هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟ ( الخاتمة ) للأستاذ صلاح المختار
صنميات قرن الخداع الشامل : ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا
بعد بروتوكولات حكماء صهيون : هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟ ( الخاتمة )
صلاح المختار
بعد بروتوكولات حكماء صهيون : هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟ ( الخاتمة )
صلاح المختار
الاستنتاجات الختامية
ما هي اهم الاستنتاجات المترتبة على هذا الاستعراض المعمق للصلة بين ايران ، من جهة ، وامريكا واسرائيل ، من جهة ثانية ؟ هل هي صلة تطابق ستراتيجي ؟ ام هي صلة تلاق ستراتيجي ؟ وما هي نقاط اللقاء ونقاط الخلاف ؟ وهل للتلاقي الايراني مع امريكا والصهيونية العالمية ضد الامة العربية صلة بصراع الحضارات ؟ فيما يلي ملاحظات مركزة حول هذه الاسئلة :
1 – من خلال دراسة ستراتيجية الاطراف الثلاثة امريكا والصهيوينة وايران اتضح ، بما لا يقبل الشك ، بان هناك تلاق كامل بين الستراتيجيات العامة لهذه الاطراف عند نقطة تقاطع واضح وهو معاداة العرب والعمل على تدميرهم والغاء دورهم ومحو هويتهم ، وتقاسم ثرواتهم واستغلال مواقعهم وامكاناتهم في الصراعات الدولية والاقليمية ، ولكل طرف اسبابه وحيثياته الخاصة . وحينما نقول تلاق ولا نقول عمالة ايران لتلك القوى فالمعنى العميق واضح وهو ان لايران مصالح وتطلعات قومية راسخة وقديمة وتعمل على تحقيقها ، بغض النظر عن الغطاء الذي يستخدم للتمويه ، طبقا لكل كمرحلة من مراحل التطور ، وبغض النظر عن وجود خلافات او عدمه بين ايران والطرفين الاخرين امريكا واسرائيل .
وهنا يجب ان نشدد على نقطة مركزية عند محاولة معرفة بعض اسباب عدم وصول خلافات ايران مع الغرب ، او مع اسرائيل ، الى حد التناقض الوجودي او الحرب المستمرة حتى خراب احد هذه الاطراف الثلاثة ، كما حصل للعراق ، وهي ان المشروع النهضوي الايراني ، ومهما كانت له مطامع في الارض والثروات العربية ، له حيزه الجغرافي الخاص والاساسي وهو الارض الايرانية ، الامر الذي يجعل التوسعية الايرانية قائمة على الحصول على مغانم في بلدان عربية وليس الانفراد بالسيطرة عليها ، وهي لذلك مطامع تكميلية وليس جوهرية مقارنة بالمطامع الصهيونية والغربية ، رغم انها بالنسبة لايران حيوية جدا . ان ايران تعرف حدودها في الواقع ، لانها تدرك سلفا ان الغرب وبالاخص امريكا مستعدة لخوض حرب شاملة طبقا ل( مبدأ كارتر) ضد من يريد الاستحواذ على الوطن العربي وطردها منه ، من الجيران او الابعدين . فاذا كان الغرب قد انغمس في صراع وجود مع الاتحاد السوفيتي وكانت من بين اهم اهدافه منعه من الوصول الى المياه الدافئة ، أي الخليج العربي ، فهل يمكن تصور ان ايران تستطيع التورط بما لم يستطيعه الاتحاد السوفيتي ؟
لذلك فان حدود الخلافات الايرانية مع الغرب بشكل عام وامريكا بشكل خاص تبقى محصورة في تكتيك الضباع وهو الحصول على بقايا ، او فتات ، ما يمكن للاسد ان يتركه من الفريسة وليس الفريسة بذاتها التي تبقى حصته الملوكية . بتعبير اخر ان الخلافات الايرانية مع الغرب واسرائيل لا تتمحور كلها حول الاستيلاء على الارض العربية ، بما فيها من موارد وامكانات ، بل تتمركز حول المناورة مع الغرب واسرائيل للحصول على مناطق نفوذ ومكاسب يحددها الطرفان الاخران وموازين القوى السائدة وقتها . لهذا فان الصراع الايراني مع الغرب واسرائيل ليس صراعا حول نفس الارض ويريدها الطرف الايراني لنفسه لانه بدونها سيتقوض المشروع النهضوي الايراني ، فايران لديها حيز جغرافي واسع جدا وموارد جيدة لكنها تحتاج لسد نواقص وتحقيق مكاسب تدعم امبراطوريتها وتسهل توسيع نفوذها وتحولها الى قوى عظمى اقليميا معترف بها غربيا واسرائيليا .
هذا هو الفرق الجوهري بين علاقة ايران باسرائيل والغرب ، والتي تقوم على التنافس على مغانم وليس القتال الوجودي الحاسم ، وبين علاقة العرب بنفس الجهات ، والتي تقوم على اعتبار الوطن العربي نفس المجال الحيوي لكل من الاطراف الثلاثة : العرب واسرائيل والغرب ، مما يجعل الصراع بين الغرب واسرائيل واي قوة عربية تحررية صراع حياة او موت لكل هذه الاطراف الثلاثة . وافضل مثال هو ان (مبدأ كارتر) يطبق في الوطن العربي وليس في ايران ، وان (ارض الميعاد ) تقع في الوطن العربي وليس في اير ن . وهذا يعني تحديدا ان ايران ليست مجالا حيويا اساسيا لا يتحمل الغرب واسرائيل خسارته ، بل يمكن خسارته ومع ذلك تستمر العجلتان الراسمالية الغربية والصهيونية بالدوران العادي ، وهو ما اثبتته تجربة استغناء امريكا عن ايران منذ اسقاط الشاه وحتى الان . ويترتب على هذه الحقيقة الجيوبولوتيكية ان ايران ومهما اختلفت مع الغرب فانها خلافات تبقى في اطار التعاون والتلاقي والتنافس على المغانم وحل الخلافات سلميا ، او بالضغط والترهيب ، وفي اسوأ الاحتمالات حدوث اشتباكات موضعية محدودة ومؤقتة . وهذا هو بالضبط ما حددته (سياسة الاحتواء المزدوج ) وسياسة (محور الشر) ، التي ما زالت متبعة من قبل امريكا تجاه ايران والعراق وتميزان بدقة تامة بينهما كما وضحنا .
بتعبير اخر ، وبوضوح اكبر، اننا يجب ان لانقع في فخ الافتراض بان ايران تسلك نهجا ايجابيا او تحرريا حينما تختلف مع امريكا واسرائيل ، العدوين التقليديين لنا ، ما دمنا نحن الخاسرين والضحية لهذه الاطراف او لبعضها ،وما دامت ايران وهي تختلف ، وبأي مستوى مع هذين الطرفين ، تخدم مصالحها هي وليس مصالحنا نحن . بل ان ممارسة هذه الخلافات يتم من خلال قيام ايران بتمزيقنا وقتل شبابنا واطفالنا ونساءنا وشيوخنا وانتهاك حرماتنا وتدمير وطننا الصغير ( العراق ) وسلب اجزاء من وطننا الكبير في الامارات والاحواز وتستعد لغزو اجزاء اخرى كالبحرين وغيرها . ان اهم سؤال يجب ان يبقى شامخا امام نواظرنا هو : ماذا نستفيد نحن من خلافات بين ايران وامريكا واسرائيل اذا كنا نحن من يدفع الثمن فادحا ومدمرا ، كما يجري الان في ساحات عربية عديدة اهمها العراق الذي تحول الى ساحة تصفية خلافات امريكية وايرانية على حساب الدم العراقي والوحدة الوطنية العراقية والسيادة العراقية ؟
2 – من الواضح ، وبعد تجارب مريرة مع ايران الشاهين رضا وولده والشاهين المعممين خميني وخامنئي ، ان لايران مشروعها الامبراطوري الاقليمي او الكوني ، والذي يحتاج الى غطاء يسمح بتحقيقه وتسهيل قيامه وهذا المشروع منح تسمية مضللة وهي ( نشر الثورة الاسلامية ) . وليس هناك غطاء افضل من الاسلام الصفوي لاقامة الامبراطورية واخفاء نقاط ضعف الغطاء الفارسي الصريح كما كان الامر في عهد الشاهين رضا وابنه ، واللذان تعرضا لهزيمة المشروع الامبراطوري الايراني نتيجة التفاخر بقوميته الفارسية . ان نجاح ايران في كسب دعم مسلمين مستحيل من دون غطاء اسلامي لذلك فان الاسلام الايراني هو اسلام براغماتي وظيفته الاساسية في الداخل هي توحيد الشعوب الايرانية لان ايران تتألف من شعوب وقوميات متعددة ومتوازنة العدد نسبيا ( الفرس نسبتهم 40 % فقط) ، ولذلك فان السيطرة باسم قومية فارسية صريحة خطأ ستراتيجي قاتل اثبتت تجارب الحاضر والماضي انه يجر الى خراب المشروع الصفوي . من هنا فان التشيع الصفوي هو في المقام الاول حاجة ايرانية داخلية لضمان توحيد القوميات الايرانية (عرب ، ترك ، اكراد و بلوش ...الخ وهؤلاء يشكلون 60 % من سكان ايران ) ودمجها في ايديولوجية اسلامية الاسم صفوية الجوهر ، تؤمن سيطرة الاقلية الفارسية على الاغلبية ، تدام نيرانها بتكتيكات مجالس العزاء واللطم الدورية ، والمقترنة بالتثقيف الاحادي التكفيري للاخر .
كما ان الاسلام البراغماتي يوفر غطاء فعالا لاختراق حصون المسلمين الاخرين ، خصوصا العرب ، واستخدام مصادر قوتهم لانجاح المشروع الصفوي الايراني . مرة اخرى ، واخرى ، نقدم المثال العراقي لانه كامل في دلالاته ومعانيه المتبلورة ، فلولا الاسلام البراغماتي لما نجحت ايران في ايجاد اذرع لها داخل العراق كانت الاداة الاساسية في تنفيذ المخطط المشترك الامريكي – الايراني -الاسرائيلي في هذا البلد ، والذي كان الدرع الذي يمنع ريح القوميين الفرس من العصف بالامة العربية ، كما حصل في الاف السنين الماضيات . وفي العالم الاسلامي ما كان لايران ان تخترق حصونه لولا التستر بغطاء التشيع المدعوم بمليارات النفط التي تصرف على الانصار . ما الذي يجعل المسلم المغاربي يفكر بخدمة ايران لو لم يكن هناك نداء ديني اسلامي المظهر ؟ أذن لايران مصلحة في احلال اسلام صفوي طائفي يخفي الجوهر العنصري ، محل العلاقات والمؤثرات الاخرى ، وجعله شعارا عالي الصوت بحيث يطغى على الاصوا ت الاخرى . بتعبير اخر ان من مصلحة ايران القومية ان تستخدم تكتيك التفكيك الطائفي للعرب والمسلمين كاداة من ادوات تحقيق المصلحة القومية عبر كسب عرب باسم التشيع واضعاف الخصوم ومناهضي التوسع الامبراطوري الايراني .
اما امريكا فانها ترى في التفكيك الطائفي سلاحا جبارا لتحييد القوى الاجتماعية والسياسية التي تناهض مخططاتها الاستعمارية ، من منطلق تحرري .ان شق المواطنين على اسس طائفية وعرقية يفتح الابواب امام النجاحات الامريكية الكلية والجزئية الدائمة او المؤقتة في العالم الاسلامي والوطن العربي . ومما يزيد في الضرورات الستراتيجية لاستخدام امريكا للدين كاداة سياسية للتمزيق واثارة الحروب حقيقة ان النظام الراسمالي الامريكي قد شاخ ودخل مرحلة الاحتضار مع انه اكبر واغنى واهم نظام في المنظومة الراسمالية العالمية ! فما العمل للتخلص من هذه المفارقة الكونية التي تتمثل في ان فرصة العمر التي انتظرتها امريكا لاقامة امبراطوريتها الكونية قد اتيحت في ظرف تدهورها البنيوي الداخلي ؟ الحل هو زرق امريكا بحقن منشطة تستمد مادتها من دماء الشعوب في العالم الثالث ، وفي مقدمتهم العرب والمسلمين ، لذلك يجب تغطية هدف النهب وامتصاص الدماء بغطاء مموه وهو حروب الحضارات والثقافات والاديان ، وهنا تلتقي ايران مع امريكا واسرائيل واوساط اوربية حول ضرورة اشعال ازمات طائفية في العالم الاسلامي .
اذا حلت نزعات التطرف الديني في كل الديانات فاننا سنشهد صراعات لم يسبق لها مثيل تباد فيها الملايين كل عام من اجل الصليب او الهلال او نجمة داود او البقرة الهندوسية المقدسة ، ظاهريا طبعا ، مع تناس كامل للنهب الامبريالي واغتصاب الارض ! تبقى اسرائيل ، وهي الطرف الاكثر استفادة من التقسيم الطائفي والعرقي للعالم لانها اساسا عنصرية وطائفية وتوسعية ، فنشوء توترات دينية يسمح لاسرائيل ، من بين اشياء كثيرة اخرى سيسمح بها ، تأكيد انها ليست مصدر مشاكل الشرق الاوسط وحروبه بل العرب والمسلمين ، الذين يعلمهم دينهم الكراهية ويمجد الحروب والقتل ، وهو ما يشكل عماد الدعاية الصهيونية والغربية المناهضة للامة العربية والاسلام . كما ان اصطراع ابناء الاديان ، كما تشير برتوكولات حكماء صهيون ، يوفر لاسرائيل فرصا مثالية للتوسع واقامة اسرائيل التوراتية نتيجة تقسيم العرب على اسس طائفية وتحويلهم الى امارات متنازعة ومتحاربة كملوك الطوائف في الاندلس .
3 – ولكن : كيف تنجح ايران في تدمير حصون العرب وتفتيتهم وكسب اقسام منهم ؟ بالتاكيد لن يتم ذلك بشتم العرب ، فذلك اسلوب الجهلة والعاجزين والاغبياء الذين يستعيضون عن العمل بالصوت العالي والفارغ ، فلكي تخترق جهة ما عليك ان تكسب ثقتها او ثقة قسما منها، عن طريق اقناعه بانك مخلص وصادق جدا ، ثم تبدأ عملية التدمير البطئ من الداخل وليس من الخارج على الاغلب . هل سمعتم يوما بان قوة متقدمة وواعية قد اخترقت وهزمت باساليب غبية وساذجة ؟ ام ان هزيمتها تمت بوسائل الخداع الذكي بل الذكي جدا ؟ ان مصطلح حصان طروادة يقدم لنا مثالا واضحا لما نعنيه . فلولا فكرة صنع حصان ضخم ومجوف يختبأ فيه مقاتلون من النخبة ويهدى الى طروادة الصامدة ، التي نجحت في رد كل الهجمات لاختراقها ، كدليل على الرغبة في السلام لما هزمت طروادة ودمرت ! في الحرب انتصرت طروادة ولكن في فن الخداع هزمت طروادة ، لانها فقدت تنبهها واعتقدت ان العدو جاد في الصلح وانه تعب وهزم لذلك قبلت الهدية وادخلت الحصان الى داخل الحصن فكانت نكبتها ! و(حصان طروادة ) الايراني هو التشيع الصفوي دون ادنى شك .
ان ايران تستخدم حصانها لاختراق حصوننا ، والمشكلة تبدو اكبر لان لايران خيولا كثيرة وليس حصانا واحدا ، وهذه الخيول تتمثل في (فيالق) ايران السرية ، وهي منظمات سرية يطلق على كل منها اسم (فيلق) واحدها المنظمة الاجرامية البشعة في العراق التي تقتل العراقيين بتفنن سادي واسمها (فيلق بدر) ، وهناك فيالق في الاقطار العربية تعمل لاجل نشر التشيع الصفوي ، اعدتها ايران اعدادا عالي المهارة ، استخباريا وعسكريا ومذهبيا وسياسيا ولغويا ، من اشخاص ايرانيين وعرب وارسلتهم الى الاقطار العربية . وهذه الفيالق الايرانية تتبرقع باسم الاسلام والتشيع من جهة ، واستغلال اهم ما يحرك العرب والمسلمين وهو القضية الفلسطينية من جهة ثانية .
هذان السلاحان هما اللذان استخدمتهما ايران لتدمير حصانتنا التاريخية ضد العصبية الفارسية ودخول حصوننا ، وتحقيق احلام اباطرة الفرس الذين هزموا وانتهت دولتهم على يد الفتح الاسلامي . في السلاح الاول ، او الحصان الاول ، وهو الطائفية الصفوية تغلغلت ايران تدريجيا وبنعومة الافعى طبقا للتقية اليهودية ، وفرخت بيضها لعدة قرون استعدادا ليوم الخروج من شرنقة الاسلام واشهار الطابع القومي للتوسع الصفوي . وباستخدام غطاء التشيع الصفوي وادعاء حب ال البيت ، وبادعاء الدفاع عن القضية الفلسطينية ، مست ايران وفيالقها قلوب بعض العرب والمسلمين البعيدين عن ساحة الصراع التاريخي المرير بين العرب والفرس . فحب ال البيت ظاهرة اسلامية عامة ، والدفاع عن فلسطين هو الهم العربي والاسلامي الاول .
لقد سرقت ايران الصفوية نبتة الخلود التي بحث عنها جلجامش العراقي ووجدها ، لكن الافعى سرقتها منه فعجز عن التمتع بالخلود ، فيما اصبحت الافعى متمتعة بالتجدد كلما خلعت ثوبها ! حينما ترفع ايران صوتها ، او يرتفع صوت اذرعها الممتدة خارج حدودها ، ويقول بان الانظمة العربية قد تخلت عن فلسطين واننا اتباع ايران سنقوم بالدفاع عن فلسطين نصل الى ذروة تناول السم ، فكما تجرع خميني سم العراق باعترافه بهزيمة مشروعه استعمار العراق امام اسود الرافدين ، فان العرب يواجهون ثأرات ايران بسرقة القضية الفلسطينية واستغلالها ، لتخلي حكام عرب عنها وغدرهم بالشعب الفلسطيني ، من اجل ان تطعن ايران بالعرب كشعب وليس كحكام !
والنخب الفارسية ذكية على نحو يبهر ويستحق الاحترام، فنحن نجد امامنا شخص يبتسم لنا ويصافحنا بحرارة ، ويقبل وجنتنينا بصدق وينحني ، وهو يقول تأدبا واحتراما : مولاي ! وحينما يدعوك للغداء لا يجلس ابدا بل يتحول الى خادم لك يخدمك بلا كلل ولا ترفع ، فتدهش وتظن انك بازاء فارس شهم وانسان تعب عليه اهله في التأديب والتهذيب . لكن هذا الشخص نفسه ما ان تتاح له فرصة طعنك حتى تجد خنجره في قلبك ، وان كنت محظوظا فسوف يغرزه في بطنك او ذراعك ! فتدرك انك تتعامل مع فارسي حاقد ولئيم وليس مع فارس شهم وعظيم ! هل ما زالت اعينكم ترى ما تفعله ايران وامريكا في العراق من جرائم بشعة لم نسمع بمثلها ولا قرانا عن نظير لها في كل صفحات تاريخ الوحشية في العالم ؟
حينما وقع العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز من هذا العام تصرفت ايران بمسئوليها واعلامها و( فيالقها ) العرب على انه نصر ايراني وكأن جنود ايران هم الذين سجلوا ملحمة الصمود العظيم في الجنوب اللبناني وليس ابناء لبنان الابطال ! وراح هؤلاء الإيرانيون يشتمون حكومات عربية ويعيرونها بانها عاجزة او متواطئة ، وهو امر صحيح ، لكن هؤلاء نسوا ان ايادي ايران ووجهها مغمسة بدم شباب ونساء واطفال العراق ، في مشهد اسوأ بعشرات المرات من المشهد الاجرامي في فلسطين المحتلة ولبنان ! كان الطرب الايراني لفلسطين ليس الا محاولة لاخفاء جريمة ايران ضد العراق وشعبه واقناع الراي العام العربي بان الموقف الايراني في العراق المتعاون كليا مع الغزو الامريكي لا يقلل من شأن الموقف الايراني تجاه فلسطين ! وضرب ايران على وتر القطرية العربية أتى اكله ، مع الحزن والاسف ( المريرين جدا بالنسبة لكل عراقي قدم حياته وتاريخه لفلسطين والتي لا تضاهيهما الا مرارة كل فلسطيني هاله الموقف العربي الرسمي المتواطأ مع اسرائيل ضد شعب فلسطين ! ) لصمت أكثر القادة الفلسطينيين ومنظماتهم على جرائم ايران في العراق مع انها لا تقل خطورة عن جرائم اسرائيل ، لمجرد ان ايران تهتف باسم فلسطين واعلنت انها ستقدم 50 مليون دولار لحكومة حماس دن ان تدفع في حين ان قطر قدمت 50 مليون دولار للسلطة الفلسطينية ولكن احدا لم يرقص لقطر مثلما رقص لايران !
كنا نعرف وكنا ننبه العرب ، منذ اتى خميني للسلطة على حصان طروادة امريكي له جناحين طار به من باريس الى طهران بسلامة تامة ، الى ان دهاء النخب الصفوية غريب على النخب العربية الغارقة في سذاجة العجز عن النظر ابعد من الانف ، وانه أي خميني لم يأتي للسلطة من اجل فلسطين كما يدعي بل من اجل ان يجعل من كل بيت عربي في كل قطر عربي ينزف دما كما تنزف رام الله وغزة والشهيدة الفلوجة والمظلومة البصرة .
4 – ان الدين بالنسبة لامريكا ضمانة لابقاء كيانها موحدا وقويا ، لذلك ابتكرت صراع الحضارات ، او صدام الحضارات ، ليكون البديل الايديولوجي عن صراع الطبقات عالميا وقاريا ،والاخير هو الصراع الحقيقي لان هدف كل استعمار هو النهب والاستغلال . من هنا فان امريكا ترقص طربا وبحماس لايضاهيه الا رقص عرب تصهينوا واخرين تفرسوا ، لصعود التطرف الديني وبالاخص اذا كان يسير على عكازتين احداهما طائفية صفوية وثانيهما طائفية سنية ، الاولى تشتم الثانية بوصفها ب( ناصبية ) والثانية تشتم الاولى بوصفها ب (رافضية ) ، فذلك هو المنى والهنا المطلوب امريكيا وصهيونيا وايرانيا . أليس المخطط لنا هو ان ندخل صراع الحضارات الى غرف نومنا وعدم الاكتفاء برؤيته يزدهر في حدائقنا العامة ؟ لذلك على السذج والخدج منا الذين يظنون ، وهذا الظن هو ابو الاثام ، بان امريكا تخشى التطرف الديني وترفضه ان يعيدوا النظر لانها لا تمرح ولا تفرح ولا تسرح الا في حلبة تناطح الاديان والطوائف . ولا تطرب ولا ترقص الا على شخير ثيران التطرف الطائفي وهي تتناطح فتتكسر اضلعنا وقوارير تاريخنا وتهز حرمة اسلامنا وتضيع بوصلة هدايتنا ، فنقف جماعات وافراد نطلب من امريكا الرحمة وايقاف نزيف الدم والروح ، ونعدها باننا سنقبل ( قرأنها ) الجديد المسمى الفرقان الذي طبعه اثرياء في الكويت بحماس شباب لديه فائض طاقة !
5 – حينما يسقط البعض الوطنية والقومية ويرفع راية الطائفية هاديا ومرشدا اوحدا له ، تحل قيامة العرب ويحتشدون على ابواب جهنم لدخولها باختيارهم لان ما شاهده العراقيون من جرائم امريكا وايران يجعل جهنم ارحم لهم . وانا اسأل من دخل جهنم الحقيقية بعد موته : هل يشمل التعذيب هناك استخدام الدريل ( المثقاب الكهربائي ) لاحداث ثقب في الراس والعين والاماكن الحساسة كما يفعل عملاء ايران باجساد الاحياء من العراقيين ؟ وهل يتضمن تعذيب زبائن جهنم مد اليد وليس الاصبع فقط في مؤخرة شيخ في السبعين من عمره امام احفاده واولاده وجيرانه لتحطيم كرامته كما تفعل امريكا وايران في العراقيين ؟ ان الطائفية هي نتاج حتمي وافراز طبيعي للتطرف الديني ، ولا يمكن باي حال من الاحوال تصور قيام حزب متطرف دينيا الا اذا كان طائفيا من حيث الجوهر . وهكذا فان من مصلحة امريكا ان تشجع وتدعم حلول احزاب متطرفة دينيا محل القوى القومية والوطنية والتقدمية . ان نهاية الامة العربية وغروب هويتها القومية وتحولها الى مجاميع من الكيانات المجهرية ، كما تمنت الكاتبة الصهيوينة الامريكية فلورا لويس في الثمانينيات ، تبدأ حالما تحل الطائفية محل الوطنية والقومية فنشهد يوم قيامة العرب حيث سيصطفون متزاحمين لدخول جهنم باختيارهم هروبا من جرائم ايران وامريكا التي لا نظير لها . هذا هو احد اهم دروس تجربة العراق الكاملة المرارة ، والتي نحتت على جباه الاف الشهداء العراقيين عبارة : اذا كنت ترغب في تفتيت الامة فان اقصر طريق هو التطرف الديني المفضي حتما وجبرا الى الطائفية .
6 – نعم توجد بروتوكولات حكماء الفرس ، اذ يكفي ان نقرأ ما ورد في دستور ( جمهورية ايران الاسلامية) لندرك فورا ان هناك مشروعا ومخططا بعيد المدى لاقامة امبراطورية ايرانية على انقاض الامة العربية والعالم الاسلامي ، والفقرات التي اشرنا اليها في هذا البحث تكفي لاثبات ذلك . اما اذا اردنا ان نقرأ الوثائق الايرانية فسوف نزداد يقينا ان ما نقرأه انما هو بروتوكولات خمسينية* تقسم الى خمس مراحل وكل مرحلة تستغرق 10 سنوات تنتهي بتحويل العالم الاسلامي الى التشيع الصفوي ، وبالطبع فان ذلك مستحيل من دون حروب طاحنة بين المسلمين السنة واخوتهم الشيعة ! من يعد هذا الحدث هو حلم العمر ؟ بالطبع انه الصهيوينة العالمية وامريكا . فهل توجد مناسبة اسعد من ان يقتل العرب والمسلمون بعضهم البعض الاخر ؟ ان الدستور الايراني مضافا اليه السلوك الخارجي الايراني ، المستند على ، والمنطلق من ، ستراتيجية ( نشر الثورة الاسلامية ) ، يؤكد بالقطع ان ايران تعمل وفقا لخطة نشر المذهب الصفوي في العالم الاسلامي انطلاقا من الوطن العربي ، وهذا المفهوم (نشر الثورة الاسلامية) الذي كان ومازال المحرك الاساس لايران ليس سوى تعبير دقيق عن النهج التوسعي الايراني وبغض النظر عن التبدل الذي يحدث في التكتيكات للوصول اليه.
وكما تنكر اسرائيل ، بغباء تام وببغاء اتم ، وجود البروتوكولات لاننا نرى تطبيقاتها على الارض العربية والاقليمية والعالمية ، فان ايران تنكر وجود بروتوكولاتها ، وهي تبتسم بدهاء تام وبغباء اتم ، لاننا نرى تطبيقاتها الفعلية على ارض الوطن العربي كله ، وخصوصا في الخليج العربي والمغرب العربي . لكن لا نكران اسرائيل نفع ولا نكران ايران ينفع ، فنحن نرى باعيننا ونلمس بحواسنا صوت الدرل الايراني الممسوك بيد فيلق بدر وهو يثقب جماجمنا ويسلب منا الروح قبل الجسد ، وتنهال على رقابنا الحافات القاطعة لقامات ( القامة هي اداة قطع حادة اطول من السكين واقصر من السيف ) فيلق الصدر لتقطعها وهي تصرخ بسادية فريدة وغريبة : هل من مزيد ؟ ونقرا الدستور الايراني فنراه المرجعية الرسمية التي تحدد درب التوسعية التكفيرية الايرانية باسم نصرة المظلومين في العالم !
7 - هل سأل احد منكم نفسه في لحظة تأمل : لم تتحدث ايران باسم طائفة من طوائف الاسلام مع انها دولة اسلامية كبرى ؟ هل سأل احدكم نفسه في لحظة يقظة محكومة بضابط التحمل : من بادر واسمى حزبه باسم طائفي ونزع قبعة كارلوس الماركسية العدمية ، او طوى لافتة العروبة او حركة فتح او الوطنية واعتمر عمامة يحيى البرمكي وشهر سيف بابك الخرمي ، وصار ينّظر ل (ال البيت) بدل التنّظير القديم لديكتاتورية البروليتارية او للمجالسية او لحتمية الوحدة العربية ؟ هل سأل احدكم نفسه في لحظة نيرفانا صوفية : لم تجمع ايران الصفوية بين لحظة الوجد الصوفي الصفوي وهي تغني لفلسطين ، ولحظة الوجد الشيطاني لجسد يزني في محارم التاريخ والدين ويزدرد لحم الخنزير ويكرع العرق المستكي ، وهو يرقص على جثث ابناء ارض قال شاعر فيها ، ما معناه ، احذر وانت تمشي فوق تربة العراق ففوق كل ذرة تراب دم شهيد وعطر ولي من اولياء الله وبقايا نبي نثر جسده فداء لها ؟ ان التوسعية الصفوية لاحدود لبراغماتيتها ، والتي تعد التقية اليهودية اصلها البدائي . فلقد راينا البرامكة ينازعون العرب في اعتمار العمامة والتمسك بالبسملة والمزايدة على حاتم الطائي في البرمكة وفعل الخير ، لكنهم كانوا من خلف العباءة العربية يغرزون خناجرهم في قلب الخلافة العربية !
وحينما ظنت الصفوية ان الشعارات القومية المباشرة يمكن ان تبني امبراطورية فارسية رأينا الشاه يعود للطعن العنصري بالعرب ، ويتحدث علنا عن امبراطورية تكون (خامس قوة في العالم ) ، واصبح لا يتردد عن المطالبة بالعراق والبحرين والكويت واجزاء اخرى من الخليج العربي ، واحتل بالقوة الجزر العربية الثلاث . وهذا النهج العنصري وحد العرب والمسلمين ضد الشاه بما في ذلك مسلمين في ايران . لذلك نشطت الطبيعة البراغماتية ، المتحركة بقوة امها الاصلية التقية اليهودية ، واستبدلت الشاه بشاه اخر لكنه معمم ويبسمل ويصلي ويشتم الغرب واسرائيل ! راينا خميني يطفو على المسرح بتقطيبة شيطانية بارزة وحقد فارسي على العرب لا حدود له تجاوز احقاد محمد رضا بهلوي وشرع بسفح انهار الدم العراقي والايراني من اجل نشر ثورته الصفوية الدموية .
ولم يخفي خميني هويته بل اصر على ان يثبت في الدستور الايراني ان ايران دولة اسلامية وفق تفسير المذهب الاثنى عشري ، وانها تريد نشر المذهب الاثنى عشري وتسويقه ، ولم يقم بتثبيت الاسلام بشكل عام كما فعلت كل دولة ادخلت الاسلام في دستورها . كما انه كان يستنكف من الحديث بلغة القران كما اكد محمد حسنين هيكل والكاتب الفرنسي اريك رولو ، فاحدث ذلك زلزالا مدمرا في العالم الاسلامي كله لانه جعله يواجه مشكلة خطيرة اخرى ، ربما ستلهيه عن مشكلته الاكبر مع الصهيوينة وداعميها في الغرب ، وهي مشكلة الصراع الطائفي في العالم الاسلامي ! فهل يستطيع المسلمون خوض ثلاثة صراعات رئيسية ومدمرة بنفس الوقت هي الصراع مع الاستعمار الغربي والصراع مع الصهيوينة والصراع مع العدوان الصفوي ؟ وللتذكير فقط فان الشعبين الاسلاميين الذين اقاما امبراطوريات باسم الاسلام ،وهما الشعب العربي والشعب التركي ، لم يتحدثا باسم طائفة ،على وجه العموم ، بل تحدثا باسم الاسلام ، على وجه العموم ، بينما ثورة خميني ( الاسلامية ) نشأت اصلا طائفية الهوية والهوى والهدف . لقد اراد الترك والعرب نشر الاسلام دون التقيد بطائفة ما بينما خميني الصفوي يريد نشر الصفوية وليس الاسلام ، وبما ان ذلك مستحيل فان التقية علمته ان يستخدم اسم الاسلام للوصول الى الهدف القومي الفارسي العتيق .
8 – اذا قسم العراق ، كما تخطط ايران وتعمل بالتعاون مع امريكا واسرائيل، هل سنستعيد فلسطين ؟ ان اولئك الذين يراهنون على ايران في دعم القضية الفلسطينية ينسفون الاساس الذي قامت عليه العروبة وهو وحدة المصير العربي وترابط كل قضية عربية بالاخرى . ان ايران تسعى لتقسيم العراق ، عمليا بحفر خنادق الطائفية ، ورسميا بدعوة اتباعها في العراق لتطبيق اهم ما في برنامج الاحتلال الامريكي وهو الفدرالية ، ( وهو في الواقع كونفدرالية ) ويبدو ذلك واضحا من خلال اصرار المجلس الاعلى ( جماعة الحكيم ) ، الايراني التاسيس والهوية ،على تطبيقها في جنوب العراق في خطوة تكمل خطوة صهاينة الشمال الذين اعلنوا انفصالهم الفعلي منذ زمان .
يجب ان ننبه ، ونؤكد ونذكر، باعلى صوت اولئك الطرشان ، والعميان والخصيان ، المراهنين على ايران ، بان معركة الحسم وكسر العظم العالمية وليس العربية فقط تجري في العراق وليس في فلسطين او لبنان او غيرهما ، والسبب يعرفه اجهل الجهلان ، وهو ان امريكا تقاتل في العراق ، وامريكا ، لمن نسى او تناسى ، هي رئة اسرائيل وهوائها ودرعها والمصنع الذي يلقمها غذائها ، فاذا هزمت امريكا في العراق وخرج العراق منتصرا قويا فان اسرائيل ستشهد حتما موجة هجرة جماعية معاكسة ستفرغها من كتلة السكان الاكبر خلال زمن قد لا يتعدى العام ، وبذلك تزول اسرائيل بلا حرب . ان من يدحر امريكا سيفتح الابواب امام البنادق في كل مكان لدحر اذناب امريكا ومحمياتها ومنها اسرائيل .
هذه حقيقية عملية وستراتيجية تعرفها اسرائيل وامريكا ( ونرجو من الاخ خالد مشعل ان يكتشفها قبل فوات الاوان ) ولهذا فان الاخيرة باقية في العراق رغم انها كان يجب ان تنسحب بعد معركة الفلوجة الاولى في عام 2004 ، لكنها بقيت رغم قناعتها بان حرب تحرير العراق قد حسمت لصالح حركة التحرر الوطني العراقية وقيادتها المقاومة المسلحة ، لان الانسحاب لن يعني الا خراب مشروع القرن الامريكي ، وتحول امريكا الى قرد اجرب يتحداه حتى صديقنا ارنب جزر القمر كما قلنا مرارا . أذن كيف نراهن على ايران وهي تتحالف وتتعاون مع امريكا وتعقد مساومات قذرة على حساب العرب والمسلمين في حين اننا ننسى العراق الثائر وهو ساحة الحسم النهائي ؟ وكيف نعول على دعم ايران وهي تريد تقسيم العراق وتقيم يوميا اكثر من ( تل زعتر) في مدن العراق ؟ وكيف نظن ان ايران تدافع عن فلسطين وضباعها في العراق يقتلون الفلسطينيين المقيمين فيه ؟ هل هناك فرق بين فلسطيني يقيم في العراق واخر يقيم في غزة ؟ وهل هناك فرق بين عراقي او فلسطيني ؟
ان فلسطين ستموت مرة ثانية واخيرة وستدفن مع اسمها وشعبها أذا قسم العراق او هزمت مقاومته المسلحة لا سامح الله ، لان (قرن امريكا) سيبقر بطن غزة والضفة قبل أي بطن اخرى ، وستفقأ عيون كل عربي يرفض انكار عروبته وستقبر اخر امال العرب في التحرر والنهضة لا سامح الله مرة اخرى ، وستقف ايران ضاحكة بتشف من العرب في العراق لانهم الجدار العالي الذي منع غزواتها حديثا في القادسية الثانية ، والقوة التي حطمت اخر امبراطورية فارسية باسم الاسلام ، بعد ان تكمل صفقاتها مع امريكا واسرائيل أثر عراك لا يختلف عن افلام المصارعة الحرة الامريكية ! فهل يدرك فرسان الكلام ما معنى ان تشتم المقاومة العراقية او يعتم عليها او تصور على انها حرب اهلية مع انها اعظم حرب تحرير شهدها العالم حتى الان ، وان يركن جهادها في زاوية مظلمة وظالمة وترتفع الاصوات المبحوحة تهتف للبنان وفلسطين فقط ؟
9 – ما حجم ونوع الخطر الايراني ؟ وكيف نواجهه ؟ بالحرب ؟ ام بالاستعداد ؟ هل يجب ان نحاور ونشجع من لديه الاستعداد في ايران للحوار معنا لاستبدال الحرب الدائمة لالاف السنين بسلم دائم قائم على التفاهم ؟ هذه الاسئلة هي اهم ما في موضوع صلتنا بايران ، ولذلك علينا ان نجيب عليها بمنتهى التعقل والدقة والحذر . باختصار شديد ان ايران حينما تصبح خطرا مباشرا يدق ابوابنا ولا يمكن رده الا بالاستنفار الشامل الوطني او القومي او كليهما حسب الوضع العياني ، فانها تصبح عدوا مباشرا لابد من مواجهته والتعامل مع الحرب معه بصفتها خيارا مفروضا علينا وليس اختيارا قلبيا من قبلنا . اما حينما يكون الخطر الايراني غير مباشر او بعيد فيجب ان نركز على الخطر المباشر الاصلي أي امريكا واسرائيل ، مع مراقبة الخطط الايرانية وتطورها . وهذه الزاوية تقوم على مبدأ ثابت وهو ان ايران بلد مجاور وفيه كتل اجتماعية ضخمة تدين بالاسلام ، ومن ثم علينا ان نجد الطرق الكفيلة بالتعايش السلمي معها ، على اعتبار انها جار لا يمكننا تغيير مكانه على الخارطة ولا تغيير قناعات كل اهله ، وهذا بالضبط هو حالنا نحن فايران لا تستطيع تغيير مكاننا في الخارطة ولا تستطيع اقناع كتل عراقية ضخمة بتغيير رايها .
الخط العام الذي حددناه ما هو الا نتاج تجربة اخيرة لا حدود لمرارتها وهي تجربة غزو العراق ، التي علمتنا ما لم تنعلمه في خمسة الاف عام او اكثر من التجارب المريرة مع بلاد فارس . اذن ما هو الحل التاريخي لمشكلة الصراع العراقي – الايراني الذي امتد الاف السنين ؟ ليس مطلوبا ولا صحيحا ان نبادر بمعاداة ايران او استفزازها باي شكل وطريقة ، فهي لا تتشكل من كتلة واحدة بل فيها تيارات وكتل مختلفة . ومهما كانت الشوفينية الفارسية قوية فان هناك في ايران من يرفضها ، لهذا علينا ان لا نكل عن البحث عن اصدقاء داخل ايران للحوار معهم من اجل التعايش السلمي ، وبنفس الوقت يجب ان لا نقدم لحكام الامر الواقع الحجة لتفجير صراعات بل يجب ان نحاورهم ونفاوضهم حول كل القضايا ولكن من موقع الاستعداد التام والفعال لرد أي عدوان او اختراق .
ان سايكولوجيا ايران تتميز بالخصوصية ، كاي شعب اخر ، ولذلك من غير العملي التعامل معها من دون معرفة خصوصية هذه السايكولوجيا . ان الايراني يتميز بانه يريد ان يأخذ دون ان يعطي ، فاذا اخذ منك شيئا لايقدم لك مقابله شيء اخر بل يبدأ بطلب شيء ثان منك ويهيئ المناخ لازمة جديدة حول موضوع جديد ! اما اذا تنازلت له عنه فقد اصبح حقا مكتسبا لا يناقشك فيه بقدر ما يستطيع . وهذه الحقيقة هي احد اهم اسباب العلاقات العدائية او المتوترة بين العراق وايران عبر التاريخ خصوصا حينما يحكم العراق نظام وطني قوي لا يساوم على حقوقه . فكيف يمكن التعامل مع هذه السايكولوجيا الاحادية الجانب والعدوانية ؟ ان الاسلوب الاكثر فعالية ، حتى لو بدى وكانه يزيد الازمات تعقيدا ، هو ان يبدي الطرف العربي تمسكا كاملا بحقوقه وان لا يقدم لايران أي تنازل حتى لو كان ثانويا ، بشرط الصمود والقدرة على ردع ايران عسكريا وتركها هي تصرخ اولا . ان تجربة الحرب مع العراق تقدم انموذجا صحيحا للتعامل العربي مع ايران ، فالعراق كان يحمل بيد غصن الزيتون وباليد الاخر البندقية الشرسة جدا في الرد .
ولذلك استمرت الحرب ثمانية اعوام بفضل وجود طرفين يملكان العزم على عدم التراجع مهما كان الثمن غاليا . لمدة 8 اعوام كان خميني يرفض الوساطات والمبادرات ويعيد التاكيد على انه سيسقط الرئيس صدام حسين ، الى ان اقنعه مساعدوه بان القوات العراقية تتقدم داخل ايران وان لا احد يقاومها ، فقبل وقف اطلاق النار وهو يقول انني اقبله كما لو انني اتجرع سما زعاف ! اذن البندقية الشرسة وغصن الزيتون هما الضمانة الوحيدة ، والصحيحة ، للتعامل مع ايران بنجاح . يجب ان نضع حقوقنا في الاحواز والمناطق الحدودية العراقية والتعويضات على تدمير العراق والجزر العربية الثلاث ومحاولات تفريس الخليج والتدخل في الشؤون الداخلية للاقطار العربية باسم الطائفية في مقدمة اجندة الحوار والتفاوض مع ايران وان نكون ، قبل هذا وذاك ، قادرين على اقناع ايران بانها ستتعرض لخسائر هائلة كما نتعرض نحن اذا لم نحل المشاكل بالطرق السلمية
10 - هناك قانون مطلق في بروتوكولات حكماء الفرس وهو انه كلما حوصرت ايران وتراكمت الانتقادات عليها وازدادت عزلتها ، نتيجة تنفيذ جزء من مخططها التوسعي في قطر عربي او اكثر ، أثارت ازمات مفتعلة مع امريكا واسرائيل ، او لجأت الى اذرعها ( او فيالقها السرية والعلنية في الوطن العربي ) ، من اجل تبييض وجهها وابعاد التهم عنها بالصراخ باسم فلسطين ، او على الاقل ارباك اصحاب الحجج القوية ضدها بوضعهم امام تحدي التناقض في الموقف الايراني ، وهذا تكتيك مألوف في سلوك من يخطط ستراتيجيا . ان افضل مثال هو ما تفعله ايران واذرعها العربية منذ وصلت سمعة ايران الى الحضيض نتيجة تعاونها التام والرسمي مع امريكا في غزو العراق وافغانستان ، وتدميرهما وقتل مئات الالاف من شعبيهما بمشاركة ايران الفعلية العسكرية والرسمية وهو ما اكده محمد خاتمي ونائبه ورفسنجاني وغيرهم ، حينما اجمعوا على الاعتراف بانه لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا في غزو العراق وافغانستان ، وهي تصريحات لم تنفها ايران ابدا بل يعيد كبار المسؤولين تكرارها بلا تحفظ او تردد .
كانت البداية اعلان ايران رسميا اثناء اقتراب غزو العراق بانها ستقف على الحياد ، رغم ان وزير دفاعها علي شمخاني صرح بان ايران ستسمح للطائرات الامريكية بدخول الاجواء الايرانية وستقدم المساعدات الانسانية للطيارين ، اذا اسقط العراق طائراتهم ! والسؤال المهم هنا هو التالي : هل ينسجم موقف الحياد مع ما ورد في الدستور من ان ايران ستدافع عن كل مظلوم وهي اعترفت بان امريكا تريد شن عدوان على العراق ؟ واذا كان الموقف الايراني هو الحياد ففي أي حالة تقف ايران مع المظلومين ؟ هل للانتساب الطائفي والايديولوجي صلة تقرير بذلك ؟ ان الموقف الايراني من العراق وافغانستان اكد بما لا يقبل الشك بان ايران تعمل لخدمة مصالحها القومية وليس خدمة الاسلام او الشيعة العلويين . ولذلك ساءت سمعتها واصبح حديث ايران وانصارها في الوطن العربي عن معاداتها للشيطان الاكبر ،مع انها تجلس في أحضانه في العراق وافغانستان ، نكتة جعلت وجه ايران بشعا ببشاعة وجه امريكا ، وسقطت اساطير الشيطان الاكبر وتمثيل الاسلام والشيعة .
ما العمل لانقاذ المشروع التوسعي الايراني القومي الذي افتضحت هويته الحقيقية وهي الهوية القومية الفارسية ؟ الحل كان ان يعاد رسم وجه ايران بصورة جميلة كي تستطيع مواصلة دورها التخريبي في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، من خلال التغلغل في الوسط الجماهيري ، عبر اللعب بورقة محببة الى قبله وهي ورقة فلسطين . الخطوة الاولى كانت اسقاط رفسنجاني في انتخابات عام 2005 بقرار من خامنئي ، لانه معروف عالميا بانه مدعوم من الغرب ، والخطوة الثانية هي تصعيد شخص من الخطوط الخلفية اسمه محمود احمدي نجاد لانه من الخط المتطرف وتكليفه بشتم امريكا واسرائيل ، على نفس طريقة خميني بعد وصوله للسلطة . ان تصريحات نجاد النارية كانت مصممة اصلا لتجميل وجه ايران البشع بعد ان ارتكبت جرائمها في العراق هي والتابعين لها . اما الخطوة الثالثة فكانت اصدار امر لاتباعها بان يركزوا على نفس ما يركز عليه نجاد ، وهو العراك مع اسرائيل وامريكا !
وهكذا اختلطت الاوراق ووضع المواطن العربي البسيط والساسة الباحثين عن ترويح امام صورة انفعالية لايران تختلف عن صورتها البشعة في العراق ، فتغلب السطح على العمق والعاطفة على العقل لدى كثيرين ، وساروا مع الموجة التي تمتدح ايران مع انها في نفس الوقت امرت فيلقي بدر والصدر بزيادة جرائمهما في العراق الجريح ! ووصل البؤس وعمى البصيرة لدى البعض حد انهم حينما هتفوا للبنان وفلسطين نسوا العراق الثائر مع ان شعبه هو الذي يحمل ويتحمل الالام الاقسى والتضحيات الاعظم ، ويخوض معركة الحسم وكسر العظم مع الشيطان الاكبر ! بل ان عمى البصيرة تحول الى موت ضمير لدى البعض حينما انزل مرتبة الثورة العراقية المسلحة الى حالة حرب اهلية لاجل ان يسمح ذلك بتجاهل عظمتها ويوفر له غطاء شكليا للهتاف لايران ! فهل يوجد تخلف ، بالنسبة للبعض ، وارتزاق ، بالنسبة للبعض الاخر ، وفقدان هوية ، بالنسبة للبعض الثالث ، من نسيان ان دحر اسرائيل لن يكون ممكنا الا بدحر امريكا او فك ارتباطها بالقوة مع امريكا وهو ما يجري في العراق وليس في غيره ؟
ان احد اهم مظاهر مأساة الامة العربية تتجسد في ان بعض نخبها ترقص مع اللحن العالي ، او مع كأس خمر ينسي شاربه الفرق بين كلمتي الضمير والحمير ، والا كيف نقبل من شخص اسمه مصطفى الفقي ويدعي انه مفكر قومي ( كان ناصريا وهو الان عضو مجلس الشعب المصري ) ان يقول انه غير رايه في ايران بعد دعوة وجهت له لزيارتها ؟ هل وصل الحال بهذا (المفكر القومي) العبقري حد ان زيارة عابرة تغير موقفه جذريا ؟ هل تتغير المواقف بهذه البساطة ؟ الا يعني ذلك احد امرين : فاما ان موقفه السابق ضحل او ان موقفه الجديد ضحل ، والضحالة ليست صفة من يطلب ان يوصف بانه مفكر ! حتى القرد يحتاج الى تدريب طويل ليتعلم بعض الحركات لكن (مفكرنا القومي) غير موقفه خلال زيارة بضعة ايام لعله ذاق خلالها الكافيار الايراني المشهور! فاي بؤس وانحطاط هذا الذي يسم بعض افراد النخب العربية ؟ هذا هو التأثير المضلل للفصل المسرحي الذي اداه نجاد والاخر الذي اداه انصار ايران العرب .
أيها النخب العربية اذا لم تفهمي بعد لعبة ايران فنرجو منك ان تدرسي حالة العراق ستجدين ان ايران خطر كبير على كل شبر من الوطن العربي ، اما اذا كنت كالقرود الثلاث ، لا ترين ولا تسمعين ولا تتحدثين ، فالافضل لك ان تتركي السياسة لمن يفهمها ويتحمل نتائج الانخراط في صراعاتها . ولئن كنا نشهد في عالمنا المعاصر تناقض سياسات الكثير من الاطراف فليس امامنا اكثر تناقضا من مواقف ايران وهي ، واكثر من غيرها ، التعبير الدقيق عن الاسطورة اليونانية ( وجها جانوس) حيث ان وجهه الامامي يبتسم لك بحب ووله لكن وجهه الخلفي ينظر اليك
بحقد لا حدود له.
واختتم هذا البحث بطرح اسئلة جوهرية لا اريد الجواب عليها بل اريدكم ان تفكرو فيها بعقل متحرر من المواقف المسبقة او المصالح والعواطف الشخصية ، واهمها : هل سألتم ايران لم لم تنفي تصريحات مسؤوليها حول معاونة ايران لامريكا في غزو العراق ؟ واذا كانت هذه التصريحات صحيحة هل تفهمون ما تعنيه عمليا ؟ هل يمكن لمن يساهم في احتلال العراق ودماره ان يدافع بصدق عن فلسطين ؟ وهل يحمي فلسطينوا الارض المحتلة من تقتل عصاباته في العراق الفلسطينين ولا يتدخل لمنع ذلك رغم عشرات النداءات التي وجهت لايران ؟ واذا كانت فلسطين والعراق متساويان ، في معيار الانتماء القومي ، هل يجوز التفريط بالعراق باسم الدفاع عن فلسطين ؟ هل نسيتم انه تم غزو العراق واسر الرئيس صدام حسين لانه رفض المساومة على فلسطين اساسا كما اثبتت الحقائق التي عرفها العالم كله ؟ واخيرا وليس اخرا نسئل من يقولون لنا بانه ليس مناسبا نقد ايران الان : هل سألتم ايران من يرفض التطبيع والتعاون والسلام : الاطراف العربية ، وفي مقدمتها العراق ، والتي تريد كل ذلك ، ام ايران التي تناور بكلام معسول لكنها ترفض التطبيع والسلام الا بعد ان يتنازل لها العرب عن كل ما تريد تماما مثل اسرائيل ؟
salah_almukhtar@yahoo.com
*- شبكة البصرة وتقرير عن وثيقة ايرانية حول مخططات ايران التوسعية .
وإقرأ الوثيقة الاخرى (سري للغاية)!!
وإقرأ الوثيقة الاخرى (سري للغاية)!!
0 Comments:
Post a Comment
<< Home