لعن الله من لا يلعن ابن العلقمي
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لعن الله من لا يلعن ابن العلقمي
د. خالد الكركي
رئيس الجامعة الاردنية
اليوم عادت علوج (الرومِ) فاتحة وموطن العرب المسلوب والسلب
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم نصدق، وقد صدق التنجيم والكتب
ماذا تري يا أبا تمام هل كذبت احسابنا؟ او تناسي عرقه الذهب
(عبد الله البردوني في قصيدته عن أبي تمام 1971)
ذلك هو العراق العظيم يمد وجعه علي الامة كلها.. ويحنو علي الصادقين من ابنائها الذين مسهم الذهول ومازالوا علي قلق من زمن الاحتلال الامريكي، وبينهم من ينادي علي صاحبه:
اعرني طرف زرقاء اليمامة....،
وبينهم من يعيد صرخة السياب أن ليس سوي عراق، ويسأل بصوته الخالد:
اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون...؟
ولما كان الزمان خؤونا، وفيه نفوس ضالة تماهت مع العدو، واخذت تتمرغ في وحل الخيانة، فان صورة ابن العلقمي القبيحة لا بد ان تظهر في وجوه كثيرة خذلت مدينتنا الخالدة في ساعة الخطر، او خانتها حين
امتطت في الطريق اليها آليات الغزاة، وتحولت من وجوه لصوص الي وجوه تدعي المعارضة والحرص علي العراق!
لقد كاتب ابن العلقمي المغول سرا قبل اثنتي عشرة سنة من هجومهم علي بغداد، وجر هولاكو الي أبوابها، وفرق العساكر بعيدا عنها، وسرح خمسة عشر ألفا منهم، وأبعد قادة الجيش وفرسانه عن المدينة، وقال ان
عساكر المغول لا نهاية لها، وانه لا مجال للدفاع عن الدولة، وان صبر الناس قد نفد، ولا طاقة لهم علي الحرب... ثم بمقابلته مع سادات المدينة حيث قتلهم هولاكو عن اخرهم..، بل انه هو كما يقول ابن
خلدون الذي استحث هولاكو لقصد بغداد وهون عليه امرها... ذاك هو ابن العلقمي بعد دخول المغول الي بغداد حيث امر هولاكو بقتله، وقيل بل نبذه حتي صار موضع سخرية المغول واهل بغداد... وبعد هلاكه كتب
الناس علي الجدران وأبواب المدارس والاربطة: لعن الله من لا يلعن ابن العلقمي.
ها نحن ما نزال نحدق في الفضائيات العربية، وعيون الغزاة تحاصرنا ليل نهار، نحاول ان نستعيد ساعة من زماننا القومي العذب فلا يطاوعنا الزمان نفسه، فقد صار خائنا مثل بقية العملاء، الروم منهم والعرب، ونحن نري حركة التاريخ الدائبة في البحث عن تراجيديا انسانية يخلفها الاستعمار الامريكي وراءه من زمن هيروشيما الي زمن بغداد.
نحاول، ونسند ارواحنا الي صوت الرفض العربي الذي يملك القليل من الخبز والكثير من الحناجر، ونستعيد صوت سيدة اطلقت حزنها اسراب حمام علي شرفات بغداد، ونادت علي الغائب واولداه،... ونستعيد اكفنا
من هذا الضباب الذي يغطي ارتعاش الورد علي شرفات ارواحنا. آنذاك ستحلق نسور ذات كبرياء باهر، وتفر فلول الغربان الي حيث تصير جثثا يصح في موتها قول أبي الطيب-
لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم **** الا وفي يدها من نتنها عود
ايها العراق
ايها العراق البعيد القريب، اعطنا مساحة من الصبر كي نلقي السلام علي بغداد، اعطنا مساحة لأيتام الامة كي يندبوا حظهم حين لا يجدون الي الحرية والثورة سبيلا.
اعطنا جدارا نستند اليه، فقد غزا الامريكان ارواح الكثيرين منا وشوهوها، حتي صار اصحابها مثل الببغاوات يرددون كلاما يقوله الامريكان عن سيادة الدول وهم يقسمون العراق، وعن حق الشعوب في تقرير مصائرها وفلسطين يذبح اهلها بأسلحة الامريكان، وعن الديمقراطية وهم يريدونها وهمية تغطي استبداد حلفائهم واتباعهم في كل مكان.
اعطنا يا عراق وردة لهذا الجرح العربي ومد الكلام من القدس الي مؤتة... الي ذراعي جعفر النازفتين عطر الفتح علي ثراها... وابعث السلام الي كربلاء، الي روح الحركة الاسلامية التي تظل حرة وكريمة تقرأ في دفاتر صبرها انه لن يستوي في الحق مؤمن وجاحد.
اعرف ان الدروب الي بغداد مسدودة بالغزاة، ومرابع القومية فيها صارت مكاتب لعملاء امريكا، وبينهم الذي تحول من لص للبنوك خارج عمان الي لص كبير في بغداد...
فمن يأخذنا الي هناك، لقد تاهت الرؤية، وصرنا في غربتين عن ارواحنا وأمتنا، وذاك هو المطر النازف من جرح شمس العراق، ونحن في غمرته قد ابيضت عيوننا حزنا عليه، بينما بعض قومنا يسكنهم الخوف، وقد اثروا السلامة وجلسوا ينظرون عبر الفضائيات والصحف عن مغزي سقوط بغداد، دون ان تهتز لهم روح تخبرهم بأن الذي سقط هو الموقف القومي الغائب، والحلف القومي المنهار، حين تركناها تتحمل الحصار وحدها، وتقاتل الغزاة وحدها، تركناها تدمر وتنهب، ويسكنها الاغراب، وقد يصير الفتي العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان!
بغداد وسوي الروم خلف ظهرك روم، روم من الغرب، وروم من العرب، والمعتصم غائب، وسيف الدولة بعيد، وقد اجتازوا الثغور الي حلب ودخلوا الارض والبيوت، والموت يملأ الساحات، ونحن ننادي عند ضريح جعفر ابن أبي طالب: انهض أبا عبد الله فقد تكاثر الروم علينا، وما من سيف غير سيفك يصدهم وأنت تنشد: يا حبذا واقترابها، تصدهم وأنت تعقر جوادك، وتثبت قدميك في الارض، وتمد رؤيتك المبصرة بأن وراء تلك اللحظة زمنا قادما بالفتح والدولة وروح الاسلام العظيم.
أيها الناس
لقد اكتملت دورة الخراب ونحن نلوح بأيدينا للنجوم البعيدة ان تساقط علينا حرية وغيما، ونعاسا، ورجع حنين... وصوتا يصعد الي السماء ان-
سيدي يا عراق
هل رأيت الذي اطلق النار في القلب
هل كان في ساحة القتل من شاهد او دليل
سيدي: هل رآك العسس؟
وهل جاءك الموت من جهة آمنة؟
وهل خانك الاصدقاء؟
سيدي، لا تدعني وحيدا هنا دون ماء
سيدي يا عراق
يا الذي نسجه الزمان من غيم وورد ونجيع وبيان، وطرزه بالكرامة والعزة والارجوان،
نحن لا نتذكر تاريخا راحلا بل نقف عند عتبات مستقبل جديد.. وليس بين اهلك من لا يعرف قدرك، فقد ظلت خيلك في الساح كلما ألم بالأمة مكروه او مس ارضها طامع، ولك الحق ان تقول:
ابناء اعمامنا من اربعين خلت
ونحن نطعم والنيران تشتجر
ما نالت النار منكم تاج سنبلة
الا سعي بيدر منا لها القدر
ها نحن نقرأ هذا الهراء الامريكي المنمق عن التحرير و الديمقراطية، و حقوق الانسان، ونخجل ان لغتنا تسمح لنفسها بالدنو منه، ولا ندري ان كانت هناك دولة لها سجل في الطغيان اوسع من سجل امريكا، او لها سمعة في العدمية والتحيز والافلاس الاخلاقي السياسي مثل ما لها، وما ذاك في باب الهجاء منا، بل هو في باب كشف هذا الزيف الذي ادركه العظيم صلاح الدين الايوبي وهو يصد غزو الافرنج عن ارض الامة، بل
ويقتلعه من جذوره، ويحرر القدس الخالدة، ويعلم جيوشه قواعد هزيمة جنرالات الاستعمار من ارناط حاكم الكرك في زمن الغزو الصليبي، الي غورو الفرنسي الذي ظن انه منتصر يوم وقف بعد الحرب الاولي علي ضريح صلاح الدين مغرورا بقوته.. لكن دمشق العظيمة طهرت الضريح من دنس
وقوفه عنده.
ان علي الذين ينظرون لامريكا وحلفائها و نحن منهم رضي من رضي و سخط من سخط من ابناء امتنا ان يتذكروا ان اي توسع استعماري امبراطوري في التاريخ يبحث عن ارض وثروات وقواعد واتباع، ولا يتوهمن احد منا انه حليف للامبراطورية الامريكية او التوسع الغربي، واولئك هم قادة امريكا لا يخجلون من تصنيف الحلفاء والاتباع وفق معاييرهم، ويقولون ما يريدون وهم في قواعدهم فوق الارض العربية، او من مراكز الحدود التي اقاموها بين دول عربية.
اننا نسمع عن دعوات من بعض المثقفين الذين سقطوا في شهوة الهجوم علي العروبة، وحزب البعث، وصدام حسين ورفاقه، ثم في التبعية لامريكا، نسمع دعواتهم الي الهدوء في مواجهة زخم القوة الغازية، والي توفيق الاوضاع العربية في ضوء المعايير الامريكية للسياسة والاقتصاد.. وهم غافلون عن اخطار الامركة و العولمة وافتراءات صراع الحضارات و نهاية التاريخ، ويغضون الطرف عن هذا الشرطي الامريكي العالمي المدجج بالتكنولوجيا الهمجية، واسلحة الدمار الشامل، والسطحية الفكرية، والرأسمالية الوحشية. لذلك نقول ان من لا يتصدي للخطر الامريكي الصهيوني احمق، ومن لا يتنبه الي التواطؤ ضد مصالح الامة اعمي وفي ضلال كبير.
اقول بغداد
ها صوتي وها وجعي،
فلك في اعناق الامة دبن يظل الي آخر النهايات والتاريخ،
ولك زمان قادم يغيب عنه تجار المواقف،
وجواسيس الغرب وعملاؤه
ولك بهجة العراق الموحد،
ونشوة الجيش العائد،
وفرح الفصول والاجيال.
لك زهو المدن العتيقة ويقين المآذن
والنداء الطالع من ثنيات الجراح،
اقول بغداد،
ما تزال الامة يقظي،
وما يزال في روحها صبر يكفي للصعود الي الذري من جديد
... ولتكن المقاومة
ولتكن الحرب
فرحلة تحرير ارض الامة
ستكون حربا لا يقر لها قرار
صوت-
نبئت ان النار بعدك اوقدت
واستب بعدك يا كليب المجلس
وتحدثوا في امر كل عظيمة
لو كنت حاضر امرهم لم ينبسوا
(المهلهل في رثاء اخيه كليب)
المصدر: شبكة البصرة
السبت 23 شوال 1428 / 3 تشرين الثاني 2007
Labels: لعن الله من لا يلعن ابن العلقمي