لا أحد يمتلك الحق بتغير طبيعة الكيان الوطني العراقي
لا أحد يمتلك الحق بتغير طبيعة الكيان الوطني العراقي
محمد القيسي
محمد القيسي
ان مسألة اسقاط لعبة الدستور الذي يجري اعداده من قبل المحتلين الاميركان وشركائهم لفرضه على الشعب العراقي ليست مسألة مرتبطة بمواجهة سياسية بين القبول بالدستور وبين الاعتراض على شواذه ، وإن كان هذا الدستور باجماله من اشد الشواذ التي عرفتها الدساتير والقوانين التي سنت في جميع دول العالم ، أو بين من هم في مؤسسة الاحتلال ومن هم خارجها ، بل هي جزء من المواجهة المستمرة مع جهة لا تمتلك اي غطاء قانوني او شرعي لوجودها في العراق ، قامت بالعدوان على دولة مستقلة وإحتلالتها في انتهاك صارخ للقانون الدولي وخرق لميثاق الامم المتحدة ، وخلافا لكل المواثيق والاعراف الدولية . اذ تأتي لعبة الدستور تنفيذاً لمخططها القائم على إنهاء العراق وطمس هويته وتأسيس كيان بديل هزيل ومفكك خاضع لسيطرتها بالاشتراك مع حلفائها وادواتها من مجموعات انفصالية وطائفية عملت منذ الايام الاولى للاحتلال على إنهاء وجود العراق وتقسيم شعبه الذي تعرض لكل اشكال الإضطهاد والتعسف على أيدي قوات الإحتلال للوصول لهذه المرحلة.
فقد ادرك الامريكان مبكراً بان تجاوز حالة الرفض الشعبي للاحتلال ليست بذات السهولة التي كان عليها الحال في المراحل الماضية إبتداءاً من تأسيس مجلس الحكم والحكومة المؤقتة ومروراً بالانتخابات والحكومة الانتقالية مضافاً إليه ضحالة الوجود السياسي للمجموعات التي جاءوا بها رغم احترافها الكبير لمهام العمالة والتزوير واللصوصية والتدمير والانتقام بشكل فاق كل التصورات . لذا فإنهم بقدرتهم الاستخبارية وخبرتهم الفائقة في الالاعيب السياسية لجأوا الى المراوغة عبر ابراز دور بدائل محلية لديها الاستعداد لطرحها كممثل للاطراف الرافضة والتي تقبل بالحوار للوصول لنوع من التوافق وتخفيف الافتراق عن المشروع الاميركي بما يحقق في النهاية مصالح الاميركان ثم مصالح بقية الجوقة المتعاونة معها . اما العراق فأمره يتم عبر هذه التسوية او تلك والتي سينجم عنها في كل الاحوال كيانا اخر خطط لصياغته طبقا لرغبات الامريكان وبمشاركة الايادي الاثمة .
وفي صلب هذا الامر يقع تحرك التجمعات التي تتخذ صفة التمثيل المذهبي او الاثني مما يجعلها تساهم في تكريس واقع التقسيم والتجزئة كتحصيل حاصل ، ويسقط عنها ما تدعيه عن رفضها للتقسيمات التي جاء بها الاحتلال وشركائه ودستورهم ، وربما يدعي البعض منهم انه ينطلق من اعتبارات الاعتدال والواقعية في التعامل الا انه في الحقيقة لا يستند الا على ما استطاع ان يختلقه من رصيد بين الناس عبر استثارة الانتماءات المذهبية او العرقية او المناطقية واهمية الدفاع عنها وتمثيل مصالحها واصبح دوره بطبيعة الحال يدور ضمن حالة التقسيم ، والاحتلال ليس بعيدا عن عملية اطلاق بعض هذه التجمعات وطرق تكوينها بل ودعمها. ومن اللافت للنظر ان تلك التجمعات زاخرة بالكثير من العناصر الانتهازية التي بدلت جلدها بسرعة فائقة بعد الاحتلال وكذلك تخلل صفوف بعضها ممن عرفوا بدعمهم للعدوان على العراق واحتلاله منذ زمن بعيد. ان حقيقة هذا الامر لا يعدوعن كونه مجرد نوع من الدوران في فلك المشاريع التي يراد تحقيقها من قبل الاميركان والطامعين من كل صنف ولون .
قد يمتلك بعض هؤلاء وغيرهم كثيراً من الدفوعات والتبريرات للدفاع عن مواقفهم هذه ، والحالة هذه لابد وان نضع امامهم هذا التساؤل الذي يطرح نفسه على الجميع وهو: من يمتلك الحق بازالة الدولة العراقية والكيان الوطني العراقي ويقوم بتغيير طبيعة وجوده التاريخي وطبقا لاية مشروعية ؟؟ وربما سيقول البعض انه منطق سيادة القوة المتفردة المتحكمة بكل شيء والمصالح المتداخلة معها ولابد من التجاذب معها ، وإن كان هذا فعلا هو ما يحصل في عالم اليوم . الا أن أي شعب حر يتمسك بثوابته ومصالحه لا يتقبل ذلك ، إذ تقع على عاتق ابنائه مسؤولية التصدي له لتحقيق التحرر والاستقلال الحقيقي . وقد يكون من بين ما يطرح ايضا هو الحديث عن حجم الصعوبات التي يواجهها شعبنا تحت الاحتلال وضرورة الحرص على تجنيب الشعب العراقي المزيد من التضحيات وانهاء حالة الفوضى ، وبهذا فهم يتغافلون عن أن تحرير الاوطان يتطلب التضحيات ويتجلى بالثبات رغم الأذى والتعذيب والتنكيل والتشريد ونهب الأموال والممتلكات ، حتى يأذن الله تعالى بساعة الفرج والنصر.
ولكن يبقى التساؤل قائما ... هل من حق احد من العراقيين ان يقوم بتغيير طبيعة الكيان الوطني العراقي ووجوده التاريخي ؟ وهل لديه القدرة على تحمل مسؤولية القيام بذلك او المشاركة فيه باي شكل من الاشكال امام الله والشعب والتاريخ ؟ ، الذين قدموا مع الاحتلال لديهم مبرراتهم في هذا وهي لا تخرج عن أطار كونهم لم يعودوا يمتون للعراق بصلة اذ انهم اصبحوا جزءا من المشروع الاميركي وادواته التنفيذية ، ناهيك عن دوافع الرغبة بالانتقام والنهب والتدمير . ولكن ماذا عن الاخرين دعاة التمثيل الوطني لاطياف الشعب العراقي وهم يواجهون هذا السؤال الكبير عن مسؤولية ازالة دولة بقوة السلاح امام اعين العالم في تحدي صارخ لا يجيزه اي قانون او تشريع ؟ وذلك هو الاساس الذي تقوم عليه العملية السياسية التي يديرها الاميركان الان في العراق ووليدها المسخ "الدستور" الذي سيشرعن لكل تلك الانتهاكات والجرائم.
لقد كان الكيان الوطني العراقي ، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم ومدى الرضا عنه او الاختلاف معه من قبل هذا الطرف او ذاك ، كيانا معترفا به وفقا لكل القوانين والمعايير ولغاية احتلال العراق من قبل الاميركان الذين قاموا بازالة الدولة العراقية من الوجود وهو امر لايمتلك اي كائن على الارض حق القيام به ، ولا يوجد أي تشريع يقبل به او يشرع له ، وهم يسعون اليوم الى ازالة ما تبقى من هذا الكيان عبر دستورهم الذي سيشرعن كل ما قاموا بها ويجعله امرا واقعا يتمتع بالغطاء القانوني بكل ما رافقه من اوضاع شاذة ويشرع لكل ما سيقومون به تباعا ، وببصمات ومسؤولية الذين يبررون اشتراكهم فيه شاؤا ام ابوا . وعندها سيتساوى هؤلاء في المسؤولية تجاه الشعب العراقي مع التنظيمات والمجاميع التي تعاونت مع العدو وسهلت الغزو والاحتلال ، سواء بالتعاون الاستخباري او العسكري ، او من خلال التضليل والاكاذيب والتزوير ، فهؤلاء جميعا مسؤولون عما لحق بالعراق من دمار وخراب ومجازر جماعية ترتكبها القوات الغازية يوميا. وهم مسؤولون ايضا عن تحويله الي ميدان للفوضى والانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية وتلك كلها جرائم بينة يمتلك العراقيون حق المطالبة بمحاكمة مرتكبيها.
قد يبدو الان أن هناك صعوبات أو تحديات أمام العملية السياسية ، لكنهم عازمون على تجاوزها عبر اساليب الخديعة التي تتقنها الادارة الاميركية المعروفة باكاذيبها وتضليلاتها وادواتها المعهودة لتنفيذ توجههم نحو تفتيت العراق واعادة صياغته وفقا لتقسيمات طائفية وعرقية ، اذ تجري اليوم العديد من التحركات المشبوهة تحت غطاء الحشد من اجل أجراء تعديلات في الدستور خصوصا تلك التي تتولاها عناصر راحت تستغل الانتماءات الدينية او المناطقية الذين يتحركون باشراف "جون مورغن" المستشار في السفارة الاميركية في بغداد للتأثير على أبناء مناطق وسط وغرب العراق ، وكذلك جماعة اياد علاوي الذين تحركوا على عناصر عشائرية اخرى من المتواجدين في بعض البلدان العربية من اجل حشد تأثيرهم على ابناء المناطق التي ينتمون اليها وخداعها عبر خلق تداخل في المواقف الشعبية الرافضة للاحتلال ولدستوره وجرها الى مواقف لصالح انجاز العملية السياسية . كل تلك التحركات تجري بدفع من الاميركان من أجل الاسراع بإنجاز العملية السياسية والدستور التي هي اخطر ورقة منقذة لمشروعهم ، فقد بلغ حجم الاغراءات ان عرض السفير الاميركي زلماي خليل زادة مبلغ 75 مليون دولار على احدى التجمعات المذهبية من اجل اغرائها في المشاركة بالعملية السياسية ولازال مزاد الاغراءات مفتوحا على مصراعيه ، حيث سال لعاب العديدين لها، وكأن الامر كله اصبح عبارة عن عملية بيع للعراق وشعبه وتاريخه ومستقبله كاشلاء مجزأة .
لهذا على شعبنا الحذر من كل هذه الالاعيب ، إذ ليس امامه في هذا التحدي الخطير غير توجيه ضربة قاصمة للمحتلين عبر اسقاط الدستور والعملية السياسية كلها كي توضع الادارة الاميركية ومشروعها المتهاوي اما حقيقة واحدة ثابتة وهي ان لا أحد يمتلك الحق بتغيير الكيان الوطني العراقي ، ولم يعد امامهم غير الخروج من بلادنا ، وعلى كل الاطياف والتجمعات والقوى السياسية والشعبية والدينية تحمل مسؤولية حشد جماهير الشعب من اجل هذه القضية المصيرية ، لانها جزء مهم من معركة الشعب العراقي مع الاحتلال واعوانه من أجل مصير ومستقبل العراق العظيم الذي سيأذن الله له بالنصر على ايدي أبناءه المقاومين الابطال .
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home