البطولة: للأستاذ عبد الكريم هاني
البطولة
عبدالكريم هاني
تحفل آداب الشعوب بقصص البطولة و يتغنى شعراؤها ببطولات أبنائها مفاخرين الآخرين بأبطالهم و بما تحفظه الذاكرة الجمعية من مآثرهم , و كان ذلك أيام كانت الفروسية عنوان الأخلاق و الشهامة و سر الرجولة و البطولة قبل انحدارالعالم الى هاوية الجشع المادي الذي بدأت تشيعه عولمة اللاحضارة باسم التقدم و حين صارت النفعية و الانتهازية مقياس نجاح من صاروا يباهون بنجاحاتهم . فقد صارت البطولة اليوم ادعاء أجوف داخل الغرف المغلقة بينما صار العملاء يفخرون بذلتهم و يوهمون الناس أنها بطولة متناسين قول الشاعر :" لا افتخار إلا لمن لا يضام " و لعلهم لا يرون تلك الذلة ضيما جريا على قاعدة " ضرب الحبيب ألذ من أكل الزبيب " . هنا تبرز أهمية البطولة الحقيقية يسجلها أبطال حقيقيون صرخوا "لا " قوية بوجه الطغيان و الطغاة , لا ترهبهم القوة و لا يخيفهم التهديد بالجوع و الحرمان .
البطل الذي يبرزفي الواجهة بكل فخر دبلوماسي برازيلي ، واجه واشنطن في أكبر معركة يخوضها شخص في تأريخ العلاقات , و هو كما يصف نفسه في جوابه على أسئلة الصحفيين عن أصله العربي أنه "برازيلي يتحرك بدماء عربية". اسمه خوزيه بستاني بلغة البرازيل أو جوزيف بستاني , و قد عمل في الدبلوماسية البرازيلية منذ تخرجه عام 1967 و بدأ من أسفل السلم حتى وصوله لمنصب سفير عام 1995 . ثم انتخب بعدها عند إنشاء" المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية " أول مدير عام لـها . و أعيد انتخابه بالإجماع لدورة ثانية بعد الإشادة بجهوده و بالنجاح الذي حققه خلال السنوات الخمس الأولى من عمر المنظمة إذ استطاع أن يزيل مليوني قطعة سلاح كيماوي ويفكك نحو ثلثي وسائل صنعها , كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية دفاعا عن بستاني عندما كانت واشنطن تدبر مؤامرة لعزله في عام 2002تمهيدا لغزو العراق لأنه ارتكب " خطأين " فادحين من وجهة النظر الأميركية , فقد طالب الولايات المتحدة بفتح مستودعاتها لمفتشي المنظمة أسوة بباقي الدول الأعضاء , و الثاني إقناعه العراق بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية فقد كان ذلك سيسهل التأكد من خلوه من الأسلحة الكيماوية , و هو ما لم تكن تريده الولايات المتحدة .
جندت واشنطن أسوأ موظفيها الدبلوماسيين سمعة، وهو جون بولتن، ممثلها الحالي في مجلس الأمن للقيام بمهمة عزل بستاني فلجأ هذا إلى أساليب التهديد و الابتزاز التي سبق و مارستها لتمرير قرار تقسيم فلسطين قبل أكثر من خمسين عاما , وفي تقرير في "الغارديان" في اليوم التالي للتصويت على عزل بستاني أن جون بولتن قام بأعمال لا يقوم بها حتى سفراء دكتاتوريات "جمهوريات الموز". فكشفت عن تقديمه رشوة لبعض الوفود، ووعود كاذبة بترشيح شخص بديل من قارة أميركا اللاتينية، وتهديده بالقضاء على المنظمة الدولية، وحتى التهديد باغتيال أي موظف أميركي يسرّب هذه المعلومات للصحافة.
وهكذا أفلحت مؤامرات واشنطن في عزله من منصبه. فكانت تلك أول مرة يُقصى فيها رئيس منظمة دولية. وكان خطابه غداة التصويت على عزله في نيسان عام 2002 وثيقة تأريخية في العلاقات الدولية، أكد فيه على التزامه خلال خمس سنوات "بعدم اعتبار أي عضو في المنظمة الدولية أكثر مساواة من الآخرين", ورفضه "القاطع لمحاصصة المساواة تبعاً لحجم مشاركة الدولة العضو في موازنة المنظمة". وأعلن بستاني أمام ممثلي 145 دولة عضو في المنظمة رفضه القبول بمساومة "مشرّفة" عرضتها واشنطن، قائلاً "لست أريد أن أغادر كالأبطال، لكن إذا كان خروجي بمشيئتكم فذلك شرف لي". و حذر بستاني المجتمع الدولي من "أولئك الواثقين تماماً بقدرتهم على تحريك أي قطعة على رقعة الشطرنج الدولية، من دون استشارة أو تقديم توضيح لباقي العالم" فكأنه كان يتنبأ بكارثة غزو العراق .وأعلن في كلمته أن موقفه من العراق كان سبباً أساسياً في عزله، و تابع معركته ضد واشنطن حتى النصر. وفي سابقة لا مثيل لها في تاريخ الأمم المتحدة أقام دعوى ضد قرار عزله أمام "المحكمة الإدارية للمنظمة الدولية"، وهي الهيئة القضائية التي تنظر في الدعاوي الشخصية لوكالات الامم المتحدة. وأصدرت المحكمة قرارها في تموز عام 2003 القاضي بعدم قانونية التصويت على عزله. ولم يطالب بإعادته إلى منصبه فاكتفت المحكمة بدفع تعويض له عن مرتباته البالغة أكثر من 61 ألف دولار شهرياً تبرع بها إلى صندوق الدول الفقيرة الأعضاء في المنظمة التي أسّسها. و هو يشغل منذ ذلك الحين منصب سفير البرازيل في بريطانيا.
البطل الثاني عربي من العراق , فقد أعلن الدكتور موسى الحسيني و هو يقدم برامج فضائية (أي.إن.إن.) يوم 9/4/2006 وكما أشارت هذه الجريدة في العدد الماضي أنه يرفض العمل في المحطة بعد أن تجاهلت طلبه تقديم برنامج خاص عن احتلال بغداد الذي صادف نفس اليوم فأعلن على الهواء استنكافه تقديم برنامج آخر "وفاء للشهداء الأبرياء الذين تحصدهم مفخخات المحتل و عملائه" لأن بغداد "غالية و عزيزة تستحق منا التضحية بكل غال و نفيس, المال و الأرواح " . جرى هذا و الكل يعلم موقع الدكتور موسى الحسيني و أحواله بينما كان أدعياء بطولة الصالونات يستجدون نظرة عطف يجود بها عليهم ممثل سلطة الاحتلال و يتزاحمون على موقع يجود به عليهم في الوقت الذي كانت فيه المدن العراقية تُدَك الواحدة بعد الأخرى فلا يجرؤ أحدهم على الاحتجاج لئلا يكلفه ذلك هبوط أسهمه في سوق النخاسة في المنطقة الخضراء .
البطولة ليست عربية فقط , لكنها " بطولة " من نوع آخر ! فقد أعلن اثنان من الجنرالات الأميركان وجود فرق الموت المدربة و الموجهة أميركيا , و في نفس الشهر تحدث الجنرال وليم بويكن نائب وكيل وزارة الدفاع للمعلومات الى النيويورك تايمز فقال " أظن أننا نعمل ما كان برنامج فينكس مخططا له أن يعمل , و بدون السرية " فقد قتلت فرق الموت الأميركية ما يقرب من 40000 شخصا في فيتنام قبل أن يوقف الكونغريس " برنامج فينكس ". كما أكد الجنرال المتقاعد وبن داوننغ الذي كان رئيس قوات العمليات الخاصة أن فرق الموت التي تقودها أميركا بدأت العمل بعد الغزو في آذار 2003 فورا و قال لمذيعة الأن بي سي المذهولة " ان الوضعية الآن في العراق سيئة و هذا قد يساعد على تحسينها ".
قال الثائر اميليانو زاباتا " أن تموت واقفا على رجليك أحسن من أن تعيش طول حياتك جاثيا على ركبتيك " و الشاعر العربي قد سبق زاباتا حين قال في ما يكاد يكون نفس القول "عش عزيزا أو مت و أنت كريم" كما قد قال آخر
لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس العلقم
تحية من القلب لذكرى زاباتا !
تحية للبطل خوزيه بستاني !
تحية للبطل الدكتور موسى الحسيني !
تحية لكل من يرفض اللقمة مغمسة بذل الخنوع و الخضوع !
تحية لكل من قال لا بأنفة و قوة و إباء !
9/5/2006
نشر في العدد 107 من جريدة راية العرب في 11/6/2006
البطولة ليست عربية فقط , لكنها " بطولة " من نوع آخر ! فقد أعلن اثنان من الجنرالات الأميركان وجود فرق الموت المدربة و الموجهة أميركيا , و في نفس الشهر تحدث الجنرال وليم بويكن نائب وكيل وزارة الدفاع للمعلومات الى النيويورك تايمز فقال " أظن أننا نعمل ما كان برنامج فينكس مخططا له أن يعمل , و بدون السرية " فقد قتلت فرق الموت الأميركية ما يقرب من 40000 شخصا في فيتنام قبل أن يوقف الكونغريس " برنامج فينكس ". كما أكد الجنرال المتقاعد وبن داوننغ الذي كان رئيس قوات العمليات الخاصة أن فرق الموت التي تقودها أميركا بدأت العمل بعد الغزو في آذار 2003 فورا و قال لمذيعة الأن بي سي المذهولة " ان الوضعية الآن في العراق سيئة و هذا قد يساعد على تحسينها ".
قال الثائر اميليانو زاباتا " أن تموت واقفا على رجليك أحسن من أن تعيش طول حياتك جاثيا على ركبتيك " و الشاعر العربي قد سبق زاباتا حين قال في ما يكاد يكون نفس القول "عش عزيزا أو مت و أنت كريم" كما قد قال آخر
لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس العلقم
تحية من القلب لذكرى زاباتا !
تحية للبطل خوزيه بستاني !
تحية للبطل الدكتور موسى الحسيني !
تحية لكل من يرفض اللقمة مغمسة بذل الخنوع و الخضوع !
تحية لكل من قال لا بأنفة و قوة و إباء !
9/5/2006
نشر في العدد 107 من جريدة راية العرب في 11/6/2006
0 Comments:
Post a Comment
<< Home