Friday, August 11, 2006

"انقلاب عسكري" في العراق: كابوس أم حلم جميل؟ للأستاذ محمد عارف

"انقلاب عسكري" في العراق: كابوس أم حلم جميل؟


محمد عارف

تقول نكتة عراقية مشهورة إن الرئيس الأميركي بوش سافر سراً إلى بغداد للتحقق بنفسه من صحة إدّعاء العراقيين أنهم "يقرأون الممحي"، أي لا يخفى عنهم شيء. وفي بغداد خرج بوش يتجول في الشوارع متنكراً بملابس عربية، وسأل أول عراقي صادفه: "شكو ماكو"؟. همس العراقي في أذنه: بوش ببغداد.

وعندما يُنّكت العراقيون توّقع مصيبة. وقد بدأت بالظهور قبل نحو شهرين نكات عن انقلاب عسكري مزعوم لإسقاط حكومة المالكي. وأول المتحدثين عن ذلك الكاتب خضير طاهر في تعليق عنوانه "حلمت بعودة صدام حسين للسلطة". وصف "طاهر" في تعليقه المنشور في موقع الصحيفة الإلكترونية "إيلاف" كيف أعقب الإعلان عن عودة الرئيس الأسير إلى الحكم هروب أكثر من نصف مليون من أعضاء الأحزاب الطائفية والميليشيات والمخابرات الإيرانية "تاركين خلفهم مقراتهم وقصورهم وحاملين معهم ما خف وطاب من ملايين الدولارات وسبائك الذهب، متجهين صوب الحدود الإيرانية". ورأى طاهر في حلمه عناصر الميليشيات يهرعون "إلى حلق ذقونهم وارتداء بناطيل الجينز، وكل منهم أمسك بقنينة خمر، ووقف أمام بيته من أجل إبعاد تهمة الانتماء للتنظيمات الإسلامية"!

أحلام "وردية" أيضاً وصفتها مقالة عنوانها "سيناريو واقعي عن حال العراق بعد عودة صدام". المقالة منشورة في أحد المواقع الإليكترونية، ويروي كاتبه جعفر ناصر الربيعي، كيف استيقظ الشعب العراقي صباح أحد الأيام، ذاهلاً لمنظر "سماء صافية فيروزية اللون.. وهدوء غريب غير معتاد.. لا صوت طائرات.. لا طلقات نارية أو عبوات ناسفة. عطر الصباح الندي يملأ الرئتين. تتوقف فجأة مولدات الكهرباء، وتختفي المظاهر المسلحة من الشوارع". وتبدو "بغداد كأنها متنزه كبير في صباح باكر".

ولعل هذه السيناريوهات أحلام يقظة للطبقة المتوسطة العراقية المروعة بالقتل والتدمير والنهب والفساد والتهجير. وهي أحلام جديرة بالتحليل النفسي والسياسي. فالحلم الذي يراود الربيعي يتضمن برنامجاً سياسياً من 32 فقرة لإزالة جميع مظاهر الاحتلال، وأولّها "حل ما يُسمى مجلس النواب، واعتقال جميع أعضائه، الذين فكروا بحماية أنفسهم قبل حماية شعبهم"، وحلّ مجلس المحافظات، "الذي بدّد الأموال الخاصة بالإعمار"، وإلغاء "ما يسمى الدستور"، وحلّ جميع الأحزاب والميليشيات، دينية وطائفية وقومية، وتسريح حملة الجنسية المزدوجة من العراقيين وغيرهم من دوائر الدولة الرسمية، والطلب منهم مغادرة العراق فوراً باعتبارهم "أجانب دخلوا القطر بشكل غير شرعي".

وقد تعبّر هذه الأحلام عمّا يسميه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي "عملية تفكير تجري داخل الوعي الشعبي وتختتم نفسها بصرخة مشبوبة ملحة". فهي تعلن العراق "دولة علمانية، ليبرالية، تؤمن بحقوق الانسان"، وتنص على إعادة تشكيل الجيش ووزارة الداخلية، وتتناول حتى العلاقات الخارجية، مؤكدة على احترام العراق للعهود والمواثيق الدولية، التي وقع عليها قبل الاحتلال. ولا تُغفل تعهد العراق بأن يعتبر "الولايات المتحدة الأميركية دولة صديقة..ويحترم سيادة دول الجوار".

وأغرب ما في هذه الأحلام استباقها بأسابيع عدة تقارير عن مؤامرة خطيرة لقلب نظام الحكم. أول ذكر في الصحافة العالمية لكلمة "انقلاب" جاء في "الواشنطن بوست"، التي نقلت تحذير زعماء أحزاب وميليشيات طائفية من محاولة انقلابية ضد حكومة نوري المالكي. وأوردت الصحيفة تصريحات لهادي العامري، رئيس ميليشيا "منظمة بدر"، الموالية لإيران أعلن فيها رفضه الدعوة لإقامة حكومة انقاذ وطني، واعتبرها انقلاباً عسكرياً يهدف إلى إلغاء الدستور والقضاء على نتائج الانتخابات.

وسبق تقرير "الواشنطن بوست" نشر مواقع إنترنت تابعة لمنظمات طائفية تفاصيل ما يسمى "مخطط المحاولة الانقلابية". يتحدث المخطط، الذي يُنسب لحزب "البعث" عن "إشعال حرائق هائلة واغتيال شخصيات مهمة وتفخيخ الأماكن المقدسة والمساجد والحسينيات والأسواق وحرق محطة التاجي للغاز ومصفاة الدورة والمحطة الكهربائية التابعة له". وادّعت وكالة أنباء تحمل اسم "جامع براثا"، الذي تعرض لعدة عمليات تفخيخ راح ضحيتها عشرات المصلين أنها استقت معلوماتها من "مصدر أمني خاص ومطلع جداً عن أجهزة أمنية استطاعت أن تخترق تنظيمات تابعة لحزب البعث". وذكر تقرير الوكالة أن الانقلاب يهدف في البداية إلى "احتلال منطقة الكرخ، وتغيير موازين العلاقة السياسية مع الأميركيين للعودة إلى الحكم". وأشار التقرير إلى "اتفاق الانقلابيين مع ثلاثة أفواج من الحرس الوطني وفوج من القوات الأميركية، وبتنسيق كامل مع "البعثيين"، الذين سيتولون "الكشف والاستدلال على عناصر جيش المهدي و"منظمة بدر" و"حزب الدعوة" وجماعة" المجلس الأعلى"، والانقضاض عليهم كالصقور"، حسب المخطط الانقلابي المزعوم.

يقع نص المخطط، الذي يتبادله العراقيون عبر البريد الإلكتروني في نحو خمسة آلاف كلمة، ويتضمن تفاصيل تعبوية عن تسلل مجموعات نسائية صغيرة، بينهن فلسطينيات متنكرات بملابس متسولات في مناطق تُعتبر شيعية، كمنطقة "براثا"، وزحف مجموعات من مناطق تُعتبر سنية، كشارع حيفا والجعيفر والرحمانية ومناطق الكرخ باتجاه مناطق تُعتبر شيعية، كالشعلة والكاظمية. تضم المجموعات عمال جمع النفايات، وعمال زراعة من أمانة العاصمة في بغداد، وعمال خدمات الكهرباء والهاتف والماء.

ويستهدف المخطط القيام بعمليات تفخيخ يُستخدم فيها "ما لايقل عن مائة خروف، ونشرها في أسواق الخضار والتجمعات وحتى داخل البيوت، بحجة، أنها هربت من السيارات، ويتم تفجيرها، لإحداث حالة من الفوضى والرعب".

ومع أن مخطط الانقلاب يركز على بغداد، إلاّ أنه يتضمن عمليات مماثلة في مدينة النجف، "هدفها إيصال أكبر عدد ممكن الى المدينة، وبطرق مختلفه منها مشيعون مع جثث وجنائز، تستلم من الطب العدلي، على أن يذهب مع كل جنازة, ما لا يقل عن أربعة أشخاص.. ويجب ألا يقل عدد الجنائز عن مائة توزع على مدة أسبوع، ويبقى هؤلاء المشيعون داخل النجف، ولايغادروها، ويتم الاتصال بهم عن طريق أناس موجودين أساساً في النجف لتهيئة ما تحتاج مهمتهم".

ويزعم المخطط الاستعانة في تغطية جميع مراحل الانقلاب "بالفضائيات الصديقة". ويقوم البرلمان خلال ذلك بسحب الثقة من حكومة المالكي "بسبب الفوضى العارمة، والمطالبة بإسقاطها، باعتبارها حكومة طائفية وضعيفة، وغير مؤهلة لادارة البلاد.. ويطلب المساعدة والإسناد من الأميركان في تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتتولى القوات الأميركية الأمر، لحين إعادة الجيش العراقي السابق، بكل هيئاته وتشكيلاته وقياداته بسرعة.. علماً بأن وحدات كاملة من الجيش مهيأة في حالة دعوتها".

ويثير المخطط أسئلة عن علاقة الانقلاب المزعوم بقرار البيت الأبيض زيادة عدد القوات العسكرية الأميركية في بغداد؟ وهل تُمّهد للانقلاب تحذيرات القادة العسكريين الأميركيين هذه الأيام من اندلاع الحرب الأهلية؟ وتثير لغة المخطط تساؤلات حول صحته، وفيما إذا كان من تلفيق عناصر طائفية متواطئة مع جرائم المحتلين بهدف تشويش الوعي الوطني العراقي.

هناك في كل حال جواب واحد عن هذه الأسئلة ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه أكثر أجوبة الهواتف الجوالة انتشاراً في العراق، هي صورة هيكل عظمي، وعبارة "مكالمتك لا يمكن أن تتم لأن المشترك تعرّض لحادث تفخيخ أو اختطاف"!

المصدر: صحيفة الاتحاد (وجهات نظــر)

للعودة الى الصفحة السابقة


0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker