مقتدي الصدر خرج عن توجهه الصحيح..
مقاربة حول التطورات الأخيرة في العراق:
مقتدي الصدر خرج عن توجهه الصحيح... والجامعة العربية تسوق الاحتلال ولا تستطيع مخالفة امريكا
خير الدين حسيب
مدير مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت
انقضت سنتان ونصف علي الاحتلال حتي الآن، ونستطيع أن نري إلي أي مدي تحققت الأهداف التي أعلنها الاحتلال والقوي المتعاونة معه. أنشأوا مجلس الحكم ثم وزارة مؤقتة ثم مجلساً وطنياً مؤقتاً ثم انتخابات 30 كانون الثاني/يناير الفائت، واستفتاء علي الدستور، والآن وصلنا إلي الانتخابات القادمة في 15 كانون الأول/ديسمبر القادم (2005). هدف أمريكا من البداية كان أن تؤدي هذه العملية السياسية إلي أن تنتهي بحكومة موالية لأمريكا وأن توقع هذه الحكومة الموالية لأمريكا اتفاق دفاع مشترك أو اتفاقاً أمنياً ويكون هناك عدد من القواعد لها ثم تنسحب معظم القوات، لكن تبقي القوات الأمريكية في قواعد عسكرية، وهذه الـ 14 قاعدة هي قيد البناء الآن.
اما بالنسبة للانتخابات، أولاً قانون الانتخاب أعده بريمر أي سلطات الاحتلال، المفوضية التي تشرف علي الانتخابات والتي ستُشرف علي الانتخابات القادمة قانونها أيضاً أعده بريمر، وأعضاء اللجنة هم الذين اختارهم بريمر. ولا يوجد أي إشراف دولي علي هذه المفوضية وعلي هذه الانتخابات في مراحلها المختلفة. أحياناً يغالط البعض ويقول أن الأمم المتحدة تشرف علي العملية الانتخابية، إنما لدينا تصريح كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقول فيه أن الأمم المتحدة ليست مسؤولة عن الإشراف علي هذه الانتخابات، ولكنها تقدم المشورة الفنية للمفوضية في ترتيب عملية الانتخابات فقط، ولكن نحن لا نشرف عليها.
يمكن لمن هو مهتم بمدي صدقية الانتخابات التي حصلت في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي الاطلاع علي التقرير المفصل الذي أعده سيمون هرش ونشره في مجلة نيويوركر New Yorker وأجري تحقيقات واتصل بكل الأطراف حول التزويرات التي تمت في انتخابات 30 كانون الثاني (يناير).
هناك قوي قاطعت لأنهم يعتقدون أن الانتخابات تحت الاحتلال لا تكون حرة. التيار الصدري كان من المقاطعين علي الأقل نظرياً. وجهوا إليه عدداً من الأسئلة، والسؤال الثالث علي ما أذكر كان هل يمكن أن تجري الانتخابات تحت الاحتلال؟ وأجاب بشكل قاطع أنه لا يمكن أن تكون هناك انتخابات تحت الاحتلال. وهناك قوي أخري لم تشارك في الانتخابات.
اما عملية الدستور، فقد كان ما يسمي قانون الإدارة المؤقتة الذي أعده بريمر ويسمونه الـ دستور مؤقت تضمن نصاً، كان مفصلاً للأخوة الأكراد، يقول إنه إذا رفض الدستور ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات، يسقط الدستور. فاجتهد عدد من الأخوان الذين كانوا مقاطعين للانتخابات، وقالوا دعنا نشارك ونقول لا للدستور ونسقط الدستور، لماذا نسقط الدستور؟
الفدرالية
كان هدف أمريكا من الدستور الذي وضع، والذي دغدغت به مشاعر الأخوة الأكراد وما يسمي الائتلاف الشيعي، أن لا تقوم في العراق حكومة مركزية قوية، لأن العراق يملك أرضاً ونهرين ونفطاً وبشراً وبإمكانه أن يقيم حكومة مركزية قوية يكون لها دور إقليمي. وحكومة مركزية قوية ليست في مصلحة أمريكا وليست في مصلحة إسرائيل وليست في مصلحة إيران وغيرها. وتم تفصيل الدستور بهذا الشكل.
ومشروع كهذا سيؤدي إلي تقسيم العراق، وامريكا تسعي لهذا، لكنها تريد أن تقوم حكومة مركزية في العراق ضعيفة جداً وأقاليم اتحادية أسهل عليها أن تتعامل معها، لأن هذه الأطراف هي التي جاءت بها معها عند الاحتلال. بالنسبة للثروة النفطية تركوا الحقول الحالية واستثمارها بيد الحكومة المركزية وتقوم بتوزيعها حسب صيغة معينة. لكن كل الاستثمارات الجديدة أمر آخر. والعراق الذي إذا لم يكن صاحب أكبر احتياطي في العالم فإنه يملك ثاني أكبر احتياطي في العالم، وهذه الاحتياطيات يعتبرونها مشتركة ما بين الأقاليم والحكومة المركزية. والأقاليم لا توجد لديها خبرة نفطية، وحتي لو كانت عندها حقول وآبار تحتاج إلي أنابيب نفط تمدها حتي تنتج، فكيف تمد أنابيب في محافظات أخري ومن يمولها وإلي غير ذلك من الأمور. وأكثر من هذا يقولون إذا تعارضت القوانين المحلية الإقليمية مع القوانين المركزية، تكون الأفضلية للقوانين الفيدرالية المحلية . والحقيقة أنه لا توجد دولة فدرالية في العالم كله فيها هذا الشيء. أكثر من هذا يقولون إن لهذه الأقاليم الحق في أن يكون لديها ممثلون في السفارات العراقية في الخارج لأغراض التعليم والثقافة والتجارة إلخ، وهنا كذلك، ليتهم يقولون لنا أية فدرالية في العالم، في الولايات المتحدة مثلاً، هل لولاية تكساس أو كاليفورنيا ممثل في السفارة الأمريكية في بيروت مثلاً؟!
وهنا لا بد ان اشير الي ان هناك البعض من ذوي النية الحسنة قد اجتهدوا واعتقدوا أنه ممكن أن تقوم بعض القوي المناهضة للاحتلال ولمسودة الدستور أن ترفضه في ثلاث أو أربع محافظات بأغلبية الثلثين وتقول لا وبالتالي يسقط الدستور. وبالتالي دخلوا في عملية الاستفتاء علي الدستور ليسقط الدستور. وفعلاً في محافظتي الأنبار وصلاح الدين الأغلبية رفضته، ولكن في محافظة الموصل (نينوى) زوروا الانتخابات وبينوا أن 56 بالمئة فقط رفضوا الدستور وهي أقل من الثلثين المطلوبة. أنا رأيت أحد مسؤولي الأمم المتحدة الذي مقره في عمان بالأردن وقال لي أنه قبل موعد الاستفتاء بعدة أيام قاموا هم بعملية استفتاء غير معلن، وكانت النتائج أن 80 بالمئة من الموصل التي تسمي محافظة نينوي هم ضد الدستور. ولكن أثناء الانتخابات سُرقت بعض الصناديق وتم تزوير النتائج لتصبح نسبة الموافقين 56 بالمئة ولا وجود لثلثين. لقد كان من السذاجة أن يعتقدوا أنهم سيستطيعون أن يسقطوا الدستور بثلثين في الثلاث محافظات وأن الأمريكان سيسمحوا لهم بإسقاط الدستور. أما الانتخابات القادمة فهي مفصلة لتنبثق عنها خمس مجاميع.
ولا بد من الفت الانتباه الي ان الحزب الإسلامي العراقي وهناك مجموعة كانت تسمي نفسها في البداية أهل السنة ثم أهل العراق، وكذلك لجنة الحوار قد اجتهدوا قائلين أن من الممكن إسقاط الدستور من خلال أغلبية الثلثين في ثلاث محافظات.
وإضافة إلي هذا حصل الحزب الإسلامي علي تعديل علي مسودة الدستور قبل الاستفتاء عليه ينص علي أنه بعد قيام الجمعية الوطنية الجديدة وخلال أربعة أشهر يمكن إعادة النظر في الدستور، عن طريق لجنة في داخل المجلس الوطني تعيد النظر في الدستور، ثم يتم عرضه علي الاستفتاء من جديد. وهذا التصور هو نتيجة قلة خبرة في العمل السياسي وفي السياسة. أولاً ما هي الضمانة أن المجلس الوطني الجديد سيوافق علي التعديلات التي سيقترحونها لأنهم ليست لديهم أغلبية. ثانياً لو فرضنا أنهم استطاعوا إقناع مجموعة أخري من المجلس المنتخب الجديد بأن توافق علي بعض التعديلات التي ستعرض علي الاستفتاء، فهل عندهم ضمانة أنه في الاستفتاء ستتم الموافقة عليها، خاصة إذا كانت التعديلات لا تتفق مع مصالح الأخوة الأكراد، حيث ينص هذا التعديل الذي أدخله الأخوة الأكراد أنه يجوز كذلك لثلاث محافظات بأغلبية الثلثين أن تُسقط المشروع الجديد للدستور. وبذلك إذا كان هذا التعديل ضد مصلحة الأكراد سيتم إسقاطه من قبلهم ونعود كما كنا.
التحالفات في الانتخابات
اما التحالفات في الانتخابات، فالائتلاف الذي كان فيه المجلس الأعلي وحزب الدعوة وأحمد الجلبي وبعض جماعة مقتدي الصدر، هذا الائتلاف ضعف كثيراً. أولاً السيد علي السيستاني أعلن أنه لن يؤيد أو يدعم أية قائمة انتخابية. وأكثر من هذا أن ممثل السيد السيستاني، واسمه عبد المهدي الكربلائي قال في خطبة الجمعة يوم (11/11) أن السيد السيستاني ينتقد انتقاداً شديداً أداء حكومة الجعفري وأنها فشلت في تحقيق الأهداف الرئيسية للمواطن العراقي، وتم التحاق مقتدي الصدر بهذه القائمة.
سوف آتي إلي موضوع مقتدي الصدر لاحقاً، هذه مجموعة. المجموعة الثانية مؤلفة من أحمد الجلبي مع عدد آخر من المجموعات الصغيرة، والمجموعة الثالثة تشمل إياد علاوي مع عدنان الباجة جي ومهدي الحافظ، وغازي الياور ومجموعات أخري صغيرة شكلوا قائمة. والأكراد قائمة رابعة، باستثناء الاتحاد الإسلامي الكردستاني الذي شكل قائمة لوحده. وما يسمي أهل العراق والحوار والحزب الإسلامي شكلوا قائمة خامسة، فسيكون هناك خمس مجموعات، وفي هذه الانتخابات لن يكون هناك تمثيل نسبي لكل العراق بل تمثيل نسبي علي أساس المحافظات، وبالتالي هناك محافظات معينة لا تستطيع القوائم، مثل قائمة الائتلاف أن تفوز فيها. فسيكون هناك خمس مجموعات وعدد المقاعد لكل هذه المجموعات يتوقع أن يكون حوالي 20 بالمئة بالزائد أو بالناقص في مجموع المقاعد، وبالتالي يستطيع الأمريكان أن يتحكموا ويأتوا بثلاثة مجاميع من هذه ويشكلوا منها حكومة ولديهم أغلبية. كما تشير الدلائل وبعض التقارير الأمريكية إلي أنهم يهيئون السيد إياد علاوي للوزارة القادمة.
خاصة ان القوتين الكبريين، وهم الأكراد والائتلاف، تحكموا في اختيار رئيس الوزراء، وفي اختيار الوزراء وتحكموا حتي في صياغة الدستور حسب التوجه الأمريكي، ولكن في نفس الوقت، حاولوا تحقيق مكاسب لكل منهما.
وفي هذه الانتخابات القادمة فإن القوي نفسها التي قاطعت الاستفتاء هي التي تقاطع الانتخابات. المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي، هيئة علماء المسلمين، التيار القومي العربي كلهم يقاطعون، الظاهرة الجديدة هي موقف التيار الصدري.
خيبة أمل من التيار الصدري
التيار الصدري أخذ موقفاً ضد الاحتلال ولا يزال يقول أنه ضد الاحتلال. دخل في المقاومة المسلحة المشرفة ضد الاحتلال في مدينة الصدر والنجف وكربلاء وفي الكوفة، ومشهورة المعركة التي دارت في النجف. وأصدر نوعاً من الفتوي في الانتخابات السابقة بأن هذا عمل لا يجوز، وأن الأمريكان حتي إذا دعوه إلي أن يقول لا إله إلا الله، فإنه لا يريد أن يتبع الأمريكان. الآن فوجئنا أنه اشترك مع القائمة الخاصة بالائتلاف، طبعاً لا يزال يصرح بأنه لن يشترك شخصياً وأنه ترك لجماعته القرار إلخ. هذا كلام تكتيكات سياسة ولا يصدقه حتي الأطفال.
لان التيار الصدري والسيد مقتدي الصدر كان ولا يزال ينتظره موقع وطني مهم فيما بعد تحرير العراق من الاحتلال، وأنا أعتقد أنه باع هذا الموقف إذا ما استمر في الدخول مع الائتلاف في القائمة.
ولدينا مثل في العراق. هناك نوع من السمك هو سمك الجرّي ، كان يعد قبل وقت طويل من أردأ أنواع السمك وله رائحة كريهة ولا يأكل. وهناك مثل يقول أنه صام صام وفطر علي جرّية . أنا أصبت بخيبة أمل كبيرة وبصدمة كبيرة من مشاركة التيار الصدري مع قائمة الائتلاف. هو يدعي أنه ضد الاحتلال، ولكن قائمة الائتلاف التي تضم السيد الجعفري كان قد صرح أثناء الانتخابات وبعدها بأنه إذا انسحب الأمريكان من العراق سيكون هناك نهر من الدماء ، فكيف يوفق بين موقفه وموقف الجعفري.
وموقفه في الحقيقة يدعو إلي الاستغراب وكنت أتمني أنه، حتي لو دخل الانتخابات فلو أنه دخل بقائمة مستقلة عن الائتلاف فيكون ذلك نصف مصيبة، لكن الأيام ستبين لماذا دخل؟
خلال المراحل التي مررنا بها الوضع الأمني يتردي باستمرار، من الانتخابات التي حصلت في كانون الثاني (يناير)، الوضع الأمني الآن أسوأ مما كان حينذاك، الوضع الأمني بعد الاستفتاء علي الدستور اسوأ من مما كان قبل الاستفتاء، وسنجد بعد الانتخابات أنه سننتهي من هذه اللعبة وسنجد بأن العملية التي أسميها العملية السياسية الأمريكية لن تحل مشكلة العراق وسيتبين الصح من الخطأ والمخلصون سيفيقون.
المقاطعون لها لن يكونوا من السنة فقط. أمين عام المؤتمر التأسيسي العراقي هو جواد الخالصي، والمؤتمر يضم سنة وشيعة وأكراداً ومسيحيين؛ وهيئة علماء المسلمين هي تجمع علماء السنة؛ والتيار القومي العربي فيه أيضاً سنة وشيعة.
هناك قِسْم من المقاطعين سابقاً سيشاركون، وحتي الان فأنا أفترض حسن النية، ولكن أقول مثلاً الحزب الإسلامي العراقي، هو كان ولا زال يضع قدماً في الجنة وأخري في النار، فهو لم يشترك في الانتخابات السابقة ولكنه شارك في الاستفتاء ولم يتغير الوضع الجديد فالانتخابات لا تزال تتم تحت الاحتلال، فما الذي يجعله يشترك الآن، ولكنني أفترض حسن النية. اما ما قيل عن مشاركة بعض فصائل المقاومة بحسب ايهم السامرائي فهو كلام غير صحيح.
والمقابلة التي قام بها السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد أثناء وجوده مؤخراً في واشنطن عن السياسة الأمريكية الحالية في العراق والتي قال فيها أنه فيما عدا القاعدة والصداميين نحن نحاول أن نخترق كل أطراف المقاومة الأخري ونحاول الاتصال بها. هذا غير صحيح. المقاومة غير مشتركة في الانتخابات ومن المتوقع قريباً أن يشكلوا مكتباً سياسياً. ونريد هنا أن نفرق بين المقاومة وبين الإرهاب. الإرهاب هو ما يقوم به الزرقاوي وغيره ومعهم أمريكان وموساد وإيرانيون إلخ، وكل هذه العمليات الموجهة للمدنيين هذه عمليات مدانة وإرهابية ولا علاقة لها بالمقاومة. في الجانب الآخر هناك المقاومة، هناك ثماني مجموعات مقاومة وهناك تنسيق فيما بينها وهي تستهدف الأمريكان والمتعاونين مع الأمريكان. الأمريكان أعلنوا قبل أيام أن عدد القتلي وصل إلي 2056، السؤال من قتل هؤلاء الـ 2056؟ هؤلاء القتلي هم مجموعة واحدة من الأمريكان وهم الذين يحملون جنسية أمريكية، ولكن الذين لديهم إقامة دائمة Green Card والذين ليست لديهم جنسية وكذلك الذين يسمونهم بالمقاولين Contractors لا يدخلون ضمن القتلي. الأمريكان اعترفوا بأن عدد الجرحي زاد عن 15 ألفاً.
وبحسب تقارير البنتاغون فإن 54 بالمئة من هؤلاء الجرحي لا يستطيعون العودة إلي الجيش. من أصاب هؤلاء الجرحي وقتل القتلي؟ التقديرات الأمريكية إلي ما قبل شهرين أو ثلاثة تقول أن أكثر من 50 طائرة هليوكوبتر أسقطت، فمن أسقط هذه الطائرات؟ وهناك دبابات أُحرقت وغيرها من الآليات. فمن الذي حطمها؟
دعونا نأخذ شهادات الأمريكان أنفسهم ومن التقارير الأمريكية، فالأستاذ أنتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية في أمريكا نشر دراسة عن المقاومة في العراق، وهي دراسة طويلة مفصلة ونشرنا ترجمتها في مجلة المركز المستقبل العربي وهناك مؤسسة دولية اسمها المجموعة الدولية للأزمات وفيها حوالي 60 عضواً في مجلس أمنائها وهم من أهم المستشارين والاستراتيجيين في العالم. ونشروا دراسة كذلك عن المقاومة في العراق وهم أسموها مقاومة، لكن في مركز الدراسات الاستراتيجية يسمونها متمردين، وتقرير المجموعة يعترف بالمقاومة والتكنولوجيا المتقدمة التي تستعملها. الخلط بين الإرهاب والمقاومة هو خلط غير صحيح، الأمريكان هم يعترفون فيها، في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كان عدد القتلي من الأمريكان الذين اعترفوا به هو 93 قتيلاً.
اختفاء الشعب العراقي
منذ أن دخل الأمريكان واحتلوا العراق لم يعودوا يستخدمون تعبير الشعب العراقي ، بل أصبحوا يتحدثون عن عرب وأكراد وتركمان وكلدان وسنة وشيعة وإلخ. اسم الشعب العراقي لا يستعمل، ودمروا الدولة العراقية وبالتالي انتقلت الولاءات الوطنية من ولاء للدولة إلي ولاءات تحتية؛ إلي ولاء لطائفة أو ولاء لعشيرة أو عائلة وغيره.
وهذا هو النموذج الذي يريد الأمريكان تصديره إلي المنطقة العربية. ومن هنا ومن اجل مواجهة المشروع الامريكي، فاريد ان اقول اولا انه لا يوجد في العالم بلد احتل ولم تخرج منه مقاومة، وهذا لا يتعارض مع المقاومة التي يجب أن تترافق مع مقاومة سياسية، وهي التي من الممكن أن تكون مظاهرات أو اعتصامات أو عصيانا مدنيا، فإن أشكال المقاومة السياسية معروفة. لكن العملية السياسية تتم الآن مع أشخاص جاؤوا مع الاحتلال ومع الدبابات الأمريكية وهم عُينوا في مجلس الحكم وهم صاروا وزراء وهم صاروا في المجلس الوطني إلخ. وهنا فلا بد من الاشارة إلي أن الحديث عن تعاون الشيعة مع الاحتلال لانهم لم يشاركوا في المقاومة، ليس صحيحا، وفيما عدا التيار الصدري فهم لم يقوموا بمقاومة مسلحة أو غير مسلحة. ولكنني هنا لا اتحدث عن الشيعة ككل وإنما عن بعض هذه القيادات التي جاءت مع الاحتلال. أولاً، في العراق وإذا استعملنا مفردات الخطاب الأمريكي، العرب السنة لا يستطيعون أن يزايدوا علي العرب الشيعة في العروبة والوطنية. ثورة العشرين (1920) في العراق كان فيها قيادات رئيسية من الشيعة، وحتي تاريخ الاحتلال الأمريكي للعراق فإن جميع الأحزاب والحركات السياسية في العراق كانت خليطاً من شيعة وسنة ومسيحيين وغيرهم، وعلي سبيل المثال فإن حزب الاستقلال كان رئيسه الشيخ مهدي كبة (شيعي) ونائب الرئيس محمد صديق شنشل (شيعي)، الجبهة الشعبية كان رئيسها محمد رضا الشبيبي (شيعي) وهكذا كل الأحزاب، لا يوجد حزب في العراق كان يقوم علي أساس طائفي أو عنصري.
معظم الشيعة في العراق هم قبائل عربية تشيعت قبل مائتي سنة أو مائتين وخمسين سنة. كانت القبائل تذهب وتبحث عن الكلأ أي المرعي وانتقلت إلي الجنوب، والمرجعيات هناك كان لديها إمكانيات وساعدوا بعض الشيوخ وصاروا شيعة، وعندما يصبح الشيخ شيعياً تصبح القبيلة كلها شيعية. أما عن مواقفهم الوطنية، فلا أحد يستطيع أن يزايد علي الشيعة في العروبة. هذه الرموز التي تعاونت مع الاحتلال وجاءت معه لا تدين الشيعة. أنا قلت أن موقف التيار الصدري وموقف السيد مقتدي الصدر كان ولا يزال مشرفاً، رغم الغلطة الأخيرة التي ارتكبها. هذا لا يدين الشيعة، لقد استغلوا المرجعية. السيد علي السيستاني، أيدهم في الانتخابات والآن تخلي عنهم وسنري ماذا سيحققون في الانتخابات. لم يحدث في تاريخ العراق أي صراع طائفي.
والعراق لم يكن طائفياً. وعلي سبيل المثال كان لدينا في الثلاثينات وزير مالية مرة يهودي ومرة مسيحي، هذا في الثلاثينات. العراق كان بلداً علمانياً والمؤسسات الدينية لا تلعب دوراً فيه في السياسة، ولا أذكر أن وزارة تشكلت بتأثير مؤسسة دينية سواء شيعية أو سنية أو كردية إلخ.
وهنا لا بد من الاشارة الي القبائل العربية التي تشيعت في الوسط والجنوب من العراق، وليس عن المذهب الشيعي . وفيما يتعلق بالمقاومة والإرهاب، دعونا نستند إلي مصادر أمريكية. الجنرال كنيث الذي كان مسؤولاً عن القوات الأمريكية في العراق والآن يعمل في السفارة الأمريكية في لندن، قال قبل أربعة أيام في مقابلة صحافية أن الزرقاوي هو أحد الفصائل الصغيرة في المقاومة أو ما يسمونها بالتمرد ولكنه فعّال. وأشرت سابقاً إلي تقارير أمريكية مثل تقرير كوردسمان والتقارير الخاصة بالمجموعة الدولية للأزمات حيث يتحدثون بتفاصيل عن المقاومة. وقبل حوالي أسبوعين كانت هناك جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي مع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، وحضر الجنرال كيسي قائد القوات الأمريكية حالياً في العراق والجنرال جون أبو زيد قائد القوات المركزية والاثنان قالا ما يلي، ضمن أشياء أخري: أحد أسباب المقاومة وجود القوات الأمريكية في العراق، وبالتالي إذا كنا نريد للمقاومة أن تتوقف يجب أن يبدأ انسحاب أمريكي من العراق. هذا كلام قالوه تحت القسم في الكونغرس الأمريكي.
البعض يقول: لماذا لا نخرج الأمريكان بواسطة العملية السياسية. المشرفون والقائمون علي العملية السياسية، أحمد جلبي مثلاً أثناء الانتخابات السابقة كان في زيارة إلي إيران وحين عودته عقد مؤتمراً صحفياً وكان حاضراً فيه عبد العزيز الحكيم وقال: اتفقنا مع إيران علي أن لا نطلب من القوات الأمريكية الانسحاب. إبراهيم الجعفري قلت لك ما قال. وجلال طالباني في هذا الاتجاه وصرح بذلك في بغداد وأمريكا ونفس الموقف يتبناه إياد علاوي وغازي الياور، كلهم يريدون بقاء القوات الأمريكية، فكيف سينسحب الأمريكان إذا كانت هذه الأطراف السياسية المشتركة في العملية الانتخابية لا تريد جلاء الاحتلال.
الاحتلال وفضائحه
كانت آخر الفضائح الامريكية هي الاعتراف باستخدام القنابل الفسفورية، وهذه الفضيحة هي إضافة إلي الفضائح السابقة من تعذيب في سجن أبو غريب وفي البصرة وغيرها. استخدام هذه الأسلحة الكيماوية، كشفها صحافي إيطالي وبفيلم مدته 22 دقيقة مع تحقيقات مفصلة وكانت هناك مقابلة لفضائية الجزيرة معه ومع آخرين حول الموضوع. هذه ليست أول مرة يستعمل فيها هذا السلاح الكيميائي الفوسفور الأبيض وk77 الذي يستعملونه للأسلحة الكيماوية، استعملوها قبلاً في الفلوجة وفي معركة المطار قبل يوم من سقوط بغداد. كانت أول معركة خسروها في المطار، وبعدها جاءت مثل غيمة وكل الناس الموجودين والذين يقاتلونهم احترق لحمهم وذهب وبقي العظم والملابس العسكرية، وهذا ما حصل في هذه العملية أيضاً. في أي مكان في العالم هذه جرائم حرب ويجب أن تحقق فيها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان. هناك دراسة نشرتها منظمة دولية اسمها مشروع تعداد الجثث في العراق ، عن ملف الخسائر البشرية المدنية خلال الاحتلال الأمريكي من 2003 إلي 2005. من مجموع قتلي مدنيين عددهم 34865، فإن نسبة القتلي بسبب القوات التي بقيادة أمريكا وحدها تمثل نسبة 37 بالمئة من مجموع القتلي وهؤلاء بسبب القوات الأمريكية، وأما القوات المناهضة للاحتلال وحدها بما فيها جماعة الزرقاوي فنسبة القتلي المدنيين هي 9.5 بالمئة، وبالتالي أكثر القتلي والجرحي نتيجة فعل القوات الأمريكية وبقية قوات التحالف وهي أربعة أضعاف عدد القتلي من المدنيين نتيجة أعمال الإرهاب. وهذا التقرير منشور في عدد أيلول (سبتمبر) من المستقبل العربي ، فليذهبوا ويطلعوا عليه.
مبادرة الجامعة العربية
بالنسبة لمبادرة الجامعة العربية، اشار بوب وودوورد في (خطة الهجوم Plan of Attack ، ص 312 ـ 315): سوف يتبين لك الدور الذي قامت به بعض هذه الدول في التواطؤ وفي التحريض علي احتلال العراق، ويبين لك التفاصيل التي قدمتها الدول الأخري في الخليج التي انطلقت منها القوات البريطانية والأمريكية. الدول العربية يمكن تصنيفها إلي أربع مجموعات: إما ساكتة ، وإما خائفة ، وإما متواطئة علناً ، وإما متواطئة سراً . هذه الدول هي التي سوقت الاحتلال أيضاً، وعندما كان هناك مجلس الحكم المؤقت الذي عينه بريمر فإن مقعد الجامعة العربية أُعطي لممثل من مجلس الحكم المؤقت والحكومة التي أقامها الاحتلال.
وهذه الجامعة العربية لا تستطيع أن تأخذ موقفاً يتعارض مع رغبة أمريكا، وهم يقومون بدور لتسويق السياسة الأمريكية. لا يمكن التوافق بين من يقفون ضد الاحتلال ويطالبون بانسحابه ويؤيدون المقاومة، وبين الذين يؤيدون الاحتلال وجاؤوا معه ويطالبون ببقاء الاحتلال. فالعملية كلها إعلامية ليستفيد منها بوش في داخل أمريكا لأنه محشور سياسياً، والاجتماع المقرر في القاهرة (19 ـ 20 تشرين الثاني/نوفمبر) هو اجتماع تحضيري علي أن يتم الحوار فيما بعد في أوائل عام 2006 وبعد انتهاء الانتخابات؟!
ايران
أنا أنظر إلي إيران، وكنا قد عقدنا ندوتين عن الحوار العربي ـ الإيراني وفي إطار مركز دراسات الوحدة العربية، وانطلق من موقف أن إيران يجب أن تمثل العمق الاستراتيجي الإسلامي للأمة العربية، ونحرص علي أن تكون إيران حليفاً للأمة العربية. لكن ما حدث في قضية العراق للأسف أن الوضع مختلف وقد اتخذت موقفاً ينطلق من مصلحتها الضيقة القصيرة الأمد. إيران أصبح بينها وبين أمريكا لقاء مصلحي. أمريكا لا تريد دولة مركزية قوية وكذلك إيران لا تريد دولة مركزية قوية. إيران لا تريد خروج القوات الأمريكية من العراق، لأن لديهم مشكلة مع أمريكا حول الملف النووي. القوات الأمريكية هي رهينة عند إيران وطالما هم موجودون في العراق فإنهم لا يستطيعون أن يفتحوا جبهة أخري بغزو إيران، وحتي لو ضربوا إيران جوياً، فالقوات الأمريكية رهينة يمكن أن يضربوها في العراق. فللأسف الشديد هذا هو الوضع الإيراني الحالي وهو غير ما نأمله، وهذا الموقف يعكس نفسه علي القوي العراقية التي تتعامل مع إيران.
المصدر: صحيفة القدس العربي
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى الأبـــــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home