Thursday, May 11, 2006

حرب النفط... من العراق إلى كازاخستان.. للكاتب والمحلل السياسي الاستاذ محمــد عـارف


حرب النفط... من العراق إلى كازاخستان

محمد عارف

تاريخ النفط العراقي يكرر نفسه مرتين، مرة كمأساة، وثانية كمأساة دموية. في عام 1925 كتب الشاعر الشعبي ملاّ عبود الكرخي في قصيدة باللغة العامية العراقية عن النفط نشرتها صحيفة "الاستقلال" البغدادية:
النفط، النفط، آه النفط يا أحرارْ

شَبّ النفط في قلب العراقي نارْ

وحرق كبداته وهجم منّه الدارْ

مبالغة الكرخي الشعرية حول نار النفط التي تحرق أكباد العراقيين وتهدم
بيوتهم، أضحت الآن واقعاً يومياً يروّع ملايين مشاهدي التلفزيون حول العالم. ولا يتفجع ملايين الناس في العالم لحال العراقيين لأسباب إنسانية فقط، بل لأن ذبح العراقيين هو الجزء الظاهر من خريطة الصراع الجيوستراتيجي حول الطاقة. فالنفط يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية العالمية. عكست ذلك شهادة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الشهر الماضي أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، حيث قالت إنه "علينا أن نفعل شيئاً بصدد مشكلة الطاقة". وتحدثت رايس عن الموضوع بلهجة شخصية: "أستطيع أن أقول لكم لا شيء يُمسك بي، كما تفعل سياسات الطاقة، التي تُبطّن الدبلوماسية حول العالم". وشكت الوزيرة الأميركية من أن "النفط يضع قوة استثنائية في يد بعض الدول، التي لا تمثل لولا النفط سوى قوة صغيرة جداً". في مقدمة هذه الدول، حسب رايس، إيران والسودان. كما أن "هناك دولاً أخرى تنمو بسرعة بالغة تبحث عن الطاقة في كل مكان، كالصين والهند، اللتان يحملهما البحث عن الطاقة إلى أماكن في العالم لم تطرقاها من قبل، وبشكل يتحدّى، في رأيي دبلوماسيتنا".
وتتوقع مذكرة "استراتيجية الأمن القومي" التي أعلنتها أخيراً
الإدارة الأميركية، حدوث حرب مع الصين "إذا وضع قادة بكين أيديهم على الموارد النفطية حول العالم". والصين من جانبها تبني بسرعة كبيرة سلاح بحريتها، ليس للهجوم على تايوان، بل لحماية خطوط إمداداتها النفطية من الشرق الأوسط، حسب جون جوديز الباحث في "وقفية كارنيجي للسلام العالمي". وتتبنى الولايات المتحدة ما يسميه المسؤولون في البنتاغون "الاستراتيجية الوقائية" مع الصين. وهي استراتيجية تهدف إلى بناء قوة بحرية وجوية ضاربة رئيسية في جزيرة "غوام" في المحيط الهادي. وتحدثت مصادر البنتاغون عن النية لإدخال تعديلات في وضع الولايات المتحدة البحري، حيث ستحوّل ست ناقلات حربية ونحو 60 في المئة من أسطول الغواصات الهجومية إلى منطقة المحيط الهادي، لمواجهة التحولات في النقل العالمي وطرق التجارة خلال السنوات القادمة
.
والنفط كان العنوان الرئيسي للجولة، التي قام بها في الأسبوع الماضي
نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في عدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. وعشية سفره إلى كازاخستان ندّد ديك تشيني في تصريحاته الصحفية بروسيا "التي تستخدم سلاح النفط والغاز لتهديد وابتزاز الدول الساعية نحو الديمقراطية". وفي أستانا، عاصمة كازاخستان، امتدح تشيني شفافية الرئيس الكازاخي نورسلطان نزارباييف، وهو عضو سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، وفاز أخيراً للمرة الثالثة بنسبة 90 في المئة من أصوات الناخبين. والمديح على قدر المقام النفطي لكازاخستان، حيث يتوقع أن يقفز إنتاجها النفطي من 1.2 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي إلى 3 ملايين برميل يومياً في منتصف العقد المقبل.
و"في كازاخستان انخرط تشيني في معركة جيوسياسية قذرة حول الطاقة
"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز". وقذارة معارك النفط بحجم احتياطياته في حوض بحر الخزر، وهي الاحتياطيات المقدرة بنحو عشرة مليارات برميل. تهدف "المعركة القذرة" إلى إضعاف مواقع روسيا التقليدية في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، والحيلولة دون تقدم الصين لاحتلال مواقعها، ومنع إيران من المشاركة في مشاريع النفط في المنطقة. وهذه معركة أغبى من معركة العراق. فكازاخستان التي تبحث عن منافذ عدة لبترولها، تشكل الحزام الجنوبي لروسيا، وهي جارة للصين، وتشاطئ إيران على بحر الخزر. ردود الأفعال الروسية على تصريحات تشيني عكستها الصحيفة اليومية الرئيسية في موسكو "كومرسانت"، التي اعتبرتها "بداية الحرب الباردة الثانية."

وترسم الخريطة الجيوسياسية للنفط مأزق الولايات المتحدة التي تستورد
حالياً 60 في المئة من احتياجاتها النفطية. وأسعار النفط، التي تبلغ حالياً 75 دولاراً للبرميل قد تخرج عن نطاق السيطرة، وهذا يعني حكماً بالموت على الاقتصاد الأميركي، حسب تقدير جون جوديز، الباحث في معهد كارنيجي الدولي للسلام. فالارتفاع في أسعار النفط يضاعف ديون الولايات المتحدة الأميركية، ويُعمق عجز ميزانها التجاري، ويهدد مكانة الدولار، وعلى الأخص في الخريطة الجيوسياسية للطاقة التي ستشهد تحول الدول المنتجة للنفط عن التعامل بالدولار إلى التعامل باليورو، أو ربما تنشئ عملة "أوبك" التي يجري الحديث عنها منذ سنوات.

والنفط والفساد صنوان في نظام الاحتلال في العراق. يظهر ذلك في
تقرير "المفتشية العامة الخاصة بإعمار العراق" التي تُحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الرئيسية عن الوضع الكارثي لصناعة النفط. يكشف تقرير المفتشية، وهي وكالة رقابة حكومية أميركية عن اختفاء المبالغ المخصصة لتدريب فرق حماية أنابيب النفط وشبكات الكهرباء. دُفعت المبالغ وقدرها 147 مليون دولار لشركتين خاصتين بتدريب وتجهيز قوة أمن أنابيب النفط وحراسة شبكات الكهرباء. تحمل الشركتان "إرني" Erinis و"أسارس" ASARS جنسية الطرفين الرئيسيين في جريمة الاحتلال؛ بريطانيا وأميركا. والأشخاص الذين أخفوا وقائع الفساد، وأتلفوا الوثائق الخاصة بها هم ضباط في "سلاح المهندسين في الجيش الأميركي" المشرف على تنفيذ مشاريع أمن النفط والكهرباء، والخيوط النهائية للقضية تقود إلى أحد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية الحالية.

وكشف التحقيق أن الشركة الأميركية مموّلة من قبل رجل أعمال عراقي
قريب الصلة بذلك المسؤول. ورفضت شركة "نور يو إس أي" Nour USA التي يملكها رجل الأعمال المشبوه أي حديث عن مصير أكثر من 42 مليون دولار تلقّتها لتدريب وتجهيز ستة آلاف من أفراد قوة أمن شبكات الكهرباء. وشركة "نور" مملوكة من شركة في ألاسكا يشارك في ملكيتها تيد ستيفنز، رئيس لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ الأميركي. وبعد افتضاح القضية اضطر ستيفنز إلى بيع حصته في الشركة، وربح بذلك 822 ألف دولار. وفي أبريل من العام الماضي ألغي البرنامج الخاص بتدريب قوة أمن الأنابيب وشبكات الكهرباء، واختفت تجهيزاته وعرباته وأجهزة الكومبيوتر الخاصة به، وهي في طريقها إلى وزارة النفط العراقية، ويدّعي المسؤولون أنها سُرقت.

ولا تمثل 147 مليوناً الضائعة سوى جزء بسيط من التكلفة الحقيقية
لحرب النفط القذرة. فقيمة المشتقات النفطية المهربة من العراق في العام الماضي بلغت 4.2 مليار دولار حسب تقديرات علي العلاّق، المفتش العام لوزارة النفط العراقية. هذا غير النفط الخام، الذي يُسرق مباشرة من الأنابيب المخروقة، حسب المسؤول العراقي الذي أكد أن فساد قطاع صناعة النفط العراقية وتهريب منتجات النفط إلى الدول المجاورة يسببان خسارة مليارات الدولارات، ويشكلان أكبر خطر يهدد اقتصاد العراق.

المصدر: صحيفة الاتحاد الاماراتية 11/5/2006 الخميس

للعودة الى: الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker