رغمَ مرور أكثر من أسبوع على قيام الاستاذ صلاح المختار بنشر مقاله (رد على رسالة فيصل جلول) ولكنها بما تحملهُ من مواقف مبدأية ووضوح رؤية فأعنقدها مهمة لأن أعيد نشرها هنا:
العقلية العراقية : بونابارتية ؟ ام رسالية ؟
من صلاح المختار
إلى اخي العزيز فيصل جلول المحترم
تحية طيبة
اشكرك كل الشكر على ما ورد في رسالتك القيمة ، لانها اتاحت لي فرصة ايضاح نقاط لم تغطى بالشكل المطلوب سابقا. واول ما اريد البدء به هو التاكيد على احترامي للدكتور خيري الدين حسيب ، فنحن
1– تقول في رسالتك (كنت ارى انه -خيري الدين حسيب - بونابرتي في الثقافة وهذا ما اتكيف معه بصعوبة خصوصا بعد اقامتي في فرنسا وتماسي مع هذا الجانب في ثقافتها السياسية ولولا انني على تماس اقل ومعرفة شخصية اقل بك وبالاخ الفاضل عوني قلمجي و الاخ الموسوى- المقصود موسى الحسيني- وآخرين ممن يجذبني موقفهم المناهض للاحتلال بطريقة يعاقبية لغامرت بالقول ان الثقافة السياسية االبونابرتية سمة العراقيين الشجعان مثلكم وهي مفيدة للغاية في دحر الاحتلال لكن ليست بالضرورة ميسرا فاعلا للتلاقي السهل وارجو ان تعذرني على هذه الملاحظة لاننا لم يسبق ان وصلنا في مراسلاتنا السابقة الى هذا الحد من ابداء الراي في مسائل هي اقرب الى الخاص من العام). ارجو ان تسمح لي، اخي فيصل ، بالاختلاف معك حول هذه النقطة ، اذ ربما يكون د. حسيب بونابارتي النزعة ، فانت اعرف به مني ، لكن البعث ليس كذلك بالتاكيد ، لانه لم يبدأ من فوق بل بدأ من تحت، كحركة ثورية جماهيرية، فنحن ضد المدرسة البونوبارتية المغامرة والفوقية، التي تحاول استلام السلطة بواسطة الانقلاب الفوقي السريع، دون قاعدة جماهيرية منظمة وثابتة . انها مغامرة لا يجوز للمدافعين عن قضايا الشعوب التورط بها ، ويجب الاعتماد بدلا عنها على النضال الشعبي المسلح والسلمي، تبعا للوضع العياني، وتجربة نابليون بالذات انتهت بكارثة له ولفرنسا، بعد ان سبب الكوارث لاوربا ، كذلك يمكن الاشارة الى البيرونية في الارجنتين ، والتي فارت وانتشرت لكنها ما ان مات بيرون حتى تلاشت! وهذا الدرس هو ما علمتنا اياه تجربتنا في العراق في نصف القرن الماضي ايضا ، اذ ان الطموح القاتل لعبد الكريم قاسم لبناء عراق على مقاساته الثقافية والسياسية، معتمدا على الجيش، انتهت بكارثة له وللعراق، نتيجة النزعة البونابارتية الجامحة. لذلك كان اول درس استفاد منه البعث هو تجنب اغراء فورة المرحلة وماتقدمه من دعم اني ، فاختار ان يعتمد على تنظيمه الشعبي القوي، في بناء عراق جديد لم يدمر ، رغم كل المؤامرت ، لمتانة جذوره الشعبية ، فكان الغزو هو الحل الوحيد لتدمير التجربة القومية النهضوية في العراق. انت تعلم اخي فيصل ان البعث حركة شعبية منظمة ولها تقاليد تنظيمية راسخة منذ الاربعينيات ، كما نه حزب تاريخي اختار ان يحمل رسالة خالدة للامة العربية والبشرية، قمتها الوسطية تحقيق الوحدة العربية وبناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية ( الاشتراكية ) ، ولذلك فالبعثي يعرف ان له اهداف متعددة قريبة وبعيدة ، ويدرك ان المطلوب وضع برامج وستراتيجيات لكل مرحلة ، الامر الذي صنف البعث ضمن الحركات التاريخية التي لا يرتبط وجودها بقائد ، حتى لو كان المؤسس لها ، بل بحركتها الثورية الجماهيرية المنظمة .ان هذه الحقيقة تفسر لم بقي البعث وزالت احزاب وتيارات ، رغم ان البعث تعرض ويتعرض لحملات اجتثاث فاشية ودموية مختلفة، لم يتعرض لمثلها الا البعثيون والشيوعيون ، اخرها الطبعة الامريكية الصهيونية للاجتثاث، كما عبر عنها( قانون اجتثاث البعث)، الذي اصدره الاحتلال الامريكي، وادى تطبيقه الى اغتيال مئات الكوادر البعثية وقتل الاف الاعضاء والانصار، ومع ذلك يقف البعث في العراق الان وهو يمثل القوة الام والاكبر والافعل، ويطرح اقوى امبراطورية استعمارية في التاريخ ارضا، ويذيقها سم الهزيمة المر ، فهل يستطيع حزب بونابارتي النزعة الصمود وتحقيق كل ذلك ؟ بالتاكيد كلا .اذن لابد من التذكير بان البعث هو حزب رسالي وليس حزبا بونابارتيا ، كما يجب التذكير بان الشعب العراقي شعب رسالات عظمى منذ ثمانية الاف عام ، ابتداءا من رسالة اختراع الحرف والقوانين، وهما ، اي البعث والعراق، اقتحاميان وليسا بونوبارتيان.ولكن الا ترى معي اخي فيصل ان البونوبارتية لا تقتصر على الانقلاب المسلح واستخدام الة الدولة لنشر افكار او برامج ،او التأمر العسكري، بل هي تشمل ايضا اولئك الذين يريدون الوصول الى السلطة بسرعة وباقصر واسهل الطرق، بما في ذلك الاقدام على مد اليد للاستعمارالامريكي الجديد والتوكأ عليه لايصالهم الى السلطة، بطرق مموهة ،لانهم لا يملكون القاعدة الجماهيرية المطلوبة لتحقيق اهدافهم ؟ الا ترى معي ان من بين اهم سمات الثقافة البونابارتية سمة السرية، او شبه السرية، وطبخ القضايا المصيرية في غرف مغلقة، والخوف من الجماهير ؟ اذن ، وبما اننا لسنا بونابارتيين، فان صعوبة تلاقينا مع الغير لم تدخل من بابنا بل من باب الاخرين ، وتشهد التجربة التاريخية ان البعث كان دوما المبادر لتشكيل جبهات وطنية وتحالفات عريضة ، وكان الاكثر مرونة وسعة صدر واستطيع ان اثبت ذلك بالشواهد المعروفة، واخرها نجاحه الملموس في اقامة تحالف مع اسلاميين عراقيين وغيرهم على قاعدة الجهاد ضد الاحتلال الاستعماري
2– .تقول : (لم ارى يوما الدكتور حسيب سياسيا مناورا ومحترفا يبيع ويشتري بل يتعاطى السياسة بقدر عال من الكرامة والشرف دون ان يعني ذلك انه على مهارة سياسية عالية. باختصار الدكتور خيري هو هو كما نحن لكل منا اناه المكونة لذا ربما انت متفق معي ان الدكتور حسيب جدير بالاحترام والتقدير وبالتالي من الصعب النظر الى مبادراته خارج هذا الاطار بما في ذلك المبادرة الاخيرة.)، وعلى هذاالقول لابد من تثبيت اننا لسنا بصدد الذهاب لخطبة عروس لابننا ، كي نضع الطيبة والاستقامة والاحترام في مقدمة المواصفات ، بل نحن بصدد مواقف سياسية وافكار وبرامج واختلافات ، وكل هذه الظواهر تحتاج لمواصفات اخرى مختلفة في مقدمتها المهارة السياسية والحنكة وعمق الرؤية والاستيعاب الكامل لدروس التاريخ وفهم الواقع، كما هو وليس كما نشتهي ...الخ . من المؤكد، وانت تعيش في الغرب، انك تعرف ان السياسة لا صلة حقيقية لها بالمواصفات والشروط الاخلاقية، ولا بالنوايا وحسن السيرة ، بل العامل الحاسم هو القدرة على ادارة المشهد السياسي سواء كان حزبا او حكومة ، بكفاءة تبقي القوة الواقفة خلف المشهد ماسكة بزمام الامور . ولذلك نجد ان قادة الغرب لا يتصرفون على هواهم ولا يتركون تسريحة شعرهم ملكا صرفا لمزاجهم( بيل كلنتون مثلا )، بل هم يخضعون لاوامر المختص والخبير الذي يقرر سلوكهم ومظهرهم الشخصي . ان الرئيس الامريكي مثلا ، اي رئيس امريكي ، لديه خبراء عديدون يلزمونه بالتقيد ب(اوامرهم )، فهناك خبير تصفيف الشعر وهناك خبير اختيار ملابسه وهناك خبير نكات يعد له نكات وهناك خبير خطب يكتب له خطبه ، وهناك خبير تجميل يعد له وجهه قبل مقابلة الجمهور، وهناك اخر يعلمه كيف يخرق القانون دون ان يقبض عليه متلبسا...الخ ، كل هؤلاء الخبراء وغيرهم يضافون الى الخبراء السياسيين سواء مستشار الامن القومي او وزير الخارجية ! اذن الرئيس الامريكي لم يبق من ذاته الاصلية سوى الاسم ، اما ما عدى ذلك فقد خضع لاشراف وتوجيه الخبراء ! والسؤال هنا هو لماذا يلجأ الزعماء في الغرب الى تغيير مظهرهم وافكارهم وسلوكهم ؟ الجواب المعروف : انهم يريدون ان يقتربوا من الصورة المحترمة من قبل الجماهير والمؤثرة فيها ، لضمان البقاء في الحكم او كسب الانتخابات ! ما معنى ذلك ؟ معناه ان السياسي في الغرب يزيف صورته من اجل خداع الناس ومع ذلك تقبل الجماهير المغسولة الدماغ بهذا التزوير، وتبني عليه موقفها النهائي، وهي غير متاكدة من حقيقة الرئيس او عضو البرلمان او حاكم الولاية.اذن المشكلة في السياسة هي ليست المواصفات الشخصية بل المواقف والبرامج والممارسات الفعلية ، ولذلك فان عدونا او خصمنا ليس بالضرورة نذلا، فقد يكون جنتلمانا رائعا في مواصفاته الشخصية ، ومع ذلك فهو خصم او عدو يجب العمل ضده واسقاط برنامجه . نأتي الان الى السيد خيري الدين حسيب ، انا اؤيدك انه انسا ن بالمواصفات التي ذكرتها ، ولكن الاعتقاد بان ذلك سيعصمه من الخطأ ومن تبني موقف يتطلب النقد او الرفض اعتقاد غير مقبول ، لان المطروح هو ليس زفة خطبة بل مصير شعب محتل ، وهناك من يريد ان يجتهد بخصوص مصيره مما يجعلنا مفتوحي العيون لتدقيق مواقفه ، ليس لاننا افضل منه ، فتلك مسألة اخرى ، بل لضمان اداء دورنا الوطني وضمان ان الحل صحيح ومناسب ، وهذا الحق الذي استخدمه انا هو ذاته تحت تصرف الطرف الاخر مثلما هو تحت تصرفي . ان التمييز بين الاستقامة الشخصية والموقف السياسي ليس معناه اسقاط الشرط الاخلاقي عن ممارس السياسة بل بالعكس التمسك به دون الافتراض ان هذه المواصفات هي مركز الكون . نحن نعتقد بان المواصفات الاخلاقية الرفيعة للسياسي هي الضمانة الاساسية للحفاظ على استقامة توجهاته السياسية ومنعه من الانحراف والانجراف وراء نقيض ما يعلن . لذلك ، اخي فيصل من الخطأ الافتراض ان الطيب لا يخطأ وان السيئ لا يصيب ، وعلينا ان ننظر في احداث العقود الخمسة الماضية من التاريخ العربي المعاصر لنرى كم كنا مقصرين، كعرب ، في حماية امتنا العربية ،رغم حسن اخلاقنا وطيبة نوايانا ، وكم كان العدو ناجحا في خططه ضدنا ، رغم انه (نذل)، واسمح لي باستخدام هذه الكلمة التي لم اتعود على استخدامها ! الا يعلمنا هذا الواقع درسا كبيرا ؟
3– تقول : (المطلوب هو ان يهزم مشروع المحتل في العراق وقد هزم سواء خرج اليوم او غدا او بعد عشر سنوات. امريكا اليوم مهزومة في العراق شر هزيمة وقبل خروجها من البلد وهذا امر لم يعد خاضعا للنقاش وهنا اقول فلتخرج بالطريقة التي تريدها نظريا ودون ان تكون لدي المعلومات والمعطيات الكافية فانا في الواقع اتابع معظم الشأن العراقي من الاخبار والرسائل وليس من خلال الاتصالات مع العراقيين المعنيين بالصميم في هذا الشان ومرة اخرى ارجو الا اكون مخطئا في التقدير كما ارجو ان ينورني اي اخ عراقي في هذا المجال) . نعم امريكا اليوم مهزومة في العراق، وانا اؤيدك تماما ، ونعم مرة اخرى فلتخرج الان وليس بعد ساعة واليوم وليس غدا ، فكل دقيقة تمضيها في العراق تحمل الموت للعراقيين ولجنودها ، وهي لذلك اخذت تستجدي المفاوضات مع المقاومة ، بعد ان كان ذو الوجه الشمعي دونالد رامزفيلد يقول ، وهومخمور الضمير : انه تمرد فلول النظام وسننهيه قريبا ! هذا المعتوه الخرف ادرك خرفه ، وهو يرى المقاومة تذل جيوش امريكا، وتمرغ انف اسوأ واقسى امبراطورية شر في وحل العراق ، لذلك انقلب على مفرداته، وليس فقط على عنجهيته وغروره ، واعترف ان من المستحيل هزيمة المقاومة . ان محاولات الاتصال بالمقاومة ابتدأت بعد هزيمة امريكا في معركة الفلوجة الاولى (2004 )، فلقد نقل وسطاء رسائل من الادارة الامريكية الى قيادة البعث والمقاومة تطلب فيها الدخول في مفاوضات ، فردت المقاومة: ان لدينا شروطا للدخول فيها ، ولن ندخلها قبل القبول غير المشروط بها ، واهم الشروط الانسحاب الكامل غير المشروط ، والتخلي التام عن المشروع الاستعماري الامريكي في العراق ، لذلك لم تحصل مفاوضات ، وبقيت المقاومة تصعد العمليات بهدف اجبار امريكا على الاختيار بين خيارين لا ثالث لهما : فاما ان تقبل بشروط المقاومة وتتفاوض من اجل انسحاب يحفظ ماء الوجه ، واما ان تتعرض لانهيار مذل ومهين . وبالنظر لسقوط كل خياراتها البديلة ، كـ(اشراك السنة)، او محاولة اقناع بعثيين يالانشقاق والانخراط بالعملية السياسية ، لجأت الى الابتزاز : فهي تستخدم محاكمة الرئيس صدام حسين ( فك الله اسره ) اداة للضغط على الحزب والمقاومة ، كما تستخدم التصعيد في عمليات اغتيال( رموز سنية وشيعية) لاجل التلويح بانها ستشعل حربا طائفية، اذا لم تذعن المقاومة للمطلب الامريكي الخاص بدخول المفاوضات دون شروط مسبقة ، واخيرا وليس اخرا تكثر من الحديث عن اجراء اتصالات مع فصائل من المقاومة كوسيلة تهديد بشقها! كل تلك التحركات تعبيرات دقيقة عن مأزق الاحتلال في العراق وقناعته انه دخل نفقا مظلما لن يخرج منه الا مهزوما ، فتفتق ذهنه عن خيار الاعتماد على عناصر وطنية، وليس عميلة، من اجل التفاهم على ( حل وسط ) ، يتم بموجبه منح الاحتلال فترة زمنية طويلة نسبيا ( سنتان الى اربعة سنوات ) ، يقوم خلالها بسحب قواته من المدن وتركيزها في بضعة قواعد ، وتشكيل حكومة وطنية في الشكل لكنها بلا ساقين تستند اليهما ، لانها حكومة بونابارتية الثقافة والمنحى ، تأمل ان تستقطب شخصيات وطنية وبعض القواعد وتتوكأ على الجيش والشرطة في فرض وجودها . ان لجوء الاحتلال الى هذا الخيار مهندس لاجل ابعاد المقاومة عن استلام السلطة ومحاولة اقناع فصائل ثانوية فيها بقبول الانخراط في العملية السياسية . وهذا تطور تعتقد ادارة الاحتلال انها اذا نجحت في تحقيقه ، ستشق المقاومة ، او على الاقل ستحصل على واجهة مقاتلة تتمتع بالاحترام في الوسط الشعبي ،وهو ما سيوفر لها دما جديدا ينقذها من الانهيار او الاستسلام لشروط المقاومة . هذا الموقف يجعل اي تحرك سياسي ، حتى لو كان من يقوم به وطنيا بونابارتيا لا يملك جماهير واسعة ، يصب في بث الامل في عقل الاحتلال وعناصر وصلت حافة الانهيار ، فاصبحت تبحث عن وسيلة للانقاذ حتى لو كانت قشرة قش !
4– تقول في الرسالة :(أن الطرف الذي اخرج المحتل هو الطرف الذي سيحكم العراق بغض النظر عن كل الحركة السياسية الموجودة خارج العراق. المقاومون على الارض هم الذين سيفرضون شروطهم السياسية على الجميع من بعد وسيقيمون الحكم الذي يريدون ولهم في ذلك كامل الحق والمشروعية.). انني اوافقك على هذه الفقرة واختلف معك بنفس الوقت ، صحيح ان من سيخرج الاحتلال سيحكم العراق، لكن الاصح هو ان برنامج المقاومة لما بعد التحرير يقوم على انشاء جمهورية العراق الثانية ، فلئن تميزت جمهورية العراق الاولى (1958 – 2003 ) بانفراد جماعة واحدة بالسلطة، في كل مرحلة ، فان المأسي التي ترتبت على عقلية اقصاء الاخر والانفراد بالسلطة قد سقطت، وحان الوقت لتضميد جراح العرق عبر تشكيل نظام تعددي، يتم تبادل السلطة فيه عبر صناديق الاقتراع . كما ان هناك عامل مساعد وضاغط اخر هو الوضع المعقد جدا والخطر جدا الذي سينشأ بعد التحرير ، نتيجة هزيمة امريكا وهو التامر على العراق المحرر على نحو اكثر خطورة مما يجري الان، لذلك سيجبر الثوار المنتصرين على اشراك الاخرين من الوطنيين في السلطة ، في اطار تشكيل جبهة عريضة للتصدي للتأمر القادم
5– تقول :(معنى ذلك ان مؤتمر بيروت كغيره من مؤتمرات الخارج يكون مفيدا ومهما بقدر استجابته لهذه الحقيقة ولا يستطيع هذا المؤتمر ان يفرض اية اجندة بعيدا هذه الحقيقة لان الامر ببساطة يرجع للمقاومين في الداخل هم يقررون متى واين وكيف يقف القتال وباية شروط ولا يستجيبون الا لاجندتهم ومعنى ذلك ان مؤتمر بيروت يستطيع ان يخرج بما يريد فالمهم ليس مقرراته وانمامدى قربها او بعدها عن شروط المقاومة ولايمكن لمؤتمر بيروت ان يفاوض احدا باسم المقاومة لان المفاوض يجب ان يكون مكلفا من الطرف المقاوم وما دام غير مفوض فان قراراته اما ان تكون مجدية وبالتالية في صلب المقاومة وليس ابعد منها قيد انملة أو على مسافة من المقاومة وفي ذلك تكون هامشية ومحدودة القيمة اذن لماذا الخوف لا داعي ابدا للتخوف في هذا المجال.) . نعم ان الذي سيقرر هو المقاومة وليس غيرها ، هذا امر اكيد ، ونعم، مرة اخرى ، ان من سيحضر مؤتمر بيروت ، ومع احترامنا للوطنيين من حضوره ، لا يستطيع تحريك بصلة على ارض العراق ، لانهم جميعا وبلا استثناء نخب بونابارتية ، حسب تعبيراتك ، وهنا يكمن مصدر قلقنا . ان البونابارتية ضرب من ضروب الهوس البورجوازي الصغير بوضع الذات فوق الاله، والمبادئ والوقائع ،في ظرف ما، وفي لحظة تجل ما ، فالبونابارتي يحل ذاته محل الموضوع وحينما يحقق نجاحا اوليا تزداد شهيته لالتهام ماتبقى من الهة تمر كان يعبدها ، فيظن في دخيلته انه حل محل كل معيار وقيمة ، وصار يضفي على كل شيئ قيمة ، فكيف يقف مع الناس عند خط الشروع وينتظر دوره مع انه صانع الهة التمر القريشية ؟ ان انحرافات البورجوازيين الصغار تنبع من هنا، من التمحور حول الانا وعبادتها وتحويل الكون كله الى خرم ابرة ! ما نخشاه هو ان البعض، وقد انتابه هوس الزعامة بعد ان ظن ان الكبار في العراق قد تم اجتثاثهم ، بقوة (امريكا التي لا تقهر )، حسب تعبير السادات ، البورجوازي الصغير الاشد ولعا بخداع وعبادة الذات ، سينحدر الى مستوى التهام الهة التمر ، اي مواقفه الثابتة . ان السلطة ملعونة، وكم من وطني قرض لسانه ومات وهو يظن انه وضعها في جيبه ؟ وما نراه الان هو تسابق علني على السلطة ، في اوسع خروج على الانتظار عند خط الشروع ، فقد مل هؤلاء الانتظار ، وبعد نصف قرن من الحلم بالسلطة جاء الوقت الذي قد يسمح لهم بالقفز اليها ، ولكن مع الاسف بشرط مسبق وحتمي: القفز اليها ببرشوت امريكي ! انهم اذكياء في قراءة هواجس امريكا الحالية وهم يرون انها تهزم وتفرم ، حسب التعابيرالتي كانت حبيبة على قلب السادات ايضا . كذلك هم يرون انها لا تستطيع الاستجابة لشروط المقاومة الصارمة ، وتحتاج لوجوه وطنية غير محروقة ، من هنا تفتقت عبقرية البورجوازية الصغيرة عن حيلة منطقية ، وهي الانسياق وراء سايكولوجيا المفرومين ، اي الامريكان ، بعرض انفسهم كخيار افضل لحل ازمة العراق دون اذلال امريكا! ، وهذ الخيار يشترط اول ما يشترط استعراض عضلات العدد خصوصا العدد النخبوي ، كي تقتنع امريكا ان هذا البديل يتمتع بالشهرة ! الم اقل انهم بونابارتيون ؟ نعم اخي فيصل الان حل وقت البديل الوطني ولكن غير الشعبي وغير حامل البندقية ، لتضعه امريكا على خط تصادمي مع المقاومة ، وتلك بداية دورة اخرى من الصراع الوطني – الوطني ، غير المسوغ ، وهذا بالضبط ما يقلقنا : ان تعود دورة العنف بين الوطنيين بدل ان نضع حدا لها . ان المقاومة مصممة على منع اي طرف من مد يده بينها وبين الاستعمار الامريكي، لان ذلك يوفر له فرصة التقاط الانفاس وسرقة الزمن ، ومحاولة شق المقاومة . ان البورجوازي الصغير الذي بقي يحلم بالسلطة، وهو محبط ، يجد الان ان الفرصة سانحة ، وان امريكا تجد فيه البديل الذي يسمح بتغيير المعادلة الحالية ،المتسمة بتزايد قضم راسها ، ولكن بعد ان تزرع للبديل ساقين لا يملكلهما ، ليقف ويزاحم المقاومة ، وينشأ حكومة لا يكون حظها مثل حكومتي علاوي والجعفري . لقد قررت امريكا ان تدعم بقوة هذا الخيار، خصوصا وانه اعلنعن تبنيه لحل لا تجد امريكا افضل منه، وهو تسليم العراق الى الامم المتحدة ، وليس استلامه من قبل المقاومة ! وكان اؤلئك الذين يقولون اننا نريد تدخل الامم المتحدة في العراق يبعثون عمدا برسالة لامريكا تقول : نحن قادرون على اخراجك من مأزقك ! اليس ذلك هو ما تريده امريكا ؟ وهكذا ، وبدلا من تحرير العراق تماما وبلا قيد او شرط ، كما طرحت المقاومة وفعلت ، نجد البورجوازي الصغي الممسوس بنزعة بونابارتية فوقية، يأدلج موقفه كالتالي : بما انني مصدر الصواب ومرجع الشرعية اذن لا خوف من مد اليد الى الاحتلال ، فمن اجل العراق يجب ان نفعل ذلك ، ولا بأس من بقاء قوات الاحتلال سنتين او ثلاثة في قواعد خارج المدن ! في حمى التسابق مع الزمن تبرز امامنا مجموعتين : مجموعة مرتبطة رسميا وفعليا بالمخابرات الامريكية البريطانية والفرنسية ، أمرت بالتحرك من اجل توسيع العملية السياسية لتشمل دم جديد ووجوه جديدة غير محروقة ، ومجموعة من الوطنيين الذين تنقصهم الحصانة ضد الوهم والتوهم وسوء الاختيار ، فيقع في ظنهم ان بمكنتهم وضع حل شامل لازمة العراق ، وان ذلك يتطلب التفاوض مع المحتل من اجل العراق ، متناسين انهم بلا ساقين يستندان اليهما في المفاوضات . نحن نخشى هذا السيناريو ، وهي خشية ليست مبنية على هواجس بل على معرفة بما يجري تحت الطاولة ، لان المقاومة ستضطر للقضاء على هذا البديل، وبلا رحمة ، مثلما قضت على حكومة علاوي ومثلما تقضي الان على حكومة الجعفري. ان اجندة مؤتمر بيروت تورط وطنيين في موقف غير وطني ، وما اكد ذلك هو رفض الاجابة على التساؤلات المشروعة ،وتمسك هؤلاء بمطلب تسليم العراق للامم المتحدة مع انها السوط الذي جلد ويجلد به العراق وهو مرتاح بيد امريكا ! اي لعنة هذه التي تجعل الانسان، وهو يضع عينين واسعتين تحت حاجبيه، لا يرى الا لذة الانسياق وراء طموحات بونابارتية محمومة ؟ ان الفيصل الحاسم يا اخ فيصل ، في امتحان وطنية البعض هو الموقف من دعوة الامم المتحدة لتسلم العراق ، ولذلك سنحكم على مؤتمر بيروت من هذه الزاوية اساسا .
6– تقول : (وعموما يصح القول حيث يكون الجلبي يجب الا نكون. لكن ماذا لو قرر احد الجلبيين الالتحاق بالمقاومة كما حصل في كل حركات المقاومة ضد الاحتلال في العالم؟ هل نرفض ذلك؟ ليس من الحكمة الرفض لكن لا نصاهر الملتحق ان كان صادقا ولا نسلمه زمام امورنا اما ان يخسر المحتل مؤيديه السابقين قهذا ما يجب الترحيب به ولكل ساعة ملائكتها بعد زوال الاحتلال هذه المعادلة صحيحة الا في حالة واحدة هي المناورة التي تتخوف منها انت في رسالتك لكن هنا ايضا لااعرف ان كان تخوفك مبني على الظن اما على معطيات لاتقبل الشك) . انا اؤيدك تماما بان الثورة يجب ان تكون متسامحة لاجل تشكيل اوسع حزام امن مكن ، لكن كما قلت يجب على من يعفى عنه ان يكون صادقا ، ومع ذلك يجب ان لا يسلم مسؤوليات خطرة . المؤتمر لم يعمل بهذه القاعدة ليس فقط لان سكرتير احمد الجلبي يحتل موقعا متقدما في المؤتمر هذا، والمؤتمر القومي العربي، بل ايضا لان هناك عملاء شبه علنيين للمخابرات البريطانية والفرنسية والموساد ، بل ، وياللعجب للمخابرات اليابانية التي نجحت بدخول المنطقة لاول مرة ! ان مسألة وجود هؤلاء تستحق التوقف قليلا ، فنحن بازاء الخيانة الوطنية العظمى ، وليس بازاء تنقل اشخاص بين احزاب وطنية ، ان حزب احمد الجلبي منذ انشأته المخابرات الامريكية علنا ، كان لا يخفي عمالته لها ، بل كان يقبض الاموال علنا وينفذ الاوامر علنا وبلا اي تحفظ ، وكان كل اعضاء هذا الحزب يقبضون من السي . اي . اي، ويقدمون معلومات عن العراق، ويحرضون على غزوه ! فهل يوجد في هذا الضرب من الخيانة مجال للاجتهاد ؟ انها الخيانة الوطنية العظمى في اصرح صورها . تسال : الا يمكن الغفران لهؤلاء ؟ ان من اخطأ بوعي تام ، وكان يعرف ما يفعل لمدة تزيد على العقد من الزمن، يتوفر فيه شرط القصدية في الفعل الخياني ، وهذه القصدية تتخذ شكلين : الشكل الاول يتجلى في ان العميل عرف منذ البداية انه عميل وانه يخدم المخابرات الامريكية والبريطانية، التي اكنت تعد علنا لتدمير العراق ، والشكل الثاني للخيانة هو ان الخائن كان يحرض على غزو العراق علنا ولعدة اعوام، وكان يطل بكثرة من الفضائيات البترودولارية ليتحدث عن ضرورة اسقاط النظام الوطني عبر الغزو المسلح ! هل يمكن منح التوبة لخائن من هذا النوع ؟ التوابون يجب ان لا يمنحوا مواقع قيادية كوضع دستور العراق ، ولا ان يقبلوا دون نقد صارم للذات وترجع حقيقي عن الموقف الخياني ونقده بصدق ، لاننا اذا فعلنا ذلك كانما نقوم يتشجيع الخيانة بمكافئة الخائن ومساواته بالوطني، وبذلك نسقط الحدود التي تميز بين الابيض والاسود . لا يجوز ان تحل النزوات والامزجة الشخصية محل المعايير الموضوعية، في تقويم الافراد والجماعات، لاننا بذلك نهدم قاعدة هرم الثقة ونفتح ثغرة خطرة في جدار قلعة الوطن ! لا احد ، مهما كان ، يملك حق منح الوطنية لمن خان ، لكن هذه القاعدة نسفت في مؤتمر بيروت .
7– تقول (اما المؤتمر القومي العربي فارجو الا تكون معركة المقاومين معه. يا اخي صلاح ان الذين يؤيدون المقاومة او ايدوها في هذه الامة عناصر محدودة وانت تعرفها كنا نعد على الاصابع ونناضل حتى ينشر لنا مقال مؤيد لاهل العراق المظلومين والمقاومين في وسائل الاعلام قد يكثر المؤيدون مع كل اندحار جديد للاحتلال وهذا جيد وغير مرفوض فلنترك التقييم لما بعد رحيل المحتل لذا اقول ان المؤتمر القومي العربي هو من المواقع القليلة التي تبنت تاييد المقاومة من اللحظة الاولى اما ماهو وكيف يعمل وماذا حقق فهذه من المسائل التي تعني الاعضاء فيه و التي لاتهم في معركة المقاومة ضد الاحتلال) . على هذا القول نرد ونقول : يا اخي فيصل لسنا بصدد نقد المؤتمر القومي ، رغم ان لنا الكثير من الملاحظات حوله ، لاننا ببساطة ندافع ولا نهاجم ، لقد صمتنا فترة طويلة ،وسنصمت على اخطاء المؤتمر القومي، ومنها انه يرقص طربا حينما يسقط بعثي من مسيرة الحزب فيسارع لالتقاطه حتى لو كان ذلك الدوني الساقط لا يساوي بصلة نخرها الدود ، لاننا ندرك ان المؤتمر ايجابي على وجه العموم ، وحينما ترد ملاحظة عابرة حوله فان ذلك لا يعني بدء حملة ضده ، اننا بحاجة لكل وطني وجهد وطني ولن نفرط بالمؤتمر القومي ابدا ونحن نحترم جهده .
8– تقول :( وقد يكون من المفيد ممارسة الضغط المعنوي على المؤتمرين وتذكيرهم بالثوابت التي ذكرتها لكن اعتقد وارجو الا اكون مخطئا ان سقف القول يتوقف عند هذا الحد لنرى من بعد ما الذي سيصدر عن المؤتمر ساعتئذ ياتي التقييم وساعتئذ يصبح القول مبررا اما الان وقبل صدور المقررات فلا اعتقد انا شخصيا على الاقل ان من الضروري ان تندلع حملة هجومية اكبر الا اذاكانت لديك معطيات لااعرافها وهي التي تجعلك في الموقف الهجومي الذي تقفه.) انا اتفق معك ولهذا اختتمت مقالي ( اسئلة وتساؤلات حول مؤتمر بيروت ) بالقول ان العبرة بالنتائج التي سيخرج بها المؤتمر حتى وان قاطعناه لان القائمين عليه رفضوا تقديم ردود على اسئلتنا ، اننا ننتظر ما سيتمخض عنه المؤتمر وعندها سننتقل من الكلام الاستفساري وطرح ملاحظات الى موقف التعرية الشاملة ، اذا تبنى برنامجا يخدم الاحتلال .
تقبل تحياتي وعميق احترامي
صلاح المختار
24 – 7 – 2005
0 Comments:
Post a Comment
<< Home