Tuesday, June 13, 2006

هدى الفلسطينية: علي السوداني

هدى الفلسطينية

علي السوداني

ليس من العدل الأفتاء بأن كأس العالم بكرة الأرجل المشهور الآن في المانيا الموحدة قد خصص وصمم ليشاهده الاغنياء فقط فأنا اعرف صديقا من سكنة واحد من مخيمات الشتات وضع على رف النسيان وجعه القادم من رنين تشمع الكبد وذهب الى دكان بيع بطاقات فك شفرة المتعة وأتى بالعالم وبكأسه وبجنونه حتى عتبة الدار . انا اعشق كرة القدم واذوب فيها واسكر على مشهد تدحرجها الا ان صاحبا لي كان شمر مكتوباً مستعجلاً في جوف بريدي ، أسرني فيه ان ثمة قنوات لا تعرف اراضيها ستلتف على حصار الفقراء والمعوزين وتنقل اليك كاس العالم على طبق لا يكلف صاحبه سوى كبسة ابهام واثقة على زر، والزر هنا لا صلة له بتأويل الزر في اللهجة العراقية البديعة !!

دورت وفتشت ودخت فلم اجد شاشة رحيمة كريمة كما وصفت وفق مخيال الصديق لذا قررت الاحتجاج على طرائقي الراسخة ومقاطعة كأس الكرة الارضية والاقتناع بنتائج المباريات المتاحة مجاناً والمكوث في منطقة الجد والقهر واستضافة انباء الألم والمهانة التي ترشها على ظهيراتي ومساءاتي شاشات السياسة ودكاكين اللعبة فكان اول فلم ملون ساخن صائح نائح قنصته عيناي الدامعتان هو عن طفلة فلسطينية اسمها هدى . بنت سمراء ضئيلة شعرها مقترح زفة ضفائر سود او يوم آخر في مدرسة ابتدائية من حروف واناشيد وحلم مؤجل بوطن ممكن . هدى الحلوة الحبّابة المشاكسة الشاطرة اقنعت اباها التعبان والعائلة بالرحيل الى شاطىء غزة حيث الصيف والشمس والرمل ومويجات البحر البيض الما زالت تركض بعضها خلف بعض منذ اكتشاف الماء حتى ظهيرة تاريخ آخر ضحكة سمينة مسجلة على ذمة ثغر هدى - وجه هدى الفلسطينية يشبه تماما وجه ابنتي طيف العراقية -

عائلة الله الفلسطينية حطت رحالها على شاطىء غزة واثثت خاصرة الساحل بما تيسر من متاع قنصت منه الكاميرا لعّابة صبر لرضيع الثدي الثاني وعربة وقندرة ونعال وفرشة ملونة وقدر وصينية وماعون . في عمق البحر كان ثمة زورق حربي اسرائيلي يتشمم رائحة الدم الفلسطيني الحار ويبحث عن وسام مجد جديد تشيله ساريته العالية فكانت عائلة الحلوة هدى ولذة النصر المبين على الاطفال .

هدى الصغيرة المشاكسة كانت ابتعدت عن دكة العائلة المزروعة على شاطىء النزهة واذ صمت اذنيها هلاهل وحمم وقنابل زورق الجريمة هجرت ماء الشط ومشروع بيت رمل رطب وركضت مسبية صوب مسرح اهلها المهروسين .

كان كل شيء قد انتهى . بطر منقل الشواء . سباحة حرة على انغام ولولة الأم وحذر الأب الذي منح ظهره المكسور لرمل غزة الحار ولم يعد بمقدوره ان ينصت لصيحات هدى :

بابا حبيبي ابويه وينك !!!

اسرائيل المجرمة امرت بالتحقيق في المجزرة تماما مثلما صنعت امريكا التي فتحت تحقيقا في واقعة حديثة التي من اضحياتها خمسة اطفال حلوين اكبرهم ما زال يلثغ براء العراق !!

في اول اليوم زعلت على ابنتي المجدلة طيف . طيف تشبه تماما هدى الفلسطينية .

بعد منتصف الليل نامت طيف الحلوة مقهورة وزعلانة . انا زرعت عند سريرها كرسي الوحشة . جدائلها السود تخفي مهوى الاقراط . من يأتي بالصبح يا طيف .

كم وودت لو كنت - ايتها الحبيبة - بجانبي فتأكلين بعض حزني على شبيهتك هدى الفلسطينية التي ستعيش كل سنينها تتشمم رائحة شواء جسد العائلة .

سؤال اليوم :

هل تؤيد عرض فلم شاطىء غزة وفلم مذبحة حديثة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية القادم ؟

alialsoudani61@hotmail.com

للعودة الى الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker