Saturday, July 01, 2006

الجامعة العربية والدور المفترض في العراق-- للأستاذ أياد أحمــد ميشيل عفلق

الجامعة العربية والدور المفترض في العراق

اياد ميشيل عفلق

منذ بداية تأسيسها، نظر البعث الى جامعة الدول العربية على أنها أوجدت لغرض ترسيخ حالة التجزئة بين الأقطار العربية ولكي تكون البديل لتلك الوحدة المنشودة. وذهب البعث أبعد من ذلك بأن رأى حينذاك أن الجامعة، نظرا للخلفية التاريخية لتأسيسها ولماهية القوة الاستعمارية التي كانت وراء هذا المشروع من جهة، ونظرا للشوائب التي تضمنها ميثاقها من جهة اخرى، "خطوة منحرفة" يخشى ان يزيد المستقبل في خطرها ويوسع أضرارها.

منذ ذلك الوقت حقق الجزء الأكبر من الأقطار العربية استقلاله -الشكلي على الأقل-، وانضم الى هذه الجامعة وعمل عربيا في اطارها. وبدل ان تعاون هذه المؤسسة على تحقيق التقارب بين اقطار العروبة، وان تأخذ المواقف المبدئية المشرفة التي تعزز صمود الأمة واستقلالها ولحمتها في المنعطفات التاريخية الحاسمة من مسيرتها، كانت الجامعة، وفي أغلب الحالات وأخطرها، تلعب دورا مضعفا للأمة، مفرّطا بحقوقها، محققا لمزيد من التجزئة وليس مرسخا لها فحسب، ابتداء من الدور الذي لعبته في التستر على الخيانة -بل والمشاركة فيها- في نكبة فلسطين عام 1948، مرورا بدورها في العدوان على العراق عام 1991، وصولا الى مدها يد العون للاحتلال الاميركي في مأزقه في العراق اليوم.

لا شك ان مؤسسة الجامعة العربية محددة ومسيرة بسياسة الحكومات التي تؤلفها والتي تجتمع تحت سقفها وتسدد نفقاتها ورواتب موظفيها. فهي مؤسسة تجمع الحكام والحكومات وليس الشعب العربي. فسياستها وموقفها هما دوما الحد الأدني المجمع عليه في وضع عربي رسمي غارق في الضعف غالبا. وما لم يتوفر موقف عربي حر سليم يمتلك من العافية والقوة ما يمكنه من انتشال الموقف العربي الرسمي الجماعي مقابل الجر الذي تمارسه المواقف الانهزامية أو الخيانية الى الأسفل داخل هذه المؤسسة، فلا أمل يرتجى منها. فالجامعة العربية "تجمع العجز الى العجز، والاحقاد والاطماع والمصالح الخاصة بعضها الى بعض" كما وصفها البعث منذ اكثر من نصف قرن. وربما يصبح غير ذي جدوى في وضع كهذا، قد يقول قائل، توجيه النقد واللوم أو حتى العتاب للقائمين والامناء على هذه المؤسسة "العربية"، باعتبار أنهم مجرد موظفون ينفذون قرارات الحكومات العربية صاحبة القرار.

ان المنطق السليم وتجارب المراحل الماضية ينفيان ويعارضان هذا الموقف، فلا يمكن ان يكون القائمون على الجامعة الا مسؤولين قانونيا واخلاقيا عن سياسات الجامعة ومواقفها بنفس قدر مسؤولية الحكومات، وهم يمتلكون القدرة، اذا توفرت النوايا والشجاعة، على اتخاذ الموقف المطلوب عندما تشذ المؤسسة عن طريقها. فعندما اتخذ مؤتمر قمة القاهرة سيئ الصيت على سبيل المثال، في آب عام 1990، قرارا باعطاء "شرعية عربية" للعدوان على العراق، من خلال مشاركة قوات عربية في معسكر حفر الباطن الى جانب القوات الاميركية والحليفة لها، بادر أمين عام الجامعة آنذاك السيد الشاذلي القليبي، الى تقديم استقالته احتجاجا على هذا الموقف المشين، محافظا بذلك على سمعته الوطنية والقومية ومنسجما مع ما أملاه عليه ضميره.

ورغم ان مؤتمر القمة العربي الذي انعقد قبل الغزو الاميركي للعراق لم يؤيد العدوان ولم يعطه اي نوع من "الشرعية العربية"، الا ان المؤتمرات اللاحقة للجامعة العربية، سواء على مستوى القمة او على مستويات اخرى، أخذت تتعامل مع الأمر الواقع للاحتلال وافرازاته، والعملية السياسية التي فرضها، والعملاء الذين نصبهم. وتطور موقف الجامعة لاحقا الى حد التواطؤ مع المحتل وتنفيذ رغباته وتقديم المساعدة له على تمرير سياساته والترويج للعملية السياسية غير الشرعية التي يحاول فرضها على العراق. فأصبحت الجامعة شريكة للمحتل، شاءت أم أبت، في كل مخططاته الاستعمارية الخبيثة، سواء في تمرير ما سمي بالدستور، وهو وثيقة غير شرعية الهدف منها تهيئة الظروف لتجزئة العراق على اسس طائفية وعرقية وتجريده من هويته العربية، أو في التهيئة لما سمي بمؤتمر الوفاق الوطني والسعي لجر قلة من الذين اعتبروا في أجواء المقاومة الى مائدة الحوار مع عملاء المحتل بهدف ارباك المقاومة واطفاء جذوتها -وهو مشروع فاشل مقدما تماما كمشروع حكومة عملاء الاحتلال-، او في مخططات المحتل الاخرى.

ان الامانة العامة للجامعة العربية، ممثلة بامينها العام، تتحمل مسؤولية تاريخية خطيرة في جر الجامعة، او القبول بجرها، الى التواطؤ والتعامل مع الاحتلال ومخططاته وعملائه بدل ان تتخذ الموقف القومي والمبدئي والقانوني والاخلاقي السليم الذي يحافظ على وحدة العراق وعلى هويته العربية ويشكل دعما سياسيا ودبلوماسيا للمقاومة في تحريره. لقد قامت الولايات المتحدة بغزو العراق خارقة كل القوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة، ودمرته ونهبت ثرواته وارتكبت المجازر بحق اهله ومارست ضدهم ابشع انواع التعذيب، ونصبت عملاءها عليه واطلقت "عملية سياسية" تضمن تواجدها وسيطرتها لعشرات السنين وتؤدي الى تقسيم العراق ومسخ هويته وادخلت الايرانيين اليه... وكان العرب ينتظرون من الجامعة ان تتخذ الموقف الاخلاقي والقانوني الصحيح المنسجم مع معاهدة الدفاع العربي المشترك، ومع ميثاق التضامن العربي كما مع ميثاق الجامعة العربية نفسها، والذي يفترض ان يتضمن اول ما يتضمنه:
- رفض الاحتلال ورفض التعامل معه ومع كل افرازاته وعملائه، ومطالبته بالخروج فورا
ودون شروط من العراق،
- الاعتراف بالمقاومة الباسلة في العراق كممثل شرعي ووحيد للشعب العراقي،
- عدم الاعتراف بالحكومة العميلة المفروضة على العراق في ظل
الاحتلال والقوانين الباطلة وغير الشرعية التي فرضها، ورفض فتح مكتب للجامعة في
العراق المحتل او التعامل مع عملاء الاحتلال في الداخل والخارج على حد سواء،
-
عدم الاعتراف بغير الرئيس صدام حسين رئيسا شرعيا للعراق وبغير حكومته الوطنية،
-
المطالبة بالافراج عن القيادة الوطنية الشرعية للعراق المأسورة لدى قوات الاحتلال،
وادانة مسرحية المحاكمة،
- ادانة وفضح الدور الخبيث والخطيرللنظام الايراني الشعوبي، المتحالف الاول مع الاحتلال الاميركي، الذي انتهز هذه الفرصة ليغدر
بالعراق -كعادته- وليغزوه غزوا آخر تحت جناح الاحتلال الاميركي، حيث وطن وجنس مئات
الألوف، بل عدة ملايين من الايرانيين في انحاء مختلفة من العراق وبشكل خاص في
مناطقه الجنوبية، ضمن خطة معروفة تهدف الى تغيير التركيبة الديمغرافية السكانية
للعراق لغرض القضاء على هويته العربية لزمن طويل قادم وفرض الهيمنة الايرانية عليه.
كما نشر هذا النظام عناصر مخابراته واجهزته الامنية في غالبية انحاء العراق بضوء
اخضر من الاحتلال ايضا بهدف ارهاب الشعب العراقي وتنفيذ مخطط تفجير الفتنة الطائفية
ومخطط التجزئة والمخططات الاخرى.
- مطالبة الامم المتحدة بمحاكمة المسؤولين
الاميركيين والبريطانيين وشركاءهم وافراد قواتهم على جرائم الحرب المريعة التي
ارتكبوها في احتلالهم للعراق، ومطالبتهم بدفع تعويضات عن كل القتل والتعذيب والدمار
الذي لحق بالعراق والعراقيين والذي لا يقدر بثمن ولا يزيل اثره اي تعويض مهما
عظم،
- مطالبة الامم المتحدة بمحاكمة المسؤولين الاميركيين والبريطانيين
وشركاءهم ممن كان لهم دور في عملية الابادة الجماعية التي أودت بحياة اكثر من مليون
ونصف مليون انسان عراقي في زمن الحصار الهمجي الذي فرض على العراق طيلة ثلاث عشرة
سنة. خاصة وانه تبين للعالم اليوم وبعد احتلال العراق، كذب ادعاء وجود اسلحة دمار
شامل في العراق، وهو ما اتخذ ذريعة لادامة الحصار طيلة هذه المدة. فبالتالي كان
يتوجب على الجامعة العربية -وما زال- لو كانت فعلا كذلك ان تبادر الى المطالبة
بمحاكمة الحصار -والدول التي فرضته- الذي قتل مئات الألوف من ابناء الشعب العراقي
قتلا بطيئا لم يشهد له العالم مثيلا استنادا الى "اكذوبة".

هناك الكثير مما كان -وما زال- بامكان الجامعة العربية القيام به في ما يتعلق بالعراق لو أرادت فعلا الوقوف مع الحق العربي والوجود العربي والمستقبل والطموحات العربية في التحرر والوحدة، وهناك الكثير بامكانها القيام به لدعم نضال الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويصمد ويقاوم منذ اكثر من نصف قرن والذي يتعرض اليوم لعدوان صهيوني همجي صارخ والانظمة العربية تتفرج، وكذلك بالنسبة لكافة القضايا العربية، سواء في السودان او سوريا او لبنان او الصومال او الجزر العربية الاماراتية المحتلة او عربستان المحتلة اوغيرها. ولكن "الجامعة" اختارت لنفسها طريقا آخر.

اما اذا كانت قناعات ومواقف القائمين على الجامعة مخالفة لسياستها الرسمية، واذا كانت الحكومات العربية لا تسمح للجامعة القيام بالدور المتوقع منها -عربيا-، فمن الاجدر في هذه الحالة بأمينها العام ومعاونيه ان يحذوا حذو الشاذلي بالاقدام على الاستقالة الفردية او الجماعية لاستعادة السمعة -او شيء منها- في اقل تقدير، ولدق ناقوس الخطر ولو بعد خراب البصرة. أما الشعب العربي وطليعته المقاتلة باسمه فقد اختارا طريقهما وعقدا العزم على المضي به حتى النهاية، وهو طريق الثورة المسلحة حتى النصر والتحرير.

الجمعة 4 جماد الثاني 1427 / 30 حزيران 2006

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker