Articles to read...

Monday, October 22, 2007

رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج4

* جعفر والمسؤولين :
أ.د. علي عطية عبد الله
المعروف عنك يا أخ جعفر، على الأقل ظاهرياً، إنك لا تتسم بالعدوانية، كنت لا تقبل أو لا تؤيد أن ينقد النظام السابق وتبرر له بأسلوب علمي. أتذكر محاضرتنا عن الطاقة وتحديات القرن الحادي والعشرين في مؤتمر المجمع العلمي الموسوم ((العراق وتحديات القرن الحادي والعشرين)) وكنت يومها رئيس الجلسة وذلك في 15/11/2000م. وحين وصلنا إلى نقد النظام في برامجه للطاقة وبدأنا نعطي بيانات دقيقة تدخلت بإنهاء الكلام ولم ينته الوقت المحدد، وعقبت بكلام غير علمي بأن الطاقة النووية تركها العالم وأدَخلْتنا مع الشهيد خالد إبراهيم زميلك في البرنامج النووي في حوار شعر الناس إنه بين علي عطية غير المؤيد للنظام وبين جعفر وخالد مؤيداً النظام، والواقع نحن كنا نتحدث عن معطيات علمية موثقة وليس إنشاءً، وقبل أسبوع يؤكد المعتدي بوش إن على أمريكا تطوير قدراتها النووية في مجال الاستخدام السلمي لإنتاج الطاقة الكهربائية وتخليص أمريكا من الاعتماد على نفوط العالم. فلماذا اليوم تصب جام إنفعالك لا غَضَبك، لأن عهدي بك غير غضوب، على نظام كرّمك واعتز بك حتى وأنت في المقر الذي أحتجزت فيه مدة (19) شهراً في بداية الثمانين وللأسباب التي سبقت الإشارة إليها آنفاً، هل هو لمد جسور مع نظام الاحتلال اليوم في العراق نظام الطائفية والقهر والحرمان. أنا شخصياً لست على وفاق مع السيد الجزراوي ولي معه مواقف غير سارّة، وذلك موثق، لكن من العيب تعييره كونه ذا خلفَية اجتماعية فقيرة ونائب ضابط متقاعد قبل 17/7/1986 فكثير من السياسيين هم هكذا، فلِنْدِنْ جونسون مثلاً رئيس أمريكا 1963-1969 كان صباغ أحذية ... ومع ذلك لماذا كنت تؤدي له التحية أيام زمان وتفتخر بلقائه أيام زمان، ومنْ منا كان والده وزيراً غيرك وذا ثراء كبير بدون حسد، والله يوفقك... فيا أخ جعفر هذه سنة الحياة وأمامك إبن عمك، كما يدعي، الأخ نعمان فوالده درويش بسيط من عامة الناس كما هو يروي وأنا أعتذر من القارئ للخوض في ذلك لكن ما طُرح اضطرني إلى ذلك وهو كلام من الأخ جعفر لا علاقة له بموضوع الكتاب فالجزراوي كان ضمن القيادة وكلّف بالإشراف على عمل يحيط به موقف سياسي دولي... فاجتهاده يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب لكن العتبَ هو على المستشارين العلميين وفي مقدمتهم مؤلفا هذا الكتاب... أكرر أنا لست بصدد الدفاع عن أحد سواء أكان عضواً في القيادة أو القيادة ذاتها، لكني أرى منْ لم ينقد ويخلص في نقده للقيادة يوم عزها فلا عدلاً ولا خلقاً أن تذمّ وهي في وضعها الحالي، فالمطلوب أن يركز على واقع البرنامج النووي وما حلّ به وأن تطلب الأمر بيان الإعاقات فتذكر بأدب دون مسّ بأحد ... فأنا أومن بالقول الحكيم :
إذا كنت غير قادرٍ على نقد إنسان أيام
قوته فعيب أن تجرحه أيام ضعفه

تلك هي شيم وقيم العرب، كما أن القرآن الكريم يدعو إلى عدم اللمز بالألقاب والتنابز بها... فالرئيس صدام والسيد طه الجزراوي ورفاقهم في القيادة كانوا قادتكم وأعزوكم واحترموكم جميعاً اعتقاداً منهم إنكم علماء فكرموكم...

إن مَنْ كان على احتكاكٍ أو تماسٍ بعملكما ليس كمن سمعَ أو يسمع اليوم، فالبرنامج النووي ليس بخافٍ عنا نسبياً، وبعضنا يعلم وعلم. بل وكان مطلعاً على بعض مجريات الأمور في عملكما وزملائكم الآخرين الذين ذكروا في كتابكم للتذكير أو على أساس إسقاطِ فرضٍ ... فالرئيس صدام حسين يا جعفر كرّمك خارج إطار المستوى المعقول وصُوَرك في الكتاب تؤكد هذا القول، ولو لا أنك تعتز بها لأنها من صدام لما وضعتها في متن الكتاب، ونحن العراقيين من أقرانك على علم بحقيقة تلك الأوسمة والأنواط والجوائز والمخفي أعظم... فمِنْ حقنا نحن أن ننقد الرئيس صدام، لكن بأدب، على ما كان يفعله بوسائل وصيغ تكريمه مما أفسد الناس وبث في نفوسهم الحقد والحسد وشراء الذمم، ولم يصغ للمخلصين حقاً، أما من عاش في حضن العز والتكريم والألقاب فوق مستوى الحقيقة، فلا يجوز له اليوم، أدباً كذلك، التطاول على ولي نعمته المادية والمعنوية ... وأعوذ بالله من تكرار ما أقول، لكن قولي هو للاضطرار ... لقد إنتقدتُ عمل الرئيس صدام في 9/7/1991 وبشدّة، وكنت يومها مديراً عاماً للهيئة العربية للطاقة الذرية، ولم أخشَ فقدان منصبٍ أو عقابٍ شديدٍ، وذلك موثق في مذكراتي التي ستطبع إن شاء الله، ورغم دفاعي عن العراق ضد عدوان 1991 ووجود الأجنبي في الخليج العربي فكنت أشير إلى الخطأ الذي ارتكبته القيادة، وقد أجابني صدام بكتاب رسمي إعترف بصحة أرائي ووعد بدراستها، لكنه غرق في خضم الأحداث التي سحبته إلى خطأٍ أكبر، وهنا عدت للعراق في 30/3/1993 وقررت الابتعاد عن كل مسؤولية خارج إطار عملي كأستاذ في الجامعة.. فلماذا يا زميلي تنساقان عاطفياً أو تحت وطأة خلفيات مضى عليها بين (40-45) عاماً، فتسخرا من البعث ومن الرئيس صدام وكنتما أعزاء مكرمين فاتقيا الله في أقوالكما وسردكما للأحداث، فالناس عليها الظاهر، لكن بعضنا يعلم الظاهر والباطن في سريرتكما، لكن اعتقاده بتطور الأفكار والمعارف والمفاهيم تقنعه بأن الإنسان قادر على تجاوز أمورٍ صنعتها أحداث غير طبيعية.
قصة التفتيش الدولي وحقيقة الموقف من العراق :

يعلم كل مثقفٍ أو سياسي أو مفكرٍ يتابع الأحداث الدولية منذ حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، إن العراق وضع تحت احتمالات عِدَّة، وعلى وفق تقارير لمراكز أبحاث ستراتيجية أمريكية وغير أمريكية، وهي :
1- أما احتواء العراق بوسائل ضغط سياسية واقتصادية والعراق في ذلك الوقت لا علاقة دبلوماسية له مع أمريكا.
2- أو وضع خطط لتغيير النظام.
3- أو إيجاد حالة تضعفه وتجبره على الرضوخ للسياسة الأمريكية لحين التمكن من تغييره.

وقد جُرِّبتْ جميع تلك الاحتمالات وصولاً إلى إسقاطه نتيجة سوء تقدير بل خطأ جسيم، للقيادة ممثلةً بالرئيس صدام حسين وقد تابع الأمريكان احتمالاتهم وربطوها تسلسلاً حتى حققوا أهدافهم اليوم ولو مرحلياً، لأن الشعب العراقي الرافض لهم سيطردهم ومن جاء معهم حتماً بإذن الله.

إذن موضوع السلاح النووي وغيره مما يدعى بسلاح التدمير الشامل هو نهاية مطاف تطبيق الاحتمال الثالث وساهم السياسيون والعلميون العراقيون ذوي العلاقة بتعبيد الطريق للأمريكان للوصول إلى غايتهم المخطط لها مع الأسف.

تلك مسلمات يلتقطها كل من له دراية وإدراك ووعي سياسي، لذا فعنوان كتاب زميلي الاعتراف الأخير يفضل أن يعنون بالاعتراف المتأخر الذي أضر بالعراق وساعد العدو على تنفيذ أغراضه .. لكن الزميلين المؤلفين يبدو أنهما أرادا تسجيل مذكرات ليؤرخا لنفسيهما ويرميان بحقيقة أخطاء البرنامج وأخطاء التعامل مع المفتشين الدوليين على أناس هم اليوم بين شهيد وبين من ينتظر الاستشهاد، وهو سلوكٍ غير إنساني، فالزميلان كما زملاؤهما الآخرون تصرفوا خطأً أو قصداً، الله أعلم، مع الموضوع بحجة الخوف من فلان أو علان، ولم يقدّروا حقيقة ما سيترتب على سلوكهم هذا ...

والحق هو أن برنامجهم لا زال بعيداً عن أية نتائج فاعلة لتحقيق الهدف كبعد القمر عن الأرض بالقياسات النسبية، فجميع الخطوات أولية، ولو أدركوا وهم على علمٍ وتماسٍ مع قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالأخص رئيس المنظمة العراقية للطاقة الذرية وقتها السيد همام عبد الخالق عبد الغفور وهو إداري جيد، كما يعترف المؤلفان، لاعترفوا بكل ما لديهم للوكالة متمسكين بقرار رقم (450) للأمم المتحدة عام 1981 بعد العدوان الصهيوني على مفاعل تموز (1) في التويثة، حيث بإمكان أيّ دولة إنجاز مشاريع دون إعلام الوكالة عند حالة التجريب ثم إعلامها عند الإنتاج، وعملياً إن البرنامج النووي العراقي كان في أبسط مرحلة تجريبية، وهذا قول هانز بلكس المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم التقيته في 19/9/1991في فينا على هامش إنعقاد المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبحضور عدد من مستشاريه ... وحين طرحت عليه عدم حيادية الوكالة تجاه ضرب مفاعل 14 تموز القديم وأن المعهد مخصص للأغراض السلمية كان جوابه :
1- أن المعهد كان عمله سلمياً أيام إدارتك (يقصدني) أما في زمن جعفر (؟) فهو ليس سلمياً...
2- لقد طلبتُ (بلكس) من عبد الغفور (يقصد همام) أن يُقدِّم كل ما لديهم بشأن البرنامج وسأكون (بلكس) بجانبهم على وفق ما ذكر أعلاه...
3- إلا أن عبد الغفور وجماعته لم يفعلوا ذلك بل كلما ضغط على العراق قدموا جزءً ففقدوا المصداقية. وهذا ما حدث عملياً.

وأنا شخصياً تناولت الموضوع في الصحافة بشكل توضيحي لكن ليس من مجيب!!.

وجميع العاملين في البرنامج وعلى رأسهم الأخ جعفر يدركون أن عملهم بدائي النتائج وإلا ما قيمة نصب بضعة فواصل والحصول على 3 ملغم يورانيوم بتخصيب 3% والهدف هو بضعة عشرات من الكيلو غرام بتخصيب 93% وكل شيء تجريبي والعمل بحاجة إلى آلاف الفواصل بتعقيداتها التقانية بالنسبة للعاملين حقاً على البرنامج ...

وقد خَرجْتُ من حديث بلكس أن العراقيين ارتكبوا خطأً جسيماً السياسيون منهم والعلميون القائدون للعمل ولو بقت السلطة الحقيقية للبعث لحاسبت هؤلاء حساباً عسيراً.

لكن، كما واضح من الكتاب، إن الزميلينْ جعفر ونعمان يضعان اللوم الكبير على عاتق همام وحسين كامل وطارق عزيز والجزراوي والرئيس صدام حسين .. وهما كانا مجرد أمعّة لخوفهما، كما يدعيان أو لظنهما أن القضية سحابة وستنقشع ويعود العز والتكريم لهما! فلماذا يفرّطان بذلك الوهم المبني على عدم وعي سياسي. لكن بعد الزلزال الكبير، كما أسميته في كتاب، سيرة وأحداث، المدون لسيرتنا الذاتية الذي سينشر بإذن الله، جاء الاعتراف الأخير وما ندري ما اعترفا به قبل ذلك ... وهل يبرئ هذا ذمتهما من الذي حلّ بالعراق العظيم اليوم! إن حديث زميلي العزيزين بأسلوب التناوب على طرح الأمور لا يعني أنهما أديا دورهما تجاه بلدهما فذنبهما لا يقل عن ذنب همام وذنب حسين كامل وذنب القيادة السياسية. إن عقوبة الذات أفضل من عقوبة شعب وسلب سيادته وتدمير وطنه، أرجو أن يعي القارئ ويعي المؤلفان إن هكذا موضوع لا يتحمله شخص ما فقط لمجرد إن الآخرين كانوا خائفين ...

يا أخ جعفر أتذكر قائد البعث وليس قائد العراق بنظرك كم كان يقدّمك على أقرب الناس إليه كقائد لمجرد أنه ظن إنك تحقق له طموحه وربما لأمور أخرى قد نخطأ بها دون مبرر، لذكرها، أتذكر يوم أرادك مديراً للهيئة العامة للكهرباء بدرجة وزير (وأنت كنت مستشاراً بدرجة وزير أيضاً) ولكن تآمر عليك زملاؤك في اللجنة الصناعية فاختاروا صلاح كزير وكنت حزيناً فرفعت مذكرةً للقائد العظيم، كما وصفته، في حينه تضع نفسك جندياً بين يديه! لماذا تغيرت الأمور وذلك كان في التسعينات، فرحت تسخر مَنْ وصفته بالقائد العظيم، وتنكر عليه كونه قائداً للعراق وليس للبعث فقط كما تزعم.. فلا يجوز يا جعفر اليوم أن تصفه بصفاتٍ لا تصح أن تصدر من ولدٍ مدللٍ إلى والدٍ تجاوز في حبه له حقوق الآخرين، وربما هو (الوالد) على حق من وجهة نظره فهل للتربية والبيئة والتقية دور في ذلك نترك ذلك لعلماء النفس.

* ملاحظة أخيرة –
هل يلتقي العلم بالسياسة ولماذا؟

إذا عرفنا أن السياسة هي فن الممكن للتعامل مع الأحداث لتطويعها لما هو في صالح الشعب والأمة، فالجميع سياسيون وكل حسب قدرته وفهمه وهدفه الذي يسعى للوصول إلى الحقيقة. فتوجيه الفكر والعلم لتحقيق غرض ما علمياً أو اجتماعياً يُعدُّ تسييساً للعلم وللفكر .. فهكذا توجه سياسة بناءة، أما أن يوجه العلم والفكر لتحقيق ما يؤدي إلى إيذاء المجتمع أو تدميره، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في 6 آب 1945 حيث كانت البادئ الأول في تسييس العلم لأغراض لا إنسانية، أما جنوح الدول الأخرى إلى هذا السلاح وغيره فهو خوف من الذي أصاب اليابان عام 1945م، لذا سعت بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي والصين والهند وباكستان للحصول على هذا السلاح بحجة الردع لعدوٍّ يتربص بها. والدول لا تستتب أمورها طالما كانت هناك مصالح أحياناً خارج إطار الشرعية، والعراق حين حاول كان له ما يبرر محاولته وسط أجواء العداء الأمريكي الصهيوني والعداء الفارسي بثوب ديني، لكن قيادته لم تكن في مستوى التحدي في هذا المجال، فتركت صبياناً يعبثون بمصير البلد ... لقد كان نظام الحكم نظاماً بعثياً كما هو مفترض ويقوده حزب له كل شرعية الحفاظ على نظامه لأنه يحاول بناء أنموذج للأمة، لذلك كان حريصاً على عدم حدوث اختراقات عدوانية فتزمَّتت أجهزة الأمن كثيراً، استغلت هذا الحرص لتركيز حالة حكم خاطئة بعيدة عن فكر الحزب ومبادئه وعقيدته كما يوضح ذلك أدبياته الفكرية.

إن سلوك الناس يتأثر كثيراً بالطبع ولا يتمكن التطبع تجاوزه، وقصة الطبع والتطبع نعرفها منذ الصغر .. فسلوكيات أمنية داخل المنظومة الحزبية أو داخل المنظومة الأمنية ليست بالغريبة بل هي حالة يتعامل بها دول العالم المشابهة للعراق، بل الدول الحرة، كما تدعي، تتعامل بها اليوم، لذا فإن سلوكاً حزبياً عند هذا أو ذاك أو سلوكاً أمنياً مِنْ هذا أو ذاك ضمن مسؤوليته لا علاقة لهما بعملنا العلمي ويحدث أحياناً حرصاً على الباحثين ضد عدوان المعادين ... وما وقع من أحداث يبرر ذلك!.

أما ما يطرحانه زميلانا جعفر ونعمان فلا مبرر له ولا علاقة له بعملهما عدا ما حدث لجعفر عام 1980 شهر آب فهو عمل مدان لكن كان لجعفر خطأٌ ارتكبه بالنسبة للجهاز الأمني. تم تجاوزه كما سبق ذكره.

والسؤال الذي يمكن طرحه على الزميلين هو : هل حاول أحدٌ على إجباركما للإنضمام للحزب؟ وهل هددكما على ذلك أحد؟ ألم تعملا برغبتكما في بناء الوطن ورغم تحطيم البرنامج عملياً فهناك علماء وتقنيون عراقيون تكوّنوا بقدرات عالية كان لهم دورهم في إعادة الإعمار بعد عدوان 1991 وبمدة قصيرة.. فليكن البرنامج ساحة أو ورشة عمل لبناء تلك القدرات. وكان لك يا أخ جعفر الدور الأساس في ذلك. إذن لماذا تحاولان التهجم على القيادة وعلى النظام وقد أتاح لكما كل فرص العمل ولم تتعاملا معه بشفافية صادقة.. فظن بكما ما هو ليس كما ظن ... فالأخ جعفر (أبو صادق) له جذور لبرالية وعائلته مشهورة في هذا النوع من الفكر اللبرالي وهو يحترم طالما لا يتجاوز على رأي وفكر الآخرين.. وعهدي به هادئاً متزناً لا ينطق كلاماً إلا بتأني بعد تنهيدة، فماذا حلَّ به وهو يهاجم البعث بسخرية لا ينقده بموضوعية، ويسخر مِنْ مَنْ كرّمه حتى الاسفاف وصوره في متن الكتاب دليل على صدق قولي هذا ...

تقول العرب إذا وكعَ الجملُ تكثر عليه السكاكين وليست أيُّ سكاكين, بل سكاكين عمياء تعذب المجنى عليه والعياذ بالله .. فهل أنتما من هذا الرهط الذي تصفه العرب !!.

أما أنت أيها الزميل نعمان قدرناك كل تقدير يوم كنت تعمل معنا وعلى لسانك أيام زمان، فقد وقعت في الخطأ وفي نكران الذات، أمام جعفر ووقعت بالخطأ ونكران الجميل أمامنا يا سيد نعمان النعيمي الحسيني، إن صدقت وثائق نسبك إلى النعيم أولاد عمنا نحن، فإن من ينتسب إلى آل البيت (عليهم السلام) عليه التخلق بأخلاقهم ومنها الصدق والتسامح، إن وقع عليهم أذى، مع الآخرين، فكيف تصرفت معنا وأنت لم يصبك منا غير العز والاعتزاز والاحترام؟ المهم ليس للقربى والأنساب، بشكل عام موقعٌ في قاموس تعاملنا مع الآخرين بل العمل والصدق والإخلاص دليل تعاملنا والشهود كثر عبر المرحلة (1969-1972)، فأسأل أهل الخبرة السابقة وأنت منهم إن كنت قد أصابك مرض الزهايمر لا سمح الله وأدام لك الصحة إن شاء الله .. وحيرتي أنك تهاجم من اعتمد عليك واحترمك ودللك واعتبرك ساعده الأيمن طيلة العمل معنا .. أهو نسيان وكل شيء موثق أهو كره ولم أذكر أيَّ إساءة صدرت مني تجاهك؟ أهو تملق لمرحلة ما بعدي، لكنك لست بحاجة إليها لإنك تعمل مع إبن عمومتك وصديق زمانٍ لك؟ خارج العراق اليوم!. لكن يا سيد نعمان النعيمي الحسيني لم أجد مبرراً لموقفك إلاّ شدِّك نفسك إلى عمق التاريخ (1958-1963). وهو تاريخ أسود لكننا تجاوزناه مع كل من آذاناً في حينه بل عينّا بعضهم في المعهد عام 1970، وأنا ما كنت في كلية العلوم طالباً يوم كنت أنت معيداً وزميلك الدرويش الآخر غازي حاملاً للدكتوراه حديثاً وهو معاون عميد لكلية العلوم عام 1959 وكان دوره قذراً في إيذاء البعثيين والقوميين والوطنيين الأحرار المناهضين للحكم الشعوبي القاسمي وللمد الشيوعي (آنذاك) الشعوبي ... ويبدو أنك كنت أحد عناصر هذا المد، رغم أنك عربي حسيني، فلم تتأسف على مجرم قاتل أعدم الضباط الأحرار كما سبق ذكره، والقصة معروفة.

ونحن تناسينا كل ذلك الإرهاب والظلم وفتحنا صفحة جديدة مع حتى أولئك الذين حاولوا إغتيالنا عام 1959، وأنت مع كل الاحترام الذي قُدّم لك ومع كل الامتيازات التي أسبغت عليك خارج إطار استحقاقك الحقيقي، لا زلت تحقد على كل بعثي وكل ما له صلة بالبعث، كيف إذن أنت عربي وهاشمي يا رجل.. بل كيف أنت مسلم وسيد والإسلام لا يجيز زعل المسلم على المسلم لمدة تتجاوز ثلاث ليالي، فكيف بحقدٍ نتيجة أحداث كان البعث مظلوماً فيها قبل (46) عاماً يوم كنت أنت والآخرين في عمر المراهقة أو الصبا ..

لقد لاحظت أنك رغم كل التكريم تتحسر على تكريم جماعة التصنيع العسكري وكان يهمك أكثر من حقيقة نتائج عملك..

غريب أنك وغازي درويش تتناغمان نفس النغمة فأنتما أعداء للبعث وله أسباب ذكرناها سابقاً ولاحقاً لكن كرهكما لإنسان احترمكما مثلنا وتكذبان عليه لم أجد مبرراً له إلا لكونه بعثياً، إذن أنتما تكرهان البعث كفكر قومي عربي يسعى لتوحيد أمة يفترض أن تفخرا بهما إن كنتما عرباً حقاً، أما سوء تصرف هذا أو ذاك من قادة البعث هو كما حال سوء تصرف قيادات أحزاب أنتما جزء من بعضها، فنحن اليوم في عام 2005 بالنسبة لصدور كتابكما ولا زال نعمان ودرويش يتذكران ما حدث قبل أكثر من 40 عاماً دون الاعتراف بسوء سلوكهما والأحزاب التي كانا يعملان تحت ظلها فلم يا نعمان لا تعترف أخيراً بذلك وتحترم غيرك أليس هذا من سمة المثقفين والمفكرين الحقيقيين لا الأدعياء ..
وأخيراً ((من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بحجرٍ ملوّثٍ)).

* الهيئة العربية للطاقة الذرية والبرنامج النووي العراقي ..

كما هو موثق فإن الهيئة العربية للطاقة الذرية ولدت في 17/8/1988 وهي نتاج مخاضٍ عربي غير جاد بدأ عام 1964 حين قررت القمة العربية آنذاك إتفاقية للتعاون العربي في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية كرد فعلٍ على قيام الكيان الصهيوني بتحويل مجرى نهر الأردن وتوقع العرب بأن الكيان الصهيوني يمتلك سلاحاً نووياً أو في طريقه لامتلاكه .. وقد أُنشئ مجلس علمي لمتابعة الموضوع في الأمانة العامة للجامعة العربية، وكنا نحضر بعض اجتماعاته في منتصف السبعينات، والعرب الرسميون كعادتهم في قتل طموحات الشعب العربي غطسوا في خلافاتهم خارج إطار مصلحة الأمة، لكن تحت ضغط بعض الأقطار العربية وعلى رأس ذلك البعض العراق العظيم .. ولدت الهيئة ولادة عسيرة، وفي 17/8/1988، يوم التأسيس، انتخب العرب الدكتور علي عطية عبد الله (أنا) مديراً عاماً لها، كما أشير في متن هذا التعقيب سابقاً، ولخبرتي بالعمل العربي المشترك وعدم جديته في قضايا أبسط من هكذا مشروع، توقفت عند ذلك وحاولت التهرب من ذلك، لكن ممثل ليبيا وممثل العراق وممثل سوريا وكذلك تونس الحّا عليِّ بالقبول والمباشرة. ومع ذلك لم أباشر إلا بعد مقابلتي للدكتور نوري المدني (الوزير الليبي آنذاك للبحث العلمي) وممثل العراق، رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية همام عبد الخالق آنذاك ووعداني خيراً، فالتحقت في 15/2/1989م... فكان دورنا ليس سهلاً حيث لا ميزانية ولا مقر ولا ملاك، أي نحن كنا مديراً عاماً مؤسساً لهكذا مؤسسة من الصفر .. هذه مقدمة لغرض التعريف بالهيئة ...

لقد كان جميع ممثلي الدول الأعضاء في المكتب التنفيذي في المؤتمر العام وعددهم (11) عضواً يتابعون ما كان يقوم به العراق في برنامجه النووي كقاعدة علمية وتقانية في العلوم النووية أملين له النجاح والتقدم، وكان هدف الهيئة هو العمل على توطين العلوم النووية وتقاناتها في الوطن العربي وقد نفذت خطة لأربع سنوات وضعت أسس ذلك بفخر واعتزاز، ولعلاقتنا الوطيدة مع زملائنا العاملين في البرنامج النووي العراقي ومنهم الزميلان جعفر ونعمان، وكنت ألتقي مع الدكتور جعفر بناء على طلبه أو بناءاً على رغبتي في إبداء المساعدة في المجالات المتاحة لنا، ورغم أن الأخ جعفر كان يبدي الرغبة في أن نساعده لكنه كان يغط في سباته ولم يفصح عما يريد أو يتحرك إتجاهنا بالذي يرغب أن نساعده فيه، ربما لأن قيادته السياسية لم توافقه، لكنه لم يبلغنا حتى باعتذاره. وحدث هذا أيضاً معي عام 1986 يوم كنت مديراً لإدارة العلوم والتقانة في مكتب التربية العربي لدول الخليج في الرياض، وكان شخصاً غير جعفر المتصل بنا .. قصدي هنا أنني لم أكن بعيداً عن ما كان يعانيه الزملاء، لكن عتبي عليهم جميعاً هو عدم شفافيتهم تجاه القيادة السياسية، كما ذكرت ذلك في أكثر من فقرة سبقت. وحين وقع العدوان الغاشم على العراق بسبب سوء تصرف قيادته أو نتيجة وقوعها بفخ الأمريكان، وأصبحت أجهزة ومعدات البرنامج النووي العراقي تحت طائلة التحطيم والتدمير، اجتهدت كمدير عام للهيئة وكمتخصص في العلوم النووية ظاناً أن هناك عقلانية في التصرف سواءً من قبل المعتدين ومعهم الحكام العرب أو من قبل القيادة السياسية في العراق، فبعثت بمذكرة في 10/7/1991 إلى الملوك والرؤساء والأمراء العرب أدعوهم فيها إلى العمل على الحفاظ على تلك الأجهزة والمعدات ونقلها تحت إمرة الهيئة أو إلى بلد عربي يطمئن له العدوانيون، كمصر مثلاً، لاستخدامها قومياً ووفق برنامج واضح تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعثت نسخة إلى الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، وقد تناقشت معه في الأمانة العامة في القاهرة وأبدى حرصاً لكنه كان عاجزاً وأوضح بأن ليس هناك حاكم عربي يستطيع تبني هذا الطلب، فالأمة لا حول لها ولا قوَّة وإن القيادة العراقية وضعت العرب في مأزق لم يحسدهم عليه أحد.

أنا أذكر ذلك للتاريخ، وكل شيء موثق وبسببه حدثت أحداث أساءت لنا من قبل دول عربية هي بالأساس معادية لكل عمل قومي جاد، وقد قلنا ذلك بصدق وإيمان وتحملنا المسؤولية، حيث لم ننتخب للدورة الثانية ولا إشكال شخصي لنا في ذلك، إذن يا زميلي جعفر ونعمان من لا يريد شيئاً لا يجبر عليه أن الحل في يده وإن قبله وعمل به لا يلوم غيره بهذا الأسلوب الذي تذكرانه في كتابكما هذا .. المهم حسن النية ولكل امرئ ما نوى.
والله من وراء القصد ...

* أ.د. علي عطية عبد الله
إنتهى

Labels:

رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج3


* قصة البرنامج النووي العراقي
(1983-2003).

يشير الكتاب إلى أنَّ العمل الجدي ! في برنامج نووي بناءً على توجّه القيادة السياسية قد بدأ عام 1983 ولظروف العراق آنذاك على المستوى الدولي والإقليمي كان للقيادة رغبة في بناء قوة عراقية عربية رادعة ووجدت عنصر الأسلحة النووية أهم عناصر تلك القوّة.. لكن البداية في هذا المجال لم تكن على قدر من الوعي والمسؤولية، وعلى المستويين القيادي والعُلمائي، فالقيادة متسرعة دون إدراك لما يتخذه ذلك من زمن لبلد لا قاعدة علمية ولا قاعدة تقانية له ولا مستوى متقدم من الصناعة والتصنيع، ولم يشعر العلماء والتقانيين بالمسؤولية بتوضيح صعوبات الوصول إلى مستوى إنتاج السلاح النووي بهذه السرعة التي يريدها القياديون السياسيون، فبدءوا العمل من ألف باء العلوم والتقانة وتحت ضغط غير طبيعي، فكان الأجدر أن يعملوا بهدوء وروية في حقل التخصيب على أساس الحصول على وقود نووي للمفاعلات الموجودة أو المزمع إنشاؤها وبعلاقات هادئة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. لكن ذلك لم يتم وحيث أن القيادة السياسية كانت عجلة وأن العلميين والتقانيين كانوا يتبارون لكسب ود القيادة ومكرماتها التي بها ظنت ستحقق طموحها من أناس لا خبرة لهم ولا رغبة (كما يبين جعفر ذلك)، وأهم عنصر في البرنامج وهو جعفر (كما يصور ذلك الكتاب) كان قد أوقف وحجز لمدة (19) شهراً فكيف سيخلص علاوة على خلفيته العلمية في مجال البرنامج.. ومع ذلك فهو عملياً كان أفضل العاملين علمياً ... ويبدو أن العمل وزع على مجاميع ذكرها الكتاب G1 وG2 وG3 وG4 وهناك مجموعة الدراسة النظرية المكلفة بتصميم القنبرة النووية!!، وكان النفاق والشغب والتملق أمام القيادة على أشده بين مجموعة التخصيب ومجموعة التصميم، ومسؤول مجموعة التصميم، خائن الوطن، خضر عبد العباس حمزة في كتاب له ساعده في تأليفه أحد منتسبي المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وبعنوان صانع قنبلة صدام، وهو الآخر مليء بالكذب والافتراء لإرضاء أسياده الأمريكان، يقول أن جماعة التخصيب برئاسة جعفر ومساعده نعمان ما كانوا جدّيين فتلكئوا في عملهم فأخّروا إنتاج السلاح في وقته المبرمج!! كما يدعي وهو مظلل.

يذكر الكتاب المعقب عليه على لسان الأخ جعفر (صفحة 65) أعيد تشكيل لجنة الطاقة الذرية العراقية تحت أسم منظمة الطاقة الذرية وأعضاؤها جميعهم من المنظمة ومنهم جعفر نفسه فإذن جعفر لم يُجبَر على العمل بل هو أساس وفاعل فيه وبرغبته.

أما الزميل نعمان الذي يدعي أنه رجع للوطن والعمل في البرنامج حباً بجعفر وحباً بالوطن، وجعفر يقول أنه طلب مِن نائب رئيس اللجنة همام عبد الخالق أن يدعو السيد نعمان للعمل في البرنامج كونه كيميائياً مرموقاً، وهو كذلك، على أن يطلب من رئيس الجمهورية تعيينه بدرجة مستشار وإقناعه بالعودة، فأين الحب يا نعمان؟ واضح أن نعمان كان يريد أن يكون عند مستوى الحصول على المكافأة والمكارم والامتيازات التي بدأ الرئيس صدام يغدقها على تلك المستويات لتقديرات خاطئة منه. أما استغراب الأخ جعفر وزميله نعمان وأحياناً استهزاءً بأن رئاسة اللجنة كانت أما من قبل النائب صدام أو من قبل النائب عزة إبراهيم حين أصبح السيد صدام رئيساً للدولة وللحزب، فإن هذا الربط ربطاً معنوياً لكي يضع المنظمة في مسؤولية الدولة المباشرة قصداً للدعم والدفع ... وهذا شأن عام عند معظم الدول .. فلا أحد يظن ما لعبه أو سيلعبه الرئيس هنا على مستوى التخصص .. فذِكْرُ هكذا شأن لا مبرر له لكن تُظهِرا وكأنه شلَّ عملكما هذا النوع من الربط، إنما مشكلتكما هو بما حصل من مزايدات من مجاميعكما ونفاق بعضكم على بعض طمعاً بالتكريم، فوقعت الواقعة يا جعفر ونعمان، فبدأت مسرحيةٌ جديدة كثر كتّاب النصوص والمخرجون فيها وفقد الممثلون توازنهم، فأختلط الأمر على الضحايا من العاملين بإخلاص خلف الستار ... وكانت القيادة السياسية غارقة عام 1983 في مشكلة العدوان الإيراني على العراق، وفي خضم هذه الأجواء فُقِدَ ما هو جاد بما هو هازل، وكنا نراقب ذلك وننصح بالصدق مع النفس ومع القيادة، لأن أيَّ خطأ جسيم سيضر بالوطن قبل أن يضر بالقيادة ذاتها.. لكن المنافع الذاتية والخلل بالإخلاص عند البعض لخلفيات بدءوا اليوم يتحدثون عنها، جعلت هذا البرنامج يتحول إلى مسرحية تراجيدية أحياناً وكوميدية أحياناً أخرى ...

أما الحديث عن القضايا الأمنية بشكل عام فهي طبيعية في مؤسسة هذه مهماتها وتوجهاتها، وفي جميع دول العالم هذا هو الحال في مثل تلك المؤسسات ولكن قد يختلف أسلوب التعامل، لأن ذلك يعتمد على مستوى الوعي الثقافي في الإدراك العقلي لعناصر تلك الأجهزة الأمنية، وكمثال نعرفه جميعاً في بريطانيا وأمريكا وفرنسا وأنا شخصياً زرت بعضها تحت ضوابط أمنية لكنها واعية، ويوم أردت زيارة مختبر أرغون الوطني في شيكاغو في أمريكا منعت رغم إني أحمل كتاباً من جامعتي التي هي عضو مشارك فيه، وذلك موثق... فلا يجب خلط الأوراق والتدليس بهكذا أمور ... أما الحديث عن الحزبيين أنهم يرفعون معلومات عن العاملين فهو شأن حزبي يرتبط بأمن المؤسسة أو أمن الحزب والدولة، واليوم نرى ما تفعل أمريكا وبريطانيا حيث حتى التلفونات يتنصت عليها، وسفاراتها تعج بعناصر ترفع المعلومات حتى عن البلد الذي تحتله عدواناً... وما يجري اليوم في العراق تجاوز كل ما تتحدثون عنه بمراحل، فإنك تنتقد وتتحدث فلا مَنْ يعيرك أهمية، ثم يأتي إليك ملائكة ما بعد منتصف الليل ليأخذوك ويعذبوك حتى الموت ويلقون بك في مبازل الرستمية أو النهروان. كل شيء نسبي وهو في كل دولة يأخذ مستوى ينسجم مع حال الدولة وطبيعة العاملين رغم عدم إنسانية العمل.

فإذن حقاً لا مبرر لذكر ذلك فهو معروف وليس في مؤسستكم فقط، بل هو أشد في تلك المؤسسة بسبب طبيعة عملها .. فكان الأفضل أن يقتصر كتابكما على الجوانب العلمية والتقانية وبأسلوب موضوعي، لا إدعائي يخدش الآخرين ويغمط حقوقهم مهما كانت متواضعة، فكيف إذا تجاوزتما عليهم ظلماً وحقداً وبخاصة زميلنا السيد نعمان المصارع الرديف .. ويطرح بعض الناس القول أن بعض زملائكم اغتيلوا في فرنسا وغيرها لكنكما وأنتما الأعلون، كما يُظهر الكتاب، لم يحاول أحدٌ حتى التحرش بكما ولو عن بعد، وأنا الذي ما كنت معكم بل في الجامعة جرت عدة محاولات لإيذائي أو قتلي وأخرها في 18/4/1984 في فندق حياة ريجنسي في نيس جنوب فرنسا وكانت مرة بالإغراء ومرة بالعدوان المباشر على غرفتي وذلك موثق.

عليه فإن ما تتحدثان عنه من أمور سيرة ذاتية مشوشة وغير دقيقة أحياناً ونشر صور لكما يبين عزكما أيام قائد البعث!! وليس قائد العراق كما تسخرون منه في أكثر من موقع، ليس علمياً في الحديث وفي المنطلق، وأنا شخصياً لي موقف ضد سياسات الرئيس صدام حسين العلمية وتدخله في أمور فنية أخطأ فيها كثيراً وحضرتك يا زميل جعفر أحد أبطال تلك التداخلات وتزهو بها وأنت واقف بجانب القائد الضرورة! الذي وجدته اليوم ما كان ضرورة!!. فرحم الله إمرءً صدق مع نفسه ومع الآخرين ومع الأمانة التي حُمّل بها. وإيغالاً بالحقد على ولي نعمتك الوجاهية والأبهية والمادية، رغم إنك ليس بحاجة للمادة، تذكر قصة الشيخ الحكيم مع معاوية، وأنت لا تخاف من ذكر معاوية في العراق الجديد، فلماذا لم تكن كذلك الشيخ وتنصح قائدك وتريح ضميرك، أو تصمت اليوم إحتراماً لعلاقات سابقة أو شربة ماءٍ أو قهوة معه أو أنواط وأوسمة وجوائز تحملها في عنقك وعلى صدرك اليوم تذكرك بمجده وعزك معه.. نذكِّر بقول الشاعر مرةً أخرى دون تدوينه إحتراماً لإحساسكما رغم عدم إحترامكما لإحساس الآخرين!! أنا هنا أيها القارئ الكريم مضطرٌ للتعقيب على هكذا أمور لأن المؤلفينْ غطيا حديثهما بذلك وبتكرار ممل. وهما يتحدثان عن برنامج نووي ذي طبيعة علمية وتقانية ...

أمّا نقدكما، يا زميل جعفر، للسيد خضر عبد العباس حمزة، وكنت أنا الذي عينه في المعهد عام 1970م وهو ذو مستوى علمي مرموق لكنه فضُّ القلب نافر للآخرين بسبب خلفيته البيئيةُ البيتية، وكان هدفنا الإفادة منه للمساهمة في تحليل النتائج التجريبية للمجموعة النووية وليس مجرد نشرها كأرقام وبيانات ورسوم. لكنه بإنتهازيته المادية والوجاهية ترك عمله الأساسي وراح يفتش له عن موقع بعد تركنا العمل في 22/7/1972، ولا أريد أن أنسى المجلة (الذرة وتنمية المجتمع) التي أصدرتها أنا وعينت خضراً مشرفاً عليها وأحمد آل جميل سكرتيراً لها، لكن تلك كانت ضمن برنامج توعوي للناس بشأن أهمية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية التي كان المجتمع بأمس الحاجة لفهم ذلك ..

وأنا اليوم أراه خائناً لوطنه ولأمته كما ذكرت سابقاً، ولكن ليس فيكم من هو أعلم منه في حقل تخصصه. وأنا أعرفه منذ أيام الدراسة الجامعية وتخرج قبلي بسنة وكان الأول في سنته وبدرجة شرف، كما كنت أنا كذلك عند تخرجي، ولكن أيضاً لحقده ونكرانه للجميل يقدحني لأني كنت مهتماً بالبعث، وكان ذلك في الأعوام 58 و59 و60 و61 أيام المد الشيوعي القاسمي الشعوبي، يوم عز درويش والنعيمي، ومحاربتنا، ومع ذلك كنّا أوائل وبدرجة شرف، ولكن حرمونا من التعيين في الجامعة لأسباب يعرفها النعيمي وزميله الدرويش أيام عبد الجبار عبد الله وعباس الصراف، كل ذلك نسيناه واحتضنا من حاول الاعتداء علينا وهم أحياء يرزقون، لكن غيرنا لا ينسى ما حدث عام 1963 ويتجاوز على ما حدث عام 1968، كل ذلك يعتمد على الأصل وعلى التربية. كما قلت كان ذلك ضرورة للرد على الافتراءات غير المبررة على الآخرين بعيداً عن حقيقة البرنامج وسيرته العلمية والتقانية.

يا زميليَّ العزيزين من يقرأ ما كتبتما بشأن البرنامج يتوصل إلى أنكما بطلا المسرحية نصاً وإخراجاً وأداءً والباقون ردّادون، يعملون ما تجود به قريحتكما كالببغاء تردد قول من يحاكيها. ولا أظن ذلك إنصافاً.. إننا نعلم رجالات البرنامج معكما وبعضهم زملاء لنا يتذكرون دورنا في بداية السبعينات بفخر لا بتجريح كما يحاول الأخ نعمان ذلك عبثاً أو حقداً لم نجد له مبرر غير خلفيته السوداء أيام المد الشيوعي القاسمي الشعوبي آنذاك.

أيها الزميلان العزيزان إن من يقرأ بين سطور كتابكما هذا يجد دوركما في فشل البرنامج وعدم جدية العمل والابتعاد عن قول الحقيقة فتتحججون بالمتوفى حسين كامل كونه نائب عريف أو مفوض شرطة لكنكما عملتما تحت إمرته وتركتما زميلكما همام الذي هو ليس بأفضل مستوى منه، وأنتم تتندرون به وبشهادته في جلساتكما الخاصة، لكنه كان يفيدكما بالحصول على المكرمات والجوائز، وقطع الأراضي والأوسمة والأنواط ... وهنا يحق للسائل أن يسأل كيف أخلصتم العمل تحت قيادة إنسان تصفوه بأحط الصفات؟ وهل صدق من قال من بينكم أنكما كنتما تتمنون الخلاص من البرنامج، لأن حبل الدجل قصير، فأنقذتكما عاصفة الغدر والخيانة ...

أما ما تذكرانه بأن الاستبداد والتعسف لم يساعداكما على قول الحق للقيادة فسببه :
1- دخولكما اللعبة ابتداءً لأغراض مادية ووجاهة ولم تتصورا تطور الأمور السياسية في العراق وربما لكما تحليلاتكما بشأن الوضع وما سيؤول إليه فبعضكما له اتصالات جيدة مع أوساط دولية ذات سمعة تحليلية للأمور الدولية والسياسية، وهو برنامج بالنسبة لبلد كالعراق يحتاج إلى عقدين في أقل تقدير مع ظروف جيدة..
2- في ضوء تطور الأوضاع الدولية وعلاقتها بالعراق ركزت القيادة على البرنامج معتمدةً عليكما وبقية زملائكما لثقتها بكم جميعاً وبالأخ جعفر، لكن جهل القيادة بهكذا أمور، وجهل من يحيط بها من أدعياء يحتفون حول رائحة الامتيازات، جعلها تظن بعملكم خيراً، فوجدتم وضعاً لم يتمتع به إينشتاين وفرمي وأوبنهايمر وجمَّو وتلر وفاينمان وزملاؤهم أقطاب دفع الطاقة الذرية إلى ساحة السلاح أيام الحرب العالمية الثانية ... وأصبح برنامجهم هذا مودع في المكتبات والوثائق الخاصة.. لذا لم يدر بخلدكما أن تقولا الصدق عسى أن تلد الفرس حصاناً أصيلاً دون تلقيحها من حصان أصيل معروف النسب عند العرب ...
ولجهل القيادة راحت تغدق عليكم بما لذ وطاب وجعل غيركم يعيش حالة العجب العجاب ...

إن من يدعي خوفه من ترك العمل لمجرد الخوف فهو غير صادق وغير دقيق، فلنا مع السيد الرئيس صدام مواقف رفضنا ما عرضه علينا أكثر من مرّة لأننا لم نتفق مع طريقته بالعمل والتعامل العلميين .. وذلك موثق أسألا همام والهاشمي الذي في إحداها هزّأناه وأراد همام استغلال ذلك لإزاحة الهاشمي ليحل مكانه، كان ذلك عام 1977 على ما أذكر.

وبعدها عام 1982 حيث عرض علينا رئاسة الدائرة العلمية المؤسسة حديثاً في ديوان الرئاسة فاعتذرنا لأننا أيضاً لا نستلم أوامر ننفذها دون رأي .. اسألا العميد الركن في حينه صادق شعبان وغانم حساوي، مثلاً، نعم بعدها لم يعرض علينا عمل وهذا غير مهم، وكانت الوصية إذا أردتم علي عطية في أمر وظيفي أسألوه أولاً ... فيا جعفر ويا نعمان أتقيا الله وقولا قولاً سديداً يصلح لكما الله أمركما. ومن الأمور الملاحظة عند حديث الزميلين عن موضوع الكتاب إنهما إتبعا أسلوب الفريق المتناوب في العمل بصيغة المصارعة الحرة الأمريكية المسلّية .. وكأن الهدف هو إبراز دور كل واحد على حدّة لكي يوضحا ذلك الدور بالتفصيل دون الاهتمام بالعاملين في المختبرات حقاً .. وهو أسلوب جديد في مجال تأليف الكتب كما هو حال أسلوبهما الجديد في إنتاج الأسلحة النووية ... ولا يخلى ذلك من ضرورة مدح أحدهما للآخر بأسلوب غريب ... فالزميل نعمان مثلاً بهرته عبقرية جعفر كثيراً في أمور يجهلها هو كونه كيميائياً تحليلياً غير عضوي وهو اختصاص معادلاته الحسابية بسيطة، وجعفر فيزيائي في مجال فيزياء الطاقة العالية وهو فرع مؤسس على أعقد المعادلات الفيزيائية في حقل نظرية المجال الكمي ونظرية الدينمية الكهرمغناطيسية الكمية، فحتماً سيبهر نعمان المسكين بذلك، ويتصور فقط أن جعفراً يعرف ذلك وهو محصور في غرفة ولوحة، أما الآخرون من الفيزيائيين فلم يحتك بهم في مجال الشرح والتفسير لظاهرة ما، فهذا أيضاُ يدخل في مجال جهل المادح بحقيقة تخصص الممدوح. إن النظرية الفيزيائية في حقل تخصيب اليورانيوم بطرقه المتنوعة معروفة ومنشورة وتدرس، لكن المهم أن تفهم وتطبق عملياً بحسب ظروف البلد حين لا مجال له غير التجريب، تقانياً، وما اقوله هنا لا للانتقاص من الزميلين العزيزين إنما وددت التوضيح بحالة البرنامج النووي العراقي على حقيقته لا كما ظن الآخرون، فجعفر فيزيائي جيد جداً في حقل اختصاصه ونعمان كيميائي جيد جداً في حقل اختصاصه.

فلا بد أن محاولة تطبيق ما هو نظري أولياّته معروفة تقانياً، في بلد نام كالعراق بدائي القاعدة العلمية والتقانية وبمستوى أفضل لقاعدة صناعية عام (1988)، ليس بالأمر السهل، ويأخذ عمل البرنامج النووي وقتاً طويلاً... لكن عجلة القيادة وعدم شفافية قادة البرنامج تجاه تلك القيادة وضع البرنامج في مأزق كبير تمثل في الآتي :
1- تخبط العمل والمسؤوليات في قيادة البرنامج وقيادة الإشراف السياسي عليه ...
2- تخبط أسلوب الحصول على المعدّات والمواد ذات العلاقة مما فضح توجه العراق أمام أجهزة المخابرات الدولية والصهيوينة إن لم يفضح بعض ذلك من قبل بعض العاملين المجبرين بدون رغبة أو لعدم إيمانهم بالنظام. فإنسان كخضر حمزة يحمل شنطة فلوس ويذهب ليتسوق سراً وهو ليس بأمين ماذا يُتوقع منه وهو مستعد أن يبيع والده بأيّ ثمن. وغيره من ناقدي النظام بشدة واجبروا على العمل ماذا يُتوقع منهم وخاصة من كان يرى الامتيازات الجزيلة ولا يصيبه منها إلا الفتاة، لأن رئيسه قدّمه بمزاجية علاوة على أولئك الذين تعاونوا مع المحتل وأخرجهم والحرب قائمة...
3- كثرة الوكلاء ومن العالم الغربي الذين تعامل معهم العراق لأغراض البرنامج والتسلح في مجالات أخرى جلب الانتباه إن لم يكن قد خطط عملياً للعراق للوصول به إلى ما هو عليه اليوم وأظن صِدق هذا التحليل.
4- كثرة التصريحات غير المسؤولة من قبل مسؤولي البرنامج والمشرفين عليه سياسياً للحصول على امتياز عند القيادة.
5- التخبط في اختيار الطريقة المناسبة للتخصيب كما يوضح الكتاب وضغط حسين كامل على العاملين دون وعي أربك العمل وأساء إليه وقيادة البرنامج العلمية صامتة بحجة الخوف!!.

علاوة على ما تقدم فإن المجموعة العلمية والتقانية العاملة على البرنامج، كما يلاحظ قارئ الكتاب، غير متجانسة في العمل ولا في الرغبة وأجزِم حتى بمستوى الإخلاص للبرنامج .. فمعظم أعضاء القيادة العلمية لم يكن في يوم ما مؤمن بالنظام بقيادة البعث خارج إطار الحوافز والامتيازات على المستوى المادي والمستوى المعنوي، ويظهر ما يؤكد استنتاجنا هذا من خلال الطرح الساخر والنقد الجارح لقيادة النظام وأركانه بل البعض ذهب يفتش عن أحداث عام 1963 يوم كانت القيادة من نوع آخر .. ليدونها، فأيُّ إخلاص عنده، ثم هو يؤيد عدم رغبته في تقوية أركان النظام، لذا فلا نظلم أحداً أبداً بقولنا هذا ... وأنا لم أكن بعيداً عن البرنامج وأشخاصه، لأني على تماس بهم منذ عام 1970 وحتى عام 2003م، سواء كمدير للمعهد وعضو لجنة الطاقة الذرية، أو مشرف على دراسة الماجستير في فيزياء المفاعلات، كما ذكر سابقاً، أو مديراً عاماً للهيئة العربية للطاقة الذرية، وأن منظمة الطاقة الذرية العراقية تمثل العراق في المكتب التنفيذي والمؤتمر العام للهيئة ولنا أنشطة علمية مشتركة، كما كان الأخ جعفر يتصل بنا ويطلب أموراً لكنه يتركها ولا ندري سبب ذلك!.

ومن مآسي البرنامج النووي هذا هو التنافس بين حسين كامل وهمام عبد الخالق وكلاهما فارغان علمياً وتقانياً، لكنهما يحبان التميز والظهور أمام الرئيس صدام لغرض الصعود إلى ما لا يستحقانه، وكان قبلهما الهاشمي صاحب اليد الحاملة للقنبلة الذرية، وكل يريد وصلاً بليلى وليلى عقيمة لا تلد!! وكما قلت كان هؤلاء، بقصدٍ وصَمْتٍ من قيادة البرنامج العلمية، يتزاحمون على مكتب الرئيس صدام حسين كلما طرق سمعهم إن تقدماً ما حصل في عمل البرنامج كنصب بضعة فاصلات والحصول على (3) ملغم يورانيوم بخصوبة 3%!! وهي نتيجة مختبرية تشجع صاحب التجربة على العمل لكنها بعيدة بعد القمر عن الأرض للحصول على ما هو هدف البرنامج، كل ذلك لإرضاء الرئيس وتشجيعه على منح المكرمات والأنواط وهمام وحسين كامل والهاشمي يحصلون على أكبر قدر من ذلك وهم لا علم ولا فهم عندهم لما يجري .. بل ناقلي بشرى ليس بالمستوى المطلوب علمياً بل مطلوب تكريمياً وتحفيزياً ... ولا أظن أن جعفر ونعمان ينكران ذلك فهو مؤشر له في كتابهما ... كل ذلك العمل المسرحي يتم وجعفر لا يحرك ساكناً بل يبتسمُ لهم بابتسامته الباهتة المعهودة بعد هنيهة من التنهيدة. وقد كسب المعركة حسين كامل وسحب البرنامج إلى التصنيع العسكري وترك زميله همام يندب حظه ويبكي في مكتب الرئيس صدام (ذكر ذلك لي السيد حامد حمادي سكرتير الرئيس آنذاك)، فطُيِّبَ خاطر همام وحصل حسين كامل على الكعكة الملغومة...

إما أن يتحدث اليوم الزميل جعفر وقرينه الزميل نعمان بأمور كان عليهما أن يكونا شفافينْ بشأنها أمام القيادة السياسية ويبلغا رأيهما بالأخطاء، لأن إيذاء الوطن بالنسبة للمخلص أشدُّ قسوةً من إيذاء الذات، لأن إيذاء الوطن إيذاء شعب بأرضه وعرضه كما هو اليوم حاصل في العراق، وليس مهماً أن يتحدث الإنسان وهو خارج الوطن في أتم الراحة والاستجمام وأبناء وطنه يعيشون العزلة والحرمان وسوء الأمان وإنهيار الصحة والقتل المجّان، إن ما ورد في الكتاب من أمور لا تعذر مؤلفيْهِ ولا الذين كانوا معهما في البرنامج على مستوى القيادة العلمية، مِن الخطأ الذي ارتكباه بحجة استبداد النظام وليكونا شفّافين صرحاء، ويعترفوا أن كل شيء كان بحب المادة والجاه والمعنويات التي أسست لهما على جماجم أبناء الشعب العراقي النبيل وعلى استقلاله وحريته، وهذا ما حصل، فمنكم من تبناه المحتلون ومنكم من جلس خارج البلد ليتحمى على أحداثه الساخنة ويكتب على راحته أو يدلي بكلام يعجب القراء الغافلين عن حقيقة البرنامج النووي العراقي. فلا يفيد اليوم قولكما بتهور حسين كامل ونزواته فهو معروف عند العراقيين وعندنا ولا نكن له أيّ احترام لا وهو في السلطة ولا وهو عند ربه ينتظر يوم الحساب، فموضوع استخلاص اليورانيوم من قضبان الوقود الروسية والفرنسية لا يختلف عن برنامجكم المذكور بالنسبة لمخالفة معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية بل هما سيان أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلا داعي للوم حسين كامل حيث الوضع أصبح يفتش عن قشّة للاعتماد عليها، والنظام كان غبياً لأنه لم يدرك أن ما كان يدور لا يتجاوز قشة قصب لا تقوى على شيء ... كفى غشاً للقارئ العراقي والعربي وربما العالمي من خلال النسخة الإنكليزية ... إن لمن يريد حقاً عمل برنامج نووي قادر على تأسيس قدرة نووية للعراق وللأمة فهناك طريق آخر.

Labels:

رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج2

* الفصل الأول (القسم الثاني) :
((حكاية البرنامج النووي العراقي))

أ. د. علي عطية عبد الله
إن من يريد البحث عن قضايا الشعوب والأمم عند مراحل تاريخية معينة عليه أن يلمّ موضوعياً بظروف تلك المراحل بغض النظر يتفق معها أو على النقيض معها، لذا كان على الزميلين المحترمين مؤلفي الكتاب أما يتجنبا الدخول في أمور تاريخية ذات طبيعة سياسية ويركزا على الجانب العلمي والتقاني لدورهما، أو يتصفا بالعلمية والموضوعية عند ذكر الأحداث التاريخية .. أي لا يخلطا ما هو سياسي مع ما هو تاريخي مع ما هو علمي تخصصي يتعلق بعملهما كعلميين. لكنهما وضعا نفسيْهما كمحللَينْ سياسيين يعطيان رأيهما في الوضع السياسي بصيغة تجافي حقيقة موقفيْهما، على الأقل ما نعرفه علانية، من النظام الذي عملا في ظله وتمتعا بكل عطفه وحنانه وامتيازاته لهما وخصوصاً السيد جعفر، وصوره في الكتاب تشهد عليه عدا ما نحن على معرفة وعلم به وغيرنا على علمٍ بذلك أيضاً... من هنا نقول :
1- كمسلمةٍ تاريخية يعد البعث فكراً وعقيدة قوميتين نشأ لمعالجة واقع الأمة الفاسد فهو إذن تهمَّه قضايا الأمة القومية والاجتماعية والسيادية، بغض النظر عن سوء سلوك من تنصَّبوا على قيادته السياسية فأساءوا له كفكر قومي وتجارب الأمم في ذلك معروفة.
2- عليه فإن النظام في العراق في 17/7/1968 بدأ بحركة بيضاء وكان همَّه جمع شمل الشعب في وحدة وطنية وقومية، لكن عملاء الغرب والصهيونية لم يتركوا بياض الحركة فتآمروا، مع أمريكا والغرب وعناصر صهيونية في العراق في عام 1970م، مما دفع النظام الجديد إلى ضرورة تثبيت السلطة وبدأ بإعدام بعض المتآمرين، ويتحدث بعضهم اليوم على شاشات الفضائيات بدورهم أو بمذكرات لهم بدءوا يدوّنونها دون خجل لأن التعاون اليوم مع الأجنبي ضد الوطن يسمى تحريراً وبطولة..

لذا على وفق تلك الحالة لم تتجه القيادة إلى موضوع لجنة الطاقة الذرية كأولوية، فكان عمل اللجنة تقليدياً يتركز على استكمال المنشآت الأولية اللازمة لاستغلال مفاعل 14 تموز الروسي الصنع بطاقة (2) ميكا واط، وكان أول تشغيل تجريبي له هو منتصف عام 1967م، ولإيمان العراق في تلك المرحلة بتطوير العلوم والتقانة النووية في حقل الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. فإنه وقع عام 1969 بالأحرف الأولى على معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية وصادق عليها عام 1972 وكان بتوصية منا آنذاك، لأن لنا رأياً في مسألة بناء القدرة النووية في العراق ... حيث أي بلدٍ نامٍ، كالعراق، عليه أن ينفتح على العالم في بناء مؤسساته العلمية أولاً، وبناء الثقة مع العالم حتى يتمكن من بناء ملاكاته العلمية وقاعدته الصناعية، وقد نشرت مقالةً بقسمين عام 1971 حول الموضوع في مجلة الفيزياء والرياضيات التي تصدرها الجمعية العراقية للفيزياء والرياضيات، حيث كنت أمين سرها العام، عليه بدأنا خطتنا، كما سبقت الإشارة إليها، على هذا المبدأ للمرحلة (1970-1972). تلك حقائق موثقة بأوراقها وشخوصها والسيد نعمان النعيمي الحسيني أحد هذه الشخوص، رغم أنه اليوم راغب في ذمنا أو لمزنا، ويخسأ فهو لا يقدر على ذلك، لكنه أخطأ في ظنه اليوم كما أخطأ ظنه في السابق، ويبدو أن من قال ((أنه يتربص الأحداث عن بعد ثم يقرر موقفاً فقد صدق)). لكن السيد نعمان لم يصدقه الحال، لأننا لسنا من ترهبه الظروف، أو يقر بالخطأ ويقبل الظلم، فها نحن نقارع المحتل وأذنابه بالقلم وبالكلمة الصارخة ضدهم، وسنقاوم هؤلاء دون وجل حتى تحرير الوطن، أما أننا قد نقلنا وتركنا خططنا للأسباب التي ذكرت سابقاً، فلأن كان لنا موقفٌ مع الجهل والجهال ولم نخضع لذلك، كما تدّعيانِ يا زميلي العزيزين إنكما كنتما مجبرين للعمل في ظل الجهلُ والجهال، ولم نتوقف عن عملنا على مستوى العراق والأمة أبداً ولنا سجل حافل وموثق بوثائق يتجاوز عددها المئتين وثيقة، ونحن أرفع من أن ينالنا طشّار كلامكما غير الموضوعي والذي لا مبرر له ولا قاعدة له يستند عليها.

فقدر تعلق الأمر بي فأنت، يا أخ جعفر، تعلم كمْ وددّتُ عودتك لتحمل المسؤولية عام 1971 حين كنت أنا في جنيف وكنت أنت هناك مع عائلتك، وكنا حسني النية معك ومع غيرك ولا ندري ما جرى بعد 22/7/1972 حيث نقلنا إلى البصرة على وفق القصة التي ذكرت آنفاً... وأنت تذكر رجوعك في عام 1975 إلى لجنة الطاقة الذرية العراقية على أثر حضورك مؤتمرها العلمي الأول. وكنت تبدي إرتياحاً وتتحدث عن كل ما هو طيب عدا شكواك من السيد الهاشمي وكنت أشاطرك الرأي، لأنه، الهاشمي، إنسان غير سَوي، ومهرّج ودعي حقاً ... وكما سبق ذكره، فإني منعته عام 1971 من دخول المعهد لتجاوزه ظلماً على المرحوم الفضلي في حينه، وبدأ يتآمر ويخلق لنا مشاكل فوجد جاهلاً مثله فتعاون معه للحصول على مبتغاه وذلك الجاهل هو الوزير المعروف بنرجسيته، وساعده آخرون في بعض مواقع الحزب آنذاك ..

إذن كان برنامج الطاقة الذرية العراقية سلمياً ولم يطرح أحد من المسؤولين آنذاك (قبل 22/7/1972) أي رأي بشأن الرغبة في التمكن من السلاح النووي، ولذلك أسبابه :
1- عدم توافر الملاك القادر حيث معظم الكادر شباب جديد عَهْدٍ بالموضوع، وأن المفاعل بسيطٌ جداً لإنتاج بعض النظائر المشعة للاستخدامات الصحية والزراعية والصناعية أو لغرض البحوث العلمية البسيطة.
2- إن العراق صدّق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1972.
3- كل عملنا كان في المرحلة التأسيسية لبناء معهد نووي يخدم الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية (النووية).
4- العمل على زيادة قدرة المفاعل إلى (5) ميكا واط.

وهذا تم الاتفاق عليه عند زيارتنا مع وفد ضم الدكتور مثنى كبة والدكتور ثابت الهيتي والدكتور ميسر الملاح منتصف عام 1970 لمعهد كرجاتوف في موسكو، ويعلم نعمان ذلك لأن تقرير الوفد عرض على اللجنة وعلى المجلس العلمي... وكان اتفاقنا هو قيام معهد كرجاتوف ومعهدنا بتشكيل فريق عمل مشترك لإجراء الحسابات يجتمع ستة أشهر في موسكو –معهد كرجاتوف- وستة أشهر في معهدنا بالتويثة، ورأس الجانب السوفيتي مدير معهد كرجاتوف آنذاك.
ولنكرر تعليقنا مضطرين على اتهام السيد نعمان بأننا كنا ضد خريجي الاتحاد السوفيتي فنقلنا بعضهم إلى الجامعات فأذكر القصة الآتية :
عند مناقشتنا الجانب السوفيتي حول موضوع الفريق المشترك بين لنا السيد مدير معهد كرجاتوف أننا لا نملك الملاك الكفوء في ذلك العمل، وطبعاً هم جميعاً خريجوا معهد كرجاتوف، فأجبته بسخرية ((ألم يكن هؤلاء قد تخرجوا من معهدكم هذا؟ فهل كنتم غير جادين في إعدادهم أم هم غير جادين في دراستهم فكيف زوّدتموهم بالشهادة؟)) فبهت الذي لم يفكر بأنه سيُسأل هذا السؤال.. فتراجع واعتذر وقال إنهم حديثوا التخرج ويحتاجون إلى تجربة، ولكن قبلنا بشرطكم وحصل الاتفاق .. لكن العمل أخذ وقتاً لحصول الموافقات على الطريقة السوفيتية آنذاك.

إذن من هو صاحب مشروع تطوير قدرة المفاعل يا سيد نعمان هل هو جعفر وغازي؟ أسأل نفسك أولاً ثم أسأل من ذكرت أسماءهم أعلاه. وأظن تذكر أني عملت عملية الأعور في موسكو قبل رجوع الوفد وسافر الوفد وبقيت أسبوعين في المستشفى وهذه حادثة ربما لو كنت صادقاً لما نسيتها ...

أما بعد 6/10/1973 حيث حرب التحريك وما كان يردده الإعلام بشأن أسباب إيقاف الحرب رغم تقدم القوات العربية في الحرب بأن الكيان الصهيوني هدد بالسلاح النووي إذا لم يتوقف زحف القوات العربية.. ثم مشاكل العراق مع شاه إيران ودعمه للحركة الكوردية شمال العراق وسعيه للحصول على مفاعلات نووية عالية القدرة، كما ذكر الزميلان، دفع القيادة العراقية، وليس البعثية فقط، لتفكر بقوة ردع ضد الأعداء ولتساعد في تحرير فلسطين والجولان، ولتوقف إيران عند حدِّها حيث أطماعها لم تنتهِ عبر تاريخها المعروف ..

تلك إذن بدايات المرحلة بعد 6/10/1973، وكان فرسانها أدعياء ليس إلاّ وعلى رأسهم الهاشمي صاحب القصة الذرية الساخرة .. وبعد عودتك يا أخ جعفر عام 1975م، كما تذكر، وجدت وضع المزايدات غير الجدية والتي تطورت عام 1976 بعد تسلم النائب صدام حسين رئاسة اللجنة، وقد طلب بعضكم في اجتماع معه أن يترك العمل ووافق ومنهم على سبيل المثال الأخ العزيز عبد الله أبو الخيل، إذن ليس هناك إجبار لأحد بل هناك إغراءات ومطامع، أما بيت الشعر في الصفحة (41) من الكتاب فهو ينطبق على كل عراقي في الخارج يعود دون وعود وإمتيازات.

فيا عزيزي جعفر أنا عرفتك يوم 9/12/1968 وعملت معك للمدة 9/12/1968 وحتى منتصف عام 1969، ولا يشك أحد بإخلاصك وحبك للعمل، لكنك ككثيرين من يصاب بالغرور، كنت تحب المديح والتقرب إليك والإطراء عليك ويظهر عرف السيد نعمان ذلك جيداً فهو يطبقه في كل مناسبة، وهو قد لا يكوِّن ذنباً لك بل ذنب المتملقين وما أكثرهم ... إني أذكر ذلك لأني قريب من سلوكك هذا ولتجاوز زميلك وزميلنا نعمان حدود المعقول في المدح والإطراء حيث وجدك مؤخراً إبنَ عمٍ له!!. فحضرتك، يا أخ جعفر، تقول أن لجنة شكلت عام 1974 من السادة همام وميسر وخالد لوضع برنامج نووي يؤدي إلى القدرة النووية، فذلك صحيح لكن اللجنة بدائية المعلومات وما طرحته شيء معلوم وليس بالضرورة يؤدي إلى سلاح نووي ... لكن المتنفذين في لجنة الطاقة آنذاك وهم ادعياء راحوا يُغذون رئيس اللجنة (النائب) بطموحات غير واقعية وبأسلوب غوغائي لغرض، امتلاك دعم النائب لهم مادياً ومعنوياً، فكثر المصرحون فشوهوا مسيرة العراق في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بل دفعوا بعض القيادات للوقوع بالخطأ ليجد العدو له مبرراً لمهاجمة العراق إعلامياً وتهييج العالم ضده..

فإذا كنتما غير مقتنعين بذلك (أنت يا جعفر) فلم العمل وأمامكم أبواب العمل مفتوحة داخل العراق وخارجه، فالأفضل أن تحلل الأمور بموضوعية بعيداً عن الألغاز والطلاسم، وأن تزجّوا ما هو سياسي بما هو علمي وتدّعون ما ليس بحقيقة.
فالرجال مواقف يا أخ جعفر ويا أخ نعمان. ومن يقرأ ما حاولتما تثبيته كجزء من سيرة ذاتية ينعكس ضدكما..

نعمان – جعفر :
شهادة لا مبرر لها لأنها غير دقيقة.
يذكر الزميل نعمان عن دعوته إلى العراق للعمل في البرنامج النووي العراقي ويثبت الأسباب الآتية :
1- تعاطفه مع الوطن بعد أن قصف الكيان الصهيوني مفاعل تموز (1) في 7/6/1981.
2- حزنه على الأخ جعفر حين سمع بحجزه تحت الإقامة في بيت من بيوت المسبح الرافهة. لأسباب سنذكرها لاحقاً.
3- وليبرر ذلك فيقول حبه للعراق وليس لتقوية أركان النظام السابق.

وأنا أعلم إن الزميل نعمان ترك الطاقة عام 1973 وثم إلى كلية العلوم وعمل هناك وكنا نلتقي معه، ثم حدث عام 1977 أن طلبَت الجزائر تدريسيين للتدريس في معهد بوزريعه للمعلمين فذهب مع وفد لهذا الغرض ورئيس الوفد حي يرزق، وقضى هناك أربعة سنوات، كما هي المدة المقررة. ويذكر جعفر أنه ألح على همام لاستدعاء نعمان للعمل في البرنامج النووي عام 1983، وذلك منوه عنه في الكتاب نفسه، بعد أن كُرِّمَ جعفر نتيجة حجزه، وكلف بالبرنامج، فلماذا ندّعي ما هو مخالف للحقيقة والواقع! هل لذلك مبرر؟.. وجعفر يعتمد على نعمان في العمل الكيميائي وهو أهل له حقاً.. لكن السيد نعمان تربطه بجعفر عواطف خفية بدأت منذ عام 1967 وله الحق، لكن الحق يقول أنه بعد عام 1976 حيث ترأس النائب لجنة الطاقة الذرية، تكرّمُ قيادات عملها لذا أراد جعفر أن يعين معه نعمان على البرنامج بدرجة مستشار حتى يكون ضمن القيادات المكرمة (وقد بدأت بالسيارات المرسيدس وقطع الأراضي). فتلك حقائق لا تؤيد موقفك تجاه جعفر بالصيغة التي تطرحها ولا بالصيغة التي تحاول الإساءة بها إلى النظام الذي رعاك وكرّمك ولم يخطأ معك أبداً، لكن هنا من يقع عليه قول الشاعر المعروف لا نريد تدوينه حفاظاً على مشاعر الزميلين ... وهما لا يحترمان مشاعر غيرهما سامحهما الله ... ربما في قلبيهما ما لا علم لنا به فنحن علينا ظاهر الأمور بماديها ومعنويها ..

* الفصل الثاني –
خلف القضبان.

1- قصة الدكتور حسين الشهرستاني :
راجعني الشهرستاني في مكتبي بالتويثة بداية عام 1971 راغباً في التعيين في المعهد ويحمل معه أطروحة الدكتوراه، وبعد إطلاعي على شغله في حقل الكيمياء النووية أعجبت بشغله وباختصاصه وتم تعيينه دون انتظار، ولم تسبق لي معرفة به، وهو خريج كندا .. ونسَّبته مسؤولاً عن مختبر التحليل بالتنشيط النتروني وطوّرنا له المختبر بجهاز النّوماتك الحديث، أمريكي المصدر، وكان في مستوى المسؤولية، وعنصراً علمياً متيناً وذا خلق رفيعة. محافظ على دينه سلوكاً وعملاً .. ولم يبد أي نشاط سياسي، وقد لعب دوراً مهماً في مشكلة التسمم بالزئبق، كما ذكرت سابقاً، وكنت أصحبه معي إلى اجتماعات اللجنة المركزية التي سبقت الإشارة إليها ليساهم في الحوار ومناقشة النتائج، وكان الاجتماع يتم برئاسة وزير الصحة، عزة مصطفى، في مدينة الطب، وكما سبق ذكره، كلف صفاء المرعب ليتولى التحليلات الكيميائية، ولنا في ذلك قصص كثيرة لا مبرر لذكرها لأنها ذاتية بحتة.
لقد كانت علاقة السيد الشهرستاني بنا متينة جداً مبنية على العمل الجاد والاحترام، وليس على الدعوات والولائم الملوثة!!. كما هو حال الآخرين .. أما وضعه اليوم فهو على طرفي نقيض مع ما أنا عليه، ولكل الحرية في موقفه على أن يُحافظ على وحدة العراق وطرد المحتل، فالشهرستاني لحد الآن يتصرف كمستقل لكنه ضمن طائفية المنطلق والتوجه ومع ذلك فهو حر وأنا حر. وأنا لا زلت أعتز بموقفه يوم تآمر علينا الشاوي والهاشمي وبقية الأقزام من ضعاف النفوس، كما أشير إلى ذلك سابقاً، فقد وقف وقفة المبادئ ضد جريمة نقلنا إلى البصرة، موقِعاً مع معظم المنتسبين على مذكرة ضد إجراء النقل، وقد هزّ هذا الموقف الوزير وذهب إلى النائب بعيون دامعة لأن مذكرة لنا أيضاً رفعت مع مذكرة لبعض أعضاء اللجنة، مما حدى بالنائب أن يطلب مني الالتحاق بالبصرة فوراً، لأن المدير الجديد (نعمان) غير قادر على المباشرة بديلاً عني والقصة طويلة لا أريد الخوض فيها بل ذكَّرتُ لكي نبين الموقف النبيل للشهرستاني والموقف الخبيث للنعيمي الحسيني ..

لكن مع ذلك فإن موضوع توقيف السيد الشهرستاني عام 1979 من قبل الأجهزة الأمنية كما رواها الزميل جعفر فيجب التعامل معها في ضوء ظروف موقف التوقيف، وأنا شخصياً استنكرت ذلك حين سمعت به، لكن الموضوعية تتطلب التعامل مع الحدث بدقة وأمانة. ففي الوقت الذي أُعتز به، وأعيد إلى المعهد بعد أن نقله الشاوي إلى كلية الهندسة، يعتقل في نهايات عام 1979!! إذن هناك أمور يجب أن تحلل. الجميع يعلم سلوك النظام الإيراني بعد 11/2/1979 وما طبَّله وزمرّ له ضد نظام البعث في العراق وعدّه كافراً يجب تغييره، وما رافق ذلك من أعمال شغب وتخريب من قبل عناصر حزبية دينية معظم قياداتها ذوات أصول إيرانية معروفة، وإصدار فتوات تكفيرية للبعث ونظامه، ثم بُدِئ بالاعتداءات اليومية على قرى ومدن العراق الحدودية ورفض إتفاقية الجزائر لعام 1975 ... إلخ ذلك من حالة التوتر الشديد ... وهنا أنا أظن وغير متأكد أن أحاديث جرت باتجاه دعم مجيء خميني والتخلص من الشاه أو بأسلوب آخر، فنقل النقّالون ذلك إلى الأجهزة الأمنية فحدث الذي حدث بتوقيف الشهرستاني .. ولتأزم الموقف وما تبعه من حرب ضروس بعد عام (22/9/1980) بين العراق وإيران أزّم موقف السيد الشهرستاني، وهو عنصر صريح وعنيد، من خلال قراءاتي لمذكرات الشهرستاني التي تتحدث عن هروبه من السجن يمكن أن يصل الإنسان إلى استنتاج هو فعلاً تطوّر مواقف الشهرستاني حتى أظهر عداءه للنظام بوضوح لأنه شعر أن لا مجال لخط الرجعة في ضوء تلك الأحداث .. وأنا أدين عمل الأجهزة الأمنية لإيصال موقف السيد الشهرستاني إلى ما وصل إليه من موقف معاد للنظام. وملاحظتي على مذكرات السيد الشهرستاني لم يذكر بموضوعية كيف عُيّن ومن عيّنه وكيف عيناه وقدرنا العلم فيه وكذلك إنسانية الإنسان عنده. وأنا أعذره للظروف التي مرّ بها والحكم القاسي الذي صدر عليه، فقد نسى ذلك، فكيف لا والسيد نعمان الذي قضى عمره مدللاً في زمننا وما بعد ذلك فقد نسى أو تناسى فحرّف وخلط الحابل بالنابل ولم يبق في ذاكرته إلاّ جعفر!!.. ويبدو لم تتوافر الحكمة في حينه للتعامل مع مسألة توقيف السيد الشهرستاني وإيصال الموضوع إلى الرئيس صدام حسين وما إلى ذلك من أمور خبطت الأخضر مع اليابس فدخن الجميع وضاعت الحقيقة في غيوم ذلك الدخان ....

2- قصة السيد جعفر ضياء جعفر :
تتلخص قصة الأخ جعفر بغباء الفكرة وغرور المفكر، فظن أنه المنقذ لبرنامج صدام النووي فإذن يستطيع أن يعمل ما يظن، ولا أحد نصحه بأن الأجهزة الأمنية في ظروف كتلك التي ذكرناها قد تحتجز أقرب الناس لصدام دون وجل. لكن جعفر المدلل حتى أيام حجزه لم يدرك ذلك ولم يعرف تهمة الشهرستاني التي سجلت بأنه من حزب الدعوة وما أدراك ما حزب الدعوة حينها وعلاقته بالنظام الإيراني الجديد ... فذهب جعفر باجتهادٍ منه ليزور عائلة الزميل حسين الشهرستاني ويطمئنها كما هو الحال في ظروف اعتيادية، ولم يعلم أن الأجهزة الأمنية داخل الدار لتقتنص أيّ زائر بتهمة العلاقة مع الشهرستاني، وهكذا حدث للسيد جعفر ضياء جعفر، فأوقف مدة محددة في غرفة مناسبة ثم نقل إلى دار فارهة في المسبح، كما يروي هو، وزود بكتب حول التخصيب وطرقها جلبتها له المخابرات ليقرأ ويصبح قائد برنامج نووي كبير وضخم بالقراءة، وأوقع العراق في حالته اليوم،
ورغم إطالة إقامته في تلك الدار فإن المخابرات كانت تشرف على بناء عمارة له في الكرادة بجانب الكرخ (كرادة مريم قرب المنطقة الخضراء) وعلى حسابها، وقد علمت ذلك من البناء المشرف على بنائها لأنه كان يبنى داري في حي الكفاءات، وعلى حسابي الخاص وبمنحة العقاري في دعم ذوي الكفاءات، وبعد حزيران 1981 ترك البناء العمل في داري وركز على عمارة أو دار جعفر بناءً على طلب المخابرات للإسراع في إنهاء البناء، ربما ليخرج جعفر ويفرح بذلك ليعوضه من حجزه، وهذه سلوكيات تلك الأجهزة الأمنية، فهي تضع العصا في يد والجزرة في يد أخرى. ثم بعد ذلك أصبحتَ يا أخ جعفر بطل البرنامج وحّمِلَّك النظام الجوائز والأوسمة والأنواط (كما تشير صور لك في الكتاب) وجَعلك تمنح من تحب من تلك الجوائز والأوسمة والألقاب، ونصَّبك عالماً أكبر ترعى العلماء الأصغر، ومع ذلك لم تغفر له ما حدث لك من حجزٍ مرفه، ورحت تسفِّه القائد والرئيس العظيم الذي في يوم من الأيام وضعت نفسك جندياً تحت تصرفه بعد إعفائكم من مسؤولية قطاع الكهرباء بمذكرة رفعت من قبلكم له مباشرة وفيها تعظمه ... ولو كنتُ مكانك وحدث لي ما حدث لك من حجز لما وضعت يدي مع أيادي أركان النظام!!، لكنك حضاري وأنا بدوي والفرق كبير هنا، فإذن من العيب أن تسخر بقادتك وليس فقط قادة البعث لأنهم، رغم سيئاتهم، فهم قادة العراق لخمس وثلاثين عاماً ... سامحك الله وأبعدك عن قول الشاعر في هذا المجال ...
يا أخ جعفر إنك لم تُجبر وإذا أُجبرِت فإنك لم تخلص والله أعلم!.

Labels:

رد على جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي ج1

جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي
الاعتراف الأخير : حقيقة البرنامج النووي العراقي
(بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية 2005) (376) ص.
أ. د. علي عطية عبد الله
مقدمة
سمعت كثيراً عن هذا الكتاب قبل ثمانية أشهر، وقد قيل عنه الكثير، لأن عنوانه مثيرٌ لكل قارئ عراقي وعربي، فهو يتحدث عن اعتراف أخير، مما يدلُّ على وجود اعترافات سابقة للمؤلفينْ، ويشير كذلك إلى أنه حول (حقيقة البرنامج النووي العراقي) وهو الآخر موضوع شغل العراقيين والعرب والعالم، وظن الناسُ فيه الظنون، وقد حظيت به في 8 شباط 2006م. وإن رغبتي في الإطلاع عليه ليس لأني بعيدٌ عن هذا البرنامج وعن مؤلفيْ الكتاب، بل لأني وددت أن أطلع على حقيقة ما كتباه هذان الزميلان حقاً وذلك للأسباب الآتية :

1- كنت أحدَ العاملين في لجنة الطاقة الذرية العراقية (كما كانت تسمى) وفي المرحلة
التأسيسية الثانية (1969-1972) حيث كان المؤلفان زميلين لنا...
2- ثم كنت مديراً
لمعهد البحوث النووية (مركز البحوث) وعضواً في لجنة الطاقة الذرية العراقية
(1970-1972).
3- وكنت على تماس مع معهد البحوث النووية للمدة (1975-1988) كرئيسٍ
لقسم الفيزياء في كلية العلوم/ جامعة بغداد.وأنشأتُ دراسة عليا في فيزياء المفاعلات لأغراض لجنة الطاقة الذرية لتزويدها باختصاصيين لها وبحسب حاجتها ...
4- ضمن المرحلة (15/2/1989-14/2/1993) كنت مديراً عاماً للهيئة العربية للطاقة الذرية وكنت متابعاً لعمل العراقّ في حقل الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وعلى بينة مما يجرى بصورة عامة في البرنامج النووي المشار أليه في الكتاب، حيث منظمة الطاقة الذرية العراقية ممثلةً للعراق في المكتب التنفيذي والمؤتمر العام للهيئة، وقمنا بنشاطاتٍ علمية مشتركة ...

ثم بعد إطلاعنا على الكتاب وما ذهب إليه مركز دراسات الوحدة العربية في مقدمته، حيث يَظْهر إن المركز قد فُتِن به حتى الاستغراق في الدعاية والتنويه، والمركز على حقٍ لأن موضوع الكتاب يجلب الانتباه، وله علاقة قوية بما أحلّ للعراقّ، والمركز معروفة منطلقاته القومية ويهمَّه شأن العراق كما هو الحال مع شؤون الأمة بعامة... ومع ذلك فالمركز أصدر الكتاب وهو غير مسؤول عن ما ورد فيه من آراء وأفكار. وتأسيساً على ذلك ولورود ما يمسنا سلباً ويمس الحالة العراقية سلباً دون مبررٍ ولا علاقة لذلك بموضوع الكتاب، وجدنا مِن المسؤولية التاريخية والعلمية والأدبية أن نعقّب ونحاور الزميلينْ إحقاقاً للحق وبالمستوى الذي يقابل الحد الأدنى من مستوى تناولهما لأمور خارجة عن الصدد وجارحة للآخرين بدون حق. وسنحاول الإيجاز وبحسب الموضوع :

الفصل الأول – البدايات


ابتداءً نهنئ زميلينا جعفر ونعمان على هذا الجهد الكبير في حجمه رغم صغر بعض ما ورد فيه من آراء تسيء للآخرين وهو غير مبرر. لكن الكتاب يُعَدُّ أول كتاب يؤرخ عملاً علمياً وتقانياً عربياً عراقياً على مستوى الأمة، فهو يفيد من يريد الإطلاع على ما جرى للعراق بسبب ما طرح بشأن أسلحة الدمار الشامل ومن ذلك السلاح النووي، ليتخلص من ما صاحب الموضوع من تشويش مقصود من قبل أمريكا والصهيونية لإقناع العالم بخطر العراق ومن ثم احتلاله، وبرنامج الاحتلال قديم ويهيئ الأمريكان الظروف له ومنها غش العالم ببرنامج نووي للأسلحة يقوم به العراق... أما بالنسبة للكتاب فقد لاحظنا الآتي بإيجاز :

1- هناك تكرار غير مبرمج لطرح الموضوع وبخاصة ما جاء بشأن قدرة العراق في مجال
السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، وما رافق ذلك بعد عام 1990، من مشاكل مع لجان
التفتيش ومراوغاتها وكذبها، حيث هذه المعلومات رافقت بقية الفصول بإسلوبِ سردٍ
مسهبٍ لا داعي له...
2- يتطرق أحد المؤلفين (نعمان) إلى أمور لا علاقة لها
بالموضوع، فيرجع إلى 8 شباط 1963 يوم كان طالباً في لندن يدرس للحصول على
الدكتوراه، فيتهم الثورة التي قادها الضباط الأحرار القوميون والبعثيون وجماهيرها
للإطاحة بالدكتاتور الشعوبي قاسم، يتهمها بالدموية، ولا أدري ما علاقة ذلك
بالموضوع، فيبدو أنه يخلط بين المذكرات الشخصية وموضوع الكتاب العلمي التقني، وهو
حزين على إعدام هذا الدكتاتور الذي أنحرف بثورة 14 تموز 1958 وأعدم معظم ضباطها
القوميين قادة الثورة الحقيقيين على أثر محاولة لردعه عن سلوكٍ قام بها بعضهم بعد
جرائم جماعة النعيمي وزميله غازي درويش جماعة قطار السلام إلى الموصل، وما تبع ذلك
من قتل ومقابر جماعية، يومها كان نعمان معيداً في كلية العلوم/ جامعة بغداد، وزميله
الدرويش كان معاوناً للعميد وهو حديث التخرج جداً بل يحمل بطاقة تزكية من زملائه
الشيوعيين (آنذاك). وسيرته كانت سيئة مع الطلاب القوميين والبعثيين، وقد هرب بعد 8
شباط 1963 خارج العراق لعلمه بما قام به من جرمٍ تجاه القوميين والبعثيين حينها،
فهل لا يذكر ذلك الزميل نعمان أم كان أحد المساهمين مع السيد غازي الدرويش؟ نحن
نُذكِّر بإيجاز لأن ما حدث في الموصل وفي كركوك يندى له جبين الإنسانية، ومع ذلك
فالزميل نعمان يهاجم ثورة 8 شباط 1963، ولله في خلقه شؤون. وما كان في حساباتنا أن نذكر ذلك لولا تجاوز نعمان على الحقائق ويزجُّ أموراً مضى عليها أكثر من أربعة
عقود، والعالم تغيَّر والأفكار تطورت لكنه لم يتغير وبقى حاقداً على البعث وعلى
البعثيين باطنياً، مما يؤكد عدم إخلاصه حقاً للبرنامج النووي، ولنا في ذلك صلة بعد
حين... وهو شأنه شأن زميله وربما أستاذه في كثير من الأمور السيد الدرويش الناكر
للجميل حيث إطلعنا على تعقيب له على الكتاب فراح يصب جام غضبه خطأً علينا شأنه شأن زميله وتلميذه نعمان... ولنا رد على ذلك قادمٌ إن شاء الله. ((في الحقيقة إطلعنا
على ردِّه قبل نشره في مجلة المستقبل العربي العدد 324 في 2/6/2006 ص149 لكن المجلة حذفت ما تناوله من كذب تجاهنا، لكنه كان قد وزع رده على بعض منتسبي الطاقة الذرية العراقية في أوربا فبعث أحدهم لنا بنسخة)).

فالزميلان نعمان وغازي خدما تحت نظام البعث باسم التقية، فكيف يخلصان في عملهما مهما أدَّعيا؟

* نعمان – علي عطية – الخبث والنبل.

يروي السيد نعمان عن تركه العمل في معهد البحوث النووية والعودة إلى كلية العلوم، لأنه كان منسَّباً، وذلك بسبب سيطرة البعثيين على المعهد ... وهو يعلم إن عدد البعثيين ذوي الشهادات العليا التخصصية لا يتجاوز آنذاك (1969) الثلاثة .. بين عشرات المنتسبين ... فهو كزميله الدرويش يروي قصصاً هو يعرف عدم صحتها، بل رجعا إلى ماضيهما (1959-1963)، مع الأسف ونحن في عام (2005) وعمراهما بين (69-72) عاماً أي خارج مرحلة المراهقة والتطرف الشبابي ... ويزج هنا نعمان سيرته الذاتية لكن بأسلوب خاطئ يحاسب عليه، فالأمور ليس كما يرويها الزميل نعمان ولا كما يرويها أستاذه وزميله غازي عبد الوهاب درويش، وأنا مضطرٌ لمحاورته بالحق، وإلا سيختلط الحق بالباطل ويبدو وزميلْه بطلان لا يباريهما أحد ..

أولاً ... عُينتُ في معهد البحوث النووية أو مركز البحوث النووية في 7/12/1968 وباشرت العمل في قسم الفيزياء حيث كان جعفر رئيساً للقسم وعملنا سوية ونشرنا عدداً من البحوث خارج العراق، والبحوث موجودة وموثقة، نشرت بين عامي 1969و1970.

فبالنسبة لأستاذك الدرويش، يا أخ نعمان، كان مديراً للمركز وكان المرحوم هادي عوض سكرتيراً عاماً للجنة، وكان شغباً ومهاترات بين غازي وهادي من وراء الكواليس، وكنتما أنت وجعفر من جماعة الدرويش، ولكون غازي ذي تاريخ أسود، كما ذكرنا أعلاه، مع البعثيين والقوميين فقد تم تغييره أي إنهاء تنسيبه وعودته إلى الكلية، وعين جعفر مديراً للمركز بالوكالة عام 1969، ثم ترك جعفر المعهد بسفره إلى لندن لحل مشاكل عائلية مع زوجته الإنكليزية (فيلس) وذلك نهاية أو وسط عام 1969، فتم تعييني مكانه مديراً للمركز نهاية 1969، فكنت أنت يا نعمان قلقاً وظننت سوءً فرجعت إلى العلوم لأنك كنت منسباً أيضاً إلى لجنة الطاقة الذرية العراقية ... ولم يضايقك أحدٌ على الإطلاق، بل أنت قدَّرتَ خطاً أنك لا تستطيع العمل معنا لكوننا بعثيين وصغار السن آنذاك (30 عاماً) وقد صرحت لي نفسك بذلك واعتذرت، لأنك وجدت خلاف ذلك، وكل شيء موثق فلماذا تقع بالخطأ؟ وما هو المبرر وأنتما تتحدثان عن قضية علمية مهمة كنتما بطلاها على مستوى التمثيل المسرحي مع الأسف. ولم أطلب تعييناً في لجنة الطاقة الذرية، وهي ذات برامج تقع ضمن اختصاصي العام والدقيق، بل بعد عودتي في 28/10/1968 قدمت للجامعة فوجدت قرار تعييني في لجنة الطاقة الذرية وهو تقدير للقيادة آنذاك ...

فأنت يا زميل نعمان كنت معززاً ومكرماً أيام وجودي في لجنة الطاقة الذرية فلماذا تغش التاريخ؟ ... دون وجه حقٍ. وفي عام 1970 أعيد تشكيل لجنة الطاقة الذرية العراقية فكانت على الوجه الآتي :
1- د. ثابت الهيتي /طبيب/ تخصص تطبيقات إشعاعية في الصحة..
2- د. صادق أحمد الحسن /زراعة.
3- د. علي الهنداوي /طبيب/ تخصص في الطب النووي.
4- د. علي عطية عبد الله /دكتوراه في الفيزياء النووية...
5- د. مثنى كبة /دكتوراه هندسة كهربائية/ رئيس قسم/ جامعة بغداد.
6- د. ميسر الملاح /دكتوراه هندسة مفاعلات/ سكرتير عام.
ويرأس اللجنة وزير التعليم العالي والبحث العلمي بصفته الوظيفية ..

وفي ضوء التشكيلة الجديدة وعلاقتها الجديدة بالوزير كان لابد من وضع خطة عمل، خاصةً وإننا وجدنا اللجنة ممثلةً بمركز البحوث النووية (معهد البحوث النووية) خاوية مادياً و إنشاءات (عدا بناية المفاعل وملحقاتها تحتل بعضها الأقسام العلمية) وبناية قسم إنتاج النظائر المشعة وبنايات كئيبة خدمية يحتل بعضها قسم علوم الأرض والصيانة ... إلخ .. ليس هذا مهماً فكل شيء كان في بداية العمل (حيث أول تشغيل لمفاعل 14 تموز الروسي (2) ميكا واط آنذاك هو في وسط عام 1967). إذن بدأ العمل مجدداً بدراسة خطةٍ للجنة الطاقة الذرية، وعند الكشف عن كل قسم وجدنا ما يلي :
هناك عدد من العاملين من خريجي الاتحاد السوفيتي بعثوا في الأساس عام 1959 للدراسة والعمل بعد ذلك في لجنة الطاقة الذرية ومعظمهم يعمل في قسم المفاعل وكثير منهم أكفاء، ثم وجدنا عدداً في قسم علم الأرض وكانوا جيدين، وهكذا وصلنا إلى قسم الكيمياء فوجدناه في وضع سيء، وكان نعمان رئيسه يبذل جهداً كبيراً لتطويره، حيث كانت هناك بعثات لحسابه خارج العراق على أمل رجوعهم ... لكن نعمان ترك القسم رغم وصول ما سبق إستيراده من أجهزة علمية جيدة، فتركها في صناديقها ورجع إلى كلية العلوم إقتداء بأستاذه الدرويش.

وبعد أن تأكد لنا أن هناك عدداً من منتسبي قسم الكيمياء وبعض منتسبي قسم الفيزياء لا يفيدون في البحث العلمي واختبرناهم من خلال وضع الخطط العلمية، حيث كان المساعدون (بكلوريوس) يضعون الخطط وبعضهم حي يرزق (د. مؤيد كاصد كان مساعداً)، وقد تداولت معهم بشأن نقلهم للجامعات وبرضاهم، تم ذلك وبوفق اختيارهم للجامعة ... ولم يفسد الودّ بيننا أبداً ... فالمسألة ليست عداوة بين خريجي الغرب وخريجي الاتحاد السوفيتي، أبداً، هذه فِرْية أخرى من الزميل نعمان ..

عندما تقرر نقل الزملاء هؤلاء طلبت من السيدة الوزيرة (رحمها الله) أن تنقل عوضاً عنهم الدكتور الجليل حكمت نعيم جلو من جامعة الموصل لكفاءته وإعادة الدكتور نعمان سعد الدين النعيمي إلى رئاسة القسم لاعتزازنا به ولارتباطه ببرنامج عمل، وقد تم ذلك وكان حسب ما أبلغني في حينه مرتاحاً وظن خطأً حين ترك العمل، فأين التعسف والعلاقة مع الوزيرة، وأنا فخور بتلك العلاقة مع إنسانة في غاية النبل واحترام الآخر، إنما نقلُ نعمان كان اعتزازاً وحاجة وقد عاشها باحترام .. والله يسامحه ويشفيه لوقوعه بالخطأ، فالجميع أحياء يعرفون ذلك، مع ذلك فهو رأيه ويعبر عما فيه لأسباب ظهرت اليوم ...

ولتعلق نعمان بالزميل جعفر منذ البداية وهو حق له، وجعفر يستحق هذا التعلق، راح ينسب كل شيء لجعفر ولا يضيرنا ذلك لكن التاريخ يجب أن يُدوَّن بصدق، فنعمان ينسب الحاسبة إلى الزميل جعفر والواقع هي فكرة ربما فكر بها جعفر وهو محق لأن المعهد أو المركز بدون حاسبة لا يجوز، وقد هُيئت البناية لها أولاً ثم طُلب تكييفها والأمر متوقف على مبلغ (35) ألف دينار عراقي في حينه أي حوالي (100) ألف دولارٍ أمريكي، والحاسبة لما تزل تحت طلب العروض .. وقد وصلت العروض في شكلها النهائي بتاريخ 17/7/1971 ولم يكن الزميل جعفر في العراق أصلاً، أي بعد حوالي سنتين من مغادرة جعفر للمعهد، وبدأنا بطلب العروض في 23/2/1971، وكل ذلك عندي موثق، فلِم تتدخل فيما لا يعنيك إدارياً وليس علمياً.. وشكلَّتُ لجنة لدراسة العروض من قبل د.مثنى كبة ود.ميسر الملاح والسيد نعيم العضاض (رحمه الله) ومدير المعهد (علي عطية) واختير عرض (IBM) لشراء الحاسبة (IBM 370 / 135) ذات المواصفات العالية والمطابقة لما أردنا، ثم تم الاتفاق ووقعت الوزيرة العقد في المركز القومي للحاسبات، وأنت يا زميل نعمان كنت رئيس قسم ولا تذكر ذلك فوالله أنا أدعمك بحب جعفر، لكن لا أظن جعفراً يغمط حقوق غيره كعهدي به، لكن يبدو أن الأمور تتغير بحسب ظروفها!!.

ولا أريد الإطالة وذكر قصة الحاسبة وتدخل أحد وكلاء الشركات العلمية الذي كذب على المرحوم صالح مهدي عماش وأخبره أنه بإمكانه أن يقدم حاسبة بمقايضة النفط وحدثت مشكلة وأنا خارج العراق لحضور مؤتمر دولي في جنيف ومعي الدكتور محمد سعيد هاشم والدكتور حسين الشهرستاني، وقد عوقب مدير الحسابات ومدير القانونية لأن ميسراً اتهمهما بالتقصير عندما سألته الوزيرة ... وعند رجوعي عالجنا الموضوع لأن هذا الوكيل ليس لديه مواصفاتنا، فأسأل ناطق وميسرَ إذا خانتك الذاكرة ... مرّة أخرى ليس مهماً من اشترى الحاسبة ومشروع الحاسبة فالعمل كان جماعياً لا فردياً، كما تزعم، إنما ردُّنا عليك لتبيان إفتراءك دون سبب ... أما موضوع التبريد فله قصة أسأل عنها الدكتور صلاح الشيخلي سفير العراق المحتل في لندن والدكتور صباح كججي يوم كانا في ذلك الوقت مديرين عامين في وزارة التخطيط، عندما زارانا للتأكد من صحة طلبنا وللتأكد من مكان نصب الحاسبة، فيبدو أنهما فقدا الثقة بالمعهد من خلال تعاملهما مع من سبقنا بالمسؤولية!! فطرِدا لسوء تصرفهما.

عليك يا زميل نعمان أن تراجع نفسك وتعترف اعترافاً أخيراً بخطأك وتجاوزك على من أعزّك واحترمك في حينه (فهو لا يزال حياً يرزق ويتحدى المحتل وأذنابه بالحق والمواقف) ... وكما يقول المصري : مسير الحي يتلاقى.

وأكرر لا نسعى لجاه فقدناه ولا لعمل فقدناه بل إلى الحقيقة لا إلى اعتراف مبطن، وصوركما شاهدة على تجاوزكما الحدود والموضوعية عند طرحكما مواضيع كتابكما هذا ... إنا لله وإنا إليه راجعون ..


قصة التسمم بالزئبق :
بين الحقيقة والباطل كما يرويها السيد نعمان


مرّة أخرى تتجاوز على الآخرين محاولاً أن تنسب لك ما هو ليس لك حقاً ... ففي يوم من الأيام إتصل بي سكرتير رئيس الجمهورية آنذاك السيد طاهر العاني وأبلغني أن لجنة مركزية شكلت برئاسة الدكتور عزة مصطفى وزير الصحة آنذاك وعضويتنا وعضوية بعض الأطباء مثل فرحان باقر وسالم الدملوجي وعبد الودود المفتى وسعدون خليفة وآخرون لدراسة مشكلة التسمم بالزئبق ... فقد التقينا في مدينة الطب ووضعنا خطة عمل ومسؤولية كل جهة، وكانت مسؤولية المعهد إجراء التحليلات على نماذج من المجازر والمخابز والمطاحن للتأكد من التلوث بالزئبق ... ومن حسن الصدف وأصدقها هي أننا قبل مدة عينّا الدكتور حسين الشهرستاني في المعهد بعد أن وجدنا عمله (أطروحته) في صلب عمل المعهد وأسندنا له مختبر التحليل بالتنشيط النتروني حيث كان مجهزاً بالنوماتك سستم، وقد كان الشهرستاني أهلاً لذلك .. فقد عمل جاداً ليل نهار وكان يحضر معي لمناقشة النتائج فهو كان زميلاً عزيزاً لنا وإن اختلفنا معه اليوم بسبب احتلال العراق وما يجري خطأً في البلد ... وبجانب ذلك كلفنا صفاء المرعب بعد استشارتك للأخذ بجانب التحليل الكيميائي مستخدماً مختبر قسم علوم الأرض، فأسأل صفاءً إن خانتك الذاكرة، فلذلك قصة لعبنا فيها دوراً لتأديب بعض عناصر الأجهزة الأمنية في القصر الجمهوري، أطال الله في عمر العقيد علي العبيدي في مكتب النائب آنذاك، فكان لموقفه معنا أثراً في تأديب هؤلاء، أليس كنت يا زميلي نعمان في رئاسة القسم ونحن نناقش ذلك أحياناً في المجلس العلمي (رؤساء الأقسام) الذي يضع الخطط ويتابعها للمعهد وليس برأي فردي منا كما تدعي بهتاناً وباطلاً، ولا أجد لذلك ما يدفعك إلى ذلك والأمور موثقة .. أنا لا أعتب على جعفر فهو كان خارج العراق ولا أعيبُ على أُستاذك القديم الدرويش فهو مريض هرطقة ولا علم له بما جرى بعده، رغم أننا دعوناه للعودة إلى المعهد بعد أن طردوه نقلاً إلى جامعة السليمانية لمشاكساته ضد رؤساء قسم الكيمياء، رحم الله الصالحي ورحم الله جلال، إنما العتب عليك لأنك لازمتني حتى خرجت في 22/7/1972 من المعهد والمسرحية موثقة لا يستطيع أحد أن يخطأ في قراءتها إلا من كان في قلبه مرض ..

يا سيد نعمان لك الحق في أن تحِبَّ وتحترم جعفر فهو زميلنا، ولكن على قدر علمنا فليس وحده في الساحة لا سابقاً ولا لاحقاً، وإن كنت تعجب لبعض المعادلات التي شرحها لك وأنت لم تعْتدّ عليها كونك تتعامل مع محاليل كيميائية، فهذا قد لا يَجدُ فيه عجباً فيزيائيّ تعب على نفسه ... فما تعجبْ به قد لا يجد فيه غيرك عجباً ... ونحن نهنئك لاكتشافك أن الأخ جعفراً من آل البيت وحفيداً للإمام موسى الكاظم عن طريق الإمام إبراهيم المرتضى (الملقب بالمجاب وهو جدنا أيضاً)، وإن النعيم فعلاً ينحدرون من هذا الإمام الفاضل، ولو سألتنا في حينه لأخبرناك بذلك، لكن ما علاقة ذلك بعملكما العلمي يا رجل!!..

عذراً أيها القارئ الكريم إني أتطرق إلى قضايا مجبراً لا راغباً لأن الزميل جعفر والزميل نعمان خلطا الحابل بالنابل ولمزا الآخرين بأمور غير صحيحة ومؤذية وهما يؤرخان، وسيقرأ ذلك أناس كثيرون الآن وفي المستقبل .. فكيف يؤرخ مِزاجياً؟ وتُدلس الحقائق ولأي غرض؟ ويسكت من له قدرٌ من الدراية بالأمور!!.

* قصة نقلنا إلى جامعة البصرة (22/7/1972).

يتحدث الزميلان وبالأخص نعمان عن نقلنا وكيف فوجئ بتعيينه بديلاً عنا في يوم 22أو 23/7/1972 وبدأ يروي ما هو ليس بدقيق، شأنه شأن زميله وأستاذه غازي الدرويش، وخلاصة ما يطرحانه هو أننا طردنا لسوء إدارتنا ونقلنا إلى جامعة البصرة، وكأن الزميل نعمان لا علم له بالأحداث وقد كان رئيس قسم وعضو المجلس العلمي للمعهد ...

فسواء نقلت أو طردت (بلغة الحاقدين) فلذلك قصة ونعمان الحسيني! يعرف تفاصيلها، ومن يعرف ذلك اليوم الدكتور حسين الشهرستاني وصفاء المرعب وميسر الملاح ومثنى كبة وعلي الهنداوي وثابت الهيتي وبقية رؤساء الأقسام آنذاك. وكان الزميل نعمان أقرب الناس لي لثقتي به وأعتمد عليه كثيراً ولقناعتي بعلميته ...
كما ذكرت آنفاً بعد إعادة تشكيل لجنة الطاقة الذرية بدأنا نضع خطة عمل آخذين في الحسبان ظروف البلد (1970) المالية فطلبنا مبلغاً لسد رواتب المنتسبين والخدمات وإدامة العمل البحثي بأقل التكاليف، وكان المقدر هو (600,000) ديناراً عراقياً، حيث استلمنا العمل وكل شيء خاوٍ وكان السجال بيننا وبين وزارة التخطيط على أشده حتى قبل استلامي المسؤولية .. لأن وزارة التخطيط كانت غير مقتنعة بعمل اللجنة آنذاك (1969-1970) وتشكك في كل شيء يقدم لأنه ما كانت هناك خطة حقيقية، وقصة الحاسبة وصلاح الشيخلي وصباح كججي الآنفة الذكر تدخل في هذا الإطار ...

وفي ضوء الحالة المزرية التي وجدناها كان علينا أما نعمل شيئاً أو نترك المسؤولية ... عندها قررت رفع مذكرة إلى السيد رئيس مجلس التخطيط آنذاك الفريق صالح مهدي عماش عن طريق السيدة الوزيرة وأرفقنا ذلك بنسخة من خطة أعدّها المجلس العلمي برئاستنا.

وبعد أسبوع بلغت ومعي ميسر الملاح بحضور الجلسة بمعية السيدة الوزيرة، وكان ذلك في 13/1/1972 ... وبدأ عماش قوله أنه جاء للحضور بسبب وضع لجنة الطاقة الذرية، فلنناقش ذلك ثم طلب من جواد هاشم الحديثَ (وزير التخطيط آنذاك) فبدأ يوضح رأيه متهماً اللجنة بعدم وجود خطة ولا تعرف ماذا تريد...ألخ وهو يناقش ماضٍ سبق ولم يزوِّده صلاح الشيخلي بالخطة الجديدة، هنا طلب عماش مني الجواب فبدأت بقراءة الخطة وبعد الانتهاء من قراءة الأهداف قال كفى يا د. علي ... ثم طلب أن نقدم له خطة واعدة وبأيّ مبلغ تستطيع اللجنة إستثماره ... ووافق الجميع وعقب بالقول يا جواد (وزير التخطيط) أنت وعلي تكتبان القرار وبحسب ما يريده، وفعلاً جمعت المجلس العلمي وزميلي نعمان أحد الأعضاء البارزين وأبلغتهم بالقرار وعلى كل قسم إعادة النظر في خطته وبأي مبلغ كان وقادر على تنفيذه، وهنا تعجب نعمان ,أثنى على جهدنا، ثم بعد ثلاثة أيام جاء كل قسم بخطته ووحدّنا ذلك بالتعاون مع نعمان وبلغ المبلغ (4) ملايين دينار عراقي أي (13) مليون دولاراً أمريكي في ذلك الزمان ... وقد صدر القرار رقم (1) في 13/1/1972، وقد كتبته بالتعاون مع وزير التخطيط. وقد شملت الخطة بناء أبنية للأقسام واستيراد أجهزة، وبدأ العمل في نيسان 1972 ووُضِعَتْ الأسس للبنايات، ثم جاء التأميم في 1 حزيران 1972 وكنا مع الزميل نعمان في جلسة عشاء في جمعية المهندسين وكان يصفق لقرار نظام البعث بشدَّة !!. ثم أعيد تشكيل الوزارة لكي تضم عناصر من أحزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية المقرر تشكيلها، فجاء إنسان غير كفوء ولا علاقة له بمهمات لجنة الطاقة الذرية العراقية لأنه علوم سياسية يحمل الماجستير لكّنه يدعي ممثلاً للقوميين العرب وهو قريبُ مُصاهَرةٍ مع الرئيس البكر وعددٍ من ((البو ناصر)) في تكريت ... وصدر قرار بالتقشف لمجابهة حصار الشركات النفطية المحتكرة، لكننا حصلنا على استثناء من التقشف، إلا أن الوزير الأمّي علمياً، تعنت وأصر على إيقاف العمل مدعياً أنه وزير من حقه ذلك، فحدثت بيني وبينه مشادة وقف بجانبي معظم أعضاء اللجنة، فترك الوزير الاجتماع ولم يدعُ له، بل ذهب ليكذب علينا ويطرح ذلك على صديقه يحيى ياسين (الله يرحمه) الذي لنا معه مواقف ضد سلوكه في تعطيل التمتع بزمالات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث كان رئيساً لديوان الرئاسة وهو مقرب من الرئيس البكر، فحبكا كذبة تتلخص في أني أهنت الوزير، فغضب البكر دون تحقيق فنقلنا أو بالأحرى نُفينا إلى البصرة.

ولموضوع التحاقنا قصة مع السيد النائب آنذاك إنتهت بالتحاقي في جامعة البصرة، وقد وقف منتسبوا المعهد وقفة مشرفة وكان على رأسهم آنذاك السيد حسين الشهرستاني حيث وقعوا مذكرة ضد إجراء النقل ثم استقال بعض أعضاء اللجنة ( وليسأل الشهرستاني ومثنى كبة وثابت الهيتي وعلي الهنداوي وميسر الملاح)، وأنت يا سيد نعمان هل فعلاً لا تذكر ذلك؟ ونسيت يوم جئتني تبلغني بأن كيف تأخذ موقعي اعتزازاً بي وشجعتك على قبول المنصب لأن موضوعي مع هذا الوزير قد يأخذ أبعاداً أخرى، ولا أريد أن أشرح الموقف مع النائب فإن العقيد ع ع حي يرزق فليسأل، أرجو له حياة سعيدة فهو عنصر كله أدب وأخلاق، وكان في مكتب النائب آنذاك، فهل زميلك الدرويش بإمكانه المقارنة معي، وهل خانتك الذاكرة يا أخ نعمان إلى هذا الحد ... ثم يا سيد نعمان ألم تذكر أننا كنا نبقى حتى الساعة التاسعة ليلاً؟ فهل كان ذلك لعمل حزبي؟ هل نسيت مسؤولية تنفيذ المشاريع أمانة واللجنة التي رأسناها ومعنا مثنى كبة وميسر ومجموعة مهندسين محترمين؟... حقاً إن الإنسان ليطغى ثم يشقى ويتصور الأمور على غير حقيقتها حين يحقد ويفقد قيمه الإنسانية.

أما مقابلتك، ومعك ميسر الملاح، ع ر هـ فلأنه هو الذي اقترحك مديراً وهو لم يكن مجرد جيولوجي بل كان مديراً عاماً للشركة العامة للمعادن والمسح الجيولوجي، وهو أحد المتآمرين علينا لذا عُيِّن عضواً في لجنة الطاقة الذرية بعد إعادة تشكيلها بناءً على استقالة عددٍ من أعضائها إحتجاجاً على نقلنا، وجميع الأعضاء المستقيلين هم مستقلون والذين تآمروا علينا هم بعثيون نفعيون أمثالكما بالنسبة للسلوك ... إن سبب تآمر ع ر هـ هو لأني منعته من دخول المعهد بعد أن تجاوز على المرحوم إبراهيم الفضلي، وهو خريج الاتحاد السوفيتي، فنحن لم نكن ضد أحد من خريجي الدول الاشتراكية وإن الذين نقلوا فذكرنا أسباب ذلك وبالتفاهم معهم وليس ضرباً من الخلف ... فسامحك الله يا زميل نعمان وأعاد لك ذاكرتك ونظف الله قلبك وغسله من كل دنس أو ذكريات خبيثة.

يتبع في الجزأ الثاني

الجزأ الثالث

الجزأ الرابع

للعودة الى الصفحة السابقة

Labels:

استراتيجية "تجنُّب الهزيمة" في العراق

استراتيجية "تجنُّب الهزيمة" في العراق

د. عبدالله خليفة الشايجي
من الواضح أن الاستراتيجية الأميركية باتت تسعى إلى مجرد تجنب الهزيمة في حرب العراق. فقد تراجعت الأحلام العريضة والمشاريع الكبيرة للشرق الأوسط الكبير، وتراجع الحديث عن العراق كرافعة ومثال ونموذج. وبات الهاجس تقليص الخسائر وضمان انسحاب آمن، لعله هو ما يتحدث عنه الرئيس بوش والجنرال باتريوس في كلامهما عن خفض الألوية المقاتلة في الصيف القادم من 20 لواءً إلى 15 لواءً. وآخر ملامح الانتقاد للاستراتيجية الأميركية في العراق، اتهامات السيناتور هيلاري كلينتون لبوش بالإساءة لسمعة أميركا وحلفائها بسبب الحرب.
بدأ الأسبوع الماضي في العراق على خلفية إعلان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عن المزيد من الخفض للقوات البريطانية، ليتقلص عددها من 4500 إلى 2500 في الربيع القادم. وإذا صدقت التوقعات فستنسحب القوات البريطانية كلياً بنهاية عام 2008، مما يشكل انتكاسة حقيقية لإدارة الرئيس بوش التي ستغادر المسرح السياسي حينها، لتورِّث المأزق العراقي للرئيس القادم، والأرجح أنه سيكون "ديمقراطياً".
تطور الأسبوع بتصريحات نارية ناقدة للغاية في لغتها وإسقاطاتها ومصدرها، وهو ريكاردو سانشيز -قائد قوات التحالف في العراق من منتصف 2003 إلى منتصف 2004، والذي أطاحت به وأنهت مستقبله العسكري فضيحة سجن "أبو غريب" وحرمته من الترقية والحصول على النجمة الرابعة كجنرال، مما قد يُفسر تحامله ونقده القاسي للقيادات السياسية- حيث شن الجنرال المتقاعد هجوماً لاذعاً ودون أن يسمي الرئيس بوش بقوله: "لقد ظهر بشكل فاضح ومؤسف عدم كفاءة القيادة الاستراتيجية لزعائمنا الوطنيين"، واصفاً الحرب بأنها "كابوس بلا نهاية"، مؤكداً أن الاستراتيجية الحالية لن تحقق النصر، بل هي فقط لتجنب الهزيمة. ولم يستثنِ سانشيز الكونجرس والمؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني، الذي كانت ترأسه رايس، وحمل على السياسات الحزبية التي عرقلت جهود هذه الحرب.
ويزيد من سخونة المشهد العراقي القصف التركي بعمق 30 كلم لمواقع المقاتلين الانفصاليين الأكراد في شمال العراق، وقبله القصف الإيراني لشمال العراق، ما أثخن الجرح العراقي وأعاد إلى الأذهان أن تدخل بعض دول الجوار، خاصة إيران وتركيا، لم يعد فقط تدخلاً سياسياً وأمنياً واسخباراتياً. ويأتي هذا التصعيد وسط ضغوط أميركية قوية لمنع الأتراك من شن حملة عسكرية واسعة تزيد من حروب العراق، التي باتت بالجملة حروباً خمساً.
وقد وجَّه رؤساء لجان رئيسية في الكونجرس الذي يسيطر عليه "الديمقراطيون" رسالة اتهموا فيها الإدارة الأميركية بالتستر على فساد حكومة المالكي، وتساءل رؤساء اللجان "الديمقراطيون" عن "مدى الفساد الذي ينخر حكومة المالكي، إذا كان الفساد يؤجج التمرد ويعرِّض قواتنا للخطر، ويهدد قدرات حكومة المالكي على النجاح". كما أصدر مجلس النواب الأميركي قراراً يدين إدارة الرئيس بوش لحجبها معلومات عن الفساد في حكومة المالكي.
وحتى تزداد قتامة المشهد العراقي المتشظِّي تحدث الرئيس السابق للجنة مكافحة الفساد في العراق، القاضي راضي حمزة الراضي -الذي عينته سلطة الاحتلال الأميركي عام 2004، وفرّ الصيف الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد تعرضه للتهديد- عن اكتشاف اختفاء 18 مليار دولار من أموال الحكومة العراقية، من خلال ثلاثة آلاف حالة فساد تم رصدها في الدوائر الحكومية العراقية بعضها لأقرباء رئيس الوزراء المالكي نفسه.

في هذا الوقت أيضاً تفاقمت مشكلة الشركات الأمنية وخاصة "بلاك ووتر" ومرتزقتها، الذين قتلوا 17 مدنياً عراقياً، مع إصرار حكومة المالكي على إنهاء خدماتها في العراق ودفع تعويضات لأسر الضحايا.
ونُسدل الستار على أسبوع عراقي عادي أقل ما يقال في وصفه هو أنه سيئ، بدعوة عمار الحكيم نائب رئيس "المجلس الأعلى" الذي طالب في خطبة العيد برفض القواعد العسكرية الأميركية الدائمة في العراق، والعمل على تشكيل الأقاليم، التي سبق لوالده المطالبة بها، بدءاً من إقليم جنوب العراق، إلى الأقاليم الأخرى. وهو يرى في هذا مصلحة وقراراً عراقياً. وقد ناقض نفسه عندما طالب بـ"ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً وحكومة". أما غير الواضح فهو كيف ستحقق الأقاليم ذلك. وهذه الدعوة هي ما رفضه بيان من مكتب الصدر الذي يرفض الفيدرالية، التي تتماشى مع مساعي التفتيت الأميركية. وكان عمار الحكيم قد زار الأنبار للمرة الأولى للمصالحة مع العشائر السُّنية وتشكيل جبهة ضد الإرهاب لا يبدو أنها سترى النور.
المؤلم في هذه التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي محورها العراق أننا، مع الأغلبية الساحقة من العراقيين، نبقى متفرِّجين متأثرين وغير مؤثرين، مع أننا جميعاً سنكون أكبر الخاسرين!

المصدر: صحيفة الاتحاد الاماراتية





Labels:

Saturday, October 20, 2007

الدكتور عبد المجيد الرافعي في مقابلة صحافية:


مقاومة الشعب العراقي مستمرة


حتى تحرير العراق


في لقاء صحافي أجراه معه، السيد جيل مونيه، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية العراقية، ونشر في مطبوعة الجمعية


تحدث الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي، نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، عن نشأة حزب البعث وثورة 17-30 تموز وموقف البعث من المسألة الدينية والظروف التي هيأت التحضير للمقاومة العراقية الباسلة والدور التاريخي الذي لعبه الرئيس الشهيد صدام حسين على الصعيدين الوطني والقومي وما تركه للأجيال القادمة من أثر عظيم، ورمز مقاوم في سبيل نهضة العراق والأمة العربية ووحدتها وحريتها.
ولأهمية ما ورد في هذا الحديث، ننشره مترجماً ومما جاء فيه:


ولادة الحزب – الرسالة

س: ماذا مثل بالنسبة لكم، ولأبناء جيلكم، قيام حزب البعث وثورة تموز 1968 في العراق؟
ج: ولد حزب البعث من مخاض طويل، وبعد دراسة معمقة لحال الشعب العربي والأقطار التي تكون منها الوطن العربي، وفي حينها، كان الوضع العربي كما يلي:
- كان الوطن العربي مجزءاً إلى عدة دول، من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي.
- هذه الدول، كانت مستعمرة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، أو تحت الانتداب أو الوصاية الأجنبية.
- انتشار التخلف والجهل والفقر في تلك المرحلة.
إن الوعي لهذه الأوضاع والدراسة المعمقة لوسائل معالجتها أدت إلى تأسيس حزب البعث في 7 نيسان 1947.
الأستاذ ميشال عفلق، الذي توفي 23 حزيران 1989 كان في طليعة المؤسسين، والهدف كان تحرير الوطن العربي ونهضته، من خلال حركة قومية عربية، تستند إلى أيدلوجية الوحدة والحرية – الديمقراطية، والاشتراكية، الكل في إطار إنساني، وقد نظمت هذه الحركة عملها ضمن نطاق مجموع الدول العربية، بحكم أنها تعمل لصالح الجماهير العربية.
ومنذ الخمسينات، مثَّل حزب البعث، آمال شريحة واسعة من أبناء جيلي، ولقد كان لنداء مؤسسي الحزب صدى في أعماق نفوسنا، نحن الذين نحيا على الأراضي اللبنانية، السورية، العراقية، الأردنية والفلسطينية، كنا نحلم برؤية العرب متحدين في وطن حر وسيد، متحد وتقدمي، حيث تسود الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
مؤسسو الحزب لم يدَّعوا يوماً امتلاك الحقيقة المطلقة، ولم يعتبروا أنفسهم يوماً أصحاب أيديولوجية كاملة ونهائية، غير أنهم بالمقابل، أقروا، ومنذ البداية، ان مبادئهم ثابتة، وان إستراتيجيتهم حية، وهي بالتالي قابلة للتطوير. والمؤتمرات القومية العربية الاثني عشر أثبتت أن الأيديولوجية البعثية تطورت (خاصة من الناحية الإستراتيجية) لمواكبة تطور العالم.


ثورة تموز 1968، تجسيد حي لفكر البعث

س: لنتكلم الآن عن ثورة تموز 1968 في العراق؟
ج: قبل ثورة تموز 1968، كان الوطن العربي، وخاصة العراق، في تراجع على كل الأصعدة: الحرية، والسيادة والاقتصاد والعلاقات بين الدول العربية. بشكل عام، يمكننا القول أن العرب تلقوا صدمات عدة في تلك الفترة ومنها:
- انفصال الجمهورية العربية المتحدة المكونة من مصر وسوريا في 28 أيلول، 1961، والردة ضد حزب البعث في 18 تشرين ثاني 1963 من قبل الرئيس عبد السلام عارف، بالرغم من أن حزب البعث لعب الدور الطليعي في ثورة 8 شباط في بغداد.
- الانقلاب في سوريا في 23 شباط 1966 ضد القيادة القومية للحزب، والذي نظمه عسكريون كان يفترض أنهم تابعون للحزب.
- الخسارة الفادحة للجيوش العربية المصرية، السورية والأردنية خلال حرب الستة أيام في حزيران 1967 ضد الكيان الصهيوني، وكانت نتيجتها الاحتلال الكامل للأراضي الفلسطينية، إلى الجولان في سوريا، وصحراء سيناء في مصر وإغلاق قناة السويس بالكامل.
هذه الأحداث تركت شعوراً بالذل، في نفوس العرب، والى ذلك، كان العراق يواجه مشاكل إضافية، منها:
- عائدات شركة نفط العراق التي كانت تحتكر المواد النفطية العراقية، وما ينال الخزينة العراقية منها، كان يكاد يكفي لتغطية معاشات موظفي الدولة، لذلك كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد سيء جداً، مما زاد من حالات والفقر والجهل وانتشرت الأوبئة دون أن تتمكن الدولة من السيطرة عليها.
وتحت حكم الأخوين عارف، ساد الظلم والتعسف، وتعرض آلاف المحازبين البعثيين من نقابيين، فلاحين، أطباء، معلمين، مهندسين، محامين، أعضاء الاتحاد الوطني للطلاب العراقيين وأعضاء اتحاد الكتاب، إلى الملاحقة والسجن هم وعائلاتهم، وأصبح العراق بمثابة سجن كبير، حيث أن طليعته المناضلة كانت وراء القضبان، وقد ازداد القمع بعد هروب صدام حسين، الذي كان حينها طالباً في الحقوق، من سجنه.
إن معاناة الشعب العراقي هي التي سمحت للبعثيين ولحلفائهم القوميين والتقدميين من تحقيق هذا التغيير الكبير المنتظر من الشعب، وهكذا ولدت ثورة 17 تموز 1968، والتي كانت بالنسبة لجيلنا، النتيجة الشرعية للأمل الذي ولدته ثورة 8 شباط 1963 والتي ارتد وانحرف بها عبد السلام عارف في 18 تشرين الثاني 1963.
ثورة تموز 1968 أعادت الأمل للمواطنين العرب والعراقيين في تأسيس دولة تُحكم من قبل مناضلين قوميين، وأن حزب البعث معروف برغبته في خلق عراق جديد مستقل عن كل تبعية خارجية، وبإرادته تمت استعادة موارده النفطية المسروقة من قبل الشركة البريطانية الـ IPC، المسماة شركة نقط العراق.
ولقد عمل حزب البعث على وضع الدستور الذي يسمح للأكراد في شمال العراق بحكم أنفسهم، كما قام بسن القوانين التي تتعلق بالإصلاح الزراعي، والتطور الصناعي، وتحرير المرأة، ومحو الأمية، والديمقراطية، والانتخابات النيابية والبلدية، والتعليم الابتدائي الإلزامي، ومجانيته على كل الأصعدة، فضلاً عن إنشاء البرامج التعليمية المتطورة في المجالات الأدبية والعلمية والتقنية، هذا البرنامج كان هدفه الأساسي تحرير العراق أرضاً وثروات والسير به على طريق النهضة بتعاون وثيق مع باقي الدول العربية.


نعم للإيمان بالله، ولا لتدخل الدين في الدولة

س: بعد حرب إيران والعراق، وحربي الخليج والحصار، أخذ الإسلام مكاناً مهماً في خطابات صدام، هل يمكننا أن نتكلم هنا عن تطور أو تغيير في الأيديولوجية البعثية؟
ج: حزب البعث لم يكن يوماً يدعو إلى الإلحاد، وإنما على العكس، هو حزب مؤمنين، مناضلين، يؤمنون بالله، سواء كانوا مسلمين، مسيحيين أو غير ذلك، وبالنسبة لهم فإن الله هو خالق هذا الكون.
ولكن حزب البعث، يميز بين الإيمان والدين من جهة، والنظام والدولة من جهة أخرى، أنه حزب علماني لا يسمح بتدخل الدين في شؤون الدولة، وبالنسبة له، الدولة يجب أن تكون مستقلة عن الدين، وعن رجال الدين، غير أن هذا لا يمنع اللجوء إلى الأدبيات الدينية.
وميشال عفلق، المسيحي، المؤسس الرئيسي لحزب البعث، استدرك العلاقة التي تجمع الإسلام بالأمة العربية، "فالإسلام هو دين نزل في أرض عربية، وعلى نبي عربي، وباللغة العربية". الإسلام هو إذن جزء لا يتجزأ من التراث العربي. وميشال عفلق شرح سنة 1940 ان البعث والإسلام ليسا متناقضين، وأوضح سنة 1943 في خطابه الشهير في جامعة دمشق تحت عنوان: ذكرى الرسول العربي:
"إننا نرى في العروبة جسداً، روحه الإسلام" و"إن المسلم هو العربي الذي آمن بالديانة الجديدة، لأنه يجمع بين الظروف والفضائل التي كانت ضرورية ليفهم أن هذه الديانة تجسد الانطلاق العربي، نحو الوحدة والقوة والتطور".
وقال ميشال عفلق ايضاً: "قد لا نُرى في الجوامع، نصلِّي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكن نحن نؤمن بالله، وفي حاجة ملحَّة للإيمان، فعبؤنا ثقيل، وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة".
هذا هو ملخص موقف حزب البعث من هذا الموضوع، ولنعد للسؤال المطروح، لنقول، لا، فحرب إيران – العراق وحربي الخليج والحصار، لم يكونوا، بالنسبة لحزب البعث وللرئيس صدام حسين، مناسبة لتحقيق تطور أو تغيير في الأيديولوجية البعثية، ولا تغيير من عراق علماني بعثي إلى عراق ديني، هذه الأحداث، كانت فرصة للتذكير ولإظهار قيم الإسلام مثل الإيمان، والثقة بالنفس الروحانية، ومعنى الشجاعة والبسالة للدفاع عن بلدنا، وهذا حتى الشهادة.


القائد صدام حسين أعد للمقاومة منذ سنين

س: أنت عضو في القيادة القومية لحزب البعث، العراق محتل ويقاوم، هل يمكن التأكيد أن المقاومة محضَّرة على المستويات العليا، إذا كان الجواب نعم، منذ متى، وكيف؟
ج: منذ 17 تموز 1968، لم يشعر العراق أنه بأمان، بل كان محاطاً بدول، بعضها يغذي شعوراً بالعداوة، أن لم نقل بالطمع تجاهه، وأكبر دليل على ذلك، هو الانقلاب المحَّرك من قبل إيران الشاه، والمدعوم من قبل الولايات المتحدة الأميركية آخر كانون الأول 1969، والذي أحبطته الحكومة العراقية.
وبعد السيطرة على الـ IPC في حزيران 1972 والحصار على البترول العراقي، جرت محاولة انقلاب مماثلة تم إحباطها أيضاً في صيف 1973.
ولمواجهة ذلك، قررت الحكومة العراقية أن تنشيء جيشاً شعبياً في 1973 حيث كان أعضاؤه في البداية، من الحزبيين، في حزب البعث فقط.
وفي سنة 1976، سمح للمرأة بالانضمام للجيش الشعبي مع توفير التدريب المناسب لها.
وفي سنة 1978 أقر الجيش، هذا التجنيد لكل الشعب العراقي دونما استثناء، والدور الأساسي للجيش الشعبي كان في البداية حماية الجبهة الداخلية للبلد، ولكن عند اندلاع "الحرب العراقية – الإيرانية" في 1980، توسع نطاق عمله، ليدعم الجيش العراقي في سبيل تأمين وحدة الأراضي العراقية.
ثمَ ولد تنظيم آخر، شبه عسكري: "فدائيي صدام"، والمنضمين اليد أصغر سناً وخضعوا لتدريب أكثر تقدماً، وتميزوا خلال العدوان الأميركي على العراق، وما زالوا، أنهم في قلب المقاومة الوطنية العراقية. في 28 أيلول 2000، عندما أعلنت الانتفاضة في فلسطين، دعا الرئيس صدام حسين، كل العراقيين للتطوع من أجل حماية البلد وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني،
وفي غضون أيام، كان الملايين من العراقيين قد تسجلوا وتدربوا على القتال، والكل يتذكر العرض العسكري لهؤلاء المتطوعين والذي دام 13 ساعة والذي حياه واقفاً الرئيس صدام حسين.
كل هذه التنظيمات، هي جزء لا يتجزأ من المقاومة العراقية، ويمكن أن نؤكد أنها شكلت النواة الفعالة لها، مثلما أثبتت المقاومة الباسلة للاحتلال الأميركي منذ أربعة سنوات ونيف، وجودها وفعاليتها، وارتدادت ذلك في قلب المجتمع الأميركي، كما في داخل الكونغرس الأميركي.
وأن هذه المقاومة ستتواصل، حتى تحرير العراق، وحتى انسحاب القوات الأميركية وحلفائها من كل الأراضي العراقية.


سيبقى شهيد الأضحى صدام حسين، رمزاً خالداً من تاريخ الأمة

س: كنت تعرف جيداً الرئيس صدام حسين، أي أثر سيترك في تاريخ الأمة العربية؟
ج: قابلت الرئيس صدام حسين لأول مرة في المؤتمر القومي العربي السادس في تشرين الأول 1963 في دمشق. حينها ألقى خطاباً طويلاً انتقد فيه سلطة البعث وحلفاءه، التي كانت تحكم منذ 8 شباط 1963. هذا الخطاب أوضح تماماً الوضع المتأزم للنظام في العراق، فلفت نظر كل الرفاق المشاركين في المؤتمر، وخاصة نظر الأستاذ ميشال عفلق، قائدنا المؤسس.
وصدام حسين في ذلك الوقت، كان لا يتعدى السادسة وعشرين ربيعاً. ثم تعرفت عليه لاحقاً وعن قُرب، عندما كنا نحن الاثنين عضوين في القيادة القومية لحزب البعث، وكان العراق بقيادته يسير على خطى بناء دولة تقوم على أسس مبادئ البعث، صدام حسين كان رجلاً مؤمناً، ذكياً ومتأثراً بعمق بحزب البعث فكراً وتنظيماً وكان شجاعاً لديه بعد نظر، ومثفقاً خاصة فيما يتعلق بالتاريخ والإستراتيجية، كان واثقاً بنفسه، حازماً في قراراته، ولديه فكر خلاَّق، كان رجل الدولة المخطط الذي يجمع المبادئ والأسس مع التطبيق بتوازن ذكي، كان يملك حسَّ التخطيط مع الدقة والروح الناقدة الضرورية، كان يعتقد أن تحقيق مبادئ كل ثورة أو نظام يتطور مع فهم وإدراك المجتمع لحقوقه وواجباته.
وقد رأينا أن التعبير عن الديمقراطية في العراق كان يتزامن مع تحقيق النظام لبرنامجه السياسي وهكذا تم التصويت على أول قانون انتخابي يتعلق بانتخابات المجلس الوطني في 17 كانون الأول 1970.
بعد 10 سنوات ومع تحقق محو الأمية بنسبة كبيرة، وبالتزامن مع تطور التعليم على كل المستويات تم سن مشروع قانون انتخابي أكثر تطوراً، نوقش داخل المؤسسات النقابية والشعبية وخضع للاستفتاء وصدر العام 1980.
الرئيس صدام حسين، كان رجل رسالة، استندت استراتيجيته على مبادئ حزب البعث وعلى معرفة واسعة للمجتمع العراقي، ومن هذا المنطلق، أحاط نفسه بمستشارين وخبراء ووزراء وأعضاء في قيادة الحزب، وتشارك معهم في أخذ القرارات. وبهذه الصفات وهذا الإيمان حكم الرئيس صدام حسين، العراق، إلى حين العدوان الأميركي على هذا البلد واحتلاله، وأسر رئيسه، كأسير حرب في 12 كانون الأول 2003، بعد أن كان قد حقق قسماً مهماً من برنامج الثورة (17 تموز 1968)، بشكل خطط سنوية أو خطة خمسية، أو طويلة الأمد.
لقد حقق صدام حسين تأميم النفط، تأكيداً لاستقلال العراق وتحرير ثرواته، وأصدر قانون الحكم الذاتي للأكراد، وكرَّس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التطور في النظام الصحي، الذي أصبح خلال سنوات، من الأحدث والأهم في المنطقة، سواء من ناحية مستوى الجسم الطبي والاستشفائي، أو من ناحية مجانيته.
أما على صعيد وسائل المواصلات، فلقد تقدم العراق بخطوات عملاقة في بناء الطرقات والاوتوسترادات، وأذكر في عام 1963، عند زيارتي الأولى إلى بغداد، ان هذه المدينة كانت عبارة عن مجموعة بلدات أو قرى موصولة ببعضها البعض بواسطة طرقات مزرية، الطريق الرئيسية منها، فقط كان لديها رصيف، ولكنه في حالة يرثى لها.
وفي ظل رئاسته للعراق، أصلح صدام النظام الاقتصادي، وأمم الموارد الطبيعية، والخدمات الرئيسية: الكهرباء، خدمات المياه، سكك الحديد، كما قسم اقتصاد البلد إلى ثلاثة قطاعات: القطاع العام، القطاع الخاص والقطاع المشترك.
أما على صعيد الديمقراطية وبالتزامن مع نمو مستوى التعليم والوعي صدر قانون يتعلق بالأحزاب السياسية عام 1989، وقانون آخر بتأسيس مجالس محلية عن طريق الانتخاب. كما تم إنشاء مساحة حرة للتعبير الديمقراطي في المدارس والجامعات، أعطت للطلاب المجال لانتقاد كل ما يتعلق بالنظام التربوي وبكيفية تطبيقه، بهدف اقتراح تعديلات عليه،
لقد أقام الرئيس صدام حسين، في مكتبه، خطاً هاتفياً خاصاً، لتلقى الشكاوى من المواطنيين، وكرَّس يوماً أو يومين في الأسبوع لاستقبال أصحاب الشكاوى، سواء كانت تتعلق بأمور خاصة أو عامة، وعلى صعيد الأمن الداخلي، يمكننا القول، أن العراق لم يعرف مرحلة أكثر أماناً من المرحلة التي حكم فيها صدام حسين، كما بذلت جهود استثنائية ليتمكن الجيش العراقي من الدفاع عن البلد، ولختم هذه القراءة السريعة أقول: أنه تحت حكم صدام، دخل العراق فعلاً في طريق النهضة.
ولكن الولايات المتحدة الأميركية، لا تسمح لدولة من العالم الثالث، أن تتطور فعلياً، خاصة إذا كان لديها موارد بترولية ولها سياسة وطنية مستقلة، ودور فاعل عل الصعيدين الفلسطيني والعربي.
ففي عام 1981، دمرت "اسرائيل" المفاعل النووي المدني المنشأ من قبل فرنسا، ثم اخترعوا موضوع أسلحة الدمار الشامل، وعلاقة المسؤولين العراقيين بـ"القاعدة،" بالرغم من أن كل هذا افتراء، وتطلعات القاعدة مناقضة لمبادئ حزب البعث، على كل حال، فإنهم لم يتمكنوا من إثبات أي من هذه الأمور.
وفي النهاية، أعلنت أميركا الحرب على العراق، فاحتلته، مستخدمة الأسلحة الممنوعة مثل القنابل العنقودية، اليوارنيوم المنضب، والقنابل الفراغية الحارقة التي تبث غازات تصل حرارتها إلى أربعة آلاف درجة مئوية، استعملت في ليل 8-9 نيسان خلال الحرب حول مطار صدام حسين في بغداد.
ولقد قاتل الجيش العراقي ببسالة خلال ثلاثة أسابيع، حتى استعمال هذه الأسلحة، التي هي أسلحة قتل جماعي، وممنوعة في الاتفاقات الدولية، ومنذ 11 نيسان 2003، تكمل المقاومة العراقية المسيرة وهي تكبد المحتلين الخسائر الضخمة في الأرواح والآليات ومختلف المناحي العسكرية، أما الرئيس صدام حسين فلقد كان هو المحرك وهو القائد لهذه المقاومة وحتى عند تنفيذ حكم الإعدام بحقه وهو على منصة الإعدام، حيا المقاومة والمقاومين وصرخ: "يحيا العراق، تحيا فلسطين، تحيا الأمة العربية، أشهد أن لا اله إلا الله..."
خلال الزيارة التي قام بها رامسفيلد إلى زنزانته، رفض صدام أن يحاوره، بعد أن خيَّره في أن يعيش بهناء في البلد الذي يختاره، شرط أن يوافق على الظهور على شاشة التلفزة ويعطي أمراً إلى المقاومة العراقية بتسليم سلاحها.
وطلب الرئيس صدام من رامسلفيد، وقبل أي مفاوضات، الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، وتحرير الأسرى العراقيين المدنيين والعسكريين، وتعويض العراق عن الخسائر التي مني بها منذ الاعتداء.
وبالرغم من حملة محاولة نزع الهالة - وأقول أكثر الحملة الشيطانية – التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ أكثر من خمسة عشر سنة على الرئيس صدام حسين، فأنا متأكد أنه سيبقى في المستقبل، مثلما كان دائماً، وما هو اليوم رمزاً لحرية ووحدة ونهضة العراق والأمة العربية، وكما جاء في الآية الكريمة: ((فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) صدق الله العظيم
ترجمة: ريما بيسار


للعودة الى الصفحة السابقة

Labels:

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker