Monday, October 22, 2007

رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج2

* الفصل الأول (القسم الثاني) :
((حكاية البرنامج النووي العراقي))

أ. د. علي عطية عبد الله
إن من يريد البحث عن قضايا الشعوب والأمم عند مراحل تاريخية معينة عليه أن يلمّ موضوعياً بظروف تلك المراحل بغض النظر يتفق معها أو على النقيض معها، لذا كان على الزميلين المحترمين مؤلفي الكتاب أما يتجنبا الدخول في أمور تاريخية ذات طبيعة سياسية ويركزا على الجانب العلمي والتقاني لدورهما، أو يتصفا بالعلمية والموضوعية عند ذكر الأحداث التاريخية .. أي لا يخلطا ما هو سياسي مع ما هو تاريخي مع ما هو علمي تخصصي يتعلق بعملهما كعلميين. لكنهما وضعا نفسيْهما كمحللَينْ سياسيين يعطيان رأيهما في الوضع السياسي بصيغة تجافي حقيقة موقفيْهما، على الأقل ما نعرفه علانية، من النظام الذي عملا في ظله وتمتعا بكل عطفه وحنانه وامتيازاته لهما وخصوصاً السيد جعفر، وصوره في الكتاب تشهد عليه عدا ما نحن على معرفة وعلم به وغيرنا على علمٍ بذلك أيضاً... من هنا نقول :
1- كمسلمةٍ تاريخية يعد البعث فكراً وعقيدة قوميتين نشأ لمعالجة واقع الأمة الفاسد فهو إذن تهمَّه قضايا الأمة القومية والاجتماعية والسيادية، بغض النظر عن سوء سلوك من تنصَّبوا على قيادته السياسية فأساءوا له كفكر قومي وتجارب الأمم في ذلك معروفة.
2- عليه فإن النظام في العراق في 17/7/1968 بدأ بحركة بيضاء وكان همَّه جمع شمل الشعب في وحدة وطنية وقومية، لكن عملاء الغرب والصهيونية لم يتركوا بياض الحركة فتآمروا، مع أمريكا والغرب وعناصر صهيونية في العراق في عام 1970م، مما دفع النظام الجديد إلى ضرورة تثبيت السلطة وبدأ بإعدام بعض المتآمرين، ويتحدث بعضهم اليوم على شاشات الفضائيات بدورهم أو بمذكرات لهم بدءوا يدوّنونها دون خجل لأن التعاون اليوم مع الأجنبي ضد الوطن يسمى تحريراً وبطولة..

لذا على وفق تلك الحالة لم تتجه القيادة إلى موضوع لجنة الطاقة الذرية كأولوية، فكان عمل اللجنة تقليدياً يتركز على استكمال المنشآت الأولية اللازمة لاستغلال مفاعل 14 تموز الروسي الصنع بطاقة (2) ميكا واط، وكان أول تشغيل تجريبي له هو منتصف عام 1967م، ولإيمان العراق في تلك المرحلة بتطوير العلوم والتقانة النووية في حقل الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. فإنه وقع عام 1969 بالأحرف الأولى على معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية وصادق عليها عام 1972 وكان بتوصية منا آنذاك، لأن لنا رأياً في مسألة بناء القدرة النووية في العراق ... حيث أي بلدٍ نامٍ، كالعراق، عليه أن ينفتح على العالم في بناء مؤسساته العلمية أولاً، وبناء الثقة مع العالم حتى يتمكن من بناء ملاكاته العلمية وقاعدته الصناعية، وقد نشرت مقالةً بقسمين عام 1971 حول الموضوع في مجلة الفيزياء والرياضيات التي تصدرها الجمعية العراقية للفيزياء والرياضيات، حيث كنت أمين سرها العام، عليه بدأنا خطتنا، كما سبقت الإشارة إليها، على هذا المبدأ للمرحلة (1970-1972). تلك حقائق موثقة بأوراقها وشخوصها والسيد نعمان النعيمي الحسيني أحد هذه الشخوص، رغم أنه اليوم راغب في ذمنا أو لمزنا، ويخسأ فهو لا يقدر على ذلك، لكنه أخطأ في ظنه اليوم كما أخطأ ظنه في السابق، ويبدو أن من قال ((أنه يتربص الأحداث عن بعد ثم يقرر موقفاً فقد صدق)). لكن السيد نعمان لم يصدقه الحال، لأننا لسنا من ترهبه الظروف، أو يقر بالخطأ ويقبل الظلم، فها نحن نقارع المحتل وأذنابه بالقلم وبالكلمة الصارخة ضدهم، وسنقاوم هؤلاء دون وجل حتى تحرير الوطن، أما أننا قد نقلنا وتركنا خططنا للأسباب التي ذكرت سابقاً، فلأن كان لنا موقفٌ مع الجهل والجهال ولم نخضع لذلك، كما تدّعيانِ يا زميلي العزيزين إنكما كنتما مجبرين للعمل في ظل الجهلُ والجهال، ولم نتوقف عن عملنا على مستوى العراق والأمة أبداً ولنا سجل حافل وموثق بوثائق يتجاوز عددها المئتين وثيقة، ونحن أرفع من أن ينالنا طشّار كلامكما غير الموضوعي والذي لا مبرر له ولا قاعدة له يستند عليها.

فقدر تعلق الأمر بي فأنت، يا أخ جعفر، تعلم كمْ وددّتُ عودتك لتحمل المسؤولية عام 1971 حين كنت أنا في جنيف وكنت أنت هناك مع عائلتك، وكنا حسني النية معك ومع غيرك ولا ندري ما جرى بعد 22/7/1972 حيث نقلنا إلى البصرة على وفق القصة التي ذكرت آنفاً... وأنت تذكر رجوعك في عام 1975 إلى لجنة الطاقة الذرية العراقية على أثر حضورك مؤتمرها العلمي الأول. وكنت تبدي إرتياحاً وتتحدث عن كل ما هو طيب عدا شكواك من السيد الهاشمي وكنت أشاطرك الرأي، لأنه، الهاشمي، إنسان غير سَوي، ومهرّج ودعي حقاً ... وكما سبق ذكره، فإني منعته عام 1971 من دخول المعهد لتجاوزه ظلماً على المرحوم الفضلي في حينه، وبدأ يتآمر ويخلق لنا مشاكل فوجد جاهلاً مثله فتعاون معه للحصول على مبتغاه وذلك الجاهل هو الوزير المعروف بنرجسيته، وساعده آخرون في بعض مواقع الحزب آنذاك ..

إذن كان برنامج الطاقة الذرية العراقية سلمياً ولم يطرح أحد من المسؤولين آنذاك (قبل 22/7/1972) أي رأي بشأن الرغبة في التمكن من السلاح النووي، ولذلك أسبابه :
1- عدم توافر الملاك القادر حيث معظم الكادر شباب جديد عَهْدٍ بالموضوع، وأن المفاعل بسيطٌ جداً لإنتاج بعض النظائر المشعة للاستخدامات الصحية والزراعية والصناعية أو لغرض البحوث العلمية البسيطة.
2- إن العراق صدّق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1972.
3- كل عملنا كان في المرحلة التأسيسية لبناء معهد نووي يخدم الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية (النووية).
4- العمل على زيادة قدرة المفاعل إلى (5) ميكا واط.

وهذا تم الاتفاق عليه عند زيارتنا مع وفد ضم الدكتور مثنى كبة والدكتور ثابت الهيتي والدكتور ميسر الملاح منتصف عام 1970 لمعهد كرجاتوف في موسكو، ويعلم نعمان ذلك لأن تقرير الوفد عرض على اللجنة وعلى المجلس العلمي... وكان اتفاقنا هو قيام معهد كرجاتوف ومعهدنا بتشكيل فريق عمل مشترك لإجراء الحسابات يجتمع ستة أشهر في موسكو –معهد كرجاتوف- وستة أشهر في معهدنا بالتويثة، ورأس الجانب السوفيتي مدير معهد كرجاتوف آنذاك.
ولنكرر تعليقنا مضطرين على اتهام السيد نعمان بأننا كنا ضد خريجي الاتحاد السوفيتي فنقلنا بعضهم إلى الجامعات فأذكر القصة الآتية :
عند مناقشتنا الجانب السوفيتي حول موضوع الفريق المشترك بين لنا السيد مدير معهد كرجاتوف أننا لا نملك الملاك الكفوء في ذلك العمل، وطبعاً هم جميعاً خريجوا معهد كرجاتوف، فأجبته بسخرية ((ألم يكن هؤلاء قد تخرجوا من معهدكم هذا؟ فهل كنتم غير جادين في إعدادهم أم هم غير جادين في دراستهم فكيف زوّدتموهم بالشهادة؟)) فبهت الذي لم يفكر بأنه سيُسأل هذا السؤال.. فتراجع واعتذر وقال إنهم حديثوا التخرج ويحتاجون إلى تجربة، ولكن قبلنا بشرطكم وحصل الاتفاق .. لكن العمل أخذ وقتاً لحصول الموافقات على الطريقة السوفيتية آنذاك.

إذن من هو صاحب مشروع تطوير قدرة المفاعل يا سيد نعمان هل هو جعفر وغازي؟ أسأل نفسك أولاً ثم أسأل من ذكرت أسماءهم أعلاه. وأظن تذكر أني عملت عملية الأعور في موسكو قبل رجوع الوفد وسافر الوفد وبقيت أسبوعين في المستشفى وهذه حادثة ربما لو كنت صادقاً لما نسيتها ...

أما بعد 6/10/1973 حيث حرب التحريك وما كان يردده الإعلام بشأن أسباب إيقاف الحرب رغم تقدم القوات العربية في الحرب بأن الكيان الصهيوني هدد بالسلاح النووي إذا لم يتوقف زحف القوات العربية.. ثم مشاكل العراق مع شاه إيران ودعمه للحركة الكوردية شمال العراق وسعيه للحصول على مفاعلات نووية عالية القدرة، كما ذكر الزميلان، دفع القيادة العراقية، وليس البعثية فقط، لتفكر بقوة ردع ضد الأعداء ولتساعد في تحرير فلسطين والجولان، ولتوقف إيران عند حدِّها حيث أطماعها لم تنتهِ عبر تاريخها المعروف ..

تلك إذن بدايات المرحلة بعد 6/10/1973، وكان فرسانها أدعياء ليس إلاّ وعلى رأسهم الهاشمي صاحب القصة الذرية الساخرة .. وبعد عودتك يا أخ جعفر عام 1975م، كما تذكر، وجدت وضع المزايدات غير الجدية والتي تطورت عام 1976 بعد تسلم النائب صدام حسين رئاسة اللجنة، وقد طلب بعضكم في اجتماع معه أن يترك العمل ووافق ومنهم على سبيل المثال الأخ العزيز عبد الله أبو الخيل، إذن ليس هناك إجبار لأحد بل هناك إغراءات ومطامع، أما بيت الشعر في الصفحة (41) من الكتاب فهو ينطبق على كل عراقي في الخارج يعود دون وعود وإمتيازات.

فيا عزيزي جعفر أنا عرفتك يوم 9/12/1968 وعملت معك للمدة 9/12/1968 وحتى منتصف عام 1969، ولا يشك أحد بإخلاصك وحبك للعمل، لكنك ككثيرين من يصاب بالغرور، كنت تحب المديح والتقرب إليك والإطراء عليك ويظهر عرف السيد نعمان ذلك جيداً فهو يطبقه في كل مناسبة، وهو قد لا يكوِّن ذنباً لك بل ذنب المتملقين وما أكثرهم ... إني أذكر ذلك لأني قريب من سلوكك هذا ولتجاوز زميلك وزميلنا نعمان حدود المعقول في المدح والإطراء حيث وجدك مؤخراً إبنَ عمٍ له!!. فحضرتك، يا أخ جعفر، تقول أن لجنة شكلت عام 1974 من السادة همام وميسر وخالد لوضع برنامج نووي يؤدي إلى القدرة النووية، فذلك صحيح لكن اللجنة بدائية المعلومات وما طرحته شيء معلوم وليس بالضرورة يؤدي إلى سلاح نووي ... لكن المتنفذين في لجنة الطاقة آنذاك وهم ادعياء راحوا يُغذون رئيس اللجنة (النائب) بطموحات غير واقعية وبأسلوب غوغائي لغرض، امتلاك دعم النائب لهم مادياً ومعنوياً، فكثر المصرحون فشوهوا مسيرة العراق في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بل دفعوا بعض القيادات للوقوع بالخطأ ليجد العدو له مبرراً لمهاجمة العراق إعلامياً وتهييج العالم ضده..

فإذا كنتما غير مقتنعين بذلك (أنت يا جعفر) فلم العمل وأمامكم أبواب العمل مفتوحة داخل العراق وخارجه، فالأفضل أن تحلل الأمور بموضوعية بعيداً عن الألغاز والطلاسم، وأن تزجّوا ما هو سياسي بما هو علمي وتدّعون ما ليس بحقيقة.
فالرجال مواقف يا أخ جعفر ويا أخ نعمان. ومن يقرأ ما حاولتما تثبيته كجزء من سيرة ذاتية ينعكس ضدكما..

نعمان – جعفر :
شهادة لا مبرر لها لأنها غير دقيقة.
يذكر الزميل نعمان عن دعوته إلى العراق للعمل في البرنامج النووي العراقي ويثبت الأسباب الآتية :
1- تعاطفه مع الوطن بعد أن قصف الكيان الصهيوني مفاعل تموز (1) في 7/6/1981.
2- حزنه على الأخ جعفر حين سمع بحجزه تحت الإقامة في بيت من بيوت المسبح الرافهة. لأسباب سنذكرها لاحقاً.
3- وليبرر ذلك فيقول حبه للعراق وليس لتقوية أركان النظام السابق.

وأنا أعلم إن الزميل نعمان ترك الطاقة عام 1973 وثم إلى كلية العلوم وعمل هناك وكنا نلتقي معه، ثم حدث عام 1977 أن طلبَت الجزائر تدريسيين للتدريس في معهد بوزريعه للمعلمين فذهب مع وفد لهذا الغرض ورئيس الوفد حي يرزق، وقضى هناك أربعة سنوات، كما هي المدة المقررة. ويذكر جعفر أنه ألح على همام لاستدعاء نعمان للعمل في البرنامج النووي عام 1983، وذلك منوه عنه في الكتاب نفسه، بعد أن كُرِّمَ جعفر نتيجة حجزه، وكلف بالبرنامج، فلماذا ندّعي ما هو مخالف للحقيقة والواقع! هل لذلك مبرر؟.. وجعفر يعتمد على نعمان في العمل الكيميائي وهو أهل له حقاً.. لكن السيد نعمان تربطه بجعفر عواطف خفية بدأت منذ عام 1967 وله الحق، لكن الحق يقول أنه بعد عام 1976 حيث ترأس النائب لجنة الطاقة الذرية، تكرّمُ قيادات عملها لذا أراد جعفر أن يعين معه نعمان على البرنامج بدرجة مستشار حتى يكون ضمن القيادات المكرمة (وقد بدأت بالسيارات المرسيدس وقطع الأراضي). فتلك حقائق لا تؤيد موقفك تجاه جعفر بالصيغة التي تطرحها ولا بالصيغة التي تحاول الإساءة بها إلى النظام الذي رعاك وكرّمك ولم يخطأ معك أبداً، لكن هنا من يقع عليه قول الشاعر المعروف لا نريد تدوينه حفاظاً على مشاعر الزميلين ... وهما لا يحترمان مشاعر غيرهما سامحهما الله ... ربما في قلبيهما ما لا علم لنا به فنحن علينا ظاهر الأمور بماديها ومعنويها ..

* الفصل الثاني –
خلف القضبان.

1- قصة الدكتور حسين الشهرستاني :
راجعني الشهرستاني في مكتبي بالتويثة بداية عام 1971 راغباً في التعيين في المعهد ويحمل معه أطروحة الدكتوراه، وبعد إطلاعي على شغله في حقل الكيمياء النووية أعجبت بشغله وباختصاصه وتم تعيينه دون انتظار، ولم تسبق لي معرفة به، وهو خريج كندا .. ونسَّبته مسؤولاً عن مختبر التحليل بالتنشيط النتروني وطوّرنا له المختبر بجهاز النّوماتك الحديث، أمريكي المصدر، وكان في مستوى المسؤولية، وعنصراً علمياً متيناً وذا خلق رفيعة. محافظ على دينه سلوكاً وعملاً .. ولم يبد أي نشاط سياسي، وقد لعب دوراً مهماً في مشكلة التسمم بالزئبق، كما ذكرت سابقاً، وكنت أصحبه معي إلى اجتماعات اللجنة المركزية التي سبقت الإشارة إليها ليساهم في الحوار ومناقشة النتائج، وكان الاجتماع يتم برئاسة وزير الصحة، عزة مصطفى، في مدينة الطب، وكما سبق ذكره، كلف صفاء المرعب ليتولى التحليلات الكيميائية، ولنا في ذلك قصص كثيرة لا مبرر لذكرها لأنها ذاتية بحتة.
لقد كانت علاقة السيد الشهرستاني بنا متينة جداً مبنية على العمل الجاد والاحترام، وليس على الدعوات والولائم الملوثة!!. كما هو حال الآخرين .. أما وضعه اليوم فهو على طرفي نقيض مع ما أنا عليه، ولكل الحرية في موقفه على أن يُحافظ على وحدة العراق وطرد المحتل، فالشهرستاني لحد الآن يتصرف كمستقل لكنه ضمن طائفية المنطلق والتوجه ومع ذلك فهو حر وأنا حر. وأنا لا زلت أعتز بموقفه يوم تآمر علينا الشاوي والهاشمي وبقية الأقزام من ضعاف النفوس، كما أشير إلى ذلك سابقاً، فقد وقف وقفة المبادئ ضد جريمة نقلنا إلى البصرة، موقِعاً مع معظم المنتسبين على مذكرة ضد إجراء النقل، وقد هزّ هذا الموقف الوزير وذهب إلى النائب بعيون دامعة لأن مذكرة لنا أيضاً رفعت مع مذكرة لبعض أعضاء اللجنة، مما حدى بالنائب أن يطلب مني الالتحاق بالبصرة فوراً، لأن المدير الجديد (نعمان) غير قادر على المباشرة بديلاً عني والقصة طويلة لا أريد الخوض فيها بل ذكَّرتُ لكي نبين الموقف النبيل للشهرستاني والموقف الخبيث للنعيمي الحسيني ..

لكن مع ذلك فإن موضوع توقيف السيد الشهرستاني عام 1979 من قبل الأجهزة الأمنية كما رواها الزميل جعفر فيجب التعامل معها في ضوء ظروف موقف التوقيف، وأنا شخصياً استنكرت ذلك حين سمعت به، لكن الموضوعية تتطلب التعامل مع الحدث بدقة وأمانة. ففي الوقت الذي أُعتز به، وأعيد إلى المعهد بعد أن نقله الشاوي إلى كلية الهندسة، يعتقل في نهايات عام 1979!! إذن هناك أمور يجب أن تحلل. الجميع يعلم سلوك النظام الإيراني بعد 11/2/1979 وما طبَّله وزمرّ له ضد نظام البعث في العراق وعدّه كافراً يجب تغييره، وما رافق ذلك من أعمال شغب وتخريب من قبل عناصر حزبية دينية معظم قياداتها ذوات أصول إيرانية معروفة، وإصدار فتوات تكفيرية للبعث ونظامه، ثم بُدِئ بالاعتداءات اليومية على قرى ومدن العراق الحدودية ورفض إتفاقية الجزائر لعام 1975 ... إلخ ذلك من حالة التوتر الشديد ... وهنا أنا أظن وغير متأكد أن أحاديث جرت باتجاه دعم مجيء خميني والتخلص من الشاه أو بأسلوب آخر، فنقل النقّالون ذلك إلى الأجهزة الأمنية فحدث الذي حدث بتوقيف الشهرستاني .. ولتأزم الموقف وما تبعه من حرب ضروس بعد عام (22/9/1980) بين العراق وإيران أزّم موقف السيد الشهرستاني، وهو عنصر صريح وعنيد، من خلال قراءاتي لمذكرات الشهرستاني التي تتحدث عن هروبه من السجن يمكن أن يصل الإنسان إلى استنتاج هو فعلاً تطوّر مواقف الشهرستاني حتى أظهر عداءه للنظام بوضوح لأنه شعر أن لا مجال لخط الرجعة في ضوء تلك الأحداث .. وأنا أدين عمل الأجهزة الأمنية لإيصال موقف السيد الشهرستاني إلى ما وصل إليه من موقف معاد للنظام. وملاحظتي على مذكرات السيد الشهرستاني لم يذكر بموضوعية كيف عُيّن ومن عيّنه وكيف عيناه وقدرنا العلم فيه وكذلك إنسانية الإنسان عنده. وأنا أعذره للظروف التي مرّ بها والحكم القاسي الذي صدر عليه، فقد نسى ذلك، فكيف لا والسيد نعمان الذي قضى عمره مدللاً في زمننا وما بعد ذلك فقد نسى أو تناسى فحرّف وخلط الحابل بالنابل ولم يبق في ذاكرته إلاّ جعفر!!.. ويبدو لم تتوافر الحكمة في حينه للتعامل مع مسألة توقيف السيد الشهرستاني وإيصال الموضوع إلى الرئيس صدام حسين وما إلى ذلك من أمور خبطت الأخضر مع اليابس فدخن الجميع وضاعت الحقيقة في غيوم ذلك الدخان ....

2- قصة السيد جعفر ضياء جعفر :
تتلخص قصة الأخ جعفر بغباء الفكرة وغرور المفكر، فظن أنه المنقذ لبرنامج صدام النووي فإذن يستطيع أن يعمل ما يظن، ولا أحد نصحه بأن الأجهزة الأمنية في ظروف كتلك التي ذكرناها قد تحتجز أقرب الناس لصدام دون وجل. لكن جعفر المدلل حتى أيام حجزه لم يدرك ذلك ولم يعرف تهمة الشهرستاني التي سجلت بأنه من حزب الدعوة وما أدراك ما حزب الدعوة حينها وعلاقته بالنظام الإيراني الجديد ... فذهب جعفر باجتهادٍ منه ليزور عائلة الزميل حسين الشهرستاني ويطمئنها كما هو الحال في ظروف اعتيادية، ولم يعلم أن الأجهزة الأمنية داخل الدار لتقتنص أيّ زائر بتهمة العلاقة مع الشهرستاني، وهكذا حدث للسيد جعفر ضياء جعفر، فأوقف مدة محددة في غرفة مناسبة ثم نقل إلى دار فارهة في المسبح، كما يروي هو، وزود بكتب حول التخصيب وطرقها جلبتها له المخابرات ليقرأ ويصبح قائد برنامج نووي كبير وضخم بالقراءة، وأوقع العراق في حالته اليوم،
ورغم إطالة إقامته في تلك الدار فإن المخابرات كانت تشرف على بناء عمارة له في الكرادة بجانب الكرخ (كرادة مريم قرب المنطقة الخضراء) وعلى حسابها، وقد علمت ذلك من البناء المشرف على بنائها لأنه كان يبنى داري في حي الكفاءات، وعلى حسابي الخاص وبمنحة العقاري في دعم ذوي الكفاءات، وبعد حزيران 1981 ترك البناء العمل في داري وركز على عمارة أو دار جعفر بناءً على طلب المخابرات للإسراع في إنهاء البناء، ربما ليخرج جعفر ويفرح بذلك ليعوضه من حجزه، وهذه سلوكيات تلك الأجهزة الأمنية، فهي تضع العصا في يد والجزرة في يد أخرى. ثم بعد ذلك أصبحتَ يا أخ جعفر بطل البرنامج وحّمِلَّك النظام الجوائز والأوسمة والأنواط (كما تشير صور لك في الكتاب) وجَعلك تمنح من تحب من تلك الجوائز والأوسمة والألقاب، ونصَّبك عالماً أكبر ترعى العلماء الأصغر، ومع ذلك لم تغفر له ما حدث لك من حجزٍ مرفه، ورحت تسفِّه القائد والرئيس العظيم الذي في يوم من الأيام وضعت نفسك جندياً تحت تصرفه بعد إعفائكم من مسؤولية قطاع الكهرباء بمذكرة رفعت من قبلكم له مباشرة وفيها تعظمه ... ولو كنتُ مكانك وحدث لي ما حدث لك من حجز لما وضعت يدي مع أيادي أركان النظام!!، لكنك حضاري وأنا بدوي والفرق كبير هنا، فإذن من العيب أن تسخر بقادتك وليس فقط قادة البعث لأنهم، رغم سيئاتهم، فهم قادة العراق لخمس وثلاثين عاماً ... سامحك الله وأبعدك عن قول الشاعر في هذا المجال ...
يا أخ جعفر إنك لم تُجبر وإذا أُجبرِت فإنك لم تخلص والله أعلم!.

Labels:

0 Comments:

Post a Comment

<< Home

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker