الرد على دسائس الخاسئين المتواطئين
الرد على دسائس الخاسئين المتواطئين
بقلم: فهد الريماوي
في الايام الاولى لصولات حزب الله في مواجهة العدوان الصهيوني الغادر، تمخضت "الحالة السعودية الجديدة" فولدت بياناً مشوهاً ومفاجئاً وباعثاً على الاستهجان والاستنكار، نظراً لانه تعمد قلب الحقائق، وخلط الاوراق، ونبذ الشقيق، ودعم المعتدي وتوفير الغطاء الادبي والسياسي له، عبر دمغ اعمال المقاومة البطولية بالمغامرة غير المحسوبة·
يومها وقف الوطن العربي كله مأخوذاً ومشدوهاً ومستصعباً تصديق ما سمع، وتقبل ما رأى، وتفهم ما حدث، وتبرير ما وقع، وتفسير ما وراء هذا الانقلاب المباغت الذي نقل الخطاب السياسي السعودي من النقيض الى النقيض، واقتلعه من روضة التوافق والاعتدال والاتزان، ليلقي به على قارعة الشطط والتحامل والاتهام والاستفزاز·
فيما بعد، ومن قبيل حسن النية، والامتثال لمقولة "التمس لاخيك عذراً"، حاول البعض رد البيان السعودي الظالم، الى ذلك الصراع الصامت الدائر راهناً بين ايران والسعودية التي تعتبر حزب الله بمثابة حصان طروادة اخترقت ايران به، ليس الجسم اللبناني فحسب، بل والوجدان العربي ايضاً، حيث يحظى هذا الحزب المجاهد بشعبية اسطورية ما بين المحيط والخليج·
غير ان الشمس لا تتغطى بغربال - كما يقال - فسرعان ما كررت "الحالة السعودية الجديدة" فعل الخطيئة عبر التدخل السافر والمباشر في الشؤون السورية الداخلية، واحتضان الخدام عبد الحليم وباقي اوباش المعارضة السورية المجوقلة الذين تقاطروا مؤخراً على السعودية زرافات ووحدانا، التماساً للدعم والمؤازرة والاسناد·
قبل ذلك، عملت "الحالة السعودية الجديدة" على استبعاد سوريا من المثلث المركزي العربي الذي ينتظم سوريا ومصر والسعودية، عقاباً لها على رفضها للاملاءات الامريكية، ودعمها للمقاومة العربية، وتقاربها مع ايران الخمينية·· وها هي اليوم تتقدم خطوة اضافية على درب استفزاز سوريا والتدخل في شؤونها الخاصة، تماماً كما سبق فعله مع عراق صدام حسين·· ناسية او متناسية ان زمن اول قد حوّل، وان امريكا التي تستقوي بها باتت غارقة في وحول العراق وافغانستان، ولم تعد قادرة على مجابهة دولة جائعة مثل كوريا الشمالية، او دولة جامحة مثل فنزويلا·
سوريا ليست قطعة بسكويت، او دولة كرتون، لكي تخشى على نفسها من دسائس اعدائها، فهي بكل الحسابات اقوى شكيمة واصلب عوداً واكثر امناً واطمئناناً من هؤلاء الاعداء، ولكنها لا بد آسفة اشد الأسف على هذه المبادرات السريعة الطلقات القادمة من مدافع "الحالة السعودية الجديدة" المنسجمة في غضبتها المضرية مع مخططات الرئيس شيراك الصليبية والمدفوعة الثمن مسبقاً من اموال الاسرة الحريرية·
سوريا ليست ريشة في مهب الريح، او دوقية رخوة وغشيمة وفاقدة للخبرة والارادة، بل هي دولة عريقة وعظيمة ومدججة بالخبرة والقدرة والشجاعة في الرد على المؤامرات والتصدي للتحديات، ولكنها لا بد عاتبة او حتى غاضبة من هذه الهجمة الاعلامية الموجهة ضدها من لدن الامبراطورية الاعلامية الدائرة في الفلك السعودي، والمتكرسة منذ جملة اشهر للنيل من صمود سوريا وامنها واستقرارها، وللتشكيك في خطها السياسي وَصفها القيادي وتحالفاتها الاقليمية، ثم للتمهيد لما هو قادم من "مفاجآت" تتصل بتقرير برامريتز وتشكيل المحكمة الدولية·
يوماً بعد يوم، تتجمع خيوط المؤامرة الجاري حبكها ضد سوريا، وتتقارب الاطراف المشاركة فيها، وتتضح المعالم الاساسية لها·· فالثابت ان عدة جهات عربية واجنبية خاسئة تراهن - ربما بحكم علمها المسبق - على تسييس تقرير برامريتز، المحقق الدولي في جريمة اغتيال الحريري، وتوجيه اصابع الاتهام الى عدد من القيادات السورية المهمة التي سيجري استدعاؤها، في هذه الحالة، للمثول امام المحكمة - او المصيدة - الدولية المنوي تشكيلها قريباً، توطئة الى توظيفها فيما بعد كمنصة دولية لادانة النظام السوري برمته، واعتباره مسؤولاً عن اغتيال الحريري، وخارجاً على القانون الدولي، وفاقداً للشرعية السياسية والاخلاقية والحقوق - انسانية، وبالتالي مستحقاً للعقاب الدولي الجماعي المتعدد المراحل، والمتصاعد الدرجات والمستويات·
واذا ما تم ذلك كذلك - كما تتوهم الجهات الخاسئة والمتواطئة - فسيجد النظام السوري نفسه رهن وضع حرج، وعزلة خانقة، وحالة معنوية متدهورة، وضغوط سياسية واقتصادية وأمنية هائلة ومن كل حدب وصوب، سرعان ما ستؤدي جميعها آخر الأمر الى انهيار هذا النظام، وانفتاح الدروب واسعة امام عودة الخدام عبد الحليم وبقية "فرسان" المعارضة السورية على ظهور احصنة بيضاء، الى سدة الحكم في دمشق، وسط ترحيب شعبي منقطع النظير !!
هذه هي حسابات الحقل، فماذا عن حسابات البيدر؟؟ وهذه هي بعض رهانات وسيناريوهات ومخططات الجمع المتربص والمتآمر، فماذا عن مواقف وردود واجابات الجانب السوري المستهدف؟؟
منذ اليوم الاول لاغتيال الحريري، اعلنت سوريا ادانتها لهذه "العملية الرهيبة" كما وصفها الرئيس بشار شخصياً، واوضحت بكل السبل ان لا ناقة لها ولا جمل في تغييب الحريري عن ساحة السياسة اللبنانية·· فهو ليس عدواً او حتى خصيماً لها رغم اية خلافات او تعارضات، بل هو في ميزان النقد والتحليل صناعة سورية على الصعيد السياسي، مثلما هو صناعة السعودية على الصعيد الاقتصادي، وقد ظل، رحمه الله، اميناً مع نفسه، ووفياً لمرجعياته في دمشق والرياض الى آخر ايام حياته، وبما يخالف احياناً قناعاته الذاتية، شأن ما فعل في معركة التجديد للرئيس لحود، نزولاً عند الرغبة السورية التي كانت تتعارض مع رغباته وقناعاته الشخصية والسياسية·
وبعيداً عن مزاعم وفبركات المدعو ديتلف ميلس الذي كان هجّاصاً وخبّاصاً، وليس محققاً محترماً قط، فقد اظهرت سوريا تعاوناً كبيراً مع المحقق برامريتز الذي اشاد علناً بهذا التعاون في تقريره الاخير، رغم انه تركه منقوصاً ومفتوحاً وحمّال أوجه، ربما لكي يصار الى تسييسه في الفصل الختامي، بناءً على رغبات وتوجيهات القوى الخاسئة والمتواطئة والمتربصة التي تتحين الفرص منذ زمن طويل، لخنق النظام السوري واسقاطه، باعتباره آخر عقبة في طريق السلام الصهيوني، والمشروع الشرق اوسطي الجديد!!
طيب·· اذا كانت هذه - ولو بالافتراض - هي حسابات الحقل التي تتبناها وتتمناها الاطراف الامريكية والفرنسية والصهيونية والرجعية العربية، فما هي حسابات البيدر المتوفرة لدى سوريا؟؟ هل تذهب الى حتفها بظلفها؟؟ وهل تدخل المصيدة الدولية بقدميها؟؟ وهل تغلب الشرعية الدولية المزعومة على الشرعية الوطنية المستقلة؟؟
واقع الحال الذي ثبت في الماضي، ويثبت في الحاضر، وسيثبت في المستقبل ايضاً، ان سوريا ليست جمهورية موز تدار بالريموت كونترول الامريكي، وان سوريا ليست طريدة مذعورة سرعان ما تفقد ارادتها وتخور عزيمتها امام "العين الحمرا" للرئيس شيراك، او الامير بندر، او الست غونداليزا·· بل سوريا - يا سادة - قلعة مكينة يقودها اسد هصور، ويربض فيها شعب عربي أبيّ، ويقوم على حراستها جيش "ميسلوني" مقدام، ويتغلغل في مفاصلها وتفاصيلها وتضاريسها حزب قومي عريق قد يتراخى في اوقات الرخاء، ولكنه سرعان ما يستعيد اصالته، ويثبت موجوديته حين يجدّ الجد، وتلتهب ميادين النضال، اسوة بشقه او شقيقه العراقي الذي اذهل الدنيا بنضاليته وفدائيته واقتداره العالي في مقارعة المحتلين الغزاة·
تملك سوريا - بكل بساطة - ان تدير ظهرها لهذه المسرحية الميلودرامية، وان تترك للمخرجين والمنتجين والمؤلفين والممثلين المتربصين ان يبتلعوا لعابهم، او يشربوا ماء البحر·· فمادام بمقدور ايران وكوريا الشمالية ان تديرا ظهريهما للعالم، تمسكاً بخياراتهما النووية·· ومادام في استطاعة كوبا وفنزويلا وبوليفيا وتشيلي ان تتحدى امريكا، وهي على مرمى حجر منها·· ومادام في امكان اسرائيل ان تدفن عشرات القرارات الدولية في رمال غزة وجبال الضفة دون حساب او عقاب·· فلماذا يتعين ويتوجب ويتحتم على سوريا ان تضع عنقها، بغير وجه حق، في حبل المشنقة المنصوبة لإزهاق روحها، منذ ما قبل اغتيال الحريري بوقت طويل؟؟؟؟
المصدر: صحيفة المجــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home