Thursday, August 24, 2006

الوعد الصادق ينتهي بوهمٍ كاذب .. ماذا بعد يا نصر الله ؟

الوعد الصادق ينتهي بوهمٍ كاذب .. ماذا بعد يا نصر الله ؟

وليد نور

ما بين الخطاب الذي ألقاه 'حسن نصر الله' الأمين العام لحزب الله وأعلن فيه تفاصيل عملية 'الوعد الصادق' مهددًا 'إسرائيل' بتغيير قواعد اللعبة وما بين خطابه الذي أعلن فيه قبول الحزب قرار مجلس الأمن رقم 1701، شهدت لبنان حربًا لا هوادة فيها، توعد نصر الله إسرائيل في العلن بمفاجآت غير مسبوقة، وتوعد رجاله - بعيدًا عن وسائل الإعلام - الجبهة السنية التي لم تقف معهم، وأولئك اللبنانيين من الطوائف الأخرى بيوم للحساب ينتظرهم بعد نهاية الحرب، وفي غضون ذلك كانت الشعوب المسلمة الطيبة تهتف باسم نصر الله ورجاله غير أنه فجأة انتهت الحرب، وتوقفت الخطب الرنانة، فبماذا انتهى الوعد الصادق، هل تراه انتهى بنصر مظفر أم أن الأمر لا يعدو كونه وهمًا كاذبًا، وسرابًا سرعان ما يزول كما زال سراب النصر الأتاتوركي الزائف على الحلفاء؟.

من انتصر؟:

أول سؤال تبادر إلى الأذهان بعد توقف الحرب بين 'حزب الله' و'إسرائيل'؛ هو من انتصر؟، ومن هزم؟، وحقيقة فإنه من الصعب القول بانتصار طرف وهزيمة طرف آخر، وهو ما توقعه المراقبون منذ اليوم الأول للحرب فسير الحرب كان يشير إلى أن الحرب ستنتهي بدون هزيمة طرف وفوز آخر، وباتت المشكلة الحقيقية لدى الطرفين هو ما هو الطريق الأنسب لإنهاء الحرب ولإعلان النصر في الوقت ذاته، فمنذ اليوم الأول والطرفان يحاربان من أجل وضع مفهوم خاص للنصر يبرر الحرب ويصلح أن يكون تكأة لإعلان النصر، فرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يريد أن يُنظر إلى إسرائيل على أنها حققت نصراً مدوياً على 'حزب الله' عندما يتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار لما لذلك من أهمية بالغة بالنسبة له سياسياً، لذلك لجأت إسرائيل إلى شن العديد من الغارات الجوية خاصة في اليومين اللذين سبقا بدء وقف إطلاق النار.

أما حزب الله فحاول التأكيد على أن النصر في مفهومه يتمثل في تلافي الهزيمة، والحفاظ على قدراته القتالية، حتى وإن دمرت لبنان شمالاً وجنوبًا، فيكفى أن الحزب لا يزال يحافظ على كيانه وقدراته، ويكفى أنه صمد طيلة ثلاثة إلى خمسة أسابيع من الحرب في وجه أقوى جيش في المنطقة.

والمتابع للأمر يدرك أن هذه النتيجة التي انتهت إليها الحرب كانت أمرًا متوقعًا من اليوم الأول، فتلك هي طبيعة حروب قواعد تغيير اللعبة، وهذه طبيعة لعبة 'عض الأصابع، فكلا الطرفين لا يسعيان إلى القضاء على الطرف الأخر ولكنه يكتفي بالضغط واستخدام أوراقه من أجل تحقيق نصر سياسي أو إعلامي بغض الطرف عما تحقق على أرض الواقع، وهذا ما اتضح بجلاء في الحرب بين حزب الله وإسرائيل، فحزب الله عندما أقدم على عملية 'الوعد الصادق' لم يكن يتوقع أن ترد إسرائيل بهذا الشكل بل كان ظنه أن الأمر لا يعدو مجرد قصف بالمدفعية أو غارة جوية، أم أن يتصاعد الأمر بهذا الشكل فهو الأمر الذي لم يكن يتوقعه حزب الله كما كشفت عن ذلك تصريحات 'حسن نصر الله' من طرف خفي، كما أن حزب الله لم يحاول أن يلحق خسائر قاسية بإسرائيل فحاد عن ضرب الكيمياويات في حيفا ولم يقدم على ضرب تل أبيب.

من جهتها فإن إسرائيل لم تكن تسعى إلى القضاء على حزب الله وتدميره ليس لقدراته وقوته، ولكن لأنه حزب منضبط على الرغم من الإزعاج الذي يسببه في بعض الأحيان، إلا إن زوال حزب الله من جنوب لبنان كفيل بصعود مقاومة سنية بديلة وهو أمر لا تقبله إسرائيل بتاتًا، فالمشروع الشيعي وإن كان مزعجًا للمشروع الصهيوني الأمريكي إلا إنه يبقي مشروعًا منضبطًا لا يرفض التعاون والتفاوض بل قد يبادر إلى التعاون مثلما حدث من إيران في أفغانستان والعراق، ومثلما حدث من حزب الله قديمًا عندما عمل على إحباط هجمات المقاومة من جنوب لبنان، أما المشروع السني المقاومة فهو مشروع مزعج ولا يقبل التفاوض أو المساومة والوقائع على ذلك كثيرة بدءً من طالبان في أفغانستان وانتهاءً بالمقاومة الفلسطينية ومرورًا بالمقاومة العراقية، فعلى الرغم من المحاولات الأمريكية الكثيرة لفتح بابًا للتفاوض مع المشروع السني إلا إن دومًا كان يقوم المشروع السني بإغلاق هذا الباب، لذلك فإن المشروع الشيعي وإن كان مزعجًا بعض الشيء يبقي أفضل من المشروع السني.

لهذا نستطيع أن نقول أن الحرب الذي شهدتها لبنان لم تكن حرب تحرير من قبل 'حزب الله'، ولا حرب تدمير من قبل 'إسرائيل' لحزب الله، ولكنها كانت حرب لتحريك الأوضاع السياسية وإعادة ترتيب ميزان القوى.

ميزان النصر:

إذا كان الأمر كما أوضحنا، فلماذا يصر كلا الطرفين على أنه انتصر في المعركة، وكيف نزن الأمور؟.

لكي توضع الأمور في نِصابها، فإن هناك حدودًا عملية لضبط ميزان النصر، فالقضية لا ترتبط بعملية واحدة لضرب سفينة أو إسقاط طائرة أو استهداف مدينة، على نحو يثير حماس الرأي العام، وإنما بحرب شاملة طويلة لا يؤدّى فيها ضرب سفينة حربية إلى إنهاء الحصار البحري أو يؤدّى إسقاط طائرة إلى وقف الغارات الجوية، وقد لا يؤدّى فيها استهداف مدينة إلى انهيار في الداخل.

إننا لا نقلل مما حدث وتحقق ولكن يجب أن نزن الأمور بميزان صحيح، فعندما تقوم المقاومة الفلسطينية بأسر جندي صهيوني يكون ذلك انجازًا حقيقيًا غير مسبوقًا لما يعلمه الجميع من الحصار المادي الذي يواجهه الفلسطينيون، عندما يصمد مخيم جنين أمام الدبابات الإسرائيلية فهذا هو النصر الحقيقي لأن الصمود كان بأسلحة بدائية وبذخيرة تكاد تنضب، عندما يقتل جنديان إسرائيليان أو ثلاث في عملية استشهادية فلسطينية هذا هو النصر الحقيقي لأننا نعلم أن المقاومة الفلسطينية لا تملك سوى هذا الحزام الناسف، ولو ملكت غيره ما ادخرته.

أما عندما نتكلم عن حزب هو في حقيقة الأمر ميلشيا عسكرية تمتلك أسلحة قد لا تمتلكها الكثير من الدول وتأتيه من الأموال الكثيرة ولديه أرض يسيطر عليها فعندها لا يكفي الحديث عن ضرب سفينة أو إسقاط مروحية، بل يجب علينا أن نزن الأمور بميزان دقيق يأخذ في الاعتبار قدرات الحزب العسكرية وما كان يستطيع تحقيقه، وآمال الشعوب المعلقة عليه، ثم ننظر بعد ذلك فيما تحقق وجرى، هذا هو الميزان المنضبط، فالجهاد يعني في مفهومه اللغوي والشرعي بذل الجهد أي أقصى الجهد وكل ما يستطيعه المسلم من أجل إعلاء كلمة الله ولا تهم النتيجة إن فعل ذلك، أما أن يدخر جهده ويوفر سلاحه من أجل أغراض سياسية وأهداف إعلامية فبالتأكيد أن هذا لا ينطبق عليها وصف الجهاد.

فإذا كان حزب الله يستطيع ضرب تل أبيب ونادت الشعوب المسلمة الطيبة هاتفة باسمه مطالبة إياه بفعل تلك الخطوة، ولكنه لم يفعل ذلك، فلنا أن نتساءل لماذا لم يقدم على تلك الخطوة، هل كان ينقصه السلاح فلماذا التهديدات النارية ومداعبة عواطف الشعوب المسلمة، وإذا كان يملك فلماذا صمتت صواريخ حزب الله ولم تصمت نيران إسرائيل عن ضرب شمال وجنوب لبنان، هل اختبأ وراء الصمت مكاسب سياسية كما تردد أن رايس طالبت إيران بمطالبة حزب الله بالحياد عن ضرب تل أبيب، أم أن حزب الله أراد أن يؤكد أنه حزب منضبط لا يتحرك إلا في حدود معينة ومدارات محددة رسمت له من قبل؟.

وإذا كان حزب الله يمتلك أرضًا يبسط سيطرته عليها، فكيف يقبل بقرار دولي ينزع منه تلك السيطرة ليضعها في أيدي قوات دولية تعيد ذكرى الاحتلال للبنان، وإذا كان القرار الدولي يشير إلى نزع سلاح حزب الله فبالتأكيد أن حزب الله لم يوافق على ذلك إلا وهو ينتظر مكاسب سياسية وترتيبات لعلها لا تتضح في القريب العاجل.

غير أنه حتى نكون منصفين، يجب أن نشهد أن حزب الله انتصر، ولكنه انتصر في معركة الإعلام والفضائيات، حيث الخطب الرنانة والتصريحات النارية التي رفعت نصر الله ورفاقه إلى مصاف الأبطال العظام، بل وصفه البعض بأنه صلاح الدين العصر الحديث، على الرغم من أن الشيعة في القديم والحديث لم يكرهوا قائدًا مسلمًا كما كرهوا صلاح الدين الأيوبي.

أما على أرض الواقع فمن البين لكل ذي عينين أن إسرائيل نجحت في إعادة الاحتلال الفرنسي للبنان، ونجحت في وضع حاجز دولي بينها وبين حزب الله، كما جعلت نزع سلاح حزب الله مطلبًا دوليًا أمميًا، فإسرائيل التي لم تنجح في حسم الحرب عسكريا تحاول حسمها سياسيًا، وحزب الله الذي لم يحسم الحرب عسكريا يحاول حسمها إعلاميًا.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة:

عقب هزيمة 1967 رفع في مصر شعار 'لا صوت يعلو فوق صوت المعركة' وكان المقصود بهذا الشعار هو رفض أي نقد أو دعوة للإصلاح الداخلي بحجة أن البلد في حرب والطعن في النظام دليل على العمالة للعدو، ورغم مرور قرابة ثلاثين عامًا على هذا الشعار، إلا إن حزب الله نجح في استعادة هذا الشعار في حربه الأخيرة، فأصبح كل من ينتقد حزب الله هو عميل للصهيونية العالمية، بل أصبح كل من يدعو للتفكر في الأمر والتأمل فيه متهمًا بالجبن والاستسلام، لقد زعم 'حسن نصر الله' في إحدى خطاباته أنه يحارب نيابة عن الأمة، وهو قول مغال منه يقصد به تكرار قولة 'لا صوت يعلو فوق صوت المعركة' وجعل المعادلة من شقين إما مع حزب الله أو مع الصهاينة، وهو ما يذكرنا بمعادلة الرئيس الأمريكي جورج بوش 'أما معنا أو ضدنا'، وإذا كان نصر الله يحارب نيابة عن الأمة فهل أخذ رأى الأمة قبل بدء الحرب أو قبل إيقافه أم أنه لا يعترف سوى بالرأي الذي يأتيه من طهران حيث ولاية الفقيه، وحيث قال نصر الله قديمًا: 'إذا أردنا الآخرة فآخرتنا مع ولي أمرنا نائب الحجة [يقصد المهدي المنتظر] وأزيدكم إذا أردنا عز الدنيا وشرفها وكرامتها فلن ننالها إلا مع ولي الأمر حتى هذه المقاومة الكبيرة التي نعتني بها والتي هي الشيء الوحيد في هذا العالم العربي الذي نرفع رأسنا به ونعتز به وبوجوده لولا رجل اسمه روح الله الخميني لما كان لها وجود في لبنان، وبعده لولا رجل اسمه علي الحسيني الخامنئي لما استمرت المقاومة'.

ولعل هذا التصريح أبلغ دليل على العلاقة بين حزب الله وإيران، لذلك فلن نكون متجنيين إذا قلنا إن حرب لبنان الأخيرة كانت من أجل طهران، فإيران كان لديها ورقتان لتلعب بهما ورقة حزب الله وورقة الملف النووي، ويبدو أن إيران اختارت أن تضحى بورقة حزب الله حتى تحتفظ بالورقة الأخيرة.

ماذا ينتظر أهل السنة في لبنان؟:

في الختام يجب أن نتساءل، ماذا ينتظر أهل السنة في جنوب لبنان بعد تلك الحرب، فقد نقلت مواقع الإنترنت تصريح 'سيد علي' أحد عناصر حزب الله لصحيفة الجارديان الذي توعد أهل السنة بعد الحرب، وقال في تصريحاته: 'أن الصراع ليس فقط ضد إسرائيل و لكن أيضا ضد أهل السنة ... عندما تنتهي الحرب مع إسرائيل, ستبقى أمامنا عدة معارك لنخوضها في لبنان, الحرب الحقيقية ستبدأ بعد هذا المناوشات الحالية مع أولئك اللبنانيين الذين لم يقفوا معنا, حزب الله لديه أفضل جهاز استخبارات عسكري في هذا البلد, و أيدينا ستطال كل من صرّح ضدنا .. فلتتوقف هذه الحرب ثم سنبدأ في تصفية الحسابات'.

ولا يظن البعض أن هذه تصريحات مجرد متطرف من حزب الله، فالواقع العملي قبل هذه الحرب يثبت ذلك، حيث اشتكى الدكتور محمد علي الجودي مفتي جبل لبنان من ظلم وتجبر حزب الله في استيلائه على مساجد السنة، وقال الجودي بعد أن تكلم عن انتصارات حزب الله في عام 2000: 'هذا الانتصار على ما يبدو دفع بعض شباب حزب الله لمحاولة السيطرة على مساجد أهل السنة والجماعة في الجنوب وفي جبل لبنان، فقد تكررت المحاولات .. وفي بلدة الجية يتعاون حزب الله مع حركة أمل، مع الشيخ عبد الأمير قبلان على اغتصاب أوقاف السنة، حيث اصدر المجلس الشيعي الأعلى قراراً بتأليف لجنة لأوقاف الشيعة في الجية ، ثم ادعت هذه اللجنة على المديرية العامة للأوقاف الإسلامية السنية في بيروت بأنها صاحبة حق في أوقاف الجية ..'، هذا ما ينتظر أهل السنة في الجنوب ولعل لأجل ذلك اندلعت الحرب الأخير

المصــدر: مفكرة الإسلام

للعودة الى الصفحــة الســابقــة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker