الانتصار.. خيار بوش الأسطوري المستحيل فـي العراق
الانتصار.. خيار بوش الأسطوري المستحيل فـي العراق
بقلم ويليام أودوم *
15/02/2007
تحدد ''تقديرات الاستخبارات الوطنية حول العراق'' التي صدرت مؤخراً، أبعاد الهوة بين أوهام الرئيس جورج بوش وواقع الحرب. فإذا كان الانتصار، مثلما يراه الرئيس، يتطلب ديمقراطية ليبرالية مستقرة في العراق موالية للولايات المتحدة، فإن ''تقديرات الاستخبارات الوطنية'' تصف حرباً لا حظَّ لها في الإتيان بتلك النتيجة. وبهذا المعنى، فإن ''تقديرات الاستخبارات الوطنية''، والتي تعكس رأي جميع وكالات الاستخبارات الأميركية، تمثل إعلان هزيمة. وتعكس خلاصات التقرير القاتمة تطابقاً في وجهات النظر بين وكالات الاستخبارات والجمهور الأميركي ؛ ذلك أن الجمهور استيقظ وانتبه لواقع الفشل في العراق العام الماضي، وسحَب الأغلبية من ''الجمهوريين'' في الكونجرس، في خطوة ترمي إلى إيقاظه؛ غير أن مجموعة كبيرة من أعضائه مازالوا غارقين في النوم، أو ''نصف مستيقظين''. ربما الأمر ليس مفاجئاً، على اعتبار أن الأميركيين لا يطيقون الهزيمة أو الفشل، وهو ما يفسر رفض ساستنا القوي الاعتراف بمسؤوليتهم عن أي شيء يشبه تلك ''النتائج غير الأميركية''. وهكذا، فإنهم يعمدون إلى التزام الغموض وينخرطون في مناقشة ''القرارات غير الملزمة'' التي تعارض مخطط الرئيس القاضي بزيادة عدد القوات الأميركية في العراق.
لقد أصابنا التصادم بين صفاء ذهن الجمهور، وسعي الرئيس الحثيث وراء الهزيمة، وقلق الكونجرس، بالشلل في الوقت الراهن. وقد يُكتب علينا أن نقضي سنتين إضافيتين في البحث عن سراب الديمقراطية في العراق، وربما أيضاً توسيع الحرب لتشمل إيران. والحال أن برلماناً، أو رئيسا، مستعداً للتخلي عن لعبة ''من يتحمل المسؤولية''، من شأنه أن يغير الاستراتيجية الأميركية على نحو يزيد امكانية بناء شرق أوسط أكثر استقراراً.
إننا نواجه خطراً كبيراً في تلك المنطقة من العالم؛ وعليه، فتحسين حظوظنا سيكون أمراً صعباً للغاية. ولعل أول ما يتطلبه ذلك، من الكونجرس على الأقل، هو الاعتراف علناً بأن سياسة الرئيس الحالية قائمة على الوهم، وليس الواقع. ذلك أنه لم تكن ثمة أبداً طريقة صائبة وصحيحة لغزو العراق وتحويله نحو الديمقراطية، ومعظم الأميركيين يعلمون ذلك علم اليقين. غير أن حقيقتين رئيسيتين لابد من توضيحهما في هذا المقام:
أولاً: فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع خلق ديمقراطية دستورية ليبرالية في العراق تتحدى كل ما يعرفه الخبراء والمختصون. ذلك أنه من أصل الديمقراطيات الأربعين التي أُنشئت منذ الحرب العالمية الثانية، فإن أقل من 10 ديمقراطيات فقط يمكن اعتبارها حقا ''دستورية''، بمعنى أن نظامها الداخلي محمي بحكم القانون وبامكانه الاستمرار لفترة جيل على الأقل. كما أنه لا يوجد بلد عربي أو إسلامي واحد من بين هذه الديمقراطيات، إضافة إلى أن أياً منها لا يعاني تصدعات طائفية وعرقية عميقة مثلما هو الحال في العراق. لا يعني هذا أن العرب عاجزون عن التحول نحو الديمقراطية، فهم عندما يهاجرون إلى الولايات المتحدة مثلاً، فإن كثيرين منهم يفعلون ذلك بسرعة، وإنما يعني أن البلدان العربية، إضافة إلى أغلبية كبيرة من بلدان العالم الأخرى، تعتقد أن خلق ديمقراطية دستورية مستقرة أمر يتجاوز قدراتها.
ثانياً: أن نتوقع زعيماً عراقيا يحافظ على تماسك بلاده ويكون موالياً للولايات المتحدة، أو يشترك معها في أهدافها، إنما يمثل تخلياً عن العقل والمنطق. فقد احتاجت الولايات المتحدة مثلاً إلى أزيد من قرن من الزمن لتجاوز عدائها للاحتلال البريطاني. بل إن استطلاعات الرأي تسجل، مع مرور كل شهر من الاحتلال الأميركي للعراق، تزايد عداء العراقيين للولايات المتحدة. فمؤيدو الحضور العسكري الأميركي أنفسهم يقولون إنه مقبول مؤقتاً، وفقط بهدف تفادي انتصار إحدى الفصائل المتناحرة في العراق. ولكن، هل سيقرر الكونجرس التحرك بعد أن انتبه إلى هذا الواقع؟ ليس بالضرورة؛ ذلك أن العديد من المشرعين يصدقون الأساطير التي يشار إليها خلال محاولة الترويج لأهداف استراتيجية الرئيس الجديدة. ولنتأمل أكثرها أهمية وتردداً.
1- ''علينا أن نواصل الحرب لتلافي حدوث مرحلة ما بعد الحرب التي قد تقع في حال انسحبت قواتنا بسرعة''. لنتأمل هنا المغالطات والمفارقات التي يقوم عليها هذا الادعاء.
والحال أننا نخوض اليوم حرباً من أجل تفادي ما جعله غزوُنا أمراً محتماً! وبالتالي، فمما لا شك فيه أننا سنترك وراءنا فوضى- الفوضى التي تسببنا فيها نحن والتي مافتئت تتفاقم مع مرور كل عام نمكثه هناك. غير أن المشرعين الأميركيين يعبرون عن معارضتهم للحرب، ولكنهم في الوقت نفسه يعبرون عن خشيتهم من أن التخلي عن الحرب من شأنه أن يفضي إلى حمام دم، أو حرب أهلية، أو ملاذ للإرهابيين، أو ''دولة فاشلة'' أو غير ذلك من الأمور المروعة. إلا أن ''مرحلة ما بعد الحرب'' هذه هي واقع حال؛ وبالتالي فإن احتلالاً أميركياً مطولاً لا يمكنه أن يمنع وقوع أمر واقع أصلاً.
2- ''علينا أن نواصل الحرب لمنع إيران من توسيع نفوذها في العراق''. وهذه فكرة أخرى لا تقل غرابة؛ والحال أن أحد أهداف الرئيس الأولى من وراء الحرب، أي خلق ديمقراطية في العراق، هو الذي أمّن تزايد النفوذ الإيراني في كل من العراق والمنطقة. إذ من شأن الديمقراطية الانتخابية أن توصل المجموعات الشيعية، على نحو يمكن توقعه، إلى السلطة. ثم لماذا يتبنى الكثير من أعضاء الكونجرس الرأي الذي يرى أن تمديد الحرب من شأنه أن يمنع ما تسببت فيه الحرب أصلاً؟ الواقع أن الخوف من أن يواجه الكونجرس هذا التناقض يساعد على فهم الدعوات الصادرة عن بعض أعضاء الإدارة الأميركية والمحافظين الجدد لتوسيع الحرب كي تشمل إيران.
3 - ''علينا أن نمنع ظهور ملاذ جديد للقاعدة في العراق''. والحال أن الغزو الأميركي هو الذي فتح أبواب العراق في وجه ''القاعدة''. فكلما طال وجود القوات الأميركية هناك، كلما أصبحت ''القاعدة'' أكثر قوة. أما ما إن كانت هذه العناصر الأجنبية ستبقى وتزدهر في العراق بعد أن تضع الحرب الأهلية أوزارها، فهو أمر موضع تساؤل. وفي غضون ذلك، فإن مواصلة الحرب لن تُخرج ''القاعدة'' من العراق، بل على العكس من ذلك، إذ يمثل الوجود الأميركي غراءً يحافظ على ''القاعدة'' هناك اليوم. والحقيقة أنه من شأن إعادة تنظيم قدراتنا الدبلوماسية والعسكرية في سبيل تحقيق النظام في العراق، تقليل أعداد أعدائنا وإكسابنا حلفاء جددا ومهمين؛ غير أن هذا لا يمكن أن يحدث قبل أن تبدأ قواتنا بالانسحاب من العراق.
ثم لماذا على إيران أن تتفاوض من أجل تخفيف آلامنا طالما نعمل- نحن- على زيادة تأثيرها في العراق وغيره؟ إن من شأن الانسحاب أن يوقظ معظم الزعماء في المنطقة وينبههم إلى الحاجة إلى دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة لإرساء الاستقرار في منطقتهم. إذا كان بوش يرغب حقاً في إنقاذ شيء من تركته التاريخية، فعليه أن يتخذ المبادرة ويطبق هذا النوع من الاستراتيجيات، وهو ما سيجعل منه زعيماً يتذكره التاريخ بقدرته على تغيير الاتجاه وتحويل هزيمة مأساوية وشيكة إلى وضع استراتيجي أفضل. أما في حال اختار مواصلة النهج الحالي، فسيترك للكونجرس فرصة الفوز بالفضل في تحقيق هذا المنعطف التاريخي. والواقع أن الوقت متأخر أصلاً كي ننتظر مرشحاً رئاسياً في عام 2008 لإصلاح الوضع. أما في حال لم يستطع الكونجرس التحرك، فالمؤكد أنه لن يسْلَمَ هو الآخر من العار.
* رئيس وكالة ألأمن القومي للفترة 1985-1988
المصدر: لوس أنجلوس تايمز
0 Comments:
Post a Comment
<< Home