمم المتحدة للإدارة العامة.
الأخ بشارة
لقد عرفتك شوارع بيروت، بعد مدارسها وجامعاتها، مناضلا قوميا عربيا بامتياز، تحمل مع رفاقك في قلبك وعقلك كل قضايا الأمة دون كلل أو ملل، وفي مقدمها قضية فلسطين ومقاومة كل احتلال ورفض كل أشكال القهر والاستبداد في الأمة.
عروبتك أبقتك ملتزما بصدق قضية فلسطين، مدافعا عن حقوق شعبها في الداخل والشتات، تماما كما دفعتك عروبتك إلى انتقاد أي تجاوز، ومواجهة أي خطأ أو خطيئة كان يقع فيه بعض المحسوبين على ثورة فلسطين وباسمها.
وعروبتك أيضا هي التي جعلتك تؤمن بعلاقة صحية وسليمة ومتينة مع سوريا، بوابة لبنان إلى دنيا العرب، تماما كما جعلتك عروبتك تقف في وجه أية ممارسة تسيء إلى جوهر هذه العلاقة ومستقبلها، فرفضت مع رفاقك الحرب على طرابلس، ثم الحرب على المخيمات وما تلاها من استباحة في بيروت، تماما كما رفضت مع رفاقك قرار الحصار التمويني على المناطق الشرقية وقرار وقف صرف الرواتب لموظفي الدولة المقيمين فيها الذي اتخذ عام 1990، ولقد عرضتك مواقفك هذه مع رفاقك لمضايقات واعتقالات امتد بعضها لسنوات.
وان ننسى، فلا ننسى كلماتك في خطاب ألقيته في طرابلس بعد أسابيع على توليك وزارة الداخلية حول العلاقة اللبنانية – السورية: أن الذين يريدون هذه العلاقة طمعا في مكسب أو منصب فتلك علاقة التجار، والذين يريدونها خوفا من تهديد أو أذى فتلك علاقة العبيد، أما نحن فنريدها علاقة الأخ الكريم بالأخ الكريم وتلك علاقة الأحرار.
لذلك، كانت عروبتك مع رفاقك صنوا لوطنيتك اللبنانية، كما كانت الاثنتان ملازمتين لحرصك على الاستقلالية في الرأي والموقف عن كل نظام رسمي عربي، فالاستقلالية بالنسبة أليك ترفض التبعية والالتحاق كما ترفض التشنج والعداء.
بل أن عروبتك هي التي دفعتكم إلى أن تكون مع رفاقك في طليعة الرافضين للحرب العدوانية على العراق، تماما كما كنت في طليعة المدافعين عن مقاومة الشعب العراقي الباسلة للاحتلال، وهي المقاومة الممتدة من جنوب العراق إلى شماله ورمزها المضيء فلوجة الأبطال والنجف الاشرف وقد دمرهما المحتل تدميرا منهجيا دون مراعاة حرمة المقدسات ولا حياة الإنسان.
الأخ بشارة
وبقدر ما كنت قوميا عربيا، كنت وطنيا لبنانيا، تدافع عن وحدة لبنان في أصعب الظروف، وتسعى مع رفاقك في أحلك الأيام أن تنظم حوارات الوحدة بين شباب لبنان ومثقفيه، كما تطلق مبادرات التوحيد في زمن الانقسام وكان أبرزها "حملة التبرع بالدم من كل لبنان إلى كل لبنان" التي نظمت أبان ما يسمى "حرب الإلغاء" فتبرع الآلاف من أبناء الشطر الغربي من العاصمة، بالدم لإخوانهم أبناء الشطر الشرقي، تماما كما فتحوا لهم البيوت والمدارس والمراكز الاجتماعية ملاذا لهم من نار تلك الحرب.
بل كيف ينسى أهل بيروت تلك المسيرة الصامتة الرائعة التي نظمها إخوانك وأبناؤك في "شبيبة الهدى" في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المفتي الشيخ حسن خالد، يوم خاف كثيرون، فيما جاء المئات من الشباب من الطريق الجديدة إلى عائشة بكار حاملين يافطات "لن ننساك أيها المفتي الشهيد... الأوفياء".
الأخ بشارة
وبقدر ما كنت لبنانيا أصلا، وعروبيا ملتزما صادقا، كنت مع رفاقك ديمقراطيا حقيقيا ملتزما بحقوق الإنسان.
ألم يكن مرسوم التجنس عام 1994 الذي منح ما يناهز 150 ألف مواطن حقهم في هوية تصون كرامتهم وتحفظ هويتهم، بعد أن أبقاهم النظام الطائفي البغيض عشرات السنوات محرومين منها تعبيرا أصيلا عن هذا الالتزام الأصيل بالمساواة واحترام حقوق الإنسان.
وإذا كان بعض العنصريين أو أصحاب الأغراض الدنيئة، أو قصيرو النظر، يحاولون تحميلك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مسؤولية هذا العمل التاريخي بذريعة وجود أخطاء بسيطة هنا أو هناك، فان هذا المرسوم هو شرف لكل من ساهم في إنجازه، بل هو شرف للبنان الذي يأبى إلا أن يكون مهد حقوق الإنسان والحريص الدائم على احترامها.
وما دفاعك مع رفاقك عن حرية الإعلام، برفضك إغلاق صحف أو محطات تلفزة، بغض النظر عن خلافك السياسي مع بعضها، ودفاعك مع رفاقك عن حق كل اللبنانيين في حرية التظاهر، أيا كانت مشاربهم الفكرية والسياسية، ورفضك الاعتقالات العشوائية والكيدية أيا كانت سواء كان ضحاياها طلابا كما كان الأمر في 7 آب، أو مواطنين أبرياء كما كان الأمر مع موقوفي الضنية ومجدل عنجر وغيرهما، وتمسكك الدائم بحق كل لبناني بالعودة إلى بلده، ودعمك للعفو عن كل سجين سياسي لا سيما بعد استكمال المصالحات الضرورية، كلها مواقف تشهد لك بالالتزام الديمقراطي الأصيل والثابت والدائم الذي لا يعرف الانتقائية أو الموسمية أو محاولة الكسب السياسي الرخيص.
الأخ بشارة
كيف ينسى أهل بيروت خصوصا، واللبنانيون عموما، لك ولرفاقك وقفتك الشجاعة إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإخوانه في مواجهة حملة التجني الظالمة والاتهامات الكيدية والاستنسابية التي تعرض لها ما بين عامي 1998 و2000، كما كيف ينسون موقفك الرافض لتقسيم بيروت انتخابيا عام 2000، وهو موقف بقيت عليه حتى اليوم انطلاقا من حرصك على وحدة العاصمة وعلى احترام الدستور والالتزام بالطائف.
وكيف ينسى أهل بيروت لك، ولرفاقك، هذا المستوى الحضاري الراقي من الخطاب السياسي الذي تمسكت به طيلة حياتك الوطنية، فإذا اختلفت مع غيرك فتختلف بشرف وبموضوعية، وإذا اتفقت مع الأخر فبصدق والتزام دون أن يقودك الاتفاق إلى التمّلق والنفاق.
فرغم الإجازة المفتوحة من الكتلة النيابية التي تفاهمت عليها قبل أكثر من عام مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في إطار مراعاة الظروف والعلاقات والخصوصيات التي تحكم واقع كل منكما، إلا انك بقيت وفيا للمبادئ والقيم التي جمعتك بالرئيس الشهيد وأبرزها صون الطائف، وعروبة لبنان والعيش المشترك، وحماية المقاومة، فاعترضت، مثل الرئيس الشهيد / وما زلت/ على ترؤس رئيس الجمهورية الدائم لجلسات مجلس الوزراء، وامتنعت مثله، ومثل أعضاء كتلة قرار بيروت، عن منح الثقة لحكومة الرئيس عمر كرامي، خصوصا لخلوها من تمثيل شعبي وحقيقي للعاصمة، وانتقدت مثله التعيينات والإقالات التي جرت في بعض وظائف الدولة، وكنت أول من تصدى لتوقيف ناشطي جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية قبل أيام قليلة من استشهاد الرئيس الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما ومواطنيهم، في واحدة من أبشع جرائم العصر في 14 شباط 2004 وكنت أول من انتقد تعاطي السلطة مع هذه الجريمة بدءا من اجتماع مجلس الدفاع وصولا إلى التعامل مع مسرح الجريمة ذاته وما أدى أليه من نتائج مريعة.
الأخ بشارة كيف تنسى بيروت انك حملت مع رفاقك كل قضاياها وهمومها الإنمائية والاجتماعية، فتابعت قضية مستشفى بيروت الحكومي لكي تصون كرامة الناس من الوقوف أمام أبواب المستشفيات، وقضية مدارس بيروت لكي تستوعب تلامذتها وتلامذة العائلات المقيمة فيها، وقضية موانئ الصيادين، وغيرها وغيرها.
بل كيف تنسى بيروت كيف وقفت، وما زلت، مع قضية 23 ألف مساهم ومودع في تعاونيات بيروت الذين اضطهدوا وظلموا وسلبوا حقوقهم ومدخراتهم في واحدة من أبشع عمليات السرقة الجماعية المحمية من ذوي النفوذ في هذا الموقع أو ذاك.
الأخ بشارة
لان بيروت هي أيضا ذاكرة... فبيروت لن تنسى من تعلم في مدرستها الوطنية والقومية، ومن تظاهر في شوارعها العصّية على كل ظلم أو طغيان، ومن دافع عنها في وجه الأعداء والأخطاء معا، ومن حمل صوتها عاليا مدويا في كل المحافل....
لهذه الأسباب كلها، فان عارفيك وقادريك من أبناء بيروت، بل أبناء الوطن كله، يناشدونك أن ترشح نفسك للمقعد النيابي عنها، مدركين أن أهلها الأوفياء لدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هم أيضا أوفياء لمن أعطى مع رفاقه العمر كله من اجل أن تبقى بيروت البهية عاصمة الكرامة والحرية والعروبة والثبات على المبادئ.
الأخ بشارة
لانك رجل تحترم نفسك، تحترم كلمتك، تحترم شعبك، تحترم مبادئك، فنحن نحترمك ونحبك، ونعدك بأنا على العهد باقون.
لبنانيون من بيروت

للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبــــد