Articles to read...

Wednesday, May 24, 2006

تأريخ الكُرد ومستقبلهم


اياد محمود حسين

- هل صممت السيدة كردستان الابتعاد عن هموم ومشاكل هذا الزوج العربى الدكتاتوري الظالم؟

- كيف يمكن تفسير احلام السيدة كردستان فى الطلاق الابدى من زوجها العربى وحل الغازه؟

- كلما تفتح السيدة كردستان العراق ارجلها عرضا وتمدها طولا تحشر فى احشائها اصحاب الارض الاصليين.

- السيدة كردستان حبلى بكركوك وبعدها الموصل وبعقوبة.

من هم الاكراد، ومن اين جاءت كلمة الكرد؟ لقد اختلف المؤرخون فى اعطاء الفصول الاولى من تاريخهم واصولهم ومنشأهم. ودراسة تاريخ الكرد يحتاج الى عناية مركزة فى البحث عن جذور هذا الشعب وموطنه الاصلى. الاكراد هم سكان المناطق الجبلية زاكروس فى شمال غرب ايران وجنوب شرق اناضول وجمهورية ارمينيا الحالية. وهم اصلا من الاقوام الهندو - ارية، ويعترف الاكراد بأنهم من عرق ارى وليس سامى، وهذا ثابت عند اكثر الباحثين والمؤرخين الاوروبين . لو قمنا بدراسة مفصلة لجغرافية المنطقة التى يطلقون الاكراد عليها بكردستان الكبرى فأننا سنجد انها منطقة خليطة بالاقوام والشعوب المتعددة من الكرد والارمن والنساطرة التى سكنت تلك البقعة الجغرافية منذ عصور بعيدة . ان كثرة الاختلافات فى اللغة تعتبر مؤشرا اخر على تعددية الاقوام فى تشكيل المجتمع الكردى (ماكدويل) . وكانت طبيعة الحياة والمعيشة متداخلة ضمن علاقات متباينة بين هذه الاقوام، الا انها لم تكن علاقات ودية على الدوام، بل كان الصراع يشكل جزءا اساسيا فى العلاقات القائمة بينهم. وكان الكرد والارمن والنساطرة والاشوريين والكلدان يتمتعون بحكم شبه ذاتى فى مناطقهم، فى زمن الخلافة العثمانية، ولايسببون مشاكل للحكومة المركزية فى استطنبول . وكانت مناطق الاكراد تدار من قبل رؤساء قبائلهم، مثلما تدار المناطق المسيحية عن طريق البطاركة.

والباحث الالمانى باول وايت يقول (ان الصعوبات فى تعريف كلمة كرد تواجه الاكادميون منذ القدم، لايوجد هناك تعريف واحد تتفق عليه) وحتى المؤرخ مينورسكى يصف هذا المصطلح الكرد بالغامض والمبهم) هناك ثلاث نظريات حول اصل الكرد، ولكنها نظريات ضعيفة لايمكن الاعتماد والتركيز عليها لكى نصل للحقيقة التى مازالت ناقصة وغامضة وحتى مفقودة فى صفحات التاريخ. بعض المؤرخين يرجع اصل الكرد الى الهوريين سكان مملكة ميتانى سنة 1500 قبل الميلاد. ومنهم من يعتبر ان اغلب الاكراد من الميدين، وحتى بعض المؤرخين الاكراد يركزون على هذه النظرية بدون تقديم الدليل والاثبات على صحتها، حيث كانوا يعتبرون ان عصرهم الذهبى بدأ فى القرن السابع قبل الميلاد فى مملكة الميديين، فهذه النظرية اذن ضعيفة وحتى ربما مختلقة . ومع توسع الدراسات حول تاريخ الكرد بدأت تنعدم تدريجيا نظرية ارجاع اصل الكرد الى الميديين. ويقول برنارد لويس بهذا الصدد (لايزال تحديد اصل الاكراد موضع خلاف تاريخى، رغم ادعاء معظم اكاديمى الكرد على الاصل الميدى، الا ان هذا الادعاء يلاقى صعوبة فى الاثبات) والبعض الاخر يرجع اصولهم الى الاسكيتيين.فعليه يعود اصلهم على الارجح الى الشعوب والقبائل الفارسية. ويقول الاستاذ ب. م. هولت استاذ التاريخ العربى فى جامعة لندن فى كتابه تاريخ كامبرج للاسلام الصادر عام 1970 (ان الاكراد يطلق عليهم بدو الفرس). بينما يرى المؤرخ مورنى فى كتابه العراق بعد الفتح الاسلامى ( ان كلمة كرد تعنى قطاع الطرق)، وجاء فى كتاب الطبرى ان الكرد دلالة على الفلاحين ويذكر ماكدويل ان مصطلح الكرد يطلق على الشرائح الاجتماعية الخارجة على القانون والهاربة فى اعالى جبال زاكروس، ولفترة اكثر من الفى عام، ولم يكن يعنى اسما لقومية. وقد اعتمد فى ذلك من المصادر الاسلامية، واقوال بعض الرحالة الغربيين . من انه فى عصر الفتوحات الاسلامية كانت تسمع عادة معنى الكرد من خلال حوادث اللصوصيةوقطاع الطرق ضد جيرانهم. ويقول ايضا (عدد كبير من الرحالة والمؤرخين منذ القرن الحادى عشر عرفوا مصطلح الكرد مرادفا لقاطعى الطرق، نفس المعنى استعمل من قبل الرحالة الاوربيون فى القرن التاسع عشر) وحتى الرحالة ماركو بولو وصفهم بالكارديس وهم لصوص عظماء. والسفير الايطالى جوسافا باربارو فى القرن الخامس عشر فى تبريز يصفهم بجماعات استثنائية مسلحة وقراهم مبنية فوق المرتفعات ليكتشفوا المسافرين الذين ينهبونهم. ويذكر المؤرخ كلاوديوس جيمس ريج فى كتابه (الاقامة فى كردستان) الذى قام برحلة الى شمال العراق عام 1920 الطبيعة العدوانية للكرد، ويدعى على انهم كانوا جيران مزعجين فى جميع العصور. ويصفهم ج.ب. فراسر فى كتابه (رحلة من قسطنطينية الى طهران فى الشتاء: ان مناطق الاكراد مضطربة وخطرة على الدوام، يتواجد فيها عشائر كردية همجية، وهم لصوص محترفون عادة وطباعا، وليست لديهم اية طاعة لاية جهة ماعدا احترام محدود لرؤسائهم الذين هم بدورهم لصوص وبكل مافى الكلمة من معنى مثل اتباعهم). ويصفهوم ايضا الرحالة اشيل كرانت فى كتابه (النسطورين والقبائل المفقودة) الذى صدر عام 1850 باللصوص والقتلة والقوم السفاحين. وحتى الكاتب م. واختر قال عنهم فى كتابه (رحلات فى بلاد فارس وجورجيا وكردستان) الصادر عام 1856، بأنهم لصوص محترفين، ويجمعون صفة الرعاة واللصوصية معا. وهؤلاء الاكراد نادرا مايصبحون اكثر امانا ومروضين ومؤتمنين. والجدير بالذكر انه يصفهم ايضا ببدو الفرس. فكلمة كرد اذن تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وتمارس عمليات السلب والنهب والسطو، والاعمال اللصوصية.

ومن المعلوم ان تلك المناطق التى سكنت فيها هذه القبائل المختلفة قد اختلط اصلها بالشعوب الاخرى فى التزاوج، وقد عاشت هذه القبائل البدائية وامتزجت بالثقافة الفارسية، وسيطر عليها الطابع الخرسانى، وعاشت منعزلة عن التحضر والتمدن، بعيدة عن الاحتكاك مع الاقوام والشعوب الاخرى، وليس لها لغة واحدة مشتركة مع تلك الشعوب ، واخذت هذه القبائل تنزح من جبل الى جبل حيث تمتد السلاسل الجبلية من غرب ايران الى المناطق الشمالية بالعراق، والى المناطق الشرقية من تركيا، اى ان مراكز استطيانهم كانت فى المناطق الجبلية فى شرق تركيا وغرب ايران وشمال العراق الشريط الحدودى . الا ان الرحالة جورج توماس كيبل يعتبر مدن العراق الواقعة على الحدود الايرانية قبل 180 عاما خالية من الكرد . وظلت تلك القبائل الكردية بعيدة عن المناوشات والحروب التى تقع بأستمرار فى المناطق والسهول المحيطة بهم، وذلك لصعوبة تضاريس الجبال حيث تكون عائقا منيعا فى صد الهجمات، او صعود المحاربين الى قمم هذه الجبال الشاهقة لمحاربة الكرد. وقد بدأت هذه الحملات الاستطيانية الكردية منذ حوالى 1500 عام، لان اكثر تلك المناطق الجبلية لم تكن مأهولة من السكان، وخاصة المناطق الجلبية الوعرة من شمال العراق، لان السكان الاصليين الاشوريين المسيحيين كانوا يسكنون المناطق السهلية لسهولة الزراعة والبناء والتنقل.

اذن المؤرخين المعاصرين يختلفون فى تحديد اصل الكرد. وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد، ان كلمة الكرد لاتعنى اسما للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارتيين الساكنين فى جبال زاكروس. وبعض المؤرخين اشاروا الى ان اصلهم مشتق من الكردوخيين، كما جاء ذلك فى كتاب (الاكراد ملاحظات وانطباعات) للباحث مينورسكى الصادر عام 1915. وقد تغير هذا الاعتقاد فى الفترة الاخيرة ، لان الكردوخيين ليسوا من اصل ارى، بل يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون فى القسم الشرقى من بلاد الكردوخيين، جبال زاكوروس، هم من اجداد الكرد (مينورسكى ). اما المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد فأنه يرفض هذا الاستنتاج ويقول (ان اصطلاح كورتى كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين فى جبال زاكاروس، وانه ليس اكيدا اذا كانت تعنى لغويا اسما لعرق). اما عن علاقة الكردوخيين بالكورتيين فيرى مار انه من الامور التى يصعب الحكم عليها.

لقد روج الغرب فى بداية القرن العشرين لكلمة الكرد والشعور القومى الكردى، والغريب انهم بالغوا كثيرا فى تفسيرها، وعمموها الى جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، الذين لم تجمعهم لغة واحدة، وعنصر وعرق واحد، فمثلا اللغة السورانية التى يتكلم بها بعض الاكراد تختلف من حيث القواعد والكلمات عن اللغة الباديانية. فاللغة الفارسية اقرب الى السورانية. وهناك ايضا اللغة الكرمانجية والزازاكى فى تركيا تختلف عن باقى اللغات الكورانية والفيلية. وقد نشر الاستعمار البريطانى الافكار القومية بين الشعوب الاسلامية وذلك بهدف خلخلة اركان الامبراطورية العثمانية، ومحاربتها فى نهاية الامر. فظهر الشعور القومى عند العرب اولا، كما ظهر عند الكرد، ويقول ماكدويل ان الكرد ظهروا كقومية فى المنتصف الثانى من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ برنارد لويس ان الشعور بالهوية الكردية وثم القومية ظهر فى بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورا سريعا لعدة عوامل، منها اعتبار الامبراطورية البريطانية ان الكرد قضية امة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها، وتعاطف الكتاب الغربيين مع الكرد، مما جعل الاكراد يبالغون فى وحدة اصلهم ولسانهم وتاريخهم ووطنهم. وان حداثة ظهور الكرد كقومية تحت الايحاء الغربى المبالغ فيه مما جعل الشعب الكردى يترك الحياة القبلية والبداوة فى المرتفعات والجبال الشاهقة، مما اوجد فى عقلية المثقف الكردى من نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمتها، وان وطنهم التاريخى الخيالى احتله العرب والفرس والاتراك. ويقول الباحث ماكدويل (انه من المشكوك فيه جدا ان يكون الاكراد يكونون مجتمع عرقى منطقى مترابط من ناحية النسب. عدم وجود ثقافة مدنية كردية وادب قومى كردى فى بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة فى تعريف الكرد كقومية. فى حالة الاكراد الشعور بالتماسك القومى ينبع من فكرة - من المحتمل زائفة - النسب واللغة المشتركة. يواجه الكرد هنا صعوبة عملية المبنية قسما على عدم وحدة اللغة، والحداثة فى نشوء الادب، وعدم استعمال كتابة واحدة). وهذا الشعور القومى الكردى الذى نمى بصورة غير طبيعية جعل من الاكراد يندفعون فى محاربة الدول التى يتواجدون فيها لارجاع مجدهم الضائع بعد ان اقنعهم وكذب عليهم الغرب بوجود وطن اجدادهم (كردستان)

واول من اطلق كلمة كردستان وخاصة فى مناطق سكناهم الاصلى فى ايران هو السلطان السلجوقى سنجر. فقد ذكر الباحث الغربى لى سترينج فى كتابه الاراضى فى شرق عصر الخلافات الصادر عام 1930 حيث يقول (فى وسط القرن السادس للهجرة، الثالث عشر ميلادى قسم السلطان السلجوقى سنجر مقاطعة الجبال الى قسمين، واعطى للقسم الغربى وبالتحديد المناطق الخاضعة لكرمنشاه اسم كردستان، وعين ابن اخيه سليمان شاه حاكما عليها). اما تسمية شمال العراق بكردستان العراق فيرجع الى القرن السابع عشر، عندما حاول الانكليز تجزئة الامبراطورية العثمانية. ويعتبر الكابتن البريطانى جون ماكدونلد كيز اول من اطلق مصطلح كردستان فى كتابه بعنوان (رحلة الى اسيا الصغرى وارمينيا وكردستان) عام 1818. ثم جاء بعده المقيم البريطانى فى بغداد كلاويدوس جيمس ريج، الذى يعتبر من الاوائل البريطانيين الذين زاروا شمال العراق، واطلق ايضا كلمة كردستان لاراضى عراقية، وعين حددودها فى كتابه (قصة الاقامة فى كردستان، وفى خرائب نينوى القديمة). وقد حدد بدقة حدود ماسماه بكردستان العراق. فيقول (حصلت من عمر اغا - احد اشراف الكرد فى السليمانية - القائمة الموجودة فى الحاشية جميع مقاطعات هذا القسم من كردستان، الذى يبدأ من حدود بغداد )

بعض الكتاب الاكراد يحرفون الكلام من مواضعه، ويمارسون التضليل عندما ينقلون ابحاث الاوروبين حولهم، على الكاتب والباحث الكردى قبل ان يسرح فى افكاره ويسرد علينا قصص تاريخهم الناقص او المخفى، او ينقب بين ثنايا التاريخ، عليه الاعتماد اولا وقبل كل شىء على الحدث، وجلب الوثائق من بطون الكتب التاريخية، او شهادات الشهود، الاموات منهم والاحياء، لان كل هذه الاشياء الضرورية هى عماد الوقائع المطروحة على بساط البحث، وبدون وجود جرد وكشف للاحداث فى احشاء الكتب القديمة يصبح الاستشهاد بأحداث لاصحة لها، ومن وحى خيالهم، مجرد قصص واساطير وخزعبلات طريفة للتسلية والترويج عن النفس، او الدفاع عن قوم ممن تهوى الانفس، وتعشق القلوب. وان وقائع التاريخ والتلاعب فيه شىء يمكن كشفه بكل بساطة ويسر، لاننا لانستطيع المرور عليه مرور الكرام استنادا الى هوى هذا او عشق ذلك. وسوف نغوص كثيرا فى تاريخ هذه العصابات العشائرية الكردية، ونكشف معالمها واصولها واساليبها الملتوية فى تزوير التاريخ لصالحها. لان اكثر الباحثيين الاوروبين اختلفوا فى اصل الكرد، ومنهم من ذكر انهم ابناء الميديين الذين استوطنوا فى جبال زاكروس الواقعة فى ايران، قبل 2000 سنة. وعندما سمع بعض المثقفين الكرد بهذه المقولة نقلوا الكلام بصورة اخرى، ان الباحث يقصد ان الكرد سكنوا العراق قبل 2000 سنة. ومن مهازل هؤلاء الكتاب الاكراد الذين هم من هذا الطراز، فقد كتب احدهم فى جريدة الاتحاد التابعة للحزب الوطنى الكردستانى مقالا عن تاريخ الكرد ان السومريين كانوا من الكرد. لقد كان السومريون والبابليون والاشوريون من الاقوام السامية، ومعلوم ان السومريين هم اقوام نزحت من شبه الجزيرة العربية واستوطنت جنوب العراق منذ حوالى 6000 سنة، وهذا يعنى ان هذه الاقوام جذورها عربى الاصل. بينما الاكراد هم من العنصر الارى. اذن العراق عربى الموطن منذ حوالى 12 الف عاما. وبداية تكوين اول الاقوام الهندو - ارية التى ينتمى الكرد اليها فى ايران بحدود 2500 سنة. كما ذكر المستشرق كارا بروكلمان فى كتابه تاريخ الشعوب. ومنهم من يدعى ان الكرد متواجدين فى العراق منذ زمن النبى ابراهيم عليه السلام اعتمادا على اقوال ذكرها المؤرخ الكبير الطبرى، عندما اوصى كردى منهم بحرق النبى ابراهيم فى النار. وماذكره الطبرى هو استنتاج لايمكن الاعتماد عليه والاخذ به بدون تقديم الدلائل والاثباتات على صدق هذه الواقعة. ومنهم من يعتقد ان ابراهيم هو بذاته كردى الاصل.

ان هذا الشعور المزمن بالتعصب تراكم فى نفوسهم، مما ادى الى نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم الارى، متأثرين بالتعاطف من قبل الباحثين والكتاب الغربيين معهم، ونشوء الفكرة القومية التى ابتدعها الفكر الغربى، مما جعل الكردى ان يبالغ فى وحدة اصله ولسانه وشعبه وتاريخه وارضه، وهذا الايحاء الغربى الذى انتشر فى عقلية الكتاب والمثقفين الاكراد ونمى على ان ارض الاجداد التاريخية احتله الاتراك والفرس والعرب منذ القدم، وراحوا يؤسسون هذه الاوهام فى مخلية اطفالهم حول تاريخهم المنسى، ووطنهم المسلوب. وعندما ننتقد هذه الافكار والتصورات الكردية المبالغ فيها يتهمنا البعض منهم بتهمة العنصرية والشوفينية، والحقد على الاكراد وقادتهم، وهذه الاتهامات تطلق من ابواق عملاء الاحتلال، وبعض الاقلام الكردية الانتهازية، واصحاب المواقع الالكترونية. وهم يدعون ان الشعور القومى جمعهم منذ زمن بعيد، فى تحقيق حلمهم الكردستانى، الا ان الظروف لم تكن مواتية انذاك لتحقيق حلمهم فى تأسيس دولتهم القومية بسبب وجود الاحتلال الفارسى والعثمانى على اراضيهم الكردية المغتصبة. الا ان التاريخ يدحض هذه الفرية، لان تاريخ هذه القبائل الكردية المتعددة بدأ يأخذ معناه القومى فى منتصف القرن التاسع عشر، لان الظروف الاجتماعية والسياسية القاسية التى مرت بها هذه الاقوام الساكنة فى قمم الجبال التى لم تجمعهم لغة واحدة وعنصر واحد تنصهر فى بوتقة واحدة، وتتخذ هوية الكرد كقومية لها رغم اختلافاتهم اللغوية والعرق والثقافة. وهذا مما حدى بالقيادات الكردية العشائرية ان تنزل من الجبال وتنتشر فى السهول لكى تمارس السياسة والصدام مع الاقوام الاخرى، بعد ان اصبح لهذه المجموعات الجبلية شعورا موحدا اجتماعيا وسياسيا، وتجمعهم قومية اثنية وعرقية فى الاراضى التى سكنوا فيها.

والاستعمار الغربى بالغ كثيرا فى ترديد كلمة الكرد وعمموها على جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، بعد ان كانت الكلمة تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وبمرور الزمن شعرت هذه المجموعات بالغبن وقع عليها، فراحت تكون لنفسها حسا نفسيا مشترك على اساس اجتماعى وسياسى، وشعور واحد متجانس، ومحاولة ايجاد كيانات سياسية لهم بكل الطرق والوسائل ضد الدول التى تعيش فى كنفها. ومعلوم ان القضية الكردية برزت على الصعيد الدولى فى اعقاب الحرب العالمية الاولى، وكانت وسيلة استعمارية لاْثارة النعرات الطائفية والقومية بين الشعوب الاسلامية. والشعور القومى الكردى الذى انتشر عند المثقفين الاكراد جعلهم يعتقدون ان الاقوام الاخرى التى تحيط بهم هم من اصول كردية، وخاصة اليزيدين فى شمال العراق، ويجب ربطهم بالعشائر الجبلية. واليزيديين عندهم اعتقاد على انهم جاءوا فى الاصل من البصرة، وسكنوا بعد الهجرة فى سوريا، وبعد ذلك نزحوا الى جبل سنجار، ومازال الطابع العربى يطلق على ملابسهم وتقاليدهم، كما ذكر الباحث الانكليزى لايارد. واخذت القبائل الكردية القوية فى السيطرة على القبائل الاخرى الضعيفة، واحتوائها فى تكوين كيان كردى واحد.

ويشير ماكدويل الى ان الغموض فى فهم التكوين العشائرى الكردى واضحة فى الاصطلاحات التى تستعمل من قبل الكرد، والمأخوذة من العربية والتركية والفارسية فى الاشارة الى المجاميع العشائرية، لان الكثيرين من الاشوريين والسريان الارثودوكس قد تحولوا الى الكرد فى بداية الفترة الاسلامية من خلال معايشة بعضها البعض، وحتى العشائر الكردية التى تنحدر من الاصل الارمنى فكثيرة. فعشائر الجلاليين الكردية كانت ارمنية الاصل، والتى تتكون من ثمانية عشائر كبيرة، اصبحوا اكراد بعد ان اسلموا فى القرن التاسع عشر. ويقول ماكدويل ان عشيرة ماماكانلى قد استكردت فى القرن السادس عشر بعد ان دخلت فى الدين الاسلامى. وحتى ان الكثير من القبائل التركمانية الذين كانوا يسكنون المناطق الجبلية فى شمال العراق قد تحولوا الى الكردية (ماكدويل، وفان براونس، وريج) اما عشيرة الرواديد فأن ماكدويل يعتبرهم من احدى العشائر العربية الكثيرة التى استكردت مع مرور الزمن. وقد نزحت هذه العشيرة العربية الى المنطقة الكردية فى بدايات العصر العباسى 750 ميلادية ، والذين اصبحوا اكرادا فى خلال 200 سنة، واسسوا امارة الرواديد. ويعتبر ريج ان عشيرة زنكنة الكبيرة ليسوا اكرادا.

وقد استمرت الدول الغربية فى دعمها المتواصل للاقوام والعشائر الجبلية، بعد ان اصبحت كلمة كرد تعنى القومية واللغة والشعور المشترك. ظهرت بعض الاقلام لكتاب الانشاءات، وراحوا يفرغون مابجعبتهم من رخيص الادعاءات والمغالطات البعيدة عن الموضوعية والاقرب الى التفاهة. وتتكاثر اقلامهم واصواتهم الكردية، وتكثف حملتها هذه الايام بعد اعلان حكومتهم الكردية فى شمال العراق السليب فى ايجاد اسس ومواقع تاريخية لوجود الاكراد فى العراق، من خلال تزوير وقائع التاريخ، وايجاد جذور قومية او استيطانية فى شمال العراق. وهم يعلمون ان التاريخ يجسد حقائق ثابتة لاغبار عليها، ولايمكن التلاعب بنصوصها، وهى مرة كالعلقم بالنسبة لوجودهم الحديث فى شمال العراق المحتل.

اخذ بعض الكتاب الكرد والسياسين منهم يمارسون التضليل فى كتابة التاريخ لانفسهم واختلاق الاكاذيب واساطير الاولين حول تاريخهم المزعوم.اى محاولة خلق تاريخ خاص للكرد لااثر له على ارض الواقع. مع العلم انه لم ترد فى تاريخ العراق القديم منذ وجود الحضارة الاولى فى بلاد الرافدين امبراطورية بابل والسومريين والاشوريين كلمة كرد بتاتا تعبر عن وجود مجموعة عرقية واقوام او قبائل تحمل اسم كرد. والباحثون والمنقبون الاثريون لم يكتشفوا فى اى جزء من العراق وخاصة المناطق الشمالية الجبلية اية مخطوطات كردية، وحتى متاحف العالم مليئة بالاثار البابلية والاكدية والاشورية والعربية والعثمانية الا الكردى، والسبب لانه ليس لديهم تاريخ مطلقا، وان دخولهم شمال العراق كان حديث العهد. وهم لايستطيعون ان يخدعوا العالم بأن الاكراد موجودين فى العراق منذ زمن نوح عليه السلام . فنسبة الكرد فى العراق حوالى 17 بالمئة، نصفهم من السوران والنصف الباقى من البادينان. فالعشائر الكردية لها خصوصية لغوية وقبلية تختلف الواحدة عن الاخرى، فالسورانيون لايلتقون مع البهدنانيين، وحتى القبائل الكردية الاخرى لاتتفق مع بعضها البعض، وبينهما ثأرات قبلية، ولكنهم يتفقون على عدائهم لدولة العراق وشعبه العربى، وقد امتاز الاكراد فى خلق المشاكل مع السلطات، وكان ولاه المسلمين والخلفاء يرسلون لهم القوات لتأديب العصاة والمخربين من بعض قبائل الكردية. وفى اول ايام الفتوحات الاسلامية فى العراق وايران امر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب جيش المسلمين بعدم دخول المناطق الجبلية التى يسكنها الاكراد ، فى شمال غرب ايران، الذين دخلوا الاسلام طوعا. وهم الان يحاولون الانتقاص من العنصر العربى، فأسلوبهم المتغطرس فى اذلال العرب، والحط من كرامتهم، والاستعلاء عليهم، واطلاق الالقاب بأنهم يلبسون الدشداشة والعقال ، وجاءوا من الصحراء وهم يركبون الجمال لاحتلال العراق. فهذا التفكير الفاسد والمتعجرف والطرح الكردى الشوفينى المتعصب يأتى بمفعول معاكس ضدهم، لان الاكراد هم ايضا يلبسون الشروال والجمدانى ويركبون البغال فى قمم الجبال، فهم ليسوا بأحسن حال من راكبى الجمال. فهل راكب البغال انسان متحضر وفى قمة الحضارة، وراكب الجمال متخلف، او اشد تخلفا من الشعوب والقبائل البدائية ؟. هكذا هم قادة ومثقفى الاكراد يغرسون الان فى نفوس اطفالهم الكراهية والحقد الشديدين لكل ماهو عربى

وعندما نتناقش مع المثقفين والسياسيين الاكراد حول تاريخ الدولة العراقية، فأنهم سيقولون ان هذه الدولة مصطنعة اوجدها الانكليز، وتضم اعراقا وطوائف غير متجانسة، كأن العراق العربى ليس له ذكر عبر التاريخ، ويهملون دور الدولة العباسية فى العراق ومركزها بغداد عاصمة الخلافة. بينما كردستان فى نظرهم لها موطىء قدم فى شمال العراق منذ القدم. يقول مكرم الطالبانى ((ان كردستان الجنوبية - شمال العراق - الحقت بدولة العراق، وقد سميت ولاية الموصل لحجب تسمية كردستان عنها. لقد كان المفروض تقرير المصير لسكان هذه المنطقة، وهو موافقة الشعب الكردى من الناحية الشكلية على الاقل.)) وهل كان الاكراد هم الاكثرية فى تلك الفترة من تاريخ الدولة العراقية الحديثة ؟ وهل كانت كلمة كردستان موجودة حتى يمكن اطلاقها على المنطقة الشمالية بدلا من ولاية الموصل ؟ اذا كان العراق دولة مصطنعة كما يعتقد الاكراد ، فماذا ستكون دولتهم الكردية المرتقبة ؟ اليست هذه الدولة فى الحقيقة ستكون هى بالذات مصطنعة فى تاريخ المنطقة، اوجدها الاحتلال الامريكى الصهيونى فى شمال العراق ؟ لانها دولة قزمية ليس لها جذور حقيقية عبر التاريخ. هل تأسست دولة كردية او كردستانية حسب مصطلحاتهم السياسية فى شمال العراق قديما اوحديثا ؟. ان اول دولة كردية تأسست هى جمهورية مهاباد فى ايران، الا انها فشلت وسقطت سريعا، وهرب قادتها الى الخارج، ومن ضمنهم مصطفى البرزانى، ومعه بضعة مئات من المقاتلين مع عوائلهم واطفالهم، ودخلوا اراضى السوفيت. وكان عددهم 500 كما جاء فى خطاب مصطفى البرزانى عام 1948 فى مدينة باكو الاذربيجانية. لقد كانت حركة الاكراد عام 1943 - 1945 يعكس مأساة الاكراد وثورتهم، ولولا ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لما عاد البرزانى ومقاتليه وعوائلهم الى العراق، وتلك الجمهورية الكردية المهابادية التى سقطت كانت من الاخطاء القاتلة للقيادة الكردية، التى لم تتحسب للظروف المحلية والدولية والاقليمية . الا ان هذه القيادة البرزانية العشائرية الاقطاعية رفعت السلاح مرة اخرى عام 1961، ولم تتعض بتجربتهم المريرة السابقة، فقد استلم البرزانى الضوء الاخضر برسالة من الحكومة البريطانية تحرضه على الثورة فى استغلال التمرد الاقطاعى الرجعى المرتبط مع دوائر حلف السنتو، وانهارت هذه الثورة مرة اخرى بعد اتفاق الجزائر خلال 24 ساعة، ونقل الامريكان مصطفى البرزانى وافراد عائلته على متن طائرة امريكية من طهران الى الولايات المتحدة الامريكية، وبقى هناك حتى توفى عام 1979. البرزانى فى الحقيقة لم يكن فى يوم من الايام قائدا حزبيا، لانه فى الحقيقة لم يكن مقتنعا اصلا الاحزاب واساليبها السياسة، او التعددية الحزبية، بل كان يؤمن ايمانا مطلقا بالروح الفردية والتسلط على الاخرين، حتى على القيادات العشائرية وعلى الاقطاعيين، فالنزعة الفردية مغروسه فى تفكيره السياسى.

لقد اراد العراق ان ينهى قضية الكرد نهائيا بأعطائهم الاستقلال، فقد ذكر الرئيس صدام فى احدى رسائله المرسلة الى مكرم الطالبانى عام 1995 قائلا (بلغ تحياتى للاخوة كاكة مسعود وجلال الطالبانى، ليقيموا او يعلنوا عن دولتهم الكردية المستقلة ووعد شرف من صدام حسين سوف اكون اول من يعترف بدولتهم، واتبادل معهم العلاقات الدبلوماسية) اين المشكلة ولماذا لم توافق القيادات الكردية على طروحات الرئيس صدام ؟.بينما نرى العكس من ذلك فقد صرح الطالبانى عام 1994 قائلا (نريد الحاق كردستان العراق بتركيا الديمقراطية) ولماذا اذن لم يفعل ذلك ؟ السبب كما جاء على لسان مكرم الطالبانى (المشكلة ليست لدى القيادات الكردية. المشكلة هى الادارة الامريكية، فالادارة الامريكية تمنع الاكراد لقبول اى حل مطروح من قبل القيادة العراقية، وتحديدا من صدام حسين. والقيادة الكردية تنفذ كل طلبات الامريكان دون نقاش او استفسار وحتى التوضيح، وان خالفوا ارادة الامريكان سوف يكون مصيرهم كمصير مصطفى البرزانى، اى نقلهم جوا هم وعوائلهم الى امريكا مدى الحياة) وهذا الحديث منقول من مذكرات السيد مكرم الطالبانى. وعندما فرض الحصار على العراق، وقفت هذه القيادة العميلة مع الحصار تحت الخيمة الامريكية، وقال احد القادة لحزب الطالبانى الكردى ( فيما لو وقفنا ضد الحصار علينا الرحيل، ونغادر العراق وكردستان مع حقائبنا الشخصية فقط ) فهل ياترى القيادتين الكرديتين المفروضة على رقاب الشعب الكردى بقوة ودعم القوات الامريكية المحتلة قادرة ومؤهلة لتحقيق طموحات شعبهم فى التحرر القومى الناجز والديمقراطية والحرية ، فى زمن اصبحت الديمقراطية تعنى فى العراق المحرر بالدريل - مقراطية، تعنى التزوير والتسلط وكثرة الميلشيات الاجرامية وفقدان الامن.؟؟. انهم عاجزون عن تحقيق الحد الادنى فى توفير الحرية والديمقراطية للشعب الكردى بعد ماحصلوا عليه من مكاسب وامتيازات فى الحكومة العميلة الحالية، كان من المستحيل تحقيقها بدون الدعم الكامل من طرف الامريكان، منذ ان فرض المنطقة الامنة شمال العراق عام 1991. وهم الان يعيشون فرحة النظام الفدرالى فى تشكيل حكومتهم الكردية الموحدة، فقد اعتبرها رئيس حكومتهم بأنها مرحلة انتقالية وتتطلب المزيد من الجهود والعمل، اى انه يقصد - وهذا هو هدفهم النهائى طبعا - هو الاستيلاء على الكثير من الاراضى العراقية.وقد اطلق رئيس حكومة الاكراد الشاب المراهق نيجرفان برزانى قنبلته الصوتية، وقال كلمته اما الاطراف السياسية العربية العميلة التى جاءت تبارك هذه الحكومة الاقليمية التى تبتلع الحكومة المركزية فى بغداد، وتسحق هويتها العربية بالاقدام. لقد تحول هؤلاء العرب الذين يحكمون العراق بمليشياتهم الطائفية، تحولوا الى خدام للحكومة الاقليمية الكردية، وتنازلوا عن عروبتهم وتاريخهم العربى وحضارتهم العربية وقوميتهم العربية خدمة لتحقيق اهداف الاقليم الكردى والقومية الكردية الشوفينية. واصبح العراق تحت ظل هؤلاء السياسين العراقيين الطائفيين العرب ذليلا للاقليم الكردى، بعد ان سمعوا مقولة نيجرفان وهو يقول امامهم بكل عنجهية وشموخ (انتهينا من المعركة السياسية وسوف نبدأ بالمعركة الجغرافية لاعادة اراضينا) وهو يقصد الخارطة التى رسموها بأيديهم الخائنة، حتى وصلت حدودها الى مشارف العمارة.

هذه القيادة التى تحكم شعبها بالحديد والنار، ولم تستطيع ان تحقق الديمقراطية والحرية، والجنة الموعودة فى اقليمها. فقد قامت الاحزاب الكردية الحاكمة بتحويل شمال العراق الى قلعة للاستبداد، وتدمير حقوق الانسان الكردى وسرقة اموال الشعب، لان الديمقراطية الحقيقية تعد اكبر خطر على مصير هذه القيادة العشائرية الدكتاتورية التى تتكون من بعض العوائل المتسلطة على رقاب الشعب الكردى المسكين عن طريق القوة . لقد ازدادت اساليب القمع وكم الافواه والارهاب والقتل والتصفية الجسدية لكل من يرفع صوتا ناقدا لتصرفات هذه القيادات الخائنة. وحادثة عمر ميران وحفيده عبد القادر اكبر شاهد ودليل على الاعمال الاجرامية التى تعودت عليها هذه الحفنة الفاقدة لكل ضمير والقيم الانسانية. ان مايعرض له اصحاب الرأى والفكر المخالف للقيادات الكردية المهيمنة والمتسلطة على رقاب الشعب الكردى وباقى القوميات الاخرى خاصة التركمانية والاشوريية اشد معاناة وقسوة مما كان يتعرض اليه فى كل العصور والحكومات والدول الاسلامية، من قمع وقتل وتشريد وتزوير الانتخابات لصالح الحزبين الكرديين الحاكمين فى شمال العراق .

ومن المهازل المكشوفة فى الانتخابات الاخيرة التى جرت فى العراق نرى محاولة تقليل اصوات المنتخبين التركمان فى شمال العراق، فقد كان تعداد العراق عام 1957 يبلغ 7ملايين نسمة، منهم 4 ملايين من العرب، ومليون من الكرد، ونصف مليون تقريبا من التركمان. فكيف يعقل ان يصوت فقط 78 الف تركمانى فى شمال العراق من بين مليون مواطن تركمانى فى الوقت الحاضر؟. اذا عرف السبب بطل العجب، فالميليشيات البيشمركية الكردية هى المسؤولة عن فتح صناديق الانتخابات وفرز الاصوات، وقامت بنقلها الى مناطقهم الكردية، ومارست التزوير بجرد الاصوات، وظهر التلاعب الخطير باصوات التركمان، والهدف هو عزلهم عن شمال العراق، لانهم العقبة الرئيسية امام طموحات القيادة الكردية لتقسيم العراق وتأسيس دولتهم على حساب العرب والتركمان وباقى اطياف الشعب العراقى . وقد قام قادة الاكراد بجلب 270000 ناخب كردى من اهالى المحافضات الشمالية، واكراد دول الجوار الاشتراك فى الانتخابات الاخيرة فى كركوك، ومن ضمنهم 83000 اسم ناخب سبق ان اعلنت المفوضية عن اكتشافهم كأسماء مزورة كانت مسجلة لحساب الاحزاب الكردية، ثم تراجعت عن بيانها، بعد زيارة وفد كردى الى بغداد، فأضافتهم المفوضية مرة اخرى الى سجلات الناخبين. ان الحل الافضل لكركوك وتطبيع الاوضاع فيها هو ارجاع التركيبة السكانية حسب الاحصاء السكانى الذى جرى عام 1957 حتى يمكن ان ترجع الامور الى ماكانت عليه سابقا.

مسعود البرزانى يتذكر جيدا، ولن تخونه الذاكرة عندما استنجد بالرئيس صدام حسين لانقاذه من خصمه اللدود الطالبانى، وكان على وشك الهروب السريع الى تركيا لولا قدوم الجيش العراقى الباسل لنجدته فى اخر لحظة، وارجاعه الى اربيل. وقام البرزانى بتقبيل العلم العراقى الحالى ، بعد اداء التحية بحضرة قائد الكتيبة ، وامام عدسات التلفزة العراقية، التى بثت هذ المشهد عدة مرات. والان يرفض هذا الانتهازى ان يرفرف هذا العلم فى شمال العراق، اليست هذه هى منتهى الانتهازية ؟؟.

وفى مؤتمر صحفى عقده البرزانى فى غرفة صغيرة منزوية لمطعم فى اربيل، وحتى المدعوين الصحفيين الذين شاركوا فى هذا اللقاء الصحفى لم يكن لديهم علم مسبق به قي حصوله، فماذا يعنى هذا الحدث والظهور المسبق والمفاجىء ، عندما يطلب من الصحفيين للذهاب الى هذه الغرفة المجاورة المطعم بعد ان سبقهم اليها البرزانى بصورة خفية ؟ اليس هذا الظهور السرى يقدم لنا الدليل الكافى على خوف القيادة الكردية من غضب الجماهير الكردية المخدوعة ؟. لقد تطرق البرزانى فى هذا اللقاء حول مسألة كركوك قائلا انها تقع داخل الحدود الجغرافية لاقليم كردستان، وهذه مسألة تاريخية كبيرة فى نظره، وهو يريد تصحيح هذا الخطأ التاريخى الذى حصل فى كركوك. ثم يقول (ان الكرد امة واحدة جزئت على رغم ارادة الشعب الكردى) وهذا اعتراف صريح منه بعدم وجود دولة كردية لهذه الامة المجزئة عبر التاريخ.واذا كان البرزانى يريد تصحيح هذا الخطأ التاريخى لمدينة كركوك، فأننا نقول له نحن ايضا نريد ونسعى اليه لنكشف زيف وكذب ادعاءات هذه القيادة حول تاريخ الاكراد والمنطقة، او وجود حقوق تاريخية فى كركوك منذ القدم. ويقول مكرم الطالبانى فى بحثه عن الاكراد وكركوك (ان الحكومتين العراقية والبريطانية عام 1926 تعمدتا فى المبالغة بشأن عدد التركمان فى مدينة كركوك، لابعاد فكرة الاكثرية الكردية منها ) . وقد صرح ايضا قبل فترة عدنان المفتى عضو المكتب السياسى لحزب الطالبانى قائلا (تثبت الوثائق التاريخية، ومن بينها وثائق تعود الى العهد العثمانى كردية كركوك) فهل مثل هذه التصريحات لها مصداقية تاريخية، بينما كل الوقائع تثبت للباحثين ان التركمان هم الاكثرية فى مدينة كركوك . وتدعى القيادة الكردية ان نظام البعث قد غير من الوضع الديموغرافى والادارى لبعض المدن فى شمال العراق مثلا كركوك وكفرى وجمجمال وطوزخورماتو، كأنها اجزاء من دولتهم المزعومة، تم اقتطافها من الشجرة الكردية المثمرة، ذات الجذور العميقة فى ارضية التاريخ الكردى فى شمال العراق، وهذه الجذور تتمدد وتتوسع داخل الاراضى العراقية على الدوام وبدون توقف.

هؤلاء الكتاب الاكراد الشوفينيين الذين كانوا يتباكون سابقا على الشعب الكردى المظلوم فى العراق ومصيره التعس، وهم اليوم يتباكون يذرفون دموع التماسيح على اخوانهم الاكراد فى سوريا، ويطالبون بألغاء السياسة الشوفينية، وسياسة التعريب والقوانين الاستثنائية، والمشاريع العنصرية ان وجدت فى سوريا، والغاء الحزام العربى، والتعويض عن المتضررين، واعادة المناطق الكردية، التى هى اصلا ليست كردية، ولم يكن لهم موضع قدم فيها، وانهاء الاضطهاد القومى، واطلاق الحريات العامة وحرية الرأى وحرية الصحافة والنشر، كأن الان فى شمال العراق يوجد حرية الصحافة بعد التحرير الامريكى. ويطالبون ايضا بحرية التظاهر والاعتصام والاحتجاج والاضراب، وضرورة التغيير الديمقراطى ، وقد شاهدنا هذا التغيير الديمقراطى فى شمال العراق فى تزوير اصوات المنتخبين واللعب بأوراق الانتخابات ....الخ. كل هذه المطاليب يعتبرونها مرتبطة بوحدة الموقف الكردى عامة، وان طرح رؤية مشتركة لحل القضية الكردية فى الدول المحتلة لاراضى كردستان الكبرى ضرورة قومية شاملة فى نظرهم. ولكن هؤلاء الكتاب المخدوعين نسوا او تناسوا ان هذه الشروط يجب تطبيقها الان فى امارتهم الكردية فى شمال العراق. اذن قبل ان يطالبوا هذه المطاليب العادلة عليهم ان ينظروا لواقع الحال فى شمال العراق، لايوجد شىء هنالك مسموح كتابته باللغة العربية المحلات والمطاعم والدوائر الحكومية ، فقط باللغة الكردية او الانكليزية، اما العربية فيرفض الاكراد النطق بها او الكتابة بها. اما ادعاء الاكراد بوجود حرية الصحافة هو امر اقرب الى الخرافة منه الى الحقيقة، فالذى ينتقد القيادة الكردية او الطالبانى والبرزانى فى بغداد، لاخوف عليه ولا هم يحزنون، وان فعلها فى مناطقهم الكردية فسوف يلاحقه الاعتقال والموت فى اى لحظة .

ومن هنا علينا ان نضع النقاط على الحروف، وان نبحث عن تاريخ الاكراد اذا كان لهم تاريخ حقا كما يدعون. يجب على كل الكتاب والمثقفين العراقيين الشرفاء، المدافعين عن وطنهم اليوم قبل ان تفترسه الوحوش القادمة من قمم الجبال ، ومن الخارج الحدود الشرقية، ووضع الحقائق التاريخية امام الشعب العراقى، لانه وللاسف الشديد القسم الاكبر من هذا الشعب المنكود لم يكن لديه فكرة واضحة من الناحية الجغرافية والسكانية، وديمغرافية المناطق الشمالية من العراق . وسنراجع هنا مايقوله المؤرخون الغربيون عن تاريخ الاكراد واقوالهم وبحوثهم. والتاريخ شاهد على ذلك. فمثلا يقول الباحث كلاوديوس جيمس ريج فى كتابه الاقامة فى كردستان الصادر عام 1972 فيصف مدينة طوزخرمانو بالتركمانية، ومشيرا ايضا الى ان اهل كركوك ليسوا اكراد. وحتى ان مدينة اربيل بعيدة جدا عن كردستان. ويقول المقيم البريطانى فى اربيل بين عام 1918 - 1920 وليم هاى فى كتابه سنتين فى كردستان بالنسبة لاهالى اربيل يعتبر باستورة جاى الواقعة على شمال شرق المدينة حدود كردستان. اما الباحث الغربى لى سترينج، فيقول ان مدينة جمجمال بناها السلطان المغولى اولجاى. وهو الذى اطلق عليها هذا الاسم. وهذا دليل على انها مدينة عراقية وجدت على الخارطة العراقية قبل مجىء الاكراد قادمون من الاراضى الايرانية وبعد العصر المغولى. ويعتبر سترينج ان كلمة جمجمال كلمة مغولية. اما مدينة كفرى فهى تركمانية الاصل، وعدم تواجد الاكراد فيها. ويقول الباحث بكينكهام الذى مر من الموصل الى بغداد عام 1827 من خلال وصفه مدينة كفرى قائلا ( لغة ومظهر وطبيعة اهل كفرى فى الاغلب تركية. ويصف المدن الواقعة مابين الموصل وبغداد بهيمنة ساحقة للطابع التركى واللغة التركية. اما عن مدينة كركوك التى زارها فيقول انها تبعد من المناطق الكردية بأربعة ايام. ان الخطأ الكبير الذى اقدم عليه العثمانيون هو اسكان القبائل الكردية فى مناطق تابعة للتركمان والاشوريين منذ القرن الثامن عشر، وخاصة كل من العشيرتين الكرديتين الطالبانية والداوودة فى شمال خانقين. ويذكر هذه الحقيقة المؤرخ الغربى سيسيل جون ادموندس فى كتابه الكرد والترك والعرب الصادر عام 1919، ويقول (تعتبر الطالبانية من احد افخاذ العشيرة البرزنجية والتى ظهرت كعشيرة كردية فى اوائل القرن الثامن عشر بعد نزوح ملا محمود البرزنجى الى قرية طالبان التى هى على بعد يضعة عشرات من الكيلومترات الى جنوب غرب السليمانية. وعشيرة البرزنجية ينحدرون من الاصول العربية، ويعتبرون من السادة، وينسب اصلهم الى اهل البيت. سكنوا همدان الايرانية فى العصر العباسى، ودخلوا العراق فى القرن الثالث عشر عام 1258 حسب ماذكره ادموندس . ويرجع اصل الكثير من العشائر الكردية كالطالبانية والخانقا فى العراق الى عشيرة البرزنجية. اما تاريخ نزوح الطالبانيين الى كركوك فيرجع الى بدايات القرن التاسع عشر. ثم اصدر العثمانيون قرار تمليك قرى افتخار فى كركوك لعشيرة الداوودة فى القرن التاسع عشر.

وليس صدفة ان يتم بين فترة واخرى اصدار المقالات المسمومة التى يكتبها بعض الاكراد المهووسين بالشوفينية القومية العنصرية التعصبية المقيتة، فقد قرأت مقال احدهم مما دعانى ان احجم عن متابعة وقراءة مايكتبه الاخرون ، لانهم جميعا يرددون لحنا متناسقا لمعزوفة واحدة وضع نوتتها كبير القوم جهاز الموساد الاسرائيلى والصهيونية العالمية. فهذه المدينة كركوك جزء من شمال العراق السومرى الاصل. وهذا هو قول التاريخ الذى يعرفه الاكراد قبل غيرهم، ولاحجة لقادة الاكراد بوصفهم انها مدينة كردية خالصة عبر التاريخ، فالتاريخ القديم والحديث يدحض هذه الحجة الباهتة، لانهم فى الواقع لايستطيعون التلاعب بنصوصه.

ولما كان للاكراد طموح فى كركوك لذا اقاموا الدنيا ولم يقعدوها لسياسة التعريب واسكان العرب فيها، ولم تكن للاكراد اراضى اغتصبت منهم، بل كانت اكثر الاراضى تابعة للتركمان العراقيين. ان الحاح الكرد لاخراج العرب من كركوك هو ليس لتوطيد العدالة، وارجاع الحقوق لاصحابها الشرعيين، وانما لجلب الاكراد من مناطق اخرى واسكانهم فى الاراضى العائدة للعوائل العربية المرحلة. لقد بدأ الاكراد بالسكن حول اطراف كركوك فى الثلاثينات من القرن الماضى، حيث بدأوا بشراء الاراضى السكنية بسعر رخيص جدا للمتر الواحد، من يصدق عندما نقول ان المتر المربع الواحد كان سعره اربعة فلوس. وفى الخمسينات اصبح للاكراد احياء كردية فقيرة داخل المدينة، ولم يتجاوز الاكراد داخل كركوك اكثر من 10 بالمئة، والان تطالب هذه القيادة الكردية بضم كركوك الى حدودهم، وجعلها عاصمتهم الابدية المقدسة، التى يصلون ويبكون ويلطمون الخدود، ويهددون استقواء بالامريكان واولاد اعمامهم اليهود من اجل ارجاعها. وعندما ثبت الاكراد مادة 58 فى قانون ادارة الدولة الذى كتبه بريمر وفيلدمان اليهودى، فأنهم يستعجلون الان فى تطبيق هذه المادة، وهدفهم واضح للعيان، وهو اخراج السكان العرب من المدينة واسكان الاكراد مكانهم.لم يكن للقيادة الكردية هما اخر سوى تحقيق هذا الهدف، وهم يجاهدون بشتى الوسائل الممكنة لضم كركوك لافليمهم، ويعتبرونها فرصة تاريخية فى ظل الاحتلال الامريكى ودعمه لهم، وعدم وجود حكومة مركزية قوية، لان عراق ضعيف عراق احسن بالنسبة لهم.ولكن هذه المادة لاتعنى مطلقا ربط كركوك بأقليم كردستان، ولايمكن ابدا اطلاق عليها مصطلح (قدس كردستان) حسب ماجاء فى احاديث الطالبانى، او مصطلح (قلب كردستان) مثلما يدعى البرزانى. وهى شبيهة ايضا فى نظرهم بقدس الاقداس المقدسة عند المسلمين والعرب. وسوف يبحرون من قدس كردستان فى سفينة نوح ومعهم الحجاج الاكراد المؤمنين لزيارة حائط المبكى فى القدس، يؤدون صلاة البكاء والندامة على روح جدهم الكردى ابراهيم عليه السلام. لقد نسوا قرأنهم واتبعوا توراة الشوفينية وتعلموا منه، واستكبروا استقواءا بقوات الغزو الامريكية الصهيونية، وتعالوا على امة لا اله الا الله محمد رسول الله، واستكبارهم هذا لايولد منه لدى اجيالهم القادمة الا الكره والحقد الاعمى على كل ماهو عربى مسلم.

القيادة الكردية تمارس الان وبوتيرة عالية عمليات الترحيل للعرب واسكان العوائل الكردية بدلا عنهم، وراحت تحذر العرب من تغيير الواقع الديموغرافى فى كركوك، لان مايقوم به العرب غير مقبول بالنسبة للقيادة الكردية الانفصالية، لان هذه الاعمال حسب منطقهم العقيم تعتبر تمديدا لسياسة التعريب ضد الشعب الكردى، كأن مدينة كركوك مسجلة بأسم هذه القيادة فى دوائر الطابو منذ الخليقة . وقد اكد بعض السياسين من الاكراد انهم على استعداد لاستخدام السلاح ضد اى جهة تحاول بسط سيطرتها على المدينة. ونقول لهم من حق العرب البقاء فى كركوك، وشراء او استئجار البيوت والسكن فيها، مثلما تفعل القيادة الكردية الان. ولم تكتفى هذه القيادة الكردية المتعنصرة من السيطرة على كركوك، بل انها تحاول تغيير جهاز التعليم والثقافة فيها، ولايخفى على المواطن العراقى وخاصة فى كركوك بأن الاكراد بذلوا جهودا كبيرة للسيطرة على جهاز التربية والتعليم عام 1959، ونظرا لاهمية هذا الجهاز التربوى ووضعه تحت تصرفهم، وهم يحاولون الان بذل جهودهم من اجل تحقيق هذا الهدف التكريدى على حساب التركمان والعرب.

لقد زالت الغشاوة عن اعين الشعب العراقى، بعد ان استمر الاكراد فى غبائهم، وصارت التوجهات الكردية اكثر وضوحا. انهم يريدون ابتلاع كركوك فى غمضة عين، وتسليم القوميات الاخرى للقومية الكردية المنتصرة رافعة الايدى. انهم يطالبون بضم كركوك الى اقليمهم الحديث وكأنهم يتكلمون عن ضم مدينة مغتصبة احتلتها دولة اخرى معتدية ، لايمكن تفسير الحاح القادة الاكراد ورغبتهم الجامحة والتهافت المفضوح على كركوك، واحتلالها ان امكن بالوسائل العسكرية الا تعبير عن اهدافهم المعلنة فى تحقيق خاتمة طموحاتهم المستقبلية بجعل كركوك عاصمتهم الابدية،ثم تحقيق المرحلة الثانية والثالثة، وبعدها انتظار الفرصة المناسبة للانفصال النهائى . ومراكز كردستان للدراسات الاستراتيجية تقوم على عاتقها بنشر البحوث والمقالات والدراسات حول كيفية السيطرة على محافظة كركوك والموصل وديالى . يخطط الاكراد فى المرحلة الاولى لطرد العرب من المنطقة الشمالية الواقعة بين ناحية فايدة وناحية وانة، وقضاء تلكيف المسيحى شمال مدينة الموصل، وتكريدها وادخالها ضمن حدود كردستان الحبلى. ثم تأتى المرحلة الثانية التى تبدأ من الجانب الشرقى من الموصل بضمنها قضاء قره قوش، وناحية بعشيقة وبرطلة والسلامية، وقرى الشبك لالحاقها ايضا بأقليم كردستان مستقبلا. اما المرحلة الثالثة والاخيرة وتتم بالسيطرة على سنجار وزمار وربيعة من الجانب الغربى لمدينة الموصل. وبهذه الخطة الثلاثية ستحاصر الموصل من ثلاثة جوانب، ويبقى الجانب الجنوبى الممر الوحيد للوصول الى بغداد عن طريق حمام العليل. اما المرحلة الاخيرة من خططهم الجهنمية واحلامهم المريضة هو تكريد الموصل وتفريغها من سكانها العرب، واعتبارها جزءا لايتجزأ من حدودهم الجفرافية الكردستانية. وبعده تباشر القيادة الكردية بتنفيذ المرحلة الثالثة والاخيرة فى ابتلاع بعقوبة بأكملها.

اننا نستطيع ان نثبت للشعب العراقى بجميع طوائفه ان القيادة الكردية التى تطرح على الدوام فى صحفها وقنواتها الفضائية ووسائلها الاعلامية الاخرى من صحف ومجلات ومقابلات صحفية يعقدها قادة الكرد بين فترة واخرى بأن الاكراد جزء من الشعب العراقى الفيدرالى الديمقراطى الموحد، وان ايمانها الشديد التقوى بوحدة العراق شماله وجنوبة لاينفصم، هو مجرد الضحك على الذقون، وذر الرماد فى العيون، فهذه الاسطوانة المشروخة ذات اللحن الكردى اصبحت قديمة، وتشمئز من سماعها الاذان، ولاتنطلى على شعبنا العراقى. ولكنها بنفس الوقت تضرب بأصابعها الناعمة على انغام والحان عذابات الماضى، وتقدم مسكرات المقابر الجماعية والمظالم الكاذبة للمواطن الكردى، لكى يستسيغ طعمه ويشربه حتى الثمالة ، لانه يضرب على الوتر الحساس فى تغذية حسه القومى المتعنصر، ويجرى مجرى الدم فى عروقه، ليزيد مشاعر الحقد والبغضاء تجاه اخيه العراقى العربى، وهذا ماتسعى اليه القيادة الكردية العشائرية بكل جنون. انه تحريض مكشوف ومشحون بالعداء لكل عربى، الذى قدم لها الحلم الذى لم تحلم به ابدا ، وهو (الحكم الذاتى) لقد صدق المثل القائل، اتقى شر من احسنت اليه.هؤلاء الاكراد يحملون الان فى نفوسهم الضغينة ونزعاتها وغرائزها الدفينة المكبوتة من حقد على كل عربى وتركمانى، وعندما يتحول الشعور بالحقد والكره الى احساس داخلى فى نفوسهم، ويتضخم عندهم، ويصبح هو القاعدة التى يسيرون عليها. فأصحاب المظلومية الكردية اصبحوا مثل المظلومية الشيعية، يتحول الحقد عندهم الى هسترية كأنه حق مكتسب لهم على حساب القيم الاسلامية، والمبادى الانسانية. فتصبح هذه الضحية السابقة وبدون حق، والمنتصرة حاليا بالتحرير الامريكى الصهيونى المشترك الى درجة ان كل من يعارض تطلعاتها المتهورة بأنه جلادها، بل هو جلادها المتمدد عبر كل العصور. ان اصحاب عقدة المظلومية من الاكراد يمثلون نفس الدور الذى يلعبه اصحاب عقدة المظلومية اليهودية ضد كل من يقف بوجه طموحاتهم وسياساتهم التوسعية على حساب العرب والتركمان والاشوريين . لقد زالت الغشاوة عن اعين الشعب العراقى، بعد ان كان العرب الحليف الطبيعى والاستراتيجى للاكراد، حيث ان المصالح المشتركة فى التحرر القومى الناجز بين الامتين العربية والكردية كانت ضرورية ومتوفرة بين الطرفين، اكثر مما هى متوفرة مع الشعوب الاخرى.

اننا نسمع بين فترة واخرى تمسك الاكراد بوحدة العراق وحريته واستقلاله، ولكن تصرفاتهم المشينة تعطى لنا مفارقات غريبة وعجيبة فى ان واحد، ومنها على سبيل المثال منع رفع العلم العراقى فى شمال العراق، ورفضهم حل الميلشيات الكردية، على اعتباره انه جيش نظامى خاص بهم. فهل للعراق الموحد له جيشان ؟ واى نظام فدرالى فى العالم يسمح بتكوين جيشين منعزلين فى دولة واحدة؟ مع العلم انهم يرفضون دخول الجيش العراقى الى مجافظات الشمال من دون موافقة البرلمان الكردى المبارك. كما ان تعليم اللغة العربية ممنوع فى مناطقهم. فهل كل هذه الافعال تعلنا حقا ان نصدق بما يصرح به قادة الاكراد بأنهم يؤمنون بوحدة العراق ن ام ان اقوالهم مجرد للاستهلاك المحلى لاغير؟. وعندما يطالبون بالوضع المتميز لهم فماذا يعنى هذا الشعار واهدافه الخفية ؟ اليس هو فى الواقع الاستحواذ على القرار السيادى للدولة العراقية ؟ وتمشية امور الدولة حسب مشيئة واوامر اسرائيل؟. ان الوضع المتميز بالنسبة لهم هو حق الاعتراض ومنع من اعتبار العراق جزء لايتجزء من الامة العربية، بينما شمال العراق الذى جعلوه وكرا لدولتهم الكردستانية البائسة جزءا لايتجزء من كردستان الكبرى، مع العلم ان اراضى كردستان تقع اكثرها خارج العراق اى حوالى 80 بالمئة، وهم لايمثلون غير 17 بالمئة من نفوس الشعب العراقى.

مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية هدفه الوحيد، ومهامه الخطرة هو دراسة الاسلام والحركات القومية العربية، وتقديم البحوث تمهيدا لمكافحة هذه الحركات الاسلامية والعربية مستقبلا . وخاصة مكافحة الاسلام بأعتباره استعمارا عربيا اراد العرب من خلاله الاستحواذ والسيطرة على شعوب المنطقة، ومنهم الاكراد. وليت الامر يتوقف عند هذا الحد، بل ان من يقرأ الصحف الكردية والمجلات، والفضائيات الكردية يرى العجب العجاب من هذه المقالات والبحوث، والتهم الجاهزة والمفبركة التى كتبت ضد العرب والاسلام، وضد الرموز الاسلامية والنبى محمد (ص) والخلفاء الراشدين، والصحابة الكرام، وامهات المؤمنين. انها تحاول طمس الدين الاسلامى من خلال برامجها العلمانية، وخلق فجوة بين الكرد والعرب، وبقية الشعوب الاسلامية، من خلال احياء المجوسية واعتبار زرادشت نبيا كرديا، والدعوة والتبشير لتعاليمه الدينية. وهكذا وبكل بساطة اصبح زرادشت وبقدرة قادر من اصول كردية، ولم يسلم النبى نوح ايضا من الافتراء عليه ، فقد اخذت تطلق عليه الانساب والاصول والقصص والاساطير، منهم من يدعى انه نزل من كوكب اخر مع جماعته المؤمنة، واستقر على الارض، ومنهم من يرجع اصوله الى السلالة الكردية، رجما بالغيب ، وربما ايضا ادم عليه السلام اصله كردى، وسلالته الكردية موجودة فى اللوح المحفوظ تحت عرش الرحمن. فقد قرأت قبل فترة كتابا عنوانه (من وحى القرأن الكريم الايات العلمية ذات الخلفيات العلمية) للباحث السورى احمد احسان الصاحب، شارحا فيه قصة طوفان نوح عليه السلام ، معتبرا ان هذا الطوفان سببه مذنبات ثلجية ارتطمت بالارض بعد ان افلتت من النطاق الذى يحيط بالمجموعات الشمسية، وهى على شكل كرات ثلجية ضخمة، فأحدثت على الارض الطوفان، ثم امر رب العالمين نوح بالهبوط الى الارض من كوكب اخر التى تأثرت ايضا بكارثة كونية. وان هذا المذنب الضخم الذى ارتطم بالارض وغمرها بالمياه، اذ لايعقل - حسب اعتقاد الباحث - ان يأمر رب العالمين نوحا بالهبوط من الجبل الى الماء، بعد ان غمر الماء كل الجبال. وبأختصار شديد ان الذين حملوا مع نوح لم يكونوا من بنى ادم، واذا سألت من هم الاقوام والاجناس التى هبطت مع نوح ؟ فأنه يترك الجواب على هذا السؤال لعلماء التاريخ . وقد تلقف الباحثون الاكراد هذا السؤال، وتم الرد عليه من قبلهم. ويستمر الباحث السورى الكردى الاصل فى سرد قصته الممتعة، فيقول ان الاقوام التى هبطت مع نوح من كوكب اخر هى مخلوقات ذكية اكثر حضارة ومدنية مما لدينا اليوم. فيرد عليه الكاتب والباحث الكردى الاخر فى التراث والحضارة الكردية - التى ربما يعتقد ايضا ان هذه الحضارة الكردية هبطت علينا نعمة للبشرية من كوكب فضائى اخر - قائلا ان النبى نوح كردى الاصل . اذن الاكراد هم اصحاب الحضارة والمدنية الذين هبطوا مع نوح من كوكب اخر، ومن الخزى والعار على البشرية ان تنكر فضل الشعوب الكردية عليها. لقد اصبحت قصصهم واساطيرهم واوهامهم - - التى ليس لها اى اثر يذكر فى بطون التاريخ - لها مصداقية فى عقولهم وقلوبهم، فلفقوها بقوة واودعوها فى خلجات انفسهم كأنها حقائق كانت غائبة ومخفية ، ولاتقبل النقد والجدل او النقاش ، واصبحت من البراهين الثابتة المتغلغلة فى افكارهم .

يطل علينا كاتب كردى اخر فى مقال له، جاء فيه ان اسم كركوك كلمة كردية، وتعود الى 3600 قبل الميلاد، وقد اعتمد بقوله هذا استنادا على اقوال السياسى الكردى بريفكانى. ومعروف لكل الباحثين ان كلمة كركوك كلمة اشورية وتعنى النار الازلية، وحتى القلعة التى بنيت فيها تعود للعهد الاكدى، كما ذكر ذلك العالم والباحث اللغوى الدكتور مصطفى جواد. وهناك كاتب كردى اخر يدعى ان كركوك مدينة كردية مستشهدا بكتابات متناقضة كتبها شمس الدين سامى فى كتابه ( قاموس الاعلام ) نقلا عن اقوال اخرين بأن كركوك مدينة ذات غالبية كردية. الا ان هذا الكاتب يصحح خطئه فى الطبعة الرابعة ويقول بأن اكثرية كركوك تركمانية. ولكى نعطى الدليل والاثبات بأن هذا الكاتب ليس لديه قدر يسير من الالمام فى المعلومات الصحيحة التى يمكن الركون اليها والاستشهاد بها كما فعل جلال الطالبانى فى ترديد حججه الباطلة اعتمادا على اقوال هذا الكاتب الالبانى الاصل، فقد قال فى نفس الكتاب ان مدينة بغداد واربيل تركية، ونحن نعلم ان بغداد مدينة عربية عريقة اسسها ابو جعفر المنصور، فكيف اصبحت تركية ؟؟.

خريطة كردستان فى ايران ثابتة كما هى عليه الان، ومنذ اكثر من قرن، بينما فى العراق نشاهدها على ارض الواقع تحبل بأستمرار، وتتمدد فى بسط اقدامها الى خارج حدودها، كلما تفتح السيدة كردستان العراق ارجلها عرضا وتمددها طولا، تحشر فى احشائها اصحاب الارض الاصليين من عرب وتركمان واشوريين، وتستوعب فى احضانها القرى والسهول. ثم ترفع السيدة كردستان شعارها الحنون (هنا فى احضانى الدافئة تقع حدود اقليم كردستان التاريخية). وهذا الزحف الكردى العدوانى المبرمج قد ابتلع مدن عراقية تركمانية الاصل، وتغيرت معالمها وديموغرافيتها لصالح الاكراد، مثل خانقين وكفرى واربيل وطوزخرماتو، والتى كانت سابقا بعيدا عن الزحف الكردى، وعلينا ان لاننسى زحفهم على مدينة تلعفر، ورفعوا على دوائرها الحكومية علم كردستان. وهذا الزحف كتب عنه الكثير من الكتاب والباحثيين الغربين، ونشر فى وثائق تاريخية، يمكن الاطلاع على هذه البحوث فى مكاتب الغرب . وبهذا الخصوص ذكرت المؤرخة الغربية فيبة مار فى كتابها المعنون (التاريخ الحديث للعراق) فى التاريخ الحديث هاجر الاكراد اماكن سكناهم فى الجبال الى السفوح والسهول، وبنوا العديد من المستوطنات فى مدينة الموصل وحولها فى الشمال، وبنوا مدن ونواحى على طول نهر ديالى فى الجنوب. اما الباحث ادجر اوبلانس فيقول حول هذا الموضوع بكل دقة وموضوعية ( حتى نهاية القرن التاسع عشر كان مشهد القبائل الكبيرة مع جميع مواشيها وهم ينحدرون عبر جبال وسهول شمال الشرق الاوسط فى البحث عن المراعى الخصبة رائعة ومنذرة بالخطر، كأكراد بدو انتشروا كالطاعون من الجراد، يتغذون ويعادون).

فى اتفاقية اذار التى وقعها قادة الاكراد مع نظام البعث كان يطلق مصطلح (المنطقة الكردية) وليس كردستان، وبعد التحرير الامريكى المبارك (حسب مفهومهم الخائب) الذى اصبح عيدا وطنيا يعتزون ويفتخرون به اكثر من اعتزازهم بالاعياد الاسلامية، اصبح يطلق علية عيد افراح كردستان المحررة والمطلقة من رجل الاستعمار العربى البغيض. بعد ان طلقت العرب بالثلاثة، وبدون رجعة، ولايهمها ما يحصل للعرب المسلمين العراقيين من قتل وتدمير على يد هذه القوات الامريكية الصهيونية المحررة لكردستان السليبة .

خريطة كردستان الكبرى تبتلع الان مساحات واسعة من شمال العراق، وخاصة حوض نينوى. ففى منطقة بروارى بالا فى شمال العراق، وهى تشمل على عدة قرى اشورية الاصل والسكان، وبعد فرض المناطق الامنة عام 1991 لحماية الاكراد من قبل امريكا والصهيونية حبا للشعب الكردى المسكين المضطهد ، حسب اكاذيبهم التى تعودوا على اطلاقها، حدث اسوأ كارثة بالنسبة للاشوريين، حيث احتلت اراضيهم من قبل المليشيات الكردية، الذين تركوا قراهم وبدءوا يحاولون وبشتى الطرق الاستحواذ على اراضى وقرى الاشوريين، فراحت هذه المليشيات بأمر من قياداتها فى بناء البيوت وتوزيعها على المستوطنين الكرد الجدد. انهم يمارسون نفس الاسلوب والخطط الاسرائيلية فى مناطق الضفة الغربية فى كيفية الاستحواذ على الاراضى بعد طرد الاهالى منها. اما الوظائف فى هذه المناطق فلا توزع الا على الاكراد، حيث ليس بأمكان احد ان يتقدم للحصول على وظيفة ان لم يقم اولا بملىء استمارة انتماء الى الحزب الديمقراطى الكردستانى. انهم يسابقون الزمن فى تكريد كل شىء حتى الحجر والشجر.

هناك بعض الكتاب والمثقفين الاكراد الشرفاء المعتدلين والمعروفين بالاستقلالية، ولهم مواقف سياسية حيادية ، وفكرية نزيهة بعيدة عن التحزب، والنظرة الاحادية الجانب، يعارضون سياسة قادة المليشيات الكردية الشوفينية التوسعية على حساب المواطنين العراقيين الاخرين. وهؤلاء هم الذين يستحقون ان يتكلموا نيابة عن الشعب الكردى. فقد ذكر الكاتب الكردى الدكتور محمد الحاج فى كتابه القضية الكردية فى العشرينات (علما بأن بعض كتاب الاكراد المتعصبين، وبعض الباحثين الاجانب يبالغون فى حجم مساحة المنطقة الكردية العراقية ليضموا اليها مناطق اخرى كثيرة تتميز بتركيب سكانى شديد الامتزاج، ولايشكل فيها الاكراد العنصر الغالب، مثل محافظة كركوك، وكثير من اقضية الموصل فضلا عن مدن تقع فى مناطق اخرى كمحافضتى واسط وديالى توجد فيها نسب مهمة من الاكراد جنبا لجنب مع العرب والتركمان وغيرهم، ولاتشكل وحدة جغرافية مع المنطقة الكردية الشمالية) هناك بعض الكتاب والمثقفين العراقيين يطالبون بتشكيل لجنة عراقية او دولية محايدة تقوم بدراسة تاريخية ميدانية بالنسبة للمناطق التى تكردت بقوة السلاح، وبحماية الامريكان واسرائيل، وتقدم قائمة بأسماء المدن والقرى التى كانت قبل خمسين عاما او اكثر كردية او اشورية او تركمانية او يزيدية، لارجاع الحق الى اصحابه، ومن ثم اعادة كتابة تاريخ شمال العراق خلال الثلاثة قرون الاخيرة من قبل باحثين مختصين فى تاريخ المنطقة، وليس التاريخ الذى كتبه الاكراد بأيديهم خلال سيطرتهم على شمال العراق، لفرض الامر الواقع ومصورين فيه العراقيين العرب كغزاة ومحتلين.

اقول لللقيادة الكردية كفاكم اللعب على الحبال، وممارسة النفاق السياسى وتزيف الحقائق والتاريخ، واذا كنتم تريدون الانفصال عن العراق فهذا شأنكم، فأهلا وسهلا بدويلتكم المرتقبة، التى ستكون مثل دولة تشومبى الانفصالية فى افريقيا فلتنفصلوا الان، قبل فوات الاوان ، ضمن حدودكم الجغرافية الاصلية المناطق الجلبية الملاصقة للحدود الايرانية. ولكن عليكم ان لاتحلموا بكركوك مهما طال الزمن، لانكم سوف لن تشاهدونها حتى بمنظار يقرب لكم الصور، مثلما قال الطالبانى لغريمه البرزانى عندما هرب الاخير من مدينة اربيل عند اشتداد المعارك بين الطرفين، واستنجاده بالرئيس صدام لانقاذه من شر هذه البلية الطالبانى.

ولكننى اعتقد ان احلام السيدة كردستان فى الطلاق الابدى من زوجها العربى لايمكن تفسيره وحل الغازه بالسهولة المطلوبة فى المرحلة الراهنة، وحتى فى المستقبل القريب، بعد ان صممت السيدة كردستان على الابتعاد عن هموم ومشاكل هذا الزوج العربى الدكتاتورى الظالم المرعب، فهى تتمنى الافتراق السريع والانفصال بمعروف، لكن الظروف غير مواتية الان، فيجب عليها ان تتحين الفرصة المناسبة للوداع الاخير، وبدون ان تذرف دمعة حزن على الايام الخوالى.

وبالنسبة لنا نحن العرب، فمن الاجدر ترك الحالة الكردية ، والابتعاد عن الاكراد ومشاكلهم، ليأخذوا ارضهم واقليمهم ، ومواردهم المالية، ويتركوا العرب لحالهم، على ان لاتصرف ميزانية العراق الاموال عليهم، مع فرض الحصار الاقتصادى على دويلتهم، بعد انتصار المقاومة العراقية الجهادية. فأننا لانريدهم مثلما هم لايريدوننا، وهذا من حق العراق والعراقيين ، وسوف نرى بعدها اى منقلب ينقلبون، او هل هذه الدويلة الكردية قادرة على الوقوف على اقدامها ؟؟. انى اتحدى الاكراد وقادتهم ان وافقوا على ذلك، لانهم يعرفون ان حلمهم فى دويلتهم القزمية لايدوم، بل سيكون وبالا عليهم .

اولا : لان القيادات الكردية تعلم ان الوضع الاقليمى والدولى لايسمح لها باعلان دولة كردية من طرف واحد، وهذه القيادة تقرأ الواقع السياسى بشكل جيد.

وثانيا : اذا تم اعلان قيام هذه الدولة اليتيمة فسوف تحدث المشاكل بين الحزبين المتنافسين ، ويقع الانفصال بين الدولتين الكرديتين الطالبانية والبرزانية، واحداث التاريخ مليئة بمثل هذه القصص التى تعطى لنا الدروس والعبر، ولكن ليس هناك من يتعض.

وثالثا : الموارد الاقتصادية لهذه الدولة معدومة، ولايمكن تصدير النفط من اراضيها اذا فرض الحصار من جميع الاطراف التركية والايرانية والعراقية والسورية.

واخر حلا لهذه القيادة نسيان هذه الاحلام المستقبلية، والرجوع لاتفاق الحكم الذاتى بعد انتصار المقاومة، والا قمم الجبال تنتظر قدومكم مرة اخرى بأحر من الجمر، ولن تنفعكم بعدها امريكا ولااسرائيل.

للعودة الى الصفحة السابقة


فلسطين: حرب شرائح الطبقة.. الجزأ الثاني.. للدكتور عادل سمارة

الطوائف "الطبقات"

فلسطين: حرب شرائح الطبقة

الجزء الثأني

د. عادل سمارة

القطرية: من إسقاط السيادة إلى حرب الطوائف

من بين ما أتت به العولمة تجنيد وتحريك الموجة القومية الثالثة في العالم، وهذه المرة موجة القوميات الإثنية العميلة في المحيط. فبين تفكيك السيادة، وتعميق حكم الكمبرادور بإشراك رأس المال الخاص الكمبرادوري مع النخب السياسية، وتصدي الإسلام السياسي الجهادي كقوة مقأومة، واستحكام الأزمة الاقتصادية، وخروج المركز بمشاريع تفكيكية للوطن العربي تحت شعار مشروع واسع هو الشرق الأوسط الكبير، بين هذه كلها، يتم تفكيك كل قطرية عربية من داخلها. رفع سايكس-بيكو إلى التفكيك والتذرير، كل قطر من داخله. أما الأنظمة الحاكمة في هذه القطريات، وقد أتى بها وحماها الأجنبي، فلا تملك إلا أن تقول له وهو يفككها: "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني أن شاء الله من الصالحين".

إنما، كيف، وبأية آلية يتم هذا؟

آلية حرب الطوائف. فلا بد من منازعات واشتباكات وخلق محتجين، ووضع إمكانات في أيديهم كي يمولوا ميليشيات لهم لينفذوا البرنامج الذي يصوغوه مع الأجنبي. وهنا يمكن توظيف تراث منظمات "الأنجزة" فيما يخص كيفية التقرُّب من الأجنبي، وصياغة ما يريده في "بروبوزال" يبدو محلياً. لا بد لهؤلاء الطائفيين والزعماء التقليديين من الزعم بأن هذه الطائفة أو تلك مضطهدة، سواء في حصة الحكم أو في الثروة الموهوبة طبيعياً أو الناتجة عن الشغل...الخ وذلك كي تبدو قيادتها كمنافحة عنها محلياً، وكمؤمنة بحقوق الإنسان خارجياً. وكلما كأن المجتمع اقل تصنيعاً وأقل إنتاجية، كلما كأن أميل إلى تقاسم الغنائم والثروة وليس إلى الإنتاج وتقاسم الفائض، وهذه بحد ذاتها أرضية للتعاطي السهل مع التمويل الأجنبي.

وهنا يجري تضخيم أخطاء الأنظمة العربية سواء المنحى القومي أو المنحى المعتدل –المتخارج، لتبدو سياساتهم القمعية كما لو كانت سياسة تمييز للعرب على غير العرب في هذا الوطن المشترك. وحينما ينجح هؤلاء في تصوير العرب كأكثرية تحتكر الامتيازات تكون قد جندّت ورائها الطائفة بمجموعها أكثر مما تجند الفئات المحرومة من الطائفة مما يخلق حالة من الغلواء العرقية أو القومية أو الطائفية بما يردها إلى حالة من التردي السياسي والثقافي، فتكون جاهزة للقاح الأجنبي. وفي هذا المناخ لا تتمكن الفئات الشعبية في أوساط هذه الطوائف من ملاحظة أن نسبة الفقراء والمضطهَدين بين العرب أعلى، ربما، من نسبتهم في هذه الطائفة أو تلك، وبأن الطبقة الحاكمة، وخاصة المالكة، هي تركيبة من جميع الرأسماليين والكمبرادور، وليست عربية خالصة[1].

تزدهر الطائفية والإثنية في ظروف عدة، منها أزمة الدمقرطة والحريات، والأزمات الاقتصادية، وأزمات الهجوم الخارجي سواء من الإمبرياليات الرثة أو من المركز نفسه. وتقوم موجة "التفتح" الطائفي هذه على فرشٍ ثقافي وإعلامي من النخب الإعلامية والثقافية المحلية والأجنبية أيضا. وعليه، تتورط منذ البداية في علاقات مع العدو القومي .

وقد لا ترتد المشكلة الطائفية أو الحرب الطائفية لواحدة من المسببات أعلاه، بل تكون في الغالب تركيباً منها جميعها. فأي قمع لهذه التحركات سيبدو كما لو كانت الأكثرية تتمتع بحريات مثالية، في حين يجري قمع الأكراد مثلا أو الامازيغ! أما المشكلة الاقتصادية فتنعكس في قيام الأجنبي بتوفير إمكانات لقيادة التوجه الاثني بحيث يتم امتصاص العاطلين عن العمل ليستغلوا كميليشيات لصالح قيادة الطائفة. وفي حال كهذا، تصبح هذه الميليشيات عملاً وظيفياً ضد الدولة المركزية.

وقد لا تكون هناك أزمة اقتصادية حقيقية في بعض القطريات، ولكن فشل الدولة في التسامح مع المجتمع المدني وإيصال علاقتها بالطبقات إلى حالة الهيمنة وليس القمع، وعجز النظام الحاكم عن أن يكون مجتمعاً سياسياً، وتحكم الطبقة الحاكمة بالثروة، حتى وأن جرى تسييل بعضها لبقية المجتمع بمن فيهم قيادة الطوائف الأقل عدداً، فأن هذا الوضع الهش الذي حال دون وجود إجماع وطني على أن البلد للجميع، تصبح الطوائف الأصغر جاهزة، ويدون مسببات اقتصادية حقيقية، للتفاعل مع دعوات الأجنبي ، الإقليمي أو الخارجي، من أجل الانفصال. وهذا ما يخشاه حكام قطريات الخليج من توظيف قطاعات من العرب الشيعة لصالح نظام الملالي في إيران[2].

أن فشل الدولة القطرية في خلق قاعدة اقتصادية إنتاجية متينة، تصهر الناس فيها من جديد ليخرجوا من القاعدة الإنتاجية الصناعية أو الزراعية، كطبقات لا كطوائف، وكمواطني أمة لا طوائف، يشكل كعب أخيل للأنظمة العربية الحالية، التي تستفيق اليوم على جاهزية للتفكيك من جهة وعلى عجزها عن منع ذلك التفكيك بالقوة من جهة ثانية، ليس لأن التفكيكيين مسلحين، بل محميين كذلك من نفس الأجنبي الذي حمى قطرية هؤلاء أنفسهم ذات يوم.

ينسحب فشل خلق القاعدة المادية للقطرية الواحدة على المبنى الاقتصادي على مستوى القطريات العربية بمجموعها. فقد حالت السياسات الاقتصادية القطرية دون التكامل الاقتصادي العربي والذي وحده قادر على استبدال البنية الطائفية بالبنيتين القومية والطبقية. وهكذا، ينتهي احتجاز التطور في القطريات، وهو احتجاز مشترك داخلي وخارجي، إلى فتكه هو نفسه بها كصانعة له ومحتمية به.

تُقصِّر البنية الطائفية عن الارتقاء إلى مستوى حماية السوق المحلي أو القومي كما هو مألوف في تطور أوروبا الراسمالية، وتعجز طبعاً عن التحكم بالفائض ومراكمته إنتاجيا وبالتالي التمحور على الذات...الخ. وينسجم هذا، على أية حال، مع مبنى الدولة القطرية نفسها أي المبنى الذي همّش المجتمع إنتاجيا وسياسيا وفككه ثقافياً. وعليه، تتنافس القيادات الطائفية على "تلزيم" السوق المحلي وليس احتكار هذا السوق وحمايته أمام الأجنبي، كما هو مألوف في الدول الصناعية.

يتداخل تعريف السوق مع تعريف الوطن. ففي مجتمع إنتاجي يكون السوق جزءاً من الوطن وحمايته كذلك. وفي مجتمع ريعي ومستورِد، يكون السوق مكانا، وربما ماخور اقتصاديا للتقويد على الاستهلاك المحلي أي الفائض المحلي لتهريبه في النهاية إلى الخارج.

يأتي الوعي من ويركب على البنية المادية، أو تولِّد البنية المادية وعيها المناسب. فاستمرار المبنى الطائفي، وتمسك الأنظمة القطرية بهذا المبنى لمواجهة النضال السياسي الاجتماعي اليساري أو القومي، خلق بدوره توزع في الوعي والموقف السياسي والثقافة وحتى الهوية محصورة في القطر والطائفة. وبهذا يتم توظيف الوعي والثقافة والهوية المجزوءة لصالح الانفصال، أي لصالح نخبته العليا. ولا تتبدّى أبعاده القاتلة إلا بعد زمن طويل، تكون الشقة فيه قد تباعدت مع القومية الكبرى لتجد الدولة الطائفة نفسها في حالة العمالة المؤبدة. وقد تحصل استثناءات، أن تتنبه بعض الأجنحة الطائفية لحقيقة هذا الأمر فتتداركه. ربما هذا شأن أجنحة في الطائفة المارونية في لبنان الذين أدركوا أن مصيرهم مع مجموع لبنان، وكقطر عربي تحديداً، وأن الاستعمار لم يوجد كي يخدمهم[3] بل كي يستعبدهم ويستخدمهم، ولذا، انتهوا إلى المطالبة بعلاقة جيدة ومتوازنة داخل لبنان ومع سوريا.

وهكذا عاش الوطن العربي مسيرة متواصلة من الإجهاز. من التحرر الوطني المجزوء إلى حرب أهلية قطرية ثبتت سايكس بيكو ولّدت بدورها حربا طائفية تناسب التذرير في حقبة العولمة. جميعها حروب مركبة نظرا لتداخل أنماط الإنتاج والمراحل والتشكيلات والطبقات المالكة والحاكمة الغربية...الخ أن الحروب الطائفية، وحروب الشيع مدارة من الخارج والداخل بأدوات تابعة في الحرب كما هي تابعة في الاقتصاد والسياسة والثقافة. هذا ثمن ومترتبات التبعية الاقتصادية حيث تسمح بسياسة وثقافة تحكم من الخارج.

وهذا يستدعي التساؤل، هل المشكلة على العرب أم في العرب؟ هل للعرب طبيعة خاصة وهل هم حالة خاصة؟ أم أن الأمر متعلق بالتخلف والبنية الاجتماعية الاقتصادية وفرض التخلف وتطبيق طبعة خاصة من الاستقطاب والاستهداف؟ هل التخلف واستدعاء التفكيك والاستعمار مرة إثر أخرى هي مشكلة أعراق أم مشكلة عدوان مفروض ومتواصل؟ وإذا كأن هذا حال العرب، فما القول في إفريقيا التي تتواصل فيها حروب القبائل إلى جانب حروب القحط والعطش؟

ربما تساعد على الإجابة الأوضح حالة احتلال العراق وما آل إليه. فهل الحرب الأهلية في العراق المتمظهرة في الشيَعْ والطوائف هي إفراز واقع محلي كلياً، أم هي في الأساس نتيجة للاحتلال؟

العراق والحرب الأهلية

يتحالف احتجاز التطور بقطبيه، أو يتحالف قطبا احتجاز التطور لضمان استمراره. فالقطب الداخلي بما هو طائفي يتحول أكثر فأكثر إلى كمبرادور، والقطب الخارجي، بما هو إمبريالي، يتحول إلى حالة استعمارية، إلى غولٍ عالمي ينشىء قطاعاً عاماً رأسماليا معولماً. في هذا التحالف يكون الوجه الطائفي للكمبرادور الطائفي أكثر ارتباطاً بالمركز من وجهه القطري لأنه اكثر هشاشة بكل المستويات. ويكون كلا الكمبرادورين على علم ناتج عن الدافع المصلحي بأن عدوهما الحقيقي هو القومية العربية. وعليه، لا يكون هناك معنىً مادياً حقيقياً لخلافات المسلم والمسيحي، أو الشيعي والسني، بل يكون خلاف هؤلاء جميعاً قائم على أرضية طبقية أولاً وأخيراً، بغض النظر عن اللبوس الثقافي والديني لها في بعض الأحيان.

أن الطائفية والعشائرية في المحيط هي المناخ الأفضل للعولمة بما هي تجزيئية وتفكيكية حتى العدم. فالطائفية مع تفكيك المجتمع إلى احتقانات صغيرة بمراتبية طبقية في مستوى متدني، وهي بذلك اكثر ميلاً باتجاه الماقبل رأسمالية، ومعاكسة لحماية السوق القومي. والطائفية بما هي نزوع إلى ما قبل الراسمالية، لا بد أن تستدعي البطريركية بإنعاشها وتقويتها، وهما معاً يستدعيان الاستعمار.

لعل المهم هنا أن مبنى الطائفية طبقي أساسا وعملياً. فالطائفة ليست طبقة ولا شريحة واحدة، فهي من داخلها مراتبية كما هو المجتمع، وأن أنت أكثر دناءة من مراتبية المجتمع غير النامي أو المتخلف . كما أن الفئة العليا فيها ، وهي تجمع في الغالب المال والدين والارستقراطية، تستخدم الشرائح الدنيا اقتصاديا وثقافيا ودينيا وقتاليا ليموت هؤلاء في سبيل بقائها في القمة، السلطة السياسية للطائفة ووصولاً إلى القطر بالضرورة. وتجربة لبنان ولاحقاً العراق شاهد طعمه مُرٌّ على ذلك. أما هذه الشرائح الدنيا وهي من الطبقات الشعبية في المجتمع، فينعدم وعيها السياسي الطبقي بحقها في القيادة كلما قوي النزوع والتهييج الطائفيين.

جاء الاحتلال الأنجلو-ساكسوني للعراق كي يبقى هناك. هذه هي القاعدة، وما عداها استثناءات متبدلة متحولة. يتمكن الاستعمار من المستعمرات سريعاً وبالجملة، ويخرج منها في الحالات الثورية والجذرية قتيلاً وبالتقسيط، وفي الحالات الإصلاحية المسأومة لا يخرج حقاً. هذه أيضا قاعدة فهم راس المال واضطراره للتخلي عن النهب والربح. والقوى التي استدعت الاحتلال، جاهزة لاستدعاء أي عدو للحفاظ على مصالحها، ولا يهمها قط أن تُتّهم بالعمالة لإيران أو لأميركا طالما هي تمارسها علانية.

لم تكن القيادات السياسية والمرجعيات الطائفية للعرب الشيعة في إيران مجرد لاجئين سياسيين ، بل كانوا طابوراً خامساً ضد الوطن، حتى دون تشكيل فيلق بدر الذي يلعب اليوم دوراً إرهابياً بامتياز ودعم من السلطة العميلة في العراق. ولم تكن إيران ولو ليوم واحد مجرد جارة للعراق، بل هي دولة تحتل الأهواز، وتطمع في جنوب العراق. كما تطمع في الهيمنة على المشرق العربي بأجمعه. لذلك ليس صحيحاً أنها التزمت الحياد في العدوان على العراق عام 2003، ليس صحيحاً أنها اكتفت بمتعة النظر إلى عدوها العراق وهو يُذبح، وما الذي يمنعها من المشاركة في ذبح عدوها! لا اقل من أن تفعل ما فعلته معظم الأنظمة العربية، أي المشاركة على قدر "أهل العزم"! ففي الوقت الذي كانت جيوش الأنجلو-ساكسون وكافة من معها من الغرب تدخل العراق عبر الحدود العربية، كانت "قوات بدر" تدخل من إيران إلى العراق ومعها عبد العزيز الحكيم، الذي يطالب اليوم بتمليك العراق لإيران عبر دعوته العلنية لدور إيراني في العراق؟ وهي الدعوة التي ترافقت مع التلميح بخروج الاحتلال مما يؤكد أن هدف الحكيم هو "تفريس" جنوب العراق تدميراً للوطنية العراقية ولعروبة العراق.

لدينا قناعة بدرجة عالية، أن التنازع الأميركي-الإيرأني على السطح لا يعكس حقيقة المصالح المشتركة بين الطرفين، على الأقل في الأطماع في الوطن العربي بدءاً من العراق. وهذا يؤكد أن للطرفين مصالح حقيقية ورئيسية في الصراع والحرب الطائفية في العراق. وهي حرب ترافقت مع الاحتلال نفسه.

وإلا، فما معنى التنسيق المفتوح بين الحكيم وأمريكا وهو في تهرأن؟ كيف كأن مسموح له الاتصال والعمل المشترك مع ما يسمى "الشيطان الأكبر"؟ ثم، ألم يأت الاحتلال لتنصيب سلطة طائفية شيعية مكان النظام البعثي العلماني؟ فهل أنت هذه الثمرة مُرّة في فك الملالي؟

على هذه القاعدة تصرف عبد العزيز الحكيم حينما دعى إيران للتدخل العلني في التطورات الداخلية في العراق. وذلك بعدما اتضح له أن المعادلة تسير باتجاه اكثر تعقيداً:

فالمقاومة لم تنته ولم تضعف، والقوات الأميركية عاجزة عن حسم المعركة، وجيش السلطة مخترق وعاجز عن المواجهة، كما أن قيادة العرب السنة التي ارتكزت على المقاومة أخذت تفرض شروطاً في اللعبة السياسية، بمعنى تقوية اكثر للتيار العروبي في العراق لا سيما حين تلاقت مصالح السنة والأكراد ضد الديكتاتورية الاكليريكة والكمبرأورية الشيعية. هنا كأن لا بد للحكيم من المجاهرة بالاستقواء الطائفي بإيران الفارسية لضمان تنصيب الأكثر تطرفاً في رئاسة الوزراء، أي ابراهيم الجعفري (وهو باكستاني) أو جواد المالكي، (وهو يهودي) ومعروف أن السيستاني (إيراني). فطالما أن النظام العميل في العراق يتكيف طائفياً بامتياز، ومن ينظر إلى تسمية رئيس الدولة ونائبيه ورئيس الوزراء ونائبية ورئيس البرلمان ونائبيه يعرف أن الصورة لبنانية بتسمية عراقية، وكلها ترتد إلى الأساس الاستعماري وتفكيك عروبة الجميع وهو ما نجح فيه الاحتلال حتى اليوم.

ما الذي يمنع إيران من إشعال حرب الطوائف في العراق؟

فالنظام الإيراني طائفي بامتياز. فهو نظام يعلن نفسه كممثل للطائفة الشيعية بكل التعصب الممكن مما يجعل حدود التسامح ضيقة إلى ابعد مدى، ومما يخلق لديه قناعة بأن كل شيعي أينما كأن هو من رعاياه، وأن له الحق في استخدامه كيف شاءت مصالح النظام الاكليركي الأم في مدينة قم ومنها لصالح تهرأن السياسي. أما هل يتصرف العرب الشيعة هكذا، لا نعتقد ذلك. لذا، علينا التفريق بدقة وحسم بين الثوريين من العرب الشيعة وبين القيادة السياسية والقمة الاكليركية، ليس في أوساط العرب الشيعة بل مختلف العرب مسلمين ومسيحيين.

ومن جهة ثانية، فالنظام الإيراني قومي بامتياز أيضا، فهو إدماج بين الطائفة والقومية. ولولا عدم وجود قومية يهودية، ولولا الوجود المبكر للكيان الصهيوني الاشكنازي قبل نظام الملالي في إيران، لكان نظام تهرأن في إيلاج الدين في القومية نسخة عن نظام تل أبيب. وخطورة هذا الأمر أنه لا يقف عند الحدود القومية لفارس الحالية. ولو وقف عند هذه الحدود لكان الأمر مفهوماً، ولا نقول مقبولاً.

وابعد من هذا، ففي حقبة العولمة حيث يُحظر على قوميات المحيط التمسك بالسيادة، وهو أمر نرفضه بالطبع، إلا أن إيران تطرح نفسها في حقبة العولمة، كما أنت تطرح نفسها في عهد الشاه، أي نهايات حقبة الإمبريالية، أي تطرح نفسها كإمبريالية رثة، تحاول جعل نفسها قوة إقليمية تفرض هيمنتها على المنطقة، أي على المشرق العربي كتجديد لما أنت عليه فارس كسرى أنو شروان، مستفيدة من ضعف القطريات العربية واستطالة تبعيتها وخيانتها للأمة.

وباعتبار الوطن العربي منطقة نفوذ للطامع الذي يتمكن من التغلُّب على طامع آخر، فأن هذا يسمح لإيران بالتفاوض على اقتسام النفوذ في المشرق العربي مع المركز الرأسمالي الغربي المعولم، وقد يكون في ذلك حصة للإمبرياليات الرثة الأخرى في المنطقة أي تركيا والكيان الصهيوني. وما الذي يمنع الرأسمالية في حقبة العولمة من تنصيب إمبرياليات رثة هنا وهناك طالما تخدم مصالحها؟

طالما أن إيران نفسها بلد طائفي، وطالما أنها قد تمكنت بعد إسقاط النظام القومي العربي العلماني في العراق، تمكنت من إقامة نظام طائفي في العراق، وتحديداً نظاماً شيعياً، فلماذا لا تدفع باتجاه حرب طائفية في العراق. أن الحرب الطائفية في العراق هي التطور الطبيعي للسياسة والفكر الرسمي في إيران. ولا يعيقها عن فعل ذلك أمر سوى تسليم الطوائف الأخرى بالاحتلال، وتسليمها للسلطة الطائفية الحالية في العراق، أي وضع الاقتصاد والمجتمع في يد الاستعمار وأداته المحلية أي الراسمالية الشيعية مدعومة بدعاء وتبريك الاكليركية الشيعية. من هنا ندرك أحد أسباب قيام جناح أو شريحة من البرجوازية السنية ضد الاحتلال والتدخل الإيراني، فهي تدافع عن مصالحها، وأن في إهاب عربي. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هناك شرائح من السنة "برجوازيين ورجال دين" متعاونة مع الاحتلال أو تهادنه على الأقل، ولا سيما بدخولها مفاوضات تقسيم السلطة على أسس طائفية، وأن أنكرت ذلك.

تُدار الحرب الطائفية في العراق بطريقة مختلفة عن لبنان، ففي حين تقوم قوات الاحتلال بالقتل الموسع ضد العرب الشيعة تحت أغطية سنية، وفي حين تفعل ذلك مجموعات سنية سلفية متطرفة، تقوم ميليشيات الحكومة العميلة بالقتل في أوساط العرب السنة ليبدو عملها وكأنه دور حكومي لحفظ النظام. أي أن القتل الطائفي هنا "رسمي". ولتأكيد المبنى الطائفي في العراق، ولتثبيت القتل الطائفي، قامت قوات الاحتلال والحكومة العميلة بوضع قوات شيعية وكردية في مناطق السنة لتضمن قيامها بقمع العرب السنة بكل العنف الممكن.

لقد فتح تدمير الدولة العراقية الباب من جديد للقوميات القديمة "إيران وتركيا" حول المشرق العربي كي تتناوش هذا المشرق كل حسب فرصته وإمكاناته. وإذا أنت إيران شيعية فارسية، فأن تركيا متأوربة ومعادية للعرب بامتياز. كما دخل من نفس الباب الكيان الصهيوني الذي ساهم في تدمير العراق ولا يزال. وعليه، يواجه العراق أطماع ثلاثة إمبرياليات رثة إلى جانب الاحتلال الأنجلو-ساكسوني.

العراق محطة تطبيق لمشروع التفكيك المعولم

وكما المعنى في غير موضع، فأن ديدن راس المال المعولم هو تفكيك المحيط، وإقامة مخافر أمامية له سواء قواعده المباشرة أو الامبرياليات الرثة هنا وهناك. فالتفكيك يدفع الكنتونات لاستدعاء الاستعمار، لا بل يدفعها للترجي، لذا تكون جاهزة لتقديم كل شيىء أرضها وعرضها وسمائها وتراثها وثقافتها. فلا مقدس سوى بقائها في السلطة ومصالحها المترتبة على ذلك مع العلم أن هذه المصالح هي في مرتبة أدنى وتابعة لمصالح السيد الاستعماري.

يشتمل استدعاء الاستعمار بالطبع استدعاءات عدة، استدعاء جيشه بما لديه من تربية عنصرية وتعطش للدم والجنس والمال، بما تحمله تربية الراسمالية المعولمة من أمراض وتشوهات نفسية . ويتضمن استدعاء راس المال على شكل الاستثمارات المباشرة. وهذه حالة استعمارية بامتياز. حالة تتسابق عليها دول المحيط حيث تقدم هذه الدول تسهيلات مطلقة لهذا الغزو المالي، تسهيلات تفوق ما يقدم لرأس المال المحلي، بل على حسابه، مما يسمح لراس المال الأجنبي بالعمل في البلد التابع، وتحويل كل ما ينهبه "بحرية" إلى البلد الأم.

لماذا لا تكون لأميركا إذن مصلحة في حرب الشيع في العراق؟ وهي قد دخلت على أساس التفكيك والنهب طالما أن هذه الحرب وذلك التفكيك يحقق المصالح الأعظم لها.

والعولمة هي رفع الاستقطاب إلى درجته القصوى، ولا يحقق هذه الدرجة القصوى أمر أكثر من التفكيك. وإذا كأن ثمن التفكيك مدفوع من شعب العراق أو التوابع العربية، فما المانع في ذلك؟ كأن العراق البلد النفطي الوحيد في المشرق العربي الذي وقف في مواجهة الاستقطاب محاولا إنجاز مشروعه التنموي النهضوي ولا سيما ببعده القومي. وهذا الأمر وحده كافٍ لإصرار المركز المعولم على تدميره. وهذا المشروع العراقي هو نفسه الذي عادته أنظمة النفط الأخرى مما دفعها للمساهمة في تدميره سواء برغبتها أو بإملاءات حُماتها الرأسماليين الغربيين. أن دويلات الخليج هي حالة تفكيك بامتياز، وهي قابلة لمزيد من التفكيك.

التفكيك افضل للعولمة، فالتفكيك الكأنتوني يعني تحويل الدفاع عن القطر أو الوطن العربي إلى اقتتال داخلي بين الكأنتونات مما يجعل وجود السيد الأجنبي ضرورياً ليقوم بدور إدارة شؤون العلاقات بين الكأنتونات بدل الحكومة القطرية. هكذا سيكون العراق. وهي إدارة قد يُعهد بجزء منها لإحدى الامبرياليات الرثة في المنطقة. فبدل الحكومة الوطنية، التي تدير الشؤون المحلية للبلد، تكون هناك كأنتونات متحاربة، وسيّد إقليمي ليشرف عليها، ومن فوقه المركز الرأسمالي المعولم. نعم، وفوق كل ذي بأس ذو باس اشد منه!

يخلق تفكيك العراق صراعاً دائماً على ثروة البلاد، صراع لا يمكن حله لأنه يخلق ثلاث طبقات كمبرادورية متنازعة المصالح. وكلما مر يوم على التفكيك كلما استحكمت التناقضات وزاد التباعد الداخلي والتقارب والتقرُّب من الأجنبي. وكل هذا لأنه لن تعد هناك برجوازية قومية إنتاجية تجعل السوق المحلي نقطة جذب وتجميع، حيث تحل محله مصالح التفكيك الكمبرادوري.

وقد يصل الكمبرادور إلى إلغاء السوق بمعنى المكان الجغرافي ليصل الأمر إلى توصيل البضاعة من المصدر إلى المنزل كما هي تحويلات النقود على الانترنيت. فهل هناك تفكيكاً أكثر من هذا التفكيك. ففي غياب السيادة القومية تصبح السيادة للشركات عابرة القومية والتي تبني شبكات تسويق تصل إلى كل منزل.

تقود حرب الطوائف وتفكيك العراق إلى استقواءات ثلاثية الارتباطات مما ينهي الوطنية العراقية. تقوم قيادة الشيعة بالاستقواء بإيران، وقيادة الأكراد بالاستقواء بالأكراد في إيران وتركيا وسوريا، والسنّة بالاستقواء بالبلدان العربية الأخرى. وهذا يقرب البلد من نقطة اللاعودة.

يخدم التفكيك الحرب الطائفية، لأنه يُبرز إلى السطح دور شيوخ العشائر الذين تتناقض مصالحهم وثقافتهم ومواقفهم مع الأبعاد والفضاءات الطبقية والقومية والأممية. هذه القيادات هي قمم العشائر أي الفئات الإقطاعية التي تتناقض مصالحها مع جغرافيا القطر فما بالك بالأمة.

أما عن تناقض الطائفية مع المقاومة فحدث ولا حرج. فالمقاومة ولاء للوطن والأمة، وهذا لا يخدم القمم الإقطاعية بل يستفزها ويثيرها لأنه يعني خروج الجيل المقاوم من تحت عباءتها، وقد يقف ذات يوم فوق تلك العباءة[4].

لذلك، تتناسب شدة المقاومة مع تشجيع الحرب الطائفية من قبل المحتل والامبرياليات الرثة والإقطاع السياسي ورجال الدين والعشائر والكمبرادور ومثقفي الاستعمار. وهذا ما يتضح في الآونة الأخيرة حيث يتم إذكاء الحرب الأهلية والصراخ الكاذب من مخاطرها. رمتني بدائها وأنسلّت. ليس المحتل هو المتحكم بصنبور المقاومة، ولكنه متحكم بصنبور الحرب الطائفية/الأهلية، فكلما تقدمت المقاومة كلما زاد اشتعال الحرب الأهلية. وقد يكون السيناروي على النحو التالي:

لقد دخل الاحتلال بتنسيق واستدعاء من القيادات البرجوازية والدينية الشيعية والكردية وإلى حد أقل ربما السنيّة إلى العراق. وهو أمر رضيت عنه إيران بالتمام والكمال. وعليه، فأن راية الطائفية هي التي رُفعت في العراق مكان راية العلمانية. لكن اشتعال المقاومة المباشر فاجأ المخططين الأميركيين والإيرانيين وأتباعهم في العراق، واصبح القضاء على المقاومة عبئاً يتزايد يومياً دونما نتائج تذكر.

لعل الأهداف المرحلية للمقاومة هي إرباك وأنهاك جيش الاحتلال بحرب العصابات والمقاومة المدنية بشكل خاص وذلك عبر جر قواته لأكثر ظهور ممكن لاستهدافها. وبالمقابل، فأن الاحتلال كي يقلل خسائره، لجأ إلى نفس تكتيك المقاومة وذلك بالاختفاء الذي اتخذ التواجد في معسكرات بعيدة عن ضربات المقاومة، أو اللجوء إلى إحاطة نفسه بأكبر عدد ممكن من المستخدمين المحليين، سواء في النقل أو الادارات المحلية أو التزويد بالوقود والغذاء...الخ كما لجأ إلى تجنيد شرطة محلية بحجة الحفاظ على الأمن والحياة المدنية في المدن ، وأنشأ جيشاً جديداً كذلك. لكن زعم الحفاظ على الناس كأن كذبة مكشوفة، فالاحتلال هو الذي فكك مختلف الأجهزة الأمنية العراقية وخاصة الجيش والشرطة منذ يوم الاحتلال الأول وأطلق يد اللصوص المحليين والمافيا الدولية لنهب تراث العراق وتدمير بنيته التحتية. . وبالتالي هدف الاحتلال إلى جعل المواطنين العراقيين في مقدمة المواجهة مع المقاومة.

أمام محاولة الاحتلال الاحتماء بالمواطنين وتشغيلهم نيابة عنه، كأن لا بد للمقاومة من تجريده من هذا السلاح. وهو الأمر الذي اتخذ طابع تحذير الناس من أي عمل مع الاحتلال أو نيابة عنه باعتبار كل من يحل محل جندي من الاحتلال، إنما يحمي ذلك الجندي. لأن توفير الأمن المحلي هو واجب جيش الاحتلال طالما هو المسيطر على البلاد. فأن تشكيل حكومة عميلة في البلد إنما يسهل على الاحتلال عدم الانشغال بالأمور اليومية والحماية اليومية مما يجعل جنوده بعيدين عن طائلة يد المقاومة.

لذلك استهدفت المقاومة رجال الشرطة والجيش العراقي الحكوميين واللذين تشكلا بإشراف الاحتلال وبتدريب أنظمة عربية موالية للاحتلال وداعمة له. وهو استهداف طال في حالات كثيرة مدنيين تواجدوا في أماكن وجود الشرطة التي تسرق أيضا تكتيك المقاومة في الاحتماء بالمدنيين، ولكن بالطبع على غير رغبة من المدنيين. وبالطبع، أدت الإصابات بين المدنيين إلى وصف المقاومة بالإرهاب.

وفي الوقت نفسه، تمكنت المقاومة من اختراق صفوف الشرطة العراقية، كما رفض رجال هذه الشرطة، ولا سيما في العدوان الثاني على الفلوجة، رفض هؤلاء المشاركة مع المحتل في تدمير البلد. وهنا، حيث وجد الاحتلال أن رجال الشرطة لا يقومون بما يريده منهم، قرر الاحتلال خلق قاعدة قوية للحرب الطائفية، التي طالما زعم أنه ليس بصددها. فقد استعان الاحتلال بقوات كردية لضرب مناطق المقاومة العربية السنية، ونقل قوات شرطة شيعية إلى مناطق السنة، حيث وجد أن شرطة كل طائفة أكثر تقبُّلاً لتنفيذ أوامره ضد الطائفة الأخرى، لا سيما أن من يقبل بالعمل ضمن شرطة الاحتلال لا يمتلك الوعي القومي المطلوب، وربما هو اقرب إلى الأُميّْ، هذا دون أن نتجاهل الوضع الاقتصادي الضاغط على هؤلاء الناس والذي لا شك أن الاحتلال معني بخلقه وتكريسه.

أن تجميع عاطلين عن العمل، وذوي خلفيات طائفية، ويفتقرون إلى مستوى مقبول من التعليم، ومعبئين بالثقافة الطائفية على حساب الأمة، أن تجميعهم في جيش تحت سيادة الاحتلال، يخلق منهم حالة فاشية بامتياز. فتجميع أمثال هؤلاء البسطاء البؤساء يعني وضعهم في بوتقة تُحولهم من التخلف والبؤس إلى الوحشية المنفلتة، في حين أن تجميعهم في مصنع يخلق منهم مع الزمن حالة طبقية. ولكن الاحتلال، دمرَ هذه القاعدة المشتركة للطبقات الشعبية في العراق حين دمر الصناعة والزراعة وحتى الآثار، ناهيك عن الجيش الوطني لأنها قامت جميعاً على أساس قومي/طبقي وليس على أساس طائفي. ومع ذلك، فأن هذا لا يخفي تمتع برجوازية السنة بامتيازات أوسع من نظيراها من الشيعة والأكراد والتركمان...الخ خلال حكم حزب البعث والأنظمة السابقة له.

هذه السياسة الاحتلالية هي مثابة إطلاق العنان للحرب الطائفية التي لا شك أن الاحتلال معني بها طالما المقاومة متصاعدة.

تكون القشرة العليا من رجال الدين عامل أساسي في تفجير وإدامة الحرب الطائفية والإثنية. فقد استثمر الزعيم الشيعي ، الإيراني الأصل، آية الله علي السيستاني مكانته لتغذية النزعة السلطوية لدى برجوازية الطائفة الشيعية بما في ذلك استخدامها من قبل الاحتلال لاحتلال البلاد. وحينما قرر الاحتلال استخدام شرطة طائفة في مناطق طائفة أخرى، لم يرفض السيستاني ذلك، كما أنه غادر إلى لندن قبل أيام من مذبحة وتدمير الفلوجة (المرة الثانية)، وبقي هناك إلى أن شرد أهلها ودمّر نصف بيوتها[5].

لا شك أن الاحتلال الأميركي لن يقوم بإرسال قواته للحفاظ على الأمن الداخلي في المدن العراقية. فليس هدف الاحتلال حماية الناس لا سيما إذا تطلَّب ذلك تعريض حياة جنوده لنيران المقاومة. هذا رغم أن حفظ الأمن هو واجب المحتل طبقاً للقانون الدولي. ولكن الاحتلال الأنجلو-ساكسوني منفلت من عقاله فيما يخص مختلف القوانين. لذلك يستطيب الاحتلال توريط العراقيين في حرب طائفية تخدمه بما هي طائفية من جهة، وتقتل العراقيين كبدائل لجنوده من جهة ثانية.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل نجحت المقاومة في استقطاب المواطن العادي في الشارع العربي الشيعي بقدر نجاحها في الشارع العربي السني ضد الانخراط في سلطة العملاء لأن ذلك يشكل حماية لجيش الاحتلال؟ لا يبدو أن ذلك قد حصل، كما لا يبدو أن أكثرية هؤلاء العرب الشيعة قد توصلوا إلى أن الحكومة المحلية هي نفسها عميلة للاحتلال.

لعل الحالة الوسطية في هذا المستوى هي موقف مقتدى الصدر الذي يجمع بين الانتماءين الطائفي والعروبي وهو إذ يجمع بين الموقفين إيجابياً، يجمع بينهما سلبياً كذلك. فهو ضد احتلال العراق، ولكنه في الوقت نفسه يتصرف تجاه حزب البعث بطريقة تخدم الاحتلال وعملائه في الحكومة الشيعية. يمكن القول أن هناك إيجابيات في موقف التيار الصدري حتى اللحظة، ولكن تطورات الأوضاع إلى حرب طائفية سوف تضع هذه القوة الوسطية في مأزق تحديد موقفها. فإما موقف قومي علماني وإما موقف طائفي.

أن مجرد وجود وبقاء الطائفية هو بذرة تقسيم وتفكيك القطر الواحد دون مواربة. وهي بذرة تبرز مخاطرها أكثر في حقبة العولمة حيث تدفع الأخيرة باتجاه تذرير المحيط وتركيز المركز. أما وهذا هو الحال، فلماذا لا يكون ما يحصل ضد لبنان اليوم هو تجهيزه لحرب أهلية جديدة قد لا يكون حلها إلا بكونفدرالية الطوائف وما يتبعها من تقويض للبنية الإنتاجية ومن تطهير عرقي، وتحويل الأكثرية الشعبية إلى احتقانات اجتماعية رثة. وإذا أنت الحرب الأهلية الماضية قد انتهت إلى ما كأن عليه المبنى الطائفي السابق في لبنان، فأن العراق يُدار بنفس الاتجاه. لكن العراق أخطر، لأنه قطر عربي يحتوي مقومات مركزية. وإذا لم تنجح في العراق عملية تقاسم السلطة بين برجوازيات الطوائف بإشراف الاستعمار، فلماذا لا يتم تجسيد التقسيم، وهو في كردستان حاصل بالفعل. في العراق كما في لبنان، قمة برجوازية تملك المال والطائفة والدين. قمة متصارعة ومتحالفة في نفس الوقت، تعزز التحالف كلما كأن بينها تراضٍ عن الحصص، وتعزز الاقتتال على الأرض ليعدل كل طرف حصته. ولكن في كافة الأحوال تقدم للطبقات الشعبية ثقافة الطوائف والاحتراب.

إذا أنت الكونفدرالية لم تنفع في لبنان في حقبة الراسمالية الإمبريالية، واضطرت القيادة المارونية للتراجع عن ذلك حيث وجدت مصلحتها عند العرب، ووجدت أن أميركا غير معنية بإسرائيل أخرى في المشرق العربي، فأن حقبة الرأسمالية المعولمة تدفع باتجاه التذرير والكنتونات في كل الوطن العربي ومحيط النظام العالمي. وهذه حالة أوفر حظاً في العراق حيث قيادة العرب الشيعة ترى نفسها فارسية وترى في إيران ظهرها القوي. لذا، قد يكون الأفضل برأي هذه القيادة، كونفدرالية طوائف في العراق مرجعيتها دولة الملالي على عراق موحد، فطالما هو موحد، سيكون هواه عربياً.

بقي وجوب القول أن القيادة البرجوازية /الطائفية للعرب الشيعة معنية ببقاء الاحتلال وبالحرب الأهلية تحت إشرافه طالما هي عاجزة عن حسم الساحة لصالحها في علاقتها بإيران. وهذا تعبير عن انقسام البرجوازية المحلية في العراق بين ذات توجه قومي إنتاجي علماني مقاوم وبين ذات توجه كمبرادوري متخارج. لذا ترفض الثانية مجرد مناقشة خروج الاحتلال أو الحديث عن جدول زمني لخروجه؟ ورغم التناقض الظاهر بين البرجوازيات العربية الحاكمة وبين البرجوازية والاكليركية للعرب الشيعة في العراق، إلا أنهما تلتقيان في خدمة المحتل. تدافع معظم الأنظمة العربية عن بقاء الاحتلال في العراق بحجة مخافة الحرب الأهلية. وبما أن الحرب الأهلية قائمة ودائرة، فأن هذه الأنظمة تريد حرباً أهلية بقيادة الاحتلال لتكون نتائجها لصالح عملاء الاحتلال. لعل أوضح المواقف ما عبر عنه الرئيس المصري في رفضه لخروج الاحتلال. أما توجيه تهمة انتماء العرب الشيعة إلى إيران، فهي تعميم مرفوض قد يكون قُصد منه لفت النظر عن دعوته لبقاء الاحتلال. وهذا الموقف هو تقريباً موقف جامعة الدول العربية التي أقامت علاقات مع الحكومة العميلة. وهكذا، فأن النخبة السياسية الرسمية العربية مدعومة بمدائح نخبة ثقافية عربية، تصر على بقاء الاحتلال إلى أن تُحسم الساحة ضد المقاومة لأن انتصار المقاومة سيغير صورة المنطقة ومستقبلها. أما تلبيس حصول وبقاء الاحتلال بفزاعة الحرب على الإرهاب[6]، فليست سوى مبررات لتمرير مخطط العدو الرأسمالي الغربي ضد الأمة العربية.

الآراء الواردة في المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي حركة القوميين العرب mail.sy@raouf-b

المصــدر: موقع "كنعأن" الالكتروني: mail@kanaanonline.org

حركة القوميين العرب

جوال 00963 93042463

Raouf-b@mail.sy EMAIL:

http://www.arab-n-m.itgo.com/

للعودة الى الجزأ ألأول من البحث

للعودة الى الموقع السابق



[1] أنظر عادل سمارة، الخطاب العربي بعد سقوط بغداد في مجلة كنعان، العدد 118.

[2] هل يُجيز هذا الحال التفكير بأن يقوم الاحتلال الأجنبي لبلدان النفط باستخدام ملايين العمالة الاجنبية لمشروع سياسي ما هناك مضاد وفي مواجهة العرب؟ من يدري؟ صحيح أن هؤلاء ليسوا من انتماء قومي أو سياسي واحد، ولكن لهم مصالح مادية مباشرة واحدة. وإلا فماذا عن الكيان الصهيوني الاشكنازي ؟

[3] لا شك أن قطاعاً واسعاً من الموارنة في لبنان قد أدركوا أن المركز الرأسمالي لا يريد سوى "إسرائيل" واحدة في الوطن العربي. ولا يقلل مشروعه الحالي لتفكيك الوطن العربي كأنتونياً ثم إعادة إدخال كل كأنتون منفرداً في المشروع الشرق أوسطي الكبير، لا يقلل بل يزيد من صحة استنتاجنا هذا.

[4] ليس سلوك الطائفة الشيعية في العراق هو الأول والوحيد في هذا المستوى. فقد مرّت قوات الاحتلال الصهيوني من منطقة الجبل في لبنان، معقل وليد جنبلاط، دون أن تُلقى عليها حصوة واحدة. ولذلك انتهى وليد جنبلاط مرتعباً ومرتعداً من المقاومة اللبنانية. فهو مصاب اليوم بهوس أسمه حزب الله، أو سلاح المقاومة. ولذا، يهرول إلى واشطن لتدمير هذا السلاح، حتى لو ضاع لبنان.

[5] لا يختلف الدور الذي يلعبه المطران نصر الله صفير في لبنان في إذكاء النزعة الطائفية والحفاظ عليها، ومواصلة لقائه بالأميركيين عن دور السيستاني في العراق. ويتقاطع دوريهما مع مواقف الحاخامات اليهود الذين يحرضون على العرب والمسلمين أمثال عوفاديا يوسيف وغيره.

[6] في محاضرة لأحد مثقفي الاستعمار قال أياد جمال الدين، عراقي من العرب الشيعة: " أن انسحاب القوات الأميركية من العراق هزيمة حقيقية لأمريكا ونصر لأسامة بن لادن والظواهري ولكل الإرهابيين في العالم...نحن في حرب لا زمان ولا مكان لها، فالحرب على الإرهاب هي محاربة أشباح منتشرين في كل الأرض... أن الزرقاوي ضيف عزيز على حزب البعث...لقد أرسل صدام حسين بعد 1991 11 ألف شخص إلى دول أوروبية وأميركية كطالبي لجوء وأمدهم بتمويل ضخم محولا اياهم إلى رجال اعمال ولم يعأنوا مثلما عأنى الآخرون ممن اعتمدوا على المعونات الاجتماعية في الدول التي وصلوا اليها، هؤلاء يسمونهم في مصطلحات المخابرات العراقية السابقة بالزرع الاستراتيجي لأنهم سيكونون محميين بقوانين الدول التي يحملون جنسيتها، وهذه الشبكة اسماء اعضائها رمزية يمارسون تجارة دولية مشروعة وهم حاليا مصدر من مصادر تمويل التمرد ، وهناك مصادر اخرى من اموال يستثمرها عزت الدوري في الخارج. "، القدس 13-4-2004.

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker