Wednesday, August 02, 2006

المقاومة بديل والتحرير هدف: للأستاذ علي عقلة عرسان

المقاومة بديل والتحرير هدف

الأستاذ علي عقلة عرسان
حين تصوغ البطولة أساطيرها وتبذرها في القلوب والذاكرات والدروب، وتزين قمم الجبال بقامات رجال يزينون الحياة بهمم الرجال، وترشّ تراب الوطن بدم طهور لينبت الزرع ويشتد عوده وتمتد جذوره عميقاً في النفوس كما في الأرض والتاريخ ويعطي أُكله، يصبح الأفق لوحة والوطن قلعة والحلم بمتناول اليد. وتتفتّح نوافذ الأمل مرسلة نوراً في ظلمات الوقت يرصّع الجباه الأبية بألف جوهرة عز وموقف نبل.
أمس واليوم وغداً تنسج البطولة أساطيرها في جبل عامل وتنثرها في دروب الناس حياة وتشبثاً بالكرامة والحياة.. تنثرها مواجهة بطولية لهمجية وشر ودمار وقتل جبان تفيض به نفوس نتنة ما عرفت طعم الخير ولا نور القلب في يوم من الأيام، ولا ذاقت طعم النصر البطولي في مواجهة رجل لرجل بل وهمت وحبلت ببطولات كاذبة جسدتها آلة دمار وموت حصدت بشراً أبرياء وأشاعت أوهاماً كبيرة.. نفوس معادية للقيم والعدالة لم تعرف إشراقة نفس أبية بنور الحق والبطولة الإنسانية، وولادة إرادة الحياة من رحم الموت، وهي لا تدري ولن يقدر لها أن تدري كيف ينسج الأحرار برود الحرية في الحياة في رحم الظلام وخلايا القهر وعتمة الظلام، لتولد على قمم جبالٌ في قامات رجال تعمر الأرض، أنموذجها العربي اليوم في بنت جبيل وعيثرون ومارون الراس والخيام ورميش وبلاد جبل عامل كلها ولبنان الصامد، قامات تصنع النصر والحياة بإرادة التحرير وقرار القتال وعزيمة الرجال، لتهزم الشر وتنصر الحق وتستعيد صفاء الحياة وأمنها.
بعد سبعة عشر يوماً من العدوان الصهيوني الهمجي الذي دمّر وشرّد وقتل بدموية عنصرية لا مثيل لها ألحقت كل عار بالصهيونية عار البشرية الأبيد وبحليفها الأميركي، بعد هذه الأيام السبع عشرة يرتبك العدو الصهيوني وينكشف ويرتعد ويعتصم بآلة الدمار الأميركية المتفوقة بما فيها من قنابل ذكية موجهة "ليزرياً" بالأقمار الصناعية، ويتحول من قرار الاجتياح إلى قرار تكثيف القصف بالطائرات، ومن اجتياح الجنوب واجتثاث حزب الله إلى مطلب إبعاده عن الحدود.. وكل ذلك بسبب صواريخ المقاومة التي أوغلت في عمق فلسطين المحتلة، ومواجهة النار الصهيونية بصمود جبار. إنه صمود حزب الله.. المقاومة تصمد وتهاجم وتستقطب القلوب من حولها وتستنهض الشعب العربي، وتهز أرجل الكراسي العربية التي تحكم باسم الأمة، وتضع العالم أمام حقائق منها: أن مجلس الأمن الدولي يقف ضد وقف إطلاق النار ومع الحرب وضد الأمن، أي ضد أهدافه وميثاقه وإرادة أكثر أعضائه ودول العالم لأن الصهاينة الأميركيين يريدونه كذلك ويريدون منه ذلك، وأن المجلس العتيد لم يفلح في إصدار قرار ضد العدوان المستمر، ولا في إدانة مناسبة لمن قتلوا عناصره من " القبعات الزرق" في جنوب لبنان بصورة تبدو متعمدة تماماً، وأن كتلة الشر في إدارة الرئيس بوش عطلت إرادة بعض الدول التي تريد وضع حد للمأساة الإنسانية في لبنان وللصلف الصهيوني البغيض، وأن الكيان الصهيوني فهم ويراد له أن يفهم أن كل ما أرسل إليه من إشارات سواء من واشنطن أو بطرسبورغ حيث اجتمع الثمانية، أو من أروقة مجلس الأمن الدولي، أو من لندن وروما في 26/7/2006، هي دعوات لمواصلة مسلسل المذابح ضد الأبرياء في لبنان وفلسطين، وأنه كلما أبدى استعداداً إجرامياً أكبر أعطي من أسلحة الدمار والإجرام أكثر.. ليصنع " شرق أوسط جديد" تريد إدارة بوش استنباته من جثث الضحايا لتتحقق خرافات وأوهام وعوارض أمراض وهستريا " هرمجدّون" جديدة ينشدها الرئيس بوش ويعيشها ويعمل من أجلها بجنون موصوف، ويغذي أوهامه وأحلامه متطرفون ومتعصبون وعملاء يصرون على تغيير المعايير والمفاهيم والعقول والحقائق التاريخية الثابتة.
" شرق أوسط جديد" هو حلقة دامية على طريق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير المعتمَد للمنطقة، حيث الكيان الصهيوني مهيمن ومتفوق ومؤسس وصاحب حضور قاهر على حساب الآخرين ومصالحهم ومصائرهم وعقائدهم وثقافتهم، شرق أوسط جديد تقول رايس في توصيفه: لا يعيدنا إلى ما كان عليه الحال قبل اندلاع القتال الأخير، ولا يوجد فيه ما تسميه " إرهاب حزب الله والمقاومة الفلسطينية ومن يدعمهما"، وأنه يقوم على حلول جذرية للمشكلات.
ربما بدت السطوح الكلامية الأميركية مقبولة، ولكن عيوبها في جيوبها، وشرورها في الأهداف البعيدة والتفاصيل وأساليب التنفيذ. إن المنطق الأميركي المقلوب تكمن مقاتله في المفاهيم المقلوبة والقفز فوق الحقائق والوقائع ووهم الحسابات أو إيهام الآخرين بها.
لا يمكن اجتثاث المقاومة بالسلاح، لأن المقاومة إرادة شعب تولد كل يوم وتتجدد كل صباح، وقد احتضنها الشعب العربي وولدت معادلة جديدة " المقاومة بديل والتحرير هدف". والمقاومة ليست إرهاباً بل هي إرادة حياة ومواجهة للإرهابيين الحقيقيين الذي يشوهون المصطلحات والمفاهيم والوقائع ويلغون المعايير السليمة ليخلطوا الأوراق ويبلبلوا العقول.. الإرهابيون هم الذين يغزون أرض العرب من صهاينة وأميركيين وحلفاء لهم وعملاء يمشون في ظلهم، المقاومة ليست إرهاباً بل هي من يواجه الإرهاب الصهيوني الأميركي. وبعد فشل الحلول السلمية ومسيرة " سلام الاستسلام العربية"، وإخفاق خيارات استراتيجية لأنظمة عربية جعلت " السلام الاستراتيجي خيارها الوحيد" فحاصرت نفسها بالضعف وسوء التقدير وإلغاء الآخرين لقيمتها ووجودها الفعال..
أصبحت المقاومة بديلاً والتحرير هدفاً للشعب العربي.. هذا هو خيار الجماهير العربية اليوم الذي تريد إدارة بوش أن تجتثه، واجتثاثها يعني اجتثاث الجنس العربي.. ولن يتم ذلك مدى التاريخ القادم ولم يكن في أوهام من صبغوا التاريخ القريب لهذه المنطقة، الوطن العربي، بدم الأبرياء من أطفال العرب ونسائهم وشيوخهم في أثناء الاستعمار الغربي المباشر أو الاستعمار غير المباشر. المقاومة اليوم إرادة شعب وهي لن تجتث لأنها مرتبطة بأرض وحق ووجود ومصير وعقيدة يدافع، وكل ذلك يشكل وجود الإنسان الذي يدافع عن وجوده بلحمه ودمه ضد من يريد أن يهرس لحمه ويمتص دمه.. وهذه هي أهداف الصهاينة والأميركيين المحتلين ضد المقاومة العربية والإسلامية وضد الشعب العربي، وهي أهداف لن تتحقق.. بملء الصوت : لن تتحقق. إن الوصول إلى " شرق أوسط جديد لا يعيدنا إلى الحالة التي كانت قبل اندلاع القتال الأخير" يقتضي تغييراً جوهريا في السلوك والمفاهيم والسياسات والأهداف الاستعمارية الأميركية ـ الصهيونية ـ الغربية. وإذا كانت السيدة رايس تتحدث عن حل مشكلات المنطقة من جذورها، وهذا كلام ذو سطوح مقبولة، فعن أية مشكلات وعن أية حلول تتحدث السيدة رايس باسم إدارتها ورئيسها وبلادها؟
ونسأل: هل تجرؤ على الكلام عن تطبيق القرار 194 الذي يكمن فيه حل مشكلة المشردين الفلسطينيين وضمان حقهم في العودة وهو حق معطل منذ ثمان وخمسين سنة؟ هل تجرؤ على الحديث عن تنفيذ القرارين 242 و338 وهما في صلب مشكلات المنطقة؟ هل تجرؤ على ذكر جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأس من ينتزع سلاحه التدميري الشامل الكيان الصهيوني الذي يملك ترسانة نووية؟ وما ذا في جعبة السيدة رايس عن الاستيطان وجدار العزل العنصري والمعتقلين والأسرى والرهائن في السجون والمعتقلات الصهيونية، وعن القدس والدولة الفلسطينية التي ينبغي أن تكون ذات سيادة وإرادة سياسية كاملة بكل المقاييس ومتواصلة مع محيطها العربي، وإلا فهي دمية بيد من يتلاعبون بالمنطقة ومصير أهلها؟ وماذا لدى السيدة رايس عن الجولان والاستيطان فيه ومزارع شبعا ولبنان المدمر والمرشح لمزيد من التدمير؟ إن السيدة رايس وإدارتها في هاوية من الغباء أو الاستغفال والاستغباء يجعلها تقفز فوق ذلك وتطلب من العرب والعالم أن يقفز فوقه لتشيد صرح " شرق أوسط جديد صهيوني" بدماء العرب المقاومين وبمصير دول في المنطقة منها سورية وإيران وكل من يدعم المقاومة وحق العرب في الحياة الكريمة. ونسأل السيدة عن مصير هذا الشرق الذي يبنى على أنقاض دول وشعوب يُراد جرها أو استدراجها إلى القتال لتدمر بآلة الحرب الأميركية باسم " الجديد"؟ وماذا عن العراق والاحتلال والفتن التي تشعلها الإدارة الأميركية.. هل ينتهي الاحتلال الأميركي ـ البريطاني للعراق، ويتغير سلوك المحتلين، وتعدَّل نظرتهم للآخرين ويبنون سلوكهم وسياساتهم ومصالحهم على أساس من احترام الآخرين ومصالحهم والاعتراف بحقهم في الحياة، أم أن النهج العنصري سوف يستمر ويطفح؟ السيدة رايس لا تجرؤ على التفكير، مجرد التفكير، بهذه الأمور التي يتوقف على أنجازها توافر حلول شافية وشاملة لإقامة ما تسميه " شرق أوسط جديد"، من وجهة نظر موضوعية إنسانية أخلاقية، يمكن أن يفكر بها ويقاربها العرب أبناء المنطقة والمعنيون جوهرياً بقضاياها ومصيرها ومستقبلها.. وهذه أمور لا تملكها الإدارة الأميركية ولا يسمح للسيدة رايس أن تفكر بها هذا إذا تحررت من سيطرة النظرة العنصرية عليها.. وهي الملونة. ويبدو لي أن الإدارة الأميركية ورئيسها ووزير خارجيتها السيدة رايس مثل اسطوانة مشروخة تعيد الدورة ذاتها بصرير مزعج جداً.. ومهما استمر الأداء على هذه الصورة فعن اللحن لن يصل ما لم يصلح عطب الأسطوانة أو تغيَّر.
لقد أصرت الإدارة الأميركية في روما على إقحام سورية في موضوع وقف إطلاق النار وتغيير الأوضاع، بأن طالبتها بتنفيذ القرار 1559 الذي نفذته سورية منذ نيسان 2005 حين سحبت جيشها وعناصر الأمن كلياً من لبنان. ويتضح اليوم أن المطلوب من سورية هو القضاء على المقاومة والمشاركة في نزع سلاح حزب الله بكل الوسائل.. وهذا لن يكون.. لن يكون، فسورية تدعم حق المقاومة ضد الاحتلال وأرضها محتلة وعليها هي أن تشجع مقاومة من أجل تحرير الجولان وهو حق مشروع، ويبدو أننا سوف نصل إلى ممارسته.
يريد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وضع قوة يسمونها قوة تدخل أو سلام أو مراقبة، من حلف الأطلسي أو بقيادته. وهذا يلفت النظر إلى حقيقة تتصل بالحرب المعاصرة على الوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث تتقدم طلائع أميركية وبريطانية بالدرجة الأولى لتدمر وتخرب وتحتل ثم يأتي حلف الأطلسي، وهو حلف غربي باكامل ومن لون معين، ليحافظ على ما أنجزه العدوان والاحتلال وليبسط سلطته بكل الأساليب الممكنة، ويحمي التبشير، ويشيع الفوضى المدمرة، ويحافظ على مناخ تشتعل فيه الفتن، ويحرص من يخلقونها على تتغير هوية الناس وتربيتهم وأهدافهم وثقافتهم وعقيدتهم على الخصوص! فأية أهداف تختفي وراء ذلك وكيف نصنف هذا النوع من تقاسم المهام؟ والحال الذي يجسد هذا الذي نشير إليه يظهر في أفغانستان والعراق، وفي ما يحاولون فرضه على السودان وما يجرون الصومال إليه. فلمن تبيع السيدة رايس بضاعة صهيونية ـ استعمارية ـ عنصرية و.. فاسدة يا ترى؟
إن السقوط الأخلاقي والسياسي اللذين بلغتهما الإدارة الأميركية انحدرا بها إلى مستوى هابط غير مسبوق، وتمثل ذلك في ردود فعل عنجهية ومكابرة وصلف، واعتماد القوة لحسم الصراع، وأداء سياسي عنصري يجسده جون بولتون. الأمر الذي جعل أسهم هذه الإدارة تنحدر إلى الحضيض، وجعل ألسنة رجالها في المنطقة تتلعثم وتتخبط في تصريحات سياسية متطرفة في سلبيتها، وفي تنكّرها للالتزام القومي والوطني والأخلاقية. وهو ما أفقدها ثقة الجماهير العربية وزادها تخبطاً وغرقاً في وحل الولاء للأميركي والصهيوني.. الولاء للعدوان والشر والطغيان ونسيان الحقائق التي لا يمكن القفز فوقها، ومنها أنه مهما طال أمد الاعتماد على العدو والمحتل والمستعمر فإن ذلك إلى زوال، ويبقى الولاء للشعب والأرض والحق، في فضاء الإيمان والانتماء وعدم الانحناء إلا لله وحده.
إن الصحوة الشعبية العربية عارمة وتزداد قوة واتساعاً، وهي تحتضن المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وتقول ببديل لمسيرة "سلام" أخفقت تماماً، سواء أكان ذلك لأخذ بها أوصلها إلى ذلك أم لأنه لم يؤخذ بها أم لأسباب خفية، فقد تعددت الأسباب والموت واحد. لقد أخفقت علمية السلام وعلى الشعب العربي يأخذ بالمقاومة بديلاً والتحرير هدفاً. والله ولي التوفيق.
دمشق في 28/7/2006

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker