Thursday, October 06, 2005

حالة المقاومة، دور البعث وانجازاته، العلمانية العراقية

صلاح المختار يتكلم

(حالة المقاومة، دور البعث وانجازاته، العلمانية العراقية)
مقابلة اجراها الكاتب الامريكي التقدمي مالكولم لاغوش

ايلول – سبتمبر 2005

لقد ادى عزل حزب البعث ومسؤولي النظام السابق في البداية الى منع المعلومات القادمة من العراق، والتي كان يمكن ان تواجه اكاذيب ودعاية الغرب، وادوات الاحتلال من العراقيين والذن وضعو حاليا في المنطقة الخضراء. على اية حال، في الاشهر القليلة الماضية اخذ بعض المسؤولين (البعثيين) بالتحدث بصراحة عن وطنهم قبل اذار – مارس 2003 وعن نشوء المقاومة .

ان (الدستور) الجديد الذي وضعت الولايات المتحدة لمساته الاخيرة، ينص على ان حزب البعث ممنوع في العراق، ملايين من الاعضاء الحاليين، والكثير من الكسب الجديد لم يرضخوا لهذا الجزء من الوثيقة المزيفة .

صلاح المختار يتمتع بتاريخ مهني طويل ومتنوع. انه يصر على القول ان الوضع الحالي سوف ينتهي بالنصر وعودة البعث العراقي. مؤخرا حظيت بامتياز اجراء لقاء معه.

الخلفية

- ولد في عام 1944

- صحفي محترف وكاتب منذ 1961

- التعليم : بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد ، ماجستير من جامعة لونج ايلند في نيونيورك .

- اهم المراكز التي احتلها : مستشار صحفي للبعثة العراقية في الامم المتحدة 1980 – 1984، مدير في وزارة الخارجية 1985 -1986 ،مدير عام الاعلام في وزارة الثقافة والاعلام 1986 – 1990 ، رئيس اللجنة الدائمة للاعلام العربي في الجامعة العربية 1986 – 1990 ، امين عام مساعد لجامعة الدول العربية المسؤول عن الاعلام 1990 – 1991 ، مدرس في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد 1991 – 1993 ، رئيس تحرير جريدة الجمهورية 1993 – 1998 ، رئيس منظمة الصداقة والسلم والتضامن في العراق 1994 – 1998 ، سفير فوق العادة لدى الهند 1999 – 2003 ، سفير فوق العادة لدى فيتنام 2003 ، حاز على جائزة افضل سفير في الهند منحتها له مؤسسة الوحدة العالمية في نيودلهي ،الهوايات : الاستماع الى الموسيقى الخفيفة وكتابة القصة القصيرة .

الاسئلة

م.ل : حينما وصل البعثيون للسلطة في العراق كم تطلب من الوقت لاحداث تغيير في المجتمع العراقي ؟ وماذا كانت اعظم انجازات البعث ؟ حينما اتحدث الى المواطن الامريكي العادي هو ، او هي اجد انه لا يملك المعلومات حول النظامين التعليمي والصحي في العراق . انهم ينظرون للعراق كشعب خام وغير متعلم ، رغم ان معظم مواطني امريكا لا يستطيعون كتابة جملة مناسبة باللغة الانكليزية ، ناهيك عن اللغة الاجنبية !

ص.م : في عام 1968 استلم البعث السلطة في العراق ، وبدأ فورا مسيرة خلق جيش العلماء ، المهندسين والفنيين , لتوفير الشرط الاساسي المسبق للقطر لردم الفجوة مع الامم المتقدمة . في عام 1972 اممت الحكومة البعثية الصناعة النفطية , وطردت الشركات الاجنبية التي كانت تسرق وتستغل مداخيل النفط ، وبواسطة موارد النفط مول البعث التغيير الجذري في العراق . بين عام 1968 ومطلع السبعينيات اصبح العراق يملك الاف الخبراء والفنيين في حقول الحياة الرئيسية . في ذلك الوقت ارسل العراق الالاف من خريجي الجامعات العراقية الى مختلف البلدان مثل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ، الصين ، والهند والكثير من البلدان الاخرى ، من اجل الحصول الحصول على العلم والتكنولوجيا .

لقد تطلب الامر عشر سنوات لبروز العراق كقطر يتقدم ويتجه نحو اللحاق بالامم المتقدمة . ذلك الجيش المؤلف من العلماء والفنيين والاطباء وفر للعراق ميزات استثنائية . ان انجازات حكومة البعث كانت غير محدودة ، مثل التعليم المجاني لكل العراقيين، من الدراسة الابتدائية حتى الدكتوراه ، والطب المجاني لكل العراقيين ولغير العراقيين اللذين كانوا يعيشون في العراق بضمنهم الدبلوماسيين والشركات الاجنبية التي كانت تعمل في العراق .لقد ازالت ثورة 17 تموز عام 1968 الفقر والامية والامراض المستوطنة .

وبذلك اصبح العراق متحررا من المشاكل الرئيسية والتقليدية التي تتميز بها بلدان العالم الثالث . بالاضافة كل تلك الانجازات قام حزب البعث بدعم اسعار السلع الاساسية والخدمات ، مثل الطاقة الرخيصة جدا والكهرباء وتجهيزات المياه والمواصلات والمواد الغذائية والسكن وغيرها . كانت حكومة العراق بقيادة البعث تدفع فروقات تكاليف السلع المستوردة والخدمات . وبالنسبة الى امن المواطنين كان العراق أأمن بلد في الشرق الاوسط ، حيث كان المواطنون ينامون ودور بيوتهم مفتوحة ، بسبب عدم وجود فقراء يضطرون للسرقة او خداع الاخرين .

كانت حكومة العراق بقيادة البعث ترسل الى الخارج المواطنين لفحصهم وتلقي المعالجة الطبية حينما لا يكون اطباء العراق قادرين على معالجتهم ، وكانت تكلفة السفر الى الخارج ، والمعالجة الطبية والدواء تدفع من قبل الحكومة العراقية ، لضمان الصحة الجيدة والرفاهية لكل العراقيين . وبالنسبة للنظام التعليمي في نهاية السبعينيات منحت الامم المتحدة العراق صفة واحد من افضل الامثلة على تقدم ونجاح النظام التعليمي فيه . وفي نهاية السبعينيات كان العراق مرفها كبلد نام ومتقدم , وكان قد حل المشاكل الرئيسية لاقطار العالم الثالث ، وفي ذلك الوقت اسقط شاه ايران بواسطة الملالي ، بقيادة خميني، واعلن ذلك الزعيم ( حربه المقدسة ) ضد البعث والرئيس صدام حسين .

وكان الشعار الذي تبناه خميني ، هو تصدير، ما سمي ب ( الثورة الاسلامية ) ، واختار العراق للبدء به ، بمحاولة فرض حكومة على الطراز الايراني في بغداد . ذلك كان بداية سلسلة من المشاكل الجدية في العراق . ان الحرب بين العراق وايران اندلعت بعد ان امر خميني حرسه ( الثوري ) والجيش الايراني بفتح النار على القرى والمدن الحدودية العراقية ، لتمهيد الطريق لاحتلال بغداد بالذات، واسقاط الحكومة العراقية والرئيس صدام حسين . تلك كانت اعظم انجازات حزب البعث من وجهة نظر اجتماعية، اقتصادية وسياسية .

وحينما نأتي الى حل المشاكل العراقية المزمنة مثل المشكلة الكردية والصراعات بين الاحزاب السياسية العراقية ، فان البعث وضع حلا جذريا لكلا المشكلتين . لقد منح واقام حكما ذاتيا لاكراد العراق في المنطقة الكردية ، وبصلاحيات كاملة للحكومة المحلية وللبرلمان المحلي. لقد بادر حزب البعث، للمرة الاولى في تاريخ الشعب الكردي ، بالاعتراف به كقومية اخرى ، لها حق الحكم الذاتي ضمن حدود العراق . وبخلاف وضع اكراد تركيا البالغ عددهم 18 مليون انسان ، واكراد ايران البالغ عددهم 8 ملايين انسان ، وكلا البلدين لايعترف بالاكراد كقومية اخرى ، ومع ان العراق يوجد فيه مليونان ونصف المليون انسان كردي ، فانه ، وبقيادة حزب البعث والرئيس صدام حسين، اعترف بان اكراد العراق يشكلون طرفا قوميا ثانيا وان لهم الحق في حكم ذاتي ، بما في ذلك الحق بازدهار لغتهم الخاصة وثقافتهم . وعلى هذا الاساس انشأ العراق نظاما تعليميا في المنطقة الكردية يقوم على استخدام اللغة الكردية في تعليم الشعب الكردي .

كان ذلك واحدا من اعظم انجازات حزب البعث . اما الانجاز السياسي الاخر فكان اقامة الجبهة الوطنية التقدمية ، والتي ضمت البعث والشيوعيين واحزاب كردية . ولفهم اهمية تلك الجبهة يجب ان نتذكر بانه بين عام 1958 وعام 1968 شهد العراق صراعا دمويا بين الاحزاب السياسية ، والذي ادى الى عدد من الانقلابات العسكرية والاضطرابات . لذلك فان هذين الانجازين السياسيين كانا قد صمما لتامين الاستقرار والتعاون السلمي في العراق ، لوضع حد لصراع دام استمر اكثر من عقد من الزمن .

انتم لا تعلمون بتلك الانجازات التي حدثت في العراق بواسطة حزب البعث ، لان الحملات الدعائية ، التي نظمت من قبل الغرب بشكل عام ، وبشكل خاص الولايات المتحدة الامريكية ، وبدعم اسرائيلي – ايراني كامل ، حرمتكم من معرفة المعلومات الاساسية والموضوعية عن واقع العراق .وبالرغم من حقيقة ان حكومة العراق قد حاولت الوصول لكم وللشعوب الاخرى لكن من المؤسف ان فن الاتصال والخبرة الاعلامية والاسس الفنية لها لم تكن متوفرة لدينا . ان الغرب ، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية ، تبنى سياسة او تكتيك يسمى ( شيطنة ) العراق والرئيس صدام حسين ، عبر كل وسائل الكذب والخداع وتشويه الحقائق ، من اجل ضمان تاييد الراي العام في الغرب اي عمل تقوم به امريكا ضد العراق ، بما في ذلك شن الحرب عليه او فرض الحصار القاتل ، واخيرا احتلال العراق .

م.ل : ما هو تصورك لتحرير الكويت في 2- 8 – 1990 ؟ لقد قمت ببحث هذا الموضوع ، ووجدت انه كان هناك سبب وجيه لقيام العراق بفعل ما فعل .

ص.م : يعود موضوع الكويت الى زمن الاحتلال الاستعماري البريطاني للعراق ، وللمنطقة المحيطة به . ففي نهاية القرن التاسع عشر قامت بريطانيا بفصل الكويت عن العراق لاستخدامه كنقطة انطلاق الى العراق والى اقطار اخرى ، في الوطن العربي .في ذلك الوقت كان النفط قد اكتشف في العراق ، (بضمنه الكويت) ، والسعودية وحاول الاستعمار البريطاني فرض سيطرته الكاملة على ما يسمى ( اقليم النفط ) . لهذا السبب كان ضروريا جدا، من وجهة نظر ستراتيجية ، فصل الكويت عن العراق ، باعطاء الاسرة الحاكمة في منطقة الكويت امتيازات مالية ضخمة ، بهدف خلق حافز لتلك العائلة للبقاء بعيدا عن العراق ، ولتاسيس كيان مستقل . هذه الحقيقة مدعومة بحقائق التاريخ ، وبالنسيج الاجتماعي للكويتيين والعراقيين . انت لا تستطيع التمييز بين كويتي وعراقي من البصرة ، لان كلاهما يتكلم نفس اللهجة ، وكلاهما لديهما نفس التقاليد .

حتى الان تستطيع العثور على عائلات مختلطة في كلا الجانبين الكويت ومدينة البصرة في العراق . ومن الناحية اللغوية فان اسم الكويت هو تصغير لاسم الكوت وهي مدينة عراقية في جنوب العراق . اذا قرات تاريخ المنطقة سوف لن تجد ابدا كيانا اسمه الكويت . اذا وضعنا كل هذه الحقائق التاريخية جانبا فسوف نواجه واقعة سياسية ، في عام 1988 وبعد انتصار العراق على ايران ، بدأت الكويت بممارسة سياسة استفزازية تجاه العراق ، على سبيل المثال اخذت الكويت تطلب من العراق حل مشكلة الحدود بين البلدين . الاكثر خطورة من ذلك هو ان الكويت بدأت تلعب لعبة تخفيض اسعار النفط ، بواسطة زيادة انتاج النفط الكويتي، خارقا ومتجاوزة حصتها التي قررتها اوبيك ، في وقت كان العراق فيه في اشد الحاجة للاموال لاعادة بناء المدن والبنية التحتية المدمرة بفعل الحرب . لقد انخفضت اسعار النفط من عشرين دولار للبرميل الواحد الى عشرة دولارات للبرميل ! وهذا يعني ان العراق قد فقد حوالي 50 % من دخله القومي . لقد فهم العراق بان الكويت لم يحركها دافع كويتي بل امريكي ، وكل التطورات منذ ذلك الوقت حتى الان اثبتت ان الولايات المتحدة الامريكية قد استخدمت الكويت للتأمر على العراق .

على سبيل المثال وجدت القوات العراقية في الكويت افلام فيديو لمناورات عسكرية قامت بها قوات امريكية وكويتية في عام 1989 حوالي عام قبل تفجر ازمة الكويت ، وفي تلك المناورات كان العدو لكلا الطرفين في الشمال ، وانت تعلم ان العراق يقع في شمال الكويت ! ان السؤال الاهم هو : لماذا انخرطت حكومة الكويت في خطة امريكا لشن حرب على العراق ؟ ان كل التطورات في السنتين السابقتين للحرب (1988 – 1990 ) قد اثبتت ان امريكا قد قررت اسقاط الحكومة العراقية ، كشرط مسبق لاستعمار العراق . وبعد الوصول لذلك الاستنتاج ، خصوصا بعد لقاء السعودية بين وفدين عاليي المستوى من العراق والكويت ، وفيه كان الوفد الكويتي عدواني جدا واستفزازي ، اقتنعت القيادة العراقية بان امريكا مصممة على مهاجمة العراق ، وان العراق مهما سيفعل ، فانها لن تغير ابدا خطتها ، لذلك اتخذ قرار عراقي بتغيير مسرح الحرب ، من كونها تدور على ارض العراق الى خوضها في مناطق النفط الكويتية . وفي ضوء ما تقدم في هذا التحليل فان العراق كان في حالة تحرك دفاعي ، ممارسا خيار عسكري هو توجيه الضربة الاستباقية .

م.ل: حينما احتل العراق الكويت اخبرونا بانهم دمروا البلد . من خلال بحثي وجدت ان النظام التعليمي العراقي والنظام الصحي العراقي طبقا وان العديد من الكويتيين فضلوا النموذج العراقي . هل يمكنك توضيح ذلك ؟ انها اسطورة كبيرة تلك التي تقول ان العراقيين اغتصبوا النساء الكويتيات ودمروا الشعب . ردي على ذلك هو ان مقاومة كويتية صغيرة قد حصلت . اذا كان الاحتلال رهيبا جدا ، كان يجب ان تحدث مقاومة كبيرة ، مثل التي تحصل اليوم في العراق .

ص.م : ما قلته صحيح ، العراق لم يدمر الكويت ابدا ، ولا بنيته التحتية ، على العكس من ذلك العراق صرف امواله لضمان الحياة الطبيعية في الكويت ، بالطبع بعض العراقيين ارتكبوا بعض الاخطاء والجرائم ، لكن رد الحكومة العراقية كان قاسيا جدا ، اولئك الاشخاص اعدموا رسميا وعلنيا ، لردع الاخرين ومنعهم من القيام بنفس العمل . دعنا نسأل انفسنا : ماذا فعلت الحكومة الكويتية ؟ لقد قام السفير الكويتي في واشنطن رسميا باستئجار مكتب علاقات عامة ، لشن حملات خداع شامل وترويج اكاذيب حول العراق ، وتصرفاته في الكويت . ان قصة نيرة كانت مثالا جيدا جدا لعزم الحكومة الكويتية على فبركة اكاذيب ، لان الفتاة المدعوة نيرة ادعت انها كانت ممرضة في مستشفى كويتي ، وشهدت سرقة حاضنات الاطفال الخدج ، من قبل الجنود العراقيين ، وذلك ادى الى وفاة عدد من الاطفال الكويتيين الخدج ، وقد رويت تلك القصة على الكونغرس الامريكي لاقناع السلطة التشريعية بدعم خطة الرئيس الامريكي لشن الحرب على العراق . وقد نجحت اللعبة تماما ، وازال الكونغرس رفضه وتحفظاته على الحرب وايد خيار الحرب .

ولكن تبين فيما بعد ان تلك الممرضة لم تكن سوى ابنة السفير الكويتي في واشنطن ، وان تلك القصة لفقت من قبل مكتب علاقات عامة امريكي لاجل تمهيد الطريق لشن الحرب . ان عدم مقاومة القوات العراقية في الكويت اثبتت ان الكويتيين لم يكونوا مهتمين بالقتال ضد العراق .

م.ل : ان الحصار ضد العراق يجب ان يعد الجريمة الاكبر ضد الانسانية ، لان العالم سمح به . كيف عمل الجمهور العراقي بطريقة جعلت البلد يستمر بالعمل رغم الخراب الذي تعرض له ؟

ص.م : ان الحصار الذي فرض على العراق تضمن حتى الدواء والطعام ، رغم حقيقة انهما استثنيا من نظام العقوبات ، طبقا للقانون الدولي . اكثر من ذلك حرم الحصار العراق من حق شراء الكتب العلمية والاقلام والمختبرات وغيرها . ان مزيج اثار الحصار وقصف امريكا وبريطانيا للبنية التحتية العراقية ، واستخدام اليوروانيوم المنضب ، قد ادى الى حدوث اثار كارثية على حياة العراقيين ، وافضل مثال مرعب هو موت حوالي مليوني عراقي ، بسبب الافتقار للطعام والدواء والتلوث الناجم عن استخدام اليورانيوم المنضب . مسسز مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية انذاك ، حينما سالت من قبل مسسز ستال من برنامج 60 دقيقة عن رد فعلها على موت اكثر من نصف مليون طفل عراقي تحت سن الخامسة من العمر ، ردت قائلة ان اهدافنا في العراق تبرر ذلك !

في العراق ، الذي كان حتى فرض الحصار عليه من بين عدد قليل من الدول النامية التي تؤمن لشعبها تعليم مجاني وطب ودواء مجانيين ، وطعام رخيص جدا ، ونظام مواصلات رخيص جدا ، وتميز بازالة الامراض المستوطنة والفقر ، وتمتع بضمان امن الافراد والجماعة ، هذا القطر عاد ثانية بلدا يتميز بتدهور كل انواع الخدمات ومستوى المعيشة ، وببعث الامية ، وبعودة الفقر ، فالدخل العائلي الشهري اصبح بين دولارين وثلاثة دولارات ، بعد ان كان هناك فائض مالي لدى كل عائلة عراقية قبل الحصار !

لكن العراقيين ، سكان بلاد ما بين النهرين ، والتي فيها كتب اول قانون ، وفيها اسست اول حضارة ، وتبلورت اسس العلوم الاساسية مثل الطب والرياضيات والفضاء ، والتي اما اخترعت او اكتشفت ، هؤلاء العراقيون كانوا قادرين على امتصاص اثار الحصار ، واعادة تنظيم حياتهم معتمدين على خبرتهم ومواردهم ، لتطبيع الحياة في ظل الحصار ، بقدر الامكان . لقد ابتكرت حكومة البعث نظام الحصص التموينية لضمان الطعام ، اقصد الطعام الاساسي ، لكل مواطن ، وتزويدهم بما يتوفر من دواء ، مقابل نصف دولار شهريا ، هذا الانجاز كان فريدا في عصرنا ، لانه لا توجد حكومة في العالم تزود مواطنيها بحوالي 60 % من حاجتهم من الغذاء والدواء مقابل نصف دولار شهريا فقط !

انت تسألني كيف فعلنا ذلك ؟ وجوابي هو انك حينما تحشد وتعبأ قوة شعبك ، وحينما تقنع شعبك بانه يدافع مستقبله وكرامته لا عقبة تستطيع منعه من فعل المعجزات .

م.ل : كم هي عميقة العلمانية في السايكولوجيا العراقية ؟ في امريكا اخبرونا بان الاسلام هو العامل الحاسم وراء كل شيئ فعله البلد او يفعله الان .

ص.م : قبل كل شيئا اود ان اوضح بعض الحقائق المهمة جدا . ان العراق ، بصفته مهد الحضارة ، تميز بعدة سمات خلال 8000 سنة . لقد كان العراقيون قادرين على العيش سوية ، رغم الاختلافات الدينية والاثنية والطائفية والثقافية بينهم . قبل الاسلام كان العراق يهوديا ومسيحيا تتعايش فيه هاتين الديانتين مع الديانات الاقدم . كذلك العراق كبلد اقام على نحو فريد خمسة حضارات على الاقل ، واحدة اثر اخرى ، ابتداء من السومريين ، قبل اكثر من 6000 سنة الى العباسيين ، قبل اكثر من الف عام .تلك الحضارات والامبراطوريات كانت كيانات كونية ، وهذا يعني انها كانت تسيطر على كل القارات والاقاليم من الشرق الاوسط حتى الصين واوربا .

وهكذا ثقافة ثرية وتقاليد عميقة بلورت شخصية فريدة للعراقيين ، وهي قدرتها على تعايش العراقيين فيما بينهم ، رغم اختلافاتهم الدينية والاثنية . ان ما يسمى ب ( العلمانية العراقية ) لها جذور عميقة في تلك الثقافة ، وهي تعني ان اي مواطن عراقي له الحق بالايمان باي دين، وان يكون فخورا بانتماءه الاثني او القومي ، بدون التعرض للاضطهاد او الهجوم . ان العلمانية العراقية تعني ان كل المواطنين العراقيين متساوين امام القانون ، وانه لايوجد اي نوع من التمييز الديني والاثني ، وان رجال الدين ليس لهم الحق في تقرير مصير ومستقبل الناس وسياسات الحكومة .

هذه الثقافة كانت تزدهر في العراق حتى حصول الغزو الامريكي – البريطاني ، والذي جلب للعراق كل انواع الاستفزازات المخططة لمختلف مكونات المجتمع العراقي . ان القوانين التي فرضت على العراق من قبل الحاكم الاستعماري الامريكي مستر بول بريمر قامت على الطائفية والعرقية . فهي شجعت كل انواع الصراعات بين العراقيين ، عن طريق وضع ذلك المعيار لتولي السلطة من خلال حكومة فرضها بريمر . اكثر من ذلك فان المخابرات الامريكية جلبت الى العراق مرتزقة وعصابات محترفة ، وقتلة مدربين لقتل زعماء دينيين واثنيين من مختلف الجماعات ، فقط لاقناع كل طرف في العراق بانه هوجم من قبل الطرف الاخر ، وبذلك ينخرط الجميع في قتال بعضهم للبعض الاخر . ان تفجير الكنائس والجوامع الخاصة بالشيعة والسنة العراقيين ، كانت من فعل المخابرات الامريكية والايرانية والموساد الاسرائيلي . لكن هذه المؤامرة ووجهت من قبل كل العراقيين بحذر وانتباه كامل . لقد فشلت ، خصوصا بسبب ان المقاومة العراقية تمثل كل النسيج الاجتماعي العراقي : الشيعة والسنة ، العرب والاكراد والتركمان وغيرهم .

م.ل : في امريكا نحن نسمع كلمة ( شيعة ) فيعتقد كل واحد انهم اصوليون اسلاميون . على اية حال لقد قرات تقاريرمن عراقيين تقول ان الكثير من الشيعة كانوا، وما زالوا علمانيين ، وان الكثير منهم ينتمون لحزب البعث . رجاء وضح ذلك ؟

ص.م : لاكون دقيقا يجب ان نقر بان حزب البعث في العراق كان قد اسس في مدينة الناصرية من قبل بعثيين شيعة خلال نهاية اربعينيات من القرن الماضي . ومن جنوب العراق ، الذي يسمى الان ( الاقليم الشيعي ) انتشر حزب البعث في كل مدينة وقرية عراقية ، من البصرة في الجنوب الى الى اربيل في شمال العراق . تلك كانت البداية . وحين وقع الاحتلال الامريكي ، كان الشيعة العراقيون يمثلون غالبية حزب البعث . اذا دققت القائمة التي اصدرتها قوات الاحتلال الامريكي للذين اريد اعتقالهم ، والتي تسمونها ( قائمة ال55) ستجد انه من بين ال55 قائد عراقي هناك 35 قائد شيعي بعثي . ان حزب البعث مفتوح لكل العراقيين وهو لم يكن ابدا حزبا طائفيا او عرقيا . وتستطيع ان تجد قادة في اعلى المستويات القيادية من اصل كردي ، مثل السيد طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية وعضو القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث . ان عضوية الشيعة في حزب البعث تشكل حوالي 62 % من قيادة الحزب ، لان الحزب لا يسأل اي عضو او نصير ، عن خلفيته الدينية والاثنية . والمعيار الرئيسي هو اخلاص الافراد في انتماءهم للعراق .

م.ل : رغم منع حزب البعث في العراق قرأت انه يكسب بضخامة ونجاح بشر جدد، ليس فقط في العراق بل عبر الوطن العربي . وهذه قصة مهمة وان كانت غير معروفة . رجاء قدم لي معلومات اكثر .

ص.م : نعم في الحقيقة ان شعبية حزب البعث قد ازدادت بطريقة ومستوى هائلين ، بعد احتلال العراق . لقد كسب الحزب الاف البعثيين الجدد والذين لم يكونوا بعثيين قبل الغزو .والسبب الكامن خلف هذه الحقيقة هو ان البعثيين يمثلون افضل نماذج الاخلاص للعراق والوطن العربي . حينما وقع الغزو كان البعثيون قد استعدوا لسنوات عديدة لممارسة حربي العصابات والمدن . وحالا بعد احتلال القوات الامريكية لبغداد بدأ البعثيون مقاومتهم المسلحة في كل مكان من العراق ، على نحو متزامن . وبقيامهم بذلك جعل حزب البعث شعبيته اوسع واقوى .

الان اذا نظرت الى العراق ، سوف لن تجد ابدا حزبا وطنيا يشمل تنظيمه العراق كله الا البعث . التنظيمات الاخرى كلها ، سواء كانت جديدة او قديمة ، هي احزاب محلية . وهذه الحقيقة ايجابية عندما نحلل نشوء المقاومة العراقية ، والتي يشكل البعث قوتها الرئيسية والمنظمة الاكبر . وطبقا للمعلومات التي نستلمها من العراق يوجد لدى البعث فائض من المقاتلين ، الذين اعدوا انفسهم ليكونوا شهداء ، وهناك انصار جدد . اضافة لذلك فان حزب البعث قد تخلص من العناصر الضعيفة داخله ، والان كل البعثيين مخلصين واصحاب مبادئ ، وهم مستعدون للتضحية بانفسهم من اجل وطنهم العراق ، وتحريره من الاستعمار الامريكي .

م.ل : الرئيس صدام حسين اختطف من قبل امريكا . ان الذين باعوا وطنهم في السلطة يريدون محاكمة سريعة يتبعها الاعدام . انهم يعتقدون ان المقاومة سوف تتوقف . هل ذلك سيعطي نتائج عكسية ؟ برايي ان المقاومة ستنمو اذا اعدموا الرئيس صدام .ما هو رايك ؟

ص.م : انا اؤكد لك ان المقاومة المسلحة العراقية سوف لن تتراجع ابدا ، او تضعف بتاثير اي تطور او جهة . ان لها زخمها واليتها الخاصتين ، اضافة لخططها وخياراتها . انا اتفق معك بانه لن تكون هناك محاكمة عادلة للرئيس صدام حسين لان الاحتلال بذاته غير شرعي ، وما بني على باطل فهو باطل .ان المقاومة العراقية المسلحة سوف تستمر في مسيرتها القتالية الاصلية ، وسوف تضاعف وتزيد العمليات العسكرية ضد الاستعمار الامريكي في حالة اعدام الرئيس صدام حسين . ان رد الفعل الطبيعي سيكون القتال بحسم اكثر ، وسوف يقلص وقت تحرير العراق . ولفهم هذه الحقيقة يجب ان تتذكر بانه بعد اسر الرئيس صدام حسين تطورت المقاومة بسرعة وغطت كل العراق بما في ذلك المنطقة الكردية .

م.ل : ما هو الدور الذي لعبه الرئيس صدام حسين في المقاومة بين 9 نيسان 2003 واسره في كانون الاول 2003 ؟

ص.م : ما اعلمه هو ان الرئيس صدام حسين خطط ونفذ عمليات عسكرية متعددة ضد الاحتلال .

م.ل : اين تعيش الان وماذا فعلت بعد مغادرتك فيتنام ؟

ص.م : انا حاليا احصر نفسي في الكتابة ، وتحليل تطورات الوضع العراقي . بعد مغادرة فيتنام اتيت الى اليمن . ومنذ ذلك الوقت انا اعيش في هذا القطر الجميل . انا اكتب لبعض مواقع الانترنيت وكلي امل ان وطني سيتحرر قريبا واعود اليه .

م.ل : من فضلك اضف اي شيئ تعتقد انه مهم لم اسئله .

ص.م: ما اريد ان اقوله هو ان وهم حرية الصحافة هو اكثر من كذبة كبرى . منذ احتلال العراق نحن البعثيون حرمنا من حق الكتابة والحديث عبر الصحافة والفضائيات ، كما كنا نفعل قبل غزو العراق . حتى القنوات والصحف التي اعتدنا نشر مقالاتنا فيها ، او كانت تدعونا الى المشاركة في برامجها توقفت عن دعوتنا . السبب واضح : رسميا ان كبار المسؤولين الامريكيين يقومون بالضغط على الاعلام الجماهيري لكي لا يعطينا اي فرصة للحديث بحرية . هذا هو احد الدروس التي تعلمناها بعد غزو العراق . والان نحن نشهد بزوغ ديكتاتورية الغرب العالمية بشكل عام ، وديكتاتورية الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .

انا اريد التاكيد على ان الاستعمار الامريكي قد هزم عمليا في العراق ، وهو الان يلعب بالوقت الضائع . وسوف تعترف امريكا بان احتلال العراق كان اشد الاخطاء المميتة التي ارتكبتها ادارة بوش ، او انه الخطأ الاسوأ في التاريخ الامريكي كما قال السيناتور تيد كنيدي في العام الماضي .

نشرت المقابلة باربعة اجزاء في الموقع الامريكي (لاغوش على حق ) والموقع الايطالي الامريكي (اوروك نيت انفو)، وعنهما نقلت المقابلة عشرات المواقع والصحف باللغة الانكليزية وغيرها . وسيعاد طبعها في كتاب حول العراق سيصدره الكاتب قريبا .

للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد

1 Comments:

Blogger Unknown said...

Vous avez un blog très agréable et je l'aime, je vais placer un lien de retour à lui dans un de mon blogs qui égale votre contenu. Il peut prendre quelques jours mais je ferai besure pour poster un nouveau commentaire avec le lien arrière.

Merci pour est un bon blogger.

7:44 AM  

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker