Friday, December 08, 2006

درس فيتنامي للعراق:عبد الباري عطوان

درس فيتنامي للعراق

عبد الباري عطوان

حطت طائرة الرئيس الامريكي جورج بوش امس في مطار هوشي منه الفيتنامي في زيارة رسمية هي الاولي من نوعها تزامنت مع مرور 31 عاما علي انسحاب القوات الامريكية مهزومة من فيتنام.

الفيتناميون والعالم بأسره، ما زالوا يتذكرون ثلاثة مشاهد رئيسية من هذه الحرب التي استمرت ما يقارب العشر سنوات:

· الاول: منظر الفتاة الصغيرة العارية الهاربة، والذعر مرتسم علي وجهها، هربا من قنابل النابالم التي احرقت قريتها الصغيرة الآمنة.

· الثاني: طائرة الهليكوبتر الامريكية التي طارت علي عجل من مربضها فوق السفارة الامريكية حاملة السفير وبعض القادة والجنرالات الفيتناميين المهزومين، تاركة خلفها بعض الذين حاولوا التشبث بعجلاتها طلبا للسلامة.

· الثالث: الدبابة الفيتنامية التي اقتحمت القصر الجمهوري في سايغون، وكان يقودها جندي فيتنامي نحيل الجسم مع زميل له، معلنا سقوط نظام فيتنام العميل المتواطئ مع الاحتلال.

الجندي الفيتنامي واسمه نيغاوان فان تاب، وزميله فان دانغ توان، يعملان حاليا في مصنع للطلاء خارج العاصمة هانوي، وقالا لمندوبة صحيفة الغارديان البريطانية اهمية الانتصار في فيتنام تكمن في انه عندما تهزم دولة صغيرة مثل فيتنام قوة عظمي غازية مثل الولايات المتحدة، فانها تقدم قدوة ومثلا لكل الشعوب الاخري، مفاده ان هذه الشعوب الصغيرة يمكن ان تهزم امريكا . واضاف نيغاوان والبهجة علي وجهه لقد هربوا مثل الجبناء.

الامر المؤكد ان رئيسا امريكيا سيزور العراق بعد عشرة او عشرين او ثلاثين عاما، وسيهبط في مطار بغداد الدولي معترفا بالهزيمة، وطالبا بدء صفحة جديدة مع شعبها، ولكن لا احد يعرف، او يتنبأ بالحال التي سيكون عليها العراق، وما اذا كانت امريكا ستبقي دولة عظمي قوية موحدة ام لا.

الشعب الامريكي بدأ يدرك ان الحرب في العراق حالة ميؤوس منها، ولم يعد يسأل عما اذا كانت الاوضاع ستتحسن ام لا، وانما عن كيفية تقليص الخسائر، والانسحاب بأسرع وقت ممكن، فقد قال هذا الشعب كلمته من خلال صناديق الاقتراع واطاح بمهندسي هذه الحرب بالضربة القاضية في الانتخابات النصفية الاخيرة.

تكاليف الحرب المادية بلغت 400 مليار دولار حتي الآن، والبشرية ثلاثة آلاف قتيل امريكي، وعشرين الف جريح. ولكن المعضلة التي تواجهها الادارة الامريكية هي تكاليف الانسحاب الباهظة ماديا، الي جانب تكاليفها السياسية والنفسية، فهناك ملايين الاطنان من العتاد والاسلحة التي جاءت الي العراق مع القوي الغازية، وشحنها يحتاج الي مليارات الدولارات علاوة علي فترة طويلة من الوقت، والاخطر من ذلك انها يمكن ان تسقط بأيدي دول (ايران) او منظمات معادية للولايات المتحدة ودول الجوار المتحالفة معها مثل الكويت والسعودية وغيرهما.

فيتنام خرجت من الحرب الامريكية منتصرة وموحدة، ولا نعتقد ان العراق الذي سينتصر حتما سيكون موحدا علي المدي القصير علي الاقل. فالاكراد بدأوا يقيمون دولتهم في الشمال، ويمارسون التطهير العرقي ضد العرب، وهو التطهير الذي طالما اشتكوا منه انفسهم علي مدي السنوات الثلاثين الماضية، والحرب الاهلية يستعر اوارها بين العرب السنة والعرب الشيعة، ولن يكون مستغربا اذا ما شاهدنا حروبا بين السنة والسنة والشيعة والشيعة ايضا.

العملية السياسية التي انبثقت من رحم الاحتلال انهارت، ويبدو ان آباءها الامريكان والانكليز قد تخلوا عنها، او لم يعودوا متحمسين لها، فالحكومة العراقية المنتخبة فشلت في تحقيق المصالحة، مثلما فشلت في ان تكون ممثلة لجميع العراقيين، ناهيك عن تحقيق الامن والاستقرار.

دول الجوار سواء التي تواطأت مع الغزو الامريكي، ووفرت له الغطاء الشرعي العربي مثلما هو حال السعودية ودول الخليج، او تدخلت في شؤونه من خلال دعم الميليشيات واذكاء نار الطائفية مثلما هو حال ايران، لن تكون في مأمن من تبعات التفكك العراقي، الجغرافي والديمغراطي والديني. فدومينو التفكك في الكتلة السوفييتية لم يتوقف عند حدود روسيا بل امتد الي كل جمهورياتها الآسيوية والاوروبية، وتزامن مع حروب اهلية مدمرة.

فايران مهددة بالتقسيم والتفتيت، وتمرد الاقليات السنية والبلوشية والكردية والعربية بدأ يطل برأسه. والنوايا الاقليمية الانفصالية في السعودية بدأت تعبر عن نفسها بقوة في مناطق مثل الحجاز والاحساء. ومن غير المستبعد ان تكون تركيا ضحية ثالثة، تليها سورية وان بدرجة اقل.

من ابرز القواسم المشتركة التي تجمع بين الحربين الامريكيتين في كل من فيتنام والعراق، انهما قامتا علي اساس اعذار كاذبة ملفقة. فبعد ثلاثين عاما بدأت الوثائق تكشف ان الذريعة التي استخدمتها الادارة الامريكية للتدخل عسكريا في فيتنام وهي اقدام فيتنام الشمالية علي مهاجمة مدمرة امريكية في عرض البحر، كانت كذبة كبيرة، تماما مثل اسلحة الدمار الشامل العراقية، ووجود علاقة بين نظام الرئيس صدام حسين والقاعدة. فقد اكد المؤرخون ان الهجوم لم يحدث، وانه لم تكن هناك مدمرة امريكية في خليج تنكين اساسا.

مشهد اللحظات الاخيرة من الهزيمة الامريكية في فيتنام سيتكرر قريبا، وربما قريبا جدا في العراق. فالعراقيون الذين جاءوا علي ظهور الدبابات الامريكية، احتفظوا بعائلاتهم في المنافي الاوروبية، واستخدموا ما نهبوه من اموال الشعب العراقي في شراء العقارات والقصور الفخمة في لندن وباريس وعمان ودمشق، استعدادا للهروب الكبير، بل لا نبالغ اذا ما قلنا ان بعضهم هرب فعلا، وباتوا يتجولون في شوارع لندن وباريس وجنيف ويترددون علي فنادقها وانديتها ومطاعمها الفخمة، ويتنقل بعضهم بطائرات خاصة.

نحن الآن بانتظار منظر طائرات الهليكوبتر الامريكية وهي تقلع من المنطقة الخضراء علي عجل حاملة علي ظهرها السفير الامريكي ورؤساء العراق (رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة، ورئيس مجلس النواب)، مثلما نحن في انتظار دخول رجال المقاومة هذه المنطقة رافعين العلم العراقي واصابعهم باشارة النصر.

القدس العربي 18/11/2006

للعودة الى الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker