استراتيجية "تجنُّب الهزيمة" في العراق
استراتيجية "تجنُّب الهزيمة" في العراق
د. عبدالله خليفة الشايجي
من الواضح أن الاستراتيجية الأميركية باتت تسعى إلى مجرد تجنب الهزيمة في حرب العراق. فقد تراجعت الأحلام العريضة والمشاريع الكبيرة للشرق الأوسط الكبير، وتراجع الحديث عن العراق كرافعة ومثال ونموذج. وبات الهاجس تقليص الخسائر وضمان انسحاب آمن، لعله هو ما يتحدث عنه الرئيس بوش والجنرال باتريوس في كلامهما عن خفض الألوية المقاتلة في الصيف القادم من 20 لواءً إلى 15 لواءً. وآخر ملامح الانتقاد للاستراتيجية الأميركية في العراق، اتهامات السيناتور هيلاري كلينتون لبوش بالإساءة لسمعة أميركا وحلفائها بسبب الحرب.
بدأ الأسبوع الماضي في العراق على خلفية إعلان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عن المزيد من الخفض للقوات البريطانية، ليتقلص عددها من 4500 إلى 2500 في الربيع القادم. وإذا صدقت التوقعات فستنسحب القوات البريطانية كلياً بنهاية عام 2008، مما يشكل انتكاسة حقيقية لإدارة الرئيس بوش التي ستغادر المسرح السياسي حينها، لتورِّث المأزق العراقي للرئيس القادم، والأرجح أنه سيكون "ديمقراطياً".
تطور الأسبوع بتصريحات نارية ناقدة للغاية في لغتها وإسقاطاتها ومصدرها، وهو ريكاردو سانشيز -قائد قوات التحالف في العراق من منتصف 2003 إلى منتصف 2004، والذي أطاحت به وأنهت مستقبله العسكري فضيحة سجن "أبو غريب" وحرمته من الترقية والحصول على النجمة الرابعة كجنرال، مما قد يُفسر تحامله ونقده القاسي للقيادات السياسية- حيث شن الجنرال المتقاعد هجوماً لاذعاً ودون أن يسمي الرئيس بوش بقوله: "لقد ظهر بشكل فاضح ومؤسف عدم كفاءة القيادة الاستراتيجية لزعائمنا الوطنيين"، واصفاً الحرب بأنها "كابوس بلا نهاية"، مؤكداً أن الاستراتيجية الحالية لن تحقق النصر، بل هي فقط لتجنب الهزيمة. ولم يستثنِ سانشيز الكونجرس والمؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني، الذي كانت ترأسه رايس، وحمل على السياسات الحزبية التي عرقلت جهود هذه الحرب.
ويزيد من سخونة المشهد العراقي القصف التركي بعمق 30 كلم لمواقع المقاتلين الانفصاليين الأكراد في شمال العراق، وقبله القصف الإيراني لشمال العراق، ما أثخن الجرح العراقي وأعاد إلى الأذهان أن تدخل بعض دول الجوار، خاصة إيران وتركيا، لم يعد فقط تدخلاً سياسياً وأمنياً واسخباراتياً. ويأتي هذا التصعيد وسط ضغوط أميركية قوية لمنع الأتراك من شن حملة عسكرية واسعة تزيد من حروب العراق، التي باتت بالجملة حروباً خمساً.
وقد وجَّه رؤساء لجان رئيسية في الكونجرس الذي يسيطر عليه "الديمقراطيون" رسالة اتهموا فيها الإدارة الأميركية بالتستر على فساد حكومة المالكي، وتساءل رؤساء اللجان "الديمقراطيون" عن "مدى الفساد الذي ينخر حكومة المالكي، إذا كان الفساد يؤجج التمرد ويعرِّض قواتنا للخطر، ويهدد قدرات حكومة المالكي على النجاح". كما أصدر مجلس النواب الأميركي قراراً يدين إدارة الرئيس بوش لحجبها معلومات عن الفساد في حكومة المالكي.
وحتى تزداد قتامة المشهد العراقي المتشظِّي تحدث الرئيس السابق للجنة مكافحة الفساد في العراق، القاضي راضي حمزة الراضي -الذي عينته سلطة الاحتلال الأميركي عام 2004، وفرّ الصيف الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد تعرضه للتهديد- عن اكتشاف اختفاء 18 مليار دولار من أموال الحكومة العراقية، من خلال ثلاثة آلاف حالة فساد تم رصدها في الدوائر الحكومية العراقية بعضها لأقرباء رئيس الوزراء المالكي نفسه.
في هذا الوقت أيضاً تفاقمت مشكلة الشركات الأمنية وخاصة "بلاك ووتر" ومرتزقتها، الذين قتلوا 17 مدنياً عراقياً، مع إصرار حكومة المالكي على إنهاء خدماتها في العراق ودفع تعويضات لأسر الضحايا.
ونُسدل الستار على أسبوع عراقي عادي أقل ما يقال في وصفه هو أنه سيئ، بدعوة عمار الحكيم نائب رئيس "المجلس الأعلى" الذي طالب في خطبة العيد برفض القواعد العسكرية الأميركية الدائمة في العراق، والعمل على تشكيل الأقاليم، التي سبق لوالده المطالبة بها، بدءاً من إقليم جنوب العراق، إلى الأقاليم الأخرى. وهو يرى في هذا مصلحة وقراراً عراقياً. وقد ناقض نفسه عندما طالب بـ"ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً وحكومة". أما غير الواضح فهو كيف ستحقق الأقاليم ذلك. وهذه الدعوة هي ما رفضه بيان من مكتب الصدر الذي يرفض الفيدرالية، التي تتماشى مع مساعي التفتيت الأميركية. وكان عمار الحكيم قد زار الأنبار للمرة الأولى للمصالحة مع العشائر السُّنية وتشكيل جبهة ضد الإرهاب لا يبدو أنها سترى النور.
المؤلم في هذه التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي محورها العراق أننا، مع الأغلبية الساحقة من العراقيين، نبقى متفرِّجين متأثرين وغير مؤثرين، مع أننا جميعاً سنكون أكبر الخاسرين!
من الواضح أن الاستراتيجية الأميركية باتت تسعى إلى مجرد تجنب الهزيمة في حرب العراق. فقد تراجعت الأحلام العريضة والمشاريع الكبيرة للشرق الأوسط الكبير، وتراجع الحديث عن العراق كرافعة ومثال ونموذج. وبات الهاجس تقليص الخسائر وضمان انسحاب آمن، لعله هو ما يتحدث عنه الرئيس بوش والجنرال باتريوس في كلامهما عن خفض الألوية المقاتلة في الصيف القادم من 20 لواءً إلى 15 لواءً. وآخر ملامح الانتقاد للاستراتيجية الأميركية في العراق، اتهامات السيناتور هيلاري كلينتون لبوش بالإساءة لسمعة أميركا وحلفائها بسبب الحرب.
بدأ الأسبوع الماضي في العراق على خلفية إعلان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عن المزيد من الخفض للقوات البريطانية، ليتقلص عددها من 4500 إلى 2500 في الربيع القادم. وإذا صدقت التوقعات فستنسحب القوات البريطانية كلياً بنهاية عام 2008، مما يشكل انتكاسة حقيقية لإدارة الرئيس بوش التي ستغادر المسرح السياسي حينها، لتورِّث المأزق العراقي للرئيس القادم، والأرجح أنه سيكون "ديمقراطياً".
تطور الأسبوع بتصريحات نارية ناقدة للغاية في لغتها وإسقاطاتها ومصدرها، وهو ريكاردو سانشيز -قائد قوات التحالف في العراق من منتصف 2003 إلى منتصف 2004، والذي أطاحت به وأنهت مستقبله العسكري فضيحة سجن "أبو غريب" وحرمته من الترقية والحصول على النجمة الرابعة كجنرال، مما قد يُفسر تحامله ونقده القاسي للقيادات السياسية- حيث شن الجنرال المتقاعد هجوماً لاذعاً ودون أن يسمي الرئيس بوش بقوله: "لقد ظهر بشكل فاضح ومؤسف عدم كفاءة القيادة الاستراتيجية لزعائمنا الوطنيين"، واصفاً الحرب بأنها "كابوس بلا نهاية"، مؤكداً أن الاستراتيجية الحالية لن تحقق النصر، بل هي فقط لتجنب الهزيمة. ولم يستثنِ سانشيز الكونجرس والمؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني، الذي كانت ترأسه رايس، وحمل على السياسات الحزبية التي عرقلت جهود هذه الحرب.
ويزيد من سخونة المشهد العراقي القصف التركي بعمق 30 كلم لمواقع المقاتلين الانفصاليين الأكراد في شمال العراق، وقبله القصف الإيراني لشمال العراق، ما أثخن الجرح العراقي وأعاد إلى الأذهان أن تدخل بعض دول الجوار، خاصة إيران وتركيا، لم يعد فقط تدخلاً سياسياً وأمنياً واسخباراتياً. ويأتي هذا التصعيد وسط ضغوط أميركية قوية لمنع الأتراك من شن حملة عسكرية واسعة تزيد من حروب العراق، التي باتت بالجملة حروباً خمساً.
وقد وجَّه رؤساء لجان رئيسية في الكونجرس الذي يسيطر عليه "الديمقراطيون" رسالة اتهموا فيها الإدارة الأميركية بالتستر على فساد حكومة المالكي، وتساءل رؤساء اللجان "الديمقراطيون" عن "مدى الفساد الذي ينخر حكومة المالكي، إذا كان الفساد يؤجج التمرد ويعرِّض قواتنا للخطر، ويهدد قدرات حكومة المالكي على النجاح". كما أصدر مجلس النواب الأميركي قراراً يدين إدارة الرئيس بوش لحجبها معلومات عن الفساد في حكومة المالكي.
وحتى تزداد قتامة المشهد العراقي المتشظِّي تحدث الرئيس السابق للجنة مكافحة الفساد في العراق، القاضي راضي حمزة الراضي -الذي عينته سلطة الاحتلال الأميركي عام 2004، وفرّ الصيف الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد تعرضه للتهديد- عن اكتشاف اختفاء 18 مليار دولار من أموال الحكومة العراقية، من خلال ثلاثة آلاف حالة فساد تم رصدها في الدوائر الحكومية العراقية بعضها لأقرباء رئيس الوزراء المالكي نفسه.
في هذا الوقت أيضاً تفاقمت مشكلة الشركات الأمنية وخاصة "بلاك ووتر" ومرتزقتها، الذين قتلوا 17 مدنياً عراقياً، مع إصرار حكومة المالكي على إنهاء خدماتها في العراق ودفع تعويضات لأسر الضحايا.
ونُسدل الستار على أسبوع عراقي عادي أقل ما يقال في وصفه هو أنه سيئ، بدعوة عمار الحكيم نائب رئيس "المجلس الأعلى" الذي طالب في خطبة العيد برفض القواعد العسكرية الأميركية الدائمة في العراق، والعمل على تشكيل الأقاليم، التي سبق لوالده المطالبة بها، بدءاً من إقليم جنوب العراق، إلى الأقاليم الأخرى. وهو يرى في هذا مصلحة وقراراً عراقياً. وقد ناقض نفسه عندما طالب بـ"ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً وحكومة". أما غير الواضح فهو كيف ستحقق الأقاليم ذلك. وهذه الدعوة هي ما رفضه بيان من مكتب الصدر الذي يرفض الفيدرالية، التي تتماشى مع مساعي التفتيت الأميركية. وكان عمار الحكيم قد زار الأنبار للمرة الأولى للمصالحة مع العشائر السُّنية وتشكيل جبهة ضد الإرهاب لا يبدو أنها سترى النور.
المؤلم في هذه التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي محورها العراق أننا، مع الأغلبية الساحقة من العراقيين، نبقى متفرِّجين متأثرين وغير مؤثرين، مع أننا جميعاً سنكون أكبر الخاسرين!
المصدر: صحيفة الاتحاد الاماراتية
0 Comments:
Post a Comment
<< Home