لماذا عينت الإدارة الأمريكية زلماي خليل زاده سفيراً لها في العراق ؟
بقلم: د. محمد العبيدي
في خطوة إعتبرها الإعلام الأمريكي مفاجئة، إستبدل بوش سفيره في العراق نيغروبونتي ليحل محله زلماي خليل زاده، أحد أهم أركان اليمين الفاشي المتطرف في الإدارة الأمريكية والمشارك الرئيسي بوضع خطط وإستراتيجية الحرب على العراق وإحتلاله.
فمن هو زلماي خليل زاده، ولماذا عين بهذا الموقع؟ ولد خليل زاده في إفغانستان ثم هاجر إلى الولايات المتحدة ودرس في جامعة شيكاغو، معقل النظرية الشتراوسية الفاشية لليمين الأمريكي المتطرف، حيث أصبح تلميذاً ومساعداً لبول وولفويتس وصديقاً حميماً لديك تشيني. وفي عام 1984 عمل في الخارجية الأمريكية أيام حكم ريغان حيث كان رئيسه المباشر بول وولفويتس أيضاً. وخلال تلك الفترة ساعد خليل زاده في تسليح قوات المجاهدين الأفغان التي كانت تقاتل السوفيت لإحتلالهم أفغانستان. ولكونه عضواً مؤسساً لمشروع القرن الأمريكي الجديد، فقد عمل أعضاء هذا المشروع على إتخاذ موقف معاد شديد تجاه العراق ومنذ بداية تأسيس هذا المشروع. فعلى سبيل المثال، في عام 1998، بعث أعضاء هذا المشروع رسالة إلى كلنتون أيام كان رئيساً للولايات المتحدة قالوا فيها، «إن سياسة إحتواء النظام العراقي بدأت بالتآكل بشكل خطير، بحيث لم يعد بإمكاننا الإعتماد على شركاء تحالفنا في حرب الخليج للإستمرار بإلتزام الحضر المفروض على العراق، وأن هذه التطورات تشكل خطراً كبيراً على أصدقائنا كإسرائيل والدول العربية المعتدلة وجزء ضخم من إحتياطي النفط العالمي». وقد ختموا الرسالة بمطالبة كلنتون بإزاحة النظام العراقي بأي شكل من الأشكال، وإعتبروا ذلك المطلب هدفاً للسياسة الأمريكية الخارجية. وقد وقع تلك الرسالة خليل زاده مع عدد كبير آخر ممن أصبحوا فيما بعد أعضاء مهمين في إدارة بوش اليمينية المتطرفة.
وبعد توليه الرئاسة مباشرة، جمع بوش حوله مجموعة كبيرة من أكثر السياسيين الأمريكان تطرفاً وفاشية، وكان من ضمنهم خليل زاده الذي عين عضواً في مجلس الأمن القومي الأمريكي ومساعداً خاصاً لبوش لشؤون الشرق الأدنى وجنوب غربي آسيا وشمال أفريقيا. وبعبارة أخرى، فإن مسؤوليات خليل زاده في عهد بوش في هذه الأجزاء من العالم حدت ببعض وسائل الإعلام الأمريكية أن تعتبره عملياً المسؤول عن كل شئ في المناطق الساخنة في العالم. وقبل العدوان الأخير على العراق وإحتلاله، عين خليل زاده مبعوثاً خاصاً من الإدارة الأمريكية للتنسيق مع من أسموا أنفسهم بالمعارضة العراقية، خصوصاً وأنه كان ولا يزال يرتبط بعلاقة حميمة مع أحمد الجلبي الذي درس في جامعة شيكاغو، وهي نفس الجامعة التي درس فيها خليل زاده حيث تتلمذ الإثنان على أيدي منظري الشراوسية الفاشية. كما يجب التذكير أيضاً أنه في عام 1992، أصبح خليل زاده مساعد نائب وزير الدفاع لشؤون تخطيط سياسات الجيش الأمريكي، وعمل مع إثنين آخرين على تقديم مقترحات بشأن إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط فيما يخص الأمن والسيطرة على السلاح والتنمية السياسية والإقتصادية للمنطقة. وبسبب أفكاره اليمينية المتطرفة نرى أن خليل زاده قد تدرج من مساعد لبول وولفويتس في الثمانينات إلى منظر في الحركة الفاشية لليمين الأمريكي المتطرف في التسعينات، ثم إلى مسؤول كبير في إدارة بوش، ومخطط إستراتيجي مهم فيها من أجل إحكام السيطرة الأمريكية على العالم وبكافة الوسائل. وبتعيين وولفويتس لرئاسة البنك الدولي وجون بولتون سفيراً لأمريكا في الأمم المتحدة، وخليل زاده سفيرها في العراق فإن الإدارة الأمريكية عازمة تماماً على المضي في مخططاتها للسيطرة على دول عديدة أخرى في العالم من أجل خلق إمبراطورية عظمى، وسيكون نتيجة ذلك الكثير من الحروب والعدوان والإحتلال.
زلماي خليل زادة وعدائه التأريخي للعراق
لقد كان لخليل زاده دور رئيسي في التخطيط للحرب على العراق وإحتلاله، ليس من خلال كونه أحد أركان الشلة الفاشية اليمينية المتطرفة في الإدارة الأمريكية فحسب، بل من خلال كونه أحد المخططين الستراتيجيين لإحتلال العراق، حيث كان له دور مهم في وضع سياسات الإعداد لحرب الخليج عام 1991 وبعدها. وقد بدأ عداء خليل زاده للعراق بشكل علني منذ ثمانينات القرن الماضي وفي الأشهر الأخيرة التي سبقت إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية حين كتب دراسة مهمة لإدارة بوش الأب طالب فيها بـ «تقوية إيران» و«إحتواء العراق» على إعتبار أن «ضعف إيران يمثل مشكلة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة». وفي مقال كتبه عام 1989 لصحيفة لوس أنجيليس تايمز بعنوان «مستقبل إيران كبيدق شنطرج أو كقوة للخليج» أشر فيه الأسباب الرئيسية التي على الولايات المتحدة الأخذ بها لشن حرب على العراق والتي من بينها حسبما ذكره «إن خروج العراق منتصراً على إيران سيجعله القوة التي لا تنازع في المنطقة، ولذا يجب عمل شئ ما لعدم حدوث ذلك». كما أشار خليل زاده أن إيران قد عانت بعد الحرب مع العراق من قصور ستراتيجي وأنها بحاجة إلى درجة من الحماية !!!
وجدير بالذكر أنه بالرغم من كونه مسلماً (بالهوية فقط) من إفغانستان، إلا أنه من أكثر المتصهينين في الإدارة الأمريكية، وأنه من أكثر الداعمين للمجموعة اليمينية المتطرفة جداً في حزب الليكود الصهيوني، بحيث يعرف عن دعمه هذا كونه أكثر حتى من دعم اليهود الأمريكان أنفسهم. إضافة لذلك فإن خليل زاده هو العضو المؤسس لمشروع القرن الأمريكي الجديد وأحد المفكرين المهمين في الحركة الفاشية الشتراوسية أو ما يطلق عليهم بالمحافظين الجدد. وبعبارة أخرى فإن جميع تحركاته تخدم المهمة العدوانية الفاشية للسيطرة الأمريكية على العالم. وما ترشيحه من قبل بوش كسفير لأمريكا في العراق المحتل إلا تعبير عن الأهمية الكبرى لمركزية العراق في السياسة الأمريكية الصهيونية لمنطقة الشرق الأوسط من جهة، وإستمراراً لسيطرة اليمين المتطرف على مراكز القرار والتخطيط الإستراتيجي السياسي والعسكري للإدارة الأمريكية. كما أنه بتعيينه سفيراً في العراق فإنه سيكون ممثلاً لأستاذه وصديقه الحميم الصهيوني بول وولفويتس، المخطط الرئيسي لإحتلال العراق. ويضاف إلى أسباب إختيار خليل زاده لهذا المنصب هو إرتباطاته السابقة بشركات النفط، التي سيتعين عليه تسهيل أمورها في العراق بما يتماشى مع الخطط الأمريكية لنهب ثروة العراق النفطية. ولا بد لنا أن نذكر هنا أن خليل زاده كان يعمل خلال التسعينات مستشاراً في شركة يونوكال UNOCAL التي تعتبر واحدة من أكبر شركات النفط العالمية، عندما حاولت تلك الشركة التفاوض مع حكومة طالبان في أفغانستان لشراء حقوق إنشاء خطوط لأنابيب النفط تمر عبر أفغانستان، وفي تلك الفترة دافع خليل زاده عن حكومة طالبان بشكل علني.
إن إستبدال نغروبونتي بخليل زاده يمثل محاولة مستميتة أخرى تقدم عليها الإدارة الأمريكية لمعالجة الوضع المتردي في العراق الذي بات واضحاً أنه خارج عن السيطرة الأمريكية طبقاً لما خططت له، إضافة إلى إعتقاد بوش أن خليل زاده هو مرشحه المفضل لتحقيق الأهداف الأمريكية في العراق، خصوصاً وأنه كان ممثل الإدارة الأمريكية للتنسيق مع عملائها ممن سموا أنفسهم بالمعارضة العراقية عشية العدوان على العراق وإحتلاله، والتي كان آخرها تنظيمه لمؤتمر لندن سئ الصيت الذي جمع كل القوى والعناصر العميلة التي إرتبطت بأمريكا وبريطانيا وإسرائيل. كما أن إختيار خليل زاده لهذا المنصب هو محاولة ترسل من خلالها الإدارة الأمريكية رسالة إلى بعض قوى المقاومة الوطنية العراقية لأجل إلقاء سلاحها والإشتراك بما يسموه «العملية السلمية» ذلك لكون خليل زاده قد عمل مسبقاً مع المجاهدين من طالبان أثناء الإحتلال السوفيتي لإفغانستان حينما كانت الولايات المتحدة تدعم طالبان عسكرياً وسياسياً، وإنه إستطاع إقناع الكثيرين منهم لدعم العميل الأمريكي حميد كرزاي من أجل توليه السلطة في إفعانستان والسير بالعملية السياسية هناك حسب المخطط الأمريكي. لذا سوف يكون تعيين خليل زاده سفيراً لأمريكا في العراق والدور الذي سيقوم به آخر رهان لها في محاولتها لشق صفوف المقاومة العراقية للإحتلال الأمريكي، على إعتبار أنه قد نجح في تعامله مع طالبان بعد الإحتلال الأمريكي لأفغانستان.
لقد نجح خليل زاده بإدخال جنرالات تحالف الشمال الأفغان وبعض المتشددين الآخرين إلى الحكومة الأفغانية كوزراء ومسؤولين في المحاكم وحكاماً للمناطق وتنفيذه لرغباتهم بموافقة الإدارة الأمريكية على تشكيل حكومة يكون الدين الإسلامي فيها أساساً للقانون. إضافة لذلك فهو من إختار حميد كرزاي لرئاسة أفغانستان، وهو الذي أمره بإعلان العفو عن مقاتلي طالبان التي إعتبرها زاده في ذلك الوقت أفضل حل لنيل التعاون من قبل أكبر عدد من مؤيدي طالبان، وهو ما حصل بالفعل. الغريب جداً، هو أنه أثناء عمله كسفير لأمريكا في أفغانستان، إرتفع إنتاج الأفيون والهيرويين الأفغاني المشهورين لأعلى مستوياته، والسبب في ذلك أن معظم إنتاج هذين المحصولين هو تحت سيطرة جنرالات تحالف الشمال الذين يحظون بدعم غير محدود من الإدارة الأمريكية كما سبق وذكرنا أعلاه. ففي كانون الأول/ديسمبر 2004، أعلن تقرير سري أعده الجيش الأمريكي بأن إنتاج الأفيون الأفغاني، الذي يخضع إنتاجه لجنرالات الحرب الذين دعمهم ويدعهم خليل زاده، سيستمر بالصعود.
ومن هنا فإن إدارة بوش تأمل من وراء تعيينها خليل زاده سفيراً لها في العراق أن ينجح فيه كما نجح في إفغانستان بجلب المقاومة الوطنية العراقية إلى طاولة المفاوضات، وعلى وجه الخصوص تخليها عن سلاحها في مقاومة الإحتلال.
لقد إستخدم خليل زاده خوف الأفغان من جنرالات تحالف الشمال الذين دعمتهم الولايات المتحدة من أجل تبرير الوجود الأمريكي في أفغانستان من جهة، وإلى دفع الأفغان لإنتخاب عميلهم حميد كرزاي، الذي تعتبره الإدارة الأمريكية شخصية معتدلة وأفضل رجل لديها في أفغانستان. وفي رأينا أن خليل زاده سيجرب نفس السياسة في العراق من خلال دعمه للتطرف الشيعي الصفوي المتمثل بالأشيقر والحكيم ومن لف لفهم، لدرجة يصبح فيها العراقيين، بمن فيهم شيعتهم، متأكدون بشكل قاطع أن هذه الشلة غير مؤهلة لحكم العراق بأي حال من الأحوال، وإلى أن يراهم الشعب بأنهم أكثر تهديداً له من الوجود الأمريكي. وهكذا ستضطر الإدارة الأمريكية إلى تبديل الوجوه والأدوار من خلال تنصيب مجموعة أو مجاميع أكثر إعتدالاً تظن الإدارة الأمريكية أن العراقيين قد يقبلون بهم وبإستمرار الإحتلال الأمريكي لحماية هؤلاء الذين سيأتون بهم إلى السلطة، وبذلك تتمنى الإدارة الأمريكية أن يتمكن خليل زاده من تكرير نفس السيناريو الذي قام به في أفغانستان لإستقطاب بعض التأييد الشعبي للوجوه الجديدة.
إن تعيين خليل زاده بمنصبه هذا لا يعني فقط أن الإدارة الأمريكية ستستمر بفرض سيطرتها الإستعمارية على العراقيين وعلى مقدرات وثروات العراق، فهذا شئ واضح جداً، إلا أن ترشيحه حسبما تراه إدارة بوش هو مقدرته على التخطيط لإنجاز الأهداف الأمريكية ليس في العراق فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط بأكملها عبر خبرته والنجاح الذي سبق وأن حققه في أفغانستان بتحييده معارضي أمريكا وتطويعهم للعمل معها.
وفي الختام لا بد أن نذكر أنه في محاضرة ألقاها خليل زاده في معهد واشنطن مباشرة قبل الحرب على العراق بعنوان «مستقبل سياستنا في العراق»، جاء في فقراتها العبارات التالية التي تؤكد بشكل واضح لا لبس فيه مدى الأكاذيب والخدع التي روج لها اليمين المتطرف بشكل عام:
• سوف لن ندخل العراق كمحتلين.
• سوف لن نعامل العراقيين كشعب مهزوم ومندحر.
• أهدافنا على المدى البعيد هو إنشاء حكومة تعطي صوتاً مسموعاً لجميع الطوائف الدينية والعرقية.
• وعلى المدى القصير، سنوحد العراق لأن العراق حالياً غير موحد.
• سنفي بالإحتياجات الإنسانية للشعب العراقي، وسنبدأ حالاً ببرنامج ضخم لإعادة بناء العراق، ونضع العراق في الطريق الواسع للرخاء الإقتصادي.
• إن الولايات المتحدة ملتزمة بإستخدام أموال مبيعات النفط في سد إحتياجات البناء والرفاه الإقتصادي للشعب العراقي.
وبناء على ما ورد أعلاه من تصريحات لخليل زاده، فإننا نترك لشعبنا في العراق ولكل أحرار العالم أن يقيّموا ما فعله الإحتلال في وطننا منذ إحتلاله ولحد الآن.
د. محمد العبيدي
5/6/2005
للعودة الى موقع: سيبقى العراق الى ألأبـــــد