Tuesday, July 26, 2005

وقع الانتصارات ومؤتمر بيروت


حول مايدور من حوار ونقاش حول المؤتمر الذي لم يشهد أي مؤتمر قبله مثل هكذا خلاف ..حول ذلك كتب المحلل السياسي (سعد داود قرياقوس) مقالاً مهماً بعنوان ((وقع الانتصارات ومؤتمر بيروت)) .. وفيما يلي نص المقال:


وقع الانتصارات ومؤتمر بيروت

سعد داود قرياقوس



منذ الأيَّام الأولى لانطلاق المقاومة العراقيَّة الباسلة واتِّضاح معالم فشل مشروع الاحتلال البائس، سعت إدارة بوش وشركاؤها في جريمة استباحة العراق إلى تحجيم مشروع المقاومة وتشويه برنامجها الوطني، وخلق حالة من الضبابيَّة لغرض عزلها عن شعبها، وبالتالي خنقها والقضاء عليها.

وعلى الرغم من استخدامها كلِّ وسائل البطش والإرهاب وعمليَّات الإبادة الجماعيَّة، وتدمير المدن وتشريد الأهالي الأبرياء، إلا إنَّ فصائل المقاومة الباسلة تمكَّنت بشكل رائع من الثبات والمحافظة على مستوى عالي من الزخم القتالي والسياسي، ونجحت في تجاوز كلِّ المعوقات والمطبَّات السياسيَّة والأمنيَّة، والتعامل مع معطيات الاحتلال وأبعاده وصولاً إلى سيطرتها على المتغيِّرات السياسيَّة والقتاليَّة واستيلائها على زمام المبادأة وفرض خياراتها على ميدان المعركة.

إزاء العجز الأمريكي-البريطاني الواضح في التعامل مع مفردات الوضع في العراق وتفاعلاته، ولا سيَّما مفردات الملف الأمني، كان لابدَّ للإدارة الأمريكيَّة من اللجوء إلى أساليب لا تقلُّ قذارة عن تلك التي استخدمتها في تسويغ احتلالها لشعب العراق، فلجأت إلى خلط الأوراق وخلق ما يطلق عليه "المقاومة المضادَّة"، وتسويق كلِّ صيغ التمويه وأساليبه، والالتفاف على المقاومة الوطنيَّة وقيادتها وبرنامجها الوطني.

ولعلَّ أكثر مشاريع سلطة الاحتلال مدعاة للسخرية والازدراء، قيامها مؤخَّرًا بتقديم عناصر مرتبطة بمشروعها القذر، ممَّن ساهمت بشكل مباشر في تدمير الدولة العراقيَّة، واستباحة شعب العراق، على كونها وجوه مرتبطة بالمقاومة العراقيَّة أو كونها تمثِّل المقاومة، أو على علاقات بفصائل المقاومة. وشجعت شخصيات أخرى على خلق تجمعات عشائرية وخاصة في مناطق شمال وغرب بغداد، وتقديم هذه التجمعات على كونها قريبة أو معبرة عن مواقف المقاومة. وبلغت درجة البلاهة واليأس لدى الإدارة العنصريَّة لتقديم عميل صغير كأيهم السامرائي كوجه مقاوم! أو شخصيَّة تمثِّل ما أطلق عليه أيهم الصغير "المهمَّشين" أو القوى المهمَّشة! والم لاحظ أنَّ هذه المشاريع والوسائل الالتفافية المشبوهة أخذت بالتصاعد طرديا والتنوُّع مع تصاعد زخم المقاومة واتِّضاح معالم الانتصار العراقي المؤكَّد.

إنَّ أخطر ما تواجهه المقاومة العراقية خلال هذه المرحلة لا يتمثَّل في عمليَّات البطش والتعرُّض العسكري لقوَّات الاحتلال ، بل يكمن في محاولات الالتفاف على مشروع المقاومة من خلال طرح مشاريع بديلة لغرض التشويش على برنامج المقاومة، وبالتالي زيادة حالة الضبابيَّة بشكل يخدم مشروع الاحتلال. ففي خلال الأشهر الستَّة الماضية شهدت الحركة السياسيَّة أكثر من محاولة يائسة للقفز على مشروع المقاومة عن طريق تقديم مشاريع هزيلة من عناصر لا تمتلك أيَّة مشروعيَّة أو صفات تخوِّلها تقديم مثل هكذا مشاريع.

هذه الظاهرة المرضيَّة المتعارف عليها في الأدبيَّات السياسية بـ "وقع الانتصارات"، ليست حصرا على التجربة العراقية بل ظاهرة شهدنها جميع حركات التحرر الوطني، وهي ظاهرة تتمثَّل في سعي إطراف هامشيَّة وانتهازيَّة ووصوليَّة للإستحواذ على جهد المقاومين وتجيِّره لحساب مصالحها الأنانية الضيَّقة. لقد شهد الوضع السياسي العراقي خلال الأشهر المنصرمة بروز ظاهرة قيام أطراف عراقيَّة في التحدُّث باسم المقاومة والمقاومين بعد أن صمتت لأكثر من عامين. وقيام حركات سياسيَّة هامشيَّة في منح نفسها صفات تمثيليَّة وهميَّة، إلى جانب قيام أطراف أخرى بتنظيم مؤتمرات خارج العراق لبحث مستقبل العراق. هذه المحاولات اليائسة والمفضوحة ساهمت ومازالت تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في التشويش على مشروع المقاومة وتخدم مخطَّط الاحتلال أدرك القائمون عليها محصلة أفعالهم أم لم يدركوا.

انطلاقًا من هذا الفهم لمحاولات ومخططَّات، يجدر بنا التوقُّف إزاء مشروع المؤتمرات والندوات التي تعني بالشأن العراقي ولا سيَّما تلك التي تحاول طرح مشاريع إنشاء جبهات أو تجمًّعات لمواجهة الاحتلال بعيدًا عن أطر المقاومة العراقيَّة وبرامجها، سواء تلك التي تنظِّمها جهات وإطراف عراقيَّة أو مؤسَّسات عربيَّة أو دوليَّة. من هذا المنطلق، سنتعامل مع المؤتمر الذي ينظِّمه مركز دراسات الوحدة العربيَّة في بيروت في بداية الأسبوع المقبل دون أيَّة مجاملة أو محاباة.

ثمَّة ملاحظات وتساؤلات لا بدَّ لإدارة مركز دراسات الوحدة العربيَّة، الجهة المنظِّمة لمؤتمر بيروت من التوقُّف أمامها والردِّ عليها لمعالجة القلق المشروع إزاء هذا المؤتمر.

1. لا غبار في أنَّ لمركز دراسات الوحدة العربيَّة الحقَّ المطلق في إقامة ندوات وحلقات الدراسة والبحث وفقًا لبرنامجه ورؤية إدارته. ومن الطبيعي إن ينظِّم المركز ندوات خاصة بأبعاد الاحتلال الأمريكي للعراق وتداعياته. الموضوع الأكثر أهميَّة لشعوب الأمَّة العربيَّة. لكن هنالك فرقًا واضحًا بين ندوة دراسيَّة أكاديميَّة أو مؤتمر مخصَّص لبحث مستقبل العراق ودراسته، وبين ندوة تخصَّص لبحث مشاريع خاصَّة بتحديد مستقبل العراق وتشكيل جبهة وطنيَّة عراقيَّة. من الواضح جدًّا، ونعتقد في أنَّ إدارة المركز لن تختلف معنا اذا ما طرحنا بأنَّ المركز لا يملك الأهليَّة والشرعيَّة المطلوبتين لقيام بهذه المهمَّة، ولا يملك صلاحيَّة الضلوع في هذه المهمَّة و تحديدا ليس المركز معنيا في تسهيل عملية ولادة جبهة عراقية سياسية قد تطور صيغتها مستقبلا إلى حكومة تعطي لنفسها الحق في مقايضة المحتلين والاتفاق معهم بعيدا عن برنامج المقاومة العراقية وبشكل يضر في مصالح العراق . إنَّ هذه الندوة، بلا شك، تمثِّل خروجًا عن المهام المناطة بالمجلس وخروجا عن دوره المألوف. . إنَّ قراءة متمعِّنة لجدول الأعمال المؤقَّت للندوة، تعكس بوضوح من أنَّ الهدف الحقيقي من إقامتها يتجاوز مسألة البحث المجرَّد في الشأن العراقي، وينصُّ على العمل على إيجاد آليَّات لرسم مستقبل العراق وخلق تنظيم سياسي لتنفيذ تلك الأفكار والمقترحات. الفقرة الأولى من جدول الأعمال تشير إلى أنَّ المشاركين سيناقشون "مشاريع" لعراق المستقبل. إذًا، الندوة ستناقش "مشاريع" وليس أفكارًا أو طروحات. والقائمون على إدارة الندوة وجلُّهم من حملة الشهادات العليا يتَّفقون معنا في أنَّ هناك فرقًا بين كلمتي "مشاريع" و"أفكار". أنَّ صياغة الدستور وقوانين الأحزاب وإعادة الإعمار والنفط والسياسة النفطيَّة وإعادة تشكيل الجيش العراقي والمسألة الكرديَّة وغيرها من المواضيع التي طرحتها إدارة الندوة تحديدًا، هي مواضيع حيويَّة تتعلَّق بمصير شعب العراق وأجياله القادمة، وبالتالي فإنَّ صلاحيَّة تحديد ملامحها المستقبليَّة تبقى حصرًا بشعب العراق وقواه الوطنيَّة الحقيقيَّة، وعلى رأسها قيادة المقاومة العراقيَّة دون سواها. ومن المؤكَّد بأنَّ القائمين على الندوة والمشاركين فيها على الرغم من تاريخ بعضهم السياسي لا يملكون الصلاحيَّة والأهليَّة الشرعيَّة لتحديد مستقبل العراق
2. مع تقديرنا لجهود العديد من الشخصيَّات السياسيَّة المشاركة في الندوة ومساهماتهم الإعلاميَّة والسياسيَّة والفكريَّة، إلاَّ أنَّ هناك تغييبًا واضحًا لأصوات عراقيَّة سياسيَّة معروفة، ولا سيَّما تلك التي وقفت بشكل صلب وواضح في مجابهة مشروع الاحتلال منذ الأيَّام الأولى لاستباحة بغداد. ثمَّ كيف يمكن لندوة يراد منها الخروج بقرارات وطنيَّة، وقيام جبهة وطنيَّة واسعة لمجابهة مشروع الاحتلال يكون أحد عناصرها الأساسيِّين عبد الحسين شعبان، أمين سر مؤتمر أحمد الجلبي سييء الصيت! هذا العنصر الذي ساهم بكلِّ نشاط وحماس في التمهيد لاحتلال العراق وخلق مبرِّرات شن العدوان على شعبه! كيف يمكن لمؤتمر يشارك في أنشطته عناصر تطلق على المقاومة العراقيَّة صفة الإرهاب! وتطلق على الاحتلال الأمريكي القذر صفة التغيير! أيَّة نتائج تلك التي ستخرج بها ندوة يسيطر على نشاطاتها عناصر طائفيَّة ترعرعت في لندن وفي دعم ماليِّ وسياسيٍّ ورعاية مباشرة من الدوائر البريطانيَّة والأمريكيَّ! عناصر طائفيَّة شعوبيَّة!

قد تعلِّل إدارة المركز بأنَّ الهدف الأساس الموسوم من الندوة يكمن في إنَّها قد توفِّر أرضيَّة أو مناخ ملائم لقيام جهد عراقي سياسي منظَّم، وإنشاء جبهة عراقيَّة موحدَّة لمجابهة مشروع الاحتلال البغيض. والواقع أنَّ الفقرة الثالثة من جدول الأعمال المؤقَّت للندوة تشير إلى "سيخصَّص اليوم الرابع من الندوة للمشاركين الراغبين بالمشاركة في مناقشة إقامة جبهة وطنيَّة عراقيَّة للتحرير والديمقراطيَّة والاتِّفاق على أهداف الجبهة ونظامها الأساسي والداخلي."

هنا، في نقديرنا، تكمن خطورة الندوة. نقولها بوضوح وبدون أيَّة مجاملة أو مواربة. إنَّ تشكيل مثل هذا الجبهة وقيامها منبثقة عن هذا المؤتمر سيشكل عمليَّة التفاف مشبوه على برنامج المقاومة العراقيَّة الباسلة وقيادتها. ويشكِّل محاولة يائسة لإجهاض المقاومة، وخطوة تسههم في التشويش على برنامجها الوطني. قيام مثل هكذا جبهة في هذا الوقت لا شكَّ في أنَّه عمل ينصبُّ في دعم الجهد ألاحتلالي، ويساعد على إنجاح مشروع الاحتلال وتثبيت مؤسَّساته.

هذه المحاولة، لا يمكن تفسيرها إلاَّ كونها محاولة لطعن المقاومة العراقيَّة والقفز على حقوق شعب العراق. محاولة ستتصدَّى لإفشالها كلُّ القوى العراقيَّة المؤمنة بشرعيَّة المقاومة وضرورة مشروعها.

ثمَّة مسلَّمات وطنيَّة أفرزتها التجربة النضاليَّة لشعب العراق خلال المرحلة الماضية، ولا بدَّ لإدارة الندوة والمشاركين فيها من التوقُّف أمامها بروية وأخذها بنظر الاعتبار:

أوُّلاً: إنَّ الموقف السياسي في العراق واضح وبسيط، وبشكل لا يمكن لأيِّ متابع أو مراقب أن يخطأ في قراءته أو تفسيره. ففي العراق المحتل اليوم هنالك خندقان لا ثالث لهما. خندق قوَّات الاحتلال والقوى المساهمة معه في تدمير الدولة العراقية وإذلال شعب العراق، وخندق المناهضين لهذا المشروع الاستعماري البشع، الذي تتلاحم فيه الفصائل السياسيَّة الوطنيَّة، والأغلبيَّة المطلقة من شعب العراق بقيادة القيادة الموحَّدة للمقاومة العراقيَّة وتوجيهها.
ثانيًا: إنَّ القيادة الموحَّدة للمقاومة العراقيَّة، ونتيجة لجهودها وتضحياتها الكبيرة غدت اليوم الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب العراقي. وانطلاقًا من هذه المسلَّمة، فإنَّها الجهة الوحيدة القادرة والمؤهَّلة للتعبير عن طموحات شعب العراق والقادرة على المحافظة على حقوقه التاريخيَّة. ولها وحدها الحقُّ المطلق بالتعاون مع الفصائل السياسيَّة المناهضة للاحتلال في احتكار رسم المستقبل السياسي للعراق الديمقراطي. وعليه، فإنَّ أيَّة محاولة للقفز على هذه المسلَّمة ستتقاطع بدون شك مع المصلحة الجمعيَّة لشعب العراق، وستسهم في تعضيد الجهد ألاحتلالي، وفي نجاح المشروع ألصفوي الجديد في عراق العروبة.
ثالثًا: من الواضح أنَّه، مع تعدُّد فصائل المقاومة واختلاف هويَّاتها الوطنيَّة والقوميَّة، إلاَّ أنَّ الغالبيَّة العظمى من عمليَّات التصدِّي لقوَّات الاحتلال وعملائها يعود شرف تنفيذها إلى الفصائل الوطنيَّة العراقيَّة التابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي. ومن دون أن نبخس حقوق الإطراف الأخرى ومساهماتها، فجهد الرفاق البعثيِّين واضح ولايمكن أن ينكره أيُّ مراقب منصف.

إنَّ تجاوز هذه المسلَّمات من أيِّ طرف مهما كان تاريخة السياسي، يشكِّل إجهاضًا لجهود المقاومين وقفزًا على برامج المقاومة، والتفافًا على مشروعها الوطني في هذا الظرف الدقيق من تاريخ شعبنا. فأي مشروع يتقاطع مع هذه المسلمات يبقى مشروعا ناقصا لا تتوفر فيه عناصر الوطنية والنزاهة، وبالتالي فانه سيخدم المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
إنَّ أفضل ما يمكن للندوة أن تخرج به، في تقديري، هو أن يقتصر بيانها الختامي على فقرة واضحة محدَّدة وخالية من أيِّ عناصر العموميَّة وبشكل لا لَبَسَ فيه. فقرة تنصُّ على أنَّ قيادة فصائل المقاومة العراقيَّة المشروعة هي الممثِّل الشرعي الوحيد لشعب العراق، وأنَّ لها دون سواها الحقَّ في رسم مستقبل العراق وتحديده.
إنَّ من المسلَّم به أنَّ جميع المشاريع الوطنيَّة سواء خلال مرحلة التحرير أم في مرحلة إعادة بناء الدولة العراقيَّة المستقلَّة والحرَّة سيتمُّ تحديد سماتها وأولويَّاتها من المقاومين والفصائل السياسيَّة الداعمة لبرنامج المقاومة بشكل علني وواضح. أمَّا محاولات القفز على هذه المسلَّمات أو مشاريع إجهاض المقاومة وتغيير دفَّتها تبقى مجرَّد مشاريع يائسة لا تستحقُّ سوى الازدراء والتصدِّي.

للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker