Friday, September 01, 2006

صنميات قرن الخداع الشامل :
ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا

بعد بروتوكولات حكماء صهيون :
هل توجد بروتوكولات حكماء الفرس ؟ (2)

صلاح المختار

قواعد التقويم : من هو العدو الاول ؟

في أي صراع تتحكم ضوابط صارمة تستند على تقديرات عقلانية ومنطقية الترتيب في الاولويات من جهة ، واستثمار الامكانات والفرص المتاحة من جهة ثانية . ان العفوية وتقرير قواعد الصراع آنيا ، أي رؤية المشهد المباشر دون اكتشاف خلفيته ، سمة اساسية للتخلف واللاعقلانية في خوض الصراعات خصوصا المصيرية منها ، وهذا هو حال النخب العربية الحاكمة منذ الاستقلال عن الدولة العثمانية ، التي ، أي النخب ، كانت اخر من يفهم الاهداف البعيدة للغرب والصهيونية وان فهمتها فهي اخر من يخطط بنجاح لاحباط الخطط المعادية . ان كسب الحرب يعتمد ليس على الحق والعدالة وقيمهما بل على الادراك الصحيح لما يريده الاعداء لكي يتم وضع التخطيط المحكم والدقيق المبني على المعرفة العلمية للعدو ، لهذا شهد التاريخ هزيمة انصار الحق حينما كان انصار الباطل افضل تخطيطا وتنظيما وكان اهل الحق عفويين وانيين ومبعثرين ولا عقلانيين في التعامل مع العدو وقد قيل بصواب تام ( ان معرفة العدو - او أي طرف - كسب نصف المعركة ) .

ويشمل التخطيط العقلاني ليس تحديد الستراتيجيات الصحيحة فقط بل اختيار التكتيكات المناسبة ايضا . فالستراتيجية الصحيحة اذا خدمتها تكتيكات جامدة وغير خلاقة تفشل , ويسقط التخطيط كله ، لهذا من الضروري وضع التكتيكات المناسبة لضمان نجاح التخطيط الستراتيجي . واول مظاهر النضوج في التخطيط للصراع هو التحديد الصحيح للصراع الرئيس، بعد تحديد من هو العدو الرئيس الذي يشكل الخطر الرئيسي والداهم . وهذا يعني تحديدا ان نكتشف التناقض الرئيس ونخضع له ولمتطلباته كل التناقضات الاخرى وما يتفرع منها من صراعات وتكتيكات ومناورات .

ما هو التناقض الرئيس ؟ كيف نحدده ؟ ما هي معاييره ؟ هل هي المعايير السياسية ام الستراتيجية ؟ ومن ثم ما هي التناقضات الثانوية . ما هي جبهة الصراع الرئيسية ؟ ومن ثم ما هي جبهات الصراع الثانوية . ما صلة الرئيسي بالثانوي؟ ايهما الاهم : استمرارية نمط الصراع ام تبدلاته ؟ ما معنى تحكم نمط واحد بالصراع وباتجاه واحد ؟ ما هي تكتيكات مواجهة الخطر الرئيس ؟ هذه الاسئلة تساعد على ولوج منطقة الفهم الصحيح ستراتيجيا وسياسيا . وفي حالتنا نحن العرب ان اهم منطلق تخطيطي صحيح هو معرفة من هو عدونا الرئيس وتحديد اهدافه الستراتيجية العظمى ثم الالتصاق التام والصارم بهدف مقاتلته هو والعمل على تاجيل الصراعات الاخرى وتحييد خصوم اقل خطورة ، بل وحتى البحث عن نقاط تعاون معهم ، لان ذلك سيجعلنا نرى مساحات خيارات العدو الاخطر الستراتيجية ومناوراته التكتيكية بتعددها وتبدلاتها، كما سيمنحنا امكانية اضافة قوى اخرى لقوانا او على الاقل تحييدها وعدم تخصيص جزء مهم من امكاناتنا لمواجهتها . ان عدونا الرئيس ، الذي فرض عداوته علينا دون رغبة منا ، هو الولايات المتحدة الامريكية، وليس ايران ، وبغض النظر عن خطورة الاخيرة . فامريكا ومعها حكومات غربية خلقت اسرائيل لتكون قاعدة متقدمة لها تحمي مصالحها ، لذلك فنحن نواجه عدوين رئيسيين هما امريكا ، وخلفها النخب الراسمالية الغربية ، والصهيونية العالمية وتعبيرها السياسي والسكاني اسرائيل .

ان هذا التحديد يبدو بديهيا ، وهو كذلك لكن بديهيته لا تعني نهاية المطاف في اتخاذ القرار الستراتيجي الصائب ، بل يجب فوق ذلك ان نعيد دوريا دراسة هذه المسالة لنلتقط التبدلات التي تحدث والتقرير الصحيح لطبيعة كل منها ، لان ذلك يوفر امكانية متابعة الصراع بعين يقظة تبقي العدو الرئيسي امام نواظرنا، دون ان نهمل أي طارئ او تبدل يظهر ويتحول الى تهديد جدي يجعل من كان عدوا ثانويا اشد خطورة من العدو الذي كان رئيسيا. فمثلا حين يداهمك لص يريد نهبك او قتلك وتستدير الى جارك لطلب العون ، وانت تحبس اللص في غرفة في الدار ، فتفاجأ بان الجار يضع سكينه على رقبة ابنك ويطلب منك ما راه من ذهب ، ماذا تعمل ؟ هل تذهب وتفتح الغرفة وتقاتل اللص وتترك جارك يقتل ابنك ؟ ام تحاول اولا انقاذ ابنك ؟ عليك ان تنقذ ابنك قبل ان يذبحه اللص دون ان تنسى الاتصال الفوري بالشرطة للمجئ . وحينما نقول ان العدو الرئيسي هو النخب الراسمالية الغربية ، معبر عنها بانظمة حكمها ، نواجه الولايات المتحدة الامريكية اولا وقبل أي عدو اخر .

ان من يقول بان امريكا ذيل لاسرائيل ومن ثم فان المطلوب هو التركيز على الصهيونية العالمية ومحاولة تحييد امريكا لا يتعدى في قوله التمنيات الذاتية العوراء ، لان امريكا سواء كانت اداة اسرائيل ، وهو قول نرفضه ، او كانت تنفذ الاهداف الاسرائيلية ، فانها قبل هذا وذاك دولة راسمالية لا قيم لها سوى تحقيق الربح . واستنادا الى تلك الحقيقة فان علاقة اسرائيل بامريكا تخضع ، اولا واخيرا ، لقاعدة الربح والخسارة الراسمالية وليس الى تاثير ديني مفترض والصق عمدا بالصراع لتحشيد الراي العام في بلدان الغرب وتمويه الصراع واسبابه الحقيقية .

ان مصالح امريكا هي المحرك لها وليس صلتها باسرائيل ، والتي تعد مصلحة امريكية لانها بالاساس مشروع غربي استعماري اقيم لخدمة مصالح الغرب الستراتيجية في الوطن العربي ، وفي مقدمتها النفط ، كما ورد في تقرير (لجنة بنرمان) في مطلع القرن العشرين . لكن جدلية الصراع في المنطقة بين الامة العربية وعدوها الاول الاستعمار طور اسرائيل لتكون وكيلا عنه يحمي مصالحه في المنطقة ضد حركة التحرر العربية . وهكذا لم تعد مصالح الغرب هي النفط فقط بل النفط ومن كلف بحماية النفط وبقية المصالح الغربية . وقد عبرت السياسة الخارجية الامريكية منذ الخمسينيات ، وبثبات لم يتغير رغم تغير الحكومات الامريكية ، عن ذلك باعتماد هدفين اساسيين ثابتين لها وهما امن النفط وامن اسرائيل. وهذا الترابط العضوي والجدلي بين امن النفط وامن اسرائيل تتحكم فيه حقيقة معروفة وهي ان اسرائيل تقوم في وجودها واستمرارها على الدعم الغربي بشكل عام والامريكي منه بشكل خاص ، وبدون هذا الدعم تبدو اسرائيل غير قابلة للبقاء حتى دون حرب ، لانها تعتمد اساسا على الدعم الاقتصادي الغربي ووجود نظام اواني مستطرقة يربط بينهما يوفر لاسرائيل عوامل التقدم العلمي التكنولوجي . بتعبير اخر ان ما يتوفر للغرب من ابداعات واختراعات وتقدم يصل الى اسرائيل بسرعة البرق ، لذلك فانها تبدو ارقى من حجمها الحقيقي فيما يتعلق بقدراتها التكنولوجية والعلمية والعسكرية .

اذن ان خطر اسرائيل على الامة العربية غير ممكن عمليا الا عبر القناة الغربية التي توفر لها كل اسباب التفوق وبالمقابل تحرم العرب من كل اسباب التقدم ، وما جرى خلال العقود الخمسة الاخيرة يؤكد هذه الحقيقة الواقعية ، وابرز مثالين هما حرب 1973 حينما انقلبت الموازين لصالح العرب فتدخل الغرب لاعادة التفوق الاسرائيلي ، ومثال العراق الذي تجاوز الخطوط الحمر بتطوره العلمي التكنولوجي وتحقيقه انجازات تعد خطرا على اسرائيل ، خصوصا وانها اقترنت بسياسة وطنية استقلالية ، فحشد الغرب بقيادة امريكا كل طاقاته لاجهاض تجربة النهصة القومية في العراق ، والتي ابتدأت بفرض الحروب عليه ثم الحصار ثم الغزو المسلح . في هاتين التجربتين اكد الغرب المبدأ الثابت في سياساته تجاه الصراع العربي الاسرائيلي وهو ان اسرائيل يجب ان تبقى اقوى ، خصوصا عسكريا من كل العرب مجتمعين .

الشجرة والأغصان

ما معنى ذلك ؟ ان المعنى الاعظم لكل ما تقدم هو ان مصدر قوة وتفوق اسرائيل وضعف وهزائم العرب هو الغرب الاستعماري والذي تقوده امريكا الان . فالغرب هو الاصل واسرائيل هي الفرع ، وحين يضعف او يهزم الاصل يهزم تلقائيا الفرع . صحيح ان الفرع وهو اسرائيل يتمتع بنفوذ قوي داخل الاصل لكن هذا النفوذ هو تحصيل حاصل لسياسة الامنين ( امن النفط وامن اسرائيل ) ، والتي طرحت في دول الغرب على انها تخدم مصالح الغرب ، وعلى هذا الاساس اقتنع الجزء الاكبر من الراي العام في الغرب بان اسرائيل استثمار مربح ، ويخدم مصالح الغرب الاساسية . وترتب على ذلك تداخل عميق في الصلات خصوصا وان الصهيونية العالمية لها امتدادات بشرية مقتدرة في الغرب تلعب دورا هاما جدا في تنمية الدعم الشعبي والحكومي لاسرائيل ، وفي تحقيق تداخل فكري واجتماعي وحتى ديني بين المجتمعات الغربية المسيحية وبين اسرائيل ، مستغلين حقيقة ان الكتاب المقدس عامل ديني مشترك بين الطرفين . وبفضل النفوذالاسرائيلي داخل المجتمعات الغربية اصبح لاسرائيل ادوات تاثير في العملية الانتخابية في الغرب عبر ترجيح كفة مرشح او حزب بالصوت اليهودي او الخاضع للنفوذ اليهودي ، الامرالذي جعل اسرائيل تبدو في حالات توازن وتقارب الاصوات الطرف المقرر لنتائج الانتخابات .

ومع ذلك ورغم ذلك فان اسرائيل تبقى كيانا لايقوم بذاته معتمدا على موارده بل انه كان وما زال يقوم على غيره ، فلولا حماية الغرب العسكرية والامنية والدعم الاقتصادي والتكنولوجي ...الخ لما بقيت اسرائيل مهما كانت متفوقة على العرب . ولذلك فان حقيقة عدم قيام اسرائيل بذاتها تكفي لجعل اسرائيل تذوب تدريجيا حتى بدون حروب عسكرية اذا توقف الدعم الخارجي الذي تقوم عليه . اذن ، وفي ضوء ما تقدم ، يطرح السؤال التالي : من هو العدو الرئيس ؟ والجواب الدقيق هو انه الغرب الاستعماري بقيادة امريكا ، ويترتب على هذه الحقيقة تحديد ستراتيجي صحيح ودقيق وهو ان الساحة الرئيسية للصراع ليست تلك التي تقاتل فيها اسرائيل بل الساحة التي يقاتل فيها الدرع الذي يحمي اسرائيل ومصدر وجودها وديمومتها أي امريكا . ففي حرب اكتوبر كادت اسرائيل تفقد المبادرة لولا الجسر الجوي الامريكي الذي اعاد اليها المبادرة ، ومعنى هذا ان الانتصار على اسرائيل مرهون ومرتبط عضويا بالانتصار بمختلف اشكاله على مصدر قوتها وديمومتها وهو امريكا وقوى غربية ، وهنا تظهر الاهمية الستراتيجية الحقيقية لكل ساحة من ساحات الصراع العربية وهي العراقية والفلسطينية واللبنانية .

ولتجنب الوقوع في متاهة عدم الدقة في تحديد المعركة الرئيسية، لابد من التذكير بوجود فرق كبير بين المعركة الرئيسية والقضية المركزية، اذ من الممكن ان تدور المعركة الرئيسية في خارج ارض القضية المركزية دون تغيير طبيعة القضية المركزية، ومعارك العرب مع اسرائيل دارت اغلبها خارج فلسطين وابرزها في مصر وسوريا والاردن . ان صورة الوضع الستراتيجي واضحة لا لبس فيها ولا غموض ، ومن ينظر فيها يجد ان المعركة الرئيسية والحاسمة هي في العراق وليس لبنان او فلسطين، لان الدرع الذي يحمي ويغذي ويديم اسرائيل هو امريكا والاستعمار الغربي عموما، وبدون هذا الدرع ستنكشف اسرائيل ستراتيجيا وتقف منتظرة موتها البطيء حتى بدون حرب عسكرية. والتجربة الاخيرة في حرب لبنان، وهي ليست التجربة الاولى، تؤكد ان اسرائيل ليست نمرا من الورق المقوى فقط بل هي شريحة رقيقة وشفافة من ورق الكلينكس.
نعم يجب ان نفكر ونعمل ستراتيجيا وليس عاطفيا او تكتيكيا، ولا يجوز ان نصف حروب التحريك كحرب اكتوبر بانها حرب تحرير او حرب الحسم لان الهدف السياسي هو تحريك قضية او تحسين صورة وليس حسم صراع ستراتيجي رئيسي . ان المعركة الحاسمة والرئيسية، من منظور ستراتيجي، تجري في العراق وليس في غيره ، والمعارك الاخرى مهما كبرت ستتقرر نتائجها في ضوء نتيجة الحرب التحررية الدائرة في العراق. وهذا لا يعني ان القضية المركزية لم تعد القضية الفلسطينية وحلت محلها القضية العراقية، لان القضية المركزية، من منظور قومي، ما زالت هي تحرير فلسطين وقضية العراق من هذا المنظور ملحقة بالقضية الفلسطينية ونتيجة لها. كما ان ذلك لا يعني التقليل من شان المعارك الاخرى لانها مهمة جدا، كمعركة لبنان، ما دامت كل حرب مع اسرائيل هدفا وطنيا وقوميا مطلوبا وكل ما عنيناه هو ضرورة ترتيب الأولويات الإستراتيجية.

وهنا يجب ان نذكر بان الإستراتيجية الكونية الامريكية قد تغيرت وانتقلت في السبعينيات من اعتبار اوربا هي خط الدفاع الاول عما يسمى (العالم الحر) الى النظر الى الخليج العربي بصفته مسرح الصراع الذي سيقرر مصير العالم وخط الدفاع الاول عن الغرب الاستعماري، فأنشئت قوات التدخل السريع ( RDF ) وبدأ التدرب على حروب الصحراء منذ السبعينيات، وبذلك اصبح الخليج العربي هو ساحة الصراع الرئيسية طبقا لما يطلق عليه اسم مبدأ كارتر.

وحصل تركيز اشد في الاهتمام الستراتيجي الامريكي في الخليج العربي عام 1988 وهو انتقال الصراع الرئيسي من كل الخليج العربي الى البؤرة العراقية، وتحول قوى التحالف الغربي الاستعماري الصهيوني الاساسية الى هذه الساحة، خصوصا وان السبب الرئيس للتركيز على العراق هو انه تجاوز الخطوط الحمر الغربية الصهيونية في مجال السياسة النفطية، بتاميم النفط وتسخير موارده لبناء مجتمع قوي ومتقدم علميا وتكنولوجيا وبناء انسان جديد وخلاق وليس لبناء مجتمع استهلاكي طفيلي، وبنفس الوقت بقي العراق متمسكا بواحد من اهم الثوابت الستراتيجية والمبدأية وهو حقوق الشعب الفلسطيني كاملة ورفض المساومة عليها حتى مقابل رفع الحصار الذي قتل حوالي مليوني عراقي.

ومن يريد ان يتأكد من ان المعركة الحاسمة والرئيسية تجري في العراق عليه ان يتعامل مع الاسئلة التالية بدقة وموضوعية وبرودة عقل : ما الذي سيترتب على معركة لبنان من تغيير في موازين القوى اكثر من تغييرات غير جوهرية على الحدود وداخل لبنان نتيجة العامل الحديدي للجيوبولتك؟ وما الذي ستحققه المقاومة الفلسطينية اكثر من حكم ذاتي مقزم مسيطر عليه اسرائيليا ، في افضل الاحوال، نتيجة للعامل الحديدي للديموغرافيا والجيوبولتيك؟ ولكن بالمقابل ما الذي سيترتب على هزيمة امريكا في العراق؟ ان كل خبير ستراتيجي يعرف بوضوح تام بان هزيمة امريكا في العراق تعني اول ما تعني انهيار وتكسر الدرع الذي حمى ومازال يحمي اسرائيل، والتي لا تستطيع العيش بدونه ابدا. كما يعني انقلابا عالميا جذريا ستصعد على اثره قوى دولية واقليمية وتنزل اخرى، وسيكون الرابح الاكبر على الارجح هو حركة التحرر الوطني العربية التي ستتحول الى مركز جذب اقليمي وعالمي من خلال قاعدتها المحررة العراق. وعلى الصعيد الفلسطيني سيعود العرب الى عصر النهوض القومي واللاءات الثلاث ومن موقع قوة : لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات مع اسرائيل.

اما اذا حصل أي انتصار جزئي او نسبي على اسرائيل من قبل أي طرف عربي خارج الساحة العراقية فان وجود امريكا غير المهزومة سيعيد لاسرائيل قوتها ويحميها من الانهيار ويوجه ضربات مميتة للامة العربية، وتجربة حرب اكتوبر ماثلة اما نواظرنا حيث حولت امريكا النصر العربي الاولي على اسرائيل الى هزيمة فتحت الباب للصلح والمساومة والتخلي عن الحقوق. ان نظرة سريعة الى القرار 1701حول لبنان تؤكد ان امريكا،ومعها اوربا، تريدان منح اسرائيل نصرا سياسيا كبيرا يفتح الباب امام انهيارات عربية جديدة تؤدي الى قيام شرق اوسط جديد واغتيال المقاومة العراقية!

خسارة جبهة ثانوية لكسب جبهة رئيسية

من بين اهم مبادئ الحرب ، وكذلك السياسة ، قانون يقول انك اذا كنت لا تستطيع دحر عدوك في كل جبهات القتال فعليك ان تحدد الجبهة الرئيسية التي تقرر نتائج المعركة فيها مسار ونتائج الحرب في الجبهات الاخرى، ثم تركز جهدك الرئيسي فيها وعليها لضمان الانتصار ، حتى لو خسرت المعركة في جبهة ثانوية لا تحسم الحرب فيها . وطبقا لهذا المبدأ فان هناك جبهات ثانوية وجبهات رئيسية ، ومن دون وضع خط فاصل وواضح بين هذين النوعين من الجبهات يصبح خوض الحرب مغامرة طائشة عواقبها الهزيمة والكوارث .
ويترتب على ذلك بروز امكانية تمييز درجات الخلاف والعداء الاخرى تبعا للتحديد الاساس . كما نستطيع توقع امكانية اقدام العدو على خسارة جبهة ثانوية من اجل كسب الحرب في الجبهة الرئيسية ، واخيرا وليس اخرا بامكاننا ان نتوقع عقد صفقات بين العدو الرئيس والخصوم الثانويين على حسابنا . كيف نترجم هذه البديهيات التي تتحكم في الصراعات المخططة عقلانيا على واقعنا ؟ في اطار الصورة الشاملة للصراع الحالي من الواضح ان الصراع بين ايران من جهة وامريكا والغرب واسرائيل من جهة ثانية هو صراع ثانوي ، كما اكدت واثبتت الوقائع منذ اسقاط امريكا للشاه وايصال خميني للسلطة ، وان ايران تلعب دورا اساسيا في تنفيذ المخطط العالمي والاقليمي للصهيوامريكية المعادي للامة العربية ، سواء بالتقاء الستراتيجية الامبراطورية الايرانية مع التحالف الغربي الصهيوني او بتطابق الاهداف ووجود اتفاق رسمي .

ان دراسة الواقع الاقليمي والدولي منذ عقود خصوصا منذ عام 1990 تظهر حقيقة ان الصراع الرئيسي والمعركة الرئيسية تدور حول العراق ومعه وليس مع ايران ، فايران طبقا للسياسات الرسمية لامريكا ، وبدرجات مختلفة درجيا وليس نوعيا طبقا للسياسات الاوربية ايضا ، تقوم على هدف اقناع ايران باتباع سياسات اخرى بالطرق الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية ، وبالضغوط العسكرية أي التهديد بالقوة دون استخدامها . ويكفي ان ندرس السياسات الامريكية المتبعة رسميا وفعليا منذ زمن كلنتون لنتوصل الى هذه الحقيقية . ويمكن تمييز سياسة محددة ثابتة تجاه ايران والعراق اتخذت تسميات اختلفت جزئيا ومنها (سياسة الاحتواء المزدوج ) والتي طورت وسميت (سياسة الاحتواء التمايزي ) ، واخيرا ( سياسة محور الشر ) . ما هو القاسم المشترك في هذه السياسات ؟ انه التمييز الرسمي والفعلي الدقيق بين الموقف من العراق والموقف من ايران، ففي كل هذه السياسات حددت ايران كطرف مخالف يجب انهاء مخالفته بالحسنى وليس بالحرب ، أي باتباع اساليب الضغط والاقناع المختلفة وليس الحرب لاقناع النظام الايراني بالتخلي عن سياسات معينة خدمة لمصالحه ومصالح الغرب واسرائيل .

اما العراق فان الموقف الرسمي والفعلي ، طبقا لهذه السياسات ، فهو اسقاط النظام الوطني وعدم التحاور معه ، لان الامل في التفاهم معه معدوم ، وقد تبنى الكونغرس الامريكي ، في عام 1998 ، قانونا اطلق عليه اسم ( قانون تحرير العراق ) التزمت الحكومة الامريكية بموجبه باسقاط النظام الوطني وخصصت مبالغ كبيرة لتنفيذ ذلك القانون . هذا على المستوى الرسمي المعلن ، اما على المستوى الفعلي فانه انعكاس للسياسات الرسمية ، بل اكثر من ذلك ان علاقات ايران بامريكا والغرب تبدو عمليا متلاقية او متطابقة ، قدر تعلق الامر بالعراق ، من خلال قيامها على وضع الخلافات جانبا ، لانها في الواقع ثانوية والتعاون الوثيق ضد العدو المشترك : العراق قبل الغزو ممثلا بنظامه الوطني التقدمي وبعد الغزو ممثلا بمقاومته الوطنية المسلحة .

لقد تحالفت ايران بشكل رسمي وكامل مع امريكا ضد العراق ،وكانت وما تزال ، الطرف الاخطر في تنفيذ المخطط الامريكي الرامي الى تدمير العراق وتغيير هويته العربية وتحويله الى قطر ( متعدد الاعراق والطوائف والاديان) كما ورد في الدستور الذي وضعه اليهودي الامريكي نوح فيلدمان ودعمته ايران عبر الميليشيات التابعة في العراق ، وقام على تقسيم العراق الى 3 دويلات تحت اسم مضلل وهو الفيدرالية ، والتي تخفي نظاما اخر هو الكونفدرالية ، لانه ينشأ دولا متحدة وليس نظم حكم ذاتي في دولة واحدة . ويتجلى التعاون الامريكي - الايراني ضد العراق في اوضح صوره في الدعم المشترك للحكومات العميلة التي نصبها الاحتلال في العراق ، واخر مظاهر التلاقي الكامل هو دعم بوش وخامنئي لحكومة المالكي وتعاون ميليشيات ايران في العراق مع الاحتلال الامريكي رغم طبول الحرب التي تقرع بين ايران وامريكا منذ ربع قرن دون اطلاق رصاصة واحدة على ايران !

لماذا هذا التلاقي الكامل بين ايران وامريكا حول هدف تدمير العراق وتغييب دوره وتذويب هويته العربية رغم وجود خلافات بينهما ؟ ان عملية( ثعلب الصحراء ) التي نفذت بصيغة حرب شنها الرئيس كلنتون ضد العراق عام 1998، كان هدفها الحقيقي هو اسقاط النظام الوطني في العراق ، عبر قصف جوي وصاروخي امريكي كثيف وشامل قد يمهد الاجواء لتمرد داخلي في الجنوب يكمل تمرد الشمال ، وبذلك تحاصر الحكومة الوطنية في الوسط ويصدر قرار من مجلس الامن بضغط امريكي يقدم الحماية للتمرد في الجنوب من رد فعل الحكومة العراقية ، الامر الذي يؤدي ، بعد مرور زمن، الى تقوض الحكومة او تقسيم العراق . لكن هذه الخطة فشلت تماما لان الجنوب لم يتمرد وبقيت السلطة المركزية مسيطرة على كل العراق .

عند ذاك اعلنت الحكومة الامريكية ان اسقاط النظام الوطني غير ممكن الا بالتعاون مع ايران لان لها من يتعاون معها في جنوب العراق . وعقدت اجتماعات سرية امريكية ايرانية في اوربا وغيرها توجت بالتوصل الى اتفاق امريكي ايراني يقوم على التعاون لاسقاط النظام الوطني في العراق مقابل امتيازات تمنح لايران في العراق ، وتخفيف الحملات الاعلامية بينهما . واستنادا لهذا الاتفاق حضر المجلس الاعلى ( جماعة الحكيم ) اجتماعات لندن التي عقدتها المخابرات الامريكية لما كان يسمى( معارضة عراقية ) واصبح التنسيق ميدانيا بين الطرفين الامريكي والايراني . وشمل هذا التعاون افغانستان حيث قاتلت ايران ضد طالبان اثناء الحرب على البلد المسلم افغانستان ، كما اعترف هاشمي رفسنجاني حين (اكد ان القوات الايرانية «قاتلت طالبان» وساهمت في دحرها. وكشف رفسنجاني في خطبة الجمعة بجامعة طهران انه لو لم تساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الاميركيون في المستنقع الافغاني) جريدة الشرق الاوسط 9 -2 -2002 . ثم جاء دور العراق وتم غزوه بدعم ايراني كامل مفتوح ورسمي عبر عنه محمد خاتمي ونائبه حينما قالا لولا دعم ايران لما تمكنت امريكا من غزو العراق وافغانستان . بل ان القوى الاساسية التي استند اليها الغزو وكانت سببا في نجاحه هي البيش مركة الكردية والاحزاب الطائفية التابعة لايران ، ومن دون هذا الدعم الايراني ما كان ممكنا لامريكا ان تغزو العراق بنجاح ، ولأصبحت عملية غزوه تيهان امريكي في صحراء العراق ، كما وصفت صحيفة ايطالية بسخرية نتائج عملية ثعلب الصحراء بقولها لقد ضاع الثعلب الامريكي في الصحراء !

وبعد الغزو جاء دور ايران في تدمير الدولة العراقية وتصفية كوادرها وعلماءها وضباطها ووجوه العراق وشخصياته ونهب ثرواته واسلحته ، ومحاربة مقاومة العراق المسلحة … الخ من الاعمال الاجرامية الخطيرة التي قامت بها ايران ضد العراق وشعبه بدعم امريكي كامل . لقد انجزت ايران المهمة القذرة لامريكا في العراق ، وهذه حقيقة يعرفها كل عراقي عاش وما زال يعيش مأساة الغزو وعواقبه الكارثية . لماذا سمحت امريكا لايران بان تلعب هذا الدور الخطير في العراق رغم وجود خلافات بينهما ؟ الجواب لان العدو الاول والاخطر حسب الموقف الامريكي هو العراق وليس ايران ، لذلك وبعد هذا التحديد قدمت امريكا لايران كارت بلانش ، اي دعم كامل للعمل في العراق لاجل اكمال تدميره وتفتيته طائفيا . بهذا المعنى فان ايران قدمت خدمة عظمى لامريكا بتمكينها من غزو العراق ، في اطار اعتقاد امريكا بان ايران بعد اكمال تدميرها للعراق سيتم اخراجها منه وعندها سيكون العراق جاهزا لاستعماره من قبل امريكا .

اما ايران فقد خططت للتعاون مع امريكا لانها كانت ترى ان العقبة الاساسية امام توسعها الاقليمي على حساب الامة العربية هو العراق الحر ، كما اثبتت تجربة الحرب العراقية الايرانية القاسية والتي قام خلالها العراق بحماية الاقطار العربية كلها ، خصوصا الخليجية ، من النزعة الاستعمارية الايرانية ، ففشلت محاولات خميني لغزو الوطن العربي تحت شعار مضلل هو ( نشر الثورة الاسلامية ) .

من هنا فان ايران عملت وفق قناعة تقول ان العراق هو العدو الرئيس وليس امريكا او اسرائيل ، وهذا يتطلب تدميره بواسطة امريكا وبمساعدة جوهرية منها، وبذلك تتخلص من القوة الاقليمية العظمى في المنطقة والتي منعت ايران الخمينية من التوسع ، طبقا لبروتوكولات حكماء الفرس. بعد ذلك تقوم باستغلال ورطة امريكا في العراق لاجبارها على التساوم معها وعقد صفقة تمنح ايران بموجبها نفوذا في العراق والخليج العربي والجزيرة العربية ، خصوصا في البحرين والكويت . وهكذا تحل ايران اصعب مشكلة واكبر تحد واجهها منذ بدأت في تنفيذ خطة اقامة امبراطورية فارسية تتبرقع باسم الاسلام الصفوي . اذن اللقاء الامريكي الايراني ضد العراق تم بناء على اتفاق الطرفين على ان خلافاتهما الثنائية ما هي الا خلافات ثانوية قياسا بطبيعة خلافات كل منهما مع العراق وحاجة كل منهما لتدمير العراق ، امريكا تريد دماره لاجل استعماره وايران تريد دماره لاجل التخلص من اخطر عقبة امام توسعها الامبراطوري وتحويله الى قاعدة انطلاق عظمى لغزو الوطن العربي ثم العالم الاسلامي واقامة امبراطورية صفوية عنصرية .

ان دعم امريكا وتعاونها مع الخصم الثانوي ، وهو ايران ، لاضعاف العدو الرئيس ، وهو العراق ، هو من اهم مبادئ الحرب والصراعات السياسية . وقد أظهرت ايران دهاء خبيثا باللعب باوراقها افضل بكثير من كل الانظمة العربية، لانها عرفت كيف تناور وتتكتك تحقيقا لمصالحها القومية الى حد النجاح في استخدام امريكا لتدمير القوة الاساسية التي كانت تعطل تنفيذ مشروع استعمارايران للامة العربية والعالم الاسلامي . وهذا النجاح يوجب علينا ان نعبر عن احترامنا لذكاء الشوفينية الفارسية وبعد نظرها وحسن ترتيبها لاولوياتها الستراتيجية ، ونأمل من النخب العربية الحاكمة وغير الحاكمة ان تتعلم من ايران كيف تعمل على تحقيق اهداف بعيدة او قريبة .

ولكن هل كسبت ايران فقط ام امريكا فقط ؟ وهل خسر الطرفان شيئا؟ في هذا التحالف كسبت ايران موطأ قدم في العراق اضافة لتدمير القوة الاقليمية الوحيدة التي كانت تمنع التوسعية الايرانية من النجاح ، لكن ايران خسرت كثيرا نتيجة تعاونها مع امريكا ، وخسارتها الاساسية هي سمعتها كبلد اسلامي ادعى انه يدافع عن الاسلام ويقف ضد الشيطان الاكبر وكسب دعم الكثير من العرب والمسلمين بسبب هذا الادعاء ، اما بعد غزو العراق وافغانستان فان هذا البعض الذي صدق ادعاء ايران بانها ضد الشيطان الاكبر صدم او في افضل الاحوال ارتبك واصبح عاجزا عن الدفاع عن ايران .

وهذه الخسارة ليست قليلة لان بروتوكولات التوسع الايرانية تحتاج اولا وقبل كل شيء لطابور خامس داخل الوطن العربي يمهد لها الطريق ، ولذلك بذلت ايران خميني جهودا جبارة لاعطاء انطباع بانها حامية حمى المسلمين وانها تقف بوجه الاستكبار العالمي المعادي لهم ، واخذت تزايد على القوى الوطنية العربية في الموضوع الفلسطيني، بعد ان ادركت ان القضية الفلسطينية هي المحرك الجوهري الاول لكل العرب ولاغلب العالم الاسلامي ، من اجل كسب ثقة المسلمين تمهيدا لاختراقهم بغطاء طائفي وبقفاز حريري يريح اليد التي تصافحه . ولكن دور ايران في العراق قلب صورتها راسا على عقب فبعد ان كانت تبدو ولو شكليا ضد امريكا راينا ايات الله التابعين لها في العراق لا يترددون عن تقبيل بول بريمير، الحاكم الامريكي في العراق ، من فمه امام كاميرات العالم كله الذي ذهل لرؤية رجال دين ، بلحاهم الطويلة ، يقبلون امريكي من فمه مع ما تعنيه هذه السلوكية من شذوذ جنسي ! كما راينا ايران ،بواسطة اعوانها ، تغرق العراق ببحر من الدم العراقي الطاهر وتدمر كل ما ارتفع فوق الارض من عمران وبشر وعلم وعلماء وقادة عسكريين !

لقد تكونت قناعة واسعة النطاق في الوطن العربي ، وهو المجال الحيوي الاهم والاول للاستعمار الايراني ، تقول ان نخب ايران الحاكمة ما هي مجموعات براغماتية وانتهازية تمارس كل انواع الخداع باسم الدين خدمة لاهدافها العنصرية التوسعية ومنها التعاون مع اعداءها الرسميين ، كامريكا واسرائيل ، ضد مسلمين في العراق وافغانستان واذربيجان . اذن لقد فقدت ايران جهود اكثر من ربع قرن بمشاركتها في غزو العراق وعادت الى نقطة الصفر وهي ان ايران الاسلامية لا تختلف عن ايران الشاه التي كان العرب ينظرون اليها على انها تسعى لبناء امبراطورية فارسية قومية ! لقد تماهت صورة خميني مع صورة الشاه لدى اغلبية من احسن الظن بالخمينية ، بينما اهتزت صورة خميني لدى اخرين كانوا من اشد اتباعه ، فما العمل لانقاذ مصالح ايران واعادة تجميل صورتها ؟ الجواب كان ذكيا وعبقريا اكد ان النخب الفارسية هي الاكثر دهاء من بين نخب المنطقة ، وانها تشابه حكماء بني صهيون في دهاءها .

تغيير قواعد اللعبة بين توم وجيري

يقول ابو الحسن بني صدر اول رئيس لايران بعد سقوط الشاه ، بان خميني رحمه الله كان مولعا بمشاهدة افلام توم وجيري الكارتونية وانه كان يضحك بصوت عال عند مشاهدتهما ويضرب ساقيه نشوة وفرحا ، وما نراه الان هو عودة توم وجيري الى اللعب لاجل اضحاك صغار ايران في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، بعد ان اصابهم الهم والقلق نتيجة جرائم ايران في العراق ورفع اتباعها لشعارات علنية في اقطار اخرى تزرع الفتنة الطائفية فانهارت سمعة ايران ونزلت الى الحضيض. لقد قررت ايران ان تغير قواعد اللعبة من داخلها اولا بتنصيب رئيس يعود لرفع شعارات خميني ( الموت لامريكا والموت لاسرائيل ) فتبدأ المطاردة من جديد بين توم وجيري ، من اجل اعادة بناء صورة جميلة لايران ، فصعد رجل مغمور للرئاسة ، وهو احمدي نجاد ، وتغلب على احد رموز نظام خميني ورئيس الجمهورية السابق هاشمي رفسنجاني ، والذي عرف عنه اعتداله وقبوله من قبل الغرب . بهذه الخطوة اراد علي خامنئي بعث رسالة تقول ان ايران تعود للاصولية الخمينية . كما انه قرر ان يغير قواعد اللعبة خارج ايران لنفس الغرض ، فصعد الخلافات حول المشروع النووي وجعل منها قضية ساخنة لعبت فيها ايران دور المتحدي لامريكا واوربا والمصمم على عدم الرضوخ للتهديدات والضغوط الغربية . من هو المتحدي توم ام جيري ؟

ولاكمال اللعبة الصفوية اصدر خامنئي اوامر لقسم من اتباعه في العراق وغيره من الاقطار العربية ، بمهاجمة امريكا وحلفاءها ، مثل القيام ببعض الاعمال الاستعراضية ضد الجيش البريطاني في الجنوب بنفس الوقت الذي كانت عصابات ايران تذبح فيه يوميا اكثر من مائة عراقي ! وكلفت المخابرات الايرانية داخل الجنوب بالقيام ببعض الهجمات ضد البريطانيين ولصقها باسم جيش المهدي للتخلص من عار التعاون الكامل مع امريكا في تدمير العراق . ومن جهة اخرى استغلت ايران ازمة فلسطين بعد وصول حماس للحكم ومقاطعتها من قبل الحكومات العربية والغرب فصعدت لهجتها في تأييد حماس والجهاد الاسلامي . كل ذلك وغيره تم لاجل تجميل وجه ايران الشنيع في قبحه وللضغط على امريكا ومساومتها .

اما امريكا فقد خسرت نقاطا مهمة بتعاونها مع ايران ضد العراق ، وفي مقدمة ما خسرت أضطرارها لمواجهة النفوذ الايراني في العراق ومحاولة تحجيمه وليس القضاء عليه ، بعد ان اخذ ينافس امريكا ويحاول ان يحل محلها . لقد اصبح وجود ايران في العراق مشكلة لامريكا بعد ان كان داعم فعال لها ، فلجأت امريكا هي الاخرى الى لعبة توم وجيري ببدء الاتصالات بضباط عراقيين ومجموعات عراقية لاقناعها بان الخطر الايراني في العراق قد تجاوز الحدود وانه يجب وضع حد له بمشاركة مناهضي ايران في الحكم وانخراط المقاومة الوطنية والبعث في العملية السياسية ! بل وصل الحديث الى حد تلويح امريكا بضرورة قيام انقلاب عسكري يصفي الميلشيات الايرانية ، وهذا الكلام يشبه نكات يطلقها توم او جيري على لسان السفير الامريكي زلماي خليل زادة لخداع الخدج والسذج لثلاثة اسباب: الاول ان امريكا التي غزت العراق تستطيع ضرب الميليشيات وتصفيتها ، والثاني ان امريكا هي التي أنشأت الميليشيات وعصابات الموت بالتعاون مع ايران اونمتها وشجعتها وجعلتها اداة التصفيات الجسدية للعراقيين ، والثالث ان امريكا هي التي ادخلت ايران الى العراق وهي التي اتفقت معها على كل ما قامت به من اعمال قذرة واجرامية ضد الشعب العراقي !

وفي خارج العراق كشفت ايران عن خطط كانت تنفي وجودها وتقوم على التدخل المباشر في شؤون الخليج العربي والجزيرة العربية بشكل خاص ، والوطن العربي بشكل عام، فسبب ذلك مشاكل ل(اصدقاء امريكا) العرب ، وخلق المزيد من المشاكل الامنية لهم .

لقد تحولت ايران من منفذ لخطط امريكا الى طرف يريد ثمن ذلك داخل وخارج العراق واخذت تمارس تكتيكات هجومية على امريكا ، على المستوى السياسي والاعلامي ، مستخدمة كل امتداداتها الاقليمية لاحاطة امريكا وحلفاءها بضغوط متعددة الجهات لاقناعها بمنح ايران مكاسب ستراتيجية في الوطن العربي ، في مقدمتها اعتراف امريكا بايران كقوة عظمى اقليميا واشراكها في ترتيب اوضاع المنطقة ومنحها مناطق نفوذ ، من جهة ، والتوقف عن معارضة مشروعها النووي من جهة ثانية . لقد اراد علي خامنئي ان يرمم وجه ايران البشع بعد ارتكاب جرائمها في العراق ، وبعد ان تيقن ان ايران مهددة بفقدان أي امل بنشر التشيع الصفوي في العالم الاسلامي كمقدمة لاقامة امبراطورية صفوية فارسية تتبرقع باسم الاسلام اذا لم تعالج خسارتها المحسوبة لسمعتها . والمبادرات التي قام بها اتباع ايران هنا وهناك لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون منعزلة عن التوجيهات والمصالح الايرانية المباشرة وهي مصممة لخدمة ايران وحل مشاكلها ، بالعودة لإنشاد شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين ، وفي مقدمتها ( يا فلسطين جينالك ) ! وهنا لابد من طرح سؤال جوهري وحاسم نختم بالجواب عليه دراستنا هذه وهو : ما السر في التوافق الستراتيجيي القائم بين امريكا واسرائيل وايران ؟ عند الجواب لابد من مناقشة طبيعة المشاريع المستقبلية لكل من ايران والعراق (في زمن الحكم الوطني وبعد الغزو ) وامريكا واسرائيل لان ما يقرر المواقف النهائية هو تلك المشاريع العظمى .

يتبع

salah_almukhtar@yahoo.com

للعودة الى الصفحة السـابقـة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker