رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج3
* قصة البرنامج النووي العراقي
(1983-2003).
يشير الكتاب إلى أنَّ العمل الجدي ! في برنامج نووي بناءً على توجّه القيادة السياسية قد بدأ عام 1983 ولظروف العراق آنذاك على المستوى الدولي والإقليمي كان للقيادة رغبة في بناء قوة عراقية عربية رادعة ووجدت عنصر الأسلحة النووية أهم عناصر تلك القوّة.. لكن البداية في هذا المجال لم تكن على قدر من الوعي والمسؤولية، وعلى المستويين القيادي والعُلمائي، فالقيادة متسرعة دون إدراك لما يتخذه ذلك من زمن لبلد لا قاعدة علمية ولا قاعدة تقانية له ولا مستوى متقدم من الصناعة والتصنيع، ولم يشعر العلماء والتقانيين بالمسؤولية بتوضيح صعوبات الوصول إلى مستوى إنتاج السلاح النووي بهذه السرعة التي يريدها القياديون السياسيون، فبدءوا العمل من ألف باء العلوم والتقانة وتحت ضغط غير طبيعي، فكان الأجدر أن يعملوا بهدوء وروية في حقل التخصيب على أساس الحصول على وقود نووي للمفاعلات الموجودة أو المزمع إنشاؤها وبعلاقات هادئة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. لكن ذلك لم يتم وحيث أن القيادة السياسية كانت عجلة وأن العلميين والتقانيين كانوا يتبارون لكسب ود القيادة ومكرماتها التي بها ظنت ستحقق طموحها من أناس لا خبرة لهم ولا رغبة (كما يبين جعفر ذلك)، وأهم عنصر في البرنامج وهو جعفر (كما يصور ذلك الكتاب) كان قد أوقف وحجز لمدة (19) شهراً فكيف سيخلص علاوة على خلفيته العلمية في مجال البرنامج.. ومع ذلك فهو عملياً كان أفضل العاملين علمياً ... ويبدو أن العمل وزع على مجاميع ذكرها الكتاب G1 وG2 وG3 وG4 وهناك مجموعة الدراسة النظرية المكلفة بتصميم القنبرة النووية!!، وكان النفاق والشغب والتملق أمام القيادة على أشده بين مجموعة التخصيب ومجموعة التصميم، ومسؤول مجموعة التصميم، خائن الوطن، خضر عبد العباس حمزة في كتاب له ساعده في تأليفه أحد منتسبي المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وبعنوان صانع قنبلة صدام، وهو الآخر مليء بالكذب والافتراء لإرضاء أسياده الأمريكان، يقول أن جماعة التخصيب برئاسة جعفر ومساعده نعمان ما كانوا جدّيين فتلكئوا في عملهم فأخّروا إنتاج السلاح في وقته المبرمج!! كما يدعي وهو مظلل.
يذكر الكتاب المعقب عليه على لسان الأخ جعفر (صفحة 65) أعيد تشكيل لجنة الطاقة الذرية العراقية تحت أسم منظمة الطاقة الذرية وأعضاؤها جميعهم من المنظمة ومنهم جعفر نفسه فإذن جعفر لم يُجبَر على العمل بل هو أساس وفاعل فيه وبرغبته.
أما الزميل نعمان الذي يدعي أنه رجع للوطن والعمل في البرنامج حباً بجعفر وحباً بالوطن، وجعفر يقول أنه طلب مِن نائب رئيس اللجنة همام عبد الخالق أن يدعو السيد نعمان للعمل في البرنامج كونه كيميائياً مرموقاً، وهو كذلك، على أن يطلب من رئيس الجمهورية تعيينه بدرجة مستشار وإقناعه بالعودة، فأين الحب يا نعمان؟ واضح أن نعمان كان يريد أن يكون عند مستوى الحصول على المكافأة والمكارم والامتيازات التي بدأ الرئيس صدام يغدقها على تلك المستويات لتقديرات خاطئة منه. أما استغراب الأخ جعفر وزميله نعمان وأحياناً استهزاءً بأن رئاسة اللجنة كانت أما من قبل النائب صدام أو من قبل النائب عزة إبراهيم حين أصبح السيد صدام رئيساً للدولة وللحزب، فإن هذا الربط ربطاً معنوياً لكي يضع المنظمة في مسؤولية الدولة المباشرة قصداً للدعم والدفع ... وهذا شأن عام عند معظم الدول .. فلا أحد يظن ما لعبه أو سيلعبه الرئيس هنا على مستوى التخصص .. فذِكْرُ هكذا شأن لا مبرر له لكن تُظهِرا وكأنه شلَّ عملكما هذا النوع من الربط، إنما مشكلتكما هو بما حصل من مزايدات من مجاميعكما ونفاق بعضكم على بعض طمعاً بالتكريم، فوقعت الواقعة يا جعفر ونعمان، فبدأت مسرحيةٌ جديدة كثر كتّاب النصوص والمخرجون فيها وفقد الممثلون توازنهم، فأختلط الأمر على الضحايا من العاملين بإخلاص خلف الستار ... وكانت القيادة السياسية غارقة عام 1983 في مشكلة العدوان الإيراني على العراق، وفي خضم هذه الأجواء فُقِدَ ما هو جاد بما هو هازل، وكنا نراقب ذلك وننصح بالصدق مع النفس ومع القيادة، لأن أيَّ خطأ جسيم سيضر بالوطن قبل أن يضر بالقيادة ذاتها.. لكن المنافع الذاتية والخلل بالإخلاص عند البعض لخلفيات بدءوا اليوم يتحدثون عنها، جعلت هذا البرنامج يتحول إلى مسرحية تراجيدية أحياناً وكوميدية أحياناً أخرى ...
أما الحديث عن القضايا الأمنية بشكل عام فهي طبيعية في مؤسسة هذه مهماتها وتوجهاتها، وفي جميع دول العالم هذا هو الحال في مثل تلك المؤسسات ولكن قد يختلف أسلوب التعامل، لأن ذلك يعتمد على مستوى الوعي الثقافي في الإدراك العقلي لعناصر تلك الأجهزة الأمنية، وكمثال نعرفه جميعاً في بريطانيا وأمريكا وفرنسا وأنا شخصياً زرت بعضها تحت ضوابط أمنية لكنها واعية، ويوم أردت زيارة مختبر أرغون الوطني في شيكاغو في أمريكا منعت رغم إني أحمل كتاباً من جامعتي التي هي عضو مشارك فيه، وذلك موثق... فلا يجب خلط الأوراق والتدليس بهكذا أمور ... أما الحديث عن الحزبيين أنهم يرفعون معلومات عن العاملين فهو شأن حزبي يرتبط بأمن المؤسسة أو أمن الحزب والدولة، واليوم نرى ما تفعل أمريكا وبريطانيا حيث حتى التلفونات يتنصت عليها، وسفاراتها تعج بعناصر ترفع المعلومات حتى عن البلد الذي تحتله عدواناً... وما يجري اليوم في العراق تجاوز كل ما تتحدثون عنه بمراحل، فإنك تنتقد وتتحدث فلا مَنْ يعيرك أهمية، ثم يأتي إليك ملائكة ما بعد منتصف الليل ليأخذوك ويعذبوك حتى الموت ويلقون بك في مبازل الرستمية أو النهروان. كل شيء نسبي وهو في كل دولة يأخذ مستوى ينسجم مع حال الدولة وطبيعة العاملين رغم عدم إنسانية العمل.
فإذن حقاً لا مبرر لذكر ذلك فهو معروف وليس في مؤسستكم فقط، بل هو أشد في تلك المؤسسة بسبب طبيعة عملها .. فكان الأفضل أن يقتصر كتابكما على الجوانب العلمية والتقانية وبأسلوب موضوعي، لا إدعائي يخدش الآخرين ويغمط حقوقهم مهما كانت متواضعة، فكيف إذا تجاوزتما عليهم ظلماً وحقداً وبخاصة زميلنا السيد نعمان المصارع الرديف .. ويطرح بعض الناس القول أن بعض زملائكم اغتيلوا في فرنسا وغيرها لكنكما وأنتما الأعلون، كما يُظهر الكتاب، لم يحاول أحدٌ حتى التحرش بكما ولو عن بعد، وأنا الذي ما كنت معكم بل في الجامعة جرت عدة محاولات لإيذائي أو قتلي وأخرها في 18/4/1984 في فندق حياة ريجنسي في نيس جنوب فرنسا وكانت مرة بالإغراء ومرة بالعدوان المباشر على غرفتي وذلك موثق.
عليه فإن ما تتحدثان عنه من أمور سيرة ذاتية مشوشة وغير دقيقة أحياناً ونشر صور لكما يبين عزكما أيام قائد البعث!! وليس قائد العراق كما تسخرون منه في أكثر من موقع، ليس علمياً في الحديث وفي المنطلق، وأنا شخصياً لي موقف ضد سياسات الرئيس صدام حسين العلمية وتدخله في أمور فنية أخطأ فيها كثيراً وحضرتك يا زميل جعفر أحد أبطال تلك التداخلات وتزهو بها وأنت واقف بجانب القائد الضرورة! الذي وجدته اليوم ما كان ضرورة!!. فرحم الله إمرءً صدق مع نفسه ومع الآخرين ومع الأمانة التي حُمّل بها. وإيغالاً بالحقد على ولي نعمتك الوجاهية والأبهية والمادية، رغم إنك ليس بحاجة للمادة، تذكر قصة الشيخ الحكيم مع معاوية، وأنت لا تخاف من ذكر معاوية في العراق الجديد، فلماذا لم تكن كذلك الشيخ وتنصح قائدك وتريح ضميرك، أو تصمت اليوم إحتراماً لعلاقات سابقة أو شربة ماءٍ أو قهوة معه أو أنواط وأوسمة وجوائز تحملها في عنقك وعلى صدرك اليوم تذكرك بمجده وعزك معه.. نذكِّر بقول الشاعر مرةً أخرى دون تدوينه إحتراماً لإحساسكما رغم عدم إحترامكما لإحساس الآخرين!! أنا هنا أيها القارئ الكريم مضطرٌ للتعقيب على هكذا أمور لأن المؤلفينْ غطيا حديثهما بذلك وبتكرار ممل. وهما يتحدثان عن برنامج نووي ذي طبيعة علمية وتقانية ...
أمّا نقدكما، يا زميل جعفر، للسيد خضر عبد العباس حمزة، وكنت أنا الذي عينه في المعهد عام 1970م وهو ذو مستوى علمي مرموق لكنه فضُّ القلب نافر للآخرين بسبب خلفيته البيئيةُ البيتية، وكان هدفنا الإفادة منه للمساهمة في تحليل النتائج التجريبية للمجموعة النووية وليس مجرد نشرها كأرقام وبيانات ورسوم. لكنه بإنتهازيته المادية والوجاهية ترك عمله الأساسي وراح يفتش له عن موقع بعد تركنا العمل في 22/7/1972، ولا أريد أن أنسى المجلة (الذرة وتنمية المجتمع) التي أصدرتها أنا وعينت خضراً مشرفاً عليها وأحمد آل جميل سكرتيراً لها، لكن تلك كانت ضمن برنامج توعوي للناس بشأن أهمية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية التي كان المجتمع بأمس الحاجة لفهم ذلك ..
وأنا اليوم أراه خائناً لوطنه ولأمته كما ذكرت سابقاً، ولكن ليس فيكم من هو أعلم منه في حقل تخصصه. وأنا أعرفه منذ أيام الدراسة الجامعية وتخرج قبلي بسنة وكان الأول في سنته وبدرجة شرف، كما كنت أنا كذلك عند تخرجي، ولكن أيضاً لحقده ونكرانه للجميل يقدحني لأني كنت مهتماً بالبعث، وكان ذلك في الأعوام 58 و59 و60 و61 أيام المد الشيوعي القاسمي الشعوبي، يوم عز درويش والنعيمي، ومحاربتنا، ومع ذلك كنّا أوائل وبدرجة شرف، ولكن حرمونا من التعيين في الجامعة لأسباب يعرفها النعيمي وزميله الدرويش أيام عبد الجبار عبد الله وعباس الصراف، كل ذلك نسيناه واحتضنا من حاول الاعتداء علينا وهم أحياء يرزقون، لكن غيرنا لا ينسى ما حدث عام 1963 ويتجاوز على ما حدث عام 1968، كل ذلك يعتمد على الأصل وعلى التربية. كما قلت كان ذلك ضرورة للرد على الافتراءات غير المبررة على الآخرين بعيداً عن حقيقة البرنامج وسيرته العلمية والتقانية.
يا زميليَّ العزيزين من يقرأ ما كتبتما بشأن البرنامج يتوصل إلى أنكما بطلا المسرحية نصاً وإخراجاً وأداءً والباقون ردّادون، يعملون ما تجود به قريحتكما كالببغاء تردد قول من يحاكيها. ولا أظن ذلك إنصافاً.. إننا نعلم رجالات البرنامج معكما وبعضهم زملاء لنا يتذكرون دورنا في بداية السبعينات بفخر لا بتجريح كما يحاول الأخ نعمان ذلك عبثاً أو حقداً لم نجد له مبرر غير خلفيته السوداء أيام المد الشيوعي القاسمي الشعوبي آنذاك.
أيها الزميلان العزيزان إن من يقرأ بين سطور كتابكما هذا يجد دوركما في فشل البرنامج وعدم جدية العمل والابتعاد عن قول الحقيقة فتتحججون بالمتوفى حسين كامل كونه نائب عريف أو مفوض شرطة لكنكما عملتما تحت إمرته وتركتما زميلكما همام الذي هو ليس بأفضل مستوى منه، وأنتم تتندرون به وبشهادته في جلساتكما الخاصة، لكنه كان يفيدكما بالحصول على المكرمات والجوائز، وقطع الأراضي والأوسمة والأنواط ... وهنا يحق للسائل أن يسأل كيف أخلصتم العمل تحت قيادة إنسان تصفوه بأحط الصفات؟ وهل صدق من قال من بينكم أنكما كنتما تتمنون الخلاص من البرنامج، لأن حبل الدجل قصير، فأنقذتكما عاصفة الغدر والخيانة ...
أما ما تذكرانه بأن الاستبداد والتعسف لم يساعداكما على قول الحق للقيادة فسببه :
1- دخولكما اللعبة ابتداءً لأغراض مادية ووجاهة ولم تتصورا تطور الأمور السياسية في العراق وربما لكما تحليلاتكما بشأن الوضع وما سيؤول إليه فبعضكما له اتصالات جيدة مع أوساط دولية ذات سمعة تحليلية للأمور الدولية والسياسية، وهو برنامج بالنسبة لبلد كالعراق يحتاج إلى عقدين في أقل تقدير مع ظروف جيدة..
2- في ضوء تطور الأوضاع الدولية وعلاقتها بالعراق ركزت القيادة على البرنامج معتمدةً عليكما وبقية زملائكما لثقتها بكم جميعاً وبالأخ جعفر، لكن جهل القيادة بهكذا أمور، وجهل من يحيط بها من أدعياء يحتفون حول رائحة الامتيازات، جعلها تظن بعملكم خيراً، فوجدتم وضعاً لم يتمتع به إينشتاين وفرمي وأوبنهايمر وجمَّو وتلر وفاينمان وزملاؤهم أقطاب دفع الطاقة الذرية إلى ساحة السلاح أيام الحرب العالمية الثانية ... وأصبح برنامجهم هذا مودع في المكتبات والوثائق الخاصة.. لذا لم يدر بخلدكما أن تقولا الصدق عسى أن تلد الفرس حصاناً أصيلاً دون تلقيحها من حصان أصيل معروف النسب عند العرب ...
ولجهل القيادة راحت تغدق عليكم بما لذ وطاب وجعل غيركم يعيش حالة العجب العجاب ...
إن من يدعي خوفه من ترك العمل لمجرد الخوف فهو غير صادق وغير دقيق، فلنا مع السيد الرئيس صدام مواقف رفضنا ما عرضه علينا أكثر من مرّة لأننا لم نتفق مع طريقته بالعمل والتعامل العلميين .. وذلك موثق أسألا همام والهاشمي الذي في إحداها هزّأناه وأراد همام استغلال ذلك لإزاحة الهاشمي ليحل مكانه، كان ذلك عام 1977 على ما أذكر.
وبعدها عام 1982 حيث عرض علينا رئاسة الدائرة العلمية المؤسسة حديثاً في ديوان الرئاسة فاعتذرنا لأننا أيضاً لا نستلم أوامر ننفذها دون رأي .. اسألا العميد الركن في حينه صادق شعبان وغانم حساوي، مثلاً، نعم بعدها لم يعرض علينا عمل وهذا غير مهم، وكانت الوصية إذا أردتم علي عطية في أمر وظيفي أسألوه أولاً ... فيا جعفر ويا نعمان أتقيا الله وقولا قولاً سديداً يصلح لكما الله أمركما. ومن الأمور الملاحظة عند حديث الزميلين عن موضوع الكتاب إنهما إتبعا أسلوب الفريق المتناوب في العمل بصيغة المصارعة الحرة الأمريكية المسلّية .. وكأن الهدف هو إبراز دور كل واحد على حدّة لكي يوضحا ذلك الدور بالتفصيل دون الاهتمام بالعاملين في المختبرات حقاً .. وهو أسلوب جديد في مجال تأليف الكتب كما هو حال أسلوبهما الجديد في إنتاج الأسلحة النووية ... ولا يخلى ذلك من ضرورة مدح أحدهما للآخر بأسلوب غريب ... فالزميل نعمان مثلاً بهرته عبقرية جعفر كثيراً في أمور يجهلها هو كونه كيميائياً تحليلياً غير عضوي وهو اختصاص معادلاته الحسابية بسيطة، وجعفر فيزيائي في مجال فيزياء الطاقة العالية وهو فرع مؤسس على أعقد المعادلات الفيزيائية في حقل نظرية المجال الكمي ونظرية الدينمية الكهرمغناطيسية الكمية، فحتماً سيبهر نعمان المسكين بذلك، ويتصور فقط أن جعفراً يعرف ذلك وهو محصور في غرفة ولوحة، أما الآخرون من الفيزيائيين فلم يحتك بهم في مجال الشرح والتفسير لظاهرة ما، فهذا أيضاُ يدخل في مجال جهل المادح بحقيقة تخصص الممدوح. إن النظرية الفيزيائية في حقل تخصيب اليورانيوم بطرقه المتنوعة معروفة ومنشورة وتدرس، لكن المهم أن تفهم وتطبق عملياً بحسب ظروف البلد حين لا مجال له غير التجريب، تقانياً، وما اقوله هنا لا للانتقاص من الزميلين العزيزين إنما وددت التوضيح بحالة البرنامج النووي العراقي على حقيقته لا كما ظن الآخرون، فجعفر فيزيائي جيد جداً في حقل اختصاصه ونعمان كيميائي جيد جداً في حقل اختصاصه.
فلا بد أن محاولة تطبيق ما هو نظري أولياّته معروفة تقانياً، في بلد نام كالعراق بدائي القاعدة العلمية والتقانية وبمستوى أفضل لقاعدة صناعية عام (1988)، ليس بالأمر السهل، ويأخذ عمل البرنامج النووي وقتاً طويلاً... لكن عجلة القيادة وعدم شفافية قادة البرنامج تجاه تلك القيادة وضع البرنامج في مأزق كبير تمثل في الآتي :
1- تخبط العمل والمسؤوليات في قيادة البرنامج وقيادة الإشراف السياسي عليه ...
2- تخبط أسلوب الحصول على المعدّات والمواد ذات العلاقة مما فضح توجه العراق أمام أجهزة المخابرات الدولية والصهيوينة إن لم يفضح بعض ذلك من قبل بعض العاملين المجبرين بدون رغبة أو لعدم إيمانهم بالنظام. فإنسان كخضر حمزة يحمل شنطة فلوس ويذهب ليتسوق سراً وهو ليس بأمين ماذا يُتوقع منه وهو مستعد أن يبيع والده بأيّ ثمن. وغيره من ناقدي النظام بشدة واجبروا على العمل ماذا يُتوقع منهم وخاصة من كان يرى الامتيازات الجزيلة ولا يصيبه منها إلا الفتاة، لأن رئيسه قدّمه بمزاجية علاوة على أولئك الذين تعاونوا مع المحتل وأخرجهم والحرب قائمة...
3- كثرة الوكلاء ومن العالم الغربي الذين تعامل معهم العراق لأغراض البرنامج والتسلح في مجالات أخرى جلب الانتباه إن لم يكن قد خطط عملياً للعراق للوصول به إلى ما هو عليه اليوم وأظن صِدق هذا التحليل.
4- كثرة التصريحات غير المسؤولة من قبل مسؤولي البرنامج والمشرفين عليه سياسياً للحصول على امتياز عند القيادة.
5- التخبط في اختيار الطريقة المناسبة للتخصيب كما يوضح الكتاب وضغط حسين كامل على العاملين دون وعي أربك العمل وأساء إليه وقيادة البرنامج العلمية صامتة بحجة الخوف!!.
علاوة على ما تقدم فإن المجموعة العلمية والتقانية العاملة على البرنامج، كما يلاحظ قارئ الكتاب، غير متجانسة في العمل ولا في الرغبة وأجزِم حتى بمستوى الإخلاص للبرنامج .. فمعظم أعضاء القيادة العلمية لم يكن في يوم ما مؤمن بالنظام بقيادة البعث خارج إطار الحوافز والامتيازات على المستوى المادي والمستوى المعنوي، ويظهر ما يؤكد استنتاجنا هذا من خلال الطرح الساخر والنقد الجارح لقيادة النظام وأركانه بل البعض ذهب يفتش عن أحداث عام 1963 يوم كانت القيادة من نوع آخر .. ليدونها، فأيُّ إخلاص عنده، ثم هو يؤيد عدم رغبته في تقوية أركان النظام، لذا فلا نظلم أحداً أبداً بقولنا هذا ... وأنا لم أكن بعيداً عن البرنامج وأشخاصه، لأني على تماس بهم منذ عام 1970 وحتى عام 2003م، سواء كمدير للمعهد وعضو لجنة الطاقة الذرية، أو مشرف على دراسة الماجستير في فيزياء المفاعلات، كما ذكر سابقاً، أو مديراً عاماً للهيئة العربية للطاقة الذرية، وأن منظمة الطاقة الذرية العراقية تمثل العراق في المكتب التنفيذي والمؤتمر العام للهيئة ولنا أنشطة علمية مشتركة، كما كان الأخ جعفر يتصل بنا ويطلب أموراً لكنه يتركها ولا ندري سبب ذلك!.
ومن مآسي البرنامج النووي هذا هو التنافس بين حسين كامل وهمام عبد الخالق وكلاهما فارغان علمياً وتقانياً، لكنهما يحبان التميز والظهور أمام الرئيس صدام لغرض الصعود إلى ما لا يستحقانه، وكان قبلهما الهاشمي صاحب اليد الحاملة للقنبلة الذرية، وكل يريد وصلاً بليلى وليلى عقيمة لا تلد!! وكما قلت كان هؤلاء، بقصدٍ وصَمْتٍ من قيادة البرنامج العلمية، يتزاحمون على مكتب الرئيس صدام حسين كلما طرق سمعهم إن تقدماً ما حصل في عمل البرنامج كنصب بضعة فاصلات والحصول على (3) ملغم يورانيوم بخصوبة 3%!! وهي نتيجة مختبرية تشجع صاحب التجربة على العمل لكنها بعيدة بعد القمر عن الأرض للحصول على ما هو هدف البرنامج، كل ذلك لإرضاء الرئيس وتشجيعه على منح المكرمات والأنواط وهمام وحسين كامل والهاشمي يحصلون على أكبر قدر من ذلك وهم لا علم ولا فهم عندهم لما يجري .. بل ناقلي بشرى ليس بالمستوى المطلوب علمياً بل مطلوب تكريمياً وتحفيزياً ... ولا أظن أن جعفر ونعمان ينكران ذلك فهو مؤشر له في كتابهما ... كل ذلك العمل المسرحي يتم وجعفر لا يحرك ساكناً بل يبتسمُ لهم بابتسامته الباهتة المعهودة بعد هنيهة من التنهيدة. وقد كسب المعركة حسين كامل وسحب البرنامج إلى التصنيع العسكري وترك زميله همام يندب حظه ويبكي في مكتب الرئيس صدام (ذكر ذلك لي السيد حامد حمادي سكرتير الرئيس آنذاك)، فطُيِّبَ خاطر همام وحصل حسين كامل على الكعكة الملغومة...
إما أن يتحدث اليوم الزميل جعفر وقرينه الزميل نعمان بأمور كان عليهما أن يكونا شفافينْ بشأنها أمام القيادة السياسية ويبلغا رأيهما بالأخطاء، لأن إيذاء الوطن بالنسبة للمخلص أشدُّ قسوةً من إيذاء الذات، لأن إيذاء الوطن إيذاء شعب بأرضه وعرضه كما هو اليوم حاصل في العراق، وليس مهماً أن يتحدث الإنسان وهو خارج الوطن في أتم الراحة والاستجمام وأبناء وطنه يعيشون العزلة والحرمان وسوء الأمان وإنهيار الصحة والقتل المجّان، إن ما ورد في الكتاب من أمور لا تعذر مؤلفيْهِ ولا الذين كانوا معهما في البرنامج على مستوى القيادة العلمية، مِن الخطأ الذي ارتكباه بحجة استبداد النظام وليكونا شفّافين صرحاء، ويعترفوا أن كل شيء كان بحب المادة والجاه والمعنويات التي أسست لهما على جماجم أبناء الشعب العراقي النبيل وعلى استقلاله وحريته، وهذا ما حصل، فمنكم من تبناه المحتلون ومنكم من جلس خارج البلد ليتحمى على أحداثه الساخنة ويكتب على راحته أو يدلي بكلام يعجب القراء الغافلين عن حقيقة البرنامج النووي العراقي. فلا يفيد اليوم قولكما بتهور حسين كامل ونزواته فهو معروف عند العراقيين وعندنا ولا نكن له أيّ احترام لا وهو في السلطة ولا وهو عند ربه ينتظر يوم الحساب، فموضوع استخلاص اليورانيوم من قضبان الوقود الروسية والفرنسية لا يختلف عن برنامجكم المذكور بالنسبة لمخالفة معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية بل هما سيان أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلا داعي للوم حسين كامل حيث الوضع أصبح يفتش عن قشّة للاعتماد عليها، والنظام كان غبياً لأنه لم يدرك أن ما كان يدور لا يتجاوز قشة قصب لا تقوى على شيء ... كفى غشاً للقارئ العراقي والعربي وربما العالمي من خلال النسخة الإنكليزية ... إن لمن يريد حقاً عمل برنامج نووي قادر على تأسيس قدرة نووية للعراق وللأمة فهناك طريق آخر.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home