Tuesday, November 07, 2006

فخ امريكي جديد غطاؤه المفاوضات

العراق :

فخ امريكي جديد غطاؤه المفاوضات

عوني القلمجي

07/11/2006

يبدو ان موضوع المفاوضات بين المقاومة العراقية والمحتل او اطراف منها، أصبح ساخنا هذه الايام، جراء الاشاعات والاخبار المتداولة بين الناس. وكلها تتحدث عن وجود مثل هذه المفاوضات. مرة تتهم حزب البعث العربي الاشتراكي، واخري الجيش الاسلامي وثالثة مجموعة من فصائل المقاومة، يذكرون عددها دون ذكر اسمائها. وكان اخر هذه الاخبار تلك التي تحدثت عن لقاء مغلق تم في مبني السفارة العراقية في عمان، بين الامريكيين والجيش الاسلامي في العراق، الذي قيل انه يفاوض باسم اطراف مسلحة اخري. لكن البعض فسر ذلك، بان ادارة بوش هي من سرب هذه الاشاعات لكسب اصوات الامريكيين، قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجري بعد يومين. وفعلا تحسن وضع الحزب الجمهوري وكسب اربع نقاط اضافية. ويبدو ان هذه الاطراف فضلت عدم الرد علي هذه الاخبار كونها لعبة مكشوفة، وتركت اصحابها يدفنونها بعد انتهاء الغرض منها.

وبصرف النظرعن ما قيل ويقال، فان بعض الرواة يقولون والعهدة عليهم، بان ما جري من اشاعات كان لها غرض اخر، غير انتخابات الكونغرس، يتم قضاؤه بالكتمان، حول مفاوضات جدية تجري بين الامريكيين واطراف من المقاومة، لوضع ترتيبات لانسحاب القوات الامريكية من العراق بما يحفظ لها ماء الوجه. وعلي الرغم من ان هذه الاخبار لا تستند الي دليل، وان برنامج المقاومة العراقية واضح وجلي، خلاصته: ان لا مفاوضات مع المحتل قبل ان يعلن استعداده للانسحاب دون قيد او شرط، فان الواجب يتطلب منا ان نذكر، بان مبدأ المفاوضات ليس مرفوضا، لكن للمفاوضات قوانين تحكمها واساليب لادارتها وتوفر ظروف ملائمة تخدمها وتوقيتات يجب حسابها بدقة، ومعرفة بقوي الخصم والاهداف التي ينوي تحقيقها، اضافة الي التاكد من مصداقيته، لان دخول اي طرف من اطراف المقاومة او عدد منها في مفاوضات مع المحتل، دون امتلاك هذه المعرفة او الاسلحة، سيؤدي الي نتائج تلحق بالمقاومة اضرارا بالغة.

اول ما يتبادر الي الذهن، هو القوانين العامة التي تحكم اي مفاوضات بين طرفين، ومنها او علي رأسها، حساب موازين القوي بينهما، فهي التي تتحكم، ليس بالمفاوضات وحدها، وانما بنتائجها ايضا. صحيح ان التفاوض يدخل ضمن اطار عملية سياسية لها قوانينها وظروفها، لكنه في نفس الوقت يعد جزءا لا يتجزأ من الصراع الدائر بين المقاومة وقوات الاحتلال. ولذلك فان المفاوض من كلا الطرفين يستمد قوته من الجهة التي يمثلها. فالقوي يستطيع ان يحصل علي ما يريد، والضعيف يعطي دون مقابل يستحق الذكر. فليس غريبا والحالة هذه ان يلجأ المهزوم او من هو علي ابواب الهزيمة، الي طلب المفاوضات، في حين يرفض المنتصر او من هو علي ابواب الانتصار، التفاوض قبل ان يتأكد من ان الخصم قد فقد القدرة علي الصمود نهائيا، واصبح علي استعداد لتلبية كافة الشروط مقابل بعض المكاسب المحدودة التي تحفظ له ماء الوجه. وواقع الحال، ان كل الدلائل تشير الي ان ميزان القوي العسكري والسياسي والقانوني وحتي الاخلاقي والانساني، يميل بشكل واضح الي جانب المقاومة العراقية الباسلة. فامريكا اليوم تعاني اشد حالات الضعف، وتبحث وبكل الوسائل عن حل لانقاذ مشروع الاحتلال من السقوط. ومن ضمن هذه الوسائل اللجوء الي سلاح المفاوضات، باعتباره اهم اسلحة المحتل لتدمير المقاومة، وذلك من خلال اقناع المقاومة بالتخلي عن سلاحها، وادخالها في نفق المفاوضات المظلم. ولنا في تجربة منظمة التحرير الفلسطينية خير دليل علي ذلك. والمقصود هنا المفاوضات التي بدأت في اوسلو، وانتهت الي اتفاق خسرت فيه منظمة التحرير كل شيء. حيث تحول الاتفاق علي اقامة دولة فلسطينية الي جانب دولة الكيان الصهيوني، وهو بحد ذاته تنازل كبير واعتراف بدولة اسرائيل ، الي دويلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم الي حكم ذاتي، ثم الي تنازع السيطرة علي معبر رفح.

وضمن هذا السياق فانه من الخطأ القاتل ان تبادر المقاومة وتعلن استعدادها للتفاوض، لان ذلك يعد رسالة خاطئة للعدو، توحي بانها ليست في وضع يسمح لها بالاستمرار في الجهاد، في حين ان النهج الصائب هو عدم تقديم مبادرة للعدو، بل الاستمرار بعمليات انهاكه واجباره علي طرق أبواب المقاومة، فلا نقارب عدونا كل المقاربة فنغريه بتوهم ضعفنا. اما المصيبة الكبري فهي: اذا قررت جهة او طرف من المقاومة، الدخول في مفاوضات منفردة مع المحتل، لان ذلك يشكل خطورة بالغة، كونه يعطي الذريعة والمبرر والتشجيع لآخرين للهرولة باتجاه المحتل كل علي انفراد، وهذا يهدد وحدة موقف فصائل الجهاد والمقاومة، ويتيح للعدو القدرة علي تمرير دسائسه وخلق أجواء الانقسام في الخندق الوطني المقاوم، مما يعيد الي سياسة الخطوة خطوة التي ابتكرها كيسنجر لتفكيك القضايا الوطنية.

تري ما هو ميزان القوي المتحقق علي الارض ولصالح من يميل هذا الميزان؟

يضع كلاوز فيتز اشهر عسكري الماني في القرن التاسع عشر اربعة شروط لنجاح واستمرار حروب المقاومة الشعبية: الاول ان تدار العمليات من داخل البلاد والثاني ان لا تعتمد الحرب الشعبية علي معركة واحدة والثالث ان يمتد مسرح العمليات الي مساحة واسعة والرابع ان تحظي الحرب بمساندة شعبية، وكل هذه الشروط متحققة دون شك او تأويل. وبعد ذلك يرسم كلاوز فيتز شروط العمليات القتالية من قبل المقاومة فيقول : يجب عدم استخدام المسلحين ضد القوّة الرئيسية للعدو، حتي ولا ضد وحدات كبيرة الحجم... يجب عدم محاولة سحق قلب الجيش المعادي في البداية، بل يجب الرمي والتركيز علي المؤخرات والمجنبات... يجب احتلال القطاعات التي لم يدخلها العدو بقوات كافية واسترجاع هذه المناطق كليًا من قبضته... يجب أن تستمر هذه السُحُب العاصفة المشكَّلة علي أجنحة الجيش ومؤخراته حتي تستنزفه. وعلي هذه الوحدات الصغيرة يجب أن تشعل نار الحرب الشعبيّة لأن الإنتصارات الصغيرة للقوات الشعبيّة تنمي الشجاعة والحماسة لدي الأهلين فتزداد المقاومة والنضال حتي يصلا إلي الذروة التي تقرر جميع النتائج وهذا ما يحصل فعلا.....

ويري كلاوز فيتز أن الصفات المميزة الشعبيّة والتنظيميّة لمجموعات المدنيين المسلحة تشكل سلاحًا للدفاع الاستراتيجي... إلا أنه يجب بشكل عام أن تكون أعمال العصابات الشعبيّة المسلحة تكتيكيًا انتقاميًا يستهدف قوات العدو بالإغارات المداهمة...والكمائن... ووخز العدو في كل موضع من جسمه حتي تشل قواه ويصبح غير قادر علي القتال... وبالرغم من أهميّة الدفاع عن المواضع الحصينة إلا أنه من الأفضل التفرّق بعد كل التحام أو الإنسحاب من موضع، استعدادًا لشن هجوم معاكس من موضع آخر وهذا أفضل بالطبع من حفر خندق دائم والإستعداد به لعمل جديد ... اليس هذا ما تفعله المقاومة؟. وبعد نصف قرن من الزمن اكد ماو تسي تونغ ما قاله كلاوز فيتز في كتابه المشاكل الاستراتيجية لحرب العصابات . تري هل قرأ المقاومون العراقيون كلاوز فيتز ام لا ؟ اعتقد ان قادتهم قد فعلوا ذلك، وان لم يفعلوا فان ما تقوم به المقاومة العراقية هو صورة طبق الاصل لما قاله هذا العسكري الالماني قبل اكثر من مئة عام. ثم الم تكن النتائج مطابقة لما وصل اليه الغزاة من وضع محرج وسيئ ينبئ بالهزيمة عاجلا ام اجلا؟ ثم اليست قوات الاحتلال هي المهزومة علي ارض الواقع ؟ ان احترام عقل القارئ، يحتم علينا ألا نعيد الادلة والبراهين لاثبات هذه الحقيقة، خاصة وان بوش نفسه قد تخلي عن الحديث حول الانتصار، وتحول الي مجال البحث عن الحلول التي تجنبه الهزيمة المنكرة. ولجنة بيكر ـ هاملتون خير دليل علي ذلك.

اذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح قطعا، فلماذا لا نصدق بان امريكا قد حسمت امرها، وانها تسعي فعلا الي اجراء مفاوضات مع المقاومة، لترتيب خروجها من العراق بما يحفظ لها ماء الوجه، وفي هذه الحالة فانه ليس مهما من يبدأ بالمبادرة؟

من اهم واجبات الوطنيين العراقيين وعلي الرغم من ايمانهم المطلق بانتصار المقاومة العراقية، فانهم ملزمون بان يكونوا عيونا ساهرة لحماية مسيرة المقاومة من اي ضرر يقع عليها، وان يكونوا عونا لها، وان يضعوا بين يديها ما لديهم من خبرات وحقائق، لا ان يتزلفوا لها ويحرموا انتقادها او حتي توجيه النصائح المخلصة لها. وفي هذا الصدد يجب التذكير باهداف المحتل التي جاء بها، وفيما اذا كانت قابلة للتنازل، او التخلي عنها طواعية في هذا الظرف بالذات، الذي لا يزال فيه المحتل، يمتلك من الامكانات العسكرية والسياسية ما تساعده علي الصمود فترة اضافية، او تجنبه الهزيمة علي وجه السرعة. وهذا يندرج في اطار ضرورة فهمنا لتلك الاهداف، واذا كان المحتل مستعدا للقتال من اجلها، وتقديم اغلي التضحيات لتحقيقها، والحديث هنا يتصل تماما بمئات الادلة والبراهين التي تؤكد علي ان الادارة الامريكية تعتبر هزيمتها في العراق هزيمة لمشروعها الامبراطوري الكوني، والذي يعد العراق فيه حجر الزاوية، ليس هذا فحسب، وانما سيصبح بامكان اي دولة مهما كانت صغيرة ان تقول لا لامريكا في اي شان يخصها، بعد ان تفقد هيبتها وسمعتها كاكبر قوة في التاريخ. وخلاصة القول فانه المبكر الدخول في مفاوضات مع المحتل، قبل ان يقتنع بان لا جدوي في بقاء قواته في العراق.

ولكن ليس هذا كل شيء، فهناك اعتبار اخر يجب وضعه بالحسبان، وهو ان القرار الامريكي لم يعد قرارا امريكيا خالصا، منذ الساعة التي دخل فيها بوش الصغير البيت الابيض. فالصهيونية العالمية وكيانها في فلسطين المحتلة اصبح لهما حصة الاسد في صناعة القرار الامريكي، وخاصة فيما يتعلق الامر بالعراق. ومعلوم مدي الحقد والكراهية الشديدة اللذين يضمرهما هؤلاء للعراق وشعب العراق. ولهذا فليس من الحكمة ان نستعجل النصر قبل اوانه، او تحقيق نصر مثلوم. فالدماء كانت غزيرة والتضحيات التي دفعها العراقيون جسيمة، والحكمة الي جانب السلاح امر في غاية الاهمية، ولا يساورنا ادني شك بان المقاومة سائرة بثبات علي طريق تحقيق النصر الاكيد. والتذكير بثقل المهمة واجب كل وطني عراقي، يتطلع الي اليوم الذي يري فيه بلده محررا من رجس المحتلين.

للعودة الى الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker