اسئلة لحظة تحريرالعراق
كتبَ المحلل السياسي والصحفي المعروف الاستاذ صلاح المختار تحليلاً مهماً سلطً الضوء فيه على مؤشرات هزيمة أميركا وعملائها في العراق.. وشبهَ جلسة الكونغرس الامريكي المنعقدة في 23 حزيران المنصرم بأنها تشبه تصريح الخميني في 8 آب 1988 حينما إعترفَ بالهزيمة أمام جيش وشعب العراق.. واليكم المقال:
بعد اعتراف امريكا بالهزيمة : اسئلة لحظة تحريرالعراق
صلاح المختار
كان واضحا تماما منذ انتهاء معركة الفلوجة الاولى، ان الاحتلال الاستعماري الامريكي للعراق قد اتخذ قرارا حاسما بالانسحاب من العراق بطريقة تحفظ ماء الوجه ، وانه اخذ يهيأ الراي العام الامريكي والعالمي لفكرة الانسحاب، تحت غطاء الادعاء انه اكمل واجبه في العراق . وكان سبب التوصل الى هذه الحقيقة هو قراءة الواقع العراقي وما فعلته المقاومة المسلحة العراقية خلال عام من النضال المسلح ، بكفاءة نادرة لم تشهدها اي حرب تحرير في العالم على الاطلاق . وكنا نؤكد، في كل دراسة او مقال، ان امريكا قد اعترفت ذاتيا بهزيمتها ، وبان المقاومة المسلحة ، اقوى وارسخ واوسع من ان تستطيع اي قوة في الارض التغلب عليها ، مهما استخدمت من اساليب متطرفة الوحشية . وجاءت كل التطورات الرئيسية والثانوية لتؤكد، بالتمام والكمال، ما قلناه .
والان وبعد ان اعترفت امريكا الرسمية باستحالة قهر المقاومة العراقية ، راينا انقلابات وتحركات هنا وهناك ، تتمحور حول هدف جوهري : محاولة اغتيال نصر المقاومة الحاسم عبر تكتيك ارتداء زي المقاومة والحزب والسير فيهما تحت الاضواء الساطعة، في عمليات استعراضية مكشوفة ! ما الذي يحدث ؟ وما هي تكتيكات المخابرات الامريكية الجديدة لارباك بعض الناس ،او لتضليل عناصر وطنية ؟ وهل يمكن لامريكا ان تستمر في المناورات وتتجنب الهزيمة ؟ وقبل ان نجيب على هذه الاسئلة لابد ان نشير الى جزء قليل من مظاهر الهزيمة النكراء التي اعترفت امريكا بها.
عواء ذئب حريح
لا مفر من الاعتراف بان ما جرى في الكونغرس الامريكي يوم 23 – 6 – 2005 كان تحولا حاسما وجوهريا في مجرى الثورة العراقية المسلحة ، اذ ان الجلسة التي عقدها مجلس الشيوخ الامريكي لاستجواب ، او للدقة محاكمة ، دونالد رمزفيلد ، وزير الحرب الامريكي ، كانت تكرار دقيقا لليوم التاريخي الذي اعلن فيه خميني انه يقبل بوقف طلاق النار مع (الجار المسلم) العراق ، وان اتخاذ ذلك القرار كان( كتجرع السم الزعاف) . وكما كان يوم 8 – 8 – 1988 يوم الاعلان الرسمي الايراني عن انتصار العراق على حرب الخراب والتقسيم ومحاول اجتثاث البعث ، التي فرضها نظام الصفويون الجدد في طهران على العراق، فان جلسة مجلس الشيوخ يوم 23 – 6- 2005 كانت الاعلان الرسمي عن هزيمة المشروع الامريكي في العراق، وقيام بوش ورهطه بتجرع السم الزعاف الذي اعده لهم شعب العراق البطل . وهكذا اندحر (المحافظون الجدد) كما اندحر قبلهم اشقائهم في ايران (الصفويون الجدد) ، وهم يناطحون جبل الشعب العراقي الاشم بقيادة البعث .
نعم الكونغرس الامريكي ، بديمقراطييه وجمهورييه ، اتفق على عدة حقائق كنا نقولها منذ عام على وجه الخصوص ، تاكيدا لما قلناه قبل الغزو في برنامج (الاتجاه المعاكس) في قناة الجزيرة ، من ان اليد الامريكية اذا امتدت الى داخل العراق ستقطع ،( وهي الان تقطع فعلا ). ومن بين اهم ما اضطر الكونغرس للاعتراف به الحقائق التالية ،التي قالها اعضاء مجلس الشيوخ :
اولا : ان الحل العسكري للتمرد في العراق ( اي المقاومة المسلحة ) مستحيل .
ثانيا : ان امريكا في نفق مظلم لا ترى الضوء في نهايته .
ثالثا : ان امريكا تهزم في العراق وان التمرد يتسع ويتقوى ويزداد امكانية .
رابعا : ان امريكا تغرق في مستنقع العراق .
هذه الحقائق قالها السناتورات تيد كنيدي وبيدن وشاغل وغيرهم ، اثناء استجواب رامزفيلد ، وتوبيخه على نحو لم يسبق له مثيل، نتيجة اقدامه على الكذب امامهم ! لقد قال كنيدي لرامزفيلد : انت ، يا سيد رامزفيلد، لم تخبرنا عن الحقيقة في العراق ، وتعمدت تقديم معلومات غير صحيحة لنا ، ونحن نعرف اننا في مستنقع خطير في العراق واننا نهزم ولا ننتصر . لقد تجرعت ( عصابة الاوغاد الدوليين ) الحاكمة في امريكا ، حسب تعبيرات الاستاذ محمد سعيد الصحاف ، سم الاعتراف بالهزيمة في العراق ، وبان ما يجري فيه ليس ( تمرد فلول النظام ) ، وان ( القضاء عليه هو مسالة ايام ) كما كان رامزفيلد يرتل في صلواته الشيطانية ، بل اعترف مجلس الشيوخ بان شعب العراق يقاوم ، وبالسلاح ، الاحتلال الاستعماري للعراق ، وان الدولة العراقية التي ذبحت استعادت حيويتها واكملت اعادة بناء الجيش ، بحرسه الجمهوري وفرقه الاساسية والمخابرات والتصنيع العسكري والاعلام والخارجية ... الخ ، وانها ضمنت السيطرة الفعلية على ارض العراق ، خصوصا بغداد تمهيدا للحظة الانهيار الكامل لقوات الاحتلال ، او رضوخه لشروط المقاومة ، وعودة الدولة العراقية واعلان جمهورية العراق الثانية الديمقراطية التعددية .
ان جلسة مجلس الشيوخ ليست سوى الخطوة الرسمية الاولى من قبل السلطة التشريعية على طريق اتخاذ القرار الرسمي العلني ( القرار الفعلي اتخذ ) بالانسحاب من العراق ، بشرط ان يتم بطريقة تحفظ ماء وجه امريكا امام شعبها والعالم، وتستبعد احتمال انهيار المشروع الامبراطوري العالمي . وقد سبق جلسة مجلس الشيوخ تصاعد حملة الانتقادات التي وجهها اعضاء الكونغرس وكان ابرزها تلميح السناتور الديمقراطي جوزيف بيدن بان القوات الامريكية تواجه كارثة في العراق ، فالثورة العراقية المسلحة اكبر من قدرة الادارة الامريكية وحدها على معالجتها ، اضافة الى ان التاكيدات التي صدرت من الرئيس بوش واركان ادارته لا تسمح لهم بالتراجع عنها، بل يجب ان يبدو الامر وكانه (اجماع وطني) امريكي على ضرورة الانسحاب، بعد اكمال عملية ( زرع الديمقراطية في العراق) ! لهذا تم استبعاد( المحافظون الجدد) واحدا اثر اخر ، وهم الذين ورطوا امريكا بغزو العراق ووضعوا خطة الغزو ونفذوها ، ابتداء بريتشارد بيرل ، الذي اعفي من منصبه ، وانتهاء ببول ولفووتز ، الذي ابعد بتعيينه رئيسا للبنك الدولي ، ومرورا بدوجلاس فيث ، الذي اجبر على الاستقالة !
وباستبعاد المحافظين الجدد واحلال من وصفوا ب ( المعتدلين ) محلهم ، ارادت ادارة بوش ان تعالج المأزق الامريكي بنفسها، وليس بواسطة تدخل الكونغرس ، فاعلنت كونداليزا رايس ان الادارة الامريكية لن تستخدم القوة بل الدبلوماسية في سياستها الخارجية . وزارت العراق وامرت الجعفري ان يتفاوض مع من اسمتها ( المقاومة الشرعية ) ، وهو وصف يكفي بحد ذاته لتاكيد الاعتراف الامريكي بالهزيمة ، وان يشرك السنة ، (سامحوني على اضطراري لاستخدام تعبيرات الصهيوفية،اي الصهيونية – الصفوية ، التي تريد تكريس النداء الطائفي) ، في العملية السياسية ووضع الدستور . لكن الثورة العراقية المسلحة ذات الطبيعة الوطنية التحررية اساسا ، لم ولن تسمح بترقيع راية الاحتلال، او تجميلها ، فالمسالة ليست مسالة اشتراك السنة في العملية السياسية ، وهو موضوع مفتعل ، بل هي مسالة اغتصاب واستعمارالعراق والتدمير المنظم له ماديا معنويا ، كما ان التفاوض مع ما اسمتها رايس ( المقاومة الشرعية ) ليس هو الموضوع الاساس بل انه قبول امريكا شروط المقاومة المسلحة ، والتي اعاد تاكيدها المجاهد الرفيق عزة الدوري، القائد الميداني الاعلى للمقاومة العراقية في رسائله الاخيرة .
لهذه الاسباب اتخذت قيادة المقاومة قرارا تاريخيا وحاسما بتصعيد المقاومة المسلحة ، خصوصا في المنطقة الكردية وجنوب العراق، لتاكيد الطابع الوطني الشامل لها وانها ليست ثورة بعثية او سنية او عربية بل هي ثورة وطنية ديمقراطية يشارك فيها كل العراقيين من عرب واكراد وتركمان ومسلمين ومسيحيين ...الخ .
ولقطع الطريق على من يريد التصيد في الماء العكر ، عبر استغلال اسم الحزب او المقاومة لدعم الادعاء البائس لرامزفيلد بان حكومته تتفاوض معها ، اكد المجاهد الدوري مؤخرا في رسائله ، بان المقاومة والحزب لم ولن يجريا اي اتصالات مباشرة مع القوات الامريكية او اي جهة امريكية ، وان الطريق الوحيد المفتوح امام امريكا كي تخرج من مازقها في العراق هو القبول التام وغير المشروط لمطاليب وشروط المقاومة ، ومن ثم لا مساومات ولا تراجع ولا مجال لاعطاء فرصة للاحتلال وعملاءه للالتقاط الانفاس واعادة تجميع الصفوف .
وهكذا اغلقت المقاومة الابواب امام محاولات اغراء افراد او منظمات مقاومة صغيرة للتفاوض مع القوات الامريكيةلايهام الكونغرس والراي العام الامريكي بان ادارة بوش تعمل كل ما تستطيع للتغلب على مشاكل احتلال العراق ، من جهة ولتوريط اطراف وطنية لاتملك الوعي والحصانة الكافيتين لادراك ما تخفيه امريكا من خطط لتدمير المقاومة عبر التقرب منها .
ا ن اي تفاوض مع الاحتلال خارج الجسد الرئيسي للمقاومة وشروطها سيعد خيانة للوطن، ومحاولة لكسر شوكة المقاومة ومنح فرصة للاحتلال كي يطيل بقاءه في العراق ، ولذلك لن يشفع لاحد تاريخه وسيعد كعلاوي والجعفري والحكيم . ان امريكا التي يحتضر وجودها في العراق ، تحاول التشبث بالاوهام ومنها حلمها ان تجد دواء لسرطانها .ان ادعاء رامزفيلد انه يجري اتصالات مع فصيل مقاوم هو لعبة صبيانية مفضوحة لسرقة الوقت، كان افضل تعبير عنها هو ما قاله في يوم 26- 6 – 2005 حينما اعترف وفق ما ذكرته وكالة 'أسوشيتدبرس' الإخبارية, بأن المقاومة العراقية لديها القدرة على البقاء لمدة 12 عاما ، وفي تصريحات اخرى له في نفس اليوم الأحد 26 – 6 لمجلة 'فوكس' الإخبارية ادعى 'رامسفيلد' (أن القوات الأمريكية لن تبقى في العراق حتى تحقق النصر الكامل على المقاومة العراقية، وأنه على الأرجح أن تتم هزيمة المقاومين بسواعد العراقيين أنفسهم ). رامزفيلد هنا يحل الغاز الانسحاب بنفسه : فهو يعترف بان المقاومة ستستمر 12 عاما وان قوات بلاده لا تستطيع هزيمتها وهي لن تبقى حتى هزيمة المقاومة ، بل ستترك الامر للقوات العراقية ، والتي يعترف هو مباشرة انها عاجزة عن دحر المقاومة ! اذن ما معنى كل هذه الهرطقة والهلوسة ،التي لا نسمعها الا في مستشفى الشماعية (وهي مستشفى المجانين في العراق ) ، او في مقاهي الحشيشة في طهران ؟ انه الهروب المنظم والمموه ، لكنه يكشف عما يموهه كما تكشف عري الامبراطور ملابسه الوهمية !
هتك اكاذيب رامزفيلد
التعامل الصحيح مع الحقائق
لئن كان رامزفيلد قد ذكر، لتفسير اسباب اتصال امريكا بافراد ادعى انهم من المقاومة هو شق الاخيرة ، ودمج العراقيين منها بالعملية السياسية ،فانه تناسى عمدا ام الحقائق وهي ان المقاومة ، بقوتها الاساسية ، موحدة وغير قابلة للاختراق ، كما اكدت احداث السنتين الاخيرتين ، وانها عقدت العزم واقسمت على ذلك بالقران الكريم ، بان لا مساومات على مستقبل العراق واستقلاله وسيادته وعروبته وثرواته وحقوقه الثابتة ، وان الطريق الوحيد لخروج امريكا من العراق بطريقة سلمية هو القبول التام وغير المشروط لمطاليب المقاومة المسلحة .
اذن ما الذي اراد رامزفيلد ان يصل اليه وهو يعلم يقينا ان المقاومة محصنة ضد الاختراق والانشقاق والانزلاق ؟ ان رامزفيلد بالالعاب البهلوانية التي يؤديها اثناء الوقت الضائع المتبقي قبل الانهيار الكامل والفضائحي ، يريد اساسا منع تشكل معارضة واسعة النطاق ، رسمية في الكونغرس ، وشعبية ، تجهز بفعالية على سياسة ادارة بوش وتحملها مسؤولية تعريض المشروع الامبراطوري الامريكي العالمي للخطر والفشل ، من خلال التحديات المميتة التي تواجه الاحتلال الامريكي على ارض الرسالات الخالدة والقداسة ، اي العراق . ان امريكا التي لا تعرف ديانة مقدسة غير عبادة الدولار ، وجدت ان عراق الثورة المسلحة قد اصبح ثقبا اسودا ، كما وصف الوضع وزير فرنسي ، اخذ يبتلع بشراهة وحتمية لا مفر منها ، موارد الخزينة الامريكية التي تجمع من الضرائب التي يدفعها المواطن الامريكي ، بعد ان حرمت المقاومة المسلحة عليه استخدام موارد النفط العراقية وسيلة لتمويل الغزو ، وهو ما وعد به ( المحافظون الجدد ) الكونغرس الامريكي قبل الغزو للحصول على موافقته عليه .
وهنا يجب ان نكرر التذكير بخسائر امريكا الاقتصادية في العراق ، لانها لم تاتي الى العراق لاجل مشرزع خيري هو فرض( ديمقراطية) الابادة الجسدية للاخر، بل جاءت من اجل النهب والتوسع الامبريالي ، ولهذا فان الخسائر الاقتصادية اهم من ارواح الجنود الامريكيين ، طبقا لتعاليم ( توراة الدولار) ، فلقد كانت امريكا ، بكل مؤسساتها الحاكمة وليس الادارة فقط ، تحلم بالاستيلاء على اكبر مخزون نفطي في العراق ( حوالي 300 مليار برميل )، واطولها عمرا ( حوالي قرن ) ، وارخصها تكلفة ( برميل النفط في العراق يكلف نصف دولار وفي السعودية دولارين وفي اوربا عشرين دولار ) ، لكي تستخدم هذا الاحتياطي لحل ازمة الطاقة القادمة ، والتي تتجلى في تضاعف حاجة امريكا للطاقة خلال ال15 سنة القادمة في ظرف تناقص مصادر الطاقة النفطية ، كما كشف تقرير للمخابرات الامريكية ، من جهة ، ولاستخدامه كاداة ابتزاز ستراتيجي مدمرة الاثر ضد منافسي امريكا والقوى الصاعدة ، مثل اتحاد اوربا والصين والهند وروسيا ( روسيا ستواجه قريبا شحة طاقة ) ، من جهة ثانية ، لان امريكا عاجزة عن دحر منافسيها بالطرق السلمية لذلك تحتاج لفرض سيطرتها التامة على منابع النفط الرئيسية واهمها العراق .
لكن الذراع الضارب للثورة العراقية المسلحة حرم على امريكا السيطرة على نفط العراق واعادة بناء الصناعة النفطية فيه بطريقة تمكنها من تحويله الى اداة ابتزاز بالتحكم بكمياته واسعاره . لقد ضمنت الثورة ذلك بتبني ستراتيجية تحرير اهم مدماكين فيها هما اولا منع استثمارامريكا للنفط وثانيا اجبارها على النزف ماديا وبشريا حتى تتقيأ ما نهبته من العراق وتتخذ قرار الفرار منه . ماذا كانت نتيجة نجاح ستراتيجية المقاومة ؟ اول واهم نتيجة كانت تعرض امريكا لاستنزاف مدمر لا يمكنها تحمله الى مالا نهاية ، ومن اهم مظاهر ذلك العجز في الميزانية الفدرالية ومضاعفة الدين العام ، فقبل الغزو كان العجز الفدرالي حوالي 300 مليار دولار ، وقفز عام 2004 الى 600 مليار ، ويتوقع ان يقفز هذا العام ، طبقا للتقديرات الامريكية الرسمية ، الى 750 مليار دولار ! اما الدين العام فقد كان قبل الغزو حوالي 4 تريليون دولار، وقفز في عام 2004 الى 7 تريليون ونصف التريليون ، ولمن لا يعرف قيمة التريليون نقول انه الف مليار دولار ! والدين العام يعادل حوالي 85 % من قيمة الناتج القومي الامريكي ، وهذا يعني ان امريكا الدولة الكبرى الوحيدة التي تستهلك اكثر مما تنتج ! وانها تقف على قاعدة من رمل يمكن ان تتحرك بفعل حدث مفاجئ ، كتسونامي مالي او سياسي او عسكري ، فتنهار باعلان افلاس بضعة شركات عملاقة ! ان من اخطر مظاهر الازمة البنيوية في امريكا ازدياد تحويل الدولار الى اداة مضاربة مالية وحرمان الاستثمار الانتاجي منه .
هذه الحقائق المالية ، واكثر من اي شيئا اخر ، تتحكم في القرار الستراتيجي الامريكي لان امريكا ، ونكرر القول الاف المرات، تعبد الدولار وليس الاله الذي يعبده المسلمون والمسيحيون واليهود ، لذلك لم تتحرك ، بكونغرسها وكتاب فيها ، نتيجة قتل الجنود الامريكيين بالدرجة الاولى، بل نتيجة تعرضها للاستنزاف المادي ، فهؤلاء جميعهم يعبدون اله صنع من تمر ، طيب المذاق، وبقدر ما يعبد توجد رغبة متطرفة لالتهامه عند التعرض للجوع ! ان الشركات العملاقة تدرك منذ عام ان معركة امريكا في العراق خاسرة وان اله الوجود هو الله وليس يهوه او الدولار، وان الله يقف مع جنوده البعثيين والاسلاميين وغيرهم من الوطنيين الاخرين ، في العراق المقاوم لذلك صدرت الاشارات المخيفة لبوش، من العراق ومن الكونغرس الامريكي ، ان ينهي مغامرته في العراق باسرع وقت وبطريقة تحفظ ماء الوجه لاجل ايقاف نزيف امريكا . ان الثورة العراقية المسلحة تقترب بسرعة من حالة تحولها الى القداحة التي ستشعل حريق تسونامي الانهيار الامريكي المحتوم ، اذا بقيت تقاتل في العراق باموال امريكية وبارواح امريكية لمدة عام اخر، بعد ان حققت الثورة احد اهم اهدافها : التعجيز شبه التام لقوات بدر وتنظيمات العملاء الاخرين مما جعل الحكومة العميلة تزداد اعتمادا على قوات الاحتلال بدل ان تستخدم امريكا الجحوش للقتال ضد الشعب العراقي الثائر . وكان افضل تعبير عن ذلك هو الاستجداء الذليل الذي قام به ابراهيم الجعفري ،الايراني الهوى والهوية، عند زيارته لواشنطن ولندن، لاجل بقاء قوات الاحتلال وعدم سحبها، لان ذلك سيمكن المقاومة من اكمال تحرير العراق في عملية لن تستغرق اكثر من 3 ساعات !
الثورة العراقية المسلحة اصبحت ثقبا اسودا يمتص اموال امريكا وارواح شبابها وبمستويات وكميات لا يمكنها تحملها الا لبضعة اشهر . هل فهمتم الان لم ذاب شمع وجه رامزفيلد واخذ يهذي من شدة حمى الهزيمة ، مع انه كان المتجبر الاكبر، مع العالم ، والمتنمر الاحمر مع الشعب العراقي ، والساخر الاشطر، ممن يتحدثون عن عجز امريكا عن قهر المقاومة ، والناكر الاعور لما يراه حتى الاعمى من توسع الثورة المسلحة ؟ حينما كتب الفيلسوف الالماني نيتشة كتابه ( هكذا تكلم زرادشت ) كان يكتبه اثناء وقوعه صريع نوبة سفلس اصابه وجره الى القبر ، وكان من اعجب ما في هذه القصة هو ان نوبة السفلس كانت تفتح امام نيتشة ابواب الابداع والعبقرية، فقدم لنا واحدة من اروع النتاجات الفلسفية والادبية ، اما صاحبنا رامزفيلد فانه عجوز وغير مصاب بالسفلس ، لكنه مصاب بمرض اخطر منه وهو عمى البصيرة ، لذلك لم يقدم للبشرية نصا رائعا كنص نيتشة بل قدم قيئا وقيحا منبعهما نفس اصيبت بايدز الروح ، مما جعلها ترى العالم بصفته ملعبا كبيرا لعصابة المافيا الامريكية الدولية، واذا تعذر ذلك فان العلم يصبح كابوسا حرائقيا تتوقد نيرانه ، وهي تتراقص على انغام ربابة نيرون ، الذي كان يتلذذ بمشاهدة روما وهي تحترق ! لقد ادعى رامزفيلد ان حكومته تتفاوض مع المقاومة رغم ان العالم كله يرى العكس وهو ان المقاومة قد صعدت ثورتها المسلحة منذ الانتخابات المزورة ، وجعلتها تشمل كل بقعة في العراق ، لدرجة ان عملاء الاحتلال الكبار ، مثل جلال الطالباني والجعفري لا يجرأون على الخروج الى الشارع الا وهم يختبؤن في سيارات الاسعاف او الزبالة. كما ان اربيل والسليمانية وحلبجة ودهوك ،اخذت تحاول اللحاق بشقيقاتها الفلوجة وبهرز والقائم والناصرية والعمارة والحلة والبصرة !
ان ما يجعل رامزفيلد وحكام امريكا مفزوعين وممسوسين بهاجس الكذب هو التبلور التام لاربعة حقائق اخذ العالم بكل قاراته يراها ويتجه للاعتراف بها :
الحقيقة الاولى : ان قوات الاحتلال والمتجحفلين معها ، من جحوش ومرتزقة اقليميين ودوليين، لا تستطيع القضاء على الثورة المسلحة ، وان المقاومة تتسع وتزداد شراسة مقابل الانهيار الواضح لجيوش الاحتلال ، وهذا ما برز واضحا في معارك الفلوجة والقائم والرمادي والكرابلة وديالى والعبيدي وبغداد ، خصوصا معارك طريق مطار صدام الدولي .
الحقيقة الثانية :ان القوتين الاساسيتين الموجودتين في العراق وتتحكمان في احداثه هما المقاومة المسلحة ( خصوصا قوات الحرس الجمهوري ) ، وقوات الاحتلال ، وبينهما لا توجد الا قوى هامشية او ثانوية الحجم الجماهيري، سواء كانت عميلة او وطنية . ففيلق بدر الايراني تم تدمير قوته الاساسية، وهذا ينطبق على حزب الدعوة الايراني ، والبيشمركة الصهيونية انكمشت وقلصت مشاركتها في احداث وسط وجنوب العراق، وهي تتلقى ضربات شديدة الايجاع في مناطقها الداخلية في شمال العراق ، اما المؤتمر التاسيسي فهو ليس اكثر من تشكيل يضم شخصيات تفتقر للقواعد الشعبية ،والكثير من اعضاءه من خريجي مدرسة لندن، وهذا ينطبق على هيئة علماء المسلمين، فهي عبارة عن تجمع افراد بعضهم وطني دون شك ولكن بعضهم الاخر عميل صريح كاعضاء الحزب الاسلامي الخائن والعميل للاستعمار الامريكي . وهذه الحقيقة تعني تحديدا ان امريكا عاجزة عن الوصول لحل لازمتها في العراق مع اي قوة خارج المقاومة المسلحة ، لان من يتفق معها ، سواء كان وطنيا او عميلا ، لا يملك الشعبية المطلوبة لتنفيذ اي اتفاق . كماان تحشيد كل هذه التشكيلات الهامشية ،او التي همشت بفضل ضربات المقاومة ، لن يؤدي الى اضعاف المقاومة المسلحة والعثور على حل لازمة امريكا في العراق ، لانه يقع الان تحت سيطرة المقاومة فعليا ، وهي التي تقرر ما يجب تنفيذه وما يجب منع تنفيذه .
الحقيقة الثالثة : ان المقاومة المسلحة قد تكرست وترسخت بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، وتتجسد هذه الحقيقة في الواقع العراقي، اذ لولا الدعم المطلق لها من قبل الشعب العراقي لما تمكنت من الاستمرار، ولما نجحت في التغلب على كل عمليات الابادة الجماعية التي تعرضت لها ، ولنجحت خطط الاختراق الاستخباري . لقد تجسدت القاعدة الاساسية لاي حرب عصابات في العراق ,والتي تقول ( ان المقاومة كالسمك لا يمكنه العيش الا في المياه )، فلولا الدعم الشعبي للمقاومة لما استمرت وتوسعت وانتصرت . هذه الحقيقة تشتق منها بديهية اخرى شهدتها كل حروب التحرير ، وهي ان سلامة مواقف القوى الاخرى غير المساهمة في المقاومة المسلحة تتحدد في ضوء موقفها من المقاومة المسلحة ، فبقد ما تقترب من المقاومة وتدعمها تكتسب سلامة الموقف . نعم ليس كل من لا يساهم في المقاومة المسلحة عميل ، فهذا منطق ظالم وقاصر ، لان الكثير من الوطنيين لا يملكون الرؤية البعيدة للاقتناع بممارسة المقاومة المسلحة او انهم يريدون ذلك لكنهم لا يستطيعون ، فيكتفون بالمقاومة السلمية ، ولكن في هذه الحالة يجب الا يسلك هؤلاء طريقا يتصادم في النهاية مع خط المقاومة ، في موضوع الحل النهائي لمشكلة الاحتلال .
الحقيقة الرابعة : ان قوات الجيش العراقي الباسل قد اكملت اعادة تنظيم صفوفها ، وشكلت الفرق الاساسية وعين قادة عسكريون لها ، وكلفت بواجبات قتالية تتعلق بمرحلة انهيار الاحتلال والامساك التام بالعراق المحرر وحمايته من اي تدخل خارجي ، اضافة لتنظيف مدن وقرى العراق من بقايا الاحتلال . ان عودة الجيش العراقي الذي اعتقد الاحتلال انه تمكن من حله ، وخوضه لمعارك التحرير بزيه الرسمي ابتداء من معركة الفلوجة الاولى ، هو احدى اهم الخطوات الحاسمة والنهائية استعدادا لاكتمال عملية تحرير العراق .
في ضوء هذه الحقائق الاربعة المذكورة ، والتي تتحكم في الوضع العراقي ، على امريكا ان تتعامل مع الثورة العراقية المسلحة المنتصرة ، خصوصا التعامل مع الاسئلة التالية، والاجابة عليها بصورة صحيحة ، بعيدا عن اوهام القوة والغطرسة الامبراطورية الفارغة :
السؤال الاول : الا تدرك امريكا ا ن اي اتفاق ، حتى لو تم ، مع اي شخص او جماعة او فصيل لن يؤثر على مجرى المقاومة المسلحة ؟ ن الجواب اليقيني هو نعم انها تدرك ذلك ، بحكم تجربتها الميدانية ، لذلك لابد من طرح السؤال التالي
السؤال الثاني : : اذن ما الغرض من مناورة البحث عن اشخاص او تنظيمات صغيرة لعقد صفقة انتهازية معها ؟ اذا كان الجواب انها تريد اللعب بالوقت الضائع ، املا في حصول تطور مفاجئ لصالحها ، فان سؤالا اخرا يفرض نفسه :
السؤال الثالث : اذا كانت المقاومة العراقية هي اخر معجزات عصرنا ، والتي احتاطت لكل احتمالات مرحلة التحرير قبل الغزو، فهل تتوقع امريكا معجزة لن تحصل ؟ وماذا تنتظر غير تلاشي فرص الانسحاب الذي يحفظ ماء الوجه ؟ اذا كان الجواب انها تريد الضغط على المقاومة للتخلي عن شروطها المعلنة ، عبر هذه البهلوانيات الرامزفيلدية ، فأن السؤال الاخر المهم هو :
السؤال الرابع : الم تعلم ادارة بوش حتى الان ان الثورة المسلحة هي ثورة شعب وامة في طور البعث والنهوض ، وان اي ضغط ابتزازي ، ومهما كان قاسيا ، لن ينجح في تغيير مسارها ، مهما كان الثمن ، وان النصر الحاسم قد اصبح مسالة وقت لا غير ؟
هذه الاسئلة ، وغيرها كثير ، بدراستها مع الاجوبة الضرورية عليها، تفضي الى حقيقة اصبحت معروفة ومن المستحيل الهرب منها ، وهي ان ادارة بوش ، والمؤسسة شبه السرية الحاكمة خلفها ، تدركان جيدا ان غزو العراق قد اصبح اكبر كارثة ( وطنية ) وستراتيجية تتعرض لها امريكا في تاريخها كله ، وهو ما نبه اليه السناتورات شاغل وكنيدي وغيرهما بوضوح تام . ان هزيمة امريكا في العراق تحدث في زمن اصبحت فيه اقوى امبراطورية في التاريخ ، والاهم انها لاتجد رادعا دوليا كبيرا ،او قوة عظمى اخرى تحد من استكلابها وخروجها على كل قانون او قاعدة وضعتها هي او الغرب ، لذلك حينما تاتي المقاومة العراقية ، وهي ليست سوى قوة شعب بسيط التسلح والامكانات ، وتهزم امريكا ، فان وجع الهزيمة يؤدي الى انفجار قلب اله امريكا : الدولار ! او تعرض عبدته الى التشرذم وخسارة كل شيئ . من هنا فان عبدة الدولار يفكرون بامرين متلازمين،
ألأمر ألأول: التهيئة للانسحاب بطريقة تحفظ ماء وجة امبراطورية الدولار الكونية ، وفي اطار ذلك الهدف تجري منذ عام عملية مدروسة لاعادة غسل ادمغة الراي العام ، الامريكي اولا والعالمي ثانيا ، كي يتقبل الانسحاب من العراق على انه قرار امريكي تم بعد ان انهت امريكا مهمتها في العراق ، باسقاط النظام الوطني واجراء (انتخابات) وبناء جيش جديد وقوات امن جديدة وتسليم السلطة لـ(عراقيين) ، كما يقول الشمعي الوجه رامزفيلد !
الامر الثاني : السعي ، وبكافة الطرق ، للعثور على اي ثغرة او صنع ثغرة ، في صفوف المقاومة واستغلالها لشقها وتغيير مجرى الصراع في العراق وبالتالي في المنطقة والعالم ، وهكذا يصبح ممكنا بقاء الاحتلال في العراق ، واحياء مشروع تغيير الشرق الاوسط برمته ، لانشاء نظام استعماري امريكي اقليمي .
هنا ، وهنا بالذات ، تكمن ازمة امريكا المركبة الخطيرة، الاقتصادية والامنية والسايكولوجية والستراتيجية ، وهي خطيرة جدا لانها تستبطن في جيناتها فايروس ايدز بنيوي مدمر ، لا علاج له الا الوفاة الحتمية ، اسمه تداعي قدرة امريكا على انتاج واعادة انتاج خلايا شابة تجدد قدرتها على المطاولة والصمود . ان صرخات اعضاء الكونغرس الامريكي، ومطالبتهم بتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق ، والتي تتعالى يوميا منذ معركة القائم الفاصلة ، ما هي الا تعبيرات دقيقة عن حالة تداعي جسد امريكا والتهام هؤلاء السناتورات والنواب لالهة التمر الامريكية التي صنعوها هم، في زمن الاستبداد الامريكي . ان امريكا اليوم تبدو للجميع ( كالدجاجة تموت وعينها على المزبلة) كما يقول المثل العراقي الشهير ، فهي تنهار وتعترف بالانهيار وتدعو الى التفاوض وتدعي حصوله ، ومع ذلك فهي تفكر بالخداع والاعداد لمكائد غادرة . لكن العراق ، الذي قرر ان يجعل امريكا تنتحر عند اسوار بغدادا كما وعد امام المجاهدين الرئيس الاسير صدام حسين ( فك الله اسره ) ، والذي خطط لجعل ام المعارك نهاية معارك الامة العربية الظافرة ، هذا العراق يشهد احتضار المشروع الامبراطوري الامريكي على ارضه المقدسة ، عبر استنزاف موارد امريكا واهانة عسكريتها ، مع انها تعودت على اهانة كل البشرية بصغارها وكبارها !
ايها العراقيون : انكم الان تقتربون من النصر بسرعة البرق ، وغدا ستشهدون من شاشات التلفزيون قوات الغدر البوشية تنسحب وفيلق بدرالصفوية تتحفى تاركة احذيتها وهي تهرب مذعورة من العراق ، ماذا نحتاج في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة ؟ المطلوب من نساء العراق ان يتدربن على زغاريد النصر بسرعة ، لانها ليست مثل زغاريد الاعراس الاسبوعية ، والمطلوب من محلات بيع الزهور ان تعد كميات كبيرة من الورد لتنثر على مواكب المجاهدين، وهم يستعرضون قواتهم في ساحة الاحتفالات الكبرى غدا . واذا كان الطالباني والجعفري والسيستاني لا يتجرأون الان على التنقل الا بسيارت الاسعاف او الزبالة فكيف سيضمنون الهروب غدا ، في يوم التحرير ، حيث لن تستغرق عملية الامساك بامن العراق عند انسحاب الاحتلال اكثر من 3 ساعات ، كما قال القائد الاسير المجاهد طارق عزيز(فك الله اسره) لمحققيه الامريكيين ؟ salahalmukhtar@hotmail.com
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد
<< Home