Saturday, April 02, 2005

الخطاب الاعلامي المساند للمقاومة


الخطاب الاعلامي المساند للمقاومة ما بين المسؤولية والتهريج

محمد البغدادي

لعل أخطر ما يمكن أن يفعله المرء عند تصديه كتابة للتعبير عن حالة المقاومة والرفض الشعبي للاحتلال الاميركي الصهيوني للعراق هو الوقوع في فخ إلخطاب الانشائي المبالغ فيه الذي يعتمد عدم الدقة في الطرح والتشتت في الرؤيا من جهة، او يقوم على اساس تغليب الأماني الشخصية على التصدي العقلاني والموضوعي لمخطط الاحتلال ومشاريعه من جهة اخرى، فيضع تحليلات تتصف بالفوقية وامورا لا تمت بصلة للواقع مبنية على معلومات مجتزأة ومغلوطة مع الاصرار العنيد على تبنيها كحالة راسخة للايحاء للمتلقي بقدرة الكاتب على استنباطها من صلب الاحداث و وقائعها، في حين أنها في حقيقة الامر تفتقد للواقعية ناهيك عن المصداقية كونها تجانب ما يجري على الأرض. هذا الخطاب الإنشائي يؤدي على المدى البعيد إلى إصابة المتلقي بالإحباط والفشل والشعور بالهزيمة والى تعميق حالة التردد التي لازال الكثير من ابناء شعبنا لم يتخلص منها، وبالتالي فان هذا النهج سيقدم مساعدة كبيرة ومجانية للعدو المحتل.

إن الحملة الشرسة والمزدوجة الجوانب التي يشنها العدو المحتل على بلدنا وشعبنا وهويتنا والتي تنفذ بامكانات هائلة في شتى المجالات تتطلب ان تتصف أساليب مواجهتها بالوعي التام والحكمة والحرص . فاذا كان عدونا يمارس تلفيق الاكاذيب وابتكار وتزوير الحقائق والتعتيم على ما يجري واخفاء النوايا الحقيقة لمخططاته فان هذا لايعطي الحق لاي شخص في ممارسة الاسلوب ذاته في التصدي بالكتابة عن قضية الوطن حتى لو كان الهدف مشروعا بدعوى ان العين بالعين والسن بالسن وما الى اخره من تبريرات. وليس من المقبول ان يتم التصدى للاحتلال عن طريق الخبر الكاذب والإدعاءات المفبركة التي سيتساوى فيها المعارض للاحتلال مع المؤيد له لأن هذا الاخير موجه توجيها مأجورا مدفوع الثمن لتلفيق الاكاذيب. فالمواطن بات يحس بوطأة ثقل الاعلام المفبرك « الماجور» على مجمل الحالة التي يمر بها واصبح الجميع يشعر بانه مستهدف عن طريق التسابق في ايصال الخبر الكاذب والايهام باشياء بعيدة عن الحقيقة وهذا جزء من خطة إعلامية كبيرة ضمن استراتيجية العدو المحتل لايصال المواطن العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام الى حالة من القبول بكل ما يعرضه من فبركات تهدف الى ايصاله الى حالة الاحباط واليأس والإحساس بالضعف، وهذا يستوجب منا ان نتمسك بالصدق وبالمعلومة الدقيقة والكتابة الموضوعية. فنحن اصحاب قضية واصحاب حق ونستند الى المشروعية الكاملة ولسنا بحاجة الى استخدام اساليب العدو التي باتت وبالا عليه بعد ان بدأت تتساقط وتنكشف كل ادعاته الكاذبة الواحدة تلو الاخرى امام كل العالم، اذا انه من الخطأ ان يتصور البعض ان الفبركات والمصطلحات الاستفزازية المركبة بصورة فنطازية هي الوصفة السحرية للوصول الى قلوب وعقول الاخرين، سواء من كان منهم في الصف الوطني او من عامة الناس، من خلال خلطها في الديباجات التي يراد بها التعبير عن الموقف الوطني المناهض للاحتلال، لأن عدونا قد اعد الحرفيين والمتخصصين في كل المجالات من أجل الفوز في المواجهة الاعلامية حيث يستخدم كل اساليب الخبث والدهاء في عالم السياسة والثقافة والاعلام والحرب النفسية من خلال توظيفه المتخصصين في علم النفس الاعلامي المضاد من أجل هذه المهمة. لهذا لا بد لنا ان لا نعطيه اية فرصة لفرض تاثيراته وذلك يتحقق باستنادنا الى اسس الحقيقة والشرعية والمصداقية والموضوعية التي هي اشد واخطر على كل خططه واستراتيجياته، والتي يجب ان نعمل عليها بشكل متفاني ونكران ذات حقيقي من اجل قضية الوطن وحدها فقط دون اي شيء اخر.

ان مواجهتنا مع العدو مواجهة جماعية تلاحمية ليس فيها من هو صغير أو كبير، وانما يتقدم صفوفنا فقط المجاهدون المقاومون الذين نقف لهم اجلالا واحتراما وتقديسا لفعلهم البطولي وتضحياتهم العظيمة وعلينا اسنادهم بالكلمة الصادقة الموزونة الرصينة. كما وعلينا ان لا نحملهم المزيد من وزر سلبيات الخطاب الاعلامي الانشائي الذي لايغني ولا يسمن، فرفقا ايتها الاخوات وأيها الاخوة بالمقاومين الابطال، فما عاد مقبولا التمادي في هذا النهج المضر، فهناك امثلة كثيرة مما يكتب وله إنعكاسات سلبية على المقاومة وعلى موقف الشعب العراقي الرافض للاحتلال اذ ليس من المقبول على سبيل المثال ان تكتب احدى الاخوات المناهضات للاحتلال ان تاريخ انطلاق المقاومة هو يوم الحادي عشر من نيسان من عام 2003 وتدعو الى الاحتفال في هذه اليوم، ولا ندري من اين اتت بهذا التاريخ، فالكل يعلم بان المقاومة انطلقت شرارتها بتاريخ التاسع من نيسان في تجتمع خاص وفي اليوم الذي زار الرئيس صدام منطقة الاعظمية في بغداد، وفي ذات اليوم الذي كانوا يعرضون فيه مسرحية اسقاط التمثال، وقد اعتبر المجتمعون انطلاق المقاومة هو امتداد لجهاد الشعب العراقي ضد العدوان الامريكي القائم والمستمر ضد العراق منذ التسعينات، وانطلق كل لتأدية واجبه. وقد سبق لحزب البعث العربي الاشتراكي أن اعلن في العديد من بياناته بان التاسع من نيسان 2003 هو يوم انطلاق المقاومة، واخرها البيان الصادر في في التاسع عشر من آذار 2005 ، وحتى التقارير الرسمية ألاميركية اعترفت بأن المقاومة العراقية بدأت نشاطاتها ضد قوات الاحتلال في اليوم التالي لإحتلال بغداد أي يوم الخميس العاشر من نيسان 2003.

وذات الاخت كتبت غير مرة ولم تصب، منها تأييدها المطلق لسوريا في مقال بعنوان ( كلنا سوريا ..الخ)، سوريا التي خانت العهد والمواثيق والايمان واضرت بالمقاومة الكثير، وما كان مقبولا ان يكون الموقف هكذا تهريجيا بعيدا عن اية رؤيا سياسية ناضجة، مما يشعر المواطن ان الخطاب الانشائي غير الواعي هو المسيطر على تفكير المحسوبين على اعلام المقاومة ويصوره أنه حالة اشبه بالتهريج. وقد يكون للمقاومين والمواطنين كل الحق في الامتعاض من ذلك وهم يجدون مثلا احد الاخوة الاعلاميين قد اطلق العنان لنفسه اذ يكتب مصرا على انه اصبح رمزا للمقاومة وان اسمه راح يطلق على شوارع بغداد الجريحة، ثم يستعجل بطلب تشكيل حكومة للمقاومة وفورا ولا يعطي اي عذر للتأخير. الحقيقة ان هذا النوع من الخطاب هو ما يرغب به الصف المعادي للايحاء للناس بان خطاب المقاومة هو خطابا فوضويا وتهريجيا، وأن المقاومة هي مجرد انفار وانها لا تمتلك اي رصانة في الموقف السياسي والتخطيط التعبوي والاعلامي. كما وأن بعض الاخوة كتبوا رسالة الى الهيئات والمنظمات الدولية يطالبون فيها اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وهم يهددون في رسالتهم بالقتل ويقولون ان كل اسير او سجين بعشرة. ولا ادري كيف غاب عن بالهم تأثير ذلك في تشويه صورة المقاومة جراء وصفها بهذا الشكل الذي يبحث عنه المحتل جاهدا.

ان غياب الخبرة السياسية والاعلامية المستندة الى اسس تعبوية سليمة والقادرة على مواجهة التحديات بحنكة وحرص، وعلى انجاز كتابات نوعية، لا يعفي البعض من الكتاب من مسؤولية الاخطاء التي يرتكبونها. فبالله عليكم ايتها الاخوات وأيها الاخوة الاعلاميون تمهلوا وتبصروا باهلكم وبمقاومتكم ونرجو ان لا تكون كتاباتكم غير دقيقة وخليطا من الخطاب الانفعالي والاستفزازي الشاذ او مستندة الى معلومات غير موثقة يطلقها هذا الطرف او ذاك ممن يدعون التصاقهم بما يجري لبلادنا باحثين عن النجومية الاعلامية على حساب الوطن المحتل والشعب المضطهد واعلموا ان صراعنا طويل ومرير مع المحتل والمواجهة قد ستستمر سنوات ولكن الله ناصر الحق واهله مهما طال الزمن. ويجب ان لايغيب عن بالكم ان خطاب المقاومة العراقية الباسلة خطاب متأني ومبني على اسس موزونة تتصاعد تراكميا في الرؤيا والموقف السياسي والاعلامي والتعبوي طبقا لطبيعة المواجهة طويلة الامد مع العدو المحتل، وان تهيئة الناس والهمم لهذا الصراع التاريخي لابد ان يتم بشكل سليم.

وحتى لا يكون خافيا على احد، لابد من الاشارة الى ان واحدة من اهداف العدو في مجال الحرب الاعلامية والنفسية للتاثير على الطرف الاخر هو خلق حالة من التشتت في تفكير الجهد الاعلامي لهذا الطرف من خلال جعل خطابه تائها لا يمتلك رؤية سياسية موضوعية يستطيع ان يصل بها الى عقول الناس بالاقناع ودفعه الى اللجوء الى استخدام ادوات الخطاب الانشائي المليء بالعبارات الاستفزازية ذات التاثير الاني المحدود بسبب بهرجتها التي تتلاشى وتتناساها الناس بعد حين، ومن جهة اخرى تجعل اصحابها يعيشون في دوامة البحث عن عبارات رنانة وفرقعات بديلة بعد انتهاء مفعول ما سبقتها وتتحول مهمة الكاتب في هذه الحالة الى باحث عن وجود شخصي له بدلا من أن يكون صاحب قضية، وبالتالي يطغى الشأن الذاتي على الشأن العام وتتداخل عنده الطموحات وتختلط ويصبح راكضا في كل اتجاه من اجل تثبيت وجوده في الساحة السياسية والاعلامية متسابقا مع غيره لذاته ، وهكذا نفتقده كواحد من الاعلاميين الداعمين للقضية وهذا هو بالضبط ما يريد اعلام الاحتلال.

وعليه فانه على الاخوة الكتاب ان يتجنوا الوقوع في هذا الفخ وان يركزوا على كتابة خطاب اعلامي موجه لشعبنا والعالم لكشف حقيقة الاحتلال ونواياه ومخططاته وجرائمه وامداد العالم اجمع بمعلومات موثقة عن جرائم الاحتلال و الرد على الاعلامين المأجورين من اجل كشفهم، وتثقيف المواطنين ايضا على حقيقة ما يجري وتحذيرهم من نوايا الاحتلال، والكتابة عن تأصيل حالة الانتماء الوطني للعراق والتثقيف على المقاومة. وهذا هو الجهد الخير الذي سيسجله شعب العراق لهم. وكلنا ثقة من ان الاخوة الاعلاميين الذين لازالوا لم ينتبهوا الى حجم الضرر أن يقوموا بتصحيح الامر وتلافيه ونأمل ان لا نتلقى منهم الجفاء والاصرار على نفس الموقف، لان قضية الوطن هي بأمس الحاجة لاي جهد، وارجو ان يقرأوا مساهمتي البسيطة هذه بتمعن لانها لا تهدف الا لخدمة قضية الاعلام الوطني، اذ ان دعم المقاومة اعلاميا مثلما هو واجب وطني على كل من هو قادر عليه فهو ايضا مسؤولية وطنية كبيرة لان اداء هذه المهمة النبيلة لا يتم الا من خلال الالتزام بالقضية بوعي وموضوعية وحكمة، بالاضافة الى التعلم من التجارب، فكل الأهداف الكبيرة تحتاج إلى جهود كبيرة وطويلة الأمد والمفعول ، والمقاومة ليست بحاجة الان لاحتفاليات خطابية او ابراز للرموز.

محمد البغدادي

للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــد

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker