الخنساء العربية من القطر السوري
الخنساء العربية من القطر السوري
الدكتور : عبدالإله الراوي
منذ مدة طويلة كنت أفكر بكتابة هذه القصة التي تدل على إمكانية الأمهات العربيات المؤمنات بالتضحية بأعز ما يملكن ألا وهو فلذات قلوبهن .
ولكن المعلومات التي لدي محدودة جدا ، مما دعاني إلى التريث أملا الحصول على معلومات إضافية ، ولكن دون جدوى .
و بعد قراءة قصة خنساء الفلوجة – لقد تألمت جدا لأن معجم اللغة على الحاسوب لا يعرف كلمة الفلوجة و حسب قناعتي وبعد البطولات التي قدمتها هذه المدينة فكان الواجب على كافة المعاجم والقواميس وبكافة لغات العالم أن تعترف بها كمثال للصمود والتضحية في المبادئ المثلى التي يؤمن بها أبناؤها – التي نشرت على موقع بحثي على الرابط http://www.b7thy.com/vb/showthread.php?t=258
وقمنا بتعميمها على العناوين التي لدينا.
فكرنا بأن من واجبنا أن نروي ما سمعناه عن الخنساء العربية من القطر السوري . ورغم وجود فرق كبير بين قصة خنساء الفلوجة وخنساء سوريا إلا أن هناك قاسم مشترك بين القصتين ألا وهو الاستعداد للتضحية بأغلى ما يملك الإنسان وهو فلذات كبده .
والقصة كما حدثنا بها أحد العاملين في مستشفى الرمادي :-
وصل شابان إلى هذا المستشفى قبل أيام قليلة من احتلال بغداد ، وكانا فد أصيبا بجروح طفيفة ، وبعد معالجتهما ، قالا للعامل في المستشفى : كنا ثلاثة أخوة في سيارة وسقطت قذيفة من إحدى الطائرات الأمريكية بالقرب منا ، وكانت سيارتنا على أحد الجسور قرب بغداد ، مما أدى إلى إصابة السيارة ، ليس هذا فقط ولكن أحدنا أصيب إصابات بالغة أدت إلى استشهاده في الحال .
وها نحن سالمون بإذن الله ، فهل تسمح لنا ، يا أخي ، أن نتصل بأمنا هاتفيا لنخبرها بوضعنا واستشهاد أخينا ونستنير برأيها .
اتصل بوالدته وأبلغها باستشهاد أخيه ، وقال لها : نحن الآن في الرمادي وبإمكاننا العودة ببساطة إلى سوريا والطريق آمن ، فهل نعود أم ماذا تنصحينا ؟
أجابت الأم : لقد تطوعتم جميعا لتكونوا شهداء في سبيل الله ، إذا من واجبكما الاستمرار في الجهاد في سبيل الله ورفع راية العروبة والإسلام فإما الشهادة أو النصر .
فإذا استشهدتما فسأكون فخورة بكما أمام الله وعباد الله ، وسيدخلكم سبحانه وتعالى في جنات النعيم إن شاء الله .
ألقى الشاب السماعة بعد أن ذكر له ما ذكرناه أعلاه.
وللأسف لم نستطع الآن معرفة مصير هذين الشابين ، آملين أن تزودنا الأم أو أحدهما إن كانا على قيد الحياة أو أحد المقربين منهما بما آل إليه مصيرهما .
وهذا يذكرنا بقصة الخنساء الشاعرة التي أصبحت مشهورة جدا بقصائد الرثاء وبالأخص تلك التي قالتها في صخر ولكن بعد إسلامها تغيير موقفها مع الإيمان بالله ورسوله بحيث أنها دفعت بأولادها الأربعة ليخوضوا غمار حرب القادسية ضد المجوس وعندما استشهدوا لم ترثيهم بأية قصيدة ولم تبك عليهم ولا بأس من نقل قصتها كما رواها مؤلف كتاب طبقات الشافعية الكبرى حيث يقول :
" أن الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية في بنين لها أربعة شهدت معهم حرب القادسية فقالت لهم إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وذكرت من صونها لبنيها وعدم خيانتها لأبيهم ما ذكرت ثم قالت لهم وقد تعلمون ما أعد الله لكم من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرب لظاها على سياقها وجللت نارا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة فخرج بنوها قابلين لنصحها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم وأنشأ أولهم يقول :
يا إخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضحة فباكروا الحرب الضروس الكالحة
وإنما تلقون عند الصائحة من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة وأنتم بين حياة صالحة
أو ميتة تورث غنما صالحة
وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى .
ثم تقدم الثاني وهو يقول :
إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي الأسد
قد أمرتنا بالسداد والرشد نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم غنم الأبد في جنة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى .
ثم تقدم الثالث وهو يقول :
والله لا نعصى العجوز حرفا قد أمرتنا حدبا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا وتكشفوهم عن حماكم كشفا
فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى.
وحمل الرابع وهو يقول:
لست لخنسا ولا للأخرم ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش العجم ماض على الهول خضم
إما لفوز عاجل ومغنم أو لوفاة في السبيل الأكرم
فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.
فبلغ خبرهم الخنساء أمهم فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته فكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يعطي الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مئة درهم ." ( الكتاب المذكور الجزء الأول " ص 261-262 )
وختاما نعود إلى مصير الشابين آملين أن لا يكونا قد وقعا بأيدي الصفويين في مدينة الثورة أو غيرها والذين قاموا بالمتاجرة بالشباب العرب وباعوهم بثمن بخس إلى خلفائهم الأمريكان أو قاموا بقتلهم بطريقة بربرية كما يحدث يوميا على أيدي فرق الموت .
هذه القصة وغيرها كثير تدل على أن العرب والمسلمين لا يمكن أن يقهروا من قبل الصهاينة وحلفائهم وإن النصر حليفهم بإذن الله .
تحية إكبار لهؤلاء الأمهات وألهمهن الله الصبر .
والله أكبر والنصر للعرب والمسلمين
الدكتور عبدالإله الراوي
دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا
0 Comments:
Post a Comment
<< Home