المحامي صباح المختار :
نظام صدّام متقدم على النظام الحالي بمائة سنة قانونا وأخلاقا وسلوك
حوار : عبد الحميد الرياحي وراضية الزيادي
في لقاء مع الشروق على هامش زيارته لبلادنا والقائه محاضرات صحبة النائب البريطاني جورج غالاوي والمناضلة الفلسطينية ليلى خالد تحدث الاستاذ صباح المختار رئيس اتحاد المحامين العرب في بريطانيا عن محاكمة الرئيس صدّام حسين خلال هذه المرحلة الدقيقة من تطوراتها كما تحدّث عن اغتيال المحامين على ضوء اغتيال المحامي خميس العبيدي ومغزىذلك في هذه المرحلة.
* كيف ترون تطورات المحاكمة الخاصة بالرئيس صدّم حسين حاليا؟
ـ المحكمة وما يتبعها من عدم مشروعية ما تم من اجراءات بما في ذلك التعيين غير المشروع للقضاة التأسيس غير المشروع للمحكمة لأن ذلك يتعارض مع اتفاقيات فيينا وجينيف التي تمنع سلطات الاحتلال من تغيير البيئة القانونية للأراضي المحتلة. أقول انه بالرغم من كل ذلك بدأت محاكمات تسير بطريقة لا يتوفر فيها الحد الأدنى المطلوب لأي نوع من المحاكمات. في هذه المحاكمات توجه للشخص تهمة قبل ان يدخل الى قفص الاتهام الا في هذه الحالة فالمتهمين السبعة لم يعلموا بالتهمة الموجهة لهم حتى وصولهم الى المحكمة. في الاحوال العادية يسلّم الشخص لائحة اتهام... هذه اللائحة لم يتم تقديمها للمتهمين، دخلوا المحكمة وهم ومحاموهم لا يعلمون ما هي التهمة باستثناء بعض الحديث العام عن قضية الدجيل ولكنهم لم يكونوا يعلموا ما هي التهمة؟ ماذا تقول الدعوة؟ والحكمة من لائحة الاتهام ان يُعطى المتهم فرصة الاستعداد للدفاع عن نفسه ودحض تلك التهمة.. في قضية الدجيل لم يعرف المتهمون الى آخر لحظة من هم الشهود ضدهم حتى يتمكن المحامي من البحث في هوية الشاهد وفي مدى صدقه... وفي كل الظروف المحيطة بتلك الشهادة... المتهمون لم يعلموا شيئا من كل ذلك بل اكثر من ذلك العديد من هؤلاء الشهود لم تعلن هوياتهم فكيف يمكن البحث في مدى صحة أقوالهم ومصداقيتهم وأغلب الشهود كانت أعمارهم عند وقوع الحادثة لا تتجاوز 8 سنوات وبالتالي لا يستطيع ان يكون شاهدا مقبول الشهادة وحتى هؤلاء كانت شهادتهم مجروحة (وهو اصطلاح قانوني) لأنها كانت سماعية اي أنهم لم يشاهدوا الاحداث بل ينقلوها عن أشخاص آخرين.
في الدفوع القانونية المعروفة في كل أنحاء العالم هناك الطعن في القضاء وهو طعن ليس عملية شخصية وانما هو جهد لتحقيق العدالة لأن من متطلبات العدالة ان يكون القاضي مستقلا ومحايدا وعادلا الحياد يتوفر حينما لا تكون للقاضي مصلحة مع أو ضد المتهم. القاضي الحالي انتهك هذه الشروط. القاضي الاول أبعد عن المحاكمة حينما حاول ان يمارس دورا كما لو كان قاضيا معتادا في محكمة غير شرعية وبتعيين غير شرعي ولكنه أراد ان يمارس نوعا من العدالة فأبعدوه عن القضية ثم جاؤوا بالقاضي الحالي الذي طُعن به شخصيا لأنه كان متهما وكان مسجونا لأنه كان من المعادين للنظام السابق وكان رئيسا للجنة ضحايا حلبجة فلديه اذن مصلحة شخصية في محاكمة صدّام على هذه الأسس لأنه يقول انه فقد أقاربا له في حلبجة. هذا الحاكم حينما بدأ يمارس رأينا ماذا حصل معه فلأول مرة يتم طرد محامين من قاعة المحكمة لأنهم أبدوا اعتراضا... لم يبت هذا القاضي في اي طلب من طلبات المحامين حينما طُعن في شرعية المحكمة لم يبت فيها. وهذا الامر وفق التراتيب القانونية في كل البلدان يسمى طعنا شكليا. والطعون الشكلية ينبغي التعامل معها قبل البدء بالطعون الموضوعية لأن الطعن الشكلي يؤدي الى ان ما يجري هو غير مشروع وما يبنى على باطل فهو باطل. اذن على المحكمة ان تأخذ قرارا أولا حول عدالة المحكمة ومشروعيتها واستقلاليتها ولكن ذلك لم يجر اطلاقا بل قام القاضي بالاعتداء على المحامين اثناء ممارسة عملهم ومنعهم من التحدث في هذه المسألة وحينما تحدث منهم من تحدث طردوا من المحكمة وتم الاعتداء عليهم خارج المحكمة بمن فيهم رئيس هيئة الدفاع نفسه أ. خليل الدليمي. الاعتداء تم بدرجات متفاوتة فمثلا المحامي صلاح العرموطي تم الاعتداء عليه خارج المحكمة من قبل الحرس بالنسبة الى نجيب النعيمي وهو وزير قطري سابق فقد تم الاعتداء عليه خارج المحكمة. بالنسبة الى بشرى الخليل تم الاعتداء عليها خارج المحكمة ثم ان الحاكم يضع نفسه خصما للمحامين في حين انه ينبغي عليه ان يترفّّع عن ذلك حتى وان سُمح للادعاء العام بالقيام بهذا الامر. ثم بعد ذلك نجد ان المحكمة في ما يتعلق بالممارسات التي جرت مع الشهود. حينما جيئ بشهود الدفاع اتهم هؤلاء بالكذب وأوقفوا واعتقلوا ولدينا الآن شاهدين على الاقل قد اختفيا اي انه القي القبض عليهما ونجهل حتى الآن مصيرهما. كما تم اعتقال ثلاثة من الشهود بـ «الدعوى الكاذبة»... ووفق القوانين الاجرائية فإن المحامي اذا تصرّف بشكل لا ترضى عنه المحكمة فإنها لا تستطيع طرده وانما للمحكمة الحق ان تشكوه الى نقابة المحامين وعلى نقابة المحامين ان تتخذ الاجراء ولو فرضنا ان المحامي قد تصرّف في المحكمة بطريقة غير مقبولة فيجري اعتقاله وتوجيه تهمة له يحال بمقتضاها الى القاضي إما ان يطرد فإن ذلك غير منصوص عليه في القانون لأن العملية ليست موجهة ضد المحامي وانما تنتقص من حق المتهم في الدفاع عن نفسه.
وحول كيفية التعامل مع المتهمين فالمحكمة قامت بتحقير المتهمين والاعتداء عليهم واسكاتهم في اكثر من مرة بل لقد وصل الامر ان المتهمين يجري الاعتداء عليهم حين يخرجون من قاعة المحكمة. وخلال الجلسة التي تم فيها طرد برزان التكريتي تعرض برزان الى الاعتداء في قاعة المحكمة بين قفص الاتهام وباب القاعة وهي مسافة تأخذ بعض الخطوات وبعض الثواني فقط... الحرس بدأ بلكم برزان داخل قاعة المحكمة امام القضاة وامام المحامين وامام كل من كان هناك.
* من قام بالاعتداء، هل هو الحرس العراقي أم الحرس الامريكي؟ وكيف تفسرون ذلك؟
ـ الحرس العراقي هو الذي قام بالضرب الامريكيون لديهم في هذا المجال تجارب فهم يعطون العمل القذر لأبناء البلد طبقا لنظرية «السلفادو». ففي السلفادور عندما مارست امريكا دورا هناك فإنها تقوم بتجنيد عناصر من ذلك البلد وتدريبهم وتحويلهم من بشر الى آلات لا مشاعر ولا التزام لها وهذا ما نشاهده حاليا في العراق. فالاعمال الارهابية التي نراها الآن في العراق تتجاوز ان يكون من قام بها هو شخص سيء حينما يأخذ انسان شخصا اخر ويذبحه من الوريد الى الوريد فإن ذلك ليس عمل مقاومة وفق اي معيار وحتى حين اتهم الزرقاوي والحركات الاسلامية واستدل البعض على ذلك بقطع الرأس وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية فما هكذا تجري الامور فقطع الرقبة يجري وفق شروط شرعية معينة...
لقد حصلت في العراق حالات يُذبح فيها الانسان كما لو كان خروفا! يجري جزّ الرقبة ثم التمثيل بالجثث... هذه الاعمال حدث شبيه لها في كل المناطق التي تدخلت فيها أمريكا. تلك هي ممارسات أمريكا التي بدأت بها في السلفادور وقد وضع كتاب رصد هذه الممارسات التي تقوم على تدريب ابناء البلد على مثل تلك الممارسات. بطبيعة الحال العراقيون معروفون بالعنف غير المحدود لنأخذ مثلا مأساة الحسين حفيد الرسول، فقد قاموا بقتله ثم بقطع اوصاله. العراقيون اذن لديهم استعداد للعنف وحينما تأتي قوة تشجعهم وتدربهم وتعطيهم القوة والاموال والمراكز فسيسقط في هذا الفخ الكثير من الاشخاص، ففي هذه المحاكمة اذن تم الاخلال بكافة القواعد منذ التأسيس وحتى الممارسة الحالية. القضاء مُنع من اداء دوه حتى الشكلي. المحكمة التي أجراها صدّام حسين لمن حاول اغتياله هي متقدمة على المستوى الفني والقانوني والفكري والممارسة بسنوات عما حصل عليه من محاكمة نتيجة لتلك المحاكمة، هو يحاكم اذن بسبب تلك المحكمة في حين ان تلك المحكمة تتجاوز في تقدمها بمراحل ما حصل عليه من تعامل. عندما وقعت محاولة اغتيال صدام لم يقم بالقصاص مباشرة لم يقم برش الناس بالرصاص وقتلهم كما فعل الامريكيون في حديثه، عندما قتل جندي أمريكي فقاموا خلال ثماني دقائق بقتل 28 مدنيا عراقي، ذلك هو القصاص السريع المباشر صدّام حسين عندما جرت محاولة اغتياله عاد الى المدينة والتقى أهلها وخطب فيهم ثم عاد الى بغداد وأرسل الاجهزة الامنية لمعالجة الحادثة والامر لا يختلف عن التعامل مع محاولة اغتيال شخص وليس رئيس دولة... الكل يعلم ما حصل حينما قيل ان بوش تعرض الى محاولة اغتيال في الكويت وكذلك حين تعرض العديد من القيادات العربية او غيرها الى مثل تلك المحاولات... وحتى الآن في العراق قتل جندي أمريكي فقتل جيش الاحتلال 28... في فلسطين المحتلة ايضا بعد أسر الجندي الاسرائيلي كيف كان رد الفعل... في حين لا يتحدث أحد عن اختطاف البرغوثي أو سعدات المختطفين... لا أدافع عن صدّام ولكني أقول ان التحقيق والمحاكمة في محاولة الاغتيال أخذ 24 شهرا وفقا للقوانين العراقية من قبل محاكم شرعية وبحضور محامي المتهمين والشهود وأصدرت هذه المحاكم احكاما بالبراءة كما أصدرت أحكاما بالادانة. ومن صدر بحقهم حكما بالادانة تم تنفيذ الحكم بعد تصديق رئيس الدولة عليه وفقا للقانون العراقي كما تقتضي كل القوانين في العالم.
«جريمة» صدّام حسين اذن انه مارس واجبه بالقانون، أنا لا شك لدي بأن نظام الحكم العراقي السابق وهو متقدم بمائة عام اخلاقيا وقانونا وسلوكا عن الحكم الحالي انه أساء للناس في بعض الحالات... ولكن بصفتي كمحام ممارس وقد عملت في بغداد قبل صدّام وقبل ما يحدث الآن، فحين تذهب الى مركز الشرطة للشكوى في اعتداء ما واذا كانت لك اتصالات او مركز ما، تقوم الشرطة خلال ساعات بجلب المظنون فيهم وتبدأ حفلات الضرب ليعترف أحدهم بالسرقة مثلا وفي نهاية الامر إما ان يعترف احدهم وتنتهي القضية او ان يطلق سراح كل هؤلاء بعد يومين دون ان يُعتذر لهم كأن لم يحصل شيء فإذا كان الامر كذلك عندما يتعلق الامر بجريمة نشل او سرقة فكيف يمكن ان نتصور الوضع اذا كانت الجريمة تتعلق بقائد البلاد... وان حياته معرّضة للخطر من أعداء الدولة وهي في حالة حرب. ايران أعلنت عن محاولة اغتيال صدّام نصف ساعة بعد وقوعها قبل ان تعلن الاجهزة الامنية اي شيء عنها، تم عرض أشرطة CD امام المحكمة تظهر احتفالات اشخاص يعلنون فيها مشاركتهم في محاولة الاغتيال بصفتهم من فيلق بدر التابع لحزب الدعوة الذي يؤلمني كمحامي بالاضافة الى شعوري كعراقي وكذلك شعوري بانعدام العدالة انه تم تلطيخ سمعة القضاء العراقي والاساءة اليه للمرة الثانية في تاريخه. المرة الاولى كانت بعد الثورة عام 1959 عندما أنشئت ما كانت تُعرف بـ»محاكم الشعب» وقامت بمحاكمة رجال العهد الملكي السابق وتمت الاساءة اليهم وقد لطّّخ ذلك تاريخ القضاء العراقي. ثم جاءت هذه المسرحية التي لا تتجاوز حفلة رعب من قبل المشاركين فيها وهو أمر يجري على مرأى ومسمع من كل العالم، الامم المتحدة تعلم! منظمات حقوق الانسان تعلم! منظمات الهلال الاحمر والصليب الاحمر تعلم! النقابات المهنية العربية والغربية تعلم! حتى لو نظرنا الى ما يجري من المحاكمة التي تنقل عبر التلفزيونات وهي صورة «منظّفة» تعطي الجانب «الايجابي» فقط فوفق المعايير المعتادة في العالم فإن فيها اساءة الى المهنة في حد ذاتها على المستوى العالمي. والسكوت على الجريمة هو جريمة وحينما تسكت النقابات عما يحدث فإن ذلك يصبح مثيرا للتساؤل.
* بصفتكم محاميا هل تتصلون بهذه النقابات او الجهات المهنية وكيف تفسّر مواقفها؟
ـ نعم نحن نتصل بهم، قد يبدون بعض التفهم لموقفك عندما يكون الحديث غير رسمي ولكن حينما نصل الى الموقف الرسمي فإن الوضع يصبح مختلفا، وقد كانت لنا تجارب حيث يبدؤون بإيجاد التبريرات لتلك الاخطاء. ذهبت مع أحد المحامين وهو مساعد لرامسي كلارك الى اجتماع مع المدير العام لاتحاد المحامين الدوليين وذكرنا له بعض تلك النقاط. المدير العام يظهر في التلفزيونات الأمريكية خلال المحاكمة ويعلّق على تلك المحاكمة وغالبا ما يظهر الجانب الايجابي لتلك المحاكمة وهم يدعون انهم هم الذين قاموا بتدريب القضاة حينما سألناهم اذا كان تدريبهم هو الا يرى المحامي المتهمين؟! قالوا، لا بطبيعة الحال ولكن هذا القضاء جديد وبالتالي حتما سيرتكب الاخطاء ولكنه يتعلم من أخطائه، والجانب الايجابي حسب قولهم ان لهذا القضاء جوانب ايجابية جدا ففي عهد صدّام حسب ادعائهم لم تكن هناك محاكم علنية او قضاء مستقل... وحين تسأله ألا تستطيع ان تقول بصفتك مدرب لهؤلاء وبصفتك اتحاد المحامين الدوليين كلمة نقد واحدة للمحاكمة؟ يقول لك ان هذا ليس دوري! سألته، هذا القضاء العراقي تقول انه مازال يتعلم وانه بدائي وانه لم يتعلم شيئا قبل وهو الذي بدأ منذ فما كان يفعله طيلة السبعين سنة الماضية؟ قلت له أني لا أدفاع عن القضاء العراقي ولكني أقول لك انه قضاء مثل اي قضاء في العالم فيه الجيد وفيه السيء ولكنه كان قضاء فيه تراكم وخبرات، فيه قرارات اتخذت من محاكم التمييز والاستئناف العراقية من أربعين سنة...
* ولكن هذه الجهة هي من المنطلق، جهة مساندة لموقف الاحتلال فكيف تريدون اقناعه بالعكس؟
ـ هل نتحدث مع الآخر؟ موقفي هو نعم ينبغي ان نتحاور مع الآخر حتى وإن كان معاديا، وأنا على ثقة من ان كثيرين ممن أتحدث معهم يعتبرونني من «الجهة المقابلة» اي «عدو»... قبل فترة قصيرة حضرت لقاء مع استاذ جامعة أمريكية لها علاقات بوزارة الخارجية الامريكية وبالمستشارين في الوزارة كانت في زيارة للعراق وعادت مؤخرا منه تحدثت في ذلك اللقاء المغلق عن العراق وانتقدت الادارة الامريكية منذ بدء الحرب الى نهايتها ولكن انتقادها كان يقتصر على الامور الثانوية الشكلية وطُلب مني ان أبدي رأيي بما أني العراقي الوحيد في تلك الجلسة فقلت له أني لن أحكم عن النوايا ولكن الطريقة التي تم بها عرض مشاكل العراق كانت فقط لذرّ الرماد في العيون سألتها فقط هل انها تعتقد ان ما جرى في العراق هو احتلال؟ وهل ان من يقاوم الاحتلال في العراق مقاوم ام ارهابي؟ هذه اذن القضايا المبدئية في حين ان السيدة تتحدث عن المدارس والتعليم والاحزاب السياسية والاكراد والسنّة والشيعة... القضية المبدئية اذن هي مفهوم التحرير. ووفق القوانين والكتب هي ان يقوم ابناء البلد بتحرير وطنهم من الاحتلال الاجنبي، الامريكيون يعلنون انهم يحررون العراق من العراقيين، وثانيا حق المقاومة هو واجب وحق مشروع... جواب السيدة كان : «من الواضح انك تتحدث كسنّي عربي!».
* اي انك عدو!
ـ نعم، «عدو» وقد قلت لها انت الآن أثبت للحضور طريقة التفكير الامريكية الخاطئة التي تقسم العراقيين الى شيعي وسنّي وكردي ولا تنظر للعراق كقضية... هؤلاء اذن رجال القانون.
* في هذه المرحلة من المحاكمة كيف تقرؤون اغتيال المحامي خميس العبيدي؟
ـ هذه المحكمة منذ تأسيسها كان القصد منها هو ارعاب المتهمين وهيئة الدفاع والشهود، كيف يمكن اجراء محاكمة في حظيرة الذئاب وشهودك هم الدجاج والخرفان؟ كيف تستطيع ان تأتي بشهود ومحامين الى مركز الارهاب. كان يفترض ان تجري المحكمة في مكان محايد وعادل وليس في ادارة التعذيب وتحت القصف... اذن محاولة الارعاب منذ البداية. المحامون طلبوا منذ البداية ان تقدم لهم المحكمة نفس الحماية التي تقدم للقاضي وللادعاء العام وللأجهزة القضائية الامريكية لكن رفضت مطالبهم. في بداية الامر كانوا ينقلون المحامين بالمروحية من المطار الى المنطقة الخضراء وكلّّفوهم أجرة النقل تلك وكذلك الحماية بعد ذلك رفضوا ان ينقلوهم وقالوا لهم ان يتدبّروا أمرهم، الحماية الوحيدة الآن هي ايصالهم من المطار الى المنطقة الخضراء والعكس في المطار يجري الاعتداء عليهم «شفاهيا»...
الشهيد العبيدي هو رابع محامي يستشهد بهذه الطريقة ولم تقم المحكمة وعليها واجب قانوني ان تحقق العدالة عبر اعطاء الحماية للمحامين لأن ذلك من مستلزمات تحقيق العدالة. اذن توفير الحماية للمحامين هو واجب المحكمة حسب كل القوانين بما في ذلك القوانين التي وضعت تلك المحكمة. حماية المحامين هو مسؤولية الدولة العراقية وواجب على الامريكيين وفق اتفاقيات جنيف وفيينا. الاغتيال او الاعتداء على اي محامي يجعل كل هؤلاء الاشخاص والجهات مسؤولين مسؤولية مباشرة مما حصل. لو جرى ما جرى في وضع معقول لأقيمت الدعاوى على الرئيس الامريكي باعتباره مسؤولا عن اغتيال العبيدي لأنه مسؤول عن قواته وهي مسؤولة عن حماية المدنيين في العراق وفق اتفاقية جنييف وقواته مسؤولة مسؤولية مباشرة عن اغتيال المحامي العبيدي وفق قانون المحكمة الذي وصفوه. العبيدي اعتقل وتعرّض للتعذيب والتمثيل بجثته وتم تعليقه على أعمدة النور في مدينة الصدر امام جدارية للإمام السيستاني. هذا الاستهتار تقع مسؤوليته المباشرة على كافة تلك الجهات. قبل أسبوعين التقيت هيئة الدفاع في عمان ثم ودّعتهم وكلنا يشعر بمدى الخطر المحدق بحياتهم. في تاريخ العراق حتى في عصر هؤلاكو لم يمر العراقيون بهذا الوضع...
اذن الهدف من كل تلك الممارسات هو التأثير على معنويات هيئة الدفاع ولكن اعتقد ان ذلك لن يؤثر اطلاقا، بل سيزيد من عزيمة واصرار هؤلاء الذين وضعوا حياتهم وحياة عائلاتهم في الميزان دفاعا عن الحق والمبدأ وهم يدفعون من جيوبهم دفاعا عن الحق ولا يتلقون مقابل لأتعابهم ثبت بالدليل القاطع ان صدّام حسين لم يسرق البلد وثبوت ذلك هو الحالة المزرية التي وصل اليها أتباعه وعائلته ومحامييه المتطوعين واذا لم تصرف الاموال في مثل هذه الظروف فمتى تصرف اذن؟
هؤلاء المحامين هم من أنبل المحامين في العالم لأنهم يقومون بعملهم وهم يدركون ان حياتهم في خطر.
تونس - الشروق
المصدر: شبكة البصرة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home