Saturday, November 04, 2006

شهران خطيران وحاسمان في تاريخ العراق!

هارون محمد

03/11/2006

بعد اختتام اجتماع وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس مع نظرائها وزراء خارجيات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن، الذي عقد بالقاهرة في الثالث من الشهر الماضي، فوجئ اربعة وزراء منهم باتصال هاتفي من السفير الامريكي في مصر، ريتشارد دوني وهو بالمناسبة المنسق السابق بين واشنطن واحزاب المعارضة العراقية في عهد الرئيس كلنتون، في مساء اليوم نفسه، يدعوهم الي اجتماع مع الوزيرة الامريكية بناء علي رغبتها، راجياً منهم الحضور بمفردهم.

والتأم الاجتماع ـ وانا هنا انقل عن دبلوماسي عربي اطلعه رئيسه الوزير علي بعض جوانب الاجتماع ـ وتحدثت رايس في بدايته مقدمة عرضا عن اخطاء امريكية ارتكبت في العراق، ويبدو انها ارادت تلطيف الاجواء فقالت وهي تبتسم: ان زميلي وزير الدفاع رامسفيلد لو سمعني الان لشن حرباً علي اشد من الحرب علي العراق، ودخلت في صلب الموضوع قائلة، أنتم أصدقاؤنا نريد منكم اليوم ان تساعدونا، أرجوكم انسوا الفترة الماضية وملابساتها، لقد أخطأنا معكم كما أخطأنا في العراق، لم نستمع الي نصائحكم وتحذيراتكم، دعونا نتعاون كاصدقاء في الموضوع العراقي بما يفيد دولكم وينفعنا، واضافت: انني دعوتكم الي هذا الاجتماع بعد اتصالات اجريتها مع واشنطن، وسألها احد الوزراء بعد ان لاحظ انها تنتظر جواباً منهم علي ما جاء في مقدمتها، هل هناك قضايا محددة نستطيع تقديم المساعدة بشأنها؟ ردت الوزيرة الامريكية بسرعة، نعم.. نريدكم ان تجروا اتصالات مع قادة الأطراف السنية العربية في العراق، المقاومة المسلحة والمعارضة السياسية الاساسية، باستثناء جماعات القاعدة طبعا، وتتوسطوا بيننا وبينهم، نعرف انهم لا يثقون بنا لأسباب لا اريد الخوض فيها، ولكن ضماناتكم لهم من شأنها تغيير مواقفهم، وأبلغوهم ان الادارة الامريكية مستعدة للتفاوض معهم في اي تأريخ يحددونه ومكان يختارونه، واستدركت قائلة، تحركوا باتجاه الشيخ حارث الضاري ومجموعات قادة الجيش العراقي السابق بضمنهم ضباط الحرس الجمهوري وحتي قيادة حزب البعث السرية، لا خطوط حمر ازاءها، ونحن في انتظار نتائج مساعيكم بهذا الصدد ونأمل ان توافونا بها اولاً بأول، وسنبقي علي اتصال دائم معكم، وانتهي حديث الصديق الدبلوماسي الي هذا الحد، ولكن الذي لم ينته ثمة أحداث وتحركات برزت في اعقاب ذلك الاجتماع، منها زيارة الشيخ حارث الضاري علي رأس وفد من هيئة علماء المسلمين الي المملكة العربية السعودية بدعوة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، عقبتها زيارتان الي الاردن والامارات، كذلك زيارة مستشار الامن القومي الامريكي ستيفن هادلي الي العراق واجتماعه مع نوري المالكي ومسعود بارزاني وهو يحمل حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الثلاثاء الماضي، ست نقاط واجبة التنفيذ بلا ابطاء، وتتمثل في:

اولاً: توسيع مبادرة المصالحة الوطنية لتشمل جميع الاطراف والقوي بما فيها المقاومة والمعارضة الحالية.

ثانياً: إصدار عفو شامل عن المسلحين العراقيين، وهذه التسمية تطلقها واشنطن علي المقاومة العراقية.

ثالثاً: الغاء هيئة اجتثاث البعث واعادة البعثيين المدنيين الي وظائفهم وتعويضهم عن فترات فصلهم.

رابعاً: المباشرة بحل الميليشيات وفرق الموت وتقديم قادتها الي المحاكم.

خامساً: الغاء قانون الاقاليم والفيدراليات واعتماد نظام حكم ذاتي موسع للمحافظات العراقية وتعزيز الحكومة المركزية ببغداد.

سادساً: الشروع بتطبيق خطة جديدة لتوزيع عائدات النفط بشكل عادل علي جميع المناطق العراقية.

ويبدو ان المالكي الذي لم يتوقع سلة المطاليب هذه، وضرورة تنفيذها في فترة قصيرة، قد أبلغ المسؤول الامريكي بانه غير قادر علي تلبية جزء منها لاعتبارات تتعلق باجندة وبرنامج الائتلاف الشيعي الذي هو من اقطابه، الأمر الذي دفع بالسفير الامريكي زلماي خليل زاد ان يسارع ويجتمع مع بعض قادة كتلة التوافق، ويبلغهم ان يلوحوا بالانسحاب من العملية السياسية، ويضغطوا علي رئيس الحكومة، وهو ما استجاب له طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي أعلن ان (الشراكة) مختلة ويقصد بها شراكة الحزب الاسلامي الذي يرأسه وجبهة التوافق وهو طرف اساسي فيها، مع الائتلاف الشيعي، ويهدد بفصمها، وهذا يعني انهيار العملية السياسية برمتها.

وعلي جانب اخر شهدت السفارة الامريكية في العاصمة الاردنية اجتماعا غير مسبوق بين مسؤولين امريكيين علي مستوي عال مع ممثلي طرف رئيسي في المقاومة العراقية، حرص الجانبان علي التكتم عما دار في الاجتماعات التي استمرت ثلاثة ايام ابتداء من الاثنين الماضي، رغم ان تقارير صحفية اردنية اشارت الي ان ممثلي الطرف المقاوم طلبوا فترة اسبوعين يعودون فيها الي مرجعيتهم والمتحالفين معهم في داخل العراق، لبلورة ردود وأجوبة علي تساؤلات امريكية طرحت عليهم.

وعلي صعيد هيئة الدفاع عن الرئيس السابق صدام حسين ومساعديه، فان الخبر الذي لم يقدرعلي اخفائه عدد من المحامين فيها، هو اجتماع احدهم مع جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي الأسبق والرئيس المناوب للجنة الحكماء الخاصة بالعراق في نهاية ايلول (سبتمبر) الماضي وفي العاصمة الاردنية، وفيه ابلغهم بان طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق سيطلق سراحه قبل نهاية العام الحالي، وسينقل الي باريس، وتمني بيكر ان يخول عزيز بعد اطلاق سراحه صلاحيات من قيادة حزب البعث للتفاوض مع الامريكيين.

أما أكبر تطور سياسي حدث خلال الاسبوعين الماضيين فهو تفويض امريكي للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بدعوة عزة الدوري القائد الميداني لحزب البعث في العراق، واستضافته في صنعاء بعيداً عن الأضواء، ولا يعرف ان كانت هذه الزيارة، اذا حصلت، تتعلق بمعلومات تتردد منذ أسابيع عن مساع عربية وتركية لتهيئة أجواء مناسبة لعقد مفاوضات بعثية امريكية، يقال ان صدام حسين اعطي الضوء لها، عبر احد محاميه! وواضح من هذه التحركات الأمريكية الدراماتيكية المتسارعة، أن ادارة بوش تريد التخلص من تورطها في العراق بأي شكل وثمن، وهي مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات بعد ان توصل صناع القرار في واشنطن، بعد فوات الاوان كعادتهم، الي ان العراق ليس مستنقعاً للأمريكيين فحسب، وانما ساحة تقودهم الي منزلقات خطيرة لاحقاً في المنطقة العربية وجوارها، وقد بات واضحاً ان استمرارها في دعم وحماية حلفائها من جماعة (المنطقة الخضراء) سيجر عليها مشكلات اضافية ويزعزع صداقة تركيا والسعودية وبلدان الخليج ومصر والاردن علي وجه التحديد معها.

إن الشهرين المقبلين سيكونان من أصعب الفترات في تأريخ العراق المعاصر، لانهما يحملان تطورات وتداعيات لها انعكاسات خطيرة علي حاضر ومستقبل العراق، فالأطراف الشيعية المرتبطة بايران وخصوصاً المجلس الاعلي وميليشيات بدر وحزب الدعوة ومنظمة العمل وقسم كبير من جيش المهدي، تستعد لخوض معركة فاصلة للحفاظ علي ما تسميه بمكاسب الشيعة التي تحققت لهم بعد انتظار الف عام حسب قول عبدالعزيز طباطبائي الحكيم، ويقصد في كلامه الاحتلال البويهي للعراق عندما قام عضد الدولة بتأسيس مدينة النجف في العام 1002 للميلاد، وكان هدف البويهيين خلق عصبية مذهبية ممن يسمون بالامامية تحميهم وتكون بمثابة اعتراف باستقلالهم السياسي عن الزيدية التي كانت سائدة حينذاك، وعملوا جهدهم علي اقامة حفلات لاحياء ذكري استشهاد الامام الحسين عليه السلام والمبالغة فيها، وإنشاء مدارس شيعية طائفية فيها تحولت في عهد الاحتلال الصفوي الاول 1508 الي مرجعية، وواضح ان طباطبائي يعني بالمكاسب الشيعية التي تحققت، مراسيم العزاء الحسيني مع ما يرافقها من عمليات لطم وضرب الصدور وشج الرؤوس وإطلاق صيحات فجة علي وزن (يالثارات الحسين) للانتقام من العرب الذين ينظر اليهم كامتداد للدولتين الأموية والعباسية.

أما القيادات الكردية فانها سوف تنحسر في مناطقها التقليدية وتتقوقع، بعد ان ادركت ان واشنطن ليست في وارد التفريط بحليفتها القوية تركيا العضو البارز في حلف (الناتو) من اجل كيان كردي هزيل وجيب مخنوق في شمال العراق، واخر الانباء من المنطقة الشمالية تشير الي ترحيب قادة حزب الاتحاد الوطني الكردي أمثال كوسرت رسول وانوشيروان مصطفي وفؤاد معصوم واخرين بالتوجهات الامريكية الجديدة في رفض الأقاليم والفيدراليات واعتماد نظام الحكم الذاتي الموسع للمحافظات بعد ان اكتشفوا ان مسعود بارزاني رئيس الاقليم الكردي وابن شقيقه وزوج ابنته نيجرفان والعائلة البارزانية قد استحوذوا علي كل شيء في المنطقة، المناصب والثروات والرسوم المالية والضرائب، بينما الاتحاد الوطني الذي يسيطر علي محافظة السليمانية ومدينة كركوك واجزاء من محافظة ديالي لم يحصل علي شيء ملموس وخرج من المولد بلا حمص.

الأمريكان باتوا يتوسلون كل السبل والوسائل لتقليل خسائرهم في العراق، والتمهيد لانسحابهم منه باي شكل من الاشكال، وأصبحوا علي استعداد للتعاطي مع المقاومة العراقية لضمان حفظ ماء وجوههم أمام الرأي العام العالمي والجمهور الامريكي علي الأقل.

لقد هزم بوش وإدارته في العراق، وانتصرت المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية التي توجت نصرها في الشهر الماضي باكثر من مئة قتيل امريكي عدا الاليات والمدرعات والطائرات التي تحولت الي حطام.

وانتظروا الآتي من الايام المقبلات، ففيها الكثير من الأحداث الكبيرة، وعندما كنا نقول ان امريكا دولة استعمارية وامبريالية لها مصالحها أولا وثانيا وعاشرا، ووفق هذه المصالح تبني علاقاتها ومواقفها وسياساتها، كان يطلع علينا نفر من السذج وأطفال السياسة الجدد ويصرخ: انها لغة خشبية وقومجية، الي آخر التعليقات السخيفة.

المصدر: - القدس العربي : : 2006-11-03 - 08:38:49

للعودة الى الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker