Wednesday, August 16, 2006

حذارٍ من التواطؤ: للأستاذ الدكتور محسن خليل

حذارٍ من التواطؤ

بقلم: الدكتور محسن خليل

فضح العدوان الصهيوني علي لبنان وفلسطين وهو يدخل أسبوعه الرابع تحالف بعض الأنظمة العربية مع العدو الصهيوني الأمريكي، الذي ظل عقودا من الزمن متخفيا وراء شعارات التضامن العربي ووحدة الصف والعقلانية والاعتدال، بينما كانت هذه الانظمة في المؤتمرات والتجمعات العربية تؤدي نيابة عن العدو، دورا خبيثا في العمل علي تفرقة الصف وخذلان الهمة وبث اليأس وعدم جدوي التصدي لعدوانه.. صحيح أن العدوان الصهيوني الراهن علي لبنان ما هو إلا واحد من مئات الاعتداءات علي لبنان وفلسطين وغيرهما من الدول العربية إلا أن ما يميزه عما سبقه، إضافة الي وحشيته، انه أول عدوان تتجرأ فيه هذه الأنظمة علي اعلان انحيازها للعدو ضد المقاومة وإسقاط ورقة التوت التي كانت تتستر بها علي تواطؤها وخيانتها القومية،وزاد من حدة الصدمة ما أعلنه رئيس وزراء (إسرائيل) اولمرت والادارة الامريكية وما نشرته الصحف الامريكية والصهيونية من ان (إسرائيل) حصلت مسبقا علي تأييد وموافقة انظمة عربية علي خطتها لضرب المقاومة ما عدّه اولمرت تغييرا جوهريا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط إذ تنحاز انظمة عربية علنا ولأول مرة وبلا حياء الي عدو الأمة . هذا المتغير يسمح من دون شك بإعادة قراءة دور هذه الانظمة فيما حصل ويحصل ضد سوريا ولبنان منذ اغتيال رفيق الحريري، وفي فلسطين منذ فوز حماس في الانتخابات النيابية، وما حصل في العراق من تصعيد عمليات قتل علي الهوية الطائفية منذ انتخابات ديسمبر 2005، وفيما فرض علي السودان من اتفاقات وتدخلات في شئونه الداخلية،ولابد من اعادة قراءة ملف قضية لوكربي والتعرف علي حجم الدور العربي فيما أوصل القيادة الليبية الي ما وصلت اليه ..

عمد العديد من كتاب المارينز العرب ،الناطقين غير الرسميين باسم سلاطين الفوائض النفطية، الي إظهار الأستخفاف والسخرية من الذين يتحدثون عن نظرية المؤامرة ضد الأمة، واعتبروهم صنفا من الناس ينتمون الي عصور بادت ،وغيرقادرين علي التأقلم مع عالم أمريكا الجديد، وفسروا أحاديثهم عن المؤامرة بأنها نوع من الهروب الي الامام ومحاولة تعليق فشل العرب وعجزهم علي شماعة الآخرين ،غير أن الحقائق لا يمكن حجبها طوال الوقت ،وهاهي ذي مواقف أنظمة التآمراليوم تتحدث عن نفسها ،وعن ضلوعها في مؤامرة العدوان الصهيوني، حين تجاهلت بكل صلف ووقاحة العدوان الصهيوني وركزت هجومها علي حماس وحزب الله وراحت تفتش عن مبررات للعدوان ، فقدمت الدليل المادي علي أننا إزاء مؤامرة محبوكة ومعدة سلفا تشترك فيها هذه الانظمة مع أمريكا واسرائيل ،بعد أن وزعوا الادوار بينهم وتقاسموا التحرك علي الساحات ، فتعهدت انظمة التآمر بتعطيل الموقف العربي وشل الجامعة العربية عن اداء دورها ومنع التئام قمتها وإن التأمت سيتصدون لأي موقف شريف يطالب باتخاذ اجراءات ضد الكيان الصهيوني وامريكا كسحب السفراء أو وقف تصدير النفط الي أمريكا وبريطانيا ، فيما تولت الولايات المتحدة من جانبها منع مجلس الامن من اتخاذ قرار بوقف فوري لإطلاق النار ...والهدف المشترك للطرفين ،ضرب المقاومة العربية ..

لقد بدأت مؤامرة هؤلاء ضد العراق عندما سهلوا لأمريكا احتلاله ودفعوا الجامعة العربية للاعتراف بالعملاء الذين نصبتهم أمريكا لحكمه وكانوا يقولون (إن العرب جربوا اعتماد سياسات غير واقعية في التعامل مع امريكا واسرائيل وفشلوا ، فليجربوا اليوم سياسات واقعية... وعليهم ان يعترفوا بأن احتلال أمريكا للعراق أمر واقع وأنهم غير قادرين علي محاربة امريكا واسرائيل وليتركوا ممثلي العراق الجدد (أي عملاء أمريكا) يقرروا شأن بلادهم ).هذه هي واقعيتهم ..التسليم باحتلال أمريكا للعراق، ودعوة الأمة للاستسلام والتخلي عن أرضها والتفريط بسيادتها. واليوم يريدون تسليم رأس المقاومة في فلسطين ولبنان للعدو الصهيوني باسم الضعف والعجزالمزعوم ،بينما تزخر الأمة بالرجال القادرين علي الحاق الهزيمة بالعدو الأمريكي الصهيوني بأسنانهم وأظافرهم كما يفعل مجاهدو المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان... لكنها المؤامرة ، وجريمة التحالف الإمبريالي الصهيوني الذي وضع عوائل وأشخاصا في الحكم لا يستطيعون البقاء في السلطة يوما واحدا إذا رفعت عنهم حماية الأجنبي..إنها الصفقة - المؤامرة التي تقايض احتفاظ تلك العوائل الحاكمة بالحكم مقابل التخلي عن الارض والحرية والوحدة والتنمية والنهضة ..

ومن الصعب في ضوء هذه الحقائق أن نفصل بين ما يجري ضد المقاومة اليوم في لبنان وفلسطين والعراق وما جري من تواطؤ أنظمة التآمر مع العدو في حرب 1948 في فلسطين، والعدوان الثلاثي علي مصر1956، وضد وحدة مصر وسوريا 1958، وتمويل حرب المرتزقة والملكيين ضد ثورة اليمن (1962 - 1970)، وضد وحدة اليمن 1994، وضد العراق ( 1991 - 2003 ).. نعم انها نظرية المؤامرة تعيد إنتاج نفسها في كل مرة تستجمع الأمة قواها لتواجه أعدائها فإذا بها تطعن بغدر من الظهر علي أيدي ذات الأنظمة . بررت الأنظمة العربية التسويات المهينة التي أقدمت عليها بحجة العجز العربي عن مواجهة تفوق العدو، وروجت أن السلام معه فيه خير للأمة.. يحقن الدماء ويحفظ الأموال ويحقق الازدهار لشعوب المنطقة ، وبأسم هذه التخريجات أعطوا الذلة وفرطوا بحقوق الأمة فماذا كانت النتيجة ؟ لم يحقنوا دما أو يمنعوا عدوانا ولا حفظوا مالا ولا أنجزوا ازدهارا، بل تراجعت الأمة في كل ميدان ومجال، وتدهور كل شيء فيها ولم يزدهر سوي قمع الجماهير واستشراء الفساد وشراء الذمم وتعميق التبعية والارتباط بالحلف الأمريكي الصهيوني، وبلغ الانحدار الي حد أن أحد الوزراء انبري يقول من علي منبر إحدي الفضائيات وكأنه ينعي للعالم موت الأمة العربية (إننا لا نملك غير التوسل إلي أمريكا ) ....

كيف لا تملك الأمة غير التوسل وأمريكا بعد أشهر من احتلالها للعراق راحت تتوسل دول العالم وبينها دول عربية لتعينها علي مواجهة المقاومة العراقية المحرومة من كل دعم خارجي والمعتمدة علي قدراتها الذاتية، فكيف يكون حال أمريكا في العراق إذا تحملت الدول العربية مسئوليتها القومية وقدمت الدعم اللازم للمقاومة العراقية؟ ماذا ستقول هذه الأنظمة وهي تري أن حماس وحزب الله يقارعون آلة العدو الصهيوني ببسالة واقتدار مدة شهر تقريبا وصدوا هجماته البرية ومنعوه من تحقيق أي هدف من اهداف عدوانه وهم ليسوا دولا ولا يملكون ترسانات أسلحة كتلك التي تكدسها أنظمة التآمر علي الأمة ؟ وماذا ستقول (أنظمة التوسل)، للعالم ولشعوبها وهي تري شافيز الرئيس الفنزويلي العظيم تتحرك في عروقه نخوة المروءة والإنسانية والانتصار للعدالة والحق ويتخذ قراره بسحب سفير بلاده من تل أبيب احتجاجا علي العدوان الصهيوني بينما أنظمة التآمر مشغولة بتبرير العدوان ، والتأليب الطائفي ضد حزب الله.. وتغذية الفتنة الطائفية في العراق.. أي درك سحيق أنحدرت إليه هذه الأنظمة وأي مستقبل مظلم ينتظرها من جماهير الأمة..

اليوم أكثر من أي وقت مضي، تحتاج الأمة الي مراجعة نقدية لمسيرتها الماضية وفحص عوامل انتكاساتها واخفقاتها وهزائمها، وكذلك عوامل انتصاراتها ونجاحاتها، وماهي حدود ومسئولية قواها الوطنية والقومية والإسلامية عن الفشل والنجاح ، وحدود ومسئوليات الأنظمة المتحالفة مع الغرب ،اذ لم يعد من باب التطرف ولا المراهقة السياسية القول بأن هذه الأنظمة حليف وثيق للمشروع الامبريالي الصهيوني ، وأنها المسئولة قبل العدو،عن إضعاف الأمة وتبديد قدراتها بأنحيازها دائما الي الغرب في مواجهة أي توجه وطني مستقل ، أو أية حالة نهوض في هذا القطر أو ذاك.. وأن انغماسها في سياسة المحاور والأحلاف الاستعمارية في الوطن العربي كان هدفها ومايزال تجييش هذه الأنظمة خصوصا تلك التي تمتلك فوائض مالية ضد حركة التحرر الوطني والتنمية المستقلة والوحدة القومية، ومحاصرة أية قيادة أو زعامة تحوز علي تأييد الشارع العربي. إن هذا الواقع، وبعد أن خرقت الأنظمة قواعد اللعبة، كما يقال، وأعلنت تحالفها الصريح مع العدو، يستدعي ان تتحمل الأحزاب والقوي المناهضة للإمبريالية والصهيونية مسئولياتها، وأولي هذه المسئوليات ان تتخذ الإجراءات السريعة لإقامة الجبهة الوطنية داخل كل قطر من جهة وإقامة الجبهة القومية علي مستوي الوطن العربي من جهة ثانية، وان تلتقي علي ثوابت في مقدمتها حشد كل الطاقات والقدرات لدعم حركات المقاومة الشعبية في العراق وفلسطين ولبنان وحيثما وجد النفوذ الإمبريالي الصهيوني في أي جزء من الوطن العربي.

فقد برهنت أحداث السنوات الثلاث الماضية منذ الاحتلال الامريكي للعراق أن المقاومة هي السلاح الفتاك ضد العدو الأمريكي الصهيوني ،واذا كانت قوات الاحتلال الأمريكي لم تصمد أمام المقاومة العراقية الباسلة ، فإن العدو الصهيوني أعجز من أن يصمد أمام مقاومة مدعومة من الأمة، نظرا لعوامل الوهن والاختلال الكبيرة الكائنة في كيانه البشري والاقتصادي والسياسي والعسكري، واعتماده شبه الكامل علي الدعم الخارجي بالسكان عن طريق الهجرة، وبالمساعدات الأمريكية الأوربية وخاصة الألمانية، وحساسيته العالية تجاه الحرب والأزمات الاقتصادية، وافتقاده الي العمق الاستراتيجي.. إن عوامل الوهن هذه هي التي تجعله يتبني سياسة الردع المفرطة تجاه أي فعل مقاوم سواء صدر من دولة عربية أو من منظمة مقاومة شعبية. وقد كان ينجح سابقا بفضل خدمات أنظمة التآمر له ، أما اليوم فسبل هذه الخدمات باتت مقطوعة،وصار العدو يدرك أن استمرار مقاومة الامة له سيقوده الي النهاية المعروفة وهي أن يرحل عن الأرض العربية ويترك البلاد لأصحابها..

إن العدو الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة وحلفاؤهما من الأنظمة العربية ، سيبذلون المستحيل للالتفاف علي انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين ، وسيحاولون إفراغ الانتصار بتسجيل مكاسب في المفاوضات ، ولا أدل علي ذلك من أن مفاوضات أمريكا وفرنسا واختلافاتهما حول مشروع قرار وقف إطلاق النار، تدور كلها حول قضايا فرعية فيما تحظي القضايا الجوهرية بتوافقهما وأهمها نشر قوات دولية ونزع سلاح المقاومة، وهو ما أرادت إسرائيل تحقيقه من عدوانها علي لبنان وغزة. قد يبدو أن هناك تحولا في موقف السعودية والكويت من المقاومة بعد الثبات والانتصار الذي حققته، وأن تقديمهما مبالغ مالية علي شكل منح وودائع إنما هو تعبير عن هذا التغيير. وفي الحقيقة أن الدعم المالي هو وسيلة هذين النظامين للتسلل إلي طاولة المفاوضات التي ستقرر النتائج السياسية للعدوان ومستقبل لبنان، وسيدخل النظامان من باب الدعم الي هذه الطاولة ليمارسا الدور التقليدي التاريخي لهما وهو استخدام القدرات المالية التأثيرية علي الأطراف اللبنانية .. لكنهما كما يبدو سيجدان هذه المرة أن كل شيء قد تغير وأن أموالهما لاتساوي قلامة أظفر شهيد واحد أو مقاوم واحد ...ولن يجدوا مقاومة تساوم .. سيجدون مقاومة تؤسس للانتشار في كل الوطن العربي ولن تتوقف إلا بطرد آخر امبريالي صهيوني من الوطن العربي

المصدر: الموقف العربي

للعودة الى الصفحة السابقة


0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker