Saturday, September 09, 2006

صنميات قرن الخداع الشامل :هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟(3)

صنميات قرن الخداع الشامل :
ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا

بعد بروتوكولات حكماء صهيون :
هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟ (3)


بقلم: صلاح المختار

  • النهضة العربية والايرانية : مأزق المجال الحيوي

هناك موضوع بالغ الاهمية في تحديد الدور الايراني وطبيعة صلته بالغرب واسرائيل ومن النادر ان يتطرق اليه الكتاب والساسة والمحللين الستراتيجيين العرب ، وهو طبيعة اهداف كل من مشروع النهضة العربية ومشروع النهضة الايرانية ، وصلتهما بمشروع اسرائيل الكبرى ، من جهة ، وبالخطط الاستعمارية الاوربية والامريكية من جهة ثانية . ما المقصود بذلك ؟ يمثل الملف النووي الايراني انموذجا لطبيعة الصلة التوافقية والتكاملية في ادوار كل من اميركا واروربا الغربية واسرائيل ، من جهة وايران من جهة ثانية . فالملاحظ ، وبدهشة مقترنة بصعوبة الفهم الشديدة ، ان الاطراف الثلاثة المذكورة لا تنظر الى القدرات النووية الايرانية نظرة عداء كامل مثلما فعلت مع المشروع النووي العراقي الذي تم اغتياله ، بعمل عسكري اسرائيلي ، وتواطؤ تام امريكي - اوربي .

وبالرغم من ان ايران تملك عدة مؤسسات نووية شبه متكاملة ، فان الغرب واسرائيل قد سمحا بوصول البرنامج الى مرحلة شبه الاكتمال دون اعتراض جاد وباستبعاد رسمي للعمل العسكري خلال العشر سنوات الماضية على الاقل ، بل ان جهات اوربية وامريكية قدمت لايران المساعدات التقنية والاستخبارية ، على الاقل بالسكوت على شراء ايران معدات نووية خصوصا من اوربا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق ! والان وقد تفجرت الازمة النووية الايرانية لاسباب لا صلة مباشرة لها بالقدرات النووية الايرانية ، بل لوجود مخطط امريكي واخر ايراني في العراق والمنطقة تريد امريكا وايران التمهيد لخطواته التالية ، نلاحظ بان التعامل الغربي- الاسرائيلي مع البرنامج النووي الايراني يتسم بالتعقل وعدم التسرع وطمأنة ايران ! في ذروة الازمة هذه واصرار ايران على تحدي الاطراف الثلاثة المذكورة ، اقتصر عامل الضغط على ايران على التهديد بنقل الملف النووي الايراني الى مجلس الامن واذا رفضت التعاون ستفرض عليها العقوبات الاقتصادية ! والاكثر لفتا للانظار هو الاجماع الاوربي الامريكي على عدم التحدث عن الخيار العسكري ضد ايران مباشرة !

ومن اغرب الدلالات على ان الغرب لايريد لايران ان تتراجع عن موقفها، بل انه يشجعها على التشدد ، هو اطلاق تصريحات امريكية واوربية تشجع ايران على التمسك بموقفها ، فكوندا ليزا رايس تقول بعد التهديد بعرض الملف على مجلس الامن بان امريكا لا تفكر بالخيار العسكري الان ، ويكمل الايحاء المباشر جاك سترو وزير خارجية بريطانية فيقول بان استخدام القوة ضد ايران غير وارد ، اما جورج بوش الرئيس الامريكي فلقد قال في يوم 31 – 8 – 2006 بان بلاده ستلجأ الى الحلفاء للتشاور في العقوبات التي ستتخذ لمعاقبة ايران ! تذكروا فقط التهديدات والاشتراطات الامريكية الاوربية التي فرضت على العراق والتي استبعد منها أي حل سلمي عند معالجة الازمة بينه وبين امريكا منذ عام 1990، مع ان المشروع النووي العراق دمر وفكك ، وهو امر عرفته لجان التفتيش وبالذات الامريكيين من اعضاءها ، كديفيد كي رئيس فريق التفتيش النووي للامم المتحدة ، الذي قال صراحة في عام 1998 بان العراق لا يملك مشروعا نوويا الان ! لماذا هذا التمييز المنحاز الى ايران ؟ هل هو وسيلة من وسائل السماح لايران بامتلاك رادع نووي لن يستعمل يقينا ضد اسرائيل وامريكا واوربا ، لاساب عملية صرفة ، في اطار مخطط غربي بتحويل الصراعات من صراعات مع الغرب الاستعماري الى صراعات بين دول اسلامية يمزقها الغرب وايران الان على اسس طائفية ؟ ام انه يستهدف السماح لايران بعقد مساومات كبرى مع امريكا بعد التخلي عن مشروعها النووي مقابل الحصول على امتيازات اقليمية خصوصا في الخليج العربي والعراق وتكون امريكا عندها غير منتقدة او مدانة من قبل الراي العام الامريكي بشكل خاص ؟

ان اكثر اساليب الضغط بدائية وسذاجة ، والتي يستخدمها الامي والمتخلف عقليا تقوم على عدم التاكيد للخصم بان القوة لن تستخدم ضده بل بالعكس فان التلويح باستخدام القوة ، حتى لو لم يكن ثمة قرار باستخدامها ، هو سلوك غريزي للانسان وكل الحيوانات والحشرات البدائية . هذه هي قاعدة الضغط للحصول على مكاسب وجزء من اساليب التفاوض منذ خلق الانسان والحيوان والحشرة . لهذا فان السؤال المهم في هذا المجال هو التالي : لم يطمئن الغرب ايران رغم انها تتحدى وتهدد بقصف منابع النفط اذا هوجمت ؟ هل هذا يعني ان هناك حاجة حالية ومستقبلية امريكية - اوربية - اسرائيلية للدور الاقليمي الايراني ؟ للاجابة على هذا السؤال علينا تناول عدة ملاحظات جوهرية .

  • المجال الحيوي كمنطلق للصراع

ان هذه المسألة هي الجوهر الذي يقرر علاقات ايران بالعرب والغرب واسرائيل ، وعدم فهمها بشكل صحيح ينتج سلسلة من الاخطاء الستراتيجية القاتلة في فهم الوضع الاقليمي والخيارات الدولية الغربية والاسرائيلية والايرانية النهائية . ويمكن القول بان خطأ فهم الدور الايراني الملغوم وعلاقة ايران بكل من الغرب واسرائيل ناجم عن عدم فهم دور المجال الحيوي للاطراف الاقليمية والدولية في تقرير ستراتيجياتها ومواقفها الحاسمة . ما المقصود بمفهوم المجال الحيوي ZONE ) ( VITAL ؟ لايضاح هذه المسألة سنتناول كيفية تحديد امريكا واوربا واسرائيل وايران لمجالاتها الحيوية . يعد مفهوم المجال الحيوي المنطلق الاساس في وضع ستراتيجيات الدول كافة ، خصوصا الدول ذات المطامح الامبراطورية او الاهداف الكبرى التي تتجاوز حدودها الاقليمية . فقيام قوة عظمى او كبرى ، سواء بدافع امبراطوري ، أي توسعي، كامريكا واوربا وايران (في ظل الشاه وخميني )، او بدافع قومي ، أي توحيدي لامة مجزءة كالامة العربية . والمجال الحيوي هو مجموع الظروف الجغرافية والديموغرافية ( تضاريس الارض مكوناتها ، ثرواتها ، الطقس فيها ، مستوى تأهيل السكان ...الخ ) التي تمنح دولة ما شروطا ملائمة للدفاع عن نفسها تجاه الاخرين او توفر لها امكانات مادية تجعلها مكتفية او لديها فائض موارد ، او العكس أي حرمان دول ما من الشروط الاساسية للعيش والدفاع والتقدم .

والمحال الحيوي مهم لانه يؤمن تحقيق الاهداف الكبرى عن طريق ضمان ان المحيط القريب او المباشر للدولة مفيد وغير مضر ، وهذا الضمان يتحقق اما بالاستيلاء على المحال الحيوي ، كما فعلت اسرائيل حين احتلت الجولان ، لاهميتها العسكرية ، واستولت على مصادر مياه عربية ، لاهميتها الحياتية ، وغير ذلك ، وكما فعل هتلر وفعلت وتفعل الولايات المتحدة في كافة غزواتها وستراتيجياتها والتي تريد من ورائها تحقيق مكاسب امنية او سياسية او اقتصادية ، وما تعبير( الحديقة الخلفية لامريكا )، ويقصد به دول امريكا اللاتينية ، الا تعبير عن هذا المفهوم .

اما ايران فان ستراتيجيتها منذ جاء خميني للسلطة بدعم امريكي واوربي تقوم على مفهوم الدفاع عن امنها القومي خارج حدودها الاقليمية عند مقترباتها الاقليمية وليس عند حدودها مباشرة ، والمقتربات التي تعتبرها ايران مصدات حماية امنها القومي تقع اكثرها اهمية في الوطن العربي ، وتبدأ من المقترب العراقي وتمر بالخليج العربي ( زرع النفوذ في اماراته تدريجيا عبر الهجرة المنظمة )، والسعودية ( التهديد مثلا بقصف المنشات النفطية السعودية لردع من يستهلك النفط عن مهاجمة ايران ، او محاولة استمالة اهل شرق المملكة لاسباب طائفية ) ، وينتهي عند المغرب العربي الذي تنشط فيه الدعوة الصفوية للعثور على بؤر داعمة لايران باسم الاسلام لكنه اسلام صفوي لا صلة لا بالإسلام ولا بالتشيع العلوي ! في هذا المجال الحيوي تؤسس ايران قواعد الدفاع عنها في اراضي الغير لتتجنب التعرض المباشر للعدو في بداية الصراع ، من خلال تأمين استنزافه او اشغاله او ارهابه في جبهات اخرى غير الجبهة الايرانية المباشرة ، وعند ذاك فان ما تحققه ايران هو ان العدو يأتيها وقد تخلخل وضعه او تعرض لبعض الصدمات فيتردد او يبدأ بالتفكير بعقد صفقة مع ايران بدل مهاجمتها ! ان الاصوات التي ترتفع الان في الكونغرس الامريكي وتدعو لحل الخلافات مع ايران بعقد صفقة اقليمية ما كان ممكنا ان ترتفع لولا الدور الايراني في العراق وغير العراق . لقد انتزعت ايران من اوساط امريكية موقفا لصالحها بدم العراقيين وبتدمير العراق !

حينما تبدا امة ما او دولة ما محاولتها تحقيق الاهداف الكبرى تفكر، اول ما تفكر، بكيفية استغلال الفرص والقدرات المتاحة في محيطها الاقليمي والدولي لضمان او تسهيل النجاح . فالتوسع او النهضة عمل جبار ويحتاج لقدرات وشروط خاصة منها توفر الامكانيات المادية واذا لم تكن متوفرة يبدأ البحث عنها في المحيط الخارجي . كما ان توفير ضمانات الحصانة ضد الاعداء الخارجيين تتطلب البحث في جغرافية المحيط ومعرفة فيما اذا كانت مجافية او مؤاتية لها ، واتخاذ الموقف النهائي في ضوء الحاجة لتامين مصادر الحماية كالعوازل الجبلية والنهرية و الصحراوية ...الخ . ان الدولة تحتاج للحماية الطبيعية اضافة للحماية المتأتية من الاعداد والاستعداد ، وتحتل الموارد المادية كالطاقة والمواد الخام والمياه والاسواق النشطة وغير ذلك موقعا بالغ الاهمية في تقرير المجال الحيوي للدول والعمل على تامينه اضافة لمكونات السكان والتكنولوجيا والدين والثقافة .

اذن المجال الحيوي هو المجال الذي لا يمكن للدولة بدونه تحقيق مشاريعها ، سواء كانت مشروعة كالامة العربية التي تطمح للوحدة العربية بصفتها ، اضافة لصفاتها الاخرى ، مجالا حيويا ذاتيا ، أي من داخل الامة وليس داخل حدود الغير ، او كانت دولة امبريالية ، بالمعنى اللغوي لكلمة الامبريالية ،التي تعني التوسع الخارجي ، من اجل تأمين مصادر القوة ، كامريكا واوربا واسرائيل وايران ، والتي تبحث كل منها في محيط الغير وليس في محيطها الذاتي ، عن كل عناصر القوة والتفوق . فامريكا واربا تسعيان وراء النفط وهو موجود في العالم الثالث خصوصا في الوطن العربي ، لذلك توسعان تقليديا حدود امنها القومي ليشمل دولا اخرى ، كما نص ما يسمى (مبدأ كارتر ) ، وتصبح منابع النفط العربية مجالا حيويا لهما . اما اسرائيل فان مجالها الحيوي واسع جدا، فبما انها دولة تسعى لاقامة ما تسميه ( اسرائيل الكبرى ) او ( اسرائيل التوراتية ) ، والتي تقع في المنطقة بين الفرات في العراق والنيل في مصر ، فالمجال الحيوي لاسرائيل هو ليس خارج حدودها الواقعية (لانها بلا حدود رسمية ولانها دولة غربية غير شرعية زرعت بالقوة )، بل هو يقع في قلب المجال الحيوي الذاتي للعرب والذي يعد شرطا حتميا ولا غنى عنه لوحدتهم ولنهضتهم وتقدمهم وبدونه لا نهضة للعرب ولا وحدة ولا تقدم ولا حياة كريمة تليق بالبشر . لذلك فان السمة الاساسية للصراع بين العرب واسرائيل هو انه صراع وجود وليس صراع حدود ، ما دامت اسرائيل تريد اغتصاب المجال الحيوي العربي لاجل توسعها ، مقابل استحالة قيام نهضة عربية شاملة من دون نفس المنطقة .

أن مشروع اسرائيل الكبرى لن يتحقق الا اذا تمت السيطرة على المجال الحيوي المطلوب ، وهو المنطقة العربية بين الفرات والنيل ، وبدونه لن تقوم دولة عظمى اقليميا ، واسرائيل بحكم طبيعة نشوءها كقوة مسيطرة تطمع لتصبح قائدة للاقليم كله ، لا يمكن ان تعيش كدولة صغرى محدودة بجغرافية فلسطين ، التي لاتسمح مواردها الا بقيام كيان بسيط . وهذا المجال يحتوي على المياه الوفيرة ( النيل ودجلة والفرات والانهر الاصغر )، والطاقة والمعادن الاخرى واليد العاملة والثراء والسوق المفتوح ...الخ ، وهي شروط ومتطلبات كلها تقع في منطقة القلب الجيوبولوتيكي العربي . من هنا فان قيام اسرائيل الكبرى يفرض حتمية لابد من الرضوخ لها وهي الاستيلاء على المنطقة الحيوية بين الفرات والنيل . ان كون المجال الحيوي لكل من المشروعين الاسرائيلي التوراتي والنهضوي العربي هو ذاته ، هو نفس البقعة الجغرافية ، يجعل استيلاء اسرائيل عليه مانعا حاسما للعرب من القدرة على النهضة ، لانه يحرمهم من اهم مصادر حياتهم وهي المياه والارض الصالحة للزراعة والنفط والغاز ...الخ، وهذا هو بالضبط الذي يجعل الصراع العربي – الصهيوني صراع وجود وهوية ، لايمكن ابدا التوفيق فيه بين المشروع النهضوي العربي والمشروع التوسعي الصهيوني ، والمسار الوحيد لهما هو التصادم العدائي . ولا يهم هنا تغيير شكل اسرائيل الكبرى ، فسواء كانت ممتدة بحدودها لتشمل هذا المجال الحيوي ، او كانت تسيطر عليه اقتصاديا وتكنولوجيا وسياسيا فقط ، كما تدعوا الصهيوينة الجديدة ، فان المسالة تبقى ذاتها وهي ان حياة العرب مرهونة بمصالح وقرارات اسرائيل .

اما ايران فان صلتها بالعرب الاقربين ، وهم سكان العراق والخليج العربي والجزيرة ، هي صلة فيها الكثير من عناصر الشبه بصلة العرب بالمشروع الصهيوني. ان تاريخ ايران منذ الاف السنين يؤكد انها كانت تتجه غالبا الى الغرب ، وليس الى الشمال او الشرق او الجنوب ، كلما عانت من قحط او مجاعة ، لان الغرب وخصوصا العراق بلد المياه والارض الصالحة للزراعة ، والذي كان يسمى ب(ارض السواد) ، وذلك لكثافة الزراعة فيه ووفرة المياه . في حين ان الجهات الاخرى المحيطة بايران كانت لا تختلف عنها من حيث فقر الارض وشحة المياه رغم سعة المساحة . وحينما كانت ايران تتمكن وتحصل على عوامل القوة كانت تغزو العراق وغيره ، في عملية توسع امبراطوري معروفة في التاريخ . ان تدمير بابل من قبل الفرس واحتلال العراق جزئيا او كليا مرارا من قبل القبائل البربرية الفارسية مجرد امثلة على وجود حاجات جيوبولوتيكية فارسية في العراق تجبر تلك البلاد على غزو العراق قبل ظهور الاسلام والطائفية . والسبب في التوجه نحو الغرب خلال الاف السنين هو ان ايران تعاني من شحة خطيرة في المياه ، لدرجة ان كمياتها لا تكفي الا لارواء جزء ، وليس كل الاراضي الصالحة للزراعة فيها ، والتي تبلغ بين 13 – 15 % من الاراضي الايرانية ، وهو ما اشار اليه الشاه محمد رضا بهلوي في اخر كتاب اصدره بعد نفيه من ايران واسمه (رد للتاريخ(.

وكانت ايران وما زالت تعتمد على المطر في تحقيق التوازن الداخلي ، فاذا انقطع المطر سنتين متتاليتين حل القحط والمجاعة ، وبدأت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ، كما قال شاه ايران محمد رضا بهلوي في كتابه المذكور. وقبل اكتشاف النفط في ايران كانت مشكلة شحة المياه تنطوي على دمار اجتماعي كبير يدفع الالاف الى الهجرة خصوصا الى العراق ، ولذلك كانت هناك دائما جالية فارسية كبيرة في العراق . اما بعد ان اكتشف النفط فقد قلت حدة ازمة المياه الى حد ما بسبب وفرة الاموال واستيراد الغذاء من الخارج لتحقيق الكفاية والاستقرار النسبيين . ومع ذلك فان احد اسباب سقوط الشاه كما يعترف هو في كتابه المذكور كان عدم سقوط المطر لسنتين متتاليتين مما ادى الى زيادة الفقر والاضطرابات الاجتماعية .

من هنا فان العراق بالنسبة لايران هو الملاذ الجيوبولوتيكي الاهم الذي يضمن لها الاستقرار وعدم التعرض لمشاكل خطيرة ، فغزو العراق عبر التاريخ كان يحل بعض نتائج ازمات القحط في ايران ، ويوفر لها ثروات طائلة حينما كانت الزراعة هي المصدر الاساسي للثروة . وهذه الحقيقة الجيوبوليتيكية تفسر الغاز صلات التنافس او الحرب بين العراق وايران منذ اكثر من ثلاثة الاف عام ، وكيفية تكيف حتى الديانات الايرانية مع الضرورات الجغرافية ، مثل تميز الزرادشتية بالسلطة المطلقة للملك ورجل الدين ، وقدرتهما على تحشيد الناس خلفهما لاجل السيطرة الداخلية او تسهيل الغزو الخارجي . وازدادت خطورة ازمة المياه في النصف الثاني من السبعينيات نتيجة اكتشاف ان عمرالاحتياطي النفطي الايراني اخذ يقترب من نهايته مقارنة بعمر النفط العراقي الطويل جدا ، خصوصا وان مشاريع الشاه الستراتيجية كانت تقوم على بناء صناعة متقدمة توفر موارد بديلة عن موارد النفط عند نضوبه . لكن مشاريع الشاه هذه لم يكن بالامكان ان تكتمل قبل نضوب النفط ، لذلك بدأ الاضطراب داخل المجتمع الايراني يزداد حدة وخطورة واصبح الشاه امام خيارين : اما تقليل انتاج النفط وزيادة الاسعار لاطالة عمر النفط الايراني ، او استخدام تكنولوجيا جديدة في استخراج النفط تضمن استقرار موارده ، واختار تقليل الانتاج وزيادة الاسعار ، فوجد نفسه في صف واحد مع دول اوبيك التي كانت تعد ثورية ومناهضة للغرب لانها كانت تطالب برفع اسعار النفط ! وهكذا اصطدم الشاه بالسعودية ففتح بنفسه ابواب حملة حقوق الانسان ضده مباشرة بعد رفعه لاسعار النفط وبدأ حديثه عن عزمه على اقامة امبراطورية ايرانية وبناءه خامس قوة في العالم لاعادة امجاد فارس .

ان مياه العراق واراضيه الزراعية كانت دوما تغري بلاد فارس بغزوه خصوصا حينما تواجه مشاكل شحة الامطار . من هنا فان النهضة الايرانية واقامة دولة قوية ، او امبراطورية كما خطط الشاه وبعده خميني يحتاج لمجال حيوي ، يوفر المياه وارض الزراعية من جهة ، وذلك يضع العراق في مقدمة الاهداف التوسعية الايرانية ، كما ان ايران الكبرى تحتاج لموارد نفط اكبر من طاقتها الشائخة لتمويل التوسع في العالم الاسلامي عبر نشر الصفوية وبناء جيش قوي ، وهذا ما جعل الخليج العربي هدفا للهجرة الايرانية والاستيطان هناك من اجل السيطرة التدريجية على الخليج العربي وتفريس ضفته الغربية ، بعد ان ضمت ضفته الشرقية العربية الى ايران من قبل بريطانيا من جهة ثانية .

بعد اسرائيل وامريكا واوربا تأتي ايران ايضا لتربط مستقبلها الامبراطوري بغزو الخليج سكانيا ، بالهجرة ، وبالغزو الصفوي مذهبيا وسكانيا للعراق . ان لايران مقومات ذاتية كافية لقيام دولة عظمى اقليميا لكنها ليست كافية للسيطرة على العالم الاسلامي كله وتغيير هويته الطائفية واقامة امبراطورية صفوية تتبرقع بالاسلام ، وذلك هو الهدف الستراتيجي الاعظم لايران والذي اشار اليه الدستور الايراني صراحة . لذلك فان التوسع السكاني والمذهبي في بلدان الغير ( قانون مطلق ) لا يمكن لايران بدونه تحقيق امبراطوريتها .

ان من يقرأ الدستور الايراني يلاحظ ازدواجية مكشوفة ، ففي حين انه يؤكد على الدفاع عن مصالح ايران الوطنية وحدودها ضد المسلمين وغير مسلمين نرى الدستور الايراني يتضمن موادا اساسية تسمح لايران بالتدخل في شؤون الدول الاخرى تحت شعار دعم المسلمين في البلدان الاخرى ! فتحت بند ( الجيش العقائدي) ترد الفقرة التالية (في مجال بناء القوات المسلحة للبلاد و تجهيزها، يتركز الاهتمام علي جعل الايمان و العقيدة اساساً و قاعدة لذلك، و هكذا يصار الي جعل بنية جيش الجمهورية الاسلامية و قوات حرس الثورة علي أساس الهدف المذكور و لا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية و حراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الالهية، و هي الجهاد في سبيل الله، و النضال من أجل بسط حاكمية القانون الالهي في العالم ) . من الواضح من هذه الفقرة ان القوات المسلحة الايرانية تعد للغزو الخارجي ولاستعمار الاخرين باسم الاسلام ! وفي فقرة ( النواب ومجلس الخبراء) ترد الفقرة التالية وتوضح اكثر اهداف ايران التوسعية من خلال العمل على جعل هذا القرن قرن ايران حينما تقول (علي امل ان يكون هذا القرن قرن تحقق الحكومة العالمية للمستضعفين و هزيمة المستكبرين كافة) . وفي المادة الثالثة الفقرة 16 من الدستور يرد ما يلي : (تنظيم السياسة الخارجية للبلاد علي اساس المعايير الاسلامية و الالتزامات الاخوية تجاه جميع المسلمين و الحماية الكاملة لمستضعفي العالم.) . في هذه الفقرة تبيح ايران لنفسها التدخل الكامل في شؤون كل دولة تحت شعار حماية مستضعفي العالم كافة !

وفي المادة التاسعة يرد ما يلي :( في جمهورية ايران الإسلامية، تعتبر الحرية و الاستقلال ووحدة أراضي البلاد و سلامتها اموراً غير قابلة للتجزئة، و تكون المحافظة عليها من مسؤولية الحكومة و جميع أفراد الشعب، و لا يحق لاي فرد او مجموعة او أي مسؤول أن يلحق أدني ضرر بالاستقلال السياسي او الثقافي او الاقتصادي او العسكري لايران او ينال من وحدة‌أراضي البلاد باستغلال الحرية الممنوحة، كما أنه لا يحق لاي مسؤول أن يسلب الحريات المشروعة بذريعة المحافظة علي الاستقلال ووحدة البلاد، و لوكان ذلك عن طريق وضع القوانين و القرارات.) ! ما معنى هذا ؟ ان الدستور الايراني في الوقت الذي يعطي للسلطات الايرانية حق التدخل المباشر في شؤون الدول الاخرى يمنع منعا باتا التدخل في الشؤون الوطنية الايرانية ويحافظ على الاستقلال السياسي ووحدة اراضي البلاد ! حينما يتعلق الامر بالتوسع الخارجي فان الرابطة الاسلامية تسوغ لايران التدخل في شؤون الاخرين ، لكن حينما يتعلق الامر بايران تبرز المصلحة القومية الايرانية وليس الاسلام لتكون حامية ايران بحدودها واقتصادها ومصالحها الاساسية ! وفي المادة الحادية عشر يرد ما يلي : (يعتبر المسلمون امة واحدة، و علي حكومة جمهورية ايران الاسلامية اقامة كل سياستها العامة علي اساس تضامن الشعوب الاسلامية ووحدتها، و ان تواصل سعيها من اجل تحقيق الوحدة السياسية و الاقتصادية‌ و الثقافية في العالم الاسلامي.) باسم الوحدة الاسلامية تستطيع ايران وضع اطار مشروع للتدخل والاحتواء والشراء . مرة اخرى تاتي الاسبقية المطلقة لمصالح ايران القومية ففي المادة المادة الثامنة و السبعون من الدستور ترد الفقرة التالية التي تدعوا للمحافظة على حدود ايران وعدم التفريط بها :

(يحظر إدخال أي تغيير في الخطوط الحدودية سوي التغييرات الجزئية مع مراعاة مصالح البلاد و بشرط أن تتم التغييرات بصورة متقابلة، و ان لا تضر باستقلال و وحدة أراضي البلاد،‌ و أن يصادق عليها أربعة أخماس عدد النواب في مجلس الشوري الاسلامي). ولمعرفة قيمة واهمية هذه الفقرة لابد من تذكر ان ايران تجاور بلدانا اسلامية ، وهذا التشدد في مسائل الحدود يظهر زيف الدعوة لوحدة المسلمين والدفاع عنهم ومشكلة الحدود مع العراق ، وكانت احد اهم سببين للحرب ، ومع الامارات تثبت ان ايران تلتزم بصرامة بمصالحها القومية .

ومرة اخرى يؤكد الدستور على حق ايران في التدخل رغم انه يحاول نفي ذلك ففي المادة الرابعة و الخمسون بعد المئة يرد ما يلي :

(تعتبر جمهورية ايران الاسلامية سعادة الانسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها،‌و تعتبر الاستقلال، والحرية، و اقامة حكومة‌الحق و العدل حقاً لجميع الناس في ارجاء‌العالم كافة، و عليه فان جمهورية ايران الاسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في اية نقطة من العالم، و في الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الاخرى)!!!

وهذا الحق في التدخل الذي يؤكده الدستور مرارا اعتراف صريح بان ايران سواء كانت شاهنشاهية او خمينية تقوم على هدف اساس هو التوسع من اجل السيطرة على العالم انطلاقا من السيطرة على العالم الاسلامي .

ولهذا كان الشاه يثقف الايرانيين على فكرة ان العراق والخليج العربي كانا جزء من ايران ويجب ان يعودا بهذه الطريقة او تلك . اما في زمن خميني ، فبعد ان سقطت احلام الشاه التوسعية ، لانها بنيت على اساس قومي فارسي ، رفع خميني شعار ( نشر الثورة الاسلامية ) كغطاء يحرك الملايين داخل وخارج ايران ويخلط الاوراق الطائفية بشدة مربكة للكثيرين . وكان اختيار العراق ليكون اول دولة تجتاحها ما كانت تسمى (الثورة الايرانية ) ليس محض صدفة او قرار شخصي ناجم عن حقد خميني على شعب العراق وقيادته ، رعم انه عامل مهم جدا وموجود ، بل كان الهدف المخفي وغير المعلن هو استغلال طاقات العراق المادية ( الارض والمياه والنفط والتركيب السكاني ) لتعزيز مشروع التوسع الشوفيني الفارسي المموه باسم الاسلام الطائفي . وهناك عامل مهم اخر يدفع ايران لغزو العراق وهو وجود المراقد المقدسة للامام علي والحسين والعباس رضوان الله عليهم في العراق ، وهم أأئمة المسلمين كافة على وجه العموم والشيعة على وجه الخصوص ، لذلك فان السيطرة على العراق تسهل الانتشار الصفوي عالميا بتاثير وجود هذه المراقد بيد ايران .

ما الذي تنطوي عليه تلك الملاحظات الجيوبولوتيكية ؟ انها تقود الى استنتاج جوهري وخطير وهو ان ثمة قاسم مشترك يجمع ايران ، وبغض النظر عن نظامها السياسي ، بامريكا واوربا واسرائيل ، وهو ان هذه الاطراف تحتاج الى موارد وخصائص العراق والخليج العربي من جهة ، كما انها ترى ان الخيار الستراتيجي الافضل لمصالحها الستراتيجية هو العمل المشترك لتامين السيطرة على القلب الجيوبولتيكي للوطن العربي وهو منطقة المياه والنفط والارض الزراعية . ويترتب على هذه الحقيقة امر اخر وهو ان هذه الاطراف الثلاثة يجمعها اكثر مما يفرقها وتستطيع العمل سوية ضد العرب مهما اختلفت ، فهي تتفق على ان أي كيان عربي قوي يساوي حرمانها من بعض اهم شروط قوتها وتفوقها ، بالنسبة لامريكا واوربا الغربية ، او يحرمها من اساس بقاءها ، بالنسبة لاسرائيل ، او يمنعها من اقامة امبراطورية عظمى ، بالنسبة لايران . وفي ضوء ما تقدم فان وجود خلافات بين هذه الاطراف ممكن وطبيعي لكنها خلافات لا تزيح الحقيقة التي تتحكم في موقفها النهائي وهو انها يجب ان تمنع قيام كيان عربي وحدوي وقوي يوفر امكانية تحرير الثروات العربية والارض العربية ويمنع تسخيرها لخدمة طرف اخر على حساب العرب ومستقبلهم .

  • المشروع الامبراطوري الايراني : الطبيعة الحدود

هنا نرى موازنة خطيرة : فالمشروع التوسعي الايراني سواء كان قوميا صريحا كما كان ايام الشاه ، او كان قوميا يتبرقع باسم الاسلام الطائفي كما هو الحال اليوم ، لا يتناقض من حيث الجوهر مع المشروعين الغربي الاستعماري والصهيوني ، بل على العكس تتفق هذه المشاريع حول هدف مشترك وهو منع قيام كيان عربي قوي وابقاء العرب مجزئين وضعفاء خاضعين . فالمشروع الايراني وان كانت له مطامع ونفوذ في العراق والخليج العربي ، الا انه يقبل بحصة صغيرة من هذه المنطقة مقابل دعمه وتعاونه مع الغرب واسرائيل ، والاخيرين لا يمانعان من حيث المبدأ في اعطاء ايران حصة مقابل دعمها للمشروعين الغربي والاسرائيلي .

لماذا لا يتعارض المشورع الايراني مع المشروعين الاسرائيلي والامريكي ؟ ان المشروع الايراني اضافة الى ما ذكر لا يتناقض جذريا مع المشروعين الاخرين حتى وان كان يختلف معهما في زوايا ثانوية . فما هي عناصر الخلاف هذه ؟ وهل هي تكفي لتفجير صراع عدائي ورئيسي ؟ اول واهم ما يجب الانتباه اليه هو ان المشروع الاستعماري الايراني لا يقوم ، من حيث الجوهر ، على ارض تعدها اسرائيل او امريكا الجزء الاساسي من محيطها الحيوي ، فالمشروع الايراني ، حتى وان تضمن اهدافا عالمية الا انه من الناحية الواقعية ، وفي ضوء التوازن الستراتيجي الدولي، يقام على الارض الايرانية اولا وقبل كل شيء . هذه النقطة مهمة ويجب ان نوضحها . ولكن حينما يتعلق الامر بقيام امبراطورية ايرانية تغير خارطة العالم ضد مصالح الغرب فان الغرب سيتصدى للمشروع الايراني ويوقفه بطرق متعددة .

نعم هناك طموح ايراني قديم عبر عنه الشاه باحياء عظمة فارس ، وعبرعنه خميني باقامة امبراطورية اسلامية على كل الكرة الارضية ، لكنها امبرطورية تقوم على المذهب الاثنا عشري كما ينص الدستور الايراني حين يحدد اسلام ايران ، ويؤكد على ان البند المتعلق بالطبيعة الاثنا عشرية لاسلام ايران لا يمكن تغييره من قبل البرلمان الايراني وهي فقرة ابدية ! هذا التاكيد على عدم تغيير مذهب الامبراطورية الاسلامية الخمينية هو ما يريده الغرب والصهيونية ، لانه هو القابلة الشيطانية للحروب بين شعوب العالم الاسلامي ، الذي ترفض اغلبيته هذا الشرط الحديدي الثابت والعدواني ، لانه يجبرها على تغيير طائفتها ليس لصالح طائفة اسلامية بل لصالح امبراطورية فارسية عنصرية تكره العرب ، وتريد استعمارهم ، فهل توجد خدمة لاسرائيل وامريكا اكبر واخطر من ان يقع العالم الاسلامي ضحية حروب طائفية تجعل بالامكان تحقيق عدة اهداف كبرى للتحالف الشيطاني العالمي ؟

اذا نظرنا الى اهم الاهداف التي ستترتب على تحويل الصراعات في العالم من صراعات شعوب مضطهدة ومستعمرة مع مضطهديها ، وهم امريكا والصهيوينة ونخب اوربية ، فاننا سنرى ما يلي :

1. سيقتنع العالم ، او جزء كبيرا منه على الاقل ، بان ما قالته امريكا واسرائيل من ان سبب المشاكل والصراعات في الشرق الاوسط ليس اسرائيل وانما العرب والمسلمين ، الذين لا يكتفون بمحاربة اسرائيل ومهاجمة الغرب بل انهم يقتلون بعضهم ويتحاربون فيما بينهم دائما مما يؤدي الى تهديد الامن والسلم العالميين !

2. سيفقد العرب والمسلمين تعاطف العالم معهم ، وسيبرز تحالف دولي ضد العرب والمسلمين باسم محاربة (الارهاب الاسلامي) ، ومما يسببه للعالم من مخاطر وتهديديات !

3. سيصاب العالم الاسلامي والوطن العربي بلعنة اخطر بكثير من لعنة الحاضر وهي تفاقم الصراعات والحروب بين الدول العربية والاسلامية .

4. سيخسر العرب كل ثرواتهم في الصراعات الطائفية ويعودون الى حالة الفقر المدقع والعبودية .

5. سينسى العرب ان فلسطين والعراق تحت الاستعمار وان الهدف المركزي القديم والاصلي وهو تحرير فلسطين قد اصبح مستحيلا في ظل الحروب الابدية ، والتي لا تحسم ولا يسمح غربيا وصهيونيا بحسمها ، من اجل اكمال تدمير العرب واخضاع المسلمين ! ( هل تذكرون كيف ام امريكا واوربا كانت تمنعان انهاء الحرب العراقية الايرانية رغم وجود محاولات جادة انذاك ؟).

6. ستنشأ دويلات طوائف مجهرية في الوطن العربي على انقاض الامة العربية الواحدة تحكمها العنصرية والطائفية والاقليمية والقطرية ، وهكذا سيشهد العالم بروز ( ملوك الطوائف) كما حصل قبل القضاء على الحكم العربي في الاندلس . وفي اطار ذلك سنرى دويلات هندية وفارسية وباكستانية وسريلانكية وتايلندية تقوم في الخليج العربي بعد ابعاد الاسر الحاكمة العربية بوسائل ديمقراطية يدعمها العالم الغربي والهند وباكستان وغيرها . لقد دعت الكاتبة الامريكية المخضرمة فلورا لويس في الثمانينيات من القرن العشرين الى العمل على انهاء الامة العربية بتشجيع قيام حكومات مجهرية على اساس انكار الهوية العربية وتذويبها ، واحياء الهويات القديمة في الوطن العربي كالفرعونية والبابلية والفينيقية والبربرية ...الخ ، ولم تكن صدفة ان ينشر عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي المعروف في نفس الفترة داعيا الى تنفيذ بروتوكولات حكماء صهيون الخاصة بتمزيق الامة العربية على اسس طائفية وعرقية ودعم النظام الصفوي العنصري في طهران ضد العراق اثناء الحرب بين العراق وايران ، رغم ان الخميني كان يشتم امريكا حتى وهو يشاهد افلام توم وجيري الامريكية !

7. بعد ان تزول الامة العربية من الخارطة ،حسب المخطط الامريكي الصهيوني الايراني ، فان السيد الجديد في ما يسمى الشرق الاوسط سيكون اسرائيل وحلفاؤها وفي مقدمتهم ايران . والسبب هو ان اسرائيل لا ترى في ايران خطر حقيقيا عليها لان مشروعها القومي الفارسي لا يشمل المنطقة التي تريد ايران اقامة امبراطوريتها فيها من حيث المبدأ .

8. ان فكرة ان العرب والمسلمين عدوانيين واشرار ، وهو ما يفترض بخطة ايران الاستعمارية ان تؤدي اليه ، عند زرعها وتمتين ساقيها ستكون اهم اسس اشعال حروب حضارات كما خططت امريكا .

اضافة الى ماسبق ذكره فان الامبراطورية الايرانية ، وكما حصل في التاريخ حيث تحالف الفرس مع اليهود عدة مرات ضد العرب ، وابرز مثال هو تدمير بابل من قبل الامبراطور قورش وانقاذ الاسري اليهود من الاسر البابلي ، فان امبراطورية الفرس الخمينية تخدم اهداف اسرائيل الكبرى . اثناء الحرب العراقية الايرانية وجدت مع قتلى ايرانيين خارطة تشير الى ان الحدود بين ايران واسرائيل تقع عند نهر الفرات ، فغرب النهر لاسرائيل وما يقع شرق النهر لايران ! معنى هذا ان كل من اسرائيل وايران ( الاسلامية ) تعرفان حدودهما المستقبلية وهناك اتفاق ضمني او رسمي سري على تقاسم العراق ! ان ما يميز العقلية الفارسية هو البراغماتية الكاملة ، وهي لذلك تعرف انها لا تستطيع تحقيق كل اهدافها ، فتلجأ كأي تاجر محترف الى رفع سقف مطاليبه مع المنافسين والمخالفين لكي تحصل على اعلى نسبة من الربح او المكاسب ، كما تفعل الان في موضوع الملف النووي الذي ستتخلى عنه في النهاية مقابل امتيازات وقبل ان تصل الخلافات الى حد الحسم العسكري .

  • ايران ليست هدفا معاديا للصهيونية الامريكية

وفي ضوء ما تقدم فان معرفة ايران الان بان امريكا قوية ومهيمنة عالميا يجعل نخب الشوفينية الفارسية الحاكمة في النهاية تفهم ان تحقيق اهدافها كلها غير ممكن لذلك ستقبل بحصة تقررها موازين القوى ، تستقطع من المنطقة خصوصا في العراق والخليج والجزيرة العربية ، مقابل ان تؤدي ايران دور الشرطي الصديق لاسرائيل وامريكا في المنطقة . وهذا يتطلب تغيير الوجه الحاكم في ايران ، بطرق سلمية على الارجح ، لتسهيل تحقيق هذا الهدف ، وهنا يكمن سر اعتبار ايران خصم يمكن حل المشاكل معه بالحوار والضغط وليس بالحرب .

واذا اردنا ان نعرف هل يوجد تناقض رئيسي بين المشروع الاستعماري الامريكي والمشروع القومي الخميني ، فاننا يجب ان ننظر للحاضر لنستطيع تقديم جواب مقنع ، فالبرغم من عركة الديوك الصاخبة بين امريكا وايران واسرائيل الا انها اتقفت على امر مشترك ونفذته بتعاون مخلص وتام ادهش من لا يعرف العقلية الفارسية البراغماتية ، وهو تدمير العراق ومحاولة محو هويته العربية وتقسيمه الى فدراليات ثلاث ! لم يمنع صراع الديوك هذه الاطراف من التعاون لان ما يجمعها اكبر واهم مما يفرقها ، ولذلك راينا ايران تصدر فتاوى بعدم مقاومة غزو العراق ، عبر مواطنها السيستاني ، وتأمر مواطنيها مثل الحكيم والجعفري بخدمة الاحتلال والمساهمة الرئيسية في تدميرالعراق ونهبه ، والاشتراك في الحكم فيه تحت ظل الاحتلال ووفقا لخطته ، وترسل وزير خارجيتها الى العراق المحتل ليسجل التاريخ ان ايران كانت اول دولة تعترف بمجلس الحكم الذي شكله بول بريمير الحاكم الاستعماري الامريكي . واخيرا وليس اخرا راينا ايران تأمر صبيان سذج ومرضى نفسيا بالتظاهر بمناهضة الاحتلال لاجل استقطاب مواطني الجنوب الرافضين للاحتلال ومنعهم من الالتحاق بالمقاومة المسلحة ، على اساس ادراك ايران ان اهل الجنوب عراقيون اصلاء ولا يسكتون على غزو بلادهم .

ان ايران ليست هدفا معاديا لامريكا بالاصل بل هي ، حسب رؤية امريكا ، دولة كبرى في المنطقة ومن حقها ان تقيم امبراطوريتها ولكن دون تهديد المصالح الامريكية . كما انها لا تقع في المنطقة التي تعدها امريكا ضمن نطاق امنها القومي، أي الخليج العربي حسب مبدأ كارتر، وانما هي مجاورة لحدود امنها القومي ، وبحكم الجوار فان ايران مهمة جدا للامن القومي الامريكي من زاوية محددة : وهي ان قربها قد ينشأ خلافات قد تكون مهمة جدا احيانا ولكنها على وجه العموم من النوع الذي يمكن السيطرة عليه وحله بالوسائل غير الحربية او بالضغط العسكري لمصلحة الطرفين . من هنا فان المشروع الايراني لا يشكل تهديدا رئيسيا للمشروع الاستعماري الامريكي بل هو مشروع متعاون ومتلاق في الاهداف وفي تحديد العدو لكل منهما وهو العراق والامة العربية .

ما الذي يترتب على هذه الحقيقة الستراتيجية ؟ ان اول ما يترتب عليها هو حقيقة ان ايران ومهما شاغبت واختلفت فانها في النهاية حليف رسمي ، كما في زمن الشاه ، او حليف واقعي ، كما في زمن خميني الفارسي النزعة . وربما يتسائل البعض : لم هذا الاتهام لخميني بانه قومي فارسي ؟ الجواب هو ما يلي :

  1. خميني ورغم اتقانه للغة العربية كان يكره العرب وثقافتهم لدرجة الاستنكاف عن التحدث بالعربية والاصرار على التحدث بالفارسية ، رغم انه يتقن العربية وكان يدرس فيها علوم الدين في النجف . ولدينا حادثتين شهيريتين تثبتان ان خميني قومي فارسي ، الاولى مع اريك رولو ، السفير الفرنسي السابق والكاتب المعروف ، فلقد قابله بعد اسقاط الشاه لاجل اجراء مقابلة صحفية معه ، وبما ان رولو يتقن العربية فقد وجه له الاسئلة باللغة العربية لغة القران ، ففوجئ بان خميني يرفض الاجابة بالعربية ويتحدث بالفارسية ويقوم مترجم بالترجمة الى العربية ! يقول رولو انه خرج بانطباع قوي بان خميني قومي ايراني ومتعصب لقوميته . اما الحادثة الثانية فهي مشابهة للاولى ولكن هذه المرة مع محمد حسنين هيكل الكاتب العربي ، الذي ذهب هو الاخر مباشرة بعد اسقاط الشاه وفعل نفس ما فعلة رولو ، فوجه الاسئلة بالعربي لكن خميني اصر على الجواب بالفارسي ، فخرج بنفس انطباع رولو وهو ان خميني قومي فارسي بالدرجة الاولى ! والسؤال المهم الذي يفرض نفسه هو التالي : لماذا رفض خميني التحدث بلغة القران مع انه كان رسميا يقول انه مسلم ؟
  2. اصر خميني على الاستمرار في اطلاق تسمية الخليج الفارسي على الخليج العربي ، ورفض اقتراحا اسلاميا بتسميته الخليج الاسلامي ، فاذا كانت اسلاميته هي الغالبة فلماذا اصر هو وخليفته خامنئي على عدم الوصول الى حل وسط بين العرب وايران وهو تسميته ب ( الخليج الاسلامي ) ؟
  3. اصر خميني على مواصلة احتلال الجزر العربية الثلاث التي احتلها الشاه ورفض ارجاعها الى اهلها الشرعيين وقال انها ارض ايرانية ! وفسر صفوي لبناني اسمه الشيخ حسن عضو مجلس النواب اللبناني هذا الموقف مؤخرا بالقول بان مشكلة الجزر ثانوية ولا يجوز ان تصبح موضوعا للخلاف مع ايران ! وكأن الارض التي تتمسك بها ايران هي غير التي تطالب بها الامارات ! اذا كانت جزرا غير مهمة لماذا اذن تصر ايران على الاحتفاظ بها وخلق مشاكل مع الامة العربية ؟ المشكلة ان الصفويين في الاقطار العربية ، وبسبب تبعيتهم المطلقة وغير القابلة للنقاش لايران ، يعيدون كتابة المنطق والتاريخ والقانون والقيم ومفاهيم الوطنية والحق وغيرها لتخدم السيد القابع في طهران ، والذي يصدر اوامر لا تناقش ولا ترفض سواء كان الشاه او خميني او خامنئي ولا يقبل من مقلديه اقل من تقبيل يده !
  4. اصر خميني على بدء نشر ما اسماه ( ثورته الاسلامية ) في العراق ، وكان قراره الاساس هو( العراق اولا ) بعد ذلك بقية الاقطار العربية ثم العالم الاسلامي لنشر دعوته الصفوية ! صحيح ان شعاره المدوي كان ( الموت لامريكا واسرائيل ) ولكن في الواقع لم يفعل خميني أي شيء ضدهما على الاطلاق ، وكل اذاه اتجه للعراق والاقطار العربية من خلال اصراره على نشر ثورته فيها وليس في اسرائيل او امريكا ! فهل كان العراق كافرا لنشر الثورة فيه ؟ وهل كانت اسرائيل وامريكا دولتان اسلاميتان تدينان بالمذهب الاثنى عشري لذلك لم يضعهما على لائحة الانتظار في ثورته ولم يبدأ بهما ؟ لقد كان شعاره السيء الصيت هو ( ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد ) ! ويالمفارقات الزمن المضحكة المبكية فان هذا الشعار كان هو شعار امريكا بالذات ، فلقد قالها كيسنجر بعظمة لسانه ( لا مجال لحل مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي الا بتحرير بغداد ) ! لقد استخدم كيسنجر نفس تعابير خميني ! وجاء الواقع ليؤكد هذا التطابق التام بين افعال وشعارات امريكا وخميني وخامنئي حينما لعبت ايران الدور الاساس والحاسم في غزو العراق بعد الدور الامريكي ! فما الذي يجمع بين الصادات الثلاث الصفويين والصهاينة والصليبيين ان لم يكن العداء للامة العربية ؟ وهل من المعقول ان تكون ثمة عداوة بين هذه الاطراف الثلاث دون ان تطلق رصاصة واحدة بينهم خلال اكثر من ربع قرن من العربدة وصراخ وصراع الديوك ؟
  5. هناك من يحمل العراق مسؤولية اندلاع الحرب بين العراق وايران ، ولاغراض النقاش سنفترض ان العراق هو الذي بدأ الحرب ، ولكن من رفض إنهاءها ؟ في الاسبوع الاول للحرب قدمت منظمة المؤتمر الاسلامي مشروعا اسلاميا متفقا عليه لوقف اطلاق النار والدخول في مفاوضات لانهاء الحرب ومعالجة اسبابها ، فمن رفض ؟ الذي رفض هو خميني الذي اصر على تسجيل النصر على العراق ومواصلة هدفه الاول المعلن وهو اسقاط النظام الوطني في العراق ، في حين ان العراق قبل كل المبادرات التي قدمت لوقف اطلاق النار اضافة للمبادرات التي قدمها العراق ! وبعد هذه المبادرة قدمت الكثير من المبادرات وكانت كلها ترفض من قبل ايران وامريكا ! ولم يقبل خميني بوقف اطلاق النار الا بعد ان ابلغه مساعدوه ان القوات العراقية اخدت تتقدم داخل ايران دون مقاومة ، فاعلن بعد ثمانية اعوام من القتال الباهض التكاليف بشريا وماديا انه يقبل وقف اطلاق النار ، لكنه قال انه يقبله كما لو انه يتجرع سم زعاف !

من يتحمل المسؤولية عن هذه الحرب ؟ لو افترضنا ، ولا غراض النقاش كما قلنا، ان العراق هو الذي ابتدأها فانه يتحمل خراب اسبوع لا غير اما خميني فيتحمل خراب ثمانية اعوام . ويجب ان نشدد هنا على حقيقة ان خميني هو الذي فرض الحرب على العراق وفجرها وليس العراق ، لانه تبنى وعلنا هدف اسقاط الرئيس صدام حسين وعده هدفه الاول ورفض كل الوساطات قبل الحرب ، وشرع بقصف المدن العراقية بالمدفعية والطائرات ابتداء من يوم 4 -9 -1980اضافة لاعمال الارهاب داخل العراق التي ابتدات عقب استيلاء خميني على السلطة مباشرة وادت الى قتل الكثير من العراقيين واصابة عدد من المسؤوؤلين الكبار في العراق ، وكل ذلك حصل قبل ان يرد العراق يوم 22 – 9 – 1980 . ان هذا الاصرار على خلق مأساة بين بلدين يفترض انهما مسلمين يؤكد ان خميني لاصلة له بالاسلام الحقيقي وان دينه هو دين اخر مبني على الاحقاد والثارات العرقية .

أذن فان ايران سواء تحت ظل الشاه او خميني لا تشكل خطرا اساسيا على الغرب والصهيونية وانما ثمة خلافات موجودة بينهم كما يحصل بين كل الدول ، وهي خلافات تختلف تماما عن التناقضات التي توجد مع العراق قبل الغزو وبعده . من هنا نلاحظ ان الغرب والصهيوينة لم تلجئا الى القوة ضد ايران رغم انها تتحدى العالم كله في مشروعها النووي وفي استخدام اذرعها العربية للضغط على الغرب لعقد مساومات معها حول تقاسم المنطقة والعراق بالذات . وهناك سؤال مهم جدا وهو : هل توجد لامريكا واسرائيل مصلحة في تشجيع ايران على تحديهما ؟ مرة اخرى نقول ونأمل ان يفكر العقلاء بما نقوله : ان امريكا واسرائيل في مأزق قاتل بسبب المقاومة الوطنية العراقية والتي وضعت امريكا في فخ قاتل ومدمر يهدد بنسف مشروع القرن الامريكي ، لان فشل امريكا في دحر المقاومة العراقية بعث برسالة قوية لكل شعوب العالم تقول ان امريكا نمر من ورق تواليت كما تؤكد تجربة العراق . ويترتب على ذلك ان اسرائيل، التي تحميها امريكا وتضمن وجودها وغزواتها ، ستنكشف اذا هزمت امريكا في العراق ، لذلك فان الاولوية الستراتيجية الامريكية في العالم كله هي دحر المقاومة العراقية وعدم ترك العراق الا وقد تركت انطباعا بانها لم تهزم . وايران هي وحدها التي تستطيع انقاذ امريكا في العراق ، من وجهة نظر امريكية ، من خلال عملاءها في العراق . فكما كان غزو العراق غير ممكن لولا الدعم الايراني ، كما اعترف خاتمي وابطحي ورفسنجاني ، فان الخروج المشرف من العراق رهن باستمرار الدعم الايراني لامريكا وزيادته والتوقف عن الضغط على امريكا الان للحصول علة مغانم اقليمية لايران ، وهذا هو سر صراع الديوك بين امريكا وايران الان سواء على الملف النووي او في الساحات العربية .

اذن من السهل التوصل الى استنتاج مركزي وجوهري وهو ان الصراع بين ايران من جهة وامريكا واسرائيل من جهة ثانية هو صراع تقاسم مكاسب والحصول على نفوذ وليس صراع وجود كما هو حال صراع العرب مع الطرفين المذكورين . والان تبدو ايران تمسك امريكا من بين ساقيها في العراق ، وامريكا لاتجد مخارج مشرفة ، واقلها إذلالا هو تقديم قطعة من كعكة الخليج والعراق لايران . كما ان امريكا تستفيد من ايران في اشعال حروب قادمة بين المسلمين انفسهم خصوصا العرب ، عن طرق زرع وتنمية فتنة طائفية في الاقطار العربية لن تستفيد منها الا ايران وامريكا واسرائيل .

يتبع

salah_almukhtar@yahoo.com

للعــودة الى الصـفـحــة الســابـقــة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker