Articles to read...

Tuesday, June 10, 2008

100 مليون شخص مهددون بالسقوط في الفقر

مائة مليون شخص مهددون
بالسقوط في الفقر

لندن: د. أحمد عيسى
يعيش نحو مليار شخص في أنحاء مختلفة من العالم على أقل من دولار يومياً (حد الفقر المدقع)، في حين يعيش حوالي 1.5 مليار آخرين على ما بين دولار ودولارين يومياً (حد الفقر).. وقد صرح رئيس البنك الدولي "روبرت زوليك" مؤخراً بأن "ارتفاع أسعار الغذاء قد يدفع 100 مليون شخص إضافي إلى دائرة الفقر المدقع، ويمحو جميع المكاسب التي تحققت لأفقر مليار شخص خلال السنوات الماضية".
احتجاجات عنيفة ضد ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الأساسية شهدتها "مصر"، و"الكاميرون"، و"هاييتي"، و"بوركينافاسو"، والبقية في الطريق تنذر باضطرابات أمنية وسياسية؛ فقد اندلعت في "مكسيكو سيتي" احتجاجات جماهيرية على ارتفاع تكلفة الخبز، وشهد "غرب البنغال" اندلاع نزاعات حول ترشيد حصص المواد الغذائية.. ولم تكن "السنغال" و"موريتانيا" وأجزاء أخرى من أفريقيا بمنأى عن ذلك؛ حيث شهدت أعمال شغب نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب. أما في اليمن، فقد خرج الأطفال في مسيرات حاشدة ضد جوع الأطفال.
الفقراء ينفقون في المتوسط ما بين 50 و75% من دخولهم على شراء المواد الغذائية، ولا يثير ارتفاع أسعار الأغذية الاضطرابات فقط وإنما يهز اقتصادات الكثير من الدول، ويذكي مشاعر رعب غير مسبوقة، وحين ينعدم الأمن الغذائي ينعدم معه الأمن الاجتماعي السياسي..
فما السر وراء الأزمة؟ وكيف يحدث هذا في العصر الجديد للعولمة؟ وهل هي أزمة غذاء أم أزمة أخلاق عالمية؟ وهل ستستفيق بلادنا فتطبق أخلاق الإسلام وتأكل مما تزرع؟!
زيادة عالمية: وقد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة أن 36 بلداً من بلدان العالم تواجه أزمة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والوضع سيستلزم تقديم مساعدات خارجية إليها، وقد تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العديد من تلك البلدان نتيجة للصراعات والفيضانات أو الظروف المناخية البالغة الشدة (1). وارتفعت أسعار القمح بنسبة 200%، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصفة عامة بحوالي 75% منذ بداية هذا القرن.
ولكن تلك الزيادات مازالت شديدة الوطأة على ملايين المستهلكين من الفقراء، ومن المرجح أن تستمر الأسباب الجذرية لظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأمد المتوسط، بسبب ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والأسمدة، وضعف الدولار الأمريكي، وفرض حظر على صادرات المواد الغذائية، وزيادة حجم الطلب على المحاصيل الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي، وخاصة في أمريكا وأوروبا، وموجات الجفاف التي ضربت أستراليا وبلداناً أخرى، وانخفاض المخزون العالمي من الغذاء.
ووفقاً لما ورد في التقرير الحديث "ارتفاع أسعار الأغذية: خيارات السياسات واستجابة البنك الدولي" (2)، فقد وصلت الزيادة في أسعار القمح العالمية إلى 181% خلال 36 شهراً حتى فبراير 2008م، وارتفعت الأسعار العالمية للمواد الغذائية عموما بنسبة 83%.. وترتفع الأسعار بصورة مذهلة، ففي شهر واحد فقط، قفزت أسعار القمح الأمريكي من 375 دولاراً إلى 425 دولاراً أمريكياً للطن، وأسعار الأرز التايلندي من 365 دولاراً إلى 475 دولاراً للطن، وكلا البلدين من البلدان الرئيسة المصدرة للحبوب..
وهناك شبه إجماع على أن اضطراب النمط المناخي التقليدي يعود إلى إضرار البشر بالبيئة، وهو الضرر الذي تسببت في معظمه تاريخياً الدول الصناعية الغنية وفي مقدمتها: "الولايات المتحدة" و"ألمانيا" و"فرنسا" و"بريطانيا" و"اليابان"..
يقول المدير العام لصندوق النقد الدولي: "ومن المرجح، بالنظر إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، أن يواجه العديد من البلدان الفقيرة "عجزاً هائلاً" في الموازين التجارية.. الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث اختلالات في اقتصادات تلك البلدان".
ويقول رئيس مجموعة البنك الدولي: "إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يساهم أيضاً في تفاقم مشكلة سوء التغذية، وإن أزمة أسعار المواد الغذائية الآخذة في الارتفاع يمكن أن تعني (سبع سنوات ضائعة) في جهود مكافحة الفقر على مستوى العالم".

أسباب الأزمة
ارتفاع أسعار النفط الخام يعدُّ من العوامل الرئيسة التي أثرت بقوة على الاقتصاد الزراعي عن طريق زيادة الأسعار في كافة مراحل إنتاج وتوزيع الغذاء.
الضغط على المعروض الغذائي في الأسواق العالمية أما أسبابه: فبعضها موسمي مثل الجفاف الذي ضرب محصول القمح في بلدان رئيسة منتجة مثل "أستراليا" و"كازاخستان"، وأدى إلى تراجع محاصيل "المغرب" في الموسم الماضي، أو الصقيع الذي أضر بالزراعة "السورية" و"الأردنية" مثلاً هذا الموسم.. وإضافة إلى ذلك، ينظر كثير من المزارعين والمهندسين الزراعيين وخبراء الأمراض بقلق للتفشي المقبل من الأمراض، الأمر الذي يهدد غلة المحاصيل في صوامع الغلال الرئيسة في العالم.
وما يزيد من كون الأزمة أزمة غنى وفقر أن الدول الصناعية، تريد الاستعاضة عن الوقود التقليدي بوقود حيوي من المنتجات الزراعية، وينعكس ذلك على المعروض من الغذاء، فدول أمريكا اللاتينية مثلاً مطلوب منها تحويل قدر كبير من الذرة والقمح الذي تنتجه إلى "إيثانول" لتموين السيارات الأمريكية والأوروبية بوقود رخيص، وطبعاً تجد تلك الدول الزراعية الجنوبية أن الوقود من الزراعة أربح لها من بيع الحبوب، دون إدراك لعواقب ذلك على تغذية مواطنيها وشعوب العالم، حيث يُستخرج "الإيثانول" من الذرة وقصب السكر، بينما تُستخدم المحاصيل الزيتية في إنتاج الديزل، وهذا يهدر 100 مليون طن من الحبوب.. وعلى سبيل المثال يتطلب استخدام 240 كيلوجراماً من الذرة أي ما يكفي لإطعام شخص واحد لمدة عام كامل من أجل إنتاج 100 لتر من الإيثانول لملء خزان سيارة رياضية حديثة، وسمَّى منسق الأمم المتحدة للطعام ذلك بالمجزرة والجريمة ضد البشرية.
تجريف الأراضي الزراعية لصالح الشركات الصناعية العالمية الكبرى.. وحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة، فإن نسبة الأراضي المحمية في العالم الآن لا تتعدى 12% فقط، كما أن نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية تتعرض للاستغلال الكثيف، ما يؤدي إلى تآكل التربة (التبوير أو التجريف) وهو تطور لا يقل خطورة عن التغيرات المناخية السلبية.
نمو السكان وزيادة الطلب في الصين والهند على اللحوم، حيث يُستخدم 760 مليون طن من الحبوب لإطعام الأنعام (تحتاج 8 كيلوجرامات من الحبوب لتحصل على كيلوجرام واحد من اللحم البقري).. ففي الصين ارتفع معدل استهلاك الفرد من اللحوم من 20 كيلوجراماً إلى 50 كيلوجراماً خلال ربع القرن الماضي الأخير.

مشكلة الماء: ويتعدى الأمر إلى استخدام الماء، فالحصول على كيلو جرام واحد من القمح يحتاج إلى حوالي 2000 لتر من الماء، وللحصول على كيلوجرام واحد من اللحم البقري نحتاج إلى 13000 لتر من الماء!

أخلاقيات السوق
سيزداد الفقراء (المستوردون) فقراً، والأغنياء (المصدرون) غنى.. خذ مثلاً القمح، وانظر الجدول تر موقع "مصر" و"إندونيسيا" و"الجزائر" و"المغرب" من المأساة، وتتعجب كيف تتحول مصر بنيلها العظيم إلى أكبر مستورد للقمح في العالم!
ورغم ما يبدو من خطر المجاعة؛ إلا أن كمية الغذاء التي تنتج وتحديداً المحاصيل الزراعية الغذائية لم تشهد نقصاً حاداً بقدر ما ارتفعت الأسعار.. ففي العام الماضي، كان الإنتاج العالمي من الحبوب 2.1 بليون طن (أعلى 5% من العام الذي سبقه) ولكن نصفها فقط يصل إلى الأفواه.. وضاعف من المشكلة أن تلك الأسعار المرتفعة لا تعود على المزارعين، وإنما تذهب للشركات الكبرى والتجار العالميين في الحبوب والمحاصيل الزراعية.
ورغم زيادة الطلب على الأغذية، من حبوب ولحوم، خاصة من اقتصادات سريعة النمو إلا أن العرض ليس بالسوء الذي تصوّره التصريحات الحالية، فإلى جانب الضغط على الموارد هناك أيضاً مضاربات وسوء توزيع وممارسات احتكارية وانتهازية تسهم في دفع الأمور إلى حد الأزمة.. وكذلك يسهم كبار أثرياء العالم في زيادة أسعار الغذاء عبر المضاربة على أسعاره وتحقيق مئات المليارات من الدولارات من الأرباح السهلة والسريعة على حساب المليارات من فقراء العالم..
وقد دخلت صناديق الاستثمار الخاصة سوق السلع بكثافة، هروباً من عدم اليقين الذي ساد الأسواق المالية، وانهيار العملة الأمريكية، حتى صناديق الثروات السيادية للدول Sovereign Wealth Fund (SWF) التي غالباً ما تستثمر في السندات والأصول العقارية بدأت في تنويع محافظها الاستثمارية عبر دخول أسواق السلع.. كل ذلك أدى إلى ارتفاع أسعار تلك السلع، ومنها الزراعية والغذائية، عبر المضاربات الهائلة على عقودها الآجلة.
الهوامش

Labels:

إنتاج "الوقود الحيوي" من الحبوب

إنتاج "الوقود الحيوي" من الحبوب
تورنتو: زينب المتولي

برزت مؤخراً مشكلة جديدة في قائمة الأزمات العالمية، وأضحت تضاهي "الإرهاب" في تهديد أمن العالم، ألا وهي "أزمة الغذاء" وما يتضمن ذلك من نقص حاد في كميات المواد الغذائية الأساسية، وبالتالي ارتفاع جنوني لأسعارها.
واهتمام العالم بهذا الأمر الآن لا يعني أنه كان مكتفياً غذائياً في السابق؛ فالجميع يعلم أنه يوجد الملايين ممن يعيشون تحت خط الفقر، كما هو الحال في بعض دول قارة أفريقيا وكذلك في قارة آسيا..
ولكن الجديد الآن هو أن أزمة الغذاء أصبحت تطال دولاً متقدمة مثل: بريطانيا، التي تستورد 37% من موادها الغذائية، ونصف حاجتها من الخضار و95% من الفواكه، ناهيك عن تأثر الدول النامية والفقيرة بهذا النقص المفاجئ والحاد، مما أدى إلى إثارة اضطرابات وقلاقل سياسية كما حدث في "مصر" و"الفلبين".

إجراءات.. وخطط مستقبلية
وفي مقاطعات "تايلاند" المشهورة بزراعة "الأرز"، اعتبرت حالات السرقة بسبب غلاء الأسعار، الأولى من نوعها منذ أزمة النفط في منتصف السبعينيات.. وتوقعت وزارة الزراعة الأمريكية أن إنتاج الأرز سيهبط إلى أدنى مستوى له منذ منتصف السبعينيات، وأن إنتاج القمح سينخفض أيضاً إلى أدنى مستوى له منذ عام 1946م.
وبينما يتوقع خبراء أن تبقى الأزمة قائمة إلى ثلاث أو خمس سنوات قادمة، بدأت حكومات الدول الفقيرة والمتضررة باتخاذ إجراءات للحفاظ على أسعار منخفضة للمواد الغذائية المحلية لضمان اكتفاء السكان الفقراء منها.. فقد حظرت كل من "الهند" و"باكستان" و"فيتنام" تصدير الحبوب، كما منعت "مصر" تصدير الأرز لمدة ستة أشهر ابتداء من الأول من أبريل الماضي.
وقد صرح رئيس البنك الدولي "روبرت زويلك" بأن أزمة الغذاء العالمية تتطلب الاهتمام العاجل من زعماء العالم، وناشد الدول المانحة أن تتبرع عاجلاً لمنع حدوث انخفاض عمليات توزيع الغذاء على الفقراء.. وقال مسؤول برنامج الغذاء في الأمم المتحدة "كريك بارو": "حسب تقديرات برنامج الغذاء، فإنه بحاجة إلى مبلغ 500 مليون دولار ليتمكن من توصيل الغذاء إلى 73 مليون شخص في أفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى ممن يحتاجون إلى المساعدة"، وأوضح أنه بينما كانت المجاعة سابقاً تنحصر في المناطق الريفية، فإنها اليوم امتدت إلى المناطق المتحضرة.. وأضاف: "هذا هو الوجه الجديد للفقر، فالطعام متوفر في الأسواق، ولكن لا يستطيع الناس شراءه"، كما ذكر أن عجز الغذاء سوف يمتد إلى الشعوب الغربية المتقدمة كما هو الحال في "اسكتلنده".
وعن الخطط المستقبلية أشار "زويلك" إلى أن البنك الدولي، بالتعاون مع الدول المحتاجة في أفريقيا، سيعمل على تنفيذ ما أسماها ب"الثورة الخضراء" التي تهدف إلى التحول عن سبل المعونة التقليدية في إيصال الغذاء للفقراء، وزيادة الإنتاج الزراعي المحلي إلى حد يسد حاجة الناس من المواد الغذائية وإنشاء أسواق محلية للتداول.

بنجلاديش.. وشبح المجاعة
وتعتبر "بنجلاديش" من الدول المعرضة لخطر شح الغذاء، كما ذكرت ذلك وكالة الصحافة المتحدة، وتحدث مراقبون ومن بينهم مستشار وزارة الغذاء في بنجلاديش عن إمكانية أن يصبح 30 مليوناً من السكان البالغ عددهم 150 مليوناً عرضة للمجاعة.. وقد كانت البلاد تواجه حتى الآن مشكلات عدة، منها النقص المتزايد في الأراضي الزراعية بسبب أعمال التصنيع والتحضر، والتزايد المستمر في عدد السكان، وفيضانات وأعاصير دمرت ثلاثة ملايين طن من المحاصيل الزراعية، وتركت الملايين من البشر بدون مأوى.
ولذلك فإن الارتفاع الحاد في أسعار الأرز بنسبة 30%، وهي المادة التي تشكل أساس غذاء السكان، أدى إلى أزمة كبيرة في الدولة التي يعيش فيها ما يقارب نصف السكان على أقل من دولار واحد في اليوم، وخرج ما يقرب من عشرة آلاف من عمال النسيج في مظاهرات طالبوا برفع أجورهم لمواجهة شبح ارتفاع الأسعار، وبينما تحاول الحكومة جاهدة التعامل مع الأزمة بفتح متاجر في كل مكان في الدولة لبيع الأرز المدعوم حكومياً، إلا أنها تبقى مهددة بالسقوط.
أسباب ارتفاع الأسعار
واتفق المراقبون والمحللون الاقتصاديون على أن من أهم أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤخراً ارتفاع أسعار المحروقات، وبالتالي ارتفاع تكلفة تخصيب التربة وتكلفة نقل المحاصيل، مقترناً بانخفاض في الإنتاج نتيجة لأسوأ جفاف حصل لأستراليا على مدى قرن، والذي أدى إلى انخفاض إنتاج القمح بنسبة 60%.
ومن أهم أسباب ارتفاع الأسعار أيضاً، وهو سبب حديث من نوعه، إنتاج الوقود الحيوي "الإيثانول" المستخرج من الذرة والسكر ومحاصيل زراعية أخرى، والذي شجعت كل من "كندا" و"الولايات المتحدة" الأمريكية ودول أخرى على إضافته إلى وقود الجازولين، وذلك لتقليل الاعتماد على النفط، وخفض نسبة التلوث في البيئة وظاهرة الاحتباس الحراري.
وأصبح جل اهتمام المزارعين متوجهاً إلى زراعة تلك المحاصيل وبيعها لا لتصير خبزا يطعم البشر وإنما لتصير وقوداً يغذي وسائل النقل.. واقتطعت أجزاء من الأراضي المخصصة لزراعة القمح وفول الصويا؛ لأجل زراعة الذرة وقصب السكر وبيعهما لصانعي الوقود، مما أدى إلى نقص شديد في محاصيل القمح وفول الصويا، وبالتالي ازدياد أسعارهما بشكل خيالي.

الوقود الحيوي
وتشن شخصيات غربية هجوماً حاداً على استخدام المحاصيل الزراعية لصناعة الوقود الحيوي بدلاً من توجيهها للاستهلاك البشري، فقد دعا رئيس الوزراء البريطاني "جوردون براون" المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي إلى إعادة النظر في الدور الذي يلعبه إنتاج الوقود الحيوي في رفع أسعار المواد الغذائية، حيث قال: "نحتاج الآن إلى أن نتفحص التأثير الحاصل على أسعار الغذاء من مختلف طرق إنتاج الوقود الحيوي".
وذكر المحلل الاقتصادي "بول بروجمان" في مقاله عن أزمة الغذاء أنه بالإضافة إلى رفع الأسعار، فإن إنتاج "الإيثانول" قد أتى بنتائج عكسية على البيئة وأدى إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري؛ بسبب نزع الغابات وقطع الأشجار من أجل زراعة محاصيل القصب على أجزاء من أراضي الغابات.
وبحسب صحيفة ال"جارديان" البريطانية، فإنه بالرغم من أن 20% من محصول الذرة في الولايات المتحدة الأمريكية قد ذهب لصناعة الوقود الحيوي في العام الماضي، فإن هذا الكم من الوقود صالح لاستخدام 2 % فقط من السيارات هناك.. وقال "ديفيد كاميرون" من حزب المحافظين في بريطانيا، في انتقاده لسياسة تصنيع الوقود الحيوي: "باستطاعتنا إطعام شخص لمدة عام كامل من الحبوب التي تستخدم لتعبئة صهريج وقود واحد لسيارة رياضية".. كما صرح "روبن ماينارد"، من رابطة التربة الأمريكية، لصحيفة "صنداي هيرالد" قائلاً: "إن الولايات المتحدة تزرع حالياً سدس محاصيل الحبوب من أجل السيارات، وهذا جنون"!
وبالإضافة إلى الوقود الحيوي، فإن أسباباً أخرى لرفع الأسعار لا يمكن أن تغفل، ومنها إقبال شعبي "الهند" و"الصين"، وهما من أكثر الشعوب عدداً، على تناول اللحوم بعد أن كان اعتماد وجبات السكان الهنود على الخضار بشكل رئيس، والصينين على المأكولات البحرية.. إلا أن تأثير العولمة وإقبال الناس على تناول الوجبات الغربية مثل: الهمبورجر تطلب إنتاج كميات كبيرة من اللحوم، وبالتالي تربية أعداد أكبر من الدواجن والمواشي؛ مما يستلزم زراعة كميات كبيرة من العلف والحبوب لإطعام تلك الحيوانات.

Labels:

Tuesday, June 03, 2008


مشكلة واشنطن مع أعوانها في العراق

محمد عارف
شكا المريض للطبيب من داء النسيان. سأله الطبيب متى بدأ يشعر بالداء؟.. قال المريض: "أي داء دكتور؟!"... قد تصور هذه النكتة حوار أعضاء "نادي الصيد" في بغداد مع السياسي العراقي أحمد الجلبي الذي دعاهم لتأييده في الانتخابات القادمة. وكيف يمكن من دون نكات الاستماع إلى هجوم الجلبي على الولايات المتحدة التي استخدم دباباتها للاستيلاء على "نادي الصيد" خلال الغزو، وتحويل النادي إلى مقر لحزبه (المؤتمر الوطني)، ولم يخرج منه إلا بقرار من رئيس الحكومة آنذاك أياد علاّوي. ورحم الله طباخي النادي وخدمه الذين ذُبحوا بعد ذلك بأسابيع في أسِّرتهم من قبل جناة مجهولين!
و"مهما يكن الشيء الذي يؤلمك لا تخبر به أحداً". يلتزم العراقيون بهذه الحكمة السومرية في تصديق الجلبي الذي يعتبر الرمز الأكبر للاحتلال عندما يقول لهم: "لو استعرضنا الأمور بواقعية وجدّية لِما تحقق طيلة السنوات الخمس، فسنرى أن الأميركيين لم ينجزوا مشروعاً كبيراً واحداً في العراق، سوى بعض المشاريع الصغيرة هنا وهناك ومشاريع الحواجز الكونكريتية". ويردف الجلبي كلامه بتعليق ساخر: "ما شاء الله!".
و"ما شاء الله" على الجلبي إعلان مسؤولي الخارجية والدفاع الأميركيين في بغداد قطع العلاقات معه. وهذه رابع مرة تقطع واشنطن علاقاتها بالجلبي، وتتهمه بأنه "غير أهل للثقة ومحتال". وهذا ما كان يقوله حرفياً قبل الاحتلال "الكلب الناطق" الذي زرعته وكالة المخابرات المركزية في القصر الجمهوري ببغداد. وقد تتسع خاتمة المقالة للتذكير بقصة "الكلب الناطق" الذي طردته واشنطن لأنه كذب ادعاء الجلبي بأن العراق يطور أسلحة الدمار الشامل.

وهل غير القصص المسلية تجعل العين تذرف دموع الضحك بدل البكاء عند سماع شكوى الجلبي من "استهتار الشركات الأمنية الأجنبية بحياة العراقيين"؟.. يلوم الجلبي في ذلك حاكم الاحتلال "بول بريمر" لإصداره "الأمر رقم 17" القاضي بإعطاء الحصانة للشركات الأجنبية. ويتحدى الجلبي أعضاء "البرلمان العراقي" الذي فشل في دخوله أن يطرحوا مشروع قرار يلغي أمر بريمر. ولا نعلم في حال إصدار البرلمان قراراً كهذا لمن تكون السيطرة على صناعة الأمن التي تحقق أكبر الموارد في البلد بعد صناعة النفط.
ويمكن تقدير الأرباح المترتبة على ذلك من كلفة تأمين الحماية للجلبي التي تتحملها الدولة. فالجلبي يتحرك في موكب يتكون من 20 عربة مسلحة تحمل مسلحين شاكي السلاح. وينطلق الموكب في بغداد بسرعة تبلغ 160 كلم في الساعة. يذكر ذلك مراسل صحيفة "لوس انجلوس تايمز" الذي يصف كيف تغلق العربات المسلحة تقاطع الطرق، وتقيم نفقاً متحركا لمرور سيارة الجلبي البيضاء، ثم تتسابق العربات مجتازة الموكب لغلق التقاطع التالي. وعندما يغادر الجلبي السيارة في جولة تفقدية خارجية يحيطه جنود أميركيون وعراقيون، وشرطة عراقيون، وحرس خاص.
ومع أعوان لواشنطن، كأحمد الجلبي، ما حاجتها إلى الأعداء؟.. وقد عادت المصادر الأميركية العليا في بغداد للحديث عن "عمالة" الجلبي المزدوجة لطهران. وكان ذلك سبب القطيعة معه عام 2005 وغزو القوات الأميركية مكاتبه في بغداد. وينصب الاتهام الآن على علاقة الجلبي مع العميد قاسم سليماني، قائد ما يُسمى "لواء القدس" في قوات "الحرس الإسلامي الإيراني". وهذا اتهام ظالم لا يأخذ بنظر الاعتبار مهمة الجلبي كرئيس هيئة إعادة بناء خدمات الماء والكهرباء والصحة في البلد. هل يمكن القيام بذلك من دون مساعدة سليماني الذي يُقال إنه الحاكم الفعلي للعراق؟!.. والسؤال ليس نكتة بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين ذكروا أنهم قطعوا علاقاتهم بالجلبي استجابة لطلب رئيس الوزراء نوري المالكي!
وتنبه تعليقات العراقيين في الإنترنت على كلام الجلبي إلى صراع المصالح بين الأسر الحاكمة الجديدة. وينبغي أن تكون قلوب أعضاء "نادي الصيد" من صخر ليسمعوا حديث الجلبي عن "استشراء الفساد في جهاز الدولة العراقية" من دون أن ينفجروا بالضحك. فهو يذكر الحاضرين بأنه تحدث "في هذه القاعة قبل سنتين.. عن مسلسل الفساد الذي حصل في وزارة الدفاع والذي كلف الدولة مليار دولار". وينتقد الرأي العام ومجلس النواب لعدم إبداء الاهتمام المناسب لحجم المشكلة، ويأسف على حال "الذين تصدوا لهذا الفساد في مفوضية النزاهة وأصبحوا في النتيجة هم الملاحقون"!
قد يطمئن هذا الكلام أغنياء الاحتلال الذين أصبحوا أعضاء في "نادي الصيد" إلى أنهم بمنجى من النزاهة. ولمن بقي في النادي من النخبة العراقية المثقفة تسلية أنفسهم بقراءة آخر كتاب صدر عن الجلبي بالإنكليزية. عنوان الكتاب "الرجل الذي دفع أميركا للحرب"، ويقدم مؤلفه "آرام روستن" مادة صالحة للدراسات الأنثربولوجية، حين يلقي الضوء على الشجرة المتداخلة لأسر أصحاب المصالح، ويروي قصة انهيار "إمبراطورية الجلبي" بعد وفاة عميد الأسرة عبد الهادي الجلبي عام 1989، وظهور أحمد الجلبي، أصغر أبنائه على مسرح الأحداث.
ويُستهل الكتاب بمشهد أحمد الجلبي وهو محاط بمراسلي الصحف في مكتبه في "المنطقة الخضراء" يوم 28 أبريل 2005. "حدثان مهمان وقعا للجلبي وأسرته في ذلك اليوم، أحدهما سياسي والآخر مالي". الحدث الأول الذي كان سبب حضور الصحفيين هو تعيينه بمنصب نائب رئيس الوزراء، ووزير النفط بالوكالة. وتلك كانت أول مرة يصبح فيها الجلبي البالغ آنذاك الستين من العمر عضواً في الحكومة. والحدث الثاني توقيع "المصرف التجاري العراقي" على "اتفاق استراتيجي" مع "كارد تيك" في لندن، وهي شركة مختصة بالبطاقات المصرفية الأوتوماتيكية. مدير "المصرف التجاري العراقي" حسين الأزري، حفيد شقيقة الجلبي، ومدير شركة "كارد تيك" جعفر أغا جعفر، ابن أخت الجلبي، الذي يساهم في ملكية الشركة.
ولعل هذا ما يعنيه الجلبي بدعوته في "نادي الصيد" إلى "استنهاض الروح الوطنية لدى العراقيين" واعتبار ذلك "ورقة رابحة". فتاريخ العراق لم يشهد سياسياً كالجلبي كرس مواهبه لدعم قوانين وإجراءات تدمير أسس الروح الوطنية والمواطنة، بدءاً من فرض الحصار الاقتصادي على البلد 13 عاماً، وحل الجيش والقوات المسلحة والأمن، واجتثاث الأجهزة الإدارية، ونهب أرشيف وسجلات الدولة. ويذكر وزير دفاع حكومة الاحتلال علي علاّوي في كتابه الصادر بالإنكليزية "احتلال العراق"، أن "حزب الدعوة" و"المجلس الإسلامي الأعلى" دعيا إلى الإلغاء الفوري لقرار الحصار الاقتصادي، لكن حزب الجلبي (المؤتمر الوطني) وحزب أياد علاّوي (الوفاق الوطني)، أصرا على المضي في فرض الحصار إلى النهاية.
ولا يعلم إلاّ الله ما فعله الحصار بملايين العراقيين، الذين لا يخبرون أحداً بما يؤلمهم. لأجل عيونهم نروي قصصاً مسلية كقصة "الكلب الناطق" المنشورة هنا في 2/10/2003. وقد يتذكر بعضهم أن "الكلب الناطق" عُرض للبيع مقابل 10 دولارات بعد طرده من الخدمة. وعندما استغرب الناس سعره الرخيص قال بائع الكلب: "هذا أكبر كلب كذاب بالتاريخ... لا عاش بالقصر الجمهوري... ولا سافر لواشنطن بحياته. عُمره ما طلع من البيت، وكل وقته قضّاه يلعب بالكومبيوتر والإنترنت"!


Labels:

صراع جمهوريات العراق الجديد

صراع «جمهوريات العراق» الجديد حول الحدود



فاضل الربيعي


2008-05-26
لم يكن ينقص نموذج «العراق الجديد» الذي سهر الأميركيون عند مهده طوال السنوات الخمس المنصرمة - وهي سنوات شقاء وعذاب لا مثيل لها وقد يصعب تخيّلها، للسكان والجنود الغزاة و «الحكام» والقادة السياسيين على حدّ سواء- سوى نوع فريد من النزاعات حول الحدود، يمكن أو يجب أن تنشب بين المحافظات.
هذا ما حدث مؤخراً حين رفعت محافظة كربلاء «الشيعية» عقيرتها بالصراخ ضد «جارتها السنيّة» محافظة الأنبار، لأنها تمددّت حتى بلدة «النَخْيب»، فما كان من الأنبار إلا أن ردّت على الصراخ بصوت عال، مدّعية «الحق التاريخي المُغتصب»!.
وفي الواقع، تعود جذور هذا التنازع بين المحافظتين إلى سنوات نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، حين أعادت حكومة رئيس الوزراء الراحل عبدالكريم قاسم تعريف «الألوية» (أي المحافظات) في إطار محاولتها إعادة النظر في التقسيم الإداري البريطاني. وكان العراقيون آنذاك يستعملون التعبير الإداري «لواء» بدلاً من «محافظة». في ذلك الوقت نشب خلاف إداري محض، خالٍ تماماً من أي ظلال مذهبية أو سياسية أو ثقافية، بين المحافظتين حول بلدة النخَيْب، لكنه سرعان ما انتهى بتسوية ودّية، بما أن الجميع يقطنون في وطن واحد. اليوم، تتفجرّ المشكلة من جديد، وتتخذ طابعاً «مذهبياً» صارخاً.
توقيت إثارة مشكلة البُليدة الصغيرة الشعثاء هو المثير للاهتمام. فهي انفجرت غداة إقرار قانون «انتخابات المحافظات غير المُنتظمة في إقليم»، وقبل أربعة أشهر تقريباً من تنفيذ القانون (شهر أكتوبر القادم)، بما يعني أنه سيظل خلافاً قابلاً للأخذ والرّد حتى وقت طويل، وقد يتحول إلى مشكلة سياسية-مذهبية على حدود «جمهوريتين» متوقعتين: جمهورية كربلاء وجمهورية الأنبار. بيد أن المثير للاهتمام أكثر من مسألة التوقيت هذه، أن الأميركيين أخذوا في الآونة الأخيرة يُكثرون من استخدام تعبيرات مثل: الأنباريون وشعب الأنبار، وشعب كربلاء. كما أن وسائل الإعلام في واشنطن تحرص على ترسيخ المصطلحات الجديدة. فما هي دلالة نشوب نزاع بين محافظتين عراقيتين «شيعية وسنية» في هذا الوقت بالذات؟
إذا ما وضعنا هذا الخلاف في إطاره الحقيقي، فإن خطورته ستظل محدودة، وربما لا قيمة لها على صعيد تقرير السياسات العامة في البلاد، لأنه خلاف إداري تقليدي وربما فلكلوري. أما إذا وضعناه في سياق المشكلات الطائفية المحتدمة، فإنه سوف يتخذ عاجلاً أم آجلاً صبغة مذهبية وسياسية عويصة.
وفي هذا النطاق، يروي التاريخ الشعبي العراقي رواية طريفة عن نزاع فلكلوري نشب ذات يوم بين بلدتي «عانة» و «راوة» غرب العراق حول مياه النهر. ويبدو أن سكان البلدتين وجدوا حلاً طريفاً: أن يقسموا النهر بواسطة حبل يفصل «وهمياً» بين المياه الجارية في أراضي البلدتين. وتقول رواية شعبية يرويها السكان عن أنفسهم وجيرانهم، كيف أن أهالي راوة كانوا يخرجون ليلاً بقضّهم وقضيضهم وهم يحملون الجرار والأواني ليغرفوا من حصة العانيين، وليضيفوها إلى حصتهم، بينما يخرج العانيون في اليوم التالي ليفعلوا الأمر ذاته، بينما يواصل النهر جريانه غير عابئ بهذه اللعبة الساخرة بين المتنازعين. بيد أن عالم السياسة قد لا يعرف هذا النوع من الطرائف التي يحكيها المتنازعون، وهو بخلاف عالم التاريخ الشعبي قد لا يتقبّل هذا النمط من المزاح المتبادل، ذلك أن صراع الإرادات السياسية حول المياه والحدود والثروات والسلطة بين العراقيين بات اليوم قانوناً صارماً.
وهذا هو مغزى تشريع قانون «المحافظات غير المُنتظمة في إقليم»، وحرص الأميركيين على الإسراع في تطبيقه قبيل موعد الانسحاب المتوقع. وللمرء أن يتخيّل كيف ستعالج المحافظتان هذه المشكلة حين تصبحان، كل من جانبها، ضمن «إقليم» مذهبي شيعي وسني! ومن غير أدنى شك، فإن مشكلة «فلكلورية» من هذا النوع يمكن أن تصبح، بين ليلة وضحاها، مادة ُمفجرّة لنزاعات مماثلة حول الحدود بين محافظات الأقاليم، وربما بين محافظات الإقليم الواحد.
ليس دون معنى أبداً أن الأميركيين يسارعون مع كل معركة «ضد الإرهابيين» أو «المسلحين» أو «الخارجين على القانون» في الجنوب كما في غرب العراق كما في وسطه وصولاً إلى العاصمة بغداد، إلى نصب حواجز إسمنتية عملاقة بين الأحياء وفي الشوارع بحجة «منع إطلاق الصواريخ»، ثم سرعان ما تصبح هذه الحواجز جدراناً عازلة كما هو الحال في الأعظمية والشعلة والغزالية والصدر ومئات القرى والبلدات. وفقط تذكّروا أن الإسرائيليين أقاموا الجدار العازل في الضفة الغربية بحجة «منع إطلاق الصواريخ»؟.
أما في العراق الجديد المؤهل لأن يصبح «عراق الجمهوريات» بسهولة، فليس من قبيل التشاؤم أن يُقال إنه يتجه إلى نمط جديد من الصراعات حول الحدود بين جمهورياته. هذه الجمهوريات التي لن تفصل بينها حواجز جمركية أو «أمنية» وحسب، بل سوف تفصل بينها جدران عملاقة من النوع الذي يُبنى اليوم على حدود العراق مع السعودية، وبين مصر وغزة وهلمّ جرا.

وسقى الله أيام صراع الراويين والعانيين حول مياه النهر. لقد كانوا يتنازعون ويضحكون ويقولون لبعضهم: ما «أصغر عقلنا».. نتصارع حول «جرة ماء» أو «قطعة أرض» ونحن أبناء وطن كبير!

كاتب عراقي

Labels:

  

Webster's Online Dictionary
with Multilingual Thesaurus Translation

     

  English      Non-English
eXTReMe Tracker