Friday, September 16, 2005

وضع العراق عشيّة الاستفتاء على الدستور

وضع العراق عشيّة الاستفتاء على الدستور
محمد عارف

يلخص وضع العراق عشيّة الاستفتاء على الدستور منتصف الشهر المقبل بيتان من الشعر العامي الساخر:"أقرع يقول لأقرعْ/ جيب البصل دنزرعْ/ وشْماطلع خَلْ يطلعْ/ كُلّه نصيب القرعين". ويعني بالفصحى "الأقرع يقول للأقرع، هات البصل لنزرعه، وليطلع ما يطلع، فكُلّه نصيب القرعين". وفيما يلي "باقة" من "بصل" تقرير"وضع العراق" الذي يصدر دورياً عن معهد "بروكينغز" Brookings في واشنطن:
ارتفع عدد قتلى الأميركيين من 36 في أغسطس عام 2003 إلى 90 قتيلاً في أغسطس عام 2005، وارتفع عدد جرحى الأميركيين للشهر نفسه من 181 إلى 608، وعدد قتلى قوات الأمن العراقي من 50 إلى 280، وقتلى المدنيين العراقيين من 225 إلى 600. وعاد إنتاج الطاقة الكهربائية إلى مستواه قبل الحرب، لكن فترات توقف التيار الكهربائي بقيت أكثر من تدفقه، بسبب الارتفاع الحاد في الطلب على الطاقة، وتدمير شبكات التوزيع. وحافظت معدلات البطالة بثبات على مستواها المرتفع، ولا تزال معدلات وفيات الأطفال الرُضع العراقيين من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط، وعدد ضحايا حوادث العنف في العراق أكبر من أي بلد آخر في المنطقة، ليس فقط ضحايا العمليات العسكرية، بل أيضاً قتلى الجرائم العادية.
لم يتطرق تقرير معهد "بروكينغز" إلى الأعراض الجانبية لهذه الأوضاع، التي جعلت العراق "أسوأ بلد في العالم إصابة بالأمراض النفسية". جاء ذلك في تصريح نقلته وكالة "رويترز" عن الطبيب الاستشاري الحارث حسن، رئيس مركز الصحة النفسية في بغداد سابقاً. لكن التقرير تحدث عن انخفاض نسبة العراقيين، الذين يعتقدون أن البلد يسير في الاتجاه الصحيح من 65 في المئة إلى 48 في المئة خلال الفترة ما بين أغسطس 2003 وأغسطس 2005. يعني هذا، حسب المثل العراقي "طوط براس عود"، و"الطوط" صوت البوق. فالعدد التقديري لقوات المقاومة العراقية قفز من 3 آلاف في أغسطس 2003 إلى 18 ألفاً في أغسطس 2005، فيما قفز للشهر نفسه عدد الهجمات على منشآت النفط والعاملين فيها من 4 إلى 9. ولم ينخفض، كما هو مقرر سابقاً عدد القوات الأميركية، بل بقي محافظاً على معدله البالغ نحو 140 ألفا، فيما ارتفع عدد قوات الأمن العراقية خلال الفترة نفسها من 37 ألفاً إلى 184 ألفاً.

والطريق إلى الدستور مفروش بوقائع جعلت العراق "أكبر فضيحة فساد في التاريخ"، حسب وصف "منظمة الشفافية الدولية"
Transparency International . "ففي العراق يمكن رؤية كل أنواع الفساد، بدءاً من الموظفين الصغار، الذين يستعطون الرشوة لتمشية معاملة جوازات، يليهم في سلّم المرتشين المقاولون، الذين ينجزون أعمالاً رديئة، وفي أعلى السلم الوزراء والموظفون الكبار، الذين يمررون العقود لأصدقائهم وعملائهم". وتنمّ الصفقات حسب تقدير المنظمة الدولية عن اتجاه سياسي نحو "تقاسم كعكة موارد الدولة". ولا يقتصر تقاسم الكعكة على السياسيين العراقيين، بل يشارك فيه الأميركيون. وأكبر الصفقات فضيحة مقاولة الحرب، التي جرى تمريرها "تحت الطاولة" إلى شركة النفط الاحتكارية "هاليبرتون". ولا يزال الغموض يحيط أوجه إنفاق مبلغ ثمانية مليارات و800 مليون دولار، التي كشفت عنها تحقيقات "المفتش المالي العام" في الولايات المتحدة. وهي ليست أموالاً أميركية، بل موارد مبيعات النفط العراقي. بين هذه الأموال 340 مليون دولار قيمة عقد وزارة الكهرباء العراقية، الذي أرسي في عهد حاكم الاحتلال بول بريمر دون مناقصة، و100 مليون دولار أوراق نقدية من فئة 100 دولار وزعها دون "وصولات" موظفو "سلطة الائتلاف المؤقتة" المنحلة.

وآخر فضيحة غلق مطار بغداد الدولي الأسبوع الماضي، بسبب عدم دفع أجور شركة "غلوبال استراتيجيز غروب" البريطانية، التي تتولى أمن المطار. في شهر يونيو الماضي لجأت الشركة إلى إجراء مماثل، ولولا تدخل قوات قاعدة المطار الأميركية هذه المرة لوقعت مواجهة بين 200 مسلح أرسلتهم سلطات بغداد وحرس الشركة البريطانية، الذين يبلغ عددهم 550. والمطار في الواقع قلعة أمنية مجهزة بمدرجات تحيطها كتل خرسانية وأسلاك شائكة، ونقاط تفتيش مسلحة. ولمواجهة خطر الإصابة بصواريخ أرض- جو تلجأ الطائرات إلى التحليق بحركات لولبية خلال الارتفاع والهبوط.

ولعل أوضح مؤشر لأوضاع العراق عقد جميع المؤتمرات الدولية والعربية حوله خارجه. والمفارقة في هذه المؤتمرات، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" أنها تهدف إلى طمأنة الدول والأعمال إلى وضع العراق الآمن. في آخر مؤتمر للدول المانحة عُقد قرب البحر الميت بالأردن أكدّ نائب رئيس الوزراء برهم صالح أن الظروف الحالية ملائمة لتوظيف مليارات الدولارات في مشاريع إعادة الإعمار. وفي هذا تصرف برهم صالح، كما في النكتة الكردية عن شخص صدم ماراً بسيارته، وسأله الضحية: شنو أنت ما شايفني؟ قال الكردي: والله شايفك، بس ما أتذكر وين؟ فبعد أسبوعين تقريباً من مؤتمر عمّان كشف "ديوان الرقابة المالية" النقاب عن أكبر فضيحة مالية في تاريخ العراق: اختفاء الجزء الأكبر من مبلغ مليار و270 مليون دولار كانت مخصصة لتسليح جيش العراق الجديد وتجهيزه بالمعدّات. جميع هذه الأموال عراقية المصدر، وليست أموال مساعدات، وقد اختفى نصفها على الأقل في جيوب الوسطاء، أو أنفق لشراء معدات فاسدة. وتضمن بعض عقود إنفاق الأموال فقرات تشترط الدفع مقدماً ونقداً، وجميع الصفقات عقدت عن طريق جهة ثالثة من شركات، أو وكالات يرأسها وسطاء عراقيون غادروا العراق.

وأكد نتائج التحقيق وزير الدفاع العراقي الحالي سعدون الدليمي، الذي ذكر أنه طرد 9 موظفين كبار في وزارته. وذكر الفريق المتقاعد عبد العزيز الياسري، الذي عمل خلال تلك الفترة في وزارة الدفاع: "لم تكن هناك عقود حقيقية، كل ما فعلوه التوقيع على الورق وتسلم النقود"، وأضاف "لم تحدث أي إعادة إعمار ولا أسلحة ولا شيء". وتناول تقرير "ديوان الرقابة المالية" تفاصيل عمليات الاختلاس، التي قام بها زياد قطّان، وهو عراقي يحمل الجنسية البولندية جاء إلى العراق قبل الحرب بيومين، وعيّنه بول بريمر بمنصب رئيس المشتريات العام في وزارة الدفاع. وذكر محمد الدايني، عضو "اللجنة الوطنية للحوار" المشاركة في الوزارة الحالية أن قطّان عرض على اللجنة مبلغ 10 ملايين دولار لقاء ترشيحه لمنصب وزير الدفاع في حكومة إبراهيم الجعفري، لكن اللجنة رفضت ذلك، وجرى تعيين الدليمي بدلاً منه.

وأنكر قطّان في حديث هاتفي مع الصحافة الأميركية من محل اختفائه خارج العراق جميع الاتهامات، وذكر أن الأميركيين يسيطرون بالكامل على الإنفاق العسكري في العراق. ومن جانبه نفى إياد علاوي، الذي حدثت فضيحة الأسلحة خلال توليه رئاسة الوزارة، الاتهامات الموجهة ضد حكومته، وقال إن "الفساد الإداري موجود منذ زمن صدام، وفي زمن بريمر معظم الوزراء كانوا متورطين في الفساد الإداري"، وذكر أنه أحال 3 من الوزراء للتحقيق، "لكننا لم نُطبل ونُزّمر إعلامياً لأن ذلك يتعلق بكرامة البلد والوزراء"!
المصدر: صحيفة الاتحاد الاماراتية

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker