اسئلة لحظة تحريرالعراق
كتبَ المحلل السياسي والصحفي المعروف الاستاذ صلاح المختار تحليلاً مهماً سلطً الضوء فيه على مؤشرات هزيمة أميركا وعملائها في العراق.. وشبهَ جلسة الكونغرس الامريكي المنعقدة في 23 حزيران المنصرم بأنها تشبه تصريح الخميني في 8 آب 1988 حينما إعترفَ بالهزيمة أمام جيش وشعب العراق.. واليكم المقال:
بعد اعتراف امريكا بالهزيمة : اسئلة لحظة تحريرالعراق
صلاح المختار
كان واضحا تماما منذ انتهاء معركة الفلوجة الاولى، ان الاحتلال الاستعماري الامريكي للعراق قد اتخذ قرارا حاسما بالانسحاب من العراق بطريقة تحفظ ماء الوجه ، وانه اخذ يهيأ الراي العام الامريكي والعالمي لفكرة الانسحاب، تحت غطاء الادعاء انه اكمل واجبه في العراق . وكان سبب التوصل الى هذه الحقيقة هو قراءة الواقع العراقي وما فعلته المقاومة المسلحة العراقية خلال عام من النضال المسلح ، بكفاءة نادرة لم تشهدها اي حرب تحرير في العالم على الاطلاق . وكنا نؤكد، في كل دراسة او مقال، ان امريكا قد اعترفت ذاتيا بهزيمتها ، وبان المقاومة المسلحة ، اقوى وارسخ واوسع من ان تستطيع اي قوة في الارض التغلب عليها ، مهما استخدمت من اساليب متطرفة الوحشية . وجاءت كل التطورات الرئيسية والثانوية لتؤكد، بالتمام والكمال، ما قلناه .
والان وبعد ان اعترفت امريكا الرسمية باستحالة قهر المقاومة العراقية ، راينا انقلابات وتحركات هنا وهناك ، تتمحور حول هدف جوهري : محاولة اغتيال نصر المقاومة الحاسم عبر تكتيك ارتداء زي المقاومة والحزب والسير فيهما تحت الاضواء الساطعة، في عمليات استعراضية مكشوفة ! ما الذي يحدث ؟ وما هي تكتيكات المخابرات الامريكية الجديدة لارباك بعض الناس ،او لتضليل عناصر وطنية ؟ وهل يمكن لامريكا ان تستمر في المناورات وتتجنب الهزيمة ؟ وقبل ان نجيب على هذه الاسئلة لابد ان نشير الى جزء قليل من مظاهر الهزيمة النكراء التي اعترفت امريكا بها.
عواء ذئب حريح
لا مفر من الاعتراف بان ما جرى في الكونغرس الامريكي يوم 23 – 6 – 2005 كان تحولا حاسما وجوهريا في مجرى الثورة العراقية المسلحة ، اذ ان الجلسة التي عقدها مجلس الشيوخ الامريكي لاستجواب ، او للدقة محاكمة ، دونالد رمزفيلد ، وزير الحرب الامريكي ، كانت تكرار دقيقا لليوم التاريخي الذي اعلن فيه خميني انه يقبل بوقف طلاق النار مع (الجار المسلم) العراق ، وان اتخاذ ذلك القرار كان( كتجرع السم الزعاف) . وكما كان يوم 8 – 8 – 1988 يوم الاعلان الرسمي الايراني عن انتصار العراق على حرب الخراب والتقسيم ومحاول اجتثاث البعث ، التي فرضها نظام الصفويون الجدد في طهران على العراق، فان جلسة مجلس الشيوخ يوم 23 – 6- 2005 كانت الاعلان الرسمي عن هزيمة المشروع الامريكي في العراق، وقيام بوش ورهطه بتجرع السم الزعاف الذي اعده لهم شعب العراق البطل . وهكذا اندحر (المحافظون الجدد) كما اندحر قبلهم اشقائهم في ايران (الصفويون الجدد) ، وهم يناطحون جبل الشعب العراقي الاشم بقيادة البعث .
نعم الكونغرس الامريكي ، بديمقراطييه وجمهورييه ، اتفق على عدة حقائق كنا نقولها منذ عام على وجه الخصوص ، تاكيدا لما قلناه قبل الغزو في برنامج (الاتجاه المعاكس) في قناة الجزيرة ، من ان اليد الامريكية اذا امتدت الى داخل العراق ستقطع ،( وهي الان تقطع فعلا ). ومن بين اهم ما اضطر الكونغرس للاعتراف به الحقائق التالية ،التي قالها اعضاء مجلس الشيوخ :
اولا : ان الحل العسكري للتمرد في العراق ( اي المقاومة المسلحة ) مستحيل .
ثانيا : ان امريكا في نفق مظلم لا ترى الضوء في نهايته .
ثالثا : ان امريكا تهزم في العراق وان التمرد يتسع ويتقوى ويزداد امكانية .
رابعا : ان امريكا تغرق في مستنقع العراق .
هذه الحقائق قالها السناتورات تيد كنيدي وبيدن وشاغل وغيرهم ، اثناء استجواب رامزفيلد ، وتوبيخه على نحو لم يسبق له مثيل، نتيجة اقدامه على الكذب امامهم ! لقد قال كنيدي لرامزفيلد : انت ، يا سيد رامزفيلد، لم تخبرنا عن الحقيقة في العراق ، وتعمدت تقديم معلومات غير صحيحة لنا ، ونحن نعرف اننا في مستنقع خطير في العراق واننا نهزم ولا ننتصر . لقد تجرعت ( عصابة الاوغاد الدوليين ) الحاكمة في امريكا ، حسب تعبيرات الاستاذ محمد سعيد الصحاف ، سم الاعتراف بالهزيمة في العراق ، وبان ما يجري فيه ليس ( تمرد فلول النظام ) ، وان ( القضاء عليه هو مسالة ايام ) كما كان رامزفيلد يرتل في صلواته الشيطانية ، بل اعترف مجلس الشيوخ بان شعب العراق يقاوم ، وبالسلاح ، الاحتلال الاستعماري للعراق ، وان الدولة العراقية التي ذبحت استعادت حيويتها واكملت اعادة بناء الجيش ، بحرسه الجمهوري وفرقه الاساسية والمخابرات والتصنيع العسكري والاعلام والخارجية ... الخ ، وانها ضمنت السيطرة الفعلية على ارض العراق ، خصوصا بغداد تمهيدا للحظة الانهيار الكامل لقوات الاحتلال ، او رضوخه لشروط المقاومة ، وعودة الدولة العراقية واعلان جمهورية العراق الثانية الديمقراطية التعددية .
ان جلسة مجلس الشيوخ ليست سوى الخطوة الرسمية الاولى من قبل السلطة التشريعية على طريق اتخاذ القرار الرسمي العلني ( القرار الفعلي اتخذ ) بالانسحاب من العراق ، بشرط ان يتم بطريقة تحفظ ماء وجه امريكا امام شعبها والعالم، وتستبعد احتمال انهيار المشروع الامبراطوري العالمي . وقد سبق جلسة مجلس الشيوخ تصاعد حملة الانتقادات التي وجهها اعضاء الكونغرس وكان ابرزها تلميح السناتور الديمقراطي جوزيف بيدن بان القوات الامريكية تواجه كارثة في العراق ، فالثورة العراقية المسلحة اكبر من قدرة الادارة الامريكية وحدها على معالجتها ، اضافة الى ان التاكيدات التي صدرت من الرئيس بوش واركان ادارته لا تسمح لهم بالتراجع عنها، بل يجب ان يبدو الامر وكانه (اجماع وطني) امريكي على ضرورة الانسحاب، بعد اكمال عملية ( زرع الديمقراطية في العراق) ! لهذا تم استبعاد( المحافظون الجدد) واحدا اثر اخر ، وهم الذين ورطوا امريكا بغزو العراق ووضعوا خطة الغزو ونفذوها ، ابتداء بريتشارد بيرل ، الذي اعفي من منصبه ، وانتهاء ببول ولفووتز ، الذي ابعد بتعيينه رئيسا للبنك الدولي ، ومرورا بدوجلاس فيث ، الذي اجبر على الاستقالة !
وباستبعاد المحافظين الجدد واحلال من وصفوا ب ( المعتدلين ) محلهم ، ارادت ادارة بوش ان تعالج المأزق الامريكي بنفسها، وليس بواسطة تدخل الكونغرس ، فاعلنت كونداليزا رايس ان الادارة الامريكية لن تستخدم القوة بل الدبلوماسية في سياستها الخارجية . وزارت العراق وامرت الجعفري ان يتفاوض مع من اسمتها ( المقاومة الشرعية ) ، وهو وصف يكفي بحد ذاته لتاكيد الاعتراف الامريكي بالهزيمة ، وان يشرك السنة ، (سامحوني على اضطراري لاستخدام تعبيرات الصهيوفية،اي الصهيونية – الصفوية ، التي تريد تكريس النداء الطائفي) ، في العملية السياسية ووضع الدستور . لكن الثورة العراقية المسلحة ذات الطبيعة الوطنية التحررية اساسا ، لم ولن تسمح بترقيع راية الاحتلال، او تجميلها ، فالمسالة ليست مسالة اشتراك السنة في العملية السياسية ، وهو موضوع مفتعل ، بل هي مسالة اغتصاب واستعمارالعراق والتدمير المنظم له ماديا معنويا ، كما ان التفاوض مع ما اسمتها رايس ( المقاومة الشرعية ) ليس هو الموضوع الاساس بل انه قبول امريكا شروط المقاومة المسلحة ، والتي اعاد تاكيدها المجاهد الرفيق عزة الدوري، القائد الميداني الاعلى للمقاومة العراقية في رسائله الاخيرة .
لهذه الاسباب اتخذت قيادة المقاومة قرارا تاريخيا وحاسما بتصعيد المقاومة المسلحة ، خصوصا في المنطقة الكردية وجنوب العراق، لتاكيد الطابع الوطني الشامل لها وانها ليست ثورة بعثية او سنية او عربية بل هي ثورة وطنية ديمقراطية يشارك فيها كل العراقيين من عرب واكراد وتركمان ومسلمين ومسيحيين ...الخ .
ولقطع الطريق على من يريد التصيد في الماء العكر ، عبر استغلال اسم الحزب او المقاومة لدعم الادعاء البائس لرامزفيلد بان حكومته تتفاوض معها ، اكد المجاهد الدوري مؤخرا في رسائله ، بان المقاومة والحزب لم ولن يجريا اي اتصالات مباشرة مع القوات الامريكية او اي جهة امريكية ، وان الطريق الوحيد المفتوح امام امريكا كي تخرج من مازقها في العراق هو القبول التام وغير المشروط لمطاليب وشروط المقاومة ، ومن ثم لا مساومات ولا تراجع ولا مجال لاعطاء فرصة للاحتلال وعملاءه للالتقاط الانفاس واعادة تجميع الصفوف .
وهكذا اغلقت المقاومة الابواب امام محاولات اغراء افراد او منظمات مقاومة صغيرة للتفاوض مع القوات الامريكيةلايهام الكونغرس والراي العام الامريكي بان ادارة بوش تعمل كل ما تستطيع للتغلب على مشاكل احتلال العراق ، من جهة ولتوريط اطراف وطنية لاتملك الوعي والحصانة الكافيتين لادراك ما تخفيه امريكا من خطط لتدمير المقاومة عبر التقرب منها .
ا ن اي تفاوض مع الاحتلال خارج الجسد الرئيسي للمقاومة وشروطها سيعد خيانة للوطن، ومحاولة لكسر شوكة المقاومة ومنح فرصة للاحتلال كي يطيل بقاءه في العراق ، ولذلك لن يشفع لاحد تاريخه وسيعد كعلاوي والجعفري والحكيم . ان امريكا التي يحتضر وجودها في العراق ، تحاول التشبث بالاوهام ومنها حلمها ان تجد دواء لسرطانها .ان ادعاء رامزفيلد انه يجري اتصالات مع فصيل مقاوم هو لعبة صبيانية مفضوحة لسرقة الوقت، كان افضل تعبير عنها هو ما قاله في يوم 26- 6 – 2005 حينما اعترف وفق ما ذكرته وكالة 'أسوشيتدبرس' الإخبارية, بأن المقاومة العراقية لديها القدرة على البقاء لمدة 12 عاما ، وفي تصريحات اخرى له في نفس اليوم الأحد 26 – 6 لمجلة 'فوكس' الإخبارية ادعى 'رامسفيلد' (أن القوات الأمريكية لن تبقى في العراق حتى تحقق النصر الكامل على المقاومة العراقية، وأنه على الأرجح أن تتم هزيمة المقاومين بسواعد العراقيين أنفسهم ). رامزفيلد هنا يحل الغاز الانسحاب بنفسه : فهو يعترف بان المقاومة ستستمر 12 عاما وان قوات بلاده لا تستطيع هزيمتها وهي لن تبقى حتى هزيمة المقاومة ، بل ستترك الامر للقوات العراقية ، والتي يعترف هو مباشرة انها عاجزة عن دحر المقاومة ! اذن ما معنى كل هذه الهرطقة والهلوسة ،التي لا نسمعها الا في مستشفى الشماعية (وهي مستشفى المجانين في العراق ) ، او في مقاهي الحشيشة في طهران ؟ انه الهروب المنظم والمموه ، لكنه يكشف عما يموهه كما تكشف عري الامبراطور ملابسه الوهمية !
هتك اكاذيب رامزفيلد
لئن كان رامزفيلد قد ذكر، لتفسير اسباب اتصال امريكا بافراد ادعى انهم من المقاومة هو شق الاخيرة ، ودمج العراقيين منها بالعملية السياسية ،فانه تناسى عمدا ام الحقائق وهي ان المقاومة ، بقوتها الاساسية ، موحدة وغير قابلة للاختراق ، كما اكدت احداث السنتين الاخيرتين ، وانها عقدت العزم واقسمت على ذلك بالقران الكريم ، بان لا مساومات على مستقبل العراق واستقلاله وسيادته وعروبته وثرواته وحقوقه الثابتة ، وان الطريق الوحيد لخروج امريكا من العراق بطريقة سلمية هو القبول التام وغير المشروط لمطاليب المقاومة المسلحة .
اذن ما الذي اراد رامزفيلد ان يصل اليه وهو يعلم يقينا ان المقاومة محصنة ضد الاختراق والانشقاق والانزلاق ؟ ان رامزفيلد بالالعاب البهلوانية التي يؤديها اثناء الوقت الضائع المتبقي قبل الانهيار الكامل والفضائحي ، يريد اساسا منع تشكل معارضة واسعة النطاق ، رسمية في الكونغرس ، وشعبية ، تجهز بفعالية على سياسة ادارة بوش وتحملها مسؤولية تعريض المشروع الامبراطوري الامريكي العالمي للخطر والفشل ، من خلال التحديات المميتة التي تواجه الاحتلال الامريكي على ارض الرسالات الخالدة والقداسة ، اي العراق . ان امريكا التي لا تعرف ديانة مقدسة غير عبادة الدولار ، وجدت ان عراق الثورة المسلحة قد اصبح ثقبا اسودا ، كما وصف الوضع وزير فرنسي ، اخذ يبتلع بشراهة وحتمية لا مفر منها ، موارد الخزينة الامريكية التي تجمع من الضرائب التي يدفعها المواطن الامريكي ، بعد ان حرمت المقاومة المسلحة عليه استخدام موارد النفط العراقية وسيلة لتمويل الغزو ، وهو ما وعد به ( المحافظون الجدد ) الكونغرس الامريكي قبل الغزو للحصول على موافقته عليه .
وهنا يجب ان نكرر التذكير بخسائر امريكا الاقتصادية في العراق ، لانها لم تاتي الى العراق لاجل مشرزع خيري هو فرض( ديمقراطية) الابادة الجسدية للاخر، بل جاءت من اجل النهب والتوسع الامبريالي ، ولهذا فان الخسائر الاقتصادية اهم من ارواح الجنود الا
0 Comments:
Post a Comment
<< Home