Articles to read...

Saturday, May 19, 2007

أطراف الصراع في العراق؟

الرجل الضاغط على يد الرئيس
الممسك بأزرار الحرب



يمكن أن يضغط على أزرار أخرى
عند الضرورة


ديك تشيني ثعلب الإدارة وثعبانها
ماذا يُخفي وراء زيارته لبغداد؟
ماذا يعني كلام سعود الفيصل في مؤتمر شرم الشيخ أن المملكة تقف على مسافة واحدة
من كل أطراف الصراع في العراق؟!
ولماذا اعتذر خادم الحرمين عن استقبال المالكي ثم وجّه له دعوة رسمية بعد أيام؟؟


نبيل أبو جعفر
فضح الأميركان أنفسهم باستعجالهم المتلهّف لفبركة كيفية الهروب من العراق بمساعدة حلفائهم وأصدقائهم، تماماً كما فبركوا كيفية احتلاله، وكان الانفضاح هذه المرّة فيما سعى إليه ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي من وراء زيارته المفاجئة لبغداد وبعض عواصم المنطقة، بعد أيام قليلة من انتهاء مؤتمر شرم الشيخ، وفيما تفوّه به أيضاً.
فبعد أكثر من 15 مؤتمراً عُقدت لأجل العراق كان آخرها في شرم الشيخ الذي سبقه بشهر واحد مؤتمر آخر ببغداد. لم يتغيّر أي شيء على الأرض، باستثناء الرجوع إلى الوراء، وتكالُبْ السلطة التي نصّبها الاحتلال على طلب الدعم المادي من أي مصدر، وسداد الديون المتوجّب دفعها.
هذا البلد العربي الذي عُرف بعطائه للجميع أيام "دكتاتورية النظام السابق"، أصبح البلد الأكثر إلحاحاً على الاستجداء في زمن "ديمقراطية الأميركان" وأتباعهم. فإذا كان الأميركان لا يتوقّفون عن الإدعاء بإحراز تقدّم في ترسيخ الأمن، بينما يُشاهد العالم يومياً عمليات الإجرام الميليشياوي، ولا يكلّون من تكرار الحديث عن العملية السياسية وضرب الإرهاب، فإن حكام بغداد الجدد لم يعودوا يخجلوا بدورهم من استمرار طلب معونة العالم، في الوقت الذي يدّعون فيه تحسّن أوضاع الاقتصاد، وملاحقة الفساد، وقطع أشواط في تحقيق الأمن"!"، وهو ما قاله "المالكي" أمام "مؤتمر شرم الشيخ"، ثم سرعان ما تكشّف على لسان مسؤولين أُمميّين وأجانب عن وجود شركات أمن "اسرائيلية" خاصة من المرتزقة، تمارس القتل والتعذيب ضد العراقيين دون ضابط ولا مساءلة وقد وصل الأمر بهم إلى حدّ قطع الطرق ليلاً في بعض المناطق لترويج بضائعهم من سائر أصناف المخدرات!

نفاق للأميركان
بالطبع، لم يأتِ المشاركون في "مؤتمر شرم الشيخ" على ذكر هذه الشركات، ولم يسألوا كيف يُسمح لها بالعمل، ولم يستفسر أحدٌ منهم – ولو بلطف شديد – من الآنسة كوندوليزا رايس عن آخر أخبار جدولة الانسحاب من العراق، ولا فرّقوا بين المقاوم والعميل أو القاتل والمقتول، بل أخذوا بمقولة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التي كانت "زبدة" ما تفوّه به أمام المؤتمرين أن مملكته "تقف على مسافة واحدة ومتساوية من جميع الأطراف في العراق"! مع التأكيد على ضرورة أن تصل هذه الأطراف إلى مصالحة وطنية شاملة!
وبالطبع أيضاً لم يسأل الأميركان ولا العربان وسائر الحاضرين معهم، كيف يمكن أن يقف المرء على مسافة واحدة بين المقاوم والعميل، بين القاتل والمقتول، وبين شلّة المتحكمين الطائفيين والفئويين، وعشرات الآلاف من المساجين والمعتقلين، وقبلهم مئات الآلاف من الشهداء وملايين المشردين خارج العراق وداخله، بل ردّدوا – حسب ما أُوعز لهم- كلمات تصب في نفس السياق!
حتى أمين عام الجامعة العربية الذي أصبح في هذه الأيام صورة مشوّهة عن أكثر الأنظمة تشوّهاً ردّد كلاماً عمومياً مشابهاً، داعياً بأسلوب يحتمل كل التفاسير إلى وقف نزيف الدم وإجراء مصالحة شاملة.
لذلك، لم يكن غريباً أن يصفق الحاضرون ببلاهة للآنسة رايس عندما طالبت المالكي بضرورة العمل على "تحسين حياة العراقيين"، ولم يسألوها لماذا لم تطالبه بالحرص على حياة العراقيين وهو الأهم والأكثر أولوية من "التحسين"!
وأمام سيل الوعود الوردية والكلام النفاقي، لم يجر لفت انتباه الحاضرين إلى أن الأفعال لا الأقوال هي المقياس، وأن أفعال الأميركان وأتباعهم في العراق تسير في الاتجاه المعاكس لما يُقال ويتردد، بل آثرت الآنسة رايس استعمال هذا التعبير في معرض الغمز من سورية، عندما سئلت عن انطباعاتها حول لقائها السريع مع وزير خارجيتها وليد المعلّم فقالت: "الأفعال هي التي تُعبّر عن نفسها بصوت أعلى من الكلمات"!

أحجار شطرنج على رقعة البيت الأبيض
وعلى ذكر الأفعال - لا الأقوال -، وبالعودة الى كلام سعود الفيصل حول المسافة الواحدة من كل الأطراف، استرعى انتباه الجميع أيضاً تسريب السعودية بشكل واسع خبر رفض "خادم الحرمين" استقبال المالكي، وكان من ضمن ما روّجه بعض الصحافيين المرتبطين بالمملكة أن هذا الموقف يعبّر عن استياء السعودية من الممارسات الطائفية التي ترتكبها الميليشيات الطائفية التابعة أو الداعمة للمالكي، وسكوته عليها.
ولأن السعودية تعمل كما هو معروف بوجهين ولسانين، فلم يكد ينفضّ مؤتمر الشيخ حتى سارع وزير الخارجية السعودي نفسه – بعد لقائه مع كوندوليزا حتماً- إلى إبلاغ العراقيين عن رغبة المملكة في زيارة المالكي لها، وأن هناك دعوة رسمية ستوجّه اليه، وليس هذا فقط، بل أبدى انزعاج المملكة من الإشاعات التي روّجتها بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية حول امتناع السعودية عن استقبال المالكي!
هكذا، بلقاء سريع على الأغلب بين الآنسة و"سموّه" حُلّت المشكلة بين "الحكومتين الشقيقتين"، وعادت المياه إلى مجاريها وأصبح من المرتقب أن نسمع قريباً أخبار الترحاب الزائد بالمالكي في الرياض، تأكيداً على مبدأ وقوف المملكة على مسافة واحدة من كل الأطراف!
وقياساً على هذه الأجواء، يبدو من العبث استعراض مواقف سائر الذين سيقوا إلى شرم الشيخ لأنهم كلهم تحركّوا كأحجار الشطرنج، وكانت أعين ممثليهم لا تبتعد عن التركيز على وجه الآنسة رايس لمراعاة انطباعات الرضى أو الامتعاض عليه.


لكن هذه الأجواء المشحونة بالنفاق والرهبة معاً لم تمنع البعض من قول الحق ولو أريد به باطل كاعتراف المالكي (أبو الميليشيات) أن الميليشيات وسلطة القانون نقيضان لا يجتمعان، وأن الدولة تعمل على دمج أفراد هذه الميليشيات في مؤسساتها (بدل العمل على مساءلتهم!)، وقوله متعمداً بلهجة تهديدية في الدقائق الأخيرة قبل انتهاء المؤتمر: "إذا لم تُسدّد الدول التزاماتها المالية التي تعهّدت بها تجاهنا فلن يكون هناك أمل في أي مؤتمر جديد آخر"!
أي بصراحة، ستتأكد النهاية الفيتنامية على أرض العراق، وسنرى بأم أعيننا المشهد الأخير للمصيبة التي حلّت بالاحتلال وأتباعه وأعوانه، وهو ما أكدت عليه رايس بأسلوب آخر عندما خاطبت الحاضرين وهي تحدّق في وجوه ممثلي الدول التي شاركت في جريمة الاحتلال، أو سهّلت لها الطريق، قائلة بالحرف: "أن الفشل في العراق لن يُقتصر عليه وحده بل سيطال كل دول منطقة الجوار"!

وراء الأكمة ما وراءها
السؤال الآن: إذا كان أكثر من 15 مؤتمراً لم يفضوا إلى أي نتيجة، لأن الأميركان مستمرون في الإصرار على الرؤية بعين واحدة وعلى محاورة أنفسهم بأنفسهم، دون الاعتراف بالعقدة الأساسية المهمّة التي يجري تغييبها دوماً في كل مسعى أو تحرّك، وهي الوحيدة التي يمكن أن يوصلهم "حلّها" إلى حلّ غير مشروط من قبل الاحتلال، فلماذا كانت إذن زيارة ديك تشيني – بالذات – إلى بغداد وجولته في المنطقة بعد انتهاء مؤتمر حضرته أكثر من ستين دولة ومنظمة أممية وإقليمية، وفي مقدمتهم حكامنا ومنظماتنا العربية والإسلامية بهدف التظاهر من أجل نصرة الاحتلال وإنقاذه، لا لنصرة الشعب المحتل ومقاومته؟
قبل التوقف أمام إبلاغه المالكي وأهل الحكم في العراق بأن صبر الولايات المتحدة قد بدأ ينفد ، وهي أبرز جملة قالها ديك تشيني بلسانه هذه المرّة، مع أنها معادة على لسان غيره مرّات في السنة الأخيرة، علينا أن نقرأ ماذا تعني هذه المرة، وعلى لسان هذا الرجل تحديداً، الذي اعترف البريطانيون مؤخراً أنهم كانوا يجهلون مدى الثقل الذي يمثّله في مركز القرار الأميركي، وأنهم لم يكونوا على دراية بالدور الحقيقي الذي يقوم به، ولهذا قلّلوا من أهميته.. وتجاهلوا تأثيره ففقدوا تأثيرهم على كامل الإدارة الأميركية.
هذا على الأقل ما اعترف به وزير الدفاع البريطاني السابق جيف هون في حديث له إلى صحيفة "الغارديان" / عدد 3 أيار الجاري، وهو يوصلنا إذا ما تمحصنا فيه إلى نتيجة مفادها أن هذا الرجل الضاغط على يد الرئيس الممسك بأزرار الحرب يمكن أن يضغط على أزرار أخرى عند الضرورة القصوى.
العارفون جيداً بشخصية ديك تشيني، ثعلب الإدارة وثعبانها في الآن عينه، يؤكدون أنه لم يأتِ ليقول أن صبره بدأ ينفد ثم يمشي كسائر الذين كرّروا هذه العبارة من رامسفيلد إلى كوندوليزا إلى خليل زادة وغيرهم، ثم طارت في الهواء وطار بعضهم معها.
لو أراد ذلك، لقام بإبلاغه إلى أهل الحكم في بغداد عبر أي وسيلة أو مبعوث، لكن الأرجح أن صبره قد نفد فعلاً، وأن الطرقات كلها قد سُدّت، وأن المراهنة على الأتباع والحلفاء والمتفرجين لم يعد تُجدي الآن بعد استنفاذ كل السبل لإيجاد حل مع غير الطرف القادر على الحل.

طرفان فقط بيدهما الحل
ليس من المتوقع أن يعترف ديك تشيني جهاراً أن بلاده تعيش مرحلة انهيار ما بعد الانهيار العسكري، وأنهم لم يعرفوا العراقيين جيداً، وقد أخطأوا عندما صدّقوا أتباعهم بأن الورود تنتظرهم في شوارع بغداد، لكن هذا لا يعني أن الرجل لم يدرك – ولو بعد فوات الأوان- طريق الحل الوحيد، وأن الذين وجدوا القدرة على المشاركة مع الأميركان في عملية الاحتلال، ليس بمقدورهم ولا باستطاعتهم المشاركة في عملية الحل.
لقد أدركت الإدارة الأميركية على الأغلب أنها أصبحت وجهاً لوجه مع نفسها وما اقترفت يداها، وانه لولا المقاومة وفعلها الإعجازي، لما وصلت إلى هذه النتيجة، وعليها وحدها أن تحكّ جلدها بأظافرها، فلا الحليفة بريطانيا ولا السعودية ولا مصر أو إيران أن تستطيع وضع حدّ نهائي لهذا المأزق.
وضع الحد النهائي لا يقدر عليه سوى طرفين في هذه الدنيا، هما الاحتلال: سبب الكارثة وأسّ الإجرام المتعدد الأشكال والأوصاف، والمقاومة: الصيغة الشرعية الوحيدة فوق كل أرض محتلة، وبدون هذين الطرفين سيبقى من العبث استمرار عقد المؤتمرات والحوارات فالزيارات والتهديدات... وسيبقى الأميركان يجترّون هزيمتهم كما يجترّ البعير طعامه عندما يصيبه الجوع.

هل إلى هذا الحد وصل تشبيه الأميركان؟
الجواب عند ديك تشيني الذي يبدو فعلاً أنه الوحيد الضاغط على يد حامل زر الحرب والهرب في الآن عينه.




Labels:

Friday, May 18, 2007

فرسان مالطا..
جيش آخر في العراق
جيش بوش السري في العراق

تاريخ النشر : Monday, 30 April 2007
يشكلون ثاني قوة عسكرية بعد الجيش الأمريكي النظامي في العراق، ويرفعون العلم الأمريكي لكنهم لا يتبعونه.. بل يتبعون المال الذي يتقاضونه عبر شركات أبرمت عقودا مع إدارة الرئيس جورج بوش للقيام بمهام قتالية خطرة نيابة عن الجيش، ووراء كل ذلك تحوم أجواء حرب صليبية، لفت إليها الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل. ففي لقائه مع قناة الجزيرة مساء الجمعة أوضح هيكل أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو "دولة فرسان مالطا" الاعتبارية آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم.
وقال هيكل: "لأول مرة أسمع خطابا سياسيا في الغرب واسعا يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية"، مشيرا إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه الحديث عن شركة "بلاك ووتر" أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة "الدينية" التي تجمعهما.
الحروب الصليبيةوفى تقرير له نشرته مؤخرا مجلة "ذا نيشين" الأمريكية بعنوان "جيش بوش في الظل"، يكشف سكيل عن الصلة الدينية التي تجمع بين "بلاك ووتر" وإدارة بوش قائلا: "من الصعب تخيل أن المحسوبية التي اصطبغت بها إدارة الرئيس الأمريكي بوش لم يكن لها دور في نجاح بلاك ووتر، فمؤسس الشركة إيريك برينس يتشارك مع بوش في معتقداته المسيحية الأصولية، حيث جاء من عائلة جمهورية نافذة في ولاية ميتشيجان، وأبوه إيدجار برينس ساعد جيري بوير لإنشاء مركز أبحاث العائلة وهو معني بمواجهة الإجهاض والزواج المثلي".
وبوير هو سياسي محافظ معروف بعلاقاته مع كثير من الجماعات المسيحية الإنجيلية، كما يعرف بتأييده اللامحدود لإسرائيل وإيمانه بضرورة استخدام القوة العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير سكيل فإن الجنرال المتقاعد جوزيف شميتز الذي عمل مفتشا عاما في وزارة الدفاع الأمريكية ثم انتقل للعمل كمستشار في مجموعة شركات برينس المالكة لـ"بلاك ووتر"، كتب في سيرته الذاتية أنه عضو في جماعة فرسان مالطا.وتعود جماعة فرسان مالطا الدينية إلى العصور الوسطى حيث نشأت في جزيرة مالطا وعرفت باسم "فرسان القديس يوحنا الأورشليمي" وقد انبثقت عن الجماعة الأم الكبيرة والمشهورة باسم "فرسان المعبد" والتي كان لها شهرة أيام الحروب الصليبية، وكان أفرادها دائمي الإغارة على سواحل المسلمين.. خاصة سواحل ليبيا وتونس لقربهما من مالطا.
ويكشف من جهتهما الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز والأمريكية ماريسا سانتييرا اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين رونالد ريجان وجورج بوش الأب رئيسا الولايات المتحدة السابقان، وهما من الحزب الجمهوري، كما يشير موقع فرسان مالطا أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة بريسكوت بوش وهو الجد الأكبر للرئيس الحالي جورج بوش الابن.
ولا يمكن -بحسب الباحثين- انتزاع تصريحات الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر من هذا السياق حين أعلن شن "حرب صليبية" على الإرهاب وذلك قبيل غزوه لأفغانستان عام 2001.دولة ذات سيادةوبحسب الموقع الرسمي لدولة فرسان مالطا يلقب رئيس المنظمة بـ"السيد الأكبر" وهو حاليا الأمير البريطاني فرا أندرو بيريتي الذي تقلد رئاسة المنظمة عام 1988، ويقيم السيد الأكبر في روما ويعامل كرئيس دولة بكل الصلاحيات والحصانات الدبلوماسية.وينص القانون الدولي على سيادة دولة فرسان مالطا التي لها حكومتها الخاصة ولها صفة مراقب دائم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتدار الأنشطة المختلفة للمنظمة عن طريق ستة أديرة رئيسية متفرع منها خمسة فرعية و47 جمعية وطنية للفرسان في خمس قارات، وللمنظمة علاقات دبلوماسية مع 96 دولة على مستوى العالم منها مصر والمغرب والسودان وموريتانيا، بحسب الموقع الرسمي للجماعة. وقال هيكل: "إن شيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من مصر الاعتراف بدولة فرسان مالطا واعترفت مصر"، متعجبا من اعتراف البلد غير الكاثوليكي في العالم بهذه الجماعة الكاثوليكية الرومانية.مرتزقة خارج القانون أما عن وضع شركة "بلاك ووتر" المرتبطة بفرسان مالطا في العراق، فهو ينطبق عليه -بحسب دراسة للصحفي خالد القرعان حول الشركات الأمنية في هذا البلد- قرار أصدره الحاكم المدني السابق للعراق "بول بريمر" بتاريخ 27-6-2004م يمنح الشركات الأمنية حرية العمل في العراق، كما منحها حصانة قضائية ضد ملاحقة القانون العراقي لها.
وتستخدم هذه الشركات معدات تقترب من الجيش النظامي؛ إذ إنها تستخدم أدوات قتالية متوسطة، وفي بعض الأحيان ثقيلة، بل إن جزءا منها تستخدم الهيلوكبتر والمدرعات لتنفيذ أعمال قتالية وهجومية مثل شركة "بلاك ووتر" وشركة "دين كورب".وتأتي القوات الأمنية الخاصة في العراق في المرتبة الثانية من حيث عدد أعضائها بعد جنود الولايات المتحدة الأمريكية التي يقدر عددهم بـ130 ألف جندي، في حين يتراوح عدد أعضاء الشركات بين 30 إلى 50 ألف شخص يعملون في 130 شركة أمنية، بالإضافة إلى أنه يبلغ حجم أعمالها في العراق إلى ما يقارب 100 مليار دولار.
ويكشف سكيل عن أنه مع تنامي نفوذ شركة "بلاك ووتر" داخل الإدارة الأمريكية، فإنها تتطلع حاليا إلى الحصول على عقد في إقليم دارفور، غرب السودان، وهو الأمر الذي يمكن أن يضيف دافعا آخر نحو إصرار الولايات المتحدة التدخل عسكريا في دارفور وتدويل الصراع في هذا الإقليم.لا يخضعون للحسابويؤكد جيرمي سكيل في كتابه على "أن المرتزقة القتلى في العراق لا يحسبون ضمن قتلى جيش الولايات المتحدة النظامي، كما أن جرائمهم لا يتم توثيقها، وبالتالي لا يتم معاقبتهم عليها، وهو ما يغطي على التكلفة الحقيقية للحرب".
وسبق أن صرح السناتور الديمقراطي دينيس كوسينتش الذي يعد واحدا من أكثر المعارضين لعمل المرتزقة في العراق: "لدينا 200 ألف جندي في العراق نصفهم لا يمكن حسابهم، والخطر أن نسبة محاسبتهم على ما يفعلون هي صفر" ، واصفا ما يحدث في العراق على أنه "حرب مخصخصة".وتشير الإحصاءات إلى أن 57% من القتلى في صفوف هذه الشركات كانوا في المثلث السني (بعقوبة - الرمادي - الفلوجة)، وهو ما يدل على أن الجيش الأمريكي استخدم المرتزقة كرأس حربة في التصدي للمقاومة، خصوصا في العدوان على الفلوجة عام 2004 والذي شهد جرائم حرب واستخدمت خلاله قنابل فسفورية ضد الأهالي.
وذكر القرعان أن نشاط هذه الشركات -على حد تعبير تقرير صادر عن الجامعة الوطنية للدفاع في واشنطن- يعرض حقوق الإنسان للخطر، وهو ما جرى فعلا عندما تورط عملاء شركتين خاصتين للحماية في فضيحة تعذيب واغتصاب سجناء عراقيين في سجن أبو غريب، وهما شركتا (كاسي انكوري رايشن CACI) و(تيتان كوربوراشن Titan).سمعة سيئةوأشارت الدراسة إلى استعانة هذه الشركات الخاصة بأفراد اشتهروا بسمعتهم السيئة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان والتورط في محاولات قتل وتعذيب بل وانقلابات عسكرية في بلدان إفريقية أو أمريكية لاتينية، وكان من أبرز هؤلاء الموظفين الأمنيين الذين كانوا يعملون في حكومة الدكتاتور التشيلي السابق أوجستو بنوشيه، وحكومة مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوسفيتش، وأفراد من نظام الحكم العنصري السابق في جنوب إفريقيا. كما استعانت بعراقيين وبعض اللبنانيين الذين التحقوا في تنظيمات مسلحة إبان الحرب الأهلية في لبنان، ولا تستبعد كونهم من قوات "أنطوان لحد" المتعاونة مع القوات الإسرائيلية في عدوانها على لبنان قبل أن تتفرق بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000.ويتراوح الأجر اليومي للجندي المرتزق ما بين 900 إلى 3 آلاف دولار أمريكي، وهو ما يفسر -بحسب هيكل- استنزاف مليارات الدولارات من العراق.

انتهى المقال واليكم بحث عن فرسان مالطه كتب عام 2002 قبل احتلال العراق
سفارة بلا دولة

تقرير:محمد جمال عرفة
01/01/2002
في منطقة وسط القاهرة وتحديداً في شارع هدى شعراوي سفارة فريدة غريبة، تثير الدهشة، بل والذهول، فهي لا ترفع علمًا كبقية السفارات ولا يحرسها رجال الأمن المسلحون كما هو معهود… اسمها "سفارة فرسان مالطة" هكذا كتب بالعربية على لوحة نحاسية في مدخل السفارة، وفي نفس اللوحة كتب بالفرنسية:“Ambassade De L’ordre souveraine ET Militaire De Malte”أو بالإنجليزية: SOVEREIGN MILITARY ORDER OF MALTA
وترجمتها الحرفية "سفارة النظام العسكري ذو السيادة المستقلة لمالطة"! هل هي سفارة دولة مالطة في القاهرة؟ أجابت موظفة الاستعلامات : لا ، هي سفارة فرسان مالطة، هل هناك دولة بهذا الاسم؟ أين تقع؟ ما حكاية هذه السفارة؟ وهذا الاسم المثير؟ وماذا تعمل في مصر؟ ومنذ متى ؟… عبثًا حاولت الحصول على إجابة من موظفة السفارة . وفي وزارة الخارجية المصرية - فقط - عرفت أن السفارة بدأت في القاهرة عام 1980 وأن هذه الدولة هي من بقايا الحروب الصليبية البائدة ومقرها داخل الفاتيكان ،وأنها امتداد لما كان يسمى (فرسان الهوسبتاليين) الصليبيين ، وأن نشاطها – الآن- أصبح يقتصر علي الأعمال الخيرية والتبرعات وأن هناك أربع دول عربية تعترف بها وليس مصر وحدها .
ولكن الإجابة الشافية عن تاريخ هذه الدولة (أو الدويلة) لم أحصل عليها إلا من بطون الكتب، ودوائر المعارف العالمية، وسؤال أهل العلم، فكانت رحلة شاقة، وعميقة في متاهات تاريخ العصور الوسطى ، والحروب الصليبية !!
الجذور في مدينة القدس!

بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين، في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس ، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية ، وقد أطلق عليهم اسم "فرسان المستشفى" Hospitallers تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل "فرسان المعبد" و"الفرسان التيوتون"…الخ ، إلا أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد .
وكان التزايد الكبير في أعداد الحجاج المسيحيين إلى مدينة القدس قد تزايد في بداية القرن الحادي عشر لاتجاه بعض التجار الإيطاليين للحصول على حق إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، وكان يلحق بهذه الكنيسة مستشفى للمرضى والحجاج يسمى مستشفى "قديس القدس يوحنا" كذلك استطاع تجار مدينة "أما لفي" 1070م تأسيس جمعية خيرية في بيمارستان قرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بفقراء الحجاج، ومن اسم المستشفى أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى أو (Hospitallers) التي حرفت إلى (الاسبتارية) في اللغة العربية، ولم يلبث أولئك الاسبتارية أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوروبا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113 م، وهكذا أصبح نظامهم يلقى مساندة من جهتين: تجار (أمالفي) وحكام (البروفانس) في فرنسا.
وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 م وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه "رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا" وهؤلاء بحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل : إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى فرسان الاستبارية أو الهوسبتاليين بجانب فرسان المعبد (Templars).
وقد كان تشكيل تنظيم الهوسبتاليين ينقسم إلى ثلاث فئات:
  1. (فرسان العدل) الذين هم من أصل نبيل (نبلاء) وأصبحوا فرسانا
    2.(القساوسة) الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الروحية للتنظيم.
    3. (إخوان الخدمة) وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.

    وهذا فضلا عن الأعضاء الشرفيين ويسمون الجوادين (Danats)) الذين يساهمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم وبفضل عوائد هذه الأملاك وكذلك الهبات والإعانات (عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فرسان القديس يوحنا) أخذ نفوذ الفرسان ينمو ويتطور حتى أصبحوا أشبه بكنيسة داخل الكنيسة.

    الفرسان بلا مأوى!
  2. بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية.
    وبسقوط عكا 1291 م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى ؛ فاتجه الفرسان (التيوتون) نحو شمال أوروبا حيث ركزوا نشاطهم الديني والسياسي قرب شواطئ البحر البلطيكي، ونزح (الداوية) أو فرسان المعبد إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307: 1314 م) أما فرسان الهوسبتالية (الذين ظل وجودهم حتى اليوم ) فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم إلى (Morgat) أو المرج ( في ليبيا حاليًا) ومنها إلى عكا ثم (ليماسول) في قبرص 1291م.
    ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين ، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك فعمد رئيسهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308 - 1310) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس) أو (النظام السامي لفرسان رودس).
    وفي (رودس) أنشأ تنظيم الهوسبتاليين مراكزه الرئيسة وازدادت قوته ونفوذه خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان المعبد وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين.
    ولأن أرض (رودس) كانت بمثابة نقطة استراتيجية هامة، فقد عمد الأتراك المسلمون بدورهم للاستيلاء عليها خصوصا مع تزايد قرصنة الصليبيين لسفنهم وذلك بعد حصار وضغط متواصلين (أهم حصارين 1310، 1480) مما أجبر رئيسهم (فيليب ري ليل آدام) على الاستسلام في 1522 والهجرة عن الجزيرة في أول يناير 1523 بين عدة مدن منها: (سيفليل إسبانيا) و(كاندي سيلان) و(روما إيطاليا) ، الي أن منح الملك (شارك كنت) للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530.
    وبجانب سيادتهم على مالطا ـ بوثيقة (شارك كنت) ـ كانت لهم السيادة كذلك على عدة جزر مثل (دي جوزوا- (De Jozo و(كومين - (Comino بجانب مدينة طرابلس (التي كانت تتبع عرش صقلية). وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى "النظام السيادي "لفرسان مالطا" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمثابة وطنهم الثالث، ومنها استمدوا أسمهم "فرسان مالطا" واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م، بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء.
    وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على الأعمال الخيرية !) ولاسيما في الحصار التاريخي 1565 الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك ، كما توسع النظام كثيرًا حتى إن الملك (لويس الرابع عشر) تنازل له في 1652 عن مجموعة من الجزر في( الأنتيل- (Antilles منها:-
    سان كيرستوف ـ سان بارتليلي ـ سان كوزوا، وصدق على ذلك في 1653 إلا أن صعوبة المواصلات مع هذه الجزر اضطر النظام للتنازل عنها لشركة فرنسية 1655 وظل النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا وانتشر سفراؤه في بعض الدول وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصية للسيد الكبير "للنظام أو رئيس الفرسان".

بداية رحلة الشتات للفرسان الصليبيين

وبقيام الثورة الفرنسية 1789 وغزوها إيطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798م، فأقاموا بصفة مؤقتة في (ترسيتا) في إيطاليا تحت ضغط من بلاط فينيا، وعندما استولى الأميرال (نلسون) على مالطا من الفرنسيين أقرت اتفاقية الأمنيس (Amiens) عودة الجزيرة للفرسان 1802، إلا أن كونجرس (فاليتا) عاصمة مالطا أسند إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية وبالتالي انقطع اتصال الفرسان نهائيًا بمالطا (دولة مالطا الحالية ليست هي فرسان مالطا)، وانقسموا بين البلاد حيث اتجه العديد منهم إلى سان بطرسبرج (وبالتالي أصبح نظامهم الكاثوليكي الروماني الذي يحظى برعاية البابا يخضع لقانون الإمبراطورية الروسية الأرثوذكسية!!) واتجه جزء آخر إلى "كاتانيا" و"فيرارًا" و"روما"، وفي هذه الأثناء اختبر توماكسي 1802 ليكون آخر الرؤساء الكبار للتنظيم.
وبحلول 1805 أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم ، ومنذ 1834 ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم "العمل الخيري" وفي نطاق المستشفيات (عملهم الأول وقت إنشائهم) حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة خيرية ما تزال تسيطر عليها الروح الصليبية، وأخذت في التوسع حتى فتحت جمعية لها في الولايات المتحدة الأمريكية 1926م.
أما في فرنسا فقد استمرت محاولات إحياء النظام ، وإن كان إنشاء التنظيم لم يكن له اتصال عضوي بالتنظيم القديم والذي استقر نهائيًا في الفاتيكان، كما انتقل بعض أفراد هذا النظام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاشوا فترات الحروب الأهلية وقد أصبح رمز نظام (القديس يوحنا) هو صليب أبيض معلق بحبل أسود ولذلك أصبح فرسان الهوسبتالية يعرفون بفرسان الصليب الأبيض.

فرسان مالطا الآن

يقع المقر الرئيسي للمنظمة حاليا في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "مقر مالطا" ، ويرأس الدولة (البرنس أندرو برتي) الذي أُنتخب عام 1988ويعاونه أربعة من كبار المسئولين وقرابة عشرين من المسؤولين الآخرين .
الفرسان والكو ـ كلوكس ـ كلان!
كان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطة على يد نابليون قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصادف وصولهم فترة الحروب الأهلية هناك وشهدت هذه الفترة ظهور منظمة الكو ـ كلوكس ـ كلان، (Ku- Klux _ Klan) الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب في ذلك الحين بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض ومنع مساواة المواطنين السود مع البيض في الحقوق، وتوثقت العلاقات بين فرسان مالطة الفارين إلى أمريكا، وبين (الكوكلوكس كلان) خصوصا أن الطرفان يتفقان في المذهب الكاثوليكي .
وقد جسد هذه العلاقات وعبر عنها تنظيم فرسان الكاميليا (Knights of Camilia) وهو تنظيم سري نشأ داخل (الكوكلوكس كلان)، تبنى نفس مبادئها، وكان تنظيمه (الهيراركي) يشبه تنظيم فرسان مالطة، فهناك المارد الأعظم (Grand Giant) على غرار السيد الأعظم لدى الفرسان ويعاونه أربعة من فرسان الصقر “Hawks” كما أن طقوس احتفالات فرسان الكاميليا و(الكوكلوكس كلان) تشبه تمامًا احتفالات فرسان مالطة إذ يلبسون ملابس بيضاء عليها صليب أحمر، ويضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين والأنف والفم، ويشعلون المشاعل النارية، ويزيد أعضاء (الكوكلوكس) أنهم يحملون الجماجم التي تنبعث منها نيران حمراء بشكل مرعب!
ومن المهم أن نشير إلى أن كلا الحركتين (الفرسان ، وكوكلوكس) كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي حتى إنه ليبدو أن مطاردتهم للسود وكذلك الآسيويين من غير العنصر الأبيض في الداخل كان اضطهادًا (دينيًا) قبل أن يكون (عنصريًا) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم إلى أمريكا عن طريق تجارة الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) هذا فضلا عن أن هؤلاء السود والآسيويين جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها هؤلاء المهووسون دينيًا وعنصريًا ، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم..!!

الفرسان الصليبيون يُعيدون تنظيم أنفسهم !

ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية الغربية تقريبا لدول العالم ولم يعد أحد يسمع عنه بعدما استقروا في روما والبعض الآخر في أمريكا ، عادوا بقوة في أوائل التسعينيات ( الفترة التي شهدت تزايد العداء للإسلام كدين والحديث عن استهدافه كعدو جديد بدل الشيوعية التي اندثرت !! ) وعقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان ، وكان الاجتماع مثيراً للغاية - كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة- وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـ معظمهم من القساوسة ـ ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة .
ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا – بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي - التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء "فالتا" ـ العاصمة ـ ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم.
وقد روت صحيفة "هيرالد تبيون" الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة : إن "الفرسان" توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقود المنظمة، وهو اسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس، اسمه اندروبيرتي (60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس رقم الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة "كاردينال" ، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين "فارسًا" يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة !!

علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة !!

والغريب أنه اصبح لهذا التنظيم أو منظمة "الفرسان" علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة منها دول عربية ومسلمة كمصر والمغرب وتشاد ، كما أن مقرهم الرئيسي (قصر مالطا في روما) له بعض الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ إن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة، بل ويصدرون طوابع بريد خاصة أيضًا.
ويقدر عدد أعضاء منظمة فرسان مالطا بحوالي عشرة آلاف فارس وسيدة كما تقول المواقع المخصصة لهم على الانترنيت (http://www.kwtelecom.com/heraldry/stjohn/sovord.html) ، بينما يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصا أن نشاطهم الحالي خيري ويختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم .
وهم مهتمون بإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول حتى إن رئيسهم (بيرتي) يقول : "إن الدبلوماسية بحد ذاتها ليست من أهدافنا ولكن إقامة علاقات مع الدول تساعد في تسهيل أعمالنا والحصول على الأدوية والمواد التموينية ونقلها إلى المناطق المنكوبة ، ولا ينفي تاريخهم الصليبي إذ يقول : "نحن لا نخفي شيئا، فنحن منظمة دينية قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا، لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ونحن نبذل جهدنا لتقديم العون للمحتاجين، والقسم الأكبر منا رجال دين وقساوسة".
والملفت أن دولة الفرسان الجديدة تعتمد في دخلها على تلقى التبرعات بحجة إنشاء المستشفيات وعلى بيع طوابع بريدية خاصة بها ، وتستفيد أيضا من الشهرة التي تجنيها من خلال توزيعها تبرعات كبيرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية على الدول المختلفة المحتاجة .
ومع أننا لا نستبعد أن يكون هذا الموقف الجديد للصليبيين الجدد ( أي التركيز على العمل الخيري فقط ) هو وليد الظروف الدولية المعاصرة وقيام غيرهم من الغربيين بحمل السلاح لإبادة المسلمين نيابة عنهم ، فالمؤكد أنهم – باعترافهم – لا يتنكرون لتاريخهم الصليبي القديم الذي لا يزالون يفخرون به حينما حاربوا المسلمين ونهبوا قوافلهم في البحار .
وبالتالي فخطر الفرسان الحالي ليس أقل خطرا من الماضي ويكفي أن نعرف أن منظمات الإغاثة الصليبية التبشيرية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان كانت ولا تزال تشكل عنصر الدعم للمتمردين على الحكومات العربية ، وهم الذين فصلوا (تيمور) عن أندونيسيا الإسلامية ، والأخطر أن دورهم التبشيري لا ينفصل عن الدور الخيري ، والاموال لا تُدفع بغير مقابل تبشيري !!

كيف وصل الفرسان الصليبيون إلى العواصم العربية!!

لقد ظهر فرسان مالطة في مصر عندما أصبح لهم سفارة في القاهرة عام 1980 ويذكر دليل البعثات الدبلوماسية الخاصة بوزارة الخارجية المصرية أن بعثة فرسان مالطة بالقاهرة مكونة من شخصين السفير ومستشار للسفارة ، ولا يذكر الدليل شيئا عن وجود بعثة دبلوماسية مصرية لدى الفرسان ، ولم يعرف كيف استطاع فرسان مالطة الحصول على حق التمثيل الدبلوماسي في دول عربية مثل مصر والمغرب وحتى تشاد الإفريقية ، وعلى مستوى السفارة، وإن كان الأمر مفهوما في ظل وجود دول أخرى صغيرة لا تذكر مثل الفاتيكان وميكرونيزيا التي تؤيد إسرائيل على طول الخط رغم أنها جزيرة صغيرة عدد سكانها بضعة آلاف .
والواضح أن نشاطهم الخيري ، ومزاولة عملهم من دول عظمى مثل أمريكا أعطى لهم جواز المرور للدول الأخرى باعتبار أنهم صاروا –الآن- هيئة خيرية .
وفي لقاء خاص مع الأستاذ الدكتور/ عز الدين فودة، أستاذ كرسي الدبلوماسية والمنظمات الدولية بجامعة القاهرة حول كيفية حصول مثل هذه الدول التي لا تتعدى مساحتها مساحة أحد الأبنية أو القصور التاريخية القديمة على حق التمثيل الدبلوماسي قال: " من المعروف أن التمثيل الدبلوماسي حق ـ من حيث الأصل ـ لأشخاص القانون الدولي ـ سواء كانوا دولا أو منظمات دولية، بالإضافة إلى الفاتيكان (الكرسي الرسولي) الذي يتمتع بوضع خاص في مسألة التمثيل الدبلوماسي بخاصة في الدول الكاثوليكية".
وبخصوص نظام فرسان مالطة -يضيف د. فودة "نجد أنه نظام تاريخي ظل يحتفظ بالصفة السيادية، حتى بعد انهيار النظام ذاته وخروج الفرسان من مالطة وفقدانهم لأي قاعدة إقليمية، وتحولهم إلى مجرد هيئة خيرية، ومع هذا الوضع احتفظ الفرسان بحق إرسال بعثات دبلوماسية من جانبهم، وعلى مستوى السفراء، وهم بذلك يمثلون استثناء فريدًا في مجال العلاقات الدبلوماسية والقواعد والأعراف المنظمة لها.
ويبدو أن الفضل في استمرار هذا الوضع يرجع إلى بعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى الفاتيكان ـ حيث مقر الفرسان الآن ـ فقد أحاطوا الفرسان بالحماية بعد طردهم من مالطة، ومنحوهم بعض الامتيازات، ومنها حق التمثيل الدبلوماسي وذلك حفاظًا على "الرمز التاريخي" الذي يمثلونه، ودورهم البارز في العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الماضية –أيضًا- فالدور الإنساني الذي يقومون به في رعاية المرضى والإسهام في بناء المستشفيات دور له أهميته.
بالإضافة إلى ذلك اسهموا في إرساء بعض قواعد القانون الدولي الخاص بالملاحة البحرية ـ بحكم طبيعة حياتهم في جزر البحر المتوسط ـ مثل قاعدة "حق اللجوء ضد الأخطار في البحر".
وبشكل عام فإن استمرار وضع فرسان مالطة على النحو السابق، هو استمرار رمزي ـ تاريخي.
ليست سفارة الصهاينة بالقاهرة هي النشاز الوحيد، فهناك "فرسان مالطة" القادمون من قلب العصور الوسطى إلى قلب القاهرة ربيبة صلاح الدين الذي أذل فرسانهم ، وقهر ملوكهم وأسرهم في يوم حطين الأغر !!

Labels:

Tuesday, May 15, 2007

القومية العربية بين النظرية والتطبيق
د. فؤاد الحاج
عرف عن المفكر الراحل قسطنطين زريق بأنه أحد الذين أغنوا الفكر العربي في نظرته إلى القومية العربية، وبأنه أثر على جيل بأكمله من السياسيين من مختلف أنحاء الوطن العربي الكبير ممن التقى بهم طلابا وأساتذة في الجامعة الأميركية في بيروت، أمثال جورج حبش ووديع حداد من فلسطين وهاني الهندي وجورج طعمة والدكتور الياس فرح من سوريا ونديم دمشقية من لبنان وحمد الفرحان من الأردن، والدكتور سعدون حمادي من العراق وغيرهم الكثير من المناضلين العرب الذين أيضا أثروا في غيرهم في سبيل نشر الوعي القومي العربي.
وقد كُتب لفكر قسطنطين زريق أن يشتبك بمخاض سياسي تاريخي كامل غطى قرنا بأكمله، فقد أصرّ قسطنطين زريق دائما على أن يلازم صفة المفكر والأستاذ، لكن فكره أو بعضا منه تحول إلى ملهم لمناضلين ومرشدين لحركات سياسية، أهمها (حركة القوميين العرب)، وقد أخذ هؤلاء اسمهم من تنظيم كان قد أسسه في الثلاثينات من القرن الماضي.
غير أن زريق الذي ربط القومية بالحداثة واعتبرها عملية تاريخية متكاملة، لم يرقه ما آلت إليه الحركة القومية العربية من شرذمة، حيث لم يتهم الأنظمة وردّ السبب إلى المجتمع نفسه!!. فمن المسؤول عن تردي الوضع القومي العربي؟.
لا نريد هنا أن نناقش نظريا فكر هذا المفكر القومي الذي طرح قضية القومية واعتبرها ظاهرة حديثة، ومن ثم وصلها بمشروع عربي مداه الحقيقي يتعدى إلى المستقبل، فهذا يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات على مستوى الوطن العربي يشارك فيها كل من يعمل في مجال الفكر القومي العربي من المحيط إلى الخليج.. بل نريد أن نسلط الضوء على جانب واحد وأساسي في فكر قسطنطين زريق الذي ربط المصلحة الذاتية للفرد والمجتمع في مفهومه للقومية العربية.
وبعيداً عن خطاب الحماسة والكلمات الطنانة، فإننا نجد في فكر زريق بعض الحقائق عن الوضع الراهن لهذه الأمة المبتلية بحكام غير مثقفين ولا مطلعين على ماضي الأمة، وفي الوقت ذاته لا يوجد لديهم مخططات على الأقل مرحلية تفيد الوطن والموطن على الصعيدين الوطني والقومي، ولولا تدارك ووعي بعض القياديين القوميين ومنذ وقت مبكر من القرن الماضي وحتى يومنا الذين مازال شغلهم الشاغل العمل على إيجاد مكان لائق للأمة العربية ذات التراث الحضاري الغني والعميق بين أمم العالم، وللوطن العربي وأهميته في الماضي والحاضر والمستقبل من أجل بناء صرح الحضارة الإنسانية للبشرية كلها على أسس تخدم قضايا السلم والأمن والتقدم والتعاون المتكافىء بين الشعوب.
وقد نتج عن هذا الفكر عدة محاولات لتحقيق الذات الاقتصادية العربية أولا ومنها ما تم تأسيسه في بداية عام 1989 وهو (مجلس التعاون العربي) الذي ضم العراق، الأردن، اليمن ومصر، الذي انتهى مع بدء العدوان الثلاثيني الغادر على العراق عام 1991، ليس فقط بسبب العدوان الأمريكي الأطلسي العربي الرسمي آنذاك بل بسبب أن إحدى دول هذا المجلس تعاونت مع أعداء الإنسانية وأرسلت جيشها ليقاتل إلى جانب قوات العدوان الأمريكي الأطلسي، ومن ثم كانت هناك محاولات أخرى ليبية على صعيد دول المغرب العربي ولكنها لم تسفر عن نتائج إلى أن تم مؤخراً وبقرار ليبي تشكيل الاتحاد الإفريقي الذي ليس له علاقة بالدول العربية كما قال الزعيم الليبي معمر القذافي في أكثر من تصريح له، وعلى الرغم من ذلك نتمنى أن يسفر عن تعاون وتكامل سياسي واقتصادي وعسكري دون أي تدخل خارجي، مع العلم أن هناك ملاحظات عديدة بدأت تبرز في الأفق، خاصة وأن أعداء الإنسانية لا ولن يستكينوا أو يهدأوا حتى يوقعوا بين دول هذا الاتحاد، فزيارات بوش وقبله باول ورايس تنبىء على أنهم يحفرون لهذا الاتحاد كي لا يكتمل تحقيق ذاته، أما (المجلس الخليجي) فحدث ولا حرج لأنه لم يحقق أي تعاون لا اقتصادي ولا سياسي ولا عسكري بسبب ارتهانه للغرب ولأعداء الإنسانية.
لذلك ومن منطلق قومي عربي راسخ يجمع بين الوطنية والقومية، نتمنى على المخلصين والشرفاء من الباحثين والاقتصاديين العرب العمل تحقيق السوق العربية المشتركة كما فعلت قيادة العراق الوطنية والقومية عندما وضعت اتفاقيات الأسواق الحرة بين ثمانية دول عربية موضع التنفيذ العملي وباشرت في تنفيذها، ومنها تلك الدولة التي وقفت مع أعداء الأمة وشاركت في تدمير العراق بأشكال مختلفة، وكذلك سوريا التي وصل معدل التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي إلى مليارات الدولارات خلال عدة سنوات حتى قبيل العدوان والغزو والاحتلال، وعندما كانت تقصر إحدى الدول الأعضاء كان قيادة العراق تبادر من أجل تسريع العمل وعدم التهاون فيما فيه مصلحة مشتركة للأمة، ولا نقصد بتحقيق السوق العربية المشتركة دفعة واحدة بين دول تلك الجامعة المهترئة، بل بين بلدين على أقل تقدير لتكون بداية انطلاقة لتجمع بالتدريج باقي الدول العربية وصولاً إلى تحقيق السوق العربية المشتركة، لأنه من نظرة بديهية أولية لكل عاقل يجد بأن المصلحة الذاتية لكل دولة عربية على الصعيد الاقتصادي تتطلب العمل الفعلي على تحقيق السوق العربية المشتركة، وبذلك نكون فعلاً أوفياء لعروبتنا ولأمتنا التي تنتظر بروز قيادة وطنية وقومية تعمل من أجل الأمة والوطن والأجيال.
ومع أننا دائماً نسمع خطابات متروّية غير مأخوذة بإلحاح النفس الجريحة ولا دوي الكلام المفارق، كما نطالع (خطاباً تاريخياً) يزن الظرف والإمكانات والقدرات الذاتية والواقع، بل يزن الأمور بمقياس المصلحة والإمكانات لا باللهفة والوجدان فحسب، ولكن يبقى ذلك الخطاب حبراً على ورق ما لم تقوم قيادة وطنية قومية للعمل على تحقيقه كما فعلت قيادة العراق الوطنية القومية التي تآمرت عليها قوى الشر والبغي والعدوان بالتعاون مع أنظمة عربية اللسان أعجمية، وأسقطتها بالتعاون مع طاغوت الشر الصهيو-أمريكي-الإيراني عام 2003، ولم يبق هناك من أمل سوى ببروز قيادة وطنية قومية جديدة تعيد للمواطن كرامته وللوطن عزته.
ومن قرأ كتاب (الوعي القومي) لقسطنطين زريق الذي صدر عن دار المكشوف في بيروت عام 1940، لا بد أن يتساءل هل أن مفهوم القومية العربية علمياً ونظرياً وبين النظرية والتطبيق سينتهي برحيل الرعيل الأول من واضعي هذه النظرية؟..
الواقع يقول طالما أن هناك مؤمنين بأن العروبة هي القاسم المشترك والدافع الأساسي الذي يحدو كل العرب وفي كافة أقطارهم إلى النهوض من الرقاد إلى التوحد، على أسس واضحة ومعروفة للجميع وأهمها اليوم هي المصالح المشتركة للوقوف في وجه التيارات العالمية والمحلية في البلاد العربية المعادية للعرب وللعروبة، مما يدعو من جديد إلى التفكير في العمل من أجل صب كافة الآراء والأفكار لكافة المفكرين العرب الراحلين والمحدثين منهم، في قالب قومي عربي يضمن صيانة الوطن بحدوده وتخومه، والوطن الكبير الشامل بكافة العوامل المشتركة فيما بين أبناء البلاد العربية، لأنه ثبت على الأقل نظرياً بأن القومية بمفهومها الشامل تعني حب الوطن الصغير والانفتاح العام على الوطن الكبير بجميع أقطاره، بالرغم من أن البعض قد يرى أن هناك نقيضاً بين الوطنية والقومية، ولكن الواقع والتجارب أثبتت بأن الأمة والقومية هي الوعاء الشامل لكل البلاد العربية، وأن الولاء للأمة لا ينقض الولاء للوطن بحدوده وتخومه المصطنعة، وإلا لما استفرد أعداء الإنسانية بكل الأقطار العربية التي خرجت عن مفهوم ومعنى القومية العربية الفعلي إن في الجزيرة العربية أو في الخليج العربي أو في شمال أفريقيا، وفي الوقت ذاته لو أن القيادات العربية التي حسبت نفسها أو بمعنى أوضح فرضت نفسها على العروبة والقومية والوطنية لما ضاعت فلسطين ولما كان للكيان الصهيوني اليوم وجود، الذي حارب ويحارب أي فكر توحيدي للبلاد العربية وبكافة الوسائل والمغريات!!.. ولما بقي العراق العربي تحت الحصار الجائر الذي فرضته قوى الشر وأعداء الإنسانية طيلة أكثر من اثني عشرة عاماً، ولما تعرّض للغزو والاحتلال بقيادة إدارة الشر الأميركية خدمة لمصالحهم أعداء الإنسانية تحت مسميات (العولمة) أو (النظام العالمي الجديد)!!.
فهل يتدارك القوميون العرب في كل البلاد العربية ذلك؟!!.. وهل يتدارك كل الذين تأثروا بروح القومية العربية وعملوا من أجلها الخطر الكبير الذي أصاب البلاد العربية من المحيط إلى الخليج ويعودوا للعمل مع الجماهير من جديد من أجل مصالح الشعب العربي في كل أقطاره؟.. وهل يعي الاقتصاديون العرب أن مصالحهم المشتركة في الوطن العربي مهددة بخطر الزوال؟!.
لا بد أن يكون الحديث في هذا الصدد موسعاً وشاملاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكن لا بد من وقفة مراجعة ذاتية ونقد بنّاء من أجل وحدة الكلمة التي تبدأ منها وحدة النضال، على الرغم مما نشهده من نضال يومي ومستمر في كافة الأقطار العربية عبر المؤتمرات والندوات والأمسيات واللقاءات بين عناصر مؤمنة بوحدة الأمة ووحدة المصير، لأنه إذا لم يبدأ الجميع وبشكل حاسم بفضح ركائز المستعمرين الجدد من زعامات وقيادات وأنظمة قبلت بالمساومات والتسويات على حساب الوطن والمواطن والأمة بشكل عام، والعودة إلى أصالة الفكر القومي العربي والروح الوطنية الأصيلة التي تعبّر عن صميم قضايا ومشاكل الأمة والإيمان بحقها في الحرية والاستقلال بالتعاون مع كل الخيرين والمفكرين من رواد القومية والنهضة العربية الأحياء منهم، ومنهم الدكتور الياس فرح وغيره العشرات في كافة الأقطار العربية وفي بلاد المهاجر، وفي الوقت نفسه الاستنارة بفكر الرواد الأوائل من خلال كتباتهم ومنهم مؤسس البعث العرب الراحل الأستاذ ميشيل عفلق الذي قال "لم يكن التصور القومي للبعث منفصلاً عن الصلة الحية بالتراث الروحي والحضاري للأمة العربية، فإلى جانب العلاقة الموضوعية بين العروبة والإسلام، التي كانت إحدى الركائز الأساسية التي عليها فكر البعث، قامت علاقة ذاتية وجدانية مصيرية، بين البعث والإسلام، نبعت من مصدر أساسي، ومنطلق مكمل للمنطق القومي، هو حب الشعب والأمة، كما أنها جاءت نتيجة للتصميم على الاضطلاع بالمسؤولية القومية"، من هذا المنطلق لا بد من العمل الفعلي على تجسيد النضال القومي الشعبي الوحدوي الديمقراطي الذي يشكّل التطلع إليه والإحساس به هاجساً يحرّك ضمير الأمة ويستنفر عقول وضمائر المفكرين والمناضلين من أبنائها، وبذلك نكون قد حققنا ونقلنا عملياً التجربة القومية من النظرية إلى التطبيق.

Labels:

Saturday, May 12, 2007

بغداد في خطر
الجسور والسدود الرئيسية في خطر


فايها الوطنيون
الاخوة الاعزاء
ارجو قراءة التحذير المرفق حول اعداد الامريكان لنسف سد الثرثار الذي يحتجز خلفه 67 مليار متر مكعب من الماء وقي فترة ذروة التصاريف المائية التي تبلغ اوجها في شهر ايار جراء ذوبان الثلوج في اعالي النهر لنوصل هذا الامر لوسائل الاعلام ولنفضح الخطة الشيطانية لكي نحمي بغداد من الغرق ولكي نوقف الكارثة انهم لايترددون عن عمل اي اشيء يخدم ستراتيجيتهم وتكتيكاتهم انهم لايمتلكون اي اخلاق ولكن يمتلكون لسانا طويلا هو اعلامهم واعلام اتباعهم يتحدث عن الاخلاق وشرف الخصومة ويطبل للديمقراطية والحرية.
انهم من محق هيروشيما وناجازاكي من الوجود ومسح مدينة درسدن الالمانية التي تعتبر الارث الفني والمعماري لالمانيا بعدساعات من استكمال احتلال المانيا ووقف اطلاق النار وهم من استخدم السموم الفطرية التي قضت على حاصل الرز في فيتنام كي يجوع الفيتناميون.
بالامس جسر الصرافية تم نفق ساحة النسور والحديث تتداوله وسائب الاعلام علانية عن محاولات نسف قوس النصر ونصب الجندي المجهول الواقع في ساحة الاحتفالات .
ومن الان بدأوا يقولون انهم القوا القبض على جماعة مسلحة من ميليشيات ايران تريد نسف هذه التحف الفنية داخل المنطقة الخضراء وسيفعلونها .. وسيقولون فعلها عملاء ايران انهم لن ينسحبوا من العراق الا بعد ان يتركوه قاعا بلقعا بلا منحوتات ولا متاحف ولا شواهد للحضارة.
الاعطمية ستمحى لانها تمثل بوابة البغادة نحو الحداثة والانفتاح الحضاري والوعي السياسي والانفة والاعتداد وملعون من يسكت وهو يرى بلاده تدمر وها نحن نوجه اصابع الاتهام الى العراقيين وخاصة المقاومين ولا نفكربالموساد والمحتل.
اخوكم الدكتور عادل الخفاجي

Labels:

Thursday, May 10, 2007

هل سينتحر الأميركيون على أسوار بغداد؟
فاضل الربيعي


يخطئ العراقيون إذا اعتقدوا أن "سور الأعظمية العظيم" هو سور عزل طائفي القصد منه عزل "طائفة بعينها" عن بقية الطوائف، وسوف يخطئون أكثر إذا ما ركزوا أنظارهم على هذا البعُد وحده في المسألة وتناسوا أو أهملوا رؤية الأهداف الحقيقية "ما وراء السور" وهي كثيرة بكل تأكيد.
وقد يرتكب العراقيون خطأ مأسويا فظيعا، إذا ما ظنوا أن الهدف من بناء الحاجز الكونكريتي العملاق، سوف ينحصر كليا في إنشاء منعزل "غيتو سني" في قلب بغداد، بينما تصبح الأحياء "الشيعية" آمنة وبعيدة عن هذا الخطر.
الهدف، كما يتبين اليوم، أكبر وأخطر وأبعد بكثير من مجرد عزل طائفة عن أخرى. إنه بكلمة واحدة خطر يشمل الجميع.
ولكن؛ لماذا الأعظمية الآن دون سواها من الأحياء والمناطق في بغداد؟ وما هي دلالات وبواعث ودوافع اختيارها؟
إذا ما نظر العراقيون بتبصر وبقدر أكبر من الشعور بالمسؤولية الجماعية وبروح التضامن حيال كل خطر جماعي يواجه السكان تحت الاحتلال يوحدهم من حول أهداف مشتركة؛ فإنهم سوف يتمكنون من رؤية ما هو أدهى وأمر من مجرد وجود خطر محدود يواجه هذه الطائفة دون تلك. ففي "ما وراء السور" ثمة خطر يتربص بكل العراقيين أيا كانت طوائفهم وأديانهم ومعتقداتهم.
وإذا ما أمعنوا النظر فيما هو أبعد "من مجرد حجارة عملاقة" تفصل اليوم هذا الحي السني عن ذاك المحيط الشيعي؛ فإنهم سوف يدركون جسامة الخطر وعظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم الآن، وفي هذه اللحظات الفاصلة حين يصبح العراق بأسره ضحية عبث مأساوي بمصير أولاده وبوجودهم التاريخي كشعب.
اختيار الأعظمية لتجربة بناء جدار عازل يقع في قلب تجربة أكبر وأوسع نطاقا وأكثر نموذجية بالنسبة للأميركيين، فهو من أجل قياس رد فعل العراقيين ككل.

هاكم بعض الأهداف المحتملة في "ما وراء السور":
1- إن بناء الجدار العازل يندرج في إطار خطة إستراتيجية كبرى بعيدة المدى، قد تستغرق سنوات عدة وتعتمد على تكتيك المراوغة والمماطلة والشد والجذب إلى أبعد حد ممكن.
ولعل الغموض الذي أحاط الهدف الحقيقي من إنشاء الجدار -علما بأن الأميركيين هم أول من قام بتسريب النبأ لوسائل الإعلام- يبين وعلى أكمل وجه مغزى اعتماد هذا النوع من التكتيكات المضللة.
لقد كشف الجدل الذي دار على امتداد أسبوع كامل بين رئيس الحكومة وبعض قادة الخطة الأمنية من جهة وبين رئيس الحكومة والأميركيين من جهة أخرى، أن الذين صمموا ونفذوا مشروع السور كانوا ولا يزالون يخططون لبناء سلسلة أسوار سوف تحيط الأحياء الشيعية والسنية على حد سواء.
ليست بغداد في إطار هذه الإستراتيجية سوى مرحلة أولى قبل الانتقال إلى مرحلة تعميم التجربة في العراق كله. ولذلك فلا معنى أبدا للشعارات التي يرددها بعض العراقيين والقائلة إن الجدار هو جدار عزل طائفي.
ويجدر بهم جميعا شيعة وسنة أن يكفوا عن رؤية الأحداث من منظور طائفي، وبدلا من ذلك عليهم التركيز على المخاطر التي تطاول وجودهم كجماعة بشرية.
وفي هذه الحالة، فإن البُعد الطائفي في مسألة بناء الجدار سيكون بعدا وهميا انصرفت إليه أنظار المحتجين.
2- إن تكريس مشاعر زائفة عن وجود خطر "وراء السور" يهدد هذه الطائفة أو تلك له أغراض متعددة ومتشابكة؛ لعل أخطرها إشاعة "ثقافة خوف" جديدة بين العراقيين يصبح فيها المحتل هو المخلص؛ بل والطرف الوحيد القادر على صد الخطر عنهم وتأمين حمايتهم.
والمثير أن بعض القوى والجماعات السياسية تروج اليوم، ربما من دون وعي كاف أو تدقيق ومراجعة؛ لمزاعم تقول إن العراقيين أثناء المداهمات أصبحوا يفضلون "أن يقوم الأميركيون باعتقالهم بدلا من أجهزة الشرطة والجيش" بدعاوى أن عناصر الشرطة تقوم بقتلهم بينما لا يفعل الأميركيون الشيء نفسه؟
ثقافة الخوف هذه هي لب وجوهر إستراتيجية بوش الأمنية في العراق. وعندما يصبح سكان بلد محتل تحت رحمة هذا النوع من الثقافة؛ فإن القبول بفكرة العيش داخل "غيتوات- منعزلات" يصبح نوعا من الحل.
وهذا هو المغزى الفعلي والحقيقي للعبارة المريعة التالية التي رددها الأميركيون منذ اليوم الأول لتسريب نبأ إنشاء الجدار، ثم قيام حكومة المنطقة الخضراء بتبرير ذلك: "جدار الأعظمية تم بموافقة السكان وبرغبتهم ومن أجل مصلحتهم في التخلص من خطر الإرهابيين؟"
3- في خضم الجدل الصاخب ثم الارتباك الذي ساد أوساط الحكومة والسياسيين والكتل البرلمانية حول مبررات وجود سور الأعظمية، وأخيرا مع إعلان قادة جيش الاحتلال الأميركي تراجع الحكومة عن رفض الاستمرار في البناء وانتقالها إلى الموافقة الرسمية والعلنية على مواصلته، اتضح بجلاء أيضا أن هناك من يدير دفة النقاش برمته في الخفاء ومن "وراء ُجدر" بحيث تم حصر المسألة برمتها في هذا النطاق وحده من أشكال الخطر.
وفي هذه الحالة سوف يختفي "خطر الاحتلال" ويحل محله خطر الخوف من آخر "شيعي أو سني". أي تحويل الخطر إلى خطر عراقي خالص، صادر عن السكان تحت الاحتلال أنفسهم وليس عن عدوهم. وفي هذه الحالة سوف يصبح العدو "كأنه أخ حميم"؟
4- إذا ما انصرفت أنظار العراقيين المحتجين على بناء الجدار العازل ومن دون تبصر إلى البُعد الطائفي، وراحوا يركزون عليه في تظاهراتهم الاحتجاجية وفي نقاشهم السياسي وكأنه الهدف الحقيقي والوحيد أو كأن سبب إنشائه هو مواجهة "كره الطائفة الأخرى لنا"؛ فإنهم في هذه الحالة سيغرقون أكثر فأكثر في أوحال معركة وهمية ضد عدو وهمي.
إن خلق عدو وهمي "في ما وراء السور" إستراتيجية أميركية كبرى ليس العراق فيها سوى جزء صغير وحسب ستجري فوق أرضه عملية اختبار ميدانية واسعة النطاق لقياس رد الفعل لا عند السكان في هذا البلد المحتل وإنما في بلدان أخرى مجاورة عربية وغير عربية، تسترق السمع هي الأخرى "من وراء جُدر" إلى الجدل الصاخب الدائر بين العراقيين بين مؤيد ومعارض.

إنه نقاش غريب ومثير يدور حول عدو وهمي لا خلاص منه إلا في العيش داخل "غيتو".
5- ليس هذا العدو الوهمي سوى العدو نفسه الذي خلقته الولايات المتحدة الأميركية وأطلقت علبه اسم "الإرهاب". وهكذا ومع انتشار ثقافة الخوف من آخر (سني، شيعي) يصبح الإرهاب نفسه خطرا محليا تقع مسؤولية مواجهته لا على الدولة الأعظم في العالم بل على سكان كل بلد ومهما كانت ظروفه وأوضاعه.
وفي هذه الحالة أيضا فإن الحل الوحيد هو قبول السكان، وربما ترحيبهم بإنشاء "غيتوات" إضافية في كل حي وشارع ومنطقة.
ذلك ما يفسر سبب ترحيب بعض قادة الائتلاف الشيعي (خصوصا رجل الدين جلال الصغير) بهذا النوع من الحلول المريعة.
وبالفعل فإن تركيز قادة الخطة الأمنية ورئيس الحكومة والسفير الأميركي، وحتى بعض القادة الميدانيين الأميركيين على أن الهدف من إنشاء جدار العزل العنصري هو "حماية سكان الأعظمية من الإرهاب والإرهابيين" لا يندرج إلا في هذا السياق.
أنتم ونحن نواجه عدوا مشتركا "في ما وراء السور" يكرهكم ويكرهنا! والآن تفضلوا وعيشوا داخل "حاويات من الحجر" سنحكم إغلاقها عليكم لتأمين حمايتكم.
6- نظام (الغيتوات–المنعزلات) هذا ليس نظاما مصمما لعزل هذه الطائفة عن تلك أو هذه المنطقة عن تلك، كما أنه ليس مصمما لفصل هذا البلد العربي عن ذاك، فهذه أهداف صغيرة للغاية لا تثير اهتمام الأميركيين وفضولهم.
والحقيقة البينة أنه على الأقل في هذه المرحلة من البناء، مصمم لغرض إنشاء منعزلات محلية على مستوى كل قرية ومنطقة وشارع وحي سكني؛ قابلة لأن تغلق مستقبلا بواسطة بوابات إلكترونية ويتحكم فيها بوليس دولي يعمل تحت غطاء الأمم المتحدة.
وذلك ما يتطلب منذ الآن تقبل السكان لفكرة حمل بطاقات تعريف جديدة تؤمن لهم الدخول والخروج من شارعهم أو حيهم السكني. وفي مرحلة تالية من تطور بناء الجدار سوف يُرغم السكان في العراق ثم تاليا في كل بلد عربي على استعمال بطاقات إلكترونية ممُغنطة ومُبرمجة تؤمن لهم فقط حق الخروج صباحا والعودة إلى منازلهم داخل السور في ساعات المساء.
إنه عالم جديد يتحول فيه البشر إلى آلات مُستعبدة تحركها أوامر صادرة إلكترونيا.
هل تتذكرون جملة "الأميركيون سوف ينتحرون عند أسوار بغداد؟" التي أطلقها الرئيس الراحل صدام حسين أثناء الغزو الأميركي للعراق، وتوعد فيها قوات الغزو بمواجهة مصير محتوم هو الانتحار؟
لم تكن هناك أسوار في بغداد قط لا أثناء الحرب ولا قبلها. فهل كان الرئيس الراحل عندما وقف ليقول لشعبه إن الغزاة سينتحرون على أسوار عاصمتهم يتخيل مجرد تخيل أن معركته الأخيرة سوف تُخاض عند "بوابات" وهمية وأسوارِ لا وجود لها؟ أم أنه كان يتوقع قيام الأميركيين ببناء أسوار من هذا النوع، وأنهم سوف يواجهون تحت حجارتها العملاقة مصيرهم المحتوم؟
إذا لم يكن الأمر كذلك وهو لا يتعدى نطاق المصادفة وحدها، فهل يحق لنا التساؤل عن مغزى هذه المصادفة؟ ولماذا تخيل أصلا أن في بغداد أسوارا عملاقة سينتحر تحت حجارتها جنود يائسون من اقتحام "القلعة"؟
القليلون فقط، ربما يتذكرون هذه الجملة، وقلة منهم سيخطر لها أن تربط بين سور الأعظمية العظيم وأسوار بغداد؟ في كل الأحوال لن يكترث أحد لا بالأمس ولا اليوم بهذه النبوءة حتى لو صحت. ولكن الجميع مع ذلك سيشعر بالفزع من فكرة تحققها.
لقد انصرفت أنظار بعض المحللين أثناء الغزو إلى أن المقصود منها الإشارة إلى بوابات بغداد القديمة. بيد أن كل ما يتذكره العراقيون عن "أسوار وبوابات بغداد" التاريخية (الأثرية) لا يكاد يتجاوز المعلومات المدرسية الشائعة لأن هذه الأبواب صارت أثرا بعد عين ولم يبق منها شيء يُذكر.
بعض العسكريين العراقيين مثلا (وبعض العرب كذلك) وفي إطار تفسير النبوءة، ارتأوا –آنذاك- أن المقصود من إطلاقها الإشارة إلى مداخل بغداد العسكرية، وأن هذه المداخل ستكون على نحو ما أشبه بالبوابات التي سوف يقتل أو يموت عند أسوارها كل من يجرب اقتحامها؟
لكن ومع دخول الاحتلال عامه الخامس، وبينما يتصاعد الجدل داخل الولايات المتحدة الأميركية حول موعد الانسحاب نهائيا من هذا البلد التعيس؛ فإن على العراقيين ومهما كان رأيهم بنبوءة صدام حسين أو موقفهم من فترة حكمه، التفكير جماعيا بخلاصهم من كابوس العيش داخل "غيتوات" لها بوابات ألكترونية رهيبة سوف يتحكم فيها اليوم جنود؛ وفي المستقبل ستحكم بها من "وراء السور" حراس آليون، من ذاك النوع الذي تخيله مؤلف رواية 1984.
إنه نوع جديد من "الحكام" ونوع جديد من الحراس لأجل نوع جديد من العبيد

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker