Tuesday, August 09, 2005

أيهما اسبق : حقوق الانسان ؟ ام الامن الوطني ؟

أيهما اسبق : حقوق الانسان ؟ ام الامن الوطني ؟

صلاح المختار

واخيرا ، اكتملت صورة نفاق الغرب وازدواجية معاييره وزيف شعاراته ، واعتماده على معايير العنصرية والنهب، في تعامله مع دول العالم الثالث خصوصا العربية منها ، فبعد ان قدم غزو العراق ادلة قاطعة ولا تدحض على النزعة الاجرامية والتوسعية الاستعمارية للغرب المتقدم بزعامة امريكا ، والمناقضة للشعارات الاساسية التي كان الغرب يتغنى بها ، ويستخدمها لاثبات (تقدمه وتحضره ) هو و(بربريتنا وتخلفنا) نحن ، مثل حقوق الانسان وحقوق المواطن والديمقراطية واحترام القانون الدولي ...الخ من هذه الشعارات الاستعمارية الاجرامية ، التي ابيد باسمها ملايين البشر في مختلف القارات ، بعد هذا كله شاهدنا في يوم 5 -8 – 2005 توني بلير ، الاستعماري الدموي العريق، يقول انه ودولته تبنى قوانينا جديدة تسمح له ولحكومته ان يطردا خارج بريطانيا من يظن انه ارهابي او ينشر الكراهية ، وان تسحب الجنسية البريطانية من مواطنين بريطانيين ، يتهمون دون اثبات بتهديد، امن بريطانيا ! هذا التطور اذا اضيف للتعذيب والقتل والاعتقال والنهب المنظم لثروات العراق ومواطنيه والاغتصاب الجنسي وتدمير مدن كاملة وقتل الالاف من سكانها ، والذي قامت وتقوم به القوات الامريكية عمدا وبسابق تخطيط ، وبدعم بريطاني كامل، يجعلنا نرى امامنا وحشا مفترسا اسمه الغرب الاستعماري وقد استيقظ بعد ان غاب الرادع ، وشرع بنزع كل ملابس حقوق الانسان وحقوق المواطن والديمقراطية ، والتي اخفت انيابة ومخالبه واسنانه التي تنقط دم الضحايا ، واخذ يقتل بتلذذ عجيب لا نراه في سلوك اي حيوان مفترس !
ان القوانين التي صدرت في امريكا وبريطانيا، ودول اوربية اخرى، لا تشكل فقط خرقا للقانون الدولي وحقوق الانسان التي وضعها الغرب ذاته ، بل هي تناقض وتنقض حتى القوانين الداخلية التي افتخر الغرب بها، وادعى انها تجعله افضل من المعسكر الشيوعي ومن انظمة دول العالم الثالث ! فما قاله بلير سبقه في قوله جورج بوش عقب احداث 11 – 9 – 2001 وهكذا اصبحنا نرى يوميا انياب امريكا وبريطانيا تفترس اطفال العراق وافغانستان بلا رحمة او شفقة ، وتهدم البيوت على رؤوس الاطفال والنساء والشيوخ ، وتسوق الشباب الى معسكرات اعتقال اكثر وحشية وقسوة من المعتقلات النازية ، ابتداءا من البصرة حتى الموصل ، ومنعت لجان حقوق الانسان والمحامين والصليب الاحمر واهل الاسرى من زيارتهم وضمان حقوقهم الانسانية !

وشهية القتل والابادة حينما تتفتح لا تتوقف عند حد ، بل تصبح وحشا طليقا يفترس كل ما يشاهده ، ليس لانه جائع ، فهو شبع ، بل لانه ظن انه يستطيع تحرير غرائزه البدائية من اجل الاستيلاء على كل ثمين وسمين لدى الاخرين ، لذلك لم يسلم مواطنوا البلدان الاستعمارية ذاتهم من الافتراس المنظم ، فهاهي بريطانيا ، التي كانت تعد نفسها قلعة الديمقراطية وحماية حقوق الانسان والمواطنة ، نراها تلحق بمن كانت ترى انه امتدادها السرطاني ، اي امريكا ، وتعد العدة لطرد ليس اللاجئين لديها فقط بل مواطنيها اذا شكت، اذا شكت فقط ، بانهم يشكلون تهديدا امنيا ! هل حدث مثل هذا في اكثر بلدان العالم الثالث تخلفا ؟ نعم هناك دول عالمثالثية طردت اللاجئين وسلمتهم للمقصلة، ولكنها لم تطرد مواطنيها !
ان هذه الاجراءات لا تنفذ عند وجود ادلة على تأمر افراد ، رغم ان ذلك لا يسمح بطرد مواطن حتى لو ثبت ، بل انها تنفذ عند الشك بان الشخص ينشر الكراهية ويشجعع عليها ! هذا المعيار الذي تبناه بلير عام الى درجة انه يسمح بطرد اي انسان حتى لو انتقد بصورة ديمقراطية سياسية بلير وبوش ، لان بالامكان تفسير ذلك على انه نشر للكراهية ودعم للارهاب .
ما هو المعيار الذي ستستخدمه الاجهزة الامنية البريطانية لتحديد الاعمال التي تنشر الكراهية وتشجع الارهاب ؟ المعيار حدده بلير وقبله بوش : انه كل ما يهدد امننا الوطني من الاعمال الارهابية المسلحة الى الاقوال الداعمة للارهاب، مرورا بالابتسامات التي يشك بلير وبوش انها ابتسامات ماكرة ومتشفية ! ليس بامكان احد ان يثبت ، في ظل الديمقراطيات الغربية ، التهمة الا القانون والقانون يريد ادلة قاطعة وليس شكوكا عامة لا سند مادي يثبتها ، ولذلك اشتهر القضاء في بريطانيا ثم في امريكا بانه يطلق سراح مجرمين اقتنع القاضي انهم ارتكبوا الجريمة لان الادلة غبر كافية ، اما الان فالادلة غير مطلوبة والشك هو القاعدة ، الامر الذي تترتب عليه نتيجيتين : الاولى ان الحقوق الفردية في الغرب الاستعماري تحتضر ، والثانية ان دولة بوليسية تنمو وتحل محل الدولة الديمقراطية . والسؤال الرئيس هنا هو : ما الفرق بين دولة الاستبداد العالمثالثية وبين دول الغرب الاستعماري ؟ نعم هناط فروق ولكنها لصالح دول العالم الثالث بالتاكيد والقطع لثلاثة اسباب جوهرية .

الغرب البربري والشرق المتحضر

هذا ليس شعارا عاطفيا على الاطلاق، بل هو واقع الحال الذي نراه الان ، وهناك ثلاثة اسئلة توضح هذه المسألة ، وهي : من ارسخ في المؤسسات الدستورية ( القضائية والسياسية والادارية والخدمية ...الخ ) امريكا وبريطانيا ومعهما دول اوربية اعنت تجميد حريات عديدة ، ام دول العالم الثالث ؟ الجواب قطعا هو ان الغرب هو صاحب المؤسسات التي تنظم الحياة في المجتمع، وفيه تقيد صلاحيات المسؤولين وتحفظ حقوق وكرامة المواطن العادي ، لان العالم الثالث اعيقت نهضته ونهوضه من قبل الاستعمار الغربي ، لذلك فان دولة المؤسسات لم تنشأ او لم تكتمل او لم تتبلور بعد ، وحسب البلدان، فيكون من الطبيعي حصول تجاوزات . اذن اذا كنا نرفض خرق حقوق الانسان والمواطن في العالم الثالث، فان رفضنا لتلك الخروقات حينما تصدر من العالم الاول يجب ان تدان بشدة مضاعفة وبلا تردد . ان القوانين الجديدة في بريطانيا واميركا ودول اوربية اخرى هي ليست فقط تشجع على الاستبداد وتقيد المؤسسات الدستورية ، حتى وان تكون هذه المؤسسات هي التي صنعتها ، بل الاسوأ انه ردة الى الخلف ونكوصا الى مرحلة ما قبل 300 عاما في اوربا ، حيث كان الملك او الامير المستبد يفرض ما يريد من اجراءات وقوانين .
اما السؤال الثاني فهو : من اقدر على الردع وحماية الدولة والمجتمع : امريكا وبريطانيا ام دول العالم الثالث ؟ ان القدرة على حماية الوطن والمواطن لدى الغرب الاستعماري تكفي لضمان الامن الوطني، وبشكل اقل الامن الفردي ( بسبب ارتفاع نسبة الجريمة العادية والمنظمة ) ، فالغرب لا ينتج ويصدر الاسلحة الفتاكة فقط بل هو ينتج كل اشكال اسلحة الدمار الشامل، لذلك فان اللجوء الى الاجراءات الاستثنائية التي تقيد الحريات والحقوق الاساسية غير مسوغ ولا مقبول . اما العالم الثالث فهو يعتمد على الغرب في شراء الاسلحة ، لذلك فهو تحت رحمة من يبيعه السلاح ، والاهم انه لا يملك اسلحة دمار شامل تردع من يريد الاعتداء على دوله ، لذلك فدول العالم الثالث مكشوفة وضعيفة امنيا ، وهو عامل تشجيع للنزعات الاستبدادية وتبرير لها ، وقد يكون ذلك التبرير مقبولا في حالات وجود نظام وطني في دولة ما يدافع عن استقلاله الوطني ومصالحه الوطنية .

السؤال الثالث هو : من يملك ثقافة ومعلومات اكثر الغرب الاستعماري ام دول العالم الثالث ؟ ان الثقافة والمعلومات تمكن المواطن من معرفة حقوقه ومصالحه بشكل افضل من حالة الجهل، كما ان الحاكم يخشى المواطن المتعلم والعالم ويحد من نزوعه نحو التجاوز . واستنادا الى ذلك نشير الى ان الغرب يملك اعظم منظومات المعلومات والثقافة حاليا ، فكمية الكتب والصحف والمجلات والدوريات لاينافسه فيها احد ، ووسائل الحصول على المعلومات سهلة وميسرة او مجانية ، والجامعات متطورة ومتقدمة جدا ، واخيرا فان شبكة المعلومات ( الانترنيت ) توفر للمواطن الغربي فرصا اعظم لمعرفة حقوقه وواجباته ، وتلك هي من شروط استقرا ر المجتمع وسيادة القانون . مقابل ذلك يفتقر العالم الثالث لاغلب هذه الامتيازات ، فنسبة الكتب والصحف والمجلات والدوريات والفضائيات منخفضة جدا ، واجورها او تكاليفها باهضة مقارنة بدخل المواطن العالمثالثي ، وهذا ينطبق على خدمات الانترنيت . ويترتب على هذه الحقيقة ان المواطن الاخير اقل قدرة على معرفة حقوقه وطرق الدفاع عن نفسه .
اذن : وفي ضوء ما تقدم يبدو واضحا ان تبني قوانين طوارئ في الغرب تحرم المواطن من حق المواطنة او حق العيش او حقوق التعبير ، وتعرضه لمخاطر القتل او السجن او التشريد ما هي الا ردة مدنية ، وليس حضارية لان الغرب لديه مدنية وليس حضارة ، تجرده من كل ادعاء بالتفوق على العالم الثالث ، وتجعله في مرتبة ادنى واسوأ من اكثر دول العالم الثالث تخلفا وديكتاتورية . فالامي حينما يرتكب جريمته نتيجة الجهل تخفف عقوبته، اما المتعلم والعالم فهو يعرف جيدا حدود وطبيعة جريمته ونتائجها واثارها . ان الغرب العالم والمتعلم وهو يتبنى قوانين استثنائية تجرد المواطن من جنسيته ومن حقوقه الثابتة يصدر حكما واضحا على نفسه يقول ، ان الغرب ونتيجة لجشع حكوماته ورغبتها في نهب العالم الثالث عبر الغزو والحروب كما جرى للعراق ، يتخلى عن القوانين والقواعد التي التي وضعها هو، ويقتل ويهدد ليس مواطني العالم الثالث فحسب بل ومواطنيه ايضا
يبقى سؤال مهم وهو : الا تعني هذه التغييرات في بريطانيا وامريكا واروبا ان الامن وضروراته اهم واسبق من الديمقراطية وحقوق الانسان ؟ الجواب القطعي الذي قدمه بلير بعد بوش هو: نعم الامن اولا والامن ثانيا والامن ثالثا . ولكن لعنة هذه التغييرات لا يمكن اخفائها فهي تولد بقوة الواقع والمنطق السؤال التالي : اليس هذا منطق دول العالم الثالث التي تبنت او تتبنى سياسات غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الانسان ؟ بالتاكيد الجواب نعم ، فكل الديكتاتوريات كانت تتخفى بقناع الامن ، دون وجه حق ، لانها لم تكن تعبر مصالح الشعب . وهنا يجب ان نقول ونؤكد ان النظم الوطنية مثل نظام المرحوم جمال عبدالناصر ونظام الرئيس صدام حسين قد تعرضا لتحديات ومؤامرات حقيقية، اعاقت اقامة تجربة ديمقراطية كان كل من عبدالناصر وصدام حسين يريد اقامتها ، ولذلك فان المسؤول الاول عن غياب الديمقراطية هو الغرب الاستعماري والصهيونية وليس نوايا القادة الوطنيين .
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبــــد

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker