البعث والجبهة ملاحظات مبدئية سريعة
البعث والجبهة :
ملاحظات مبدئية سريعة
صلاح المختار
تدور منذ فترة نقاشات حول الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية ، والتي اعلن عن قيامها منذ عامين تقريبا ، على قاعدة تحالف المناضلين في البعث و( التحالف الوطني العراقي ) بالدرجة الاولى واخرين معهما ، في مسعى كبير لتحديد ملامح طريق نضال شعبنا من اجل التحرير من الاستعمارين الامريكي والايراني . ان الغموض الذي اكتنف القضية ، منذ اجتماع دمشق قبل اسابيع لتشكيل ما سمي ب(مكتب سياسي للجبهة ) ، وتطوره الى قضية تثار حولها العديد من التساؤلات المشروعة ، الممزوجة بقلق اكثر مشروعية ، تلزمنا باعادة تأكيد موقف حزبنا من هذه القضية الحيوية والتي سيتوقف مصير العراق على النجاح في التعامل معها ، بعقل وحكمة وبعد نظر واستذكار مستمر لحقيقة اننا بصدد تحرير عراق محتل من قبل اقوى استعمار في التاريخ ، وفي ظل ظروف عامة هي الاشد خطورة وقساوة ومجافاة لنضال شعبنا . وفيما يلي بعض منطلقات الحزب الاساسية حول الجبهة :
1 – ان الهدف الوطني والحزبي الاسمى والاول هو تحرير العراق ، وبهذا التحديد فان الجبهة هي الضمانة الاساسية للتحرير ، لانها تؤمن حشد كل مناهضي الاحتلال في معسكر واحد ، مما يعجل باسقاط مشروع استعمار العراق . والمنطلق الاساس هنا هو ان أي جماعة او حزب لا يمكنه بمفرده تحرير العراق وضمان الاستقلال والاستقرار والبناء الشامل بعد التحرير .
2 – ان الجبهة ليست وسيلة صعود حزب او جماعة لسلطة ما بعد التحرير ، او لعقد مساومات مع الاحتلال قبل التحرير ، بل هي اطار للحكم الوطني الائتلافي بعد التحرير ، يمثل كافة من اشترك فيها ، دون استبعاد او اقصاء ان تفرد بالحكم . والصيغة التي يراها البعث هي بناء جبهة تتميز عن الجبهات التقليدية بانها يجب ان تكون في الحكم ، وبغض النظر عن الطرف الفائز في الانتخابات . فمثلا اذا فاز الحزب الفلاني فان ذلك لا يعني انه سينفرد بالحكم بل ان يقوده مع مشاركة الاطراف التي لم تفز في الانتخابات بالسلطة . وهذه الصيغة هي نوع من انواع توسيع مفهوم الجبهة ليقترب من مفهوم تحالف تاريخي يستمر لمراحل تاريخية عديدة وقد يقود الى اندماجات سياسية او تغييرات بنيوية عميقة في الاطارات السياسية العراقية .
3 – ان الجبهة مناخ جديد لاعادة بناء العلاقات السياسية بين الوطنيين العراقيين كافة ، على اسس المشاركة المستمرة في العمل الجبهوي ، وبغض النظر عمن يفوز في الانتخابات بعد التحرير ، لان معارك عراق ما بعد التحرير ستكون اثر تعقيدا وصعوبة من معارك التحرير الحالية . ولذلك فان ثقافة الاحتراب الوطني التي سادت في نصف القرن الماضي يجب ان تصفى عبر عمل جبهوي اخوي ورفاقي صادق وجدي لا مجال فيه لعقلية التأمر والانفراد والتكتكة . ان بناء المناخ النفسي للمستقبل العراقي يبدأ الان وليس بعد التحرير ، لذلك فان العمل الجبهوي الحالي يتسم بانه تأسيسي وممهد لعراق مختلف عن العراق السابق كليا من حيث العلاقات بين القوى السياسية .
4 – ان تحرير العراق ما هو الا مقدمة لاعادة بناءه ، الذي دمرته امريكا وايران واسرائيل ، وبما ان البناء معقد وصعب فان مسئوليته تقع على عاتق كافة القوى السياسية ، سواء التي ستفوز في الانتخابات او تلك التي ستصبح في المعارضة ، لان مفهوم المعارضة في ظل العراق المحرر ، والمعرض للضغوط الخارجية الشديدة ، لن يكون تقليديا بل خاصا ، فالمعارضة لن تكون مستقلة عن القرار النهائي بل مسئولة عن امن ومصالح العراق كالفئة الحاكمة ، من هنا فان نوعية علاقات اليوم بين القوى السياسية ستحدد نوعية علاقاتها غدا بعد التحرير . ان القاعدة التي تتحكم في هذه المسالة هي التالية : من دون بناء الثقة الان وازالة عوامل التوتر والشك ، بواسطة الاعمال وليس بالاقوال المعسولة ، لن يكون ممكنا تجاوز عقدة الانفراد بالحكم غدا بعد التحرير .
5 – ان العدو الاساس لشعب العراق هو الاحتلالين الامريكي والايراني والعملاء الذين يخدمانهما في دعم الاحتلال وتنفيذ خططه ، لذلك فان ماعدا هؤلاء هم هدف الجبهة في التحشيد والعمل المشترك ، ولا يجوز ، تحت أي ظرف ، الانجرار الى معارك جانبية مع هذا الطرف او ذاك . وفي حالة وجود اعتراضات او عقبات تحول دون العمل مع طرف او اكثر مناهض للاحتلال ، فيجب ترتيب العلاقات معه لتكون سلمية وان يقترن ذلك باستمرار الحوار لتقريب وجهات النظر .
6 – يجب ان لا ننسى ابدا ان الجبهة المطلوبة حاليا هي خطوة مرحلية باتجاه جبهة شاملة تضم كل التيارات ، السياسية والمقاتلة ، المناضلة ضد الاحتلال ، فوجود جبهة لتنظيمات جهادية اسلامية مقابل جبهتنا ينبغي ان يكون محفزا للطرفين لتوحيد هاتين الجبهتين في جبهة واحدة ، سواء على مستوى ميداني قتالي او مستوى سياسي وبغض النظر عن وجود عقبات لان واجبنا هو حل المشاكل . ان وجود جبهتين تناضلان ضد الاحتلال الاستعماري هي الثغرة الاكبر التي استغلت ، وستستغل مستقبلا ، لضرب المقاومة والقوى الوطنية ، لذلك ليس بالامكان تصور عراق متحرر ومستقر باقتصار العمل الجبهوي المقاوم على جبهة واحدة غير شاملة . ويترتب على هذه الحقيقية ان من واجب من يعمل الان في بناء جبهتنا ان يحسب الحساب للاندماح اللاحق بين جبهتين تعملان ضد الاحتلال .
في ضوء هذه الملاحظات الاساسية علينا ان نأخذ بالاعتبار ما يلي :
1 – ان هدف الجبهة هو التوحيد وليس الشرذمة ، ولذلك فان ما رأيناه منذ شهور ، خصوصا منذ اسابيع بعد مؤتمر دمشق لاختيار مكتب سياسي ، من تشرذم لا يمثل الحالة الوطنية المطلوبة بل هو عمل مدمر ويعبر عن طريقة شاذة وساذجة في التفكير لا صلة لها بالعمل الوطني او الجبهوي . فهل ان كل من تحاوروا ، ومن مختلف الاطراف ، كانوا بمستوى المسئولية الوطنية ؟ وهل امتلكوا النضج المطلوب لمعالجة ما ظهر من خلافات بتدبر مسئول ؟ ام ان بعضهم يفتقر للنضج والتجربة ؟ وهل كان عنصر حسن النية ضعيف او مفقود لدى البعض ؟ واخيرا : هل هناك مؤثرات خارجية ادت الى بروز هذه المشاكل كجزء من محاولات ابقاء الشرذمة واحتواء اشخاص او تنظيمات من خلالها ؟
ان ما حصل امر مدهش ومثير لاشد الشكوك ، واذا لم نشك فاننا سنكون سذجا او جهلة . والاشد مدعاة للشك هو ان توقيت تفجير هذه المشاكل داخل الجبهة تزامن مع دخول مؤامرة امريكا وايران مرحلة شرذمة الاجزاء ، فالطائفة الواحدة اخذت تتشرذم ، والمقاومة المسلحة تعرضت لمحاولات التشرذم عبر التكفير ومحاولات الانفراد بساحة الجهاد ، والبعث تعرض لمؤامرة امريكية تمثلت في استيقاظ مناجذ الاحتلال المتمركزين في سوريا ضد الحزب ووحدته وقيادته ، خصوصا ضد القائد الشهيد صدام حسين ، الذي جاء اغتياله ثمرة لمطلب المتامرين من الامريكيين ، والان نرى مظاهر التشرذم تطل برأسها بين من يفترض بهم ن يتوحدوا في الجبهة ! فهل يمكن لعاقل ان يستبعد الدور الاستخباري فيما يحصل ؟
2 – يجب التذكير ببديهية منطقية واخلاقية وعملية وهي : ان من لا وفاء له مع خلانه الاقدمين لن يكون وفيا مع خلانه الاحدث . ان حليفك الاقدم والمجرب هو ضمانة قوتك وقوة الجبهة ومع احترامنا للحلفاء الجدد وترحيبنا بهم وضرورة زيادة عددهم ، فان تناسي الحليف القديم ، بحجة انه عاطفي او متسرع او متشنج ، خطأ فادح ويدل على قصور في التفكير وعدم نضج سياسي . ان واجبنا ان نتحمل حلفائنا كما يتحملنا حلفائنا ، لا ان ننفر منهم لمجرد خلاف في الراي ! ليس سهلا العثور على حليف ستراتيجي في اجواء نفسية كأجواء العراق الحالية ، لذلك علينا ان نوسع صدرنا ونتحمل الاراء المختلفة دون تبرم او قلة صبر . واذا كنا الان لا نتحمل حليف مخلص لنا في ظل الاحتلال فكيف سنتعامل معه بعد التحرير ؟ هل سنقصيه لانه متسرع او عصبي او عنيد ؟ ان قدرتنا على ترتيب تسلسل الحلفاء طبقا لمواقفهم هو الموقف البعثي الوحيد الصحيح ، وعلينا منذ الان ان نثبت لحلفائنا اننا لا نقايضهم بحلفاء جدد بل ان صلتنا بهم هي العماد الاساس للجبهة وان كل حليف جديد يضاف لن يكون بديلا عنهم .
3 – ان الجبهة تعني التعددية ، والتعددية تعني وجود حل توافقي دائما ، وليس حلا يفرضه طرف او عدة اطراف على الاقلية . ان مفهوم خضوع الاقلية للاغلبية صحيح ولكنه مفهوم حزبي وبرلماني بالدرجة الاولى ، ولا يصلح لمعالجة مسألة اقامة جبهة ، لان التوافق هو اساس نجاح قيامها . من هنا فان من الخطأ ان نهمل راي ومطلب طرف في الجبهة بحجة وجود راي اخر للاغلبية . ان كيفية تعيين ممثلي الجبهة يعبر عن جوهر مفهوم التوافق ، وكل اسم يفرض رغم وجود اعتراضات ، وبغض النظر عن صحة او عدم صحة الاعتراضات عليه ، انما هو عمل يكرس عدم الثقة ويزيدها عمقا ، فهل هذا هو المطلوب ؟ ام ان المطلوب هو تعميق الثقة بالتزام سياسة توافقية حقيقية وصادقة تقوم على احترام اراء جميع اطراف العمل الجبهوي بلا عقد ؟ وهذه الحقيقة تشمل ايضا تحديد مكان انعقاد اجتماع الجبهة .
4 – ان العمل الجبهوي الحقيقي ، والذي يخدم العراق المحتل ويقود الى تحريره ، هو العمل الصادق القائم على عدم وجود ظاهر وباطن . يكفي العراق انه كان لمدة نصف قرن ضحية تناقض ما يعلن مع ما يخفى . ان الحوار حول الجبهة بهذا المعنى هو عمل سايكولوجي في جوهره ، فما لم نفهم حقيقة حليفنا ولما لم نتوصل الى تقويم صائب لطبيعة كل حليف ، وما لم نعاملهم كلهم وفقا لهدف بناء الثقة ، فان كل عمل جبهوي سيكون عبارة عن لغم سرعان ما سينفجر في وجوهنا ، وتكون خطورة لانفجار اكبر حينما يكون توقيت الانفجار في زمن نحتاج فيه للاستقرار الكامل من اجل ولوج باب التحرير الذي اقتربنا منه . كل كلام نقوله لمن يتحاور معنا الان سيقدم صورة عن درجة صدقنا ومستوى استفادتنا من تجارب الماضي ، فالصدق مع حلفائنا يجب ان يكون قرين احترامهم واحترام دورهم واجتثاث كل ما من شأنه ان يديم او يولد عقد الشك المتبادل . ان ما شاهدناه مؤخرا من تبادل اتهامات بعد اجتماع دمشق لا يشير الى هيمنة الصدق على سلوك بعض من تحاوروا ومن مختلف الاطراف ، بل يقدم إيحاء محزنا عن تدهور القدرة على اتباع الحكمة والعقل والمنطق . ان النقل غير الدقيق والناقص بتعمد وربما المشوه ، حتى لبعض المراجع ، كان من اهم افرازات الحورات التي جرت ! فهل هذا هو مستوى النضج الذي نعول عليه في تحرير العراق من اكثر اشكال الاستعمار تخطيطا وقدرة ؟
5 – ان البديهية الاساسية ، التي يجب ان تعلو فوق غيرها الان ، هي ان اقامة الجبهة وتوسيعها لا يقصد به تحويلها اى اداة بيد قوى عربية او اقليمية او دولية ، مهما كانت طبيعة هذه القوى ، بل ان نعزز استقلالية قرار الحزب والمقاومة والقوى الوطنية العراقية . فهل حصل ذلك فعلا ؟ اننا نعيد التاكيد باننا في حزب البعث العربي الاشتراكي نتمسك بثبات تام باستقلالية العمل الجبهوي ، عن أي طرف غير عراقي ، مهما كان دوره وموقفه ، وان نمنع المساومين وقصيري النفس ، وربما المخترقين امنيا ، من المس بهذا المبدأ المقدس في كل الثورات التحررية الوطنية ، وان نرفض أي تسويق مهما كان لهذه الفكرة التخريبية . ان نجاح الجبهة في الانتصار على الاحتلال مرهون باستقلاليتها ، ومشروط بمواصلة نهج رفض المساومة مع الاحتلال او أي طرف اخر ، وبمنع استغلال الجبهة في عقد مساومات اقليمية او دولية مهما كانت طبيعتها او صلتنا باطرافها .
6 – ان تعاون الجبهة مع انظمة عربية او غير عربية امر طبيعي ويجب ان تستفيد الجبهة من كل فرصة تتاح لها للقيام بذلك ، اذا كان هذا التعاون يخدم هدف التحرير وتعزيز دور الجبهة المستقل ، اما اذا كان الهدف من التعاون هو احتواء الجبهة ، او الزامها بمسارات سياسية على طريق عقد مساومات دولية او اقليمية معينة فهذا الامر ليس سوى انحراف خطير يرقى الى مستوى الخيانة الوطنية . لذا نحذر الجميع من نسيان الحقائق الموضوعية وضرورة تذكر طبيعة الانظمة والقوى السياسية وتأريخها وواقعها ومواقفها من العراق والبعث ، قبل الاقدام على خطوة تعاون معها وقبل التورط في أي التزام تجاهها .
7 – لقد اكدت الفترة الماضية ان بعض من كلفوا بادارة الحوار الوطني كانوا دون المستوى المطلوب وعيا وخبرة وشعورا بالمسئولية ، بدليل انهم كانوا وراء الاشكالات الحالية والتي ما كان لها ان تقع لولا تخلفهم ، او عقدة الانا المبنية على نقص فادح في الكفاءة والوعي والخلفيات السياسية والتجربة والشعور بالمسئولية وغياب او ضعف التوازن الشخصي . لقد كذب بعضهم او شوه الحقائق ونقلها بصورة غير دقيقة لمراجعه ، وحاول ان يفرض صورة الجبهة كما يراها وعيه القاصر جدا ، المتأثر بعوامل غير موضوعية ولا صلة لها بالعمل الوطني ، فحلت الاتهامات محل النقاش الموضوعي وعرض الاختلافات بهدف حلها وليس تعميقها وتحويلها الى مصدر جديد للمشاكل . وهذا بالضبط ما يدعونا للقول بان من فشلوا يجب ان يتراجعوا قبل ان نستنتج بانهم لم يفشلوا نتيجة قلة التجرية والخبرة بل بسبب الدفع المتعمد لهم من اطراف اخرى تريد تخريب العمل الجبهوي او احتواء الجبهة ومواصة محاولات شق الحزب واحتواء عناصر منه ، بعد احباط محاولة المتأمرين المقابعين في سوريا .
ان الملاحظات السابقة الذكر ما هي الا مقدمة لمعالجة الاشكالات التي حصلت ولكن بعد انهاء الاسباب التي ولدتها ، وهي للدراسة بتأن وعقل وحكمة ، ويجب ان يكون واضحا ان هذه المسألة اساسية وليست ثانوية ، الامر الذي يفرض علينا واجب فضح المتأمرين وفتح حتى عظامهم لنرى ما يستقر فيها من سموم وفايروسات حقنت لاغتيال عملية تحرير العراق ، والتشاور الصريح مع كافة المراجع لانهاء دور المـتأمرين والصبيان .
للعودة الى :
0 Comments:
Post a Comment
<< Home