إلى من غرقوا في خزعبلة (هرمجدون)
د. قاسم سلام
عضو القيادة القومية لحزب البعث
بسم الله الرحمن الرحيم
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}
صدق الله العظيم
وما أصدقك أيها الرفيق القائد صدام حسين الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي رئيس جمهورية العراق حين قلت (ونحن نؤمن بأنه لا يمكن تحرير فلسطين بدون إستنهاض الأمة وبدون توفير قدرات تحرير الأمة في ذاتها، وإمتلاكها لثقتها بنفسها، وبدون توفير مستلزمات التحرر في الميادين الأخرى، هذه ساحة مشتركة وفهم مشترك، لكل المناضلين العرب والثوار مهما تكن المسافة التاريخية بين هذا أو ذاك ولكن نحن مطالبون بأن نجعل من عبقرية أي قائد تجسيد لعبقرية الأمة، اكثر مما تبدو وكأنها حالة متقدمة على عبقرية الأمة ومنفصلة عن مخزونها من العبقرية) ·
هنا تأتي التداخلات العملية في الميدان حول ما يدور في فلسطين ولبنان والعراق ·· انها سلسلة مترابطة متلازمة لا يمكن الفصل بين حلقاتها في ساحة الجروح او ساحة الإنتصارات ·· ساحة التمزق الجغرافي او التمزق الإنساني المرسومة في خارطة اعداء الأمة من صهاينة وامريكان ·
بالأمس القريب دمروا العراق وبنيته التحتية وحاولوا ويحاولون فرض لعبة التشرذم والتمزق الطائفي والعرقي والمناطقي على عراق كان مزدهراً موحداً تجاوز قاموس الامريكان والصهاينة ودعاة الطائفية الذي يتم الترويج له اليوم متحرراً من مسرحية الولاء للأجنبي او الاستقواء به او التمسح بالحذاء الامريكي الصهيوني ·· عراق كان يمثل النموذج في الوطن الكبير ودول العالم الثالث إنتصر بوحدته الوطنية حين ترفع عن التفاصيل التي أراد الامريكان والصهاينة جعلها قاعدة الحياة السياسية والاجتماعية، داخل العراق الكبير بتاريخه والمعروف بتسامحه وتعايشه الحضاري مع بعضه البعض عبر تاريخه الطويل · وقد ساهم معظم الحكام العرب في تنفيذ مخطط التآمر على العراق وتدمير بنيته التحتية وصدّق السذج والعملاء والأتباع والمغفلين أن البيت الأبيض المتصهين سيوجِد عراقاً أفضل من عراق صدام وسيحقق امناً واستقراراً في منطقة (الهلال الخصيب) والجزيرة والخليج أفضل مما كانت عليه الامور قبل إحتلال العراق!
·· لقد صدّقوا والبعض منهم كان ينطلق عن حقد في وقت يدرك فيه ان السياسة الامريكية هي رديف أساسي للسياسة الصهيونية التي ترى العرب أعداء كلهم دون استثناء الرجعي منهم والتقدمي، الجمهوري والملكي، المسلم والمسيحي فهم كلهم في الخانة الصهيوامريكية التي تعمل جادة في سياق استراتيجي لعودة (المسيح المخلص) · وهنا تظهر الامور واضحة دون لبس ··· احتلوا فلسطين وجعلوا من الاحتلال والاغتصاب حالة شرعية مستغلين (جهالة العرب وغفلتهم) موظفين في ذلك الإعلام الامريكي والغربي في إطار كذبة الإنجيليين الذين صنفوا البشرية الى صنفين :((اليهود والاغيار· فلهذا الرب خطة ارضية لليهود واخرى سماوية للمسيحيين المتجددين (المولودين من جديد) حسب المفاهيم التي تتبناها هذه الطائفة · ومن تبقى من أقوام العالم من مسلمين وبوذيين واتباع الديانات الاخرى، فضلاً عن المسيحيين الذين لم (يولدوا من جديد)، فلا تهمه في شيء · والأدهى انه حكم عليها بالكوارث والمحن والمصائب والحروب المدمرة والمجاعات · انك واجد محاكمة لمجتمعات عريضة ولنصوص مقدسة ولسلاطين دين ولخزعبيلة القديس يهومن الالهي (هرمجدون)، ولرب الاصولية المسيحية محاكمة منطقية تركع لها العقول كلها، حتى اكثرها شراسة وغروراً وعصياناً وعناداً)) ·
هكذا وفق هذا المنطلق ومن خلاله فرض الصهاينة احتلالهم الغاشم على شعبنا العربي في فلسطين ويحاولون اليوم مد إحتلالهم وفرض سيطرتهم على لبنان وسوريا والاردن وصولاً الى (بابل) عودة الى نكبتهم الاولى عام 722 ق·م، تلك السنة التي سحقت فيها الجيوش الاشورية مملكة الشمال المؤلفة من القبائل العشر، ووجد السكان المنفيون انفسهم مندمجين مع الغزاة ·
هكذا يدعون ووفق هذا الإدعاء يرسمون خططهم في التعامل معنا كعرب وخاصة بعد ان تأكد لهم وللامريكان وكل القوى العظمى تقاعسنا عن الدفاع عن حقنا واستهتارنا لمقدراتنا الحضارية وقيمنا الكبيرة التي بها كبرنا وفي تغافلنا عنها تهنا وأضعنا طريق الصواب ·
اليوم بعد ضرب العراق واحتلاله يضربون لبنان، واليوم نجد العالم، ايضاً، مشدوهاً امام الفيتو الامريكي، بعضه خائف متردد والبعض الآخر غارق في بحر الاعلام الصهيوني التوراتي الذي اصبح جزءاً اساسياً في صياغة الحضارة الغربية كلها ومرتكزاً اساسياً في بناء الفلسفة الانجيلية الامريكية والمدرسة التي تخرج منها معظم الرؤساء الامريكيين الذين لم يخفوا ارتباطهم بها كالرئيس (ريجان) من ترأس الولايات المتحدة الامريكية من عام 1981/1989 والذي كما تقول السيدة (غريس هالسل) : ((ان ريجان أعطى جانباً من وقته لمسألة النبوءة ونهاية الزمان وكان يتقبل المذهب القائل ان الله قضى مسبقاً على الملايين الذين يعيشون في هذا العصر بالهلاك في معركة نهائية تدعى هرمجدون)) · ولا نتحدث هنا عن الغالبية من الذين كتبوا بل غرقوا في خزعبلة هرمجدون كالكاتب (هال ليندس) القائل ان ((الرب قدر مسبقاً ان من الواجب ان نحارب في معركة هرمجدون النووية التي تضع حداً للتاريخ الإنساني · وأن نهاية العالم تقترب منا · واننا الان في سباق مع الكارثة)) اما الرئيس بوش الإبن الذي يُعتبر الأب الروحي للصهيونية العالمية وللكيان الصهيوني فهو يعتقد انه من المسيحيين (المولودين من جديد) من سكان الولايات المتحدة الامريكية المرحب بالكارثة لأن المسيح سوف يرفعه مع من حوله من المولودين الجدد الى السماء عندما تبدأ المعركة النهائية، (ولن يعانوا أي من الالام الارضية كما يعبر القس الامريكي كورش سكوفيلد) ·
ترى هل نحن اليوم على ابواب هرمجدون وهل الكيان الصهيوني بحربه السافرة على لبنان وتدميره لبنيته التحتية كما سبق ومادُمّر في العراق قد تلقى الامر الإلهي لبدء معركة النهاية من جانب واحد دون ان ينتظر موافقة الانظمة العربية الصامتة والتي كما يبدو انها هي الاخرى تمني نفسها بالجنة مرافقة لبوش حتى تتحرر من الالام وحساب القبر وعقابه وقبل هذا حساب الجماهير العربية وتاريخ الامة الذي يسجل دون رحمة ·
·· حقاً ··· ان الانظمة التي ركضت وراء سراب السلام والاستسلام والتي بدأت في اوسلو مروراً بمدريد وصولاً الى وادي عربة يبدو واضحاً انها استوعبت كلمة الصهيوني اسحق شامير يوم 30 تشرين الاول 1991 في مؤتمر مدريد حين أعلن بوضوح تصوره وكيانه لمفهوم السلام الصهيوني المطلوب مستنداً الى سفر (أشعيا) دون خجل من اصدقائه، على الأقل، من الحكام العرب المشاركين في ذلك المؤتمر المشؤوم في مدريد قائلاً : ((ان الاعداء سيضطرون في آخر الزمان الى كسر سيوفهم ويأتون اليكم صاغرين ···· ويأتي اعداؤكم مستسلمين فيطبعون سيوفهم سككاً، ويكسرون رماحهم مناجل)) ·
ولكن كيف يفهم الحكام العرب السلام مع الصهاينة؟ فهل يدرك هؤلاء الحكام انهم انما يريدوننا عبيداً للماكينة الامريكية الصهيونية وسوقاً لها ومنتوجاتها الى جانب السيطرة على مقدراتنا وثرواتنا الحيوية على هذه الارض الممتدة من المحيط الى الخليج وطمس هويتنا حتى نصبح عبيداً في مستعمراتهم الرومانية الجديدة ·
أمام هذا لا بد من طرح سؤالين، الأول وهو موجه للجماهير العربية والاحزاب والتنظيمات السياسية التي لا تخلو برامجها من التأكيد على الانتماء للامة العربية والاسلامية وعلى الاصرار على النضال من اجل التحرر والوحدة؟ وهو : أين الغضب العربي؟ وأين الملايين العربية؟ وأين الإصرار على الصمود والتحدي؟ فهل مات الضمير وقبلنا بالتخلي عن هويتنا وإيماننا بالأمة وإعتبارنا كلً متكاملاً في نسيج اجتماعي ثقافي سياسي حضاري في خندق التحدي المواجه للتحديات الصهيوامريكية وغيرها من التحديات التي تستهدف وجودنا وهويتنا وحضارتنا وتاريخنا كله في حاضرنا ومستقبلنا ·
أما سؤالنا الثاني فهو موجه للحكام العرب، هل قرأ الحكام العرب ما كتبته الصحف على لسان اسحق رابين وهو : ((إن (اسرائيل) ماضية في عملية تصفية الحسابات مع اعمال المقاومة اللبنانية في الجنوب، وانها عازمة على تسوية ستين قرية من الجنوب بالارض ··· وانها ستستمر في ذلك حتى تتوقف انفاس الجنوب ويتمكن الاسرائيليون من العيش بهدوء في مستوطناتهم)) ···
اسحق رابين ليس شخصاً عادياً بل لم يكن مجنوناً يهذي ولا سلطاناً من سلاطين الهرطقة بل كان رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وكلامه هذا لم يقله داخل (برميل) أجوف وانما عبر إذاعة مورنت كارلو في 28/7/1993 في وقت كان يمطر فيه جنوب لبنان بأطنان القنابل وبمختلف انواع الأسلحة الفتاكة · يقتل ويدمر ويهدد ويتوعد · واليوم نسمع الكيان الصهيوني يهدد ويتوعد ويواصل ما صرح به اسحق رابين وبقية اركانه ·
في وقت نجد بعض الانظمة العربية دون خجل وبكل صفاقة تطالب المجتمع الدولي ومجلس الامن بشكل خاص (ان يُلزم طرفي الصراع بضرورة التحلي بالحكمة وضبط النفس) مساوياً بين الجلاد والضحية، بين المعتدي والمعتدى عليه ··· والبعض الاخر يهاجم بوقاحة وغباء حزب الله - المقاومة الباسلة في جنوب لبنان ويتآمر على المقاومة العراقية ويصرف مئات الملايين لدعم عملاء امريكا في العراق حتى تتحقق للصهاينة والمسيحيين (المولودين الجدد) نبوءتهم بهرمجدون التي تعتبر معركة النهاية، في منظورهم، ليس كما يقولون للوصول الى السماء ولكنها معركة النهاية للسيطرة على الوطن العربي كله وانهاء كل صوت مقاوم والتخلص من كل عربي شريف حتى يتحقق للكيان الصهيوني ليس الوصول الى السماء وانما إعلان مملكة داوود على الارض الفلسطينية واقامة الهيكل الثالث على انقاض القدس الشريف كي يتحقق ما روّج له اكثر من ثمانمائة الف قسيس إنجيلي في الولايات المتحدة الامريكية من ان (اليهود شعب الله المختار وان ارض فلسطين هي وطن اليهود القديم) وعلى هذا النسق تعمقت في الذهنية الغربية وتعمق فكرة الاعتقاد بمجيء المسيح للمرة الثانية غير انه لن يعود إلا بعودة اليهود الى ارض فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية التي تجمع شمل اليهود وبعد بناء الهيكل على انقاض المسجد الاقصى كما يروجون ·
انها مسرحية وأيما مسرحية ·· مسرحية ((مسيح يهودي سفاح)) كما يقول جورجي كنعان مستنداً في ذلك الى العهد الجديد - رؤيا يوحن الالهي 1:14 و 19:12 · الذي جاء فيه (عيناه كلهيب نار · ورجلاه شبه النحاس النقي، كانهما محميتان في أتون · وهو متسربل بثوب مغموس بدم · ويُدعى اسمه كلمة الله، من فمه يخرج سيف ماضٍ لكي يضرب به الأمم، وهو سيرعاهم بعصا من حديد · ويدوس معصرة خمر سخط وغضب الله · وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب : ملك الملوك ورب الأرباب))·
إنها مهزلة أيما مهزلة ان يتحول التاريخ والعقائد ومصائر وحياة الشعوب الى رهينة مثل هذه النظرة المغلقة والمتطرفة ··· فمعركة اليوم هي معركة مصيرية دموية تستهدف الامة العربية كلها كما أُستهدفت أمس بالعراق · معركة توسعية، صهيونية امريكية غارقة بالدم بينما الانظمة العربية غارقة في الاحلام الامريكية الصهيونية الواعدة بحماية عروشها وكراسيها شريطة الصمت والانتظار حتى يتم ضرب سوريا ايضاً لتتسع الساحة وتتحقق فلسفة الصهاينة القائلة (ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل) وبعدك الاستراتيجي يا امريكا من المتوسط حتى الخليج العربي دون منافس او معارض هكذا معتمدين على ديمقراطية التبعية وهرطقة الشراكة والاصلاحات السياسية الشرق اوسطية ·
إنهم فعلاً يرسخون قاعدة الاتباع والعبيد ولا يستطيعون تحمل الاحرار والمؤمنين بوطنهم وامتهم وسيادتهم واستقلالهم ·
ومالم فإن خير ما يمضون به نحو تحقيق اهدافهم والتخلص من كل صوت او إرادة مقاومة ··· خير ما يمضون به هو تجسيد مقولة بن جوريون : ((نحن هنا مثل فصائل الاسبان الذين قضوا بالحديد والنار على الهنود الحمر في امريكا))!!
وكذا تجسيد نظرية هرتزل موسس الحركة الصهيونية القائل عام 1902 ان تصوره لدولتهم المرتقبة ((سنكون جزءاً من السور الأوروبي المرفوع في وجه آسيا، سنكون دعاة المدنية في وجه الهمجية الاسلامية))!!
وهاهم يترجمون هذه المقولات اليوم في لبنان الصمود والحرية وفلسطين الشهادة وعراق العروبة والشهادة والفداء ··· عراق المقاومة الباسلة التي تحتفل هذه الايام بذكرى قيام ثورة 17-30 تموز الخالدة بفخر واعتزاز بالرغم من كل التحديات ·
وامام هذا كله فإن على جماهير الامة اليوم تقع مسؤولية الانتصار للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وعلى جميع القوى الحية ان توحد مسارها ونضالها لمواجهة الطوفان القادم والدفاع عن ذاتها في اقطارها من خلال وقوفها الى جانب اشقائها المقاومين الذين هم مشروع شهادة للامة كلها ·
ومن الله نسأل التوفيق ·
وإن غداً لناظره قريب ···
المصدر: شبكة البصرة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home