Monday, September 11, 2006

وحوشنا في العراق:
الحقيقة حول فرق الموت (1)

الامريكيون دربوا فرق الموت قبل الغزو في هنغاريا وهولندا... وقوات بدر والاكراد رأس حربتها
الجنرال ستيل يقود الامريكيين الشيعة في الداخلية والجنرال كاستيل يقود الامريكيين السنًة في الدفاع

فاضل الربيعي

في الثاني عشر من كانون الاول (ديسمبر) 2005 كتبت الواشنطن بوست في مقال افتتاحي ما يلي: (في ظل الاحتلال الذي جلب الحرية الي العراق، هناك اكثر من 1000 سجن). بعد اقل من ستة اشهر، وفي بغداد التي تحوًلت ازقتها وشوارعها وبناياتها الي شبكة معقدّة من السجون، كان اللواء الركن محمد ذو الفقار مدير عمليات وزارة الداخلية يطلع علي واقع الحال داخل انفاق و مغارات هذه الشبكة. قال بالحرف الواحد وهو يتفقد واحدة من الاقفاص المخيفة حيث تجري اعمال لا سابق لها في تاريخ التعذيب الذي كتبته الانسانية في سجلاتها: (لماذا هذا التعذيب؟ حتي لو كانوا مجرمين فالقضاء هو المسؤول عن اصدار الحكم بحقهم؟) فجأة قام احد المعتقلين واخذ بالصراخ منوّهاً بتعذيبه ومخاطباً الضابط العراقي (كل هؤلاء المعتقلين احسن مني، قوات الحسين من مغاوير الداخلية قامت باغتصاب زوجتي امامي وامام اخوتي الاربعة الموجودين معي في المعتقل حاليا. مع العلم انني من عائلة شيعية وليس لي صلة بالارهاب) .علي الفور بعث اللواء ذو الفقار برسالة تفصيلية الي قائده المباشر اللواء جواد الرومي قائد قاطع الرصافة في وزارة الداخلية، وهذا بادر الي ارسال رسالة مماثلة الي رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري.

هدايا الغزو

في الاسطورة الاغريقية تعرض إلهة الشرً باندورا صندوقا مليئا بالهدايا الثمينة، وتطلب من البشر تقبلها. ولان الهدايا ذات اغراء خاص؛ فان البشر يتقبلون الصندوق العجائبي وهم سعداء. ولكن ما ان يباشروا بفتحه حتي تنطلق الشرور والآثام والخطايا والموبقات من حولهم في كل مكان . بعد نحو ثلاث سنوات من الاحتلال، واكثر من 30 الف قتيل في صفوف المدنيين وعدد لا يحصي من فضائح التعذيب والاغتصاب والقتل والاهانات في ابو غريب وبوكا والجادرية وسجن المطار، وبعد عشرات العمليات العسكرية التي استخدم فيها الامريكيون كل انواع الاسلحة الفتاكة ضد العزل من المدنيين؛ بما فيها سلاح الصبيان ذوي السيقان الطويلة 4 الذي تمً تجريبه لاول مرة في الفلوجة وادي الي موت جماعي للسكان في احياء عدًة من المدينة؛ لا يبدو ان ثمة اي فارق له اهمية تذكر، بين صندوق باندورا هذا الذي ارسلته إلهة الشرً، وبين هدايا السيد جورج. دبليو. بوش الي العراقيين في التاسع من نيسان (ابريل) 2003. في كل يوم تنطلق من الصندوق شرور لا عدً ولا حصر لها. التعذيب لا يزال مستمرا والقتل الاجرامي في ذروته. اما الفوضي ففي ريعان صباها تعبث بكل شيء دون اي رادع، بينما الانفلات الامني يغدو اكثر شبها بنوع من حرائق الغابات التي تنعدم معها تقريبا، اي امكانية للسيطرة علي الوضع. ومع ذلك لا يزال الامريكيون وانصارهم يقولون بشيء من العنجهية الممزوجة بمشاعر الفخر، ان الغزو جلب للبلاد اخيرا المنافع التالية: ما يزيد عن 280 صحيفة محلية ومئات الاذاعات وعدداً كبيراً من المحطات التلفزيونية الارضية والفضائية ونحو 370 حزبا وحركة سياسية. لكن احدا من هؤلاء لم يجرؤ بعد، علي اضافة الجملة الناقصة التالية الي المقطع الطويل من الموال الطافح بمشاعر الزهو: كما جلب الاحتلال ايضا، هدايا اخري -بحسب ما نشرته الواشنطن بوست 6 - نحو الف سجن سري تنتشر اليوم كالفطر السام في ارض العراق.

هذه الهدايا المسمومة التي جلبها البطل الابيض الي شعب يعيش في مكانٍ ناءٍ، بعد مغامرة كبري بدأت بعبور المحيطات ولم تنته بعد عند اليابسة، تبدو بالفعل شديدة الشبه بالفعل بصندوق باندورا . ما ان نباشر(نحن العراقيين المخدوعين بالهدايا) بفتح الصندوق، حتي تخرج الشرور وتتطاير من حولنا في كل مكان: من تلعفر شمالا فالفلوجة غربا حتي ساحة النسور في قلب بغداد.آخر هذه الشرور سلسلة من الاقفاص التي تديرها وحوش السي آي اي وضباع وزارة الداخلية العراقية. وحسب التعبير الشعبي الشائع هذه الايام في بعض الصحف العراقية المحلية؛ فان الضباع هم مغاوير الشرطة، وهؤلاء، في الغالب الاعم، من افراد منظمة بدر الشيعية (المعروفة سابقا باسم فيلق بدر) الذين يقومون بافتراس ضحاياهم، بتشجيع من الامريكيين واشرافهم من دون اي رادع اخلاقي او قانوني. عامل المصادفة وحده كان حاضرا بقوة عند الكشف عن قفصين من هذه الاقفاص، في الجادرية وساحة النسور علي التوالي في قلب بغداد. صبي صغير يدعي حسن عماد لا يتجاوز الخامسة عشرة قاد الامريكيين الي مكان الوحش.كان يلعب play station في منزل الجيران عندما داهمت قوة من مغاوير وزارة الداخلية المنزل، وقامت باعتقال الصبي الذي كان مفزوعا. في اليوم التالي وبعد ساعات عصيبة وطويلة حصلت والدته علي نبأ جيد: الصبي معتقل في مكان غير معروف من سجون وزارة الداخلية يدعي معتقل الجادرية. ان يحصل اهالي المعتقلين في العراق هذه الايام، علي نبأ من هذا النوع؛ فان ذلك غالبا ما يستقبل بالتهاني بين الاسر المفجوعة. تمً ابلاغ خال الصبي الذي يعيش في امريكا (يعمل بروفسورا في جامعة اورغون) ان الصبي هناك.

رصاصة طائشة وهاتف جوال

اتصل الخال بالامريكيين وقدم شكوي مكتوبة. بعد ايام وصل امر الي العقيد هورست قائد قوة الحماية في بغداد بمداهمة قفص الجادرية.امر العقيد هورست بفتح القفص. هناك وجد 200 معتقل في حالة يرثي لها . لقد تعرضوا الي صنوف وحشية من الافتراس.ان حكاية السجون السرية التي تديرها وزارة الداخلية العراقية؛ في عهد وزيرها الاكثر شراسة باقر جبر صولاغي (المعروف باسمه الحركي بيان جبر والذي وصفه السفير الامريكي زلماي خليل زاد مؤخرا، بانه وزير طائفي) يمكنها ان ترسم علي نحو دقيق للغاية صورة العالم السفلي للاحتلال الامريكي. انه عالم من الرعب الهوليوودي الكامل والمتواصل؛ والذي لا شبيه له في التاريخ الجنائي او السياسي لهذا البلد التعيس. لم يحدث قط، في اي وقت من التاريخ القريب او البعيد، ان عاش عراقيون ابرياء، لمجرد الشبهة بارتكاب اعمال معادية للدولة، داخل شبكة عنكبوتية معقدة من الاقفاص الجماعية السرية التي يغدو فيها المعتقلون، مع الوقت وتفاقم النسيان المتعمد لاوضاعهم الانسانية المحزنة والشاذة، مجرد معتقلين اشباح لا يعرف عنهم العالم الخارجي اي شيء. انهم السجناء الاشباح في العراق الجديد، الذين لا يملك عنهم محبوهم او منظمات الصليب الاحمر الدولي اي معلومات ذات قيمة.او كما يقول المثل الشعبي لا ُتعرف اراضيهم . ومثلما اتضح بجلاء بعد وقت قصير فقط من الكشف عن هذه السجون السرية التي تناهز الالف، تفجرًت فضيحة اخري لا سابق لها في تاريخ التعذيب. الكشف عن قفص ساحة النسور، حيث وجد الامريكيون هناك ما يزيد عن 600 سجين تعرضوا لتعذيب مدمر داخل حجرات ضيقة وخانقة يختلط فيها الدم بالغائط. ان تاريخ التعذيب الذي قام ميشيل فوكو بتشريحه لا يتضمن اي واقعة مشابهة لما يجري في العراق الجديد. لقد جري تعريض السجناء ودون رحمة لنمط شاذ وغريب من التعذيب المخيف بواسطة المثاقب الكهربائية، وهو امر مؤكد تثبته الصور التي حصل عليها مندوب الامين العام للامم المتحدة والصليب الاحمر الدولي، ويظهر فيها عشرات المعتقلين الذين تمً ثقب ادمغتهم وسيقانهم حتي الموت. فضلا عن ذلك لم يحدث، في اي وقت ايضا، ان وجد عراقيون ابرياء انفسهم، ولمجرد الاشتباه بصلتهم المزعومة بالارهاب انهم قد اضحوا عرضة لنمط من الانتقام الجنوني: اغتصاب نسائهم امام اعينهم، مثلما تدلل علي ذلك شهادة اللواء جواد رومي الدايني آمر قاطع الرصافة التابع لوزارة الداخلية الذي قام بنفسه، بناء علي امر من العقيد هورست بفتح قفص ساحة النسور. ثمة كتاب ضخم يطفح كل سطر فيه بقصة محزنة من قصص التعذيب الجنوني والهستيري. الشاب الوديع عدي ابراهيم المشهداني الذي يعمل حارسا في مقر هيئة علماء المسلمين بزعامة الشيخ حارث الضاري، ليس آخر الضحايا في قصص التعذيب هذه ولا هو اكثرهم نموذجية؛ ولكن قصة تعذيبه المفزع يمكن ان تكون دليلا من بين ادلة جنائية كثيرة علي نوع الجريمة وطبيعة الهدية المسمومة. بمحض المصادفة كان الشاب الوديع يتصل من هاتفه الجوًال تحت جسر الخطيب علي الطريق السريع، عندما سُمع دوي انفجار عبوة ناسفة علي مقربة من المكان. لم يتسن له اكمال المكالمة بسبب الضجيج الهائل الناجم عن الانفجار واصوات سيارات الشرطة، وايضا بسبب الرصاصة المفاجئة التي اطلقت عليه علي الفور. اصيب الشاب برصاص الشرطة المصوًب نحوه بقصد فاضح ومن دون سبب منطقي؛ ولكن بدلا من اسعافه، سارع ضباع الداخلية (في التعبير الرسمي شديد العامية ايضا: لواء الذيب، اي الذئب) الي اعتقاله ومن ثم نقله الي واحدة من هذه الاقفاص. (لينال حصته من ممارسات التعذيب الشيطاني من الحرق في الاماكن الحساسة والثقب بالدريل - المثقب الكهربائي- وتكسير الاطراف).

تبيًن الصور المفزعة التي نشرتها صحيفة البصائر لسان حال الهيئة، ان جثة القتيل كانت ممزقة الاوصال حين تم تسليمها الي ذويه، بينما كان الوجه البشري الوديع مشوًها علي نحو تلاشت منه اي ملامح بشرية. ها قد تم تحويله الي وحش بلا ملامح علي مثال الضبع الذي قام بافتراسه داخل القفص. في حادث آخر منفصل بتاريخ 1 ايلول (سبتمبر) 2005 كان مسرحه حي الشعب، قامت الضباع البشرية بافتراس شاب صغير يدعي حميد عبد الرحمن صباح النداوي. كان النداوي في محل عمله حين توقفت ثلاث سيارات للشرطة مختلفة الانواع (اوبل، برنس، سوبر وهذه يطلق عليها العراقيون اسما ساخرا : (سوبر بطة، ربما لانها تشبه البطة الكبيرة) ترجًل منها تسعة اشخاص يضعون علي صدورهم شارة منظمة بدر وطلبوا من النداوي مرافقتهم في الحال. وهذا ما حدث. لكن ذوي الضحية الذين راعهم النبأ سارعوا الي البحث عنه في مراكز الشرطة ومقرات الداخلية. ولشد ما كانت المفاجأة مثيرة للاعصاب حين جري ابلاغهم بالتالي: هل قلتم ان الاشخاص يحملون شارة منظمة بدر؟ اذن اذهبوا وفتشوا الثلاجة.

بيد ان ثلاجة مستشفي الكندي حيث تتكدس هناك مئات الجثث المجهولة التي ُيعثر عليها، مصادفة، او تقوم دوريات الشرطة عادة بجلبها من الطرقات العامة ومن الاقفاص، ليست مكانا مثاليا لحفظ الجثث. هناك صادف ذوو الشاب من يقول لهم صراحة، ولتفادي تعقيدات التفتيش عن الجثة المطلوبة (بسبب الدمار الهائل الذي يحدثه التعذيب والي الدرجة التي تتغيًر فيها الملامح البشرية للضحايا): اذا كنتم تبحثون عن ضحية من ضحايا منظمة بدر فعليكم التفتيش في هذه الخانة. ان هذا الجزء مخصص لضحايا بدر. وبالفعل كانت هناك جثة الشاب وعليها آثار تسع رصاصات.

ضحايا الضباع البشرية

في حادث آخر منفصل، يروي عباس جسًام الدليمي شقيق احد الضحايا ان الضباع البشرية (ضباع الطوارئ في وزارة الداخلية حسب التسمية الرائجة) هاجموا دار عزاء يوم 17 ايلول / سبتمبر 2005 في منطقة المعالف جنوب الدورة، وان هؤلاء قاموا باعتقال اربعة عشر شخصا من المعزًين من بينهم خمسة افراد من اسرة واحدة. والمعتقلون هم: عباس جسًام الدليمي، واولاده رعد عباس جسًام الدليمي، ومؤيد عباس جسًام الدليمي، وسعد عباس جسًام الدليمي ووليد عباس جسًام الدليمي. بعد يوم واحدٍ فقط من اعتقالهم عثر احد المواطنين مصادفة علي جثة ملقاة علي قارعة الطريق في النزع الاخير. كان الشاب يلفظ انفاسه فوق قضبان سكة الحديد قرب الكاظمية. لقد تركته الضباع هناك مهشما ومحطما تماما. بعد نقله الي المستشفي وتلقيه العلاج روي الشاب الذي نجا من الموت كيف، وعلي اي وجه بالضبط افترسته الضباع البشرية. كانت القصة مطابقة حرفيا لقصص الافتراس السابقة. يقول هيثم شقيق احد الضحايا الذين عثر علي بعضهم، فوق سكة الحديد ايضا: (ان الضباع البيضاء في المستشفي لم يقدموا لشقيقه الاسعافات اللازمة، لان الممرضين والاطباء لاحظوا عبارة نقشت فوق ذراعه: ارهابي.لقد فارق الحياة). الملاحظ في سائر هذه الامثلة التي تسوقها بعض الصحف المحلية في العراق الجديد ومن دون انقطاع، عن ممارسات رجال الشرطة ومنظمة بدر ورجال الاسعافات الاولية في المستشفيات، ان دورة الجريمة تكتمل فعليا في المستشفيات. وكما برهنت سلسلة من الوقائع المترابطة؛ فان الفظائع المرتكبة وهي ذات طابع طائفي صارخ، تقوم علي نمط من التنسيق الاستخباري الذي تتكامل فيه مهمات الضباع بمختلف صنوفها.

مهمة صنف الضباع الخضراء في الداخلية علي وجه الحصر، الاجهاز علي الطرائد البشرية اثناء المداهمات الليلية وخلال ساعات منع التجوال، او الانقضاض عليهم اثناء المطاردات في وضح النهار، وتنفيذ عمليات اقتحام للمحلات التجارية واماكن العمل لاقتياد الضحايا الي المعتقلات، وبالطبع من دون اي تصنيف او تدقيق في نوع التهم او الجرائم المزعومة. اما صنف الضباع السوداء التابعة لفيلق بدر؛ فان مهمتها افتراس الطريدة داخل مغارات وزارة الداخلية. وبينما تتكامل مهام رجال الشرطة والحرس الوطني - التابع لوزارة الدفاع - في هذا الحيز من العمل؛ وبحيث يجري اصطياد الضحية ومن ثم التناوب علي افتراسها، يقوم علي الضفة الاخري، رجال الاسعافات الاولية في المستشفيات (وهؤلاء استحقوا لقب الضباع البيضاء) بوضع اللمسات الاخيرة علي الموت من خلال الامتناع عن تقديم اي علاج. انه عالم بدائي بامتياز، وخيالي بامتياز ايضا يرتد فيه الضحايا الي طور ما قبل العصر الحجري؛ فيما يعود الجلادون الي طور ما قبل الآدمية.

ذئاب وضباع وعقارب

من المنظور الثقافي للغزو الامريكي، يمكن للمرء ان يستنتج الكثير مما لا يمكن، او يصعب التوصل اليه عبر التحليل السياسي المجرد. ان التأمل في مغزي سلوك القسوة المفرطة التي يستخدمها الجلادون الجدد ازاء الضحايا، يساعد، من المنظور الثقافي وحده، في الكشف عن البعد الحقيقي لذلك الترابط المثير؛ بين الافراد المنتسبين الي الشرطة او الذين يعملون في وحدات عسكرية تحمل اسماء غريبة، وفوق ذلك غير بشرية مثل لواء الذيب (الذئب) او لواء العقرب؛ وبين سلوكهم حيال ضحاياهم، وهو سلوك يتسم بوجه العموم، بوحشية ذات طبيعة حيوانية بالفعل، والي الدرجة التي يصبح فيها التهام (وافتراس) الضحايا سلوكا نمطيا . هذا الترابط المذهل، يصبح فعالا وحقيقيا عندما يتخيل الفرد نفسه في صورة ذئب، ويحيا يومه كاملا داخل بزة مرقطًة، وحيث ُيطلب منه، في كل لحظة، وفي اطار برنامج تدريب شاق تستخدم فيه الايديولوجيا الدينية بكثافة، ان يتخيًل نفسه، وان يتصرف ازاء اعداء مفترضين له، كذئب حقيقي وليس كانسان. ولذلك وكما بينت تجربة الجماعات الفاشية في اوروبا، سيبدو من المتعذر السيطرة علي سلوكه. لقد ساعده مدربًوه وملقنًوه علي الارتداد، بسرعة وفعالية اكبر، نحو مكوًن مندثر ومنسي في تكوينه الشخصي، جري القطع معه في سياق التطور التاريخي للشخصية الانسانية، يوم كان الانسان لا يزال في طفولته الاولي والبعيدة عضوا في عصابة من الحيوانات المفترسة (اسرة البدائيين).ان العضو الجديد، المعاصر، المنتسب الي عصابة الذئاب او العقارب في الشرطة والجيش العراقيين، وهو قد يكون شابا فقيرا ومفلسا من ابناء الجنوب، جاء بحثا عن فرصة عمل في العاصمة حتي وانْ كان ثمنها الموت، حيث تدفع رواتب خيالية تصل الي 600 دولار شهريا؛ سوف يصبح هو نفسه ومع الوقت وبفضل التثقيف الايديولوجي المصحوب بنوع من البروباغاندا الرخيصة، عن القتال حتي الموت من اجل الفرصة التاريخية للشيعة عضوا في اسرة من المقاتلين الذين يقال لهم، دون انقطاع، ان ادوارهم الجديدة تستدعي قدرا من الاندماج في الدور وليس تقمصه، وانهم اذا ما اندمجوا في ادوارهم، وقاموا علي اكمل وجه، بلعب دور الذئب او العقرب؛ فان نجاحهم في مهمتهم المقدسة سيكون مضمونا. ليس في هذا التوصيف ادني قدر من التخيًل او الافراط في تقدير قيمة المعطيات؛ ذلك ان عمليات التعذيب المخيفة التي يتعرض لها المعتقلون، تجعل مثل هذا التوصيف وسواه واقعيا الي ابعد حدً. ان لمن النادر، حقا، رؤية مثل هذه الترابط، في حالات مشابهة اخري استخدمت فيها الجيوش والمؤسسات العسكرية ولاغراض تعبوية، اسماء حيوانات او حشرات. جرذان الصحراء البريطانيون، مثلا، وهم افراد وحدة خاصة عملت اثناء غزو العراق في الخطوط الخلفية، لا يشبهون الجرذان علي اي حال حتي في سحناتهم الاصطناعية المصممًة لاغراض التمويه علي العدو، وليسوا جرذانا قاضمة بكل تأكيد. بيد ان ذئاب وزارة الداخلية العراقية علي العكس من ذلك، باتوا ذئابا حقيقية في اعين العراقيين، فهم يقومون تلقائيا ومن دون حاجة الي اي تعليمات، بمطابقة ذات طابع حرفي تام بين كونهم ينتسبون الي وحدة الذئاب ، وبين كونهم افرادا عاديين تحولوا الي ذئاب حقيقية وظيفتها افتراس الضحايا بواسطة مخالب فولاذية.

وبالمعني الرمزي وحده ايضا، وحسب المثل العربي الدارج لكلٍ من اسمه نصيب يمكن للمرء ان يتخيل المثاقب الكهربائية التي يستخدمها هؤلاء الذئبيون (اي الذين استكملوا ارتدادهم من الطور البشري الي طور الذئب من خلال انتسابهم الي لواء الذئب) بوصفها مخالب فولاذية. انها نوع من امتداد فزيولوجي للاظافر البشرية التي تنهش في وجوه الضحايا التعساء. ان رمزية استخدام المثاقب الكهربائية في عمليات التعذيب، وتهشيم عظام الضحايا، وتشويه ونهش الوجوه، يمكن لها ان تتجلي وتتجسد في هذا المنحي من تقمص دور الذئب، اي في هذا القدر المفرط من الاندماج التام بالشخصية الجديدة.

العراق في صندوق باندورا

لقد قرر الامريكيون ادخال العراق بأسره داخل صندوق باندورا المليء بالوحوش الكاسرة والذئاب والعقارب، اي داخل القفص المليء بالهدايا السامًة؛ من اجل ان يتحول السعداء بهدايا إلهة الشر، هم ايضا، الي وحوش. يكتب ماكس فولر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وتحت عنوان (Media Disinformation and Death Squads in Occupied Iraq: التضليل الاعلامي وفرق الموت في العراق المحتل) ما يلي: ان فرق الاغتيال والتعذيب والقتل في العراق ترتبط كليا بشبكة من ضباط CIA الكبار، وهي تخضع لاشراف مجرمين متمرسين بالعمل الاجرامي. من بين اكثر هؤلاء المجرمين احترافا بحسب فولر، اللواء عدنان ثابت قائد قوات مغاوير الشرطة الذي يرتبط به لواء الذيب (الذئب) مباشرة، كما ترتبط به سائر مجموعات العقارب الاخري في وزارة الداخلية. لكن اللواء ثابت يرتبط، شخصيا واداريا ، بمستشار وزارة الداخلية الامريكي جيمس سيتل. وسيتل هذا، شغل في الماضي مراكز عسكرية مرموقة وكان واحدا من اهم قادة الوحدات الخاصة العاملة في فيتنام، وله سجل اجرامي حافل قام بتلميعه جيدا اثناء خدمته في السلفادور، عندما كلفه (البنتاغون - وزارة الدفاع الامريكية) بالاشراف علي تدريب وقيادة فرق الاغتيال هناك. ثمة امريكي آخر لا يقل سجله بشاعة، هو ستيفن كاستيل المتخصص في الاشراف علي وحدات القتل، والذي يقوم بنفسه بقيادة فرق الموت في العراق، مطوًرا تجربته السابقة في بيرو وكولومبيا. المحزن، في حكاية صندوق باندورا العراقي هذا، ان العراقيين العاديين، وحتي طبقة السياسيين الذين لطالما تشدقوا باهمية العملية الديمقراطية ، اذا افترضنا حسن النية، لا يعرفون البتة اي شيء عن حقيقة فرق الموت هذه، او انهم في اسوأ الاحوال يتجاهلون وجودها. كما يتجاهلون عن قصد، وفي احيان كثيرة، القوي الخفية في العالم السفلي للاحتلال الامريكي، التي تقوم، غالبا، بتوجيه هذه المجموعات وقيادتها والاشراف علي انشطتها، وقد يتصورون، طبقا لصورٍ نمطية مُستلة من تراث ضخم من الاحتراب السياسي في العراق الحديث، ان ابطالها المرئيين وادواتهم القذرة هم اعضاء منظمة بدر الاجرامية وحسب، وهذا صحيح جزئيا؛ فهؤلاء قاموا باختراق امني واسع النطاق للمراكز الحساسة في الجيش والشرطة والاستخبارات، ولكنهم لا يقومون باعمالهم هذه من دون اوامر واضحة من قادتهم المباشرين. هؤلاء يمثلون ويجسدون طبيعة الاختراق الامني الراهن من جانب المليشيات الشيعية لاجهزة الدولة.

2006/09/09

المصدر: شبكة البصرة

للعودة الى الصفحة السابقة

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker