نحن وايران وحزب الله.. للأستــاذ صــلاح المختـــار
نحن وايران وحزب الله
صلاح المختار
تطرح جهات وطنية رأيا محددا منذ اخذت امريكا وايران تصعدان الموقف بينهما ، وهو ان من الضروري ان تتوقف الحملة على ايران وحالات النقد لحزب الله والتي تصدر من جهات وطنية عراقية ن لمواجهة التحدي الامريكي . اننا من حيث المبدأ نرى ان الصراع الرئيسي ليس مع ايران بل مع امريكا ، وان العدو الرئيس ليس ايران بل امريكا ، بغض النظر عن موقف ايران من الغزو الامريكي للعراق وما قامت به منذ حدوثه وحتى الان . وذلك الموقف ليس بالجديد ابدا بل هو قديم قدم الصراع العراقي – الايراني في العصر الحديث، سواء في زمن الشاه او زمن خميني . واستنادا الى هذا الموقف المبدأي الثابت فاننا نرحب بالدعوة لتوقف الحملة على ايران ونرى فيها خطوة عظيمة للتعجيل بطرد امريكا من العراق واستكمال مهمة تحرير الوطن العربي من الاستعمار الغربي والصهيونية . وهذا يتطلب منا ان نوضح اننا حينما نرفض سياسات ايران تجاه العراق والامة العربية وننتقد حزب الله احيانا ، فلاننا ندافع عن انفسنا ليس بفعل اصلي بل برد فعل مفروض علينا ، نريد من خلاله ازالة التشويه الذي يقوم به الطرف الاخر تجاهنا . وحينما كتبت ردا على الاستاذ حسن نصر الله فانني كنت غير مختار بل مجبر، بعد ان اصبح الهجوم على البعث احد اهم ركائز خطب نصر الله ، وبعد سكوت طويل جدا اردنا من خلاله ان نتجنب الانجرار الى معركة غير معركتنا ومع طرف هو ليس العدو الحقيقي لنا .
ولكن ومع تاكيد هذه الحقيقة فان الدعوة لايقاف الصراع مع ايران تتطلب طرح بعض الملاحظات الجوهرية لتجنب التحول الى اداة تخدم ايران في لعبة عض الاصابع مع امريكا حول النفوذ في المنطقة ، وهذا بالطبع يضر بمصالح العراق والامة العربية بصورة خطيرة.
واول ما يجب التفكير به والتركيز عليه هو ان هذا الطرح قد يبدو طبيعيا وضروريا اذا لم نأخذ بنظر الاعتبار موقف ايران من الاحتلال الامريكي في العراق ، من جهة واذا لم نتذكر من هو الطرف الذي كان ومازال يفرض الصراع ويرفض حله لخدمة الطرفين أي العرب وايران وليس طرف واحد فقط ،من جهة ثانية ، واذا لم نحدد اين يدور الصراع الرئيسي من جهة ثالثة .
لنبدا من الملاحظة الاخيرة لانها هي الفيصل في أي نقاش حول الوضع في المنطقة : اين يدور الصراع الرئيس ؟ في العراق ام في ايران ؟ من البديهي ان الصراع الرئيسي ، اقليميا وعربيا وعالميا ، وبشكل خاص منذ غزو العراق ، يدور في الساحة العراقية وليس في أي ساحة اخرى على الاطلاق ، وهذا يشمل الصراع العربي – الصهيوني ايضا ، لان ساحته الان ملحقة بالساحة العراقية وسيتقرر مصير القضية الفلسطينية على ارض العراق ، تماما كما سيتقرر مصير كل الصراعات الاخرى في العالم على ساحة العراق . وهذه الحقيقة الستراتيجية التي فرضت نفسها على المنطقة والعالم لاتعني ، ولا تلغي ابدا حقيقة مبد أية وثابتة وهي ان القضية المركزية كانت وستبقى هي القضية الفلسطينية وان هذه القضية هي الاساس في الصراع العراقي – الامريكي والمقرر لاتجاهه ونهاياته . لذلك يحب ان نميز بين مفهومين الاول هو القضية المركزية وهي ثابتة ولا تتغير والثاني هو الصراع الرئيس ، فالاول هو مبادئ وحقوق ثابتة والثاني هو ستراتيجية تعتمد على متغيرات ومعطيات تتجدد وتتغير تبعا للظروف الموضوعية ، ولذلك تتغير ساحات الصراع العربي الصهيوني كلما تغيرت موازين القوى وتبدلت رموز الصراع ، وعلى هذا الاساس كان الصراع الرئيس في الخمسينيات والستينيات مركزه مصر عبدالناصر .
وحينما نقول ان اساس الصراع العراقي – الامريكي هو القضية الفلسطينية فنحن لا نخترع شيئا بل هو واضح تماما من مجرى الصراع الرئيس في المنطقة ، خصوصا منذ فرض الحصار على العراق ، فالواقع العياني يؤكده والموقف الرسمي الامريكي يثبته . ففي الواقع رأينا ان امريكا قد ركزت قواها الرئيسية والاحتياطية لضرب العراق وتجربة النهوض القومي فيه ، وعلى مستوى رسمي قامت السياسات الامريكية منذ زمن بعيد على مبدأ ثابت وهو ان العراق بقيادة البعث والسيد الرئيس صدام حسين فك الله اسره عدو لا يمكن التفاهم او التفاوض معه ولذلك يجب اسقاط النظام في العراق ، اما ايران فهي دولة لامريكا خلافات معها لكن هذه الخلافات لاتصل الى حد اسقاط النظام كما هي حال العراق ، بل الضغط عليها من اجل تغيير سياساتها . هل هذا ااستنتاج منا وراى خاص بنا ؟ بالتاكيد كلا ان ما ذكرناه هو جوهر اهم سياستين اعتمدتهما امريكا تجاه العراق وايران وهما سياسة (الاحتواء المزدوج) التي وضعا انتوني ليك مستشار الامن القومي ومارتن انديك ، الاسرائيلي الذي صار سفيرا ووكيلا لوزير الخارجية الامريكية ، وتبنت هذه السياسة رسميا ادارة بيل كلنتون ، وسياسة (محور الشر) التي تبنتها ادراة بوش الابن ، ومن يريد ان يطلع على هاتين السياستين يمكنه ان يدرك الفرق الجوهري والدقيق في الموقف الامريكي تجاه كل من العراق وايران . وهذا التمييز بين العراق وايران انتج سياسة ثالثة مشتقة في زمن كلنتون وهي سياسة الاحتواء التمايزي .
والان نجد التعبير الدقيق عن هذه السياسات في التاكيدات الامريكية المتكررة بانها تريد حلا سياسيا مع ايران ، رغم ان ايران قد اكملت خطوات مهمة من مشروعها النووي بمساعدة بريطانيا وامريكا والمانيا واليابان ، دون اعتراض حقيقي كما حصل مع العراق حينما قصف مفاعل تموز قبل ان يكتمل ! ما معنى هذا على المستوى الستراتيجي والعملياتي ؟ انه يعني ويؤكد ان العراق هي ساحة الصراع الرئيسية في العالم كله وليست ساحة ايران التي تعد ساحة ثانوية وملحقة بالصراع الاول ، وهذه الحقيقة الستراتيجية تنطبق على لبنان الذي يعد ايضا ساحة صراع ثانوي وملحق . ويترتب على هذه الحقيقة ان كل ما يجري في أي مكان يبقى حدثا ثانويا مقارنة بما يجري في العراق . وقد اكد ذلك وجود تعاون ايراني امريكي حول العراق لم ينقطع منذ ما قبل الغزو الامريكي للعراق ، واتخذ الان شكل اتفاق رسمي ومعلن على ايجاد الية للتعاون الامريكي – الايراني حول مشكلة الثورة العراقية المسلحة . وكون العراق هو الساحة الرئيسية يتطلب ، ويقود الى ، الاعتراف بان الموقف من الثورة العراقية المسلحة هو الذي يفرز القوى والدول ويحدد طبيعتها ومعسكرها ، فمن يقف مع الثورة العراقية ينحاز تلقائيا الى جانب الحق والعدالة وبالاخص في فلسطين والقضية الفلسطينية ، ومن يقف ضد هذه الثورة يصطف تلقائيا وموضوعيا مع امريكا والصهيوينة العالمية . وهذا المعيار التقويمي لا يخطئ ويجب التمسك به ، حتى لو تعرضت ايران الى قصف انتقائي لمواقع نووية محددة .
الملاحظة الثانية وهي العملية ، تتمثل في الاجابة على السؤال التالي ما هو موقف ايران من غزو العراق ؟ رغم الاعلان الرسمي الايراني بان ايران محايدة تجاه الصراع الامريكي – العراقي فان الوقائع العيانية الثابتة تؤكد غير ذلك ، فايران طرف اساس في غزو العراق ، سواء عبر الحوزة الطائفية في النجف التي اصدرت فتاوى تمنع فيها مقاومة الغزاة بعد بدء تقدمهم ، او باستخدام الجماعات الايرانية او الموالية لايران في تنفيذ مهام اساسية في عملية الغزو المسلح ، مثل مهاجمة الجيش العراقي وهو يقاوم الغزاة ، او باشتراك هذه الجماعات في مجلس الحكم الذي اسسه الاحتلال الاستعماري ، او قيام ايران باول اعتراف بحالةالاحتلال بارسال وفد رسمي للتعاون مع ادارة العراق المحتل ، او بقيام المخابرات الايرانية بعمليات اغتيال لمئات العلماء والطيارين والضباط العراقيين اونهب مصانع العراق واسلحته بمساعدة امريكا ...الخ .
ان التعاون الايراني مع الاحتلال وكون جماعات ايران هي القوة الاساسية الداعمة للاحتلال والمتعاونة معه في ذبح العراقيين وتدمير مدنهم ، يجعل ايران في مقدمة الاطراف التي تناهض الثورة العراقية المسلحة وتعمل بكافة الطرق للقضاء عليها . اذن السؤال المركزي الذي يفرض نفسه هو التالي : هل يمكن التعاون مع ايران وهي تشن حرب ابادة ضد الشعب العراقي ومقاومته الوطنية ؟ ان احدى مصائبنا مع ايران عبر التاريخ هي انها تنكر ما نراه باعيننا ونعاني منه يوميا ، وهذا الانكار يعقد الصراع العربي الايراني ويضيف اليه عوامل اكثر خطورة لان التفاهم على قواسم مشتركة بين طرفين مستحيل في ظل انكار احد الاطراف لدوره مع تيقن الطرف الاخر منه ّ! لذلك ومالم تتوقف ايران عن دعم الاحتلال الامريكي بواسطة جماعاتها في العراق او بواسطة سياساتها الرسمية ومنها انها تسمح لنفسها بالتعاون مع امريكا رسميا حول العراق وتقرير مصيره ، مع ان اتفاقية الجزائر التي الغتها ايران بعد سقوط الشاه قامت على ركيزتين ، الاولى تقاسم شط العرب عند خط الثالوج وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين .
ما نطلبه امر طبيعي وسهل اذا كانت ايران لا تضمر اهدافا اخرى نراها نحن بوضوح ، فنحن لا نفرض شروطا صعبة التطبيق بل نريد ما يعترف العالم كله بانه حق طبيعي لاي دولة وهو الامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية . فاذا توقفت ايران عن ذبح العراقيين باياد عراقية او ايرانية ، واذا امتنعت عن عقد صفقات مع امريكا على حساب العراق وسيادته واستقلاله فان الطريق سيكون مفتوحا لتعاون عربي ايراني جاد .
من يفرض الصراع ؟العراق ام ايران ؟
ليس هناك اكثر ايلاما من حقيقة ان من فرض الصراع وادامه ورفض حله في العصر الحديث هو ايران وليس العراق او العرب . ففي زمن الشاه كان هو الذي يتحرش ويتوسع على حساب العرب ، ففي العراق تجاوز على الاتفاقيات القديمة واخذ يتدخل في الشان العراقي خصوصا في المنطقة الكردية العراقية وهذا امر اثبتته الوثائق والوقائع . كما ان الشاه احتل الجزر الثلاث العائدة للامارات العربية المتحدة . وحينما سقط الشاه كان اول شعار لايران الجديدة هو(بعد اسقاط الشاه جاء دور صدام)! ورغم الموقف الايجابي العراقي من قيام الثورة وارسال اول برقية تهنئة لقيادتها من رئيس جمهورية العراق المرحوم احمد حسن البكر فان الرد كان مهينا على تلك التهنئة كما يعرف المطالعون . كما كل الوساطات التي سبقت الحرب وكانت تستهدف تخيف التوتر بين البلدين قد اصطدمت بالاصرار الايراني على اسقاط البعث ونظامه! اضافة لذلك خابت امال من توقعوا ان (ايران الثورة) ستعيد الجزر الثلاث للامارات لان الموقف لم يتغير واصرت (ايران الثورة) على الاحتفاظ بما نهبه الشاه من العرب! واذا كنا الان نواجه محنة وقوف ايران مع امريكا سوية في عملية تدمير العراق ومحاولة تقسيمه ، فان الواجب الوطني والمنطق والحكمة تفرض علينا ابداء الاستعداد للتطبيع مع ايران اذا ابدت ايران استعدادا حقيقيا للتوقف عن التدخل في العراق وقتل ابناءه ومحاربة مقاومته المسلحة الامل الوحيد للعراق في الانقاذ وطرد الاحتلال والممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي .
نعم لا مانع لدينا من التعاون الجاد مع ايران ضد التحديات الخارجية اذا كانت هي مستعدة للتوقف عن السياسات التي جرت المنطقة للكوارث والماسي . ولا يتطلب ذلك الان نقدا ذاتيا بل ايقافا للتعاون الايراني مع امريكا وبدء حوار عراقي ايراني هدفه العثور على قواسم مشتركة وتطويرها تدريجيا بما يخدم الطرفين الامة العربية وايران .
نعم انه رد فعل وليس فعل اصلي
في ضوء ما تقدم نصل الى النتيجة الطبيعية وهي ان الصراع بين ايران والامة العربية لم يكن بمبادرة من أي طرف عربي على الاطلاق بل كانت ايران هي المبادرة دوما بالعدوان والتوسع والرافضة دوما للتراجع عن سياساتها وكان العرب دائما يبدون الاستعداد للتعاون وفتح صفحة جديدة لكن الردود الايرانية كانت دائما الاحتفاظ بالمكاسب التي حصلت عليها من العرب والطلب منهم نسيان حقوقهم والتعامل معها على اساس الامر الواقع ! ان من يريد التاكد من ذلك عليه ان يراجع ما جرى في العقود الخمسة الماضية فاحداثها ووثائقها تؤكد ما ذهبنا اليه . لذلك فان الكرة الان في ملعب ايران وليس في ملعبنا ، وما نقوم به احيانا من اشارات الى الدور الايراني في العراق ما هي الا حق دفاعي مشروع وهو بهذا المعنى موقف دفاعي وليس هجومي واجراء اضطراري وليس سياسة ونهج دائمين.
اننا اذ نؤكد على ان العدو الرئيسي ليس ايران بل امريكا وان ايران مهما فعلت تبقى جار لنا لا نستطيع ازالتها ولا نريد ذلك كما انها لا تستطيع ازالتنا من الخارطة ، ولذلك فان الخيار الذي يخدم الطرفين هو التعاون النزيه واحترام المصالح الخاصة بكل طرف وعدم التدخل في شأنه الداخلي . ونقطة البداية الطبيعية لتطبيع العلاقات مع ايران هي توقفها عن دعم الاحتلال والتعاون معه وايقاف الحملة الدموية ضد العراقيين خصوصا ضباط الجيش الوطني وطياريه وعلماءه . اما اذا اصرت على انكار هذا الدور في العراق فمن المؤسف القول ان ايران تريد ان تستمر في تدمير العراق وبنفس الوقت تطلب من العراقيين ان لا يصرخوا تألما او يدافعوا عن انفسهم ّ! اننا مع ايقاف الحملات المتبادلة بين الشعب العراقي ومقاومته البطلة وايران ومع التطبيع والتعاون ولكن ذلك مشروط بايقاف ذبحنا وسحب السكين الايرانية من رقبة العراق .
واخيرا نقول ان حل هذا الاشكال مع ايران سيقود الى حل بعض مناوشاتنا العرضية مع حزب الله تلقائيا .
salahalmukhtar@hotmail.com
للعــودة الـى موقــع: سيبـقى الـعــراق الـى ألأبـــــد
0 Comments:
Post a Comment
<< Home