تقرير حقوق الإنسان حول العراق المحتل: الجزأ الثالث
تقرير حقوق الإنسان حول العراق المحتل
القضاة والمحامون
38. وخلال الفترة التي يغطيها التقرير، تم إستهداف القضاة والمحامون، الذين يمثلون الأساس في إعلاء شأن سيادة القانون وتعزيز وحماية حقوق الإنسان في العراق، حيث لم يكن العاملون في المجال القانوني هم وحدهم المستهدفون، بل عائلاتهم وأقاربهم أيضاً، وقد تم تسجيل هجوم واحد على الأقل على إحدى الإصلاحيات. علي سبيل المثال: عُثر على جثة عبد المنعم ياسين حسين، البالغ من العمر خمسون عاماً ويعمل مساعداً للمحامي بديع عارف عزت، أحد محامي الدفاع في محاكمة صدام حسين، في 3 أيلول/سبتمبر في معهد الطب العدلي في بغداد، بعد أن تعرض للإختطاف في 29 آب/أغسطس. وفي 17 أيلول/سبتمبر، إستهدفت سيارة مفخخة سجن النساء والأحداث في كركوك حيث أسفر هذا الهجوم عن مقتل 8 نساء و3 أطفال على الأقل، بعض منهم من أفراد العائلات التي كانت تزور المحتجزين وقت حدوث الانفجار.
39. وفي 29 أيلول/سبتمبر، قُتل كاظم عبد الحسين، صهر القاضي الذي يرأس محكمة الأنفال، مع إبن أخيه، فيما أصيب إثنين من أقاربه بجروح خطيرة. وقد تعرض الضحايا لإطلاق النيران عليهم عندما ذهب السيد كاظم لجلب بعض ممتلكاته من منزله الواقع غرب بغداد الذي هجره قبل أشهر بسبب إنعدام الأمن. وفي 4 تشرين الأول/أكتوبر، أطلق مسلحون مجهولون النار على عبد المطلب الحيدري، أحد المحامين المشهورين، فأردوه قتيلاً داخل منزله في منطقة العامرية في بغداد. وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر، تم إطلاق النار على مدحت صالح، أحد كتاب العدل في مدينة المدائن الواقعة جنوب بغداد، فيما كان في طريقه إلى مقرّ عمله. وفي 16 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل عماد الفرعون، شقيق رئيس هيئة الإدعاء في محكمة الأنفال الحالية في القضية الصادرة بحق صدام حسين وستة من المتهمين الآخرين معه، على يد مسلحين أمام زوجته في حي الجامعة. وكان الزوجان قد هربا من المنطقة في وقت سابق بعد أن أصبحت غير آمنة وكانا قد عادا في هذا اليوم لمنزلهما لأخذ بعض الممتلكات الشخصية.
40. يتناقض ترهيب المحامين والقضاة في جميع أرجاء العراق، والموثقة في هذا التقرير وغيره من تقارير صدرت سابقاً، بشكل واضح مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالأخص مع المبادئ الأساسية حول دور المحامين والتي تنطوي على إلتزام الدولة بحماية العاملين في المجال القانوني. وتنص هذه المبادئ على:
"16. أن تكفل الحكومات للمحامين (أ) إمكانية أداء وظيفتهم المهنية دون ترهيب، أو عوائق، أو مضايقات أو تدخلات؛ (ب) إمكانية السفر وإستشارة موكليهم بحرية داخل بلدهم وخارجه؛ و(ج) أن لا يتعرض المحامون إلى المعاناة، أو يتم تهديدهم بعقوبات قضائية أو إدارية، إقتصادية أو غيرها من العقوبات بسبب أي إجراء يتم إتخاذه بما يتماشى مع المهام، والمعايير والأخلاق المهنية المعترف بها.
"17. عندما يتعرض أمن المحامين إلى التهديد بسبب إضطلاعهم بمهامهم، يتعين على السلطات توفير الحماية المناسبة لهم."
41. وعلاوة على ذلك، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 يتطلبان أن تضمن الدول توفر مؤسسات قانونية عامة تتسم بالحيادية والإستقلالية والعدالة. وقد تم إعتماد إجراءات حماية صريحة لضمان إستقلالية وحيادية المحاكم في المؤتمر السابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين عام 1985، والتي تنص على أنه:
"يتعين على الدولة أن تكفل إستقلالية القضاء وأن يكون في الدستور أو قوانين الدولة نص صريح يُفيد بذلك. ومن واجب كافة المؤسسات الحكومية أو غيرها إحترام إستقلالية القضاء ومراقبته،" كما تنص على "أن تقوم السلطة القضائية بإتخاذ القرارات بشأن الأمور المطروحة أمامها بحيادية، على أساس الحقائق وبما يتماشى مع القانون، دون أية قيود أو تأثيرات غير ملائمة أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من أية جهة ولأي سبب من الأسباب".
حرية التعبير
42. إن للتدهور العام في الأمن ووضع حقوق الإنسان أثر كبير على الصحفيين العراقيين والدوليين، حيث أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود أن الصراع في العراق هو الأشد فتكاً بالعاملين في المجال الإعلامي منذ الحرب العالمية الثانية. ففي غضون الشهرين الماضيين، أفادت التقارير عن مقتل 18 صحفياً: 6 في شهر أيلول/سبتمبر و12 في شهر تشرين الأول/أكتوبر. كما تعرضت إثنتين من دور الإعلام إلى الهجوم خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر: قناة الشعبية الفضائية حيث قُتل أحد عشر موظفاً على أيدي مسلحين في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ومحطة تلفزيون العراقية الفضائية حيث جُرح إثنين من الحراس في هجوم يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر. إضافة إلى ذلك، يعد الصحفيون عرضة للكثير من عمليات الاختطاف والاعتقال، العشوائي منه والمتعمد[1].
43. تعرضت أعداد غير مسبوقة من الصحفيين للقتل أو الإصابة أو التهديد فيما تعرضت العديد من وسائل الإعلام إلى التفجير. ووفقاً للمنظمات الدولية غير الحكومية التي تقوم بمراقبة حرية التعبير عن الرأي، فقد تعرّض أكثر من 150 من الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي إلى الإغتيال منذ عام 2003 في العراق. في ايلول/ سبتمبر، اصدر المدير العام لليونسكو السيد كوتشيرو ماتسورا تصريحا صحفيا ادان فيه القتل المستمر للصحفيين والمحررين والاعلاميين الاخرين في العرق
44. وفي بداية شهر أيلول/سبتمبر، أغلقت الحكومة مكتب محطة تلفزيون العربية في بغداد لمدة شهر بسبب "تحريضها على العنف الطائفي وبثها التقارير التي لا تتسم بالمهنية." وتُعيد حادثة الإغلاق هذه إلى الأذهان الإجراءات التي أُتخذت ضد قناة "الجزيرة" الفضائية في آب/أغسطس من عام 2004. وعقب إغلاق مبدئي لمدة شهر واحد، تم حظر قناة "الجزيرة" بشكل نهائي من العمل في العراق في أيلول/سبتمبر 2004. وفي ذات الفترة، ذكرت التقارير أن محافظ البصرة قد قام بتحذير الصحفيين أنه سيتم إتخاذ إجراءات قضائية بحق أولئك الذين يرسمون "صورة زائفة" عن النزاع في البصرة.
45. غادر أغلب العاملين في المجال الإعلامي البلاد نظراً لكونهم معروفين من أجل حماية أنفسهم وعائلاتهم، بينما يتوخى الآخرون أقصى درجات الحذر بما يقولون أو يكتبون وكذلك فيما يتعلق بأماكن تواجدهم. إضافة إلى ذلك، يتعرض العديد من الصحفيين إلى الملاحقة الجنائية بسبب مزاعم بالتشهير بالمسؤولين في الدولة، حيث يعامل التشريع المحلي، الساري المفعول منذ عام 1969، التشهير كجريمة جنائية يعاقب عليها القانون، ضمن أحكام أخرى، بالحبس لفترة تصل إلى عشر سنوات. وقد أفادت التقارير عن حدوث عدد من حالات إعتقال الصحفيين خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر بتهمة التشهير. ففي 11 أيلول/سبتمبر، إعتقلت قوات الأمن في تكريت كلشان البياتي، مراسلة جريدة الحياة، مع شقيقها الأصغر نجاد البياتي بدعوى مساندتهم للمتمردين، وأطلق سراحهم في 13 أيلول/سبتمبر. وقد تم إعتقال السيدة البياتي مرة أخرى في 20 أيلول/سبتمبر عندما ذهبت للمطالبة بحاسوبها الشخصي الذي تمت مصادرته في الإعتقال الأول، مرةً ثانية بشبهة إرتباطها بالجماعات المسلحة.
46. أفادت التقارير قيام القوات متعددة الجنسيات بإعتقال الصحفي البدراني مع إثنين من أبنائه وأحد أقاربه في 14 أيلول/سبتمبر في الفلوجة. وطبقاً لبعض التقارير، جرى الإعتقال أثناء تشييع شقيق السيد البدراني، وهو طالب قُتل على يد القوات متعددة الجنسيات قبل يومين عندما كان في طريقه إلى الكلية. وللسيد البدراني شقيق آخر كان يعمل صحفياً وقُتل أيضاً على أيدي القوات متعددة الجنسيات عام 2005. وقد تم إعتقال سعدون الجابري، مراسل قناة النهرين الفضائية، وعامر الكياشي من جريدة المدى، يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر على أيدي الشرطة العراقية في النجف. وفي اليوم ذاته، إعتقلت القوات متعددة الجنسيات إثنين من الصحفيين، ربيع عبد الوهاب وعلي برهان، اللذان يعملان في محطة إذاعة السلام ذات الصلة بأحد الأحزاب الإسلامية.
47. يتم حالياً عرض مشروع قانون المظاهرات والتجمعات العامة على المجلس الوطني في كردستان والذي يتطلب بالضرورة حصول الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى على موافقة خطية من وزير الداخلية قبل الشروع في تنظيم تجمع أو مظاهرة. وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر، تعهد رئيس حكومة اقليم كردستان في إجتماع مع صحفيين أكراد بعدم تعرضهم لأية إجراءات قضائية في حالة توجيه النقد له في كتاباتهم وشجعهم على الإبلاغ عن المسؤولين الحكوميين الذين لا يؤدون إلتزاماتهم تجاه مواطنيهم. وقد أعتُبرت مسودة قانون الصحافة التي قدمتها نقابة الصحفيين في كردستان ذات أهمية بالغة ومناسبة من حيث التوقيت فيما يتعلق بحماية حرية الصحافة.
وضع المرأة في العراق
48. لا زال العنف والفقر والبطالة والتوترات المتزايدة في البلاد والتهجير يزيد من تفاقم وضع المرأة في البلاد. فهناك أعداد متزايدة من الأرامل دون مصدر دخل يمكن التعويل عليه والقليل من فرص العمل. وقد ذكرت التقارير وقوع المزيد من الجرائم التي تسمى "جرائم الشرف" وعمليات خطف يصاحبها إغتصاب وإستعباد جنسي وقتل لنساء وأطفال لأسباب طائفية في كردستان وكركوك والموصل. وكما ذكرنا سابقاً في هذا التقرير، فقد أعرب السيد أشرف قاضي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بتاريخ 24 آب/ أغسطس 2006 والموجهة الى الرئيس جلال الطالباني ورئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، عن قلقه إزاء الممارسات المتعلقة بظاهرة "جرائم الشرف،" وقد لوحظت نزعة مثيرة للقلق في إقليم كردستان تتمثل في جنوح النساء إلى "الانتحار" إو "محاولات الانتحار" نتيجة للنزاعات العائلية. وغالباً ماتكون هذه الحوادث في حقيقة الأمر "جرائم شرف" قد أُرتكبت على أيدي أفراد عائلات النساء أو حُرضت النساء على ارتكابها. وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر أشارت التقارير إلى أن إمرأة متزوجة في مدينة كركوك قد أحرقت نفسها بعد نزاع عائلي، وبعدها بثلاثة أيام أفادت الأنباء بإعتقال أحمد علي في منطقة مخمور في محافظة اربيل بعد أن طعن ابنته أثناء نزاع دار بينهما. وفي اليوم نفسه، شهد حي نوروز في مدينة اربيل وفاة إمرأة في الثامنة عشرة بعد أن أحرقت نفسها إثر مشادة عائلية.
49. تواصل النساء والجماعات العاملة في مجال حقوق المرأة، لاسيما ذوات التوجهات العلمانية أوالمسيحيات، الإبلاغ عن تحرشات جنسية وتهديدات بالقتل تمارس بحق النساء بسبب عدم التزامهن بالأنماط الصارمة لارتداء الزي مثل ارتداء التنورة الطويلة والحجاب. وسجل مكتب حقوق الإنسان قضيتين منذ 6 تشرين الأول/ أكتوبر لامرأتين مسيحيتين في محافظة البصرة استلمتا رسائل من مجهولين تطالبهما بارتداء الحجاب. وفي مدينة الموصل تلقت الطالبات المسيحيات والمسلمات على حد سواء منشورات تحذرهن من مغبة عدم ارتداء الملابس الاسلامية اللائقة في الجامعات المحلية، وذكرت التقارير أن المحلات التي تبيع الملابس غير المناسبة لا زالت تتلقى التهديدات هي الأخرى.
50. إضافة إلى الوضع العام المتردي لحقوق الإنسان في العراق، تواصل تصاعد انتهاكات حقوق النساء. ففي الموصل تم في 18 ايلول/ سبتمبر العثور على جثث أربعة نساء ملقاة في مجمع قمامة بعد يومين من اختطافهن، ويبدو أن الضحايا كن قد تعرضن للإغتصاب وقُتلن وشُوهت وجوههن. وبعد هذا الحادث بيومين أُختطفت مديرة مدرسة للبنات ثم قُتلت عن طريق الذبح على أيدي عشرين مسلحاً حسب ما أفادت التقارير بعد عدم تمكن ذويها من دفع ما يسمى بـ "مال الحماية". ومن الملاحظ أن استهداف النساء يتم أحياناً كوسيلة لمعاقبة أفراد العائلة الآخرين. ففي 28 أيلول/ سبتمبر، أفادت التقارير أن زوجة ضابط شرطة في الموصل أُرديت قتيلة بعد أن فشل المهاجمون في العثور على زوجها. وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قُتلت فليحة أحمد وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة، على أيدي عشرة رجال مجهولي الهوية في مدينة الحويجة وبقي الدافع من وراء ذلك مجهولاً. وكانت السيدة فليحة أحمد وهي عربية، قد تلقت تهديدات من ميليشيات إسلامية نصحتها بتجنب التواصل مع المنظمات الدولية و"التعاون" مع قوات التحالف، وقد كانت فليحة أحمد قد دعت علناً الى حماية العرب في كركوك من التمييز وكانت تعارض فكرة ضم كركوك إلى إقليم كردستان.
51. تم في الآونة الأخيرة ظهور ما يعرف بـ "زواج المتعة" في المجتمع العراقي. ويعتبر زواج المتعة أساساً بزواج محدد باطار زمني قد يتراوح بين عدة ساعات أو عام واحد حيث لا تتمتع فيه الزوجة بأية حقوق بعد انتهاء العقد حتى وإن أصبح لديها أطفال نتيجة لهذا الزواج. وقد أصبح هذا النوع من الزواج شائعاً على نطاق واسع بين طالبات الجامعات نتيجة للحالة الاقتصادية المتردية في العراق. وأفادت الأنباء بمقتل طالبتين في محافظة ميسان في أيلول الماضي بعد أن اكتشفت عائلتاهما ارتباطهما بزواج المتعة.
[1] بلغ العدد المسجل لدى لجنة حماية الصحفيين 41 صحفياً مخطوفاً، حيث لا يشمل هذا، بطبيعة الحال، "العدد الكبير من الصحفيين الذين تم إحتجازهم لفترات قصيرة".
إنتهى الجزأ الثالث ويليه الجزأ الرابع
للذهاب الى الجزأ السادس- ألأخير
للعودة الى الجزأ الاول للعودة الى الجزأ الثاني
0 Comments:
Post a Comment
<< Home