Tuesday, March 06, 2007

أيهما اخطر على العرب :أسرائيل وأميركا؟ أم إيران؟

أيهما اخطر على العرب :

اسرائيل وامريكا؟ ام ايران؟

(3-3)

صلاح المختار

التبشير الصفوي في الوطن العربي

ان المشكلة الصفوية لم تنحصر في العراق، بل هي اصبحت مشكلة اساسية في الوطن العربي كله، وفي العالم الاسلامي ايضا، لان ايران وهي تبني مشروعها الامبراطوري القومي، تعتمد اساسا على الغاء دور العرب، ابتداءا من العراق، لانهم سد يمنع التمدد الامبراطوري الايراني. كما انها تعتمد في نجاحها على كسب اكبر عدد ممكن من العرب تمهيدا لضم الوطن العربي للامبراطورية الفارسية. وفي هذا الصدد علينا ان نطرح اسئلة جوهرية ونترك الجواب للقارئ الكريم ومنها : لماذا هذه الحملة الحملة التبشيرية الصفوية البالغة النشاط في الوطن العربي، والتي تكلف ايران مليارات الدولارات سنويا؟ وما هوهدفها؟ الا تؤدي عمليا، وبغض النظر عما تقوله ايران، الى شق العرب وخلق صراع بين السنة والشيعة، مع ان العرب ما زالوا يعانون من الاحتلال الاسرائيلي والان الامريكي للعراق؟ هل تسمعون اخبار الفتن الطائفية التي تزرعها ايران في مصر والمغرب العربي والسودان مثلا نتيجة محاولتها تحويل السنة الى صفويين باسم التشيع؟ ولندرك حقيقة ان نظام الملالي في طهران اخطر على العرب واكثر عداء لهم من نظام الشاه علينا ان نثير السؤال التالي : هل سمعتم في زمن الشاه مثلا ان هناك (مجلسا اعلى للشيعة) في مصر اوفلسطين اوالمغرب قد تأسس؟ هل سمعتم في زمن الشاه ان المعاقل القوية للحركات الوطنية العربية قد تحول بعضها الى معاقل للطائفية، فتحول الولاء من الولاء للوطن الى الولاء للطائفة لدرجة ان ممثلي الطائفية الصفوية العرب يتلقون اوامرهم من طهران وقم علنا ورسميا، وينفذونها حتى لوتناقضت مع المصلحة الوطنية لبلدهم؟ ألم يكن الطابع القومي الصريح لنظام الشاه وموالاته للغرب واسرائيل مانعا للعرب من تحويل الطائفة الى طائفية تمنح ولاءها لايران بدل العرب؟ واستنادا لهذا السؤال هناك سؤال اخر وهو: الا يدل تغيير النظام الشاهنشاهي في طهران، وتنصيب نظام اخر يتبنى شعارات مناقضة تعادي امريكا واسرائيل شكليا، على ان احد اهم اهدافه ازالة العائق القوي من امام بعض العرب الذين كانوا يرفضون السياسة الايرانية بسبب طابعها الذيلي للعرب واسرائيل لاجل توفير البيئة النفسية الصالحة لتاييد ايران تمهيدا لاحداث الفتنة الطائفية؟

كيف يمكن لعربي ان يقبل يد خامنئي مع ان الاخير يقتل عرب العراق يوميا وبالجملة، ويحرك الفرق الصفوية لتذويب الهوية القومية للامة العربية في العراق والخليج العربي، مع انه يكسب النقاط لصالح الامة الايرانية؟ الا ينتج نشر التشيع الصفوي حتما رد فعل سني واسع النطاق؟ لمصلحة من نجعل من نشر الفكر والانتماء الطائفيين، شيعيا اوسنيا، الان هوالمحرك للكثير من العرب والمسلمين بدل ابقاء وحدة العرب والمسلمين ضد العدوالصهيوني والاستعمار؟ الا يؤدي ذلك الى حروب اسلامية - اسلامية مع اننا ما زلنا نواجه الابادة الصهيوامريكية وقد وصلت ذروتها؟ هل لهذا التزامن الواضح جدا، بين تفجر التبشير الصفوي واستكلاب الغرب والصهيونية وهما يعززان حملتهما الصليبية الجديدة ضد العرب والمسلمين، علاقة بمخطط التعجيل بشرذمة الاقطار العربية؟ هل نستطيع ان ننكر الحقيقة المخيفة وهي ان الصراع العربي – الصهيوني يتراجع للخلف والصراع العربي مع الاستعمار يتراجع للخلف ويحل محله صراع وفتن طائفية؟ من صنع ذلك؟ بالتاكيد ليست اسرائيل والغرب وحدهما، لان ايران الملالي رسميا تعلن عن عزمها على نشر التشيع الصفوي وتصرف مليارات الدولارات على ذلك سنويا، الامر الذي يجعلها موضوعيا وذاتيا احد اطراف الثلاثي الذي يعمل على تفتيت الامة العربية، مع ملاحظة ان هذه السياسة تؤدي الى تنفيذ خطط الصهيونية واهمها نشر الانقسامات بين العرب! ألم تسمعوا ما قاله رفسنجاني اثناء مناظرته مع الدكتور القرضاوي من ان من حق ايران ان تفعل ذلك؟

هل يستطيع اي مراقب منصف ان ينكر حقيقة يعرفها ملايين العراقيين الذين هجروا من العراق، لمجرد انهم عرب وبلغ عددهم حوالي ستة ملايين والامم المتحدة اعترفت بحوالي اربعة ملايين، هذه الحقيقة هي ان القوة الاساسية التي قامت بذلك هي جيش المهدي، الذي يتلقى اوامره من طهران ويمول من طهران، ومن يصدر اليه الاوامر هوالايراني الفارسي أية الله كاظم حائري المرجع الرسمي لمقتدى الصدر، والذي بدوره يخضع لعلي خامنئي المرجع الاعلى في كل العالم الاسلامي للتشيع الصفوي؟ وما معنى ان حزب الله اللبناني يدرب في لبنان محترفي القتل في هذا الجيش؟ لم هذا التهجير؟ لم صدرت ايران الى العراق حوالي اربعة ملايين فارسي اوكردي ايراني ومنحتهم حكومة الجعفري الجنسية العراقية وبدأ الحديث الرسمي عن وجود قومية فارسية في العراق مع ان ذلك لم يكن موجودا على الاطلاق حتى الغزو؟ اليس لتغيير طبيعة العراق السكانية بجعل العرب فيه ليس القومية الرئيسية (85 % قبل الغزو) وانما قومية من بين عدة قوميات وطوائف متقاربة العدد؟ ومن نفذ الخطة الامريكية الخاصة بتقسيم عرب العراق الى سنة وشيعة وحساب الامور السياسية والدستورية في العراق على هذا الاساس؟ اليست هي عصابات ايران وممثلها الرسمي الايراني عبدالعزيزالحكيم الذي ينادي بتطبيق الفدرالية في الجنوب والوسط على أساس انه يمثل شيعة العراق؟ بتقسيم العرب في العراق الى سنة وشيعة بواسطة الاوامر والادوات الايرانية، وبجعلهما جماعتان مختلفتان في التصنيف السياسي والاجتماعي، انخفضت نسبة العرب في العراق الى عدد قريب من اغلبية بنسبة قليلة وليس قومية رئيسية، وهذا بالضبط احد اهم واخطر اهداف اسرائيل وامريكا، وهذا بالضبط ايضا، اي تقارب مكونات البلد، هواحد اهم اسباب السرعة في تقسيم يوغوسلافيا، فعملت ايران وامريكا واسرائيل على تحويل العراق قسريا ليصبح سهل التقسيم مثل يوغوسلافيا.

ان السؤال الجوهري هنا الذي يواجه كل وطني عربي : هوكيف تحل اشكالية الولاء المطلق لايران المتأثر بالانتماء الطائفي من قبل مواطنين عرب، وهي اشكالية مصيرية وليست مسالة ثانوية، مع ان ايران معادية للامة العربية وليس للنظم العربية، كما تقول الدعاية الايرانية البائسة، ومثال العراق الان يقدم لنا صورة مخيفة عن النوايا الايرانية تجاه الامة العربية بكاملها؟ فالعراق ورغم ان عملاءها يشاركون في حكمه الا انهم يدمرونه تنفيذا لاوامر طهران. كيف نحدد من هوالاصل الوطن ام الطائفة؟ اذا قلنا الطائفة فان الوطن يصبح على حافة الزوال بالتقسيم حتما، فهل هذا هوالمطلوب من وراء تغليب الولاء الطائفي؟ وهل تغليب الولاء للطائفة سوى ردة الى علاقات ما قبل الامة؟ واذا كان الجواب نعم، وهوكذلك، لم لم ترتد ايران الى مرحلة ما قبل الامة وما زالت متمسكة بتطرف قومي شوفيني بما تعده حقوقها الوطنية وحدودها الوطنية لغتها الوطنية، بينما تطلب من اتباعها تحقيق تلك الردة على الوطن والامة؟

لولم تدعم ايران الغزو، ولولم تأمر رعاياها بدعم الغزو، ولوشارك كل الجنوب في المقاومة ضد الغزوهل كان الاحتلال سينجح في اختراق الجبهات بسرعة نسبية؟ ولولم يتعاون الصفويون مع الاحتلال في تشكيل الحكومات المتعاقبة، ولولم ينضموا الى القوات القمعية هل كان الاحتلال سيستمر وتزداد معاناة شعب العراق؟ ولولم تنساق الكتل الصفوية خلف ايران هل كنا سنشهد نجاحا امريكيا في العثور على عراقيين ينحازون لطائفتهم ضد الوطن؟

تقليد المراجع ما حدوده وتأثيراته؟

ان اخطر مافي الطائفية الصفوية هوانها تجعل ولاء الطائفي للطائفة وليس لاي جهة اخرى بما في ذلك الوطن، ومن هذه الحقيقة ينبع الخطر الايراني. كيف ذلك؟ الجواب هونظام التقليد في المذهب الصفوي هوعبارة عن نظام طاعة مطلقة من قبل المقلدين للمرجع الذي يقلدونه. سنوضح معنى التقليد في الفقه الصفوي، لنصل الى نتيجة خطيرة وهي ان من يقلد خامنئي اواي مرجعية طائفية في ايران يصبح خاضعا لها ومسيرا من قبلها لانعدام اي صيغة ديمقراطية تتيح الاعتراض اوالرفض. اذا كانت التبعية (تسمى التقليد) قاعدة العلاقة بين الصفويين غير الايرانيين وايران هل يمكن للمقلد ان ينشق دون ان يحرق ويكفر؟ ان التقليد الصفوي يرتكز على قاعدة الطاعة التامة للمرجع لان المرجع هوالمرشد وهوالذي يعرف ما لا يعرفه الانسان العادي، ولذلك فان الطاعة له عمياء ومن يخالفها يكفر ويرسل للجحيم. الا تتذكرون مفاتيح الجنة التي كان خميني يوزعها على حرسه اثناء الحرب ضد العراق والذين كانوا يوعدون بالجنة، فمات الالاف منهم وهم يهاجمون القوات العراقية مخدرين بالحشيشة؟ الا تتذكرون فتوى السيستاني اثناء ماسمي بالانتخابات في العراق بان من لا يشارك فيها سيدخل النار وستحرم عليه زوجته؟ هل رايتم من قررت المخابرات الايرانية ان تطلق عليه تسمية مضللة ومسيئة للمقاومة وهي (سيد المقاومة)، وهوحسن نصر الله، مع انه يقبل يد خامنئي كلما التقاه، لان خامنئي مرشده وهومقلده وتابعه رسميا؟ اذا كان نصر الله يقبل يد مرجعه فما بالكم بعامة الناس من الصفويين؟ واذا كان تقبيل اليد هوالتعبير الرسمي الملزم عن الولاء والطاعة التامتين فمن حقنا ان نتسائل هل يوجد في تاريخ الاسلام شيء اسمه تقبيل اليد تعبيرا عن الطاعة؟ ولنأخذ الامام علي كرم الله وجهه مثالا لان الصفويين يدعون مشايعته، ونسال هل كان الامام يعرف عادة تقبيل اليد؟ ان تقبيل اليد هي، في المجال الدنيوي، اهانة لادمية الانسان لانها توحي بالعبودية وهي فعلا عادة تنتمي لزمن العبودية، اما على مستوى ديني فانها رفع للمرشد الى مرتبة اعلى من النبوة لان النبي محمد (ص) لم يكن يعرف عادة تقبيل يده! وهنا علي ان اطرح سؤالا رغم انه قد يكون مرفوضا مجرد طرحه من قبل أي مسلم حقيقي، وانا منهم وهو: هل خامنئي ارفع منزلة من محمد (ص) كي تفبل يده من قبل حسن نصر الله واحمدي نجاد وغيرهما؟ واذا كان نجاد رئيس جمهورية ايران يقبل يد خامنئي فهل يمكننا استبعاد صورة اباطرة الفرس القدماء الذين استعبدوا البشر؟ بل هل يختلف ذلك عن صور الشاه ووزراءه وجنرالات جيشه يقبلون يده؟ وما هورد فعل الايراني العادي وهويرى رئيسه يقبل يد شخص اخر لم ينتخبه الشعب؟ الا يعني تقبيل اليد اختصار الامة والدين في شخص واحد عمليا؟ وما معنى اختصار امة في شخص اودين في شخص غير نفي أدمية الكل وتجميد عقولهم مع ان الله كرم البشر وطلب من الملائكة السجود لهم واعطانا العقل لنستخدمه؟

هذا الذي يسمى التقليد في المذهب الصفوي ما هوالا سايكولوجيا ابتزازية تضع الانسان امام خيارين اما الطاعة التامة لرجل الدين اوالتكفير والذهاب للنار، وتلك هي من ابرز سمات الديانة الزرادشتية! لذلك راينا ان الامين العام الاول لحزب الله صبحي الطفيلي قد فصل منه لانه لم يكن يطيع المراجع في طهران طاعة تامة، واعترف هوشخصيا بان حزب الله يتلقى اوامره من المرشد وعليه طاعتها والا فان من يرفض سيكون مصيره مثل مصير الطفيلي، الذي لم يخرج احد معه بل خرج لوحده تقريبا خوفا من التكفير وقطع الدعم المالي الايراني والاغتيال. نذكر بقاعدة التقليد لنقول لمن ينصح اويريد ان ينصح قادة الاذرع العربية التابعة لايران، ومنها حزب الله، بدعم المقاومة العراقية، اوالضغط على ايران للتوقف عن المشاركة الاساسية في تدمير العراق، اوالتوقف عن التبشير الصفوي، لانه يحول الصراع من صراع مع الصهيونية والاستعمار الى صراع بين المسلمين انفسهم، نقول لمن يريد ذلك : انت واهم ووهمك كوهم من يريد ان يحلب الثور، لان من تريدون نصحهم مجبرين وغيرمخيرين، وعلى اعينهم عصابة كالعصابة التي توضع على عين ثور المطحنة كي لايعرف انه يدور فيصاب بالدوار ويعجز عن الخدمة. المطلوب ليس نصح هؤلاء بل كشف نتائج اطاعتهم لاوامر ايران على الامة العربية ومستقبلها.

ولذلك فان السؤال الجوهري هنا هو: من هوخامنئي بالنسبة للامة العربية، وهوالمرجع الاعلى للشيعة الصفويين في الوطن العربي وفي العالم الاسلامي، كي تفرض عليهم طاعته مهما كانت اوامره؟ انه رمز ايران القومي الان والمدافع الامين عن مصالح ايران القومية. والادلة كثيرة جدا ومنها انه يعلن في كل خطبه واقواله ان مصلحة ايران هي الاساس في ممارساته، وطبق ذلك في ساحة الصراع الاذربيجاني – الارمني، حيث ايد ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان الاسلامية خدمة لمصالح ايران القومية، ووقف ضد الشيشان المسلمين في روسيا الاتحادية، لان مصلحة ايران القومية تقتضي ذلك. ونحن لا ننقده ابدا بل نحترم اخلاصه لقومه ولقوميته، فهوقومي ايراني ويعمل طبقا لدستور ايران على تحقيق مصالح ايران. اما موقفه من غزوالعراق وافغانستان فهوالاخر بالغ الوضوح فلقد افتى بمساعدة امريكا وحلف الاطلسي، وهي قوى معادية للاسلام، على غزوافغانستان الاسلامية، بحجة التخلص من طالبان، ثم افتى بمساعدة امريكا وبريطانيا على غزوالعراق الاسلامي ايضا، والدافع هوان التخلص من نظام البعث وصدام حسين سيزيل العقبة الاساسية من امام التوسع الايراني في الوطن العربي كله! والان افتى بتصفية ابناء العراق على اسس طائفية خطيرة لاجل تقاسم العراق مع امريكا وتذويب هويته العربية

(ايرانجيت) و(اسرائيل جيت) صدفة ام نهج؟

في اطار شيطنة العراق وصدام الشهيد روجت اشاعات من قبل جهات استخبارية غربية وصهيونية وايرانية تقول بان امريكا قد دعمت العراق اثناء الحرب التي فرضها نظام الملالي على العراق، رغم ان أي دليل ولوثانوي يثبت ذلك غير موجود ولم يظهر احد أي دليل عند توجيه هذا الاتهام! وصار البعض يردد هذه الاكذوبة وكأنها حقيقة ثابتة مع ان العكس هوالصحيح وهوان امريكا، وكذلك اسرائيل دعمتا ايران ضد العراق، وتوجد ادلة ووثائق واعترافات امريكية واسرائيلية وايرانية تثبت ذلك. ولتسهيل ايضاح هذه النقطة علينا طرح سؤال محدد يساعد على تذكر الواقع ويسقط الاسطورة : هل توجد عراقجيت ام ايرانجيت؟ لقد اعترف المسؤولون الايرانيون بانهم عقدوا صفقة مع امريكا تم بموجبها تقديم اسلحة ومعدات عسكرية ومعلومات استخبارية امريكية لايران، ولذلك يوجد تعبير (ايرانجيت) او(ايران كونترا). اما مع اسرائيل فقد فسرت الحكومة الايرانية فضيحة سقوط الطائرة الارجنتينية التي كانت تنقل اسلحة اسرائيلية من اسرائيل مباشرة لايران اثناء الحرب مع العراق على انها تسديد لديون بذمة اسرائيل منذ زمن الشاه! والسؤال المهم هوهل كانت اسرائيل مجبرة على تسديد ديونها لايران بصورة اسلحة لوكان في ذلك تهديد لها اوخدمة لاعداءها؟ بالطبع كلا، فمثل هذه الديون تخضع لاعتبارات قانونية قد يستمر البحث فيها عقودا لاجل حسمها وذلك لتعقيد هذه القضايا، ولذلك كان بامكان اسرائيل ان ترفض مبادلة الدين بالسلاح، لكنها ارادت ان تؤذي العراق وتمنع انتصاره على ايران فقدمت الاسلحة لها.

وهذه الحقيقة، اي التعاون التسليحي الايراني مع كل من امريكا واسرائيل، تثبت ان هذين الطرفين كانا يعدان العدوالرئيسي هوالعراق وليس ايران رغم شعارات خميني النارية ضدهما. ومقابل هذه الحقيقة هناك حقيقة اخفيت وقلبت عمدا وهي ان العراق، وبخلاف ما اشيع لم يستلم رصاصة واحدة من امريكا على الاطلاق، وكل ما روج كان محض قصص لفقت لتشويه صورة العراق، بدليل انه لم تظهر اي وثيقة اودليل بعد غزوالعراق على انه استلم سلاحا من امريكا. وكل ما ثبت هوان العراق تلقى دعما عربيا اعتبره البعض بتاثير امريكي، وهذا الامر، وسواء كانت امريكا اثرت ام لا، كان نتيجة وجود عامل مشترك بين الدول العربية وهوان حكومة خميني اعلنت رسميا قرارها اسقاط انظمة الخليج والجزيرة وبقية النظم العربية لهذا كان من مصلحتها، الشخصية والوطنية والقومية، دعم العراق وليس لان امريكا طلبت منها ذلك. وتاكيدا لهذه الحقيقة لا يوجد الان تعبير يخص العراق مثل (عراقجيت) وذلك لعدم تقديم اي سلاح للعراق من قبل امريكا ابدا، ونحن تحدينا ونتحدى من يستطيع ان يقدم دليلا واحدا على هذه التهمة التي اريد بها تشويه صورة العراق.

وهناك قصة معروفة تؤكد ان امريكا لم تقدم للعراق سلاحا، وهي قصة عرض امريكا على العراق مباشرة تقديم عتاد مدفع ستراتيجي، كان مهما جدا في الحرب مع ايران، نفد عتاده ولم توافق الدولة المصنعة على بيع العراق العتاد له لان امريكا منعتها، وكان العراق في حاجة ماسة جدا لذلك العتاد، مقابل تسليم دبابة سوفيتية واحدة (اظن انها كانت تي 72) لامريكا، لانها كانت دبابة جديدة في سلاح الدروع السوفيتي. هذا العرض الامريكي قدم للمخابرات العراقية حينما كان الشهيد برزان التكريتي مديرا لها فامره الرئيس صدام حسين بان يرد بالقول : (ان العراق لا يخون اصدقائه حتى لوكان في حاجة ماسة للعتاد). هذه الحادثة معروفة وتعرفها المخابرات الامريكية، وهي تعني وتؤكد امرا واحدا بارزا وهوان امريكا لم تقدم اي سلاح للعراق. والسؤال هنا هوما معنى ان تقدم امريكا السلاح والعتاد والمعلومات الاستخبارية لايران وتمنعها عن العراق؟ وما معنى ان تقدم اسرائيل السلاح لايران وهي في حالة حرب مع العراق؟ أترك الجواب لكل منصف.

اذن لم الاصرار الغريب على تهام العراق بتلقي دعم امريكا؟ ولم يكرر غلمان واشنطن وطهران هذه التهمة لدرجة ان البعض من كثرة التكرار اعتقد انها صحيحة؟ الجواب بسيط وواضح الان وهوان المطلوب تشويه صورة العراق امام الراي العام العربي والعالمي لان دعم امريكا لطرف ما هوادانة له، ومقابل ذلك فان الحرب الكلامية الايرانية مع امريكا تساعد ايران على كسب الدعم العربي والاسلامي لها رغم انها متعاونة وملتقية في الاهداف الستراتيجية مع امريكا واسرائيل قدر تعلق الامر بالامة العربية.

دعم ايران لفلسطينيين هل هوثمن ذبح العراق؟

هناك من يقول ان ايران تدعم حماس وفلسطينيين لذلك ندعم ايران! وهذا القول على سذاجته يستحق منا ان نناقشه لنظهر مدى خطأ من يتبناه. وهنا نوضح ان الدعم الايراني كان لفلسطينيين من فئات خاصة وليس للشعب الفلسطيني غالبا، وان هذا الدعم الخاص كانت وما زالت له اغراض سياسية اصبحت معروفة وهي كسب دعم هذه النخب لايران وتسخيرها ضد حركة التحرر العربية، خصوصا في العراق، سواء بالدعم المباشر والمفتوح لايران من قبل عناصر فلسطينية، واستمرار هذا الدعم حتى غزوبعد العراق، اولشراء سكوت هذه النخب الفلسطينية على ما يجري في العراق وغيره من احداث تلعب فيها ايران دورا اجراميا لايقل خطورة عن الدورين الامريكي والاسرائيلي. من هنا فان دفع بضعة ملايين ايرانية لنخب فلسطينية مبلغ تافه مقابل الحصول على صمت منظمات فلسطينية اوتاييد ايران في عملية تدمير العراق. وهناك حقيقتان يبدوان من يدعم ايران نساهما، وهما ان التاريخ الحديث لم يسجل لنظام الملالي انه حارب اسرائيل فعلا، لانه بالاصل لم يخطط لذلك أبدا، وحتى لوخطط افتراضا فان وضع ايران الجغرافي لا يسمح لها بالحرب مع اسرائيل، والثانية هي ان ايران بكل ما دفعت لنخب فلسطينية لم يصل ما دفعته الى جزء بسيط من المبالغ التي دفعها العرب للشعب الفلسطيني وللنخب الفلسطينية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة، والتي تعد بالمليارات وهوامر معروف وموثق للجميع.

نحن نعرف انه لولا الدعم المالي العربي (السعودي والخليجي والعراقي وغيره) مثلا لما استمرت منظمة التحرير الفلسطينية ولا الفصائل الاخرى خارجها مثل حماس طوال عقود من الزمن. ولذلك لا يصلح الدعم المالي الايراني لنخب فلسطينية معيارا ومبررا للدعم الذي تقدمه نخب عربية لايران حتى وهي تحتل اراض عربية (الاحواز والجزر العربية) وتقتل مواطنين عرب وتشارك بدور رئيسي وحاسم في تدمير وتقسيم قطر عربي (في العراق). وهنا لابد من طرح اسئلة مهمة منها : هل دفع ايران المال (50 مليون دولار) لحكومة حماس، اذا دفع فعلا، يشكل مبررا كافيا لدعم ايران مع انها تقوم بقتل العراقيين بالمئات يوميا وهم اشقاء الفلسطينيين؟ وهل دفع المال هومعيار كبير للتمييز بين الدول والاحزاب؟ اذن لم لا يمجد هؤلاء الممجدين لايران السعودية ودول الخليج، التي دفعت وتدفع مليارات الدولارات للشعب الفلسطيني وهي مبالغ تبدواموال ايران التي دفعت تافهة مقارنة بها؟ ولم لم نسمع احد يمتدح الجزائر، التي قدمت 50 مليون دولار للشعب الفلسطيني، وهومبلغ مساوللمبلغ الذي قيل ان ايران ستدفعه، ولقطر التي قدمت 20 مليون دولار، بل حتى السودان الفقير قدم عشرة ملايين دولار حينما حوصرت حكومة حماس؟ لم لا يمتدح هؤلاء كما تمتدح ايران

وتمنح صك براءة من جرائمها في العراق؟ هل الدولار الايراني يختلف عن الدولار الخليجي اوالجزائري اوالعراقي (قبل الغزو) من حيث الوظيفة؟ نعم هناك اختلاف فالدولار العربي يدفع بلا شروط، اما الدولار الايراني فانه مشروط بالتساهل مع، اودعم، الدعوة الصفوية والسماح بنشرها في فلسطين وغيرها، وبالسكوت على جرائم ايران في العراق. بل واحيانا لشراء تصريحات لشخصيات فلسطينية ضد القوى الوطنية العراقية المجاهدة ضد الاحتلال وضد القائد الشهيد صدام حسين بالذات!

ومما له دلالات كبيرة انه مع الاعلان عن تقديم دعم مالي ايراني لحكومة حماس من قبل ايران اعلن تاسيس ما يسمى ب (المجلس الشيعي الاعلى في فلسطين)، مع انها لم تعرف للتشيع فيها من وجود حقيقي! وصدرت في فلسطين صحيفة طائفية تمولها ايران وتديرها عناصر من منظمة الجهاد الاسلامي اخذت تثير مشاكل طائفية في فلسطين! أن علاقة ايران باطراف فلسطينية يستغل لشق الشعب الفلسطيني على اسس طائفية كما حصل في العراق، وتنظر اسرائيل الى الخطوة الايرانية هذه بعين مبتهجة. والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا هو: هل دعم البترودولار الايراني مبرر كي نغض الطرف عن جرائم ايران ونعدها ثانوية يمكن احتمالها مع انها تمزق العراق بخطورة بالغة، وتهدد بخلق اكثر من فلسطين في اكثر من قطر عربي؟

أن اول مبادئ العمل العربي، التي قامت عليها القوى القومية العربية، وبالاخص المنظمات الفلسطينية، كان مبدأ وبديهية وحدة القضايا العربية ووحدة قيمة الارض العربية ووحدة قيمة الدم العربي، في مواجهة أي قوة لها مطامع اونوايا عدوانية تجاه العرب في كافة اقطارهم. على اساس هذا المبدأ وعلى اساس هذه البديهية قاومنا الصهيونية وغزوها لفلسطين واندلع ما يسمى بالصراع العربي – الصهيوني. وحينما غدرت انظمة عربية بالشعب الفلسطيني كانت المنظمات الفلسطينية، ومعها كل القوى الوطنية العربية، تذكر بان التفريط بفلسطين هوخيانة للانتماء القومي وتمهيد لضرب بقية الاقطار العربية. من هنا فان السؤال المركزي الان هوالتالي : هل اصبح بعض العرب، ومنهم بعض الفلسطينيين، يميز بين قيمة دم عربي وقيمة دم عربي اخر، وبين قيمة ارض عربية وقيمة ارض عربية اخرى، ويضع لها درجات في القيمة والاهمية، فيدافع مثلا عن ارض وعروبة وشعب فلسطين ضد الغزوالصهيوني لكنه لا يتخذ نفس الموقف تجاه الغزوالايراني لجزر الامارات العربية وللاحواز العربية ثم للعراق الان؟ ولذلك اخذ العراقيون واغلبية الوطنيين والقوميين العرب يطرحون هذه الاسئلة : هل الدم الفلسطيني اغلى من الدم العراقي؟ وهل ارض فلسطين اقدس من ارض العراق؟ ام ان الدم العربي هونفسه سواء في فلسطين اوالعراق اوالاحواز، وان الارض العربية كلها وبغض النظر عن القطر الذي تعود اليه متساوية في القيمة؟

اذا كان من يدعم ايران ينطلق من ادعاء انها تؤيد الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل تحرير الارض، فان اول قاعدة بداهة يجب ان يتمسك بها هي قاعدة التساوي في قيمة الارض العربية والمواطنين العرب، فهل التزم عرب طهران بهذه القاعدة، حتى لوقبلنا الفرضية الخاطئة بان ايران تدعم بصدق نية الشعب الفلسطيني؟ لقد صدرت فتاوى سياسية كثيرة من علمانيين واسلامويين تقول : لا تمسوا ايران بسوء لانها ضد اسرائيل! اذا كانت هذه الفتاوى صحيحة فان ثمة سؤال لا يمكن تغييبه وهو: اليس لدور ايران، كمخلب قط لامريكا في العراق، تاثير على موقف هؤلاء الوطنيين والقوميين والاسلامويين من ايران؟ اذا كان الدم العراقي محفوظا مع الدم الفلسطيني في اواني مستطرقة تجعلهما شيئا واحدا في الواقع، لانهما يتفاعلان ويختلطان كدم واحد في جماهير مختلفة، كما تربينا قوميا وسياسيا واسلاميا، لم اذن التفريط بالدم العراقي مقابل الحرص على الدم الفلسطيني؟ واذا كان الدم الفلسطيني غاليا على عرب طهران لم فرطوا بالدم الفلسطيني في العراق والذي يراق بغزارة على يد عصابات مقتدى الصدر، الذي يحتضنه حزب الله اللبناني، وفيلق بدر الايرانيين؟ هل الدم الفلسطيني في غزة يختلف في قيمته عن الدم الفلسطيني في العراق؟ لم يصمت هؤلاء على القتل اليومي والمستمر للفلسطينيين في العراق؟ ولم لا تصدر ايران عبر خامنئي، المرجع الاعلى لكل الصفويين في العالم، فتوى تحرم الدم الفلسطيني في العراق مع انها ملزمة للعصابات الصفوية؟ ولم تصمت طهران صمت الموتى، رغم عشرات النداءات التي وجهت لها للتدخل، بينما القتل مستمر للشعب الفلسطيني في العراق؟

كلنا نعرف ان فتوى واحدة من خامنئي اوالايراني كاظم حائري، سيد مقتدى الصدر ومرجعه، كاف لايقاف حمام الدم الفلسطيني فلماذا يتفرجون على مأساة فلسطينيي العراق؟ واذا كانت التربة العراقية بنفس قداسة تربة فلسطين اذن لم السماح لايران، بالسكوت اوالتاييد، بالمشاركة الرسمية والفعلية في غزوالعراق وتدميره ونهبة وابادة مئات الالاف من العراقيين والعمل على تقسيمه ومحوهويته العربية، مع انه توأم فلسطين،عبر ممارسة الصمت والاستمرار في امتداح ايران والتعاون معها؟ لم تهاجم نظم عربية تتعاون مع امريكا واسرائيل ضد فلسطين وشعبها، ويمارس صمت الموتى تجاه ايران التي تتعاون مع امريكا واسرائيل ضد العرب والعراق؟ هل تعاون ايران اقل ضررا من تعاون النظم العربية، مع ان الدور الايراني لم يقتصر على تسهيل الغزو، وهودور بعض الانظمة العربية، في حين ان دور ايران أكبر واخطر وهوتسهيل الغزووالقيام بدور بعد الغزويتمثل في ان من نفذ الخطة الامريكية – الصهيونية لتدمير العراق ارضا وشعبا هوايران واتباعها في العراق؟

واذا كنا نعادي يهودا احتلوا فلسطين ونحاربهم منذ اكثر من ثمانين عاما فلماذا لا نعادي الصفوية الايرانية التي تدمر العراق علنا ورسميا وتقتل مئات العراقيين يوميا بالمشاركة مع امريكا، وبلغ عدد من قتلوا مليون عراقي منذ الغزو، وهورقم يفوق عدد من قتلتهم اسرائيل من الفلسطينيين منذ غزوفلسطين؟ وهل تنفيذ ايران، عبر مخابراتها وحرسها الثوري في العراق والتنظيمات التابعة، خطة جهنمية لتذويب هوية العراق العربية تمهيدا لتقسيمه بتهجير ستة ملايين عراقي من وطنهم بالقتل الوحشي، وهورقم اكبر من الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948والذي يصل الى اربعة ملايين فلسطيني، وتصدير حوالي اربعة ملايين فرد من ايران ما بين فارسي وكردي ايراني الى العراق، وهورقم قريب من رقم اليهود الذين جلبوا من الخارج لتغيير هوية فلسطين العربية، هل هذه الخطة الامريكية الايرانية لتغيير هوية العراق القومية مسألة تختلف من حيث الجوهر عن الهجرة اليهودية لفلسطين؟ مالفرق بين القتل على يد القاتل اليهودي والقتل على يد القاتل الايراني؟ ما الفرق بين الاستيطان اليهودي والاستيطان الايراني؟

هل نعادي اليهود لانهم يهود مع انهم عاشوا معنا الاف السنين دون مشاكل كمواطنين عاديين دون تمييز ولم نختلف معهم الا عندما غزوا فلسطين؟ كل التقدميين العرب يقولون انهم ليسوا ضد اليهود بل ضد الصهيونية الاستعمارية. اذن لم لا نطبق هذه القاعدة على ايران التي تنفذ نفس المخطط الصهيوني، ولكن لصالحها، وما الاستيطان السكاني المخطط في الخليج العربي، والذي لا يختلف من حيث الاهداف والوسائل عما فعلته الصهيونية، الا دليل على هذا التشابه؟ لماذا لا ندين جرائم ايران في العراق وتوسعها الاستعماري الاستيطاني في الخليج العربي؟ لماذا لا ندين الفتن الصفوية الطائفية في الوطن العربي والعالم الاسلامي، والتي شقته بشكل خطير مع انه يواجه اشرس حملة صليبية أستعمارية في تاريخه، مما جعل العرب يواجهون خطر الغزوالصليبي – الصهيوني وخطر الغزوالصفوي في ان واحد؟ هل ما يجري ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين اخطر مما يجري في العراق المحتل؟ بالطبع كلا ففلسطين تم اغتصابها وهجر اغلب اهلها وما يطرح الان هوحل سلمي تتفق عليه اغلب المنظمات الفلسطينية بما في ذلك حماس وهو (دولة في حدود 1967).

ونتيجة لاختلال التوازن السكاني والعسكري بين اسرائيل والشعب الفلسطيني واستحالة تحرير فلسطين بقوى الشعب الفلسطيني وحدها، فان الصراع الحاسم لا يجري الان في ارض فلسطين بل في العراق لان من يخوض الحرب ضد حركة التحررالوطني العراقية ممثلة بالمقاومة العراقية هوامريكا الدرع الاعظم الذي يحمي اسرائيل ويمدها باسباب البقاء في كافة المجالات. ومعنى هذا ستراتيجيا ان من يدعم المنظمات الفلسطينية، لكنه يعادي المقاومة العراقية، ينفذ مخططا خبيثا وهوتغطية تصفية قضية الحسم (الشامل لكل القضايا العربية) في العراق لصالح حركة التحرر الوطني العربية، بامتداح قضية فلسطين والدفاع الكلامي عنها مع ان ذلك لن يحسم الامور لانه صراع جبهة ثانوية، من حيث القدرة على الحسم وليس من حيث القيمة القومية! بتعبير اخر ان ايران بدعم منظمات فلسطينية تريد التستر بغطاء الدعم ذاك على تعاونها مع امريكا واسرائيل للقضاء على الامل الحقيقي في تحرير فلسطين بتحرير العراق، ما دامت هزيمة امريكا في العراق تقود الى تفكك اسرائيل. لم اذن هذا الاصرار على التعامل مع ايران أيجابيا رغم جرائمها في العراق وغير العراق، اوفي افضل الاحوال انتقادها بخجل على اساس ان سياستها في العراق خاطئة وليست اجرامية وتدميرية؟

نحن نلطم منذ خمسن عاما على ضياع فلسطين، مشاكلنا الداخلية والخارجية مرتبطة بها ومع ذلك لم يسال هؤلاء اللاطمين انفسهم : ألا يشبه موقفهم الحالي الساكت على تمزيق العراق موقف الحكومات العربية في الاربعينيات التي ادت سياساتها المتواطئة اوالساذجة لضياع فلسطين؟ ماذا فعلت تلك الانظمة وماذا يفعل هؤلاء الان؟ انه عمل متشابه من حيث الجوهر. كم سيضاف من عذابات لشعب العراق حتى يفهم بعض العرب حقيقة الدور الايراني وما يجري في العراق على يد ايران وامريكا؟ اذا كان سلب فلسطين قد سبب لنا كل ما نعاني من ماس فان ضياع العراق درع الامة وبوابتها الشرقة الحامية والقوية سيكون الضربة القاضية للوجود العربي وللهوية العربية. هل اهمال اوالتقليل من خطورة ما يجري في العراق اوالتقصير في نجدته نتيجة نسيان اوفورة ام نتيجة موقف لدى بعض الساسة والنخب العربية؟ في العراق يقتل يوميا اكثر مما يقتل في شهور طويلة وعديدة في فلسطين، وفي ثلاثة ايام يقتل من العراقيين بقدر ما قتل من اللبنانيين في الحرب الاخيرة، فما معنى ذلك من منظور قومي؟ في العراق تزرع ايران وامريكا بذور فتنة طائفية خطيرة وتنهب الثروة وتغتضب الاعراض وتنتهك كل القيم من قبل ليس امريكا فقط بل من قبل ايران ايضا، فاين الموقف

القومي والاسلامي مما يحدث امام نواظرنا، وصمت البعض سيد موقفهم؟

هل ايران عدو رئيسي لامريكا واسرائيل؟

من يعرف اوليات الستراتيجية يدرك بلا صعوبة ان ايران ليست عدوا رئيسيا لاسرائيل ولا للغرب، وهناك مؤشرات وادلة قوية تثبت ذلك منها الاسئلة التالية : لم لم تضرب ايران رغم ان التهديدات الساخنة بضربها مستمرة منذ ربع قرن؟ وهناك سؤال مهم جدا لا ادري لم يتجاهله الخبراء في القضية الفلسطينية، وهو: لم تنتهي حدود اسرائيل الكبرى شرقا عند الجانب الغربي لنهر الفرات ولا تعبره شرقا، بينما تنتهي حدود التوسع الايراني غربا عند الضفة الشرقية لنهر الفرات ولا تعبره غربا؟ ولم يعامل الغرب واسرائيل ايران باسلوب فيه تساهل وغض نظر، مثل مساعدتها على شراء اسلحة ستراتيجية واسلحة دمار شامل اوموادها وعلماءها من دول الاتحاد السوفينتي السابق واوربا الشرقية في حين دمر العراق لانه اشترى ومن السوق الدولي اومن السوق السوداء موادا بدائية مقارنة بما حصلت عليه ايران؟ اليس لهذه الحقيقة معنى ومترتبات؟ ولم يصمت الغرب واسرائيل، وايران على لسان نجاد وخامنئي تتحدى الغرب وامريكا وتستفزهما كثيرا بينما اتحد الغرب والصهيونية ضد العراق لمجرد انه رفض المساومة على فلسطين ورفض تسليم النفط للغرب؟ ولم سلمت امريكا العراق بعد الغزولايران اذا كانت تخوض معها صراعا عدائيا ستراتيجيا؟

هذه الاسئلة لا يمكن الاجابة عليها بصواب ودقة الا اذا تذكرنا ان المشروع النهضوي القومي الايراني لا يتناقض جذريا وعدائيا مع المشروعين الصهيوني والراسمالي الغربي، وبالاخص الامريكي، لان مجاله الحيوي المركزي هوجغرافية ايران، التي هي امة موحدة وغير مقسمة كالعرب، لذلك فان ما تحتاجه ايران لاقامة امبراطوريتها القومية هومنطقة نفوذ تضاف اليها بالضغط اوبالتعاون مع الغرب وغيره وفي اطار الامر الواقع عمليا، لان ايران تعرف جيدا ان تنفيذ مارود في الدستور الايراني عن امبراطورية تشمل العالم كله تحت قيادة ايران محض حلم واداة مساومة. وهذا يعني ان الخلافات بين ايران والغرب هي خلافات تقاسم مصالح وليس صراع وجود. وبالعكس من ذلك فان المشروع النهضوي العربي يتناقض جذريا وعدائيا مع المشروعين المذكورين، فالمشروع الاستعماري يقوم على الاستيلاء على نفط العرب، ومبدأ كارتر، الذي مازال اساس الموقف الستراتيجي لامريكا تجاه الامة العربية، يقوم على فرضية ان منابع النفط العربية مصلحة قومية امريكية اومكون اساس من مكونات الامن القومي الامريكي، ومن ثم فان حدود امريكا الجيوبولوتيكية تمتد لتشمل الخليج العربي والجزيرة العربية، وكل تهديد لتدفق النفط من الوطن العربي للغرب يواجه بالقوة بما فيها المسلحة.

هذا هومبدأ كارتر، وهوكما اتضح يتناقض جذريا مع الهدف الاساسي في المجال الاقتصادي لمشروع النهضة القومية العربية وهوتحرير الثروة النفطية العربية وتسخيرها لخدمة الامة. كما ان قيام الوحدة العربية، لكون العرب امة مجزئة، يشكل مقدمة حتمية لبروز قوة عظمى جديدة يمتد وجودها من موريتانيا حتى عمان في الخليج العربي وتكون حرة ومستقلة، مع ان هذه المنطقة هي قلب العالم الجيوبولوتيكي بالنسبة للغرب. من هنا فان مشاريع الاستعمار تجد في المشروع القومي للامة العربية وفي بروز دولة عربية كبرى موحدة انقلابا ستراتيجيا كونيا خطيرا ونسفا لتلك المشاريع الاستعمارية، ومن ثم فان حركة التحرر العربية هي عدوالاستعمار الرئيسي فيما يسمى ب(الشرق الاوسط) وليس ايران. اما الصهيونية فانها لا ترى في المشروع الايراني عامل تهديد رئيسي لجوهر المشروع الصهيوني لانه لا يقوم على نفس الارض التي يريد المشروع الصهيوني ان يقام عليها، وهي المنطقة الممتدة من الفرات في العراق الى النيل في مصر.

ولم تدهش القوات العراقية اثناء الحرب مع ايران ان تجد خرائط ايرانية مع الاسرى ومع القتلى الايرانيين تشير الى الضفة الشرقية لنهر الفرات كحد نهائي للتقدم الايراني داخل العراق عند غزوه كما خطط خميني، وهذا التاشير لا يوضحه الا تاكيد عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي، على ان حدود اسرائيل الكبرى اوالتوراتية تنتهي عند الضفة الغربية لنهر الفرات!

من لا يلتفت الى هذه الحقائق الجيوبولوتيكية، التي تقرر جوهر ستراتيجيات الاطراف الثلاثة امريكا وايران واسرائيل، لا يستطيع تكوين فهم صحيح لما يجري الان في الوطن العربي من احداث خطيرة يقف حتى المخلص تجاهها حائرا لا يستطيع تفسيرها بشكل يقنعه هو. ان ما يربط هذه الاطراف الثلاثة هورباط التقاء مصالح ستراتيجية وليس تناقضها، وما بينها من تناقضات هوتناقضات ثانوية، مثل التناقضات بين نفس القوى الاستعمارية التقليدية التي تتفق وتلتقي رغم ان لكل منها اجندة مختلفة. وعلى العكس من ذلك فان العرب بمشروعهم القومي يشكلون عقبة اساسية امام المشاريع الثلاثة الامريكية والاسرائيلية والايرانية. وحينما تتكلم الجيوبولتيك تسكت السياسة وتؤدي التحية لها.

هل ايران دولة توسعية استعمارية؟

جوابا على هذا السؤال نقول بكل ما نملك من مرارات والم : نعم ايران دولة استعمارية، لان الاحتلال بالقوة خصوصا من اجل الثروة اوالمناطق الثرية بالمياه اوالمعادن هواستعمار كلاسيكي بلا ادنى شك، وايران احتلت الاحواز والجزر العربية عسكريا، وهي تحتل بالزحف السكاني الخليج العربي، وهي تعلن رسميا انها تريد نشر ما تسميه ب (الثورة الاسلامية) الذي يعد مجرد غطاء للتطلعات الامبراطورية الفارسية. وتدخل ايران في شؤون العراق الداخلية، وكان السبب الرئيسي لاندلاع الحرب العراقية – الايرانية، هومظهر فاضح للنزوع الاستعماري الايراني والذي تجلى في اوضح صوره بعد غزوالعراق. والسؤال هنا هو مالفرق بين احتلال ايران واحتلال اسرائيل من حيث الهدف النهائي، وهو تذويب الهوية العربية، بالنسبة لايران لصالح القومية الفارسية وفي الكيان الصهيوني لصالح اسرائيل الكبرى؟ ان الاستعمار الايراني يشبه الاستعمار الصهيوني من حيث انه استعمار يغير الهوية سكانا وارضا بالقوة والمال والاغراء. كما انه يشبه الاستعمار الامريكي من حيث انهما يقومان بالاحتلال بالقوة والاستيلاء على ارض الاخرين، كما فعلت ايران في قضية الاحواز العربية التي تضم اكثر من ثمانية ملايين عربي أي ضعف عدد فلسطينيي الارض المحتلة، وتحتوي على منابع النفط الايرانية والقسم الاهم من مصادر المياه والارض الزراعية في ايران وتلك هي عماد ايران كلها.

كما ان احتلال الجزر الثلاثة من قبل الشاه واحتفاظ من تسمي نفسها (جمهورية ايران الاسلامية) بما غزاه الشاه، ومحاولتها الان تقسيم العراق والاستيلاء على القسم الجنوبي منه اوعلى الاقل زرع قومية فارسية فيه من مستوطنين ايرانيين، ورفض مقترحا قدم لها، اثناء الحرب التي شنتها على العراق، من قبل بعض الاطراف الاسلامية بتسمية الخليج ب(الخليج الاسلامي) واصرارها على تسميته ب(الخليج الفارسي)، كل هذا هوبعض مظاهر النزعة الاستعمارية الايرانية، والتي تتستر الان بشعار (الثورة الاسلامية) و(الدفاع عن المستضعفين) في كل مكان، كما نص الدستور الايراني للوصول الى ذلك الهدف القومي الامبراطوري.

خلافة أهل البيت : ماذا تعني عمليا؟ ولمن تخدم؟

أن موضوع التشيع الصفوي، القائم ظاهريا ورسميا على هدف (استعادة ال البيت) للخلافة، هوالاخر يشكل ادانة لايران ولكافة الصفويين، لانها، ولانهم، يروجون لصراعات لا اساس واقعي اومنطقي لها، ولا نتيجة لها الا تقسيم العالم الاسلامي، وبالاخص الامة العربية اكثر مما هي مقسمة الان، أي تقسيم الاقطار العربية على اساس طائفي بعد ان قسمتها اتفاقية سايكس بيكوعلى اساس قطري! ان السؤال الذي يجب طرحه بصراحه تامة الان ومن منطلق قومي وليس ديني اوطائفي هو التالي : من يستفيد من العمل الايراني المتطرف لجعل مسالة فقدان الامام علي كرم الله وجهه للخلافة مسالة المسائل التي يجب ان تحسم الان لصالح اقامة حكم علوي، مع اننا نذبح على المستويين الوطني والقومي من قبل اسرائيل والغرب، وبعد مرور 1400 عام تقريبا على هذه القضية؟ اذا افترضنا، لاغراض النقاش فقط، ان من الضروري اعادة الخلافة لاهلها فان السؤال المركزي هومن هم اهلها الان بعد 1400 عام انقرضت فيها اجيال وتغيرت اجيال؟ هل هم كل من لبس عمامة سوداء مع ان بامكان اي شخص ان يعتمرها دون اي تدقيق؟ وهل يختار من بين كل من يطلق على نفسه علوي اوموسوي اوحسيني اوغير ذلك، مع ان هذه التسميات صارت متداولة في ايران والهند وباكستان وحتى الصين، رغم ان النسب لدى العرب والمسلمين ينحدر من الاب وليس من الام، بينما عند اليهود النسب هو للام وليس للاب، وهذا يعني ان كل من يستخدم هذه الالقاب من دون ان ينحدر من اب عربي هو دجال ينتحل صفة من المستحيل ان تتوفر فيه، وفي مقدمة هؤلاء الدجالين الفرس خميني وخامنئي وسيستاني!

ومن يستطيع ضمان ان يكون الامام الحسيني، اذا وجد الان، علويا متمسكا بمبادئ الامام علي؟ هل توجد ضمانة لتحقيق ذلك؟ وهل بالامكان اثبات النسب العلوي الان لمن يدعي الحق في استرجاع الخلافة؟ اذا كان عم النبي ابو جهل المشرك لم تساعده جينات اسرة النبي على العصمة، واذا كان عقيل شقيق الامام علي انحاز لمعاوية طمعا في المال والحياة الدنيا، واذا كان الحسن شقيق الحسين قد تخلى عن الخلافة لمعاوية، فهل توجد ضمانة الان وبعد 1400 سنة ان يظهر حسيني وعلوي ويكون معصوما من الانحراف ليستلم الحق العلوي ويعيده الى اهله ويحكم العالم كامام مطلق الصلاحيات يتحكم بالبشر والحجر بلا رقيب لانه معصوم بالكامل؟ من المستحيل في حالة افتراض ان هذه الاطروحة مقبولة ان تقدم ضمانة بمجيء علوي نقي كالامام علي وكالامام الحسين. اذن ما الغرض من توريط العرب بكارثة اعادة الخلافة لاهل البيت الذين اندثروا منذ اكثر من الف عام ولا يستطيع احد ان يثبت فعليا انه ينتسب اليهم؟ ومن سيحل محل ال(البيت) في تسلم الخلافة غير فارسي يدعي انه سيد منحدر من النسل العلوي كخامنئي واضرابه من غلاة الفرس، بعد ان احكمت النخب الشوفينية الفارسية قبضتها على التشيع الصفوي في العالم كله، وصار امتدادا ذيليا لايران؟

ومن الملاحظات الظريفة هنا هوان الحكومة العراقية قبل سنوات من الغزوحينما استفحلت ظاهرة الادعاء بالانتساب للامام علي وسلالته تشكلت (لجنة اثبات النسب) من علماء بالانساب وبالدين من مختلف الطوائف، وخولت تدقيق صحة نسب من يدعي انه ينتسب للامام علي، واعلن ايضا ان هناك عقوبات بحق من لن يستطيع اثبات نسبه المعلن، فماذا كانت النتيجة؟ لقد تخلى الالاف بسرعة هائلة عن ادعاء انتسابهم للامام علي!

هل قامت دعوة ايران لعودة الحكم ل(ال البيت) بطرق سلمية كي نعد الامر حقا ديمقراطيا اوخطئا ثانويا يمكن تحمله وابقاء الافواه مكممة ولا تنتقد ايران؟ كلا بالطبع فكارثة الحرب التي فرضتها ايران على العراق، والتي ادت الى موت اكثر من مليون مسلم من الطرفين، وكارثة غزوالعراق التي ذهب ضحيتها حتى الان اكثر من مليون عراقي قتلوا على يد امريكا وايران، وكارثة تعرض العراق لفتن يقصد بها تقسيمه وتلعب ايران دور الشريك الاساسي لامريكا في هذه الخطة،وكارثة تقسيم الاقطار العربية باسم التشيع، هذه الكوارث، وغيرها كثير، هل كان يمكن ان تحدث لولا اصطناع ايران الصراع الطائفي على اساس ضرورة اعادة الملك ل(ال البيت)؟ تحت غطاء اعادة الخلافة، وبعد 1400 عاما، تجر ايران العرب والمسلمين لحروب دامية اخذت تتجاوز في دمارها وخسائرها البشرية والمادية كل حروبنا مع اسرائيل، ومع ذلك نجد من ينصت لهذا الصوت الذي لا يمكن وصفه الا بانه يستغبي العرب ويحقرهم ويفتتهم بقصة لوان الامام علي كان حيا الان لرفضها بشدة! خصوصا وان المستفيد المباشر لها هوايران فقط، بينما تحقق امريكا واسرائيل اهم اهدافها من وراء فتنتها وهوشرذمة العرب اكثر مما هومشرذمين الان!

وروى لي صديق قصة ظريفة حصلت لاجنبي غير مسلم التقى في السجن مع مسلم، وكان هذا المسلم يبكي دائما ويتحدث عن مقتل الامام الحسين، فتعاطف معه وايده واخذ يبكي معه كلما بكى، لكنه في احد الايام ساله : متى قتل الامام الحسين؟ فرد عليه قبل 1400 سنة، فما كان من ذلك الاجنبي الا ورفع حذائة واخذ يضربه وهو يصرخ : انت تبكي على انسان قتل قبل 1400 عام وتجعلني ابكي معك معتقدا ان الامام قتل الان! وسواء كات القصة حقيقية ام لا فان معناها عميق لانها تكشف خطورة العمل الايراني القائم على غسيل دماغ جماعي للكثير من الناس، بحيث اصبحت العودة للماضي وعيش لحظاته الماساوية جزء من اساليب ايران للسيطرة على الوطن العربي، مع ان هذه العودة مستحيلة عمليا ولا تقود الا الى شرذمة العرب بانقسامهم مجددا، مثلما انقسموا ايام الامام علي ومعاوية ويزيد والحسين، مع ملاحظة ان ايران لن تنقسم بل ستتعز قوتها بتقسيم العرب لانها ستفرض هيمنتها عليهم كما يحصل الان في العراق!

المقاومة العراقية تجرم ايران

وهناك حقيقة معروفة كان يمكن ان تكون كافية لإقناع بعض العرب، الذين يدعون انهم من داعمي المقاومة العراقية، بان ايران معادية للامة العربية، وهي موقف المقاومة العراقية من ايران ودورها. يجب ان نقول الان وبالفم المليان بان كل فصائل المقاومة العراقية، بلا استثناء، تحمل ايران كما تحمل امريكا مسؤولية كارثة العراق فلماذا يتجاهل هؤلاء هذا الموقف ويواصلون دعم ايران مع انهم يدعون انهم يدعمون المقاومة العراقية؟ ليعلم الجميع ان ام المقاومات التحررية العربية والعالمية هي المقاومة العراقية، وهي لذلك هي من يمنح الشهادات، ولا يوجد احد يحمل ذرة من الوطنية والانصاف يمكنه اتهامها بانها معادية لايران، اوانها تتبنى موقفا خاطئا، فهي الضحية الاولى للاستعمار الايراني في العراق، لانها تقاتل ايران كما تقاتل امريكا في العراق، وحكومة المالكي وقبلها حكومة الجعفري تابعتان لايران، وهما صلة اخرى تربط امريكا بايران في موضوع تدمير العراق. لذا فان من يدعم المقاومة العراقية عليه ان يتذكر انها بكافة فصائلها تقف بصلابة ضد الدور الايراني في العراق وتعده لا يقل خطورة عن الدور الامريكي اوالاسرائيلي.

وهناك من يتفلسف في مناقشة الدور الايراني في محاولة للتقليل من خطورته بالحديث عن اولوية الخطر الامريكي – الاسرائيلي، وهذه بديهية نعرفها وكنا اول من نبه اليها وتبناها عندما طالب البعض بالتحالف مع امريكا لاجل طرد ايران من العراق، فقلنا لا، على من يدعوا لذلك ان يتذكر الشطر الثاني من المعادلة وهو انه لولا الموافقة الامريكية ولولا الغطاء الامريكي لما نجحت ايران وعصاباتها في دخول العراق. اننا وقفنا وسنقف بقوة ضد كل من يجزأ المعادلة التي تم بموجبها غزوالعراق، وهي ان انه ما كان لامريكا ان تنجح في غزوالعراق لولا الدعم الايراني التام للغزووتسخيرها لكل طاقاتها لتحقيق هدافه، وهذا النصف من المعادلة قاله حكام ايران وفي مقدمتهم خاتمي ورفسنجاني، اما النصف الاخر للمعادلة فهوانه لولا القرار الامريكي باستخدام ايران اداة اساسية وجوهرية لغزوالعراق لما تمكنت ايران من دخول العراق والمشاركة الجوهرية والاساسية، وبخطورة اكبر بكثير من الدور البريطاني بعد اكمال الغزوالعسكري.

هذه المعادلة السهلة والمعروفة لاتترك مجالا الا لوضع ايران في خانة العدوجنبا الى جنب مع امريكا واسرائيل وليس بمعزل عنهما. اننا نعرف التكتيك الايراني الساذج الذي يريد ان يؤسس استقطابا مصطنعا، في الاعلام وعبر بعض السذج والخدج اوبعض المتمكنين ولكن الخادمين في فيالق ايران الصفوية، ينقضه واقع الصراع، وهواستقطاب يضع ايران وحزب الله وسوريا، مقابل استقطاب امريكا واسرائيل والنظم العربية التابعة لامريكا! والذي يدلل على سذاجة من يتقبل هذا التقسيم الساذج هوانه يتجاهل، اويجهل، اكبر حقيقة ستراتيجية معاصرة وهي ان من هزم امريكا هوالمقاومة العراقية وليس ايران وتابعها حزب الله، وان اسرائيل فصيل امريكي تابع ومحمي من امريكا. وهذه الحقيقة الستراتيجية تعني اول ما تعني ان أي استقطاب اقليمي يجب ان يعكس واقع الصراع على الارض، والذي يقول ان ما سيقرر مصير العالم وليس المنطقة فقط هوحرب تحرير العراق، أي المقاومة العراقية، فاين موقع المقاومة العراقية في المعادلة التي تروجها المخابرات الايرانية حول كون ايران قائدة المعسكر المناوئ لامريكا؟ الم يسأل الاذكياء الذين يؤيدون المقاومة العراقية انفسهم لم غيبت هذه المعادلة المقاومة العراقية؟

ان الجواب واضح جدا، فالمقاومة العراقية، وليس المقاومة اللبنانية اوالمقاومة الفلسطينية، هي من يخوض الصراع الرئيسي، والعراق الان هوساحة المعركة الحاسمة في الحرب المندلعة منذ عام 1948 نتيجة احتلال فلسطين، والمقاومة العراقية هي من ستحسم المعادلات الاقليمية والدولية، لان اقصى ما يستطيعه حزب الله هوتحريك مسألة مزارع شبعا ظاهريا، وخدمة هدف ايران الجوهري في تحقيق استقطاب اقليمي لصالح صراع تقاسم المنافع مع امريكا على حساب العرب. لقد راينا ولادة اللعبة الايرانية والامريكية المشتركة وهي ترويج اكذوبة ان العراق دخل في حالة حرب اهلية طائفية! وبذلك يصبح من كان مفتخرا بالمقاومة العراقية ويصفها بانها معجزة العرب الاكبر، يشعر بالاسى لتحولها الى حرب طائفية، كما تقول الدعاية الامريكية والايرانية المسمومة، لان هذه الاطروحة هي وحدها التي ستسمح للسذج والخدج بقبول وصف اكثر تضليلا للراي العام، وهوان حسن نصر الله (سيد المقاومة)، مع ان سيد المقاومة التي ستحسم هم مجاهدوا العراق، لانهم يصارعون من يحمي اسرائيل وهوامريكا ويشكل لها ضمانة ان لاتهزم حتى عندما تقع في ورطة.

والترويج هذا هوايحاء مدروس لفكرة ان من يقف وراء حزب الله، وهوايران، هوالطرف الذي يقود الصراع ضد امريكا وليس المقاومة العراقية! وبذلك تضرب ايران بحجر واحد عدة عصافير : تغطية دورها الاستعماري في العراق وغسل جسدها من دماء العراقيين وعزل المقاومة العراقية عن الراي العام العربي والدولي الداعم لها، والذي عدها حتى سنة مضت اعظم مقاومة في التاريخ، ودفع اتباع ايران الى الواجهة من اجل تسهيل نشر الدعوة الصفوية في الوطن العربي.

اننا نعيد طرح سؤال طرحناه كثيرا ويفهم جوابه حتى تلاميذ الابتدائية : ماذا سيحصل اذا هزمت اسرائيل؟ الجواب ستتدخل امريكا وغير امريكا وتمدها بجسور جوية لاجل تحويل مجرى الحرب لصالحها، وهذا ما حصل عام 1973 عندما واجهت اسرائيل هزيمة اولية في حرب اكتوبر، لكن الجسر الجوي الامريكي والدعم الشامل منها لاسرائيل مكن الاخيرة من تحويل الهزيمة الاولية الى نصر اضاف اليها المزيد من الاراضي العربية. ولكن اذا سئل احدكم السؤال التالي سيصل الى الجواب الصحيح : ماذا سيحصل حينما تهزم امريكا في العراق؟ الجواب هوان انقلابا عالميا جذريا سيحصل وسيعقب ذلك هزيمة لاسرائيل لن تجد بعدها الجسر الجوي الامريكي الذي يمكنها من تحويل الهزيمة الى نصر، لقد هزم الدرع الذي يحمي اسرائيل وحطم، فانكشفت ستراتيجيا.

من لا يفهم هذه الحقيقة سيبقى ضحية للسذاجة الستراتيجية. هنا نصل الى سؤال مهم اخر : اذا كانت معركة حزب الله في لبنان معركة ثانوية، لانها تقع في ساحة ثانوية ليس في أجندة قواها مطمح دحر اسرائيل داخل حدود فلسطين المحتلة، واذا كانت معركة ايران مع امريكا هي معركة تقاسم مغانم ونفوذ، وهي حقيقة تجسدها اعترافات المسؤولين الامريكيين بانهم يعتقدون بان المشاكل مع ايران لا تشابه المشاكل التي كانت قائمة مع عراق صدام الشهيد، ولذلك يمكن حلها بالتفاوض والحوار وليس بالحرب، وهوامر تقوم عليه (سياسة الاحتواء المزدوج) وسياسة (محور الشر) التي ما زالت معتمدة حتى الان، ويعترف به كبار المسؤولين الايرانيين الذين يناورون بموضوع العراق والمشروع النووي وضغط حزب الله، اذا كان كل ذلك صحيحا فكيف يمكن لايران اذا اعترفت به ان تحقق مشروعها الامبراطوري القومي مع انه يعتمد اساسا على عوامل اسناد من الخارج؟

أغتيال صدام الشهيد من قام به؟

لقد شكل اغتيال الشهيد القائد صدام حسين بحد ذاته عنوانا أضافيا وحقيقيا للتعاون الايراني الامريكي في العراق، فقرار الاعدام امريكي، كما نعلم جميعا، والرئيس الشهيد كان اسيرا لدى الامريكيين حتى ساعة من اغتياله، ومن نفذ الاغتيال حكومة يرأسها حزب الدعوة الايراني التاسيس والولاء، ورد الفعل الامريكي الايراني الاسرائيلي كان واحدا حتى بتعبيراته! فجورج بوش الرئيس الامريكي عبر عن (سعادته البالغة بحكم الاعدام) وايران خامنئي اعلنت بوقاحة الشوفينية الفارسية المعادية للعرب، خصوصا على لساني احمدي نجاد ورفسنجاني، بان ايران كانت تتمنى ان يحكم الرئيس باكثر من الاعدام (تصوروا الى حد تحقد ايران على العرب حينما تتمنى عقوبة اكثر من الموت؟)، اما اسرائيل فقد اختصرت موقفها بالقول بان الحكم باعدام صدام هوتذكير للعالم بان صدام كان اول من تجرأ وقصف عاصمة اسرائيل بالصواريخ واول من اعدم يهودا وعلق جثثهم في ساحة بغداد الرئيسية.

ما الذي يجمع بوش وخامنئي وحاخامات اسرائيل الدينيين والدنيويين؟ ببساطة ووضوح تامين ان ما يجمع هؤلاء هونجمة داود، فبوش الممسوس بالحديث مع ربه يهوه ويصر على اعتمار القبعة اليهودية ما هوالا اداة لتنفيذ قرارات حاخامات اسرائيل. ما حدث في العراق، واظهر واكد ذلك التلاحم الانموذجي بين اسرائيل وايران وامريكا، كاف لحسم اي جدل بين بشر طبيعيين، ومن يجادل في وجود وقوة الصلة التناغمية والانسجامية، عندما يتعلق الامر بالعرب، بين ايران واسرائيل وامريكا هواما غبي فقد ليس دماغه فقط بل ايضا ازال عينيه وسد اذنيه وخيط فمه كي يصبح وفيا لايقونة القرود الثلاث : لا اسمع ولا ارى ولا انطق، واما ان يكون من مارينز قم الذين باعوا عروبتهم وشرفهم للعدوالاقدم والاخبث للعرب وهوالشوفينية الفارسية. ان مزامير داوود التي عزفها بوش وخامنئي وحاخامات اسرائيل سوية، وبفرح غامر احتفالا بصدور حكم الاعدام على الشهيد صدام حسين، هي تعبير دقيق عن وحدة الموقف ووحدة المصالح بين هذه الاطراف، فاول من امم النفط بنجاح وحرم اللصوص الغربيين من نهبه كان صدام، واول من اسقط نظرية الامن الاسرائيلي كان صدام، واول من مرغ انف الشوفينية الفارسية في وحل الهزيمة النكراء باسقاط مشروعها التوسعي في قادسية صدام المجيدة، واجبر الحاخام الاكبر للطائفة الصفوية خميني على البكاء وهويتجرع سم تبديد احلامه الاستعمارية، كان صدام، واول من هزم امريكا في ارض العراق بعد غزوه، تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه على نفسه وعلى شعبه حينما قال (بان الغزاة سينتحرون على بوابات بغداد) كان صدام.

نعم ان صدام، وليس غيره، هو من دفن المشروع الصهيوامريكي للسيطرة على العالم بتنظيمه للمقاومة المسلحة وتحويله للعراق الى المقبرة الاخيرة التي ستدفن فيها امريكا.

ان اغتيال صدام الشهيد والتشفي بالاغتيال واختيار اول ايام عيد الاضحى تعمدا لاغتياله، والقول بصلافة مخلوقات غريبة في حقدها بانه ليس اول ايام العيد! بالانطلاق من نهج ظاهره طائفي ولكن باطنه هو مظاهر اضافية للالتقاء حول معاداة العرب بين اسرائيل وامريكا وايران حتى لو برزت خلافات قومي عنصري لتقسيم المسلمين حتى حول ايام اعيادهم وصيامهم، ان ذلك كله بينهم، مثل أي خلافات تبرز بين دول استعمارية تتنافس وتتصارع على تقاسم المغانم!

ولكي لا نتجاهل واقع العراق الحالي، والذي تشكل في ضوء التجارب البالغة المرارة التي تعرض ويتعرض لها شعب العراق نتيجة للدور الايراني الاجرامي في غزوه، يجب ان نقر بان فكرة عداوة ايران للعراق والامة العربية قد تغلبت واصبحت الاغلبية الناطقة والاخرى الصامتة خوفا من فرق الموت الايرانية، ترى في ايران عدوا خطرا جدا (ربما هواخطر من اسرائيل وامريكا)! واذا اردنا ان نتفهم هذه الحالة السايكولوجية البسيطة والمعقدة بنفس الوقت علينا ان نعرف ان ما فعلته فرق الموت الايرانية والحوزة الطائفية التابعة لها بالعراق، سواء كانت صامتة اومثرثرة، خصوصا منذ غزوه من قبل امريكا، يشكل حاضنة طبيعية لمواقف متطرفة ضد ايران خاطئة من حيث الجوهر لكنها تستند على دفق لا يرد من عواطف اهل الضحايا التي ماتوا اقسى ميتة على يد نماذج متوحشة مثل مقتدى الصدر وباقر صولاغ، بتوجيه واشراف حرس خميني والمخابرات الايرانية.

تصوروا ان العراقي حينما يعتقل يتمنى ان تعتقله القوات الامريكية لانها عقلانية وغائية في التعذيب، بمعنى انها تعذب للحصول على معلومات كقاعدة عامة، وحينما تحصل عليها تترك الاسير في غرفة اسره، اما فرق الموت التابعة لايران فانها تعذب وباسوأ اشكال التعذيب وحشية لاجل الانتقام من عدووهمي كونته الدعاية الفارسية تحت تسمية (المظلومية الشيعية)، وليس للحصول على معلومات، لان اغلب الضحايا مواطنين عاديين لا صلة لهم بالسياسة. ومن اهم مظاهر وحشية ما قبل الحيوانية التي مارستها وتمارسها عصابات ايران في العراق وسيلة الاعدام المفضلة لها وهي استخدام الدريل (المثقاب الكهربائي) في تثقيب عيون وجماجم ووجوه الناس وانتزاع احشائهم وهم احياء لم يموتوا بعد، وصب المواد الكيمياوية الحارقة التي تذوب اللحم والعظم، واغتصاب البنات الصغيرات والامهات والاباء قبل القتل، وسحل الضحايا في الشوارع حتى تتقطع الجثث وتهجير من يبقى حيا ومصادرة املاكه المنقولة وغير المنقولة، وهي افضل العقوبات بالنسبة للضحايا!

أستنتاجات ختامية :

ماهوالوضع الحقيقي لايران؟

ان ماسبق شرحه يوصل للاستنتاجات الرئيسية التالية :

1 – أيران عدورئيسي وليس ثانوي، باي حال من الاحوال، مادامت سياساتها ونهجها ماضيا وحاضرا قامت وتقوم على احتلال الوطن العربي، تحت صيغ ومسميات شتى، منها الغزوالطائفي والسكاني والعسكري، والوصول الى هذا الاحتلال عبر العنف المنظم والمطلق، عند التمكن، على ان يمهد لذلك بسياسة ملمس الحرير، مدعومة بهجمات دعائية وبذخ في صرف الاموال واستغلال المواضع المؤثرة حسب كل ظرف.

2 – أيران دولة نزعتها الاستعمارية اقوى من أي نزعة اخرى لديها، وتتموه بكل صيغة اوموضوع يحرك الناس في البلدان المستهدفة، وهذه النزعة لم تندثر ابدا، بل كانت تضعف وتقوى حسب الظروف المتغيرة. وفي النزعة الاستعمارية الايرانية تتوفر الشروط الجوهرية لظاهرة الاستعمار باغلب اشكالها المعروفة، ومنها مطامع اقليمية توسعية، نهب الثروات، تدخل في شؤون الغير، افتعال ازمات لتسهيل الغزوالمسلح لاحقا، قتل السكان بالجملة لارهاب من يبقى حيا واخضاعه، تغيير هوية السكان في البلدان المحتلة سواء كانت قومية اودينية. اليست هذه التجليات المعروفة للظاهرة الاستعمارية صفات تنطبق على ايران كما تنطبق على امريكا واسرائيل؟

3 – النزعة الاستعمارية الايرانية اقدم بكثير من النزعتين الاستعماريتين الاروبية، وفرعها الامريكي، والصهيوينة، فالفرس احتلوا بلدانا وامما كثيرة منها الامة العربية، قبل ان يتحول جد جورج بوش الاقدم من قرد يتقافز في غابات اوربا الى بشر نظيف! والفرس اقاموا مستعمرات خارج اراضيهم قبل ان يولد النبي موسى وبعد ولادته، ليس في المحيط الاقليمي فقط بل اندفعوا بعيدا عن منطقتهم، فوصلوا اليونان، لذلك فالاستعمار الفارسي اقدم من الاستعمارين الاوربي والصهيوني.

4 – للاستعمار الايراني ثقافة استعمارية متجذرة واقوى من ثقافة الاستعمار لدى اوربا وامريكا. وتبلورت هذه الثقافة عبر الاف السنين وليس مئات السنين كم هوحال الثقافة الاستعمارية الاوربية. وبفضل هذه الثقافة تكونت سايكولوجيا معروفة عن الشخصية النخبوية الفارسية، وهي سايكولوجيا العناد المتطرف ورفض الانصات للاخر، حتى حينما تهزم، والتعالي عليه، وبنفس الوقت التظاهر بالمحبة تمهيدا لافتراس الضحية بعد ان يطمئن. وتجلى ذلك في ما يسمى اليوم (التقية)، والتي صارت غطاء لتغيير جلد ايران، والصفويين التابعين لها، كلما كان ذلك ضروريا لتعزيز نزعة افتراس الاخرين. وهذا يعني ان الجذور الحقيقية للتقية ليس الاسلام بل الثقافة الفارسية بمختلف منابعها والتي تأثرت في هذا الجانب بثقافة الجيتواليهودي. وبتأثير هذه الثقافة الاستعمارية كانت ايران هي الامة الوحيدة التي قبلت الاسلام مضطرة لكنها ربطت ذلك بالعمل المبرمج لجعله اداة تمزيق للامة العربية واختراق القلب فيها، وما تحويل الفرس واليهود، وليس غيرهم، التشيع من موقف سياسي يقوم على دعم احقية الامام علي كرم الله وجهه في الخلافة، وهي بهذا الجوهر قضية سياسية صرفة، الى مذهب مناقض في جوهره للاسلام مما ادى الى انشقاقه وبروز طائفتين من المستحيل التوفيق بين ايديولوجيتهما، ما هذا الا شكل معبر ودقيق لتغلب الثقافة القومية الفارسية الانتقامية على الاسلام وتسخيرها لخدمة الاهداف التوسعية القومية. وهذه الحقيقة تفسر ظاهرة معروفة وهي ان الامة الاسلامية الوحيدة التي تكره نخبها المسيطرة العرب هي الامة الفارسية، وكان اكثر التعابير الحديثة خطورة عن هذا الكره للعرب هورفض خميني التحدث بلغة القران بعد اسقاط الشاه، وفي الماضي كان اخطر تعبير عنه هوتكون ظاهرة (الاسرائيليات) في الاسلام، والتي تعني تلفيق احاديث نبوية وقصص بل والادعاء بان هناك أيات قرانية محذوفة منه، من اجل شق المسلمين والسطوعلى الاسلام وتغيير تعاليمه! وفي هذه التلفيقات لعب الدور الاساس الفرس واليهود.

5 – ان الدافع الاصلي للنزعة الاستعمارية الايرانية جيوبولتيكي، فرخ تدريجيا الدافع الايديولوجي ابتداء من ظهور الزرادشتية وانتهاء بفبركة ايديولوجيا التشيع الصفوي. والدافع الجيوبولوتيكي تجسد في فقر موارد ايران منذ القدم، حيث كانت تعاني من المناخ القاسي في قلبها، ومن شحة المياه وقلة الاراضي الصالحة للزراعة. ومقابل ذلك فان الحاجات التي كانت ايران تريدها بشدة متوفرة في غربها وليس في شرقها اوشمالها، وغربها هوالعراق، المتميز بوفرة المياه، وهي اهم ما تحتاجه ايران ماضيا وحاضرا، والاراضي الصالحة للزراعة، حيث انها لا تزيد عن 13 – 15 % من كل اراضي ايران، وحتى هذه النسبة الضئيلة لا تجد الماء الكافي لإروائها، الا اذا نزلت الامطار دوريا، وعند عدم حصول ذلك تحل المجاعات وتكثر الهجرة للغرب، في حالة ضغف بلاد فارس، وتلجأ الى الغزوللحصول على موارد في حالة قوة الدولة. وفي تلك العصور السابقة لقيام الدولة في بلاد فارس كانت القبائل الفارسية تغزوالعراق بشكل دوري خضوعا لقانون الطبيعة الجيوبولوتيكي. ولعل اوضح ذكريات الاستعمار الفارسي لدى العراقيين حتى غزوالعراق عام 2003 كان احتلال الملك الفارسي قورش لبابل وحرقها وتدميرها من اجل تحرير الاسرى اليهود فيها!

6 – هناك فرق واضح بين النزعات الاستعمارية الامريكية والاوربية والصهيونية من جهة، والنزعة الاستعمارية الايرانية من جهة اخرى، واهم هذه الفروقات ما يلي :

أ- العدوان الرئيسيان اللذان يشنان الحروب على الامة العربية هما امريكا واسرائيل، وبفضل البيئة التي تتولد من الحروب والعدوانات على الامة العربية تتوفر ظروف تضعف فيها الامة العربية فتجد ايران الطامعة في الارض العربية مناخا ملائما للتدخل وتحقيق المكاسب على حساب الامة العربية. وبهذا المعنى فان ايران، مدفوعة بنزعة التوسع الاستعماري، تستغل الاوضاع التي تخلقها الغزوات الامريكية والصهيونية فتتدخل لتحقيق مكاسب.

ب – ان ايران، ونتيجة لمجاورتها لنا، ولكونها دولة طبيعية واصلية في المنطقة وليست مستوردة مثل اسرائيل ولا اتية من وراء المحيطات كامريكا، تختلف عنهما في اننا لا نستطيع ازالتها من الخارطة ولا هي تستطيع ذلك، مما يفرض على العرب والايرانيين خلق فرص للصلح والتعايش السلمي، ولكن تحقيق ذلك يتطلب ان تدرك ايران ان أي تطلع استعماري على حساب العرب سيرد عليه بقوة تؤذي ايران مثلما تؤذينا تطلعاتها. بتعبير اخر ان من الضروري اقناع ايران بان الاقطار العربية قادرة على حماية نفسها والرد على كل معتد. والامر الذي يساعد على تعزيز هذا التمييز الضروري بين ايران وامريكا واسرائيل هوحقيقة ان التاريخ المشترك وكون الشعوب الايرانية تعتنق الاسلام ولها روابط اجتماعية مع العراقيين وعرب الخليج تعد عوامل مشجعة على الحوار والتعايش السلمي.

ج – الضرورات الستراتيجية تقتضي وضع جدول بتدرج خطورة الاعداء، لان الامة لا يجوز ان تخوض المعارك مع الجميع، وانما العمل على الاشتباك مع العدوالرئيسي الذي يهاجمنا والذي اذاهزم تنهزم بقية القوى المعادية، وتأجيل الصراع مع أي طرف نستطيع تأجيله معه. واستنادا الى ذلك فان القوة المعادية التي وفرت بيئة التدخل الايراني في العراق هي امريكا، وحينما تطرد امريكا سيقود ذلك الى طرد ايران من العراق. وفي اطار هذا السياق الستراتيجي يمكننا ان نقلل من جبهات القتال ونوفر امكاناتنا البشرية والعسكرية، كما يساعد ذلك على توفير فرص التعايش السلمي مع ايران بعد التحرير. ومع ذلك فان هذه الفرصة لا يتوقف ايجادها علينا فقط بل ان ايران مسؤولة عن توفيرها اكثر منا.

د – تلتقي النزعة الاستعمارية الايرانية مع النزعة الاستعمارية الصهيونية في انهما كلاهما يتحرك ويحرك بدوافع ايديولوجية (تتموه بالدين اوالقومية)، أما النزعة الاستعمارية الامريكية فتلتقي مع النزعة الاستعمارية الايرانية كونهما تسعيان لتحقيق منافع مادية مباشرة وغير مباشرة من وراء الاحتلال والتوسع.

7 – الاستعمار الغربي (بريطانيا وفرنسا ثم امريكا) يجد في القوى الاقليمية غير العربية احتياطات ستراتيجية يمكنه الاستفادة منها في ضرب الامة العربية لاجل احتلال أي قطر عربي، وبالمقابل فان القوى الاقليمية المحيطة بالعرب تجد فرصة لتحقيق المكاسب على حساب العرب حينا تأتي قوة كبرى وتشتبك مع قطر عربي وتضعفه، فتتحرك من داخله،عبر اتباع لها مزروعين في الداخل كالطفيليات النائمة تنتشر بصمت اولا ثم تظهر حالما يضغف الجسد لتلحق به الخراب، وتتحرك كذلك من الخارج بتحريك قواها الخاصة في لحظات معينة، لتحقيق اهداف ستراتيجية خاصة بها.

8 – تبنت اسرائيل ستراتيجية في مواجهة الامة العربية تقوم على هدف خطير وهوتفتيت الامة العربية قطرا بعد اخر اوبالتزامن تمهيدا لتذويب هويتها القومية، بالاعتماد على خطين، خط أثارة النزعات الطائفية والعنصرية والعمل على ايصالها الى اقصى حالات التفجر والاستنزاف،وذلك يتطلب دعم الاقليات، والخط الثاني يسمى (نظرية شد الاطراف) وهوخط يعتمد على اقامة اسرائيل افضل العلاقات مع الدول غير العربية المجاورة للامة العربية، وتشجيعها على اثارة الازمات والمشاكل مع العرب، حول الحدود والاقليات والمياه وغير ذلك. وشخصت اسرائيل ايران بصفتها الدولة المجاورة للعراق الاهم، والتي لديها استعداد للدخول في منازعات مع العراق وغيره من دول الخليج العربي لاسباب عديدة ومعقدة. ومن يظن ان هذه الصلة اقتصرت على زمن الشاه مخطأ لان اسرائيل، ورغم الحرب الكلامية بينها وبين ايران، انحازت الى جانب ايران خميني منذ اندلعت الحرب بينها وبين العراق، فقدمت لها الاسلحة ليتعزز موقفها المعادي للعراق.

9 – واثبتت التجربة التاريخية منذ نشر الاسلام في بلاد فارس وحتى الان ان مصدر الخطر الايراني الاول هوليس العداء الشوفيني تجاه العرب لدي النخب الفارسية، بل القناة التي يتسلل منها الى الامة العربية، وهي قناة التشيع الصفوي، فبعد ان اصبحت ايران دولة اسلامية وبرز منها اعلام عظام تبحروا بالثقافة العربية وعلومها، وتولى قسم من ابرز العناصر الفارسية مواقع مهمة في الدولة العباسية، نتيجة اممية الاسلام، ثبث من خلال الاحداث، انها تنفذ خطة بعيدة المدى للتغلغل في الجسد العربي ليس انطلاقا من اممية الاسلام كما فعل العرب، بل انطلاقا من مصالح قومية فارسية صرفة لتحقيق اختراق لحصانة العرب وتمزيقهم من الداخل، بعد كسب ثقة قسم منهم باسم الاسلام. من هنا فان مايميز الخطر الايراني هوانه يتحرك غالبا في البيئة العربية دون تحسس اوخوف على اعتبار ان ايران دولة اسلامية صديقة، وليست عدوا يجب الاحتراس منه.

تداخل الهوية من خلال الدين الواحد،عطل نظام الانذار الطبيعي في الحصانة العربية تجاه ايران اواضعفه، وسمح لبعض العرب بان يتعامل مع ايران على انها دولة اسلامية، ومهما اختلفنا معها فانها لن تصبح عدوا كاسرائيل! في هذه البيئة الساذجة كانت رموز الامة العربية خصوصا السياسية تعمل وتتنفس، فمرت مياه ايران من تحتها وهي لا تعلم، اوتعلم ولكنها كانت تظن ان مرور هذه المياه يساعد على تلطيف حرارة الجو! لكن ما حصل في العراق والدور الايراني فيه قلب التصورات العربية النمطية تجاه ايران راسا على عقب، وجعل اعدادا متزايدة من الرموز العربية تعقد مقارنات مشروعة بين اسرائيل وخطورتها وايران وخطورتها. وفي هذا الاطار تبلورت صورة العلاقات بين العرب من جهة واسرائيل وايران من جهة اخرى، ففي حين ان العرب متحصنين بقوة ضد اسرائيل لانها اظهرت عداوتها مبكرا ليس لفلسطين فقط بل لكل العرب والمسلمين بصفتها دولة تبرقعت بالديانة اليهودية، فان العرب غير محصنين تجاه ايران لانها تنتمي لنفس الدين الذي ينتمي اليه العرب، فنجحت في تحقيق اختراقات خطيرة جدا داخل الجسد العربي، خصوصا في الخليج العربي والعراق.

لقد كانت طفيليات اسرائيل تقتل بالمضادات الحيوية بسهولة لانها حينما كانت تريد ان تتسلل الى الجسد العربي كانت تصطدم بنظام الحصانة العربية، فبقيت اسرئيل خارج الجسد العربي عدوا تسهل رؤيته ومكافحته. اما ايران فانها كانت تنشر فايروساتها وطفيلياتها (الطائفية بشكل خاص) في الجسد العربي بصمت ودون انتباه من قبلنا، فتماهت هذه الفايروسات حتى مع مكونات نظام الحماية العربي! لذلك حينما جاءت كارثة العراق وانتبه العرب الى حقيقة ان ايران عدوخطير جدا للامة العربية ولايقل قتلا عن امريكا واسرائيل كانت البصرة قد احترقت، كما يقول المثل العراقي (بعد خراب البصرة)، وفات اوان اعادة الحياة لمليون عراقي ماتوا نتيجة الغزوالامريكي الايراني للعراق! لقد اكتشف العرب بغالبيتهم الساحقة ان نظرية (ان ايران بلد اسلامي لا مطامع له بمستوى المطامع الاسرائيلية) كان خطئا فادحا كلفنا وسيكلفنا الكثير جدا من حاضرنا ومستقبلنا وهويتنا العربية بعد ان راينا ايران تعمل بحماس لا يقل عن حماس امريكا واسرائيل لتقسيم العراق وقتل ابناء العراق ومحوهوية العراق!

وبنفس الوقت فان ايران حركت على نحوغير مسبوق كل احتياطاتها السكانية في الوطن العربي لصالحها في معركة حاسمة تخوضها من اجل الانتصار في المعركة المستمرة منذ فرض الاسلام على بلاد فارس بالقوة وحطمت الامبراطورية الفارسية، فكشف الوجه الحقيقي لايران واصبحت لاتهتم مثل السابق، في مرحلة التقية، بالخداع والتضليل بل صارت لغتها الرسمية هي لغة مصلحة الدولة الايرانية وليست مصلحة (الثورة الاسلامية)! وهكذا اصبحنا نواجه ايران وهي تقاتل في معركتها المصيرية ليس ضد اسرائيل وامريكا كما تدعي بل ضد العرب الذين اكتشفوا لعبة التقية التي مورست لاكثر من الف عام، لكنها انكشفت واصبحت غير كافية للخداع مجددا! اننا نحذر بقوة كل العرب من خطورة ايران بعد انكشاف خططها وهويتها الحقيقية فهي الان تقاتل بمنطق لص انكشف بعد ان كان يرتدي عمامة التقي والنقي تمويها، فقرر ان يخلع العمامة ويظهر علنا بملابس اللص الرسمي لهذا فان عليه ان يقاتل لاثبات ان لصوصيته هي اخلاق المرحلة الجديدة، ولاجل ان يكمل ما بدأه تخريبا مموها بعمل صريح مستند الى منطق القوة بالدرجة الاولى وليس الخداع والتضليل التقليديين!

10 – تثبت التجربة التاريخية للعلاقات العربية الفارسية بان نزعة التوسع والاستعمار لدى الفرس مكون اساسي في شخصية النخب الشوفينية الفارسية، وهي كفايروس الايدز يختفي اولا في اخر مكان يمكن للطبيب ان يتوقعه وهوالخلايا الدفاعية للانسان، فيخربها ويبدأ بالظهور كلما ازداد ضعف المناعة، وحينما يواجه علاجات يختفي فورا بالتمويه ولكن بطريقة جديدة ومبتكرة، لدرجة ان المريض يتصور انه تعافى، لكنه يظهر مرة اخرى وبشراسة اكبر. لذلك علينا ان نتعامل مع ايران على انها خطرة كخطورة فايروس الايدز المستشري في الجسد وان يتركز جهدنا الاساسي لاكتشاف اواختراع علاج لفايروس الايدز الفارسي هذا.

11 – حينما صغت عنوان الدراسة بصيغة تساؤل (أيهما اخطر على العرب : اسرائيل وامريكا؟ ام ايران؟) كنت اعرف انني اطرح تساؤلا ملتبسا لان موضوع عداوة ايران للعرب لم يعد موضوع تساؤل بالنسبة للجماهير العراقية على الاقل، وانما موضوع التساؤل هو: هل هي عداوة دائمة ام مؤقتة؟ وهذا التساؤل بحد ذاته مرحلة انتقالية في وعي الشعب العربي الذي تعود على النظر الى ايران بصفتها دولة اسلامية ولذلك لا يمكن ان نعد دولة اسلامية معادية! فاقتضى الحال مرحلة وسيطة تساعد على تجاوز وهم ان ايران ليست دولة معادية وتستوعب حقيقة ان ايران في الواقع ليست دولة اسلامية وانما هي تدعولدين جديد مختلف كليا عن الاسلام الذي نعرفه ونؤمن به، وتستغل اسم الاسلام للخداع وتحقيق اختراقات في صفوف المسلمين. لذلك فان تساؤلي، الذي فصل ايران عن امريكا واسرائيل وكأنهما معسكرين بينهما تناقضات جوهرية وليس ثانوية، كان مقصودا به تحريك الذهن واجباره على النظر لموضوع علاقة ايران بنا وبامريكا واسرائيل من زاوية جديدة مختلفة فرضها واقع السياسة الايرانية وليس رغبتنا نحن.

12 – من المؤكد ان لنا ثلاثة اعداء هم امريكا وايران واسرائيل، هذه حقيقة يفرضها واقع العراق والوطن العربي بعد غزوالعراق وافتضاح الدور الايراني الحقيقي والاهداف الايرانية الحقيقية. هؤلاء الاعداء الثلاثة يختلفون حول قضايا عديدة لكن خلافاتهم هذه لاتشمل اتفاقين : اتفاق اول على عدم السماح للعرب بالوحدة والتقدم والتحرر، واتفاق ثاني على تقاسم الوطن العربي فيما بينهم. ان العراق يقدم صورة تثبت ما قلناه، فقد اتقف الثلاثي الشرير الصفوي والصهيوني والصليبي على ان يدمروا العراق، وما ان بدأت لعبة تقاسم اشلاء العراق حتى بدأت الخلافات بينهم!

13 – ثمة فرق اخر يجب الانتباه اليه : امريكا تغزومن اجل النهب اساسا، لانها بلا وعي تاريخي وبلا هوية قومية اوايديولوجية متبلورة تستطيع نشرها، فأذا دحرت ابتعدت، واسرائيل غزت من اجل حلم توراتي يجعل صراعنا معها صراع وجود، اما ايران فانها بلد تحركه سايكولوجيا افتراس الاخر تحقيقا لهدفين هدف الاستيلاء على مصادر الحياة لدية وهدف اشباع نزعة عرقية استئصالية متجذرة. ما معنى هذا عمليا؟ ان المعنى الرئيسي الذي يجب ان يبقى امام عيوننا هوان ايران واسرائيل تشكلان عدوين خطيرين لانهما يحملان هدفا مشتركا وهوعدم الاكتفاء بنهبنا، ثروة، بل تجاوز ذلك واهلاكنا، شعبا وهوية. لذلك لم تكن صدفة ان ايران واسرائيل تعتمدان في توسعهما الامبريالي على الاستيطان البشري والدفع نحوهجرة اتباعهما الى البلدان التي تريدان غزوها، ولم تكن صدفة ايضا ان ايران واسرائيل تعتمدان الدين واجهة للغزو.

14- هناك من يدعوا للوقوف ضد ضرب المشروع النووي الايراني على اساس فرضية ليست فاسدة فقط وانما هي اجرامية بقدر اجرامية الدور الايراني في العراق. فلئن كان ضرب ايران كدولة موضع خلاف، فان تدمير المشروع النووي الايراني لن يلحق الضرر بالامة العربية باي شكل من الاشكال لانه بالاساس صمم باهدافه الواضحة لاخضاع واستعمار العرب وليس لضرب اسرائيل من جهة، واستخدامه اداة مساومة مع الغرب على مكاسب في الوطن العربي من جهة ثانية، كما تدل كافة المؤشرات العملية للسياسات الايرانية تجاه العراق والاقطار العربية والاسلامية والتي اشرنا الى قسم منها.

ان من يظن ان المشروع النووي الايراني لصالح المسلمين عليه ان يعيد النظر فورا ويتراجع قبل ان يسهم في تنفيذ المخطط التفتيتي للامة العربية، وهومخطط مشترك لاسرائيل وامريكا وايران وتقوم بتنفيذه بدعم امريكي ايران. ان السلوك الايراني تجاه العراق وافغانستان واذربيجان والشيشان والجزر العربية والاحواز وتسمية الخيج العربي وغير ذلك، سلوك لا يقبل التاويل اوالخلاف وهوسلوك استعماري تساومي مبعثه الدوافع القومية الفارسية. أن المشروع النووي الايراني لايقل خطورة على الامة العربية عن المشروع النووي الاسرائيلي، فكلاهما ينطوي على اهداف استعمار الامة العربية اواضعافها اوالمشاركة في تقاسمها. وحينما ستتوقف ايران عن ذبح عرب العراق وتلغي سياسة التوسع الجغرافي على حسابهم وتترفع عن التبشير الطائفي وتعيد الاراضي العربية المحتلة، عند ذاك يمكن ان نفكر في ان المشروع الايراني بكاملة ليس موجها بالاساس لاستعمار العرب.

15 – يجب ان لاننسى على الاطلاق ان من اكبر واخطر الادلة على ان النخب الايرانية، سواء كانت متبرقعة بالدين اوعلمانية، تحركها دوافع قومية وليس دينية اوطائفية، هودليل انها تعتمد ستراتيجية دفاعية تجاه القوى الاستعمارية الكبرى وتحديدا امريكا، تقوم على ركيزتين، الركيزة الاولى التعاون معها حينما يكون عدوالقوى الاستعمارية عربيا اوغير ايراني، لاجل الحصول على حصة من الغنيمة، كما حصل في افغانستان والعراق، والركيزة الثانية هي عدم خوض الصراع الرئيسي داخل حدود ايران اومباشرة عندها، بل دفع الصراعات لتقع في مقتربات ايران الستراتيجية، أي المناطق التي يؤدي اختراقها الى الوصول الى ايران، ولذلك يجب تأمين مقتربات ايران لتكون المصد الاول لمن يفكر في مهاجمتها عسكريا، حتى لوادى ذلك الى دمار وخراب بلدان المقتربات الستراتيجية. ومقتربات ايران تبدوواضحة جدا حاليا وهي المحيط الاقليمي الذي تقع ايران وسطه، ومن اهم مراكز الدفاع عن ايران الان العراق، حيث تسخر فرق ايران في داخله لبث عدم اليقين لدى امريكا، ولبنان حيث يقوم حزب الله باشعال اوتسخين الجبهة مع اسرائيل كلما ارادت امريكا تقليم اظافر ايران.

16 – يجب ان لاننسى ابدا ان ايران، وفي زمن خميني بالذات، هي التي قامت بتغيير التناقض الرئيسي من تناقض مع الاستعمار والصهيونية الى تناقض بين العرب انفسهم والمسلمين انفسهم، بتبني ستراتيجية معاداة القوميين العرب وتكفيرهم وعدهم عدوا يجب القضاء عليه قبل القضاء على امريكا واسرائيل! فكانت النتيجة هي أضافة عدوخطير للاعداء الذين كانوا يقاتلون حركة التحرر الوطني العربية وهوالتيارات الاسلاموية الشيعية الصفوية! هل كان بامكان العرب الذين تعرضوا لضربة السادات وجعلتهم يترنحون ان يتحملوا بتوازن الضربة الايرانية الجديدة التي وجهها خميني لتكمل ضربة السادات؟ ولصالح من كانت عملية وضع حركة التحرر العربية امام تحديات مميتة اخرى اضافة للتحدي الصهيوني والاستعماري الغربي؟ ان من لا ينتبه الى اهمية التعاقب الزمني في عملية ظهور الساداتية وتوجيهها ضربة قاسية لحركة التحرر العربية وظهور الخمينية بعدها مباشرة والتي اكملت الضربة الساداتية بتكفير الفكر والتنظيمات القومية العربية وشن الحرب عليها، لن يفهم على الاطلاق الابعاد الستراتيجية لدور الخمينية في خدمة المخطط الامريكي – الاسرائيلي.

وفي ضوء ما تقدم فان السؤال المهم التالي يطرح نفسه : كيف نصوغ الافكار التي عرضناها؟ يمكن القول ان هناك معادلة يجب ان نعمل على اقامتها والعمل وفقا لها، وهي معادلة ان ايران عدوبحكم واقع الحال وصديق بالاحتمال. ما المقصود بذلك؟ حينما نفى الرئيس صدام حسين كون ايران

عدوا كان العراق مازال في حالة حرب متوازنة التاثير، لذلك لم يعاني الشعب العراقي الا من اثار حرب قائمة، وهي طبيعية ربما لاتستطيع قلب الاعتقادات جذريا، اما بعد الغزووكارثة تدمير العراق ومحاولة تغيير هويته الوطنية بالتهجير المنظم لستة ملايين عراقي من قبل ايران وبتشجيع امريكي مباشر، فان الموقف من ايران يجب ان يتبدل، لاننا لانستطيع ابدا ان نقنع اغلبية شعب العراق، ومن كافة مكوناته، بان ايران ليست شريك امريكا، مادام يراها يوميا من خلال فرق الموت تقتل وتغتصب وتنهب بحماية القوات الامريكية، وما دام صوت خامنئي وصبيه نجاد يرتفعان ليساوما مع امريكا على حساب دماء العراقيين ومستقبل العراق.

ان ايران بما انها المخلب الاساسي والاشرس لامريكا في العراق هي عدوبالضرورة اي انه عدوفرض علينا عداوته ولم نختارها نحن. وتطور فرض العداوة من قيام الشاه بمحاولة اقامة امبراطورية فارسية، انطلاقا من اضعاف العراق بدعم التمرد البارزاني الصهيوني في شمال العراق واحتلال الجزر العربية الثلاث، وصولا لمحاولة خميني تكفير القومية العربية ودعاتها كاي تكفيري اخر، والعمل العلني والرسمي والفعلي على احتلال الاقطار العربية واسقاط انظمتها باسم مضلل تماما هو(نشر الثورة الاسلامية)، وبدء حملته (أي خميني ) الامبراطورية التوسعية برفعه شعارا باشر بتطبيقه وهوشعار(تحرير القدس عبر تحرير بغداد)! وهذا الشعار، يالسوء حظ خميني وخامنئي، لم ينتظر كثيرا بوش الاب الرئيس الامريكي الا ورفعه، مصداقا لما قاله عراب امريكا الصهيوني هنري كيسنجر من ان (حل مشكلة القدس يتم باسقاط النظام في بغداد)! وجاء بوش الابن لينفذ شعارخميني تحرير بغداد اولا! بفضل هذا التطابق في الاهداف والستراتيجيات والوسائل والتكتيكات الامريكية والايرانية تم غزوالعراق ليتوج الحلف غير المقدس بين (نهج) خميني ونهج صهاينة واشنطن.

ونحن في العراق نسأل غلمان طهران : لماذا لا يصبح طرفا ما عدوا وهويحتل الارض ويقتل البشر ويغير الهوية الوطنية؟ ما هي معايير تحديد العدواذا لم يكن الغزواوالمشاركة فيه من بينها؟ لم نعتبر بريطانيا عدوا واستراليا عدوا؟ هل لاننا نكرههما؟ كلا فنحن كانت لنا علاقات مع كل البلدان التي شاركت في الغزولكنها تحولت الى عدوبمشاركتها في الغزو، اي بجعل نفسها عدوا بالمعطيات الواقعية، وليس بقوة التاريخ اوالجغرافية وحتمية النزعات الامبريالية.

والاخطر والاكثر مدعاة للذهول هوان القسم الاعظم من هؤلاء المدافعين عن ايران يدرك تماما انها تلعب دورا مساندا ومكملا للدور الامريكي في العراق، وتقوم في اطار ذلك مباشرة اوبواسطة فرق الموت التابعة لفيلق الصدر اوفيلق بدر، بتقسيم العراق وتغيير هويته العربية، ومع ذلك فان رد فعلهم مازال محصورا في اطار النقد الخجول لايران القائل بان (ايران ترتكب اخطاء في العراق، وبما انها اخطاء ثانوية فان الصلة الودية بايران تستمر)! هذا النقد الخجول، نحن واثقون تماما، انه نتيجة نصيحة اوامر ايراني لابقاء هؤلاء يتمتعون بقدر من الايجابية امام الشارع العربي، تماما كما امرت امريكا الكتاب العرب المارينز بان يزيدوا حدة نقدهم للسياسة الامريكية في العراق لابقاء بعض الصدقية لهم!

أذن ايران وفي ضوء تجربة غزوالعراق بشكل خاص عدوخطير جدا ولا يقل خطره عن امريكا واسرائيل، وربما تكون اخطر من امريكا وبمستوى خطورة اسرائيل، مع اختلاف انها تمتلك وسيلة لا تمتلكها اسرائيل في اختراق العرب وهي ميزة انها تستخدم الاسلام سلاحا لاختراق الامة العربية والدخول فيها بحرية وبلا عوائق كبيرة كتلك التي تواجهها اسرائيل. ومع تثبيت هذه الحقيقة التي يفرضها واقع حال العراق والمنطقة وليس أي مشاعر شخصية اووطنية، فان كون ايران دولة مجاورة وطبيعية وليس مصطنعة كاسرائيل يفرض علينا البحث بلا كلل عن وسائل التعايش السلمي معها، والدفع باتجاه الحوار معها لتصفية المشاكل، واقناعها بان السياسة الاستعمارية التي تتبعها لا تفضي الا الى الخراب لكلا الطرفين العربي والايراني. ليس امامنا من خيار سوى الدفاع عن انفسنا كعرب من جهة والبحث عن طرق للتعايش مع ايران سلميا من جهة ثانية، ولكي نتعايش معها بهذه الطريقة فان الشرط المسبق لتحقيق هذا الهدف الجوهري هوبناء القوة العربية بمستوى يقنع ايران بان الرد العربي على أي عدوان اوتدخل ايراني سيكون فعالا يحمل ايران خسائر اكبر من المكاسب التي تريد تحقيقها. لا سلام مع ايران الا سلام توازن القوى.

salah_almukhtar@gawab.com

لمراجعة الجزأ الأول

لمراجعة الجزأ الثاني

للعودة الى الصفحة السابقة

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker