هل بدأ الانهيار الامريكي في العراق ؟
صلاح المختار
من ينظر الى تطور الاحداث في العراق، في هذا الشهر ( ايار – مايو ) يخرج بانطباع طاغ : ان مرحلة الحسم قد اقتربت . يقول اهل بغداد وغيرها من مدن الجهاد ان حدة وكثافة اطلاق النيران ، سواء من الرشاشات او المدفعية او القنابل ، وصلت درجة لم تصلها منذ وقع غزو العراق ، ففي كل لحظة هناك قتال واطلاق نار على امتداد العراق ، واصبح اسقاط الطائرات الامريكية يوميا ، فبعد اسقاط الطائرة في بغداد اسقطت اخرى في اليوسفية ، وثالثة في الموصل ، وتلى ذلك اسقاط رابعة في كركوك ! كل ذلك تم خلال اربعة ايام فقط ، وهكذا لم يعد هناك مجال لاحصاء عدد قتلى الامريكان ، ولا تحديد عدد المدرعات والدبابات التي دمرت ! اذن من حقنا ان نتسائل : ماذا يجري في العراق ؟ والى اين وصلت الثورة العراقية الظافرة ؟
اعترافات وتوجهات امريكية
ولكي نتجنب الدعاية والتاثر العاطفي، من الضروري ان نذكر ببعض اهم اعترافات المسؤولين الامريكيين والخبراء حول ما يجري في العراق .اول ما نريد التذكير به هو ما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست الامريكية، عن تزايد عدد الهجمات التي تشنها المقاومة ، فقد تحدثت ، في تقرير لها بتاريخ الأحد 24 نيسان - أبريل ،عن المأزق الذي يعيشه الاحتلال الأمريكي في العراق، خاصة تأكيد الجريدة الأمريكية أن قوات الشرطة والجيش العراقيين لا يسيطران فعليًا على الكثير من مدن العراق، وأنه لا وجود لهما في الشارع العراقي. كما تحدث التقرير عن هروب العديد من أفراد القوات الأمنية، من مواقعها وخلو نقاط الشرطة من الجنود، وزيادة عدد هجمات المقاومة العراقية بنسبة 40% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. ان اهم مافي هذا التقرير هو الاعتراف الصريح بان عدد عمليات المقاومة قد ازداد بنسبة 40 % عن العام الماضي ، وهذا يعني ، وبوضوح تام ، ان المسؤولين الامريكيين يكذبون ،حين يرددون الادعاء القائل بان العمليات قد انخفضت بعد ما سمي بـ(الانتخابات) .
ويضيف مراسل الجريدة الذي زار العراق قائلا : أن رجال المقاومة يسيرون بطول ذلك الطريق بحرية تامة، وقد صعدوا على أحد التلال في الأسبوع الماضي خارج المدينة، وقاموا بإطلاق صاروخ باحث عن الحرارة باتجاه المروحية المدنية روسية الصنع، فمزقها إلى أشلاء الخميس الماضي، مما أسفر عن مصرع 6 أمريكيين و5 أجانب آخرين، بما فيهم أحد الناجين ،الذي تم الإجهاز عليه على يد رجال المقاومة بعد ذلك .
ويتحدث المراسل عن طبيعة المعارك الدائرة في العراق، ويتناول معركة حصيبة كمثال فيقول : وفي مدينة حصيبة على الحدود السورية، وصف المسؤولون الأوضاع الأمنية هناك بأنها مأساوية، وقد شن مقاتلو المقاومة هجومًا يعد ثاني أكبر هجوم منظم على قواعد وتحصينات أمريكية في هذا الشهر، فقد كانت هناك وحدة تابعة ل(لجيش العراقي) قوامها 400 مجند، ولكنهم تقلصوا إلى ما يقرب من عشرين حارسًا فقط، 'مختبئين' داخل معمل للفوسفات خارج حصيبة! وكانوا حريصين فقط على حماية أنفسهم وليس المنطقة، كما صرح بذلك قائد أمريكي من المارينز. ونقل المراسل عن الميجور جون ريد الذي لا تقوم قواته بأية دوريات إلا نادرًا في حصيبة قوله: 'سوف يزعمون أن لديهم المئات من القوات الجاهزة للعودة والقتال، ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أكثر من 30 شخصًا فقط في أي يوم من الأيام، كما أنهم منعدموا الفاعلية تمامًا'. والميجر ريد يتحدث عن ما يسمى ب ( الحرس الوطني ) ، والذي قال جورج بوش عنهم مؤخرا ان بلده درب عددا منهم اكثر من القوات الامريكية في العراق، كي تحل محلها وتسحب القوات الامريكية من العراق ! ويشير المراسل إلى أنه مدينة وراء مدينة ، وبلدة وراء بلدة ،هربت القوات الأمنية التي تعاقدت مع الحكومة من أجل تأمين العراق واستبدال القوات الأمريكية؛ فهم ما بين هارب تارك لمواقعه، أو مختبئ داخل نقاط الشرطة مخافة القتل !
واعترف جيش الاحتلال الأمريكي يوم الجمعة 22 ـ 4 بأن وتيرة الهجمات ضد القوات الأمريكية في المحافظات العراقية تصاعدت ،بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عُقد في قصر المؤتمرات بالمنطقة الخضراء وسط بغداد، وحضره مراسل 'مفكرة الإسلام' في العاصمة بغداد، والذي
نقل عن المتحدث باسم الجيش الأمريكي 'ستيفن ماك' قوله: إن الهجمات ازدادت ضد الجيش الأمريكي بشكل ملحوظ وكبير، إلا أننا لم نفقد السيطرة على الوضع الأمني في العراق ولا زال جيشنا متماسكًا، على حد قوله.
وردًا على سؤال لأحد الصحفيين الأجانب عن عدد أو مقدار الهجمات التي تسجلها القيادة الأمريكية للجيش في العراق، قال المتحدث الأمريكي: لا أعلم، ولكنها ازدادت!وفي هذا التصريح يبدو المثل العربي القائل ( يكاد المريب يقول خذوني ) ، حينما يتحدث عن ( عدم فقدان السيطرة على الوضع في العراق، وان جيشه ما زال متماسكا ) ، وحينما يرفض اعطاء رقم عن عدد الهجمات ! واضاف ناطق امريكي رسمي اخر، هو لورانس دي ريتا الناطق بلسان البنتاجون ،قائلا أن هذا النمو في الهجمات المتزايدة من جانب المقاومة العراقية، قد انصب إلى حد بعيد ، على استهداف أفراد قوات الأمن العراقية أو المسؤولين الحكوميين العراقيين.
وقد وصف دي ريتا رجال المقاومة العراقية في المرحلة الحالية بأنهم مستميتون تمامًا في سبيل شحن الأجواء في مختلف أرجاء البلاد بالهجمات المتلاحقة، ليتزامن ذلك مع بدء قيام الحكومة العراقية بممارسة مهامها.
وبحسب قناة 'واف تي في' التلفازية قال مسؤول البنتاجون: 'هؤلاء المتمردون يحرصون على أن تبقى أخبار هجماتهم هي المسيطرة على الرأي العام ووسائل الإعلام فيما يخص العراق، وعدم السماح لأية تحركات تقوم بها الحكومة الجديدة بأن تأخذ حيزًا من الأهمية' هذا الاعتراف الجديد يؤكد ما تقوله المقاومة من انها تعتمد ستراتيجية فعالة ،تقوم على منع بناء قوات عراقية عميلة تستخدم كدرع يحمي القوات الامريكية ، وجعل اي حكومة عميلة عاجزة حتى عن حماية مسؤوليها من هجمات المقاومة .
وفي يوم 25 -4 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية ، وهي مع زميلتها الواشنطن بوست اهم الصحف الامريكية ، تقريرا مهما يعترف فيه ضابط امريكي بان ثلت فرقته قد قتل او جرح ،وانه وفي خلال ستة الأشهر التي عملت فيها هذه الوحدة العسكرية بالرمادي شارك جنودها في 26 معركة مع المقاومة، وتعرضت لـ90 هجومًا بقذائف الهاون ولأكثر من 90 انفجارًا جراء عبوات ناسفة. واذا دققنا في البيانات الرسمية الامريكية اليومية لن نجد هذه الارقام !
وحذر جنرال عسكري أمريكي متقاعد قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة في العراق من هجمات مؤثرة واسعة النطاق للمقاومة العراقية في الفترة القادمة.
وقال الجنرال الأمريكي جون كياني الذي أمضى نحو أسبوع في العراق الشهر الماضي لتقييم الأوضاع هناك: 'إن المقاومة العراقية تتصف بالحيوية والمرونة، ولديها القدرة على شن هجمات مباغتة هامة'. وأضاف في حديث لصحيفة 'كابتول هيل' الأمريكية(21 -4 ): 'يمكننا أن نتوقع المزيد من الهجمات'، معترفًا بأن المقاتلين لديهم المقدرة على التخطيط لعمليات منسقة ذات تأثير واسع النطاق'.
وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد: 'عندما تقاتل جيشًا فإن ذلك يكون أقل أهمية من مواجهة مقاومة غير مركزية'.
وتابع 'كياني' قوله: ( إن المقاتلين العراقيين سيسعون إلى الإبطاء من زخم المكاسب العسكرية والسياسية ،التي تحققت عقب انتخابات يناير الماضي )، موضحًا أن الطريقة التي تمكنهم من تحقيق ذلك هي زيادة نطاق وحجم هجماتهم وأهدافهم أيضًا، الأمر الذي يقوض من ثقة الشعب العراقي في سياسات الحكومة الجديدة وقوات الاحتلال، على حد قوله .واضاف هذا الجنرال ،الذي كان يشغل منصب نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي قبل تقاعده في 2003: إن 'عدد هجمات المقاومة العراقية انخفض، ولكن الحقيقة أن المقاتلين لا تزال لديهم المقدرة على الحفاظ على مستوى هجماتهم'. واعترف مسؤولون أمريكيون أن الهجمات على قوات الاحتلال كانت تصل إلى 140هجومًا يوميًا قبل الانتخابات.
وفي إطار سلسلة الاعترافات الأمريكية الخاصة بحرب امريكا على العراق، ذكر 'مراسل مفكرة الإسلام': أن القوات الأمريكية اعترفت يوم السبت ( 23 -4 ) بوجود العشرات من النساء العراقيات المنخرطات في صفوف المقاومة العراقية. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده متحدث عسكري أمريكي في المنطقة
الخضراء وسط بغداد، وحضره مراسل المفكرة في العاصمة العراقية.
وقال المراسل: إن اللفتنانت 'هسلي' - أحد المتحدثين الرسميين باسم جيش الاحتلال الأمريكي - أعلن اليوم في المؤتمر الصحفي ، أن استخبارات الجيش الأمريكي قد رفعت تقارير إلى وزاره الدفاع الأمريكية [البنتاجون] تؤكد فيها وجود العشرات من النساء العراقيات ، ضمن صفوف المقاومة العراقية. ونقل المراسل عن الضابط الأمريكي قوله: 'إن الجيش الأمريكي رصد وجود الكثير من النساء خلال اشتباكاته في مناطق العراق المختلفة، مثل: الفلوجة والرمادي وسامراء وديالى وتكريت وبعقوبة والموصل وتلعفر وبلد، وغيرها من مناطق العراق'.
وأردف يقول: 'القوات الأمريكية تعرضت لأربع عمليات 'انتحارية' نفذتها نساء، إحداها كانت من خلال تفجير سيارة، والبقية كانت عبر اشتباكات متفرقة .
وفي يوم 27 -4 اضطرت قوات الاحتلال الأمريكية في مدينة كركوك إلى إخلاء القاعدة العسكرية التابعة لها غربي المدينة ، والتي هي ثاني أكبر قواعدها في المدينة بعد مطار كركوك الدولي، وذلك بعد سلسلة من الهجمات استهدفتها طوال الأسبوع الجاري سقط فيها باعترافهم العديد من الجنود الأمريكيين ما بين قتيل وجريح.
ونقل مراسل 'مفكرة الإسلام' في كركوك عن مصادر رسمية في الجيش(العراقي) قولهم: إن القوات متعددة الجنسيات حسب وصفهم اضطرت إلى إخلاء تلك القاعدة بعد سلسلة هجمات صاروخية تعرضت لها أسفرت عن دمار كبير بها بحيث اصبحت غير مؤهلة للمكوث بها بعد الآن, وأكدوا أنهم نقلوا جميع معداتهم العسكرية إلى مطار كركوك حيث التحقوا ببقية قواتهم العسكرية هناك.
وأفاد مراسلنا أن الجيش الأمريكي أعلن أن الانسحاب جاء بعد سقوط القاعدة من الحسابات الأمريكية العسكرية, حيث أصبحت عرضة لهجمات 'الإرهابيين' على حد وصفه، في حين أكد مراسلنا أن أهالي المدينة يعتبرون هذه القاعدة قد سقطت عسكريًا منذ أسابيع وليس الآن بسبب كثرة ما تتعرض له من هجمات صاروخية عنيفة بشكل شبه يومي .
وفي يوم 9-5 اعترف جيش الاحتلال الأمريكي في العراق ، بأن المقاومة العراقية قد عادت إلى سابق قوتها قبل عام من الآن، وبالتحديد قبل معركة الفلوجة. ونقل مراسل 'مفكرة الإسلام' في العاصمة بغداد عن الجنرال 'ستيف كارول' - أحد جنرالات الجيش الأمريكي- قوله خلال المؤتمر: 'إن المسلحين في العراق قد عادوا إلى سابق قوتهم قبل عام و تصاعدت وتيرة الهجمات بشكل كبير جدًا ضد قواتنا العاملة في العراق'، مؤكدًا أن عدد الهجمات التي شنها المقاتلون على الجيش الأمريكي قد بلغت أكثر من 640هجمة خلال شهر أبريل الماضي وأوقعت عددًا من الجنود الأمريكيين ضحايا، على حد قوله. وعن توقعاته عن الوقت الذي يمكن للجيش الأمريكي فيه القضاء على المقاومة أجاب كارول بقوله: 'لا أعلم. يجب أن نعطي الجيش وقتًا مفتوحًا لتلك المهمة' .
وازدادت لهجة الاستخذاء، في تصريحات قادة الجيش الامريكي، يوم 11 – 5 حينما قال بيان صادر عن الجيش الأمريكي أن قوات مشاة البحرية الأمريكية [المارينز] تخوض هذه الأيام حربًا حقيقية في غربي العراق ضد 'متمردين وإسلاميين متشددين' على حد وصف البيان.
وأعرب البيان الصادر عن القيادة الأمريكية في العراق عن أمله في انتهاء المعركة بأقل الخسائر, موضحًا أن الجيش الأمريكي لا يزال متماسكًا حتى الآن!! ان تكرار القول من قبل جنرالات امريكا بان جيشهم ( ما زال متماسكا ) يؤكد ادراكهم العميق لفشلهم في العراق ، وانسجاما مع هذه الحقيقة لم يقل الا انه يامل بانتهاء المعارك ( باقل الخسائر ) ، ولم يتحدث عن حتمية الانتصار على (المتمردين)، كما اعتاد قادة الاحتلال ان يفعلوا ! ان احتدام المعارك في منطقة القائم ، على الحدود مع سوريا ، قد اجبر القادة العسكريين الامريكيين على العودة للصراخ والتوجع ،فلقد لقي أكثر من 40 جنديًا أمريكيًا مصرعه يوم الأربعاء (11 – 5) في معركة شرسة خاضتها المقاومة العراقية مع عناصر مشاة البحرية الأمريكية [المارينز] في قرية الرمانة والكرابلة شمال وشرق مدينة القائم.
وأوضح مراسل 'مفكرة الإسلام' في القائم أن فجر اليوم الأربعاء شهد هجومًا صاروخيًا عنيفًا استهدف تجمعات الاحتلال الأمريكي على حدود تلك القرى، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وهو ما اضطر جنود الاحتلال، بحسب أهالي القرية، إلى اقتحام منازل المواطنين والبيات فيها خوفًا من القصف.
من جهتها، أكدت المقاومة العراقية في المدينة عبر بيان لها حصل مراسلنا على نسخة منه، أنها قتلت أكثر من 40 جنديًا أمريكيًا، فيما اعترفت قوات الاحتلال في بيان لها اليوم صادر من قيادة العمليات الأمريكية في الأنبار، بمقتل 15 جنديًا أمريكيًا فقط وإصابة سبعة آخرين.وقال الجنرال جيمس كونوي ، مدير العمليات العسكرية ، حسب قناة العربية يوم 11 – 5 ان المقاتلين في القائم يتمتعون بمستوى قتالي متطور وخبرات عسكرية عالية مكنتهم من تحقيق اداء قتالي لم نالفه ولم نتوقعه! واضاف لقد راينا المقاتلين وهم يرتدون بدلات عسكرية لضباط الجيش العراقي السابق علنا وسترات واقية من الرصاص ! وفي واحدة من لحظات( التجلي ) الناجم عن الخوف ، قال كونوي ردا على سؤال حول بطل افلام هولي وود الزرقاوي ، قال :ليس هدفنا الزرقاوي في عملية القائم بل (بقايا النظام السابق) الذين يقاتلوننا بشراسة مدهشة ! وتحدثت صحيفة 'واشنطن بوست' (12 -5 )عن ضراوة المعارك التي تشهدها منطقة غرب العراق هذه الأيام بين عناصر المقاومة العراقية من جهة وقوات الاحتلال الأمريكية من جهة أخرى.
ويقول مراسل 'واشنطن بوست': إن إحدى العربات المدرعة التي كانت تحمل على متنها جنودًا أمريكيين قد تعرضت لتفجير نفذته عناصر المقاومة العراقية أسفر عن اندلاع كرات من النار ظلت تعلو قمم الأشجار في منطقة محاذية لنهر الفرات قرب الحدود العراقية السورية.
ويضيف المراسل أن جنود مشاة البحرية الأمريكية المارينز الذين كانوا في العربات المحيطة بتلك العربة التي تعرضت للانفجار قد فتحوا بعض نوافذ عرباتهم وحاولوا مستخدمين بعض الزروع من حولهم إطفاء النيران المتصاعدة من العربة المدرعة المحطمة، وبينما كانوا يتصايحون حاولوا سحب عدد من زملائهم من العربة المدمرة بينما كانت الرصاصات تنهمر من أسلحة رجال المقاومة فضلاً عن القنابل الضوئية واليدوية وقذائف الهاون والصواريخ.( لا حظوا قنابل ضوئية ويدوية تستخدمها المقاومة ) ويؤكد مراسل 'واشنطن بوست' أن الانفجار الذي استهدف العربة المدرعة الأمريكية من نوع 'أمرتاك' أمس الأربعاء ونجم عن عبوة ناسفة يتم التحكم فيها عن بعد قد أدى إلى مقتل أربعة من جنود المارينز وإصابة عشرة آخرين بجراح، وكان هؤلاء الجنود القتلى والمصابين ينتمون لنفس الفرقة التي انخرطت في معارك قتالية شرسة قبل أربعة أيام مع عدد من المقاتلين متحصنين في منزل ببلدة 'العبيدي'، حيث انتهت هذه المعارك بمقتل اثنين من المارينز وإصابة خمسة آخرين.
ونقل مراسل الصحيفة عن جنود مارينز أن جميع أفراد هذه الفرقة قد تعرض للقتل أو الإصابة، وهي فرقة تعتبر جزءًا هامًا من تكوين الوحدة الأولى من كتيبة ليما والوحدة الثالثة من الكتيبة الخامسة والعشرين.
وأضاف جنود المارينز أن وحدة ليما التي تعرض جانب من جنودها لانفجار العبوة الناسفة ويترأسه السيرجنت هورلي قد تكبدت خسائر تصل إلى 60 % بما يعني انتهائها فعليًا كقوة قتالية مؤثرة.
وبينما كانت معارك العبيدي مشتعلة ،اشتكى العديد من جنود البحرية المارينز من أن قادتهم سحبوهم من المعارك في هذه المنطقة، على الرغم من أن المقاتلين كانوا لايزالون بقوتهم، وقال عدد منهم لمراسل واشنطن بوست: 'لقد انتزعونا من وسط المعارك بحجة توفير الراحة لنا للمواصلة، وذهبوا بنا إلى قرى أشبه بقرى الأشباح ليس فيها سوى العجائز والأطفال، ولكن الحقيقة أنه وبينما نحن نفتش منازل هذه القرى بدأنا نتعرض لنيران أسلحة خفيفة وقذائف هاون'.
ويشير مراسل الصحيفة إلى أن جنود الماينز بدءوا يترجلون من عرباتهم المدرعة 'أمتراك' على ضفاف الفرات للبحث عن مصادر إطلاق النيران عليهم، قبل أن يقع انفجار العبوة الناسفة مستهدفًا إحدى العربات المدرعة . ويقول الميجور ستيف لوسون من قوات المارينز: 'لقد ظننا في البداية أن الانفجار نجم عن لغمين أرضيين، لكن التقارير بعد ذلك ذكرت أن جنودنا شاهدوا مدفعية بعيدة( لاحظوا مدفعية بعيدة المدى ) تستدير فوهتها وعثروا على مذياع محمول قرب الموقع البعيد، وهو ما أثار الشكوك حول احتمالات أن يكون الانفجار قد نجم عن استخدام جهاز للتفجير عن بعد'.هل هذه هجمات حرب عصابات ؟ ام قتال جيش ضد جيش ؟
ودعا وليم بولك، الرئيس السابق لمعهد ادلاي ستيفنسون للشؤون الدولية والخبير الامريكي في شؤون الشرق الاوسط، والذي عاش في العراق ولبنان لسنوات طويلة وكتب حتي الان 12 كتابا حول المنطقة اخرها عنوانه (فهم العراق) ،دعا الي انسحاب في اسرع وقت ممكن للقوات الاجنبية المحتلة للعراق واستبدالها بقوات دولية.
وشدد علي ضرورة القيام بهذه الخطوة في محاضرة القاها في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن بعنوان العراق: حان الوقت لوضع استراتيجية للانسحاب ، وان تتولى امن العراق قوات دولية، واعتبر بأن هذه القوة الدولية يجب ان تشمل قوات عراقية مكثفة.
وعلي الرغم من انه اشار الي ان انعكاسات سلبية قد تحدث عند الانسحاب ، فانه رأي بانها اقل ضررا من استمرار الوضع القائم حاليا والذي قد يبقي لعشرات السنوات ويؤثر علي استقرار المنطقة برمتها .
ونقلت وكالة سانا خبرا من واشنطن يشير الى ان استطلاعا للراى نشرت نتائجه يوم 26/4 اظهر تراجع شعبية الرئيس جورج بوش الى47 بالمئة وهو ادنى مستوى لها منذ اب الماضى ، بينما تشكك غالبية الاميركيين بصحة قرار شن الحرب على العراق ،واوضحت نتائج الاستطلاع الذى اعد لحساب تلفزيون / اى بى سى /وصحيفة /واشنطن بوست /الامريكية ان54 بالمئة من الامريكيين يعتبرون ان الحرب على العراق لم تكن مبررة فيما رأى / 58/بالمئة منهم ان الولايات المتحدة تغرق فى وحول هذا البلد الذى يعمه العنف ورأى 60 بالمئة من الامريكيين ان العراق لن تكون له حكومة ديموقراطية فى غضون سنة.
وقد عارض / 56/ منهم طريقة ادارة بوش للوضع فى العراق لكن الكثيرين يؤيدون الطريقة التى تشن فيها الحرب على الارهاب 0وعلى الصعيد الداخلى يعارض 64/ بالمئة من الاميركيين مشروع اصلاح نظام التقاعد الذى عرضه الرئيس الاميركى فى حين يؤيد/40/بالمئة فقط ادارته للاقتصاد.
هذه النتيجة تتناقض مع النتائج التي حصل عليها منذ الغزو ، وتؤكد ان الامريكيين قد اكتشفوا ان بلادهم في ورطة كبيرة في العراق ، ولذلك انقلبوا على بوش ، والذي كان يعتمد على دعمهم في الاصرار على مواصلة غزوه للعراق .
وفي يوم 3- 5 اطلق ريتشارد مايرز ، رئيس اركان الجيوش الامريكية تصريحا مزلزلا اعترف فيه بان القدرة الامريكية على استخدام القوات المسلحة قد وصلت ذروتها ، اذ قال : أن حشد القوات الأمريكية والأسلحة في العراق وأفغانستان قوضت من قدرة البنتاجون في التعامل مع صراعات مسلحة محتملة أخرى. و قال مايرز للكونجرس أمس في تقرير سري: إن العمليات القتالية الرئيسة في أي مكان آخر في العالم، من المحتمل أن تكون ذات أمد أطول وتؤدي إلى نسبة عالية من الخسائر المدنية الأمريكية والأجنبية بسبب تقيد موارد البنتاجون في العراق وأفغانستان.
وأشارت صحيفة 'نيويورك تايمز' إلى أن مسؤولين عسكريين ومدنيين في البنتاجون ناقشوا ملخص التقرير أمس، بعد أن تم تسليمه رسميًا للكونجرس. واستشهد مايرز بانخفاض الاحتياطي من الأسلحة الدقيقة، التي استنفدت خلال غزو العراق، كما شدد على أن وحدات الاحتياط ـ التي أنجزت معظم الواجبات القتالية في العراق ـ من بين العوامل التي قيدت من قدرة البنتاجون للانتشار بشكل سريع إذا تنبأ مخططي الحرب بصراعات محتملة أخرى.
وقال مسؤولون في البنتاجون والجيش: إن التقرير هذا العام اعترف بأن القوات المسلحة تعمل تحت مستوى عالٍ من الخطورة أكبر من تلك التي وردت في تقرير العام الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن التقرير بوجه عام أعطى تقييمات مختلفة بعض الشيء عن تقييم الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي قدمه الأسبوع الماضي عندما زعم أن القوات الأمريكية في العراق لن تقوض القيام بعمليات عسكرية أمريكية في أي مكان آخر.
وحذر 'تقييم الخطورة' السنوي لرئيس هيئة الأركان، الذي يطلبه الكونجرس، من أن عمليات قتالية إضافية قد ينتج عنها 'تمديد الجدول الزمني للحملة العسكرية، وأن تحقيق أهداف الحملة قد يتحقق عند مستوى أعلى من القتلى والجرح بالإضافة إلى الخسائر الثانوية'.
ما معنى ذلك ؟ اول ما يجب التذكير به هو ان هذه الاعترافات تؤكد حقيقة جوهرية وهي ان ستراتيجية امريكا العسكرية المعتمدة منذ التسعينيات ، والتي تقوم على خوض حرب جوية كاملة وحرب برية بنفس الوقت ، قد تم تقويضها من قبل المقاومة العراقية ، كنتيجة حتمية للاستنزاف العسكري والمادي الكبيرين اللذان تعرضت وتتعرض لهما في العراق بشكل خاص ، على اساس ان الحرب في افغانستان تجري بوتيرة منخفضة جدا مقارنة بما يجري في العراق . وبفضل نجاح المقاومة العراقية الباهر هذا وصلت القوات المسلحة الامريكية الى مرحلة استنفاد احتياطيها الستراتيجي في البشر والعتاد والمال ، ومن ثم لم يعد بامكانها ان تخوض حربا اخرى بفعالية وبخسائر قليلة ، لان عليها ان تواجه حربا طويلة ومكلفة جدا ، وهو امر لا تستطيع تحمله ابدا لزمن طويل .
ان هذا التطور الجوهري والخطير الذي تحقق بفضل عبقرية خطة المقاومة العراقية ، يوسع نطاق واهمية وتاثير الثورة العراقية المسلحة ويجعل منها حركة تغيير عالمية الطابع وليس قطرية او اقليمية .وعند هذه النقطة بالذات نجد امريكا تشعر بقلق مزدوج : فاولا هذا التحول التاريخي يساعد اوربا وروسيا والصين ودول اخرى على تبني سياسات اكثر ابتعادا عن امريكا ، وثانيا يشجع فصائل حركة التحرر العربية المترددة على الاقدام على تبني مواقف ثورية وقتالية . وهنا يكمن التاثير القومي والعالمي للثورة العراقية المسلحة .
وفي مثال اخر يظهر تاثير عمليات المقاومة العراقية على الخطط الامريكية واضحا في الساحة الدولية، من خلال ما قاله الجنرال ليون لابروت ، قائد القوات الامريكية في كوريا الجنوبية :( لا توجد أي خطط لتوجيه ضربة استباقية ضد كوريا الشمالية، مبينا أن الولايات المتحدة تسعى لحل الأزمة الكورية الشمالية سلميا )!
ونقل 'راديو كوريا الدولي' عن الجنرال لابروت قوله: إن مثل هذا العمل لا يمكن أن يحدث إلا بالاتفاق المشترك بين سيؤول وواشنطن، بحسب وكالة الأنباء الكويتية. وأَضاف لابروت :أن كوريا الشمالية تمتلك حاليا رأسا أو رأسين نوويين وتسهيلات لإمكانية تخصيب اليورانيوم بالإضافة إلى يورانيوم مخصب.
وأجرت كوريا الشمالية أمس الأول تجربة ناجحة علي صاروخ قصير المدى في بحر اليابان، وهددت كوريا الشمالية في مارس الماضي باستئناف التجارب الصاروخية، التي وافقت على تجميدها عام 1999 خلال محادثات مع الولايات المتحدة، وذلك ردا على السياسات الأمريكية العدائية تجاهها.
ان هذا التصريح يقدم المزيد من الايضاحات حول نوعية وحجم التحديات التي فرضتها المقاومة العراقية على الخيارات الامريكية ، فمن جهة اولى تبدو امريكا وكانها جمدت او الغت عمليا النظرية الاساسية في ستراتيجية بوش ، وهي (الضربة الاستباقية) ، فامريكا ليس لديها نية في ضرب كوريا الشمالية ، رغم تحديات الاخيرة لها، ومنها التهديد بضرب امريكا بالصواريخ النووية اذا هاجمتها ! واحد الاسباب الجوهرية لهذا التراجع الامريكي البارز هو ادراك انها قد وقعت في مستنقع عراقي مميت يستنزفها ماليا وبشريا وعسكريا، ولذلك تعلمت ان لا توقع نفسها في ورطة اخرى .
وثمة مؤشر اخر مهم على ما تفكر به امريكا وهو الاتفاق مع تركيا على توسيع قاعدة انجرليك في مطلع هذا الشهر، فمنذ زيارة بوش لتركيا في العام الماضي ، لحضور قمة الناتو ، وتصريحه بانه سيطلب من تركيا توسيع وجود قواته فيها اخذت انظار المراقبين تحاول تفسير هذا التحول المهم ، اذ لو ان امريكا ستبقى في العراق وتقيم قواعد ستراتيجية فيه ، كما خططت ، اذن لم توسيع دور انجرليك ؟ ان القول بانها تسهل امداد القوات الامريكية في العراق ، ليس صحيحا ، لان اصل الطلب ،كان زيادة عدد الطائرات الحربية والافراد ، لذلك يجب تفسير هذا الاتفاق ، في ضوء المأزق الامريكي في العراق .
واتخذت خطوة اخرى مهمة اكدت وجود ازمة قوات في امريكا ،ففي يوم 7 – 5 – 2005 صرّح وزير الدفاع الأمريكي 'دونالد رامسفيلد'قائلا أن أعدادًا من القواعد العسكرية الأمريكية سوف يتم إغلاقها، أو إجراء عمليات إعادة ترتيب بشأنها، وذلك على خلفية إقرار خطط أخرى تقضي بإعادة نشر عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الموجودين في قواعد داخل آسيا وأوروبا. وقال رامسفيلد: إن آخر التقارير كشفت عن حقيقة أن القدرات الأساسية الخاصة بإمدادات القواعد الأمريكية الكبيرة نسبيًا في آسيا وأوربا لا تكفي لإجراء
إعادة انتشار ضخمة للقوات الأمريكية المنتشرة في دول من هاتين القارتين. وقال وزير الدفاع الأمريكي: 'بدون أن أعطي تقديرات نهائية، يمكنني القول بأن نسبة القواعد التي ننوي إغلاقها أو إعادة ترتيبها ستكون أقل من نصف النسبة التي كنا قد قررناها من قبل، والتي تصل إلى ما بين 20 إلى 25 بالمائة من إجمالي قواعدنا في أوروبا وآسيا'.
وأشارت شبكة فوكس نيوز إلى: أن رامسفيلد لا زالت أمامه فرصة حتى موعد السادس عشر من مايو الحالي ليتخذ قراراته بشأن ماهية القواعد التي سيتم إغلاقها أو إعادة ترتيبها. جدير بالذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت قد أعربت عن رغبتها في إغلاق بعض القواعد؛ لتوفير الأموال على المدى البعيد، والاستفادة من تلك الأموال في تحسين مستوى الخدمات والتدريبات العسكرية المقدمة لأفراد الجيش الأمريكي !
وقدم رامزفيلد ،يوم 13 – 5 ( قناة الجزيرة في نفس اليوم ) ، صورة اوضح لمأزق امريكا الخطير ، الناجم عن غزو العراق ،باعلانه اغلاق قواعد عسكرية داخل امريكا ذاتها بلغت 180 قاعدة خفضا للنفقات كما قال !ان عملية غلق هذه لقواعد الامريكية في اوربا واسيا وامريكا،وبغض النظر عن محاولة رامزفيلد التقليل من حجمها ، هي مؤشر اخر على ان المقاومة الضارية في العراق قد اجبرت امريكا على اعادة توزيع قواتها ،كي تستطيع تحمل ضربات المقاومة لفترة اطول قليلا ، من جهة ولخفض النفقات تقليلا لضغوطات الازمتين البنيوية والاقتصادية داخل امريكا، من جهة ثانية .
ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية يوم 3 – 5 مقالا مهما اشارت فيه الى التقرير الذي أصدرهُ البنتاغون حول تحقيقاتهِ بشأن مقتل ضابط ألإستخبارات الايطالي في آذار الماضي بنيران جندي أمريكي، وقد كشَفَ التقرير أن عدد العمليات التي قام بها المقاومون في بغداد لوحدِها كان 3306 عملية للفترة (1 تشرين الثاني 2004 حتى 12 آذار 2005) ومن هذهِ العمليات 2400 عملية إستهدفت القوات الامريكية. أي بما معدلهُ 20 عملية يومياً في بغداد لوحدِها ! وهذهِ المرة الاولى التي يكشف البنتاغون عن هذهِ الارقام ، لأنهُ إعتادَ أن ينشر إحصائياتٍ عامة لمجمل ساحة العراق فيها انقاص كبير جدا لعدد العمليات الخاصة بالمقاومة العراقية. وهذهِ الارقام الخاصة بالعمليات في بغداد قد حُجِبَت عندَ نَشرِها .وتنقل الجارديان عن مسؤولين امريكيين اعترافا اخرا مهما يضع القدرات التطويرية للمقاومة بمستوى تطوير القوات الامريكية لقواتها واساليب الحرب في العراق ، اذ يقول : بنفس السرعة التي يطور الجيش الامريكي وسائل تعطيل الالغام المزروعة على طرق القوافل الامريكية، تطور المقاومة أساليبها وتكنيكها.وينطوي هذا الاعتراف على معنى كبير : مهما فعلت القوات الامريكية فان المقاومة العراقية قادرة على تعطيل التفوق الامريكي ، على الاقل في اساليب الحرب !
والقى الجنرال مارك كيميت ، نائب قائد المنطقة الوسطى للتخطيط ،قنبلة مهمة جدا (يوم 9 – 5 ) ، في حديث مع شبكة السي ان ان الامريكية ، حينما اعترف بان القضاء على المسلحين في العراق يحتاج إلى وقت طويل، وقال: إن إنهاء ما وصفه بأعمال التمرد في العراق 'تاريخيًا يحتاج إلى 10 سنوات في المتوسط ! عشر سنوات بالمتوسط !؟ اذن ما هو الحد الاعلى المطلوب للقضاء على( التمرد )؟ عشرين سنة ؟ نعم ،ان كيميت ، بعد ان اكتوى هو شخصيا بنيران المقاومة يوجه نداء ضمنيا للانسحاب من العراق ، عبر رسالة رسالة للامريكيين واضحة جدا ، وخطيرة جدا ، لكنها باردة جدا ، تقول : ان على شباب امريكا واقتصاد امريكا ان ينزفا لعقدين من الزمن ، وربما اكثر ،اذا بقينا في العراق ، لهذا يجب تكثيف الدعوة الشعبية الامريكية لسحب القوات باي شرط تطرحه المقاومة ، لان البديل هو موت الامريكيين وحرق اموال دافعي الضرائب الامريكيين
وكيميت هذا ، هو نائب المسؤول عسكريا عن منطقة تمتد من مصر غربًا إلى باكستان وأفغانستان شرقًا, ومن القرن الأفريقي جنوبًا وحتى بعض دول آسيا الوسطى شمالاً ! ولذلك حينما يتكلم فيجب ان نصغي لما يقوله ونحلله بعقل يقض ، ونهضم ما يرمي اليه ، فهو يطرح ما تم الاتفاق على الاعتراف به تدريجيا ، بعد طول انكار ، وهو ان الزرقاوي ، و(الاجانب ) في العراق ما هم الا اقلية ضئيلة ، وان القوة الضاربة في المقاومة هي البعثيين ، اذ اتهم صراحة (عناصر النظام السابق ) بتنظيم ما وصفه ب(الهجمات الإرهابية ضد الأهداف العراقية وقوات التحالف), مضيفًا: 'إن معظم المشاركين في أعمال العنف هم من العراقيين أنفسهم، وإن كان هناك بعض الأجانب.
ولضمان اكمال عملية تبشيع الحرب ضد العراق تدخل في هذا الاعداد المنظم للانسحاب من العراق ، جزار فيتنام المسؤول عن ابادة حوالي 3 ملايين فيتنامي، روبرت ماكنمارا ، وزير الدفاع الامريكي اثناء حرب فيتنام ، ليهاجم بشدة لم يسبق لامريكي اخر ان هاجم بها سياسة بوش ،ففي مقال له نشرته مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy )الاكاديمية والمؤثرة جدا في صنع القرار الامريكي ، يوم 6 - 5 ،وصف سياسة بوش بالقول:انا اشخص ( اصف ) السياسة النووية الحالية باللاخلاقية ، وغير القانونية ، وغير الضرورية عسكريا ، والخطيرة بصورة مرعبة ! (I would characterize current U.S. nuclear weapons policy as immoral, illegal, militarily unnecessary, and dreadfully dangerous,” McNamara writes) هذا ماقاله من يطلق عليه وصف (جزار فيتنام ) عن جزار العراق جورج بوش وسياسته العامة ، وهو نقد ، بل جلد ينسحب بالتاكيد على الوجود الامريكي في العراق ، فحينما (يقع الثور تكثر السكاكين) ،كما يقول المثل العراقي ، ولولا وقوع الثور بوش في العراق، لما تجرا جلاد كمكنمارا ان يهاجم سياسته بهذه الشدة وبهذه اللغة الحادة .
وهناك تصريح مهم جدا لاريئيل شارون ، رئيس الوزراء الاسرائيلي ، حذر فيه بوش، كما ذكرت وسائل الإعلام العبرية خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة من الانسحاب الأمريكي من العراق. وكشف 'عومر كرمون' مراسل موقع 'نيوز فرست كلاس' العبري الإخباري, يوم الأربعاء (20 -4 )النقاب عن تسريبات وصلت من واشنطن أكدت أن 'أرييل شارون' حذر الرئيس الأمريكي 'بوش' ومسؤولي الإدارة الأمريكية وكذلك مسؤولي أجهزة الاستخبارات بالولايات المتحدة من أن الانسحاب الأمريكي من العراق المتوقع عام 2006 يزيد من فرص اندلاع حرب في منطقة الشرق الأوسط, كما قال'عومر كرمون'. ا ن شارون يعرف واكثر من غيره من زعماء العالم ما يجري في امريكا لذلك فان تحذيره من الانسحاب من العراق مستند على معلومات دقيقة وليس افتراضات .
وذكرت صحيفة 'ديلي تلجراف' البريطانية في يوم 2- 5 -2005إن الجيش الأمريكي حدد - في وثيقة سرية وزعت على ضباط كبار - شهر ديسمبر القادم هدفًا له للانسحاب من العراق ولتسليم المسؤوليات إلى وحدات الشرطة والجيش العراقيين. أن الاقتراح يرى أنه بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في ديسمبر فإن الجيش الأمريكي قد ينسحب من الدوريات الأمنية ويبدأ انسحابًا تدريجيًا من العراق. وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا الإعلان عن تفاصيل استراتيجية الخروج لمخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع المقاومين العراقيين, ويبدو ذلك كنوع من الهروب.
وحسب الصحيفة فإن عدد أفراد الشرطة العراقية يبلغ نحو 87 ألف عنصر، والجيش لديه نحو 72.500 جندي. بالإضافة إلى تدريب نحو 19 ألف من الرجال والنساء. إلا أن نواب أمريكيين وتقارير صحفية شككت في صحة الأرقام التي يعطيها الجيش الأمريكي عن القوات العراقية المجهزة بالفعل للدخول في معارك قتالية. ونقلت الصحيفة عن ضابط أمريكي تأكيده أن هذه الوثيقة تم توزيعها بالفعل .
اذا كانت كل هذه الاعترافات بان القوات الامريكية في العراق تواجه مأزقا خطيرا ، لا تكفي لاثبات ان الهزيمة الامريكية قد اصبحت مؤكدة ، اذن علينا ان نقرا بتمعن اكبر، اخطر اعتراف بالهزيمة صدر عن اكبر صقور الادارة الامريكية واشدهم اصرارا على انكار تهمة عجز قواته عن الحاق الهزيمة بالمقاومة العراقية ، وهو دونالد رامزفيلد ، وزير الدفاع ، حينما قال ، يوم 27 - 4 بصراحة غير مسبوقة :( ان الجنود الاميركيين و قوات التحالف في العراق، لن يتغلبوا على المتمردين في العراق). واضاف رامزفيلد ، في مؤتمر صحافي عقده في وزارة الدفاع "ان الولايات المتحدة وقوات التحالف، لن يكونوا، من وجهة نظري الشخصية، العنصر الذي سينتصر على التمرد".( اذن هذا اعتراف رسمي ومباشر بعجز القوات الغازية عن دحر المقاومة وهو يعني في وجهه الاخر الاعتراف الكامل بانتصار المقاومة ) ، واضاف ان "العراقيين انفسهم" هم الذين سينتصرون على المتمردين. ( يكمل رامز فيلد تحديده للهزيمة بان يضع مهمة القضاء على المقاومة على عاتق ما يسمى ب ( الحرس الوطني ) والشرطة ، لانه يشكك في نفس كلامه هذا بقدرة القوات العميلة على الصمود امام المقاومة )،
وشدد رامسفلد على ضرورة التوصل الى استقرار سياسي واقتصادي في العراق.( هنا ايضا يضيف رامزفيلد المزيد من الوضوح على ما يريد ايصاله للراي العام الامريكي ، بتاكيده ان الاستقرار هو الشرط الحاسم لحل المشكلة وهو يعرف ان الاستقرار مستحيل ، كما اثبتت تجربة العامين الماضيين من الاحتلال ، لان ستراتيجية المقاومة تقوم في احد اسسها على منع الاحتلال وعملاءه من استغلال موارد العراق خصوصا النفط ، وقد نجحت في تحقيق ذلك بشكل باهر ) ، وقال ان "العراقيين لن يتوصلوا الى التغلب على المتمردين بالوسائل العسكرية فقط، انما باحراز تقدم على الصعيد السياسي". ( وهنا ايضا يعترف رامزفيلد بالمستحيل ، اي احراز تقدم سياسي ، لان اللاعبين الرئيسيين في الساحة العراقية هما قوات الاحتلال والمقاومة الوطنية المسلحة ، وبما ان الاحتلال قد اعلن فشله فان الساحة السياسية قد مهدت لاعلان سلطة الشعب قريبا ، كما ان اللاعب المنتصر لم ولن يسمح الا بمعاقبة الخونة الذين جاءوا مختبئين في احذية الاحتلال وساعدوه على تدمير العراق ، اذن كيف سيتحقق تقدم سياسي والمقاومة هي العنصر الحاسم والمقرر ؟ ) واعرب عن تخوفه من فشل الجهود المبذولة لتشكيل قوة امنية عراقية اذا ما ابدى المسؤولون العراقيون الجدد مزيدا من الاستناد الى الاعتبارات السياسية اكثر من اعتبارات الكفاءة. ( اذا كان رامزفيلد يعترف بان ما اسماها (القوات العراقية ) ربما لن تستطيع القضاء على المقاومة اذ ما معنى الانسحاب والاعتماد عليها ؟ هل يعقل ان تأتي امريكا الى العراق محتلة ومدمرة وطامعة ثم تنسحب وتسلم السلطة للعملاء مع انها لاتستطيع ضمان صمودهم لساعات امام زحف المقاومة الذي لا يرد ؟ )
وقال "لا يمكننا ان نسمح بالتأخير. نحن نحتاج الى الاستقرار". ( يعترف رامزفيلد ان حكومته لا تستطيع الانتظار لان اوجاعها اكبر من ان تستمر بتحملها ، لذلك جاء بنفسه الى العراق ، في زيارة طارئة ، للضغط من اجل حسم الامور ، وايقاف استنزاف امريكا ) .
وجاء الجنرال ريتشارد مايرز ،رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية ، ليكمل ما اوحى به رامزفيلد بوضوح ، اذ اقر (يوم 13 – 5 عبر قناة الجزيرة )بان امريكا متورطة في مواجهات دامية مع المتمردين والتي قد تستمر سنوات ، ربما 3 سنوات وربما 9 سنوات ، كما قال. ان عبارة (تستمر سنوات ) ، تعني في العرف العسكري والستراتيجي ان (المواجهات) مع المقاومة العراقية مستمرة ، نتيجة الفشل الامريكي ، رغم استخدام امريكا لكل اسلحتها بما في ذلك الاسلحة المحرمة دوليا ،وهذه الاستمرارية زمنها مفتوح، وان الحرب على العراق تجري لصالح الثوار العراقيين ،ومن ثم يجب على الراي العام الامريكي والادارة الامريكية ان تأخذ بالحسبان هذه الحقيقة الجوهرية وتعمل وفقا لها .
وقد سبق ذلك تسريب الجهات الرسمية الامريكية معلومات تقول بان الادارة الامريكية توسط اطرافا عربية ودولية لدى المقاومة كي تتفاوض معها ، فلقد ذكرت وكالة "قدس برس" أن السفارة الأمريكية في بغداد وسطت أحد العراقيين تعتقد انه من المقربين من فصائل المقاومة، من أجل فتح حوار معها. وقالت مصادر عراقية مطلعة إن السفارة الأمريكية طلبت من وسيط مقيم في العاصمة الأردنية عمان، فتح حوار مع فصائل المقاومة العراقية، وأشارت ذات المصادر إلى أن اتصالات تجري معه ، من أجل ترتيب لقاء مع تلك الفصائل، وأنه يطالب بضمانات، وتوفير حماية للمفاوضين من أجل الموافقة على فتح هذا الحوار .وهذا الخبر المسرب عمدا يعبر عن بؤس الادارة الامريكية ، التي اضطرت مخابراتها للاتصال باشخاص لاصلة لهم بالعمل الوطني ، في السابق والحاضر ، وهم رجال اعمال يتميزون بالسذاجة السياسية ، والطموحات التجارية التي اوقعتهم في حبائل المخابرات ! بل ان مصادر امريكية قد اقدمت على خطوة بالغة الدلالة ، وهي تعمد تسريب جزء مما دار بين الرئيس صدام حسين ورامزفيلد اثناء تشرف الاخير باستقبال الرئيس له في مكان اسره ، وعرض عقد صفقة رفضها الرئيس واعاد تاكيد تمسك الحزب والمقاومة بثوابت الثورة المسلحة . وبغض النظر عن صحة رواية اللقاء او عدم صحتها ، فان المهم فيها هو ان سياق الاحداث يؤكد ان الادارة الامريكية ، ومهما عاندت ستدخل في مفاوضات مع المقاومة بشروط الحزب المعلنة ، خصوصا في رسالة القائد الميداني للمقاومة ، الرفيق عزت الدوري .بل ان الادارة الامريكية ، طبقا لما سربته،مصادر امريكية مسؤولة عن الشأن العراقي ، قد وصلت حد طرح ما اطلقت عليه تسمية (خيار مانديلا ) ، والذي يعني انها ستقبل بشروط البعث مقابل ان يصبح الرئيس صدام حسين (الاب الروحي) للعراق المحرر وليس رئيسا للجمهورية ! اننا لا نريد ان نعلق على هذا المقترح الامريكي سوى بالقول انه دليل اخر وحاسم على ان الانهيار الامريكي في العراق قد وصل حد التنازل عن مواقف كانت تعد اساسية ، وابرزها اقامة حكومة ائتلافية من المقاومة وبعض العملاء !
ماذا يعني كل ذلك ؟ وهل يوجد انسان يملك ذرة موضوعيةووعي وحيادية يستطيع انكار دلالات ما اوردناه ،من اعترافات بالهزيمة ومعلومات عن تفكك القوات الامريكية في العراق ؟ ان هذه الاعترافات تشكل حقيقة واحدة مطلقة وغير قابلة للدحض وهي ان امريكا لم تعد تستطيع تحمل وزر اثامها في العراق . لنناقش المعاني الاساسية لكل ما ذكر ، ثم دعونا نناقش ما يجري في العراق الان ، من زاخو حتى الكويت .
انه الانهيار الحتمي
ان ما قاله رامزفيلد، وغيره من المسؤولين الامريكيين ، لا يعني الا امرا واحدا وهو ان امريكا قد اطلقت صرخة التوجع ولم تعد تستطيع تحمل الم الغزو الناجم عن شراسة عمليات المقاومة العراقية وتناميها بنسب هندسية . فامريكا تريد تجنب تحمل المزيد من الخسائر الاقتصادية والبشرية ، لذلك اصبح الحديث عن الانسحاب رسميا وعلنيا ، وتوقف رامزفيلد صقر صقور الادارة الامريكية عن غروره وعنجهيته ، واعترف بما كان يرفض الاعتراف ، وكنا نؤكد ،ونكرر التاكيد، منذ نيسان – ابريل عام 2004 بانه سوف يعترف به نتيجة الاتساع والعمق والفاعلية التي تتميز بها الثورة العراقية المسلحة ، وهو الان يعترف ، ويتجرع السم المر ، كما تجرعه قبله اعداء العراق ، ويذوب الشمع من وجهه بعد ان سخنت اجواء العراق بتقدم الثورة نحو النصر الحاسم والاخير قريبا جدا .
استسلام ام لعبة ؟
رغم ان رامزفيلد اعترف فان من السذاجة الافتراض ان امريكا ستنسحب بسهولة من العراق ، لذلك علينا ان نبحث في النوايا والخطط الامريكية المضمرة ، بطرح السؤال التالي : ما هو البديل الامريكي الذي تريد اللجوء اليه لترجيح البقاء في العراق ونهبه ؟ رغم ان الاحتلال قد اخذ ينفذ خطة التقسيم الطائفي والعرقي منذ اللحظات الاولى للغزو ، الا انه ، وبعد ان واجه الفشل تلو الفشل في دحر المقاومة ، لجأ الى خطة اخرى للتقسيم . وهي تشجيع الفتنة الطائفية وجر العراق الى حرب اهلية طائفية ، يفترض بها ان تضمن تمزيقه واستنزافه ، وجعل كل اطراف الصراع تستنجد بامريكا لاقامة السلام . وبالنظر لكون ادوات تنفيذ هذا المخطط ضعيفة مقارنة بالمقاومة،بعد النجاح الباهر للمقاومة في تدمير القوة الاساسية لفيلق بدر وحزب الدعوة وغيرهما من التنظيمات العميلة ، فان ذلك يتطلب جر ايران لدخول حلبة الصراع مباشرة ، لتامين امكانية التنكيل بالمقاومة ومدن العراق المحررة بدعم مباشر من ايران بالرجال والعتاد . من هنا كان القرار الامريكي تسليم السلطة للسيستاني ، ورجله الجعفري ، تحت غطاء انتخابات مزورة .
هذه الخطة تتطلب ما يلي :
1- تصعيد النداء الطائفي وجعله اعلى من كل صوت ، وجر من لم ينجر للصراع الطائفي ، باشراك الطائفية السنية ، ممثلة بالحزب الاسلامي وشراذم الخونة من عملاء الاحتلال ، في المطالبة بعدم اهمال السنة !
2- الدعم التام للسيستاني وانصاره وتشجيعهم على الحديث اكثر فاكثر عن الاغلبية والاقلية داخل الصف الاسلامي ، وعدم الممانعة في تجسيد ذلك في التشكيل الوزاري ، لاجل اثارة ضعفاء الوعي من السنة، وتغليب الشعور بما يسميه الحزب الاسلامي العميل ( الخطر الشيعي ) على الشعور بخطر الاستعمار الامريكي في العراق .
3- تنفيذ مخطط التطهير الطائفي ، بطرد السنة من مناطقهم ذات الاغلبية الشيعية وطرد الشيعة من مناطقهم ذات الاغلبية السنية ،وجاء تعيين باقر صولاغ الايراني الجنسية وزيرا للداخلية وسعدون الدليمي وزيرا للدفاع خطوة على طريق اشعال حرب طائفية، تتواجه فيها وزارتي الداخلية والدفاع وتتحاربا من اجل ضمان اطالة الحرب الاهلية وجعلها بالغة الايذاء ! ان هذا التوجه الذي وجد من ينفذه من الطرفين ، هو تنفيذ لمخطط اسرائيل ، لذلك ندعو كل الوطنيين العراقيين للتصدي للطائفية بجناحيها السني والشيعي، والالتزام التام بعزل كل تنظيم سياسي وهيئة ومؤتمر يقوم على المعيار الطائفي ، والرفض المطلق لكل تحريض على التطهير الطائفي ، والتمسك بالتنظيمات الوطنية والقومية الايديولوجيا، ودعم نضالها من اجل تعزيز الوحدة الوطنية لانها الضمانة الاساسية لاكمال طرد الاحتلال وبناء عراق جديد لكل العراقيين .
4- اذا نجح هذا المخطط ، لا سامح الله ، فان قرار الانسحاب الامريكي من العراق سيتبدل ويصبح البقاء، بطلب شرائح عراقية من الطائفيين الشيعة والسنة ، بعد ان يصبح هدف السلامة والعيش الامن اهم من الاستقلال والسيادة .
ان المقاومة الوطنية العراقية تعرف تفاصيل هذا المخطط الاسرائيلي الامريكي، وهي قادرة على احباطه ،ونحن نؤكد ، استنادا لمعلومات موثقة ، بان قيادة الثورة المسلحة مستعدة كامل الاستعداد في كل المجالات ، بما في ذلك المجال العسكري ، للقضاء على اي تدخل ايراني لدعم عملاءها وتنفيذ المخطط باسمهم ، وسلتقن ايران درسا اكثر ايلاما لها من هزيمتها المنكرة على يد ابطال قادسية صدام المجيدة، اثناء العدوان الايراني وفرض الحرب على العراق . ومن المؤكد ان ذلك سيضمن اسقاط الاحتياطيات المضمومة ومنها الفئات الطائفية من كل الاطراف . ان امريكا تريد استخدام جماعة السيستاني الايرانية المواطنة و الهوى ، في ارتكاب مجازر جماعية ضد المدن السنية لضمان صدور رد فعل سني انتقامي ، مما يدخل العراق في دوامة صراع مدمر لن يخدم الا امريكا واسرائيل . وهذا المخطط ،حسبما تفترض امريكا، سيؤدي الى تكوين راي عام في العراق مجمع على رفض ايران وتحميلها مسؤولية ما جرى وسيجري ، وهكذا تبدأ الخطوة التالية، بعد الحاق المزيد من الخراب بالعراق ، وهي اعادة ترتيب الوضع الايراني طبقا لما تراه امريكا ، دون غزوها او شن حرب شاملة عليها .
مؤشرات اخرى للانهيار الامريكي
سنستعرض مؤشرات الانهيار الاساسية ، علما ان هناك الكثير غيرها ، واهمها زيادة رجحان كفة الخسارة على الربح الامريكي ، والاسقاط الفعلي للقواعد العسكرية الامريكية قبل اكمال بناءها ، واكمال الخطوة الاساسية من مخطط المقاومة القائم على منع تاسيس اجهزة قمع ( جيش وشرطة واجهزة استخبارات عميلة )،وتصفية اغلب كوادر الاحزاب العميلة،وتبلور ثقافة كره امريكا لدى الشعب العراقي ،والحاجة الامريكية الحاسمة لاعادة رسم صورتها بعد ان مرغتها المقاومة في الوحل .
كفة الخسارة والربح
لقد اشرنا في تحليلات سابقة الى ان الحقيقة المطلقة والاساسية التي تتحكم في بقاء او انسحاب امريكا من العراق هي كيفية توازن كفتي ميزان الربح والخسارة ، ونستطيع ان نجدد التاكيد وبقوة اكبر ، في ضوء ما يجري الان في العراق ، ان كفة الخسارة الامريكية قد نزلت الى القاع ولم يعد بالامكان نزولها اكثر ! وهذا يعني ، طبقا لقانون الميزان الفيزياوي ، ان كفة الربح الامريكي قد صعدت الى اعلى قمة توجد في حيزها ! بتعبير اخر : اصبح غزو العراق ، وكحالة ثابتة لا يمكن تغييرها ، خسارة في خسارة ، ولم يعد الربح الا هامشا تافها تلغيه الخسارة التامة . واذا اعدنا التذكير بان امريكا ليست سوى شركة عملاقة ، وليست امة ذات هوية قومية ورسالة اخلاقية ،يمكننا ان نجد انفسنا دائما امام حقيقة كالحنظل ، بالنسبة لامريكا ، وحلوة كوجه فتى عراقي مقاوم بالنسبة لكل الخيرين ، وهي ان امريكا تستنزف بقوة هائلة اكثر خطورة مما تعرضت له في فيتنام ، لذلك فانها لا تستطيع تحمل استمرار الاستنزاف . وككل شركة، يحكمها قانون مطلق ، هو قانون الربح ، فان تجاوز الخسارة للحد المتوقع تعويضه فيما بعد ، يؤدي حتما الى مراجعة الشركة لسياستها التسويقية وتبني غيرها ، او ترك ساحة المنافسة والتوجه الى خيار اخر . ولكي نتجنب العموميات سنذكر ببعض مظاهر خسارة امريكا للساحة العراقية الى الابد ، فلقد صرفت على احتلالها من اموال دافعي الضرائب مبلغا تجاوز ال 300 مليار دولار ، وهذا الرقم الرسمي لا يعكس الخسارة الحقيقة ، لان هناك ابوابا للصرف على غزو العراق لا تحسب ضمن الميزانية الفدرالية المعلنة، ومع ذلك فانه مبلغ ضخم ، اذا اخذنا بنظر الاعتبار حقيقة ان الاقتصاد الامريكي مريض ، وان النظام الراسمالي الامريكي يعاني من ازمة بنيوية ، وهي اخطر بكثير من الازمة الاقتصادية لانها ازمة شيخوخة النظام وليس مشكلة حمى اصابته . ويكفي ان نشير الى ان تاثير غزو العراق على هذه الازمة كان خطيرا ، مع ان هدف الغزو الاول كان معالجة ازمة النظام الراسمالي ، اذ ان العجز في الميزانية الفدرالية كان قبل الغزو بحدود 300 مليار دولار ، لكنه قفز الى 600 مليار دولار عام 2004 ومن المتوقع ان يزداد في هذا العام ليصل الى مابين 700 -750 مليار ! وهذ التصاعد سببه الاساس غزو العراق . وهناك مظهر اخر لازمة النظام الراسمالي الامريكي ، وهو ارتفاع الدين العام ، فحتى حصول الغزو كان الدين العام بحدود 4 ونصف تريليون دولار ، والتريليون يساوي الف مليار ، اما بعد الغزو فقد ارتفع الى 7 ونصف تريليون دولار ، ومن الاكيد ان الغزو كان احد اسباب هذا الارتفاع .
يتضح مما تقدم ان امريكا بدل ان تحول الغزو الى وسيلة لانعاش الاقتصاد الامريكي ، بالسيطرة على موارده واسواقه والانطلاق منه للسيطرة ، او تحسين السيطرة ، على الاسواق الاخرى ، حصل العكس وهو ان المقاومة المسلحة الوطنية في العراق ، قد منعته ،اولا، من نهب نفط العراق ، وهي منعته ،ثانيا، من تحقيق اي استثمار تجاري مربح في العراق ، من خلال تصعيد الثورة المسلحة ، وهو امر يمنع اي استثمار تجاري ، وهي اجبرته،ثالثا، على الصرف من الميزانية الامريكية المريضة اصلا ، لذلك كان طبيعيا ان تتفاقم ازمات النظام الراسمالي ، ومنها ازمته الاقتصادية ، وبطريقة لايمكن الاستمرار في تحملها ، لان الشركة الكبرى المسماة امريكا تجاوزت المبلغ المخصص للخسارة والدعاية والعلاقات العامة، وصارت تغطي نفقات الحرب من اموال ،هي بالاصل لا تكفي لحاجات امريكا !واذا استمرت الشركة هذه في سياستها (التجارية ) فانها ستضطر لاعلان افلاسها . نعم ان امريكا مهددة بالانهيار بسبب المأزق الخطير الذي تواجهه في العراق الثائر ، وكأي شركة فانها مضطرة لتغيير كل شيئ لتجنب خسارة كل شيئ .
واذاكانت امريكا قد نجحت في اخفاء خسائرها البشرية الحقيقية عن الراي العام الامريكي لتجنب ضغوطه ، فان تغطية نفقات الغزو لا يمكن التستر عليها ، ببساطة لانها تخرج كخسائر من جيب الحكام الحقيقيين لامريكا، وهم الراسماليون الكبار الذين يحددون الخطوط العريضة لما يجب على اي رئيس ان يفعله . ومع ذلك فان الخسائر البشرية المتزايدة واستحالة الاستمرار في اخفائها قد شكلت ضغطا كبيرا من الصعب تجنبه ، فاضطر جنرالات امريكا للاعتراف بان العمليات المسلحة للمقاومة قد بلغت 140 عملية يوميا ! واذا قبلنا هذا الرقم ، وهو بالتاكيد اقل من الرقم الحقيقي( 250 -300 عمليةيوميا) للعمليات بكثير ، فانه يعني ان امريكا تخسر قتيلا واربعة جرحى على الاقل في كل عملية ، اي ان امريكا تخسر يوميا 140 قتيل و560 جريح ، وهذا الرقم اكبر بكثير من متوسط خسائرها اثناء الحرب على فيتنام .
هناك من وقع في فخ المنطق التيئيسي الذي يقول ان امريكا باخفائها عدد القتلى تستطيع تحمل الخسائر البشرية ، ومن ثم الاستمرار في غزو العراق ، لكن هذا المنطق احادي الجانب ويفتقر الى النظرة الجدلية للعوامل المؤثرة في القرار النهائي للشركة الكبرى ، فبما ان الدولار اغلى من اي مواطن، وهو في الواقع الاله الحقيقي لامريكا ، وهذا هو المقصود بما كتب على الدولار ( بالله نثق ) ،فان خسائر امريكا المالية وحدها تجبر صناع القرار الحقيقيون على الطلب من الادارة الامريكية ، وهي ليست سوى جهاز تنفيذي ، الانسحاب من العراق لايقاف نزيف الدولارات . ومع ذلك فان تجاوز اعداد القتلى والجرحى الامريكيين ، سواء كانوا مرتزقة او من الجيش النظامي ، لحدود الاحتمال والاخفاء ،دفع عوائل القتلى الى تشكيل منظمات لتوعية الراي العام الامريكي وكشف الاكاذيب حول الخسائر البشرية الامريكية في العراق . وفي هذا الاطار فان اهل المرتزق الامريكي تماما كاهل الجندي النظامي ، اخذوا يطالبون بكشف الحقائق ، وتلك بداية لتفجر فضيحة جديدة تشبه فضائح ووتر جيت وكونترا جيت ومونيكا جيت ، وستكون حتما عراق جيت .
الاسقاط العسكري للقواعد المقررة
حينما قررت امريكا غزو العراق والبقاء فيه ربع قرن على الاقل ، وضعت خرائط لانشاء 14 قاعدة عسكرية امريكية ضخمة ، تتوزع حول حقول النفط او بقربها ،لضمان ابقاء نفط العراق تحت السيطرة الامريكية . وبسبب ضخامة هذه القواعد راج راي مضلل اخر ، كالراي السابق الذي يقول ان اخفاء القتلى الامريكيين يمنع ضغط الراي العام ، وهو ان وجود القواعد الستراتيجية هذه سيكرس الاحتلال ويبقيه الى ابد الابدين ! كيف عالجت المقاومة المسلحة هذه المسالة ؟ ببساطة قامت المقاومة باستهداف هذه القواعد وهي ما زالت في طور البناء ، بشكل شبه يومي ، ورغم كل الاجراءات الامريكية الوقائية بقيت صواريخ المقاومة تنهمر على 13 قاعدة من تلك القواعد ولم تسلم الا واحدة تقع في الصحراء الغربية ، وذلك لوقوعها في صحراء واسعة . ما معنى ذلك عسكريا ؟ انه يعني امرا واحدا : ان هذه القواعد ساقطة عسكريا مادامت ضمن مرمى المقاومة ، وما دام من المستحيل نقلها الى اماكن اخرى بسبب وظيفتها بالذات وهي وضع اليد على النفط والمناطق الستراتيجية في العراق . ان السقوط العسكري للقواعد الامريكية ، يجعل الاستمرار في بنائها مجرد مناورة للخداع والتضليل .وهذه الحقيقة وجدت تاكيدها في غلق امريكا لاحدى اهم قاعدتين بنتهما في كركوك وفسرت القيادة العسكرية الامريكية القرار على ان القاعدة قد سقطت عسكريا .
ان التوسيع المبرمج لعمليات المقاومة، والانتقال الحاسم للمرحلة الخامسة والاخيرة منها ، وهي تتركز على اجبار الاحتلال على الرحيل ، قد عزز القناعة الامريكية بان القواعد العسكرية الامريكية ستكون الاهداف الاغلى والاسهل لضربات المقاومة اليومية . بتعبير اخر : ان المقاومة وجدت في اقامة القواعد العسكرية الامريكية الطريقة المثلى لاستنزاف امريكا بشريا واقتصاديا ، فتركزها في مناطق تقع ضمن مديات قصف المقاومة يوفر للاخيرة فرصة ذهبية لا مثيل لها لمضاعفة استنزاف امريكا ، وهذ الوضع يتناقض مع جوهر اجراءات الخطة الامريكية وهو تجنب الخسائر البشرية . واخيرا لابد ان نشير الى ان جنرالات امريكا قد جربوا كل الطرق لمنع المقاومة من الوصول الى القواعد ، مثل اخلاء مناطق من كركوك، قريبة من القاعدة الامريكية هناك من سكانها العرب والتركمان،واحلال اكراد من ايران وتركيا محلهم ، تحت غطاء اعادة من تدعي الزعامات الكردية انهم هجروا ،والقيام بعمليات قصف للمناطق التي تصدر منها نيران المقاومة ، وزرع جواسيس في محيط القواعد وغير ذلك من الوسائل التي فشلت كلها. ما معنى ذلك عسكريا ؟ ان الافتقار الى قواعد عسكرية ستراتيجية في العراق غير ساقطة عسكريا يعني ابقاء الجيش الامريكي تحت رحمة المقاومة ، واضطراره للتنقل من مكان الى اخر ، كالقطط ، ودون الاستقرار في مناطق محددة وتلك هي المشكلة التي حيرت جنرالات امريكا !
اسقاط ادوات الاحتلال
ولئن كانت امريكا قد خططت للامساك بالعراق بواسطة جيوشها بعد الاحتلال ، الا انها خططت لاقامة نظام عميل ، ودولة فيها اجهزة قمع وردع عميلة ، كالجيش والامن والشرطة، كي تتولى الادارة الشكلية للعراق . وكان تعويلها الاساس على القوى العميلة التي استخدمتها لتحقيق غزو العراق ، مثل اتباع السيستاني ( جماعات ايران ) والجلبي وعلاوي .فهل تحقق ذلك ؟ بعد سنتين من الاحتلال تيقنت امريكا من ان مراهنتها على قوى تقيم في العراق ، سواء كانت عراقية او ايرانية ،تتولى الامساك بالوضع وتشكل الدولة الجديدة بعد تدمير الدولة الوطنية ، وتملأ الفراغ الذي سيحدث نتيجة(اجتثاث البعث)، حسب التخطيط الامريكي – الايراني ، كانت كارثة ستراتيجية مميتة . فالجلبي اقنع الادارة الامريكية بان لديه مليشيا مؤلفة من 150الف مقاتل موجودة داخل العراق وجاهزة لتولي المسؤوليات الامنية والعسكرية ما ان تتم الاطاحة بالنظام الوطني بعد الغزو! اما اياد علاوي فقد اكد للمخابرات الامريكية انه يملك ميليشيا قوية داخل العراق ، بل انه اقنع امريكا ان عددا كبيرا من البعثيين ، عسكريين ومدنيين ، يعملون معه وينتظرون اشارة منه للانضمام الى قوات الغز و ! وقصة الاحزاب الايرانية في العراق مختلفة ، اذ بالرغم من قبول امريكا لادعاءات الجلبي وعلاوي حول وجود قوى تدعمهما في الداخل الا انها اعتقدت ان هناك نوعا من المبالغة ، الامر الذي جعلها تقرر ان دعم الجلبي وعلاوي للغزو بعد حصوله لا يكفي ، وانه مالم تضمن مشاركة حزبي المجلس الاعلى الايراني بقيادة باقر الحكيم وحزب الدعوة الايراني فان الغزو مشكوك بنجاحه . لقد اعلن مسؤولون امريكيون رسميا في عام 2002 بان تعاون ايران مع امريكا شرط اساس لنجاح الغزو . فما دامت الانطلاقة الاساسية يجب ان تكون من جنوب العراق، فان تعاون ايران ضروري جدا وحاسم . وبناء على ذلك تم الاتفاق الامريكي - الايراني على مشاركة المجلس الاعلى في مؤتمر لندن ، لما كان يسمى ( المعارضة ) وشارك بفعالية وقدم للمخابرات الامريكية ملف معلومات حول الجيش العراقي، وتعمدت ايران ابقاء حزب الدعوة خارج لعبة الغزو لاجل ابقاء خيارات واحتياطيات اخرى لديها .
وحينما تحقق الغزو لعب عملاء ايران دورا مهما في جنوب العراق ، ابتداه حزب الدعوة والمجلس بشن هجمات على الجيش العراقي عند احتدام القتال مع القوات الامريكية والبريطانية ، ثم اصدر الايراني علي السيستاني فتوى بعدم مقاومة الغزو وترك الحزب والجيش والشرطة والامن والذهاب الى البيوت !لقد لعب الحزبين الايرانيين دورا مهما في نجاح الغزو ، اما علاوي والجلبي فانهما تعرضا لاختبار تحديد قوتهما ، فباستثناء اؤلئك الذين جاءوا مع الجلبي من الخارج لم يلتحق به الا نفر تافه عدديا وشخصيا، وبقي علاوي يعد الامريكيين بان يعطوه فرصة لاستقطاب بعثيين ، ولكن دون جدوى .
لقد اكدت احداث ما بعد الغزو ان من كانت لديه قوة هو العناصر الايرانية والحزبين الكرديين فقط ، فسقط من حسابات امريكا خيار الاعتماد على علاوي او الجلبي وحدهما . وهكذا وجدت امريكا انها مضطرة للتعامل اكثر مع الايرانيين وعملاءهم في العراق وتقديم تنازلات لهم . ثم طور بول بريمر الموقف باعلانه رسميا ان السيستاني يمثل عنصر اعتدال وان امريكا ستتعاون معه لترتيب اوضاع العراق، خصوصا وانه ابدى تعاونا كبيرا مع القوات الامريكية .لكن المشكلة الطبيعية التي برزت وفرضت نفسها كانت ان المجلس والدعوة فقدا زخمها المعنوي ، وتحولا من حزبين عقائديين كانا يقومان باعمال ارهابية ضد الشعب العراقي، قبل الغزو ، الى حزبي مرتزقة ، بعد ان ادرك اغلب كوادرهما انهم كانوا في المعسكر الخطأ .
خلال فترة زادت على الثلاثة عقود ثقف عملاء ايران في العراق وخارجها على فكرة (ان الرئيس صدام حسين وحزب البعث عميلان لامريكا وينفذان خططها في المنطقة، وان ايران واتباعها، هم مناهضي امريكا )، التي اعتادوا تسميتها ب ( الشيطان الاكبر ) .ومن هذه الثقافة استمدت اغلبية كوادر حزبي الدعوة والمجلس مشروعية مقاتلة البعث والرئيس صدام حسين ، فهم يمثلون الاسلام المناهض لامريكا وان موتهم اثناء مقاتلة امريكا او اعوانها ، سيضمن لهم الجنة والمجد ! هذه الثقافة اصطدمت بقوة بالواقع المعاش ، وهو انهم عملوا كمرتزقة في حملة غزو العراق ! فتبين لهم ان عملاء امريكا هم كوادر الحزبين الايرانيين ، وان النظام الذي يخدم امريكا هو النظام الايراني، في حين ان من قاتل ويقاتل امريكا هو البعث والرئيس صدام حسين ! صحيح ان ايران اقنعتهم بان ذلك مجرد تكتيك مرحلي ، الا ان ما زرع في النفوس قوض قناعات اصحاب القضية واحل محلها مشاعر عار ، وان كان دفينا .
لقد تعرض عملاء ايران لخسارتين جوهريتين ، افقدتهم عنصر المبادرة في العراق، وجعلتهم يتفتتون معنويا ويتحولون الى قوة مرتزقة ثانوية الاهمية : الخسارة الاولى هي اكتشاف معظم كوادر الاحزاب الايرانية في العراق ،انهم كانوا مضللين لمدة زادت على 3 عقود من الزمن ، بدليل انهم دمروا العراق منفذين اوامر وخطة امريكا ، فسقط مصدر ما كانوا يتمتعون به من معنويات واحساس بالنظافة الاسلامية . ان من يريد التاكد من هذه النتيجة الطبيعية عليه ان يسأل نفسه : لم اخذ عملاء ايران في العراق يغرون الناس بالانتماء لاحزابهم مقابا مائتي دولار شهريا؟ بل كيف يمكن شراء بعض من انتموا لحزب البعث بالنقود وضمهم الى تنظيماتهم ؟ هل سيقاتل هؤلاء بروح صاحب المبادئ والقضية الشريفة ؟ الجواب قدمته معارك الفلوجة والموصل والقائم وديالى وغيرها ، حيث كان عملاء ايران المنخرطين في الحرس الوثني وغيرها يهربون ما يبدأ القتال مع المقاومة .
بعد اشهر من الغزو وجدت امريكا نفسها تعتمد على هياكل شكلية لا تستطيع القتال بفعالية ضد المقاومة الوطنية ، وهكذا برزت مشكلة من يملأ فراغ الامن ؟ اما الخسارة الثانية فهي قيام المقاومة بتصفية كوادر عديدة من تنظيمات عملاء ايران ، ووصل اقتدار وسيطرة المقاومة حد ان كل عملاء ايران الصغار والكبار لم يعودوا يظهرون في اي شارع الا وهم محاطين بالدروع الامريكية ! لقد انقلبت الاية ، فبدلا من الحالة التي طغت بعد الغزو مباشرة وتميزت بشن احزاب ايران حملات تصفية دموية للبعثيين والمقاومين ، شنت المقاومة حملات ناجحة جدا للقضاء على الكوادر الاساسية من عملاء ايران . وبتصفية ،او هروب عدد كبير من هؤلاء الى خارج العراق، صعدت عناصر جديدة لاخبرة قتالية حقيقية لديها ، ولا تعبئة عقائدية احتاجت عقودا من الزمن كي تكتمل .
الان توجد شراذم في الاحزاب الايرانية في العراق، يهيمن على تفكيرها انها عميلة لامريكا ،وانها بلا ضمير ( يستثنى من ذلك الفرس المتعصبون الذين يعدون تدمير العراق هدف وطني اما المسلمون الحقيقيون منهم وذوي الاصول العربية فان مشاعر العار تهيمن عليهم )، والعميل لا يقاتل كما يقاتل صاحب القضية الشريفة ، لذلك تواجه امريكا الان السؤال التالي : من سيملأ الفراغ في العراق، ويبني ويدير الدولة الجديدة التي يجب انشاءها، مع غياب قوى فاعلة وعقائدية، بعد ان ثبت ان المرتزقة عاجزون عن التقابل القتالي مع المقاومة ؟ والواقع المذكور ادى عمليا الى بقاء قوتين رئيسيتين في الساحة العراقية ، قوات الاحتلال والمقاومة العراقية ، وبما ان الاصل في تخطيط امريكا لغزو العراق كان استخدام ادوات محلية، بعد اكمال الغزو العسكري والانصراف الى التوجيه من بعد ، لان تلك الخطة توفر لامريكا البشر والمال وتجعل عراقيين وايرانيين في العراق يتقاتلون مع المقاومة، فان اسقاط المرتزقة يعني ان امريكا تواجه اليوم في العراق المحتل مأزق تحييد المقاومة للاحتياطات البشرية التي كانت امريكا تريد استخدامها ، فما العمل ؟ هل تستمر امريكا في خوض المعارك بدم الامريكيين مع انه غير ممكن ؟ ام ان عليها ان تبحث عن خيار اخر يحفظ ماء الوجه ويوفر لها التخلص من مأزق العراق القاتل ؟
وازدادت مشكلة امريكا خطورة بفشلها في بناء تنظيمات بديلة ، او تشجيع قيام هكذا تنظيمات ، ودفعها لقيام تحالفات بين الاحزاب الجديدة ، والتي تسمى ب (احزاب الرجل الواحد ) ،من اجل توفير عدد كاف يمنحها القدرة على ان تكون (البديل الوطني) للقوى العميلة المحروقة ، وبنفس الوقت البديل عن المقاومة !وفي هذا الاطار اخترقت امريكا الهيئات والمؤتمرات والحركات التي تشكلت ، واخذت تدفعها ، بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة ، لتبني برامج تساومية تمنح الاحتلال فرصة التنفس ولو قليلا وكسب الوقت، عن طريق مطالبة هذه التشكيلات بحل سلمي تشرف عليه الامم المتحدة والجامعة العربية ،بدل المقاومة المسلحة بصفتها الوسيلة الاساسية والحاسمة لتحقيق النصر على الاحتلال .لكن هذا الخيار سقط هو الاخر بتاكيد المقاومة في ساحات التجابه القتالي ، انها هي ، وهي وحدها، من يسيطر على العراق، سياسيا وعسكريا وامنيا، بقوة وثبات ، وان الكتل الجديدة ليست اكثر من تجمعات ثانوية القوة . لذلك برزت قاعدة بداهة توجب على الوطني ان يقبل ببرنامج المقاومة، ويصبح الواجهات السياسية لها . ذلكم هو المأزق الامريكي القاتل الاخر في العراق : الافتقار لكتلة بشرية تكفي بقوتها وتكوينها النفسي والمعنوي لمواجهة المقاومة، او على الاقل مزاحمتها !
ثقافة كراهية امريكا
لم يعد سرا ان ثقافة جديدة قد تشكلت في العراق بعد الاحتلال ، وتبلورت واستقرت في الوجدان العراقي ، وهي ثقافة كره امريكا وكل ما يتصل بها . وربما يدهش الامريكي العادي حينما يقال له :ان من صنع هذه الثقافة هو امريكا ذاتها وليس غيرها ، لان العراق ، ورغم قتل امريكا لحوالي مليوني عراقي، بواسطة الحصار، لم ترتقي مشاعر الغضب لديه لاعلى من الحقد على الادارة الامريكية ، اما بعد الغزو فقد نجحت ادارة بوش في توفير المناخ المثالي لنشوء ونمو ثقافة كره امريكا في العراق وطغيانها ! لماذا حصل ذلك ؟ وما معناه على مستوى علاقات المستقبل ؟ ان جرائم الاحتلال الامريكي قد ناشت كل بيت عراقي، بقتل واحد او اكثر من افراده ، وتعريض كل العراقيين للاذلال المتعمد ، واغتصاب النساء والرجال والاطفال جنسيا ، والطعن باقدس مقدسات العراقيين ، وهو مفهوم الشرف لديهم ، والتجاوز المتعمد على الاماكن المقدسة وقتل الناس عشوائيا ، ونهب ثروات الافراد والدولة العراقية ، وتفكيك الدولة ونهب وحرق المتاحف والجامعات والوزارات ...الخ ، من الجرائم البشعة التي لم ترتكب مثلها على امتداد تاريخ العراق،من قبل اشد الاوباش واعداء العراق حقدا ووحشية ونذالة!
ان كل عراقي يحمل الان في اعماقه، مشاعر قوية ضد امريكا ،ويرى فيها اسوأ ديكتاتورية دموية في التاريخ ، بل ان عددا ضخما من العراقيين ،يحمل الان مشاعر حقد شديد تجاه امريكا بالذات، وليس تجاه ادارتها فقط . ومن المؤكد ان عراق ما بعد التحرير سيشهد تفجر اعظم موجة كراهية لامريكا داخله وخارجه ، لان الشعب سيتحرر من الخوف من الاحتلال ،وعندها سيتم التعبير عن المشاعر والقناعات الحقيقية . وهذه الثقافة لا تشكل تحديا خطيرا لامريكا فقط ، بل هي ايضا خطر على اي حكومة عراقية وطنية بعد التحرير ، لان هذه المشاعر ستعرقل اي محاولة لتطبيع العلاقات مع امريكا ، على اساس ان الحرب والكراهية لن تستمرا الى الابد ، وان مصالح الطرفين تقتضي التعامل الواقعي في يوم ما . من هنا فان بقاء امريكا في عراق يحقد عليها ويبدي مواطنوه استعدادا تاما للاستمرار في مقاتلتها ، مهما كان الثمن ، هو مخاطرة انتحارية ستقوض ما تبقى لامريكا من مصالح واهداف ، وربما تؤثر على علاقات امريكا ببقية دول العالم .لقد عرفت امريكا من خلال تجربتها في العراق ان الشعب العراقي يكرهها ، وانه شعب لا يمكن قهره بالقتل ، بل يزداد اصرارا على مقاتلة امريكا كلما زادت قسوتها وتجاوزاتها على عليه.
حتمية اعادة الترتيب
منذ نهاية الثمانينيات ، ومع بدء انهيار الانظمة الشيوعية ، اكدنا في كتابات نشرت داخل وخارج العراق، ان امريكا تستعد لتنفيذ مخطط اقليمي ودولي ، يقوم على اعادة رسم خارطة العالم انطلاقا من العراق ، وان هذه الخطة ستجعل من العراق ساحة الصراع الرئيسي القادم . والسبب في ذلك هو ان امريكا لاتملك القدرة العسكرية والنفسية والاقتصادية لغزو العالم ، بعد ان بدأ المعسكر الشيوعي بالتقوض ، لذلك فان استخدام النفط كسلاح ستراتيجي جبار ولا يرد ، لتركيع الخصوم والمنافسين والقوى الجديدة الصاعدة ،هو البديل عن الغزو العسكري ، وبما العراق يملك الاحتياطي النفطي الاكبر ، وليس السعودية ، كما اوضحت معلومات اولية انذاك ،وثبت صحتها فيما بعد ، فان السيطرة على العراق من قبل امريكا شرط مسبق لتركيع العالم عبر ممارسة ابتزاز نفطي.
هذا المخطط كان وما زال وراء فرض ازمة الكويت، والاصرار على تفجيرها ومنع حلها سلميا ، ثم شن العدوان الثلاثيني ، وفرض الحصار ، واخيرا غزو العراق . فمن دون السيطرة على نفط العراق لن تقام امبراطورية امريكية عالمية ، وهذا الهدف يفسر الاسباب التي اجبرت امريكا على الاقدام على خطوات رهيبة لم تكن تقدم عليها لو كان لديها خيار استعماري اخر ، نسفت ما كانت تسميه باعتزاز ب(الرسالة الاخلاقية) لمشروعها الكوني، وافظع هذه الخطوات كانت ابادة مليوني عراقي بسبب الحصار، وممارسة ابشع انواع القتل والديكتاتورية وخرق القانون الدولي ...الخ . اذن العراق وليس غيره هو الرافعة التي ستقام بواسطتها الامبراطورية الامريكية ، ومن دونه ستفقد امريكا السباق السلمي مع المنافسين القدماء والجدد ، لذلك فان غزو وتدمير العراق ، ومحاولة بناء عراق جديد مختلف تماما ، بهويته وهواه ، هو متطلب اساس لاعادة رسم خارطة ما يسمى ( الشرق الاوسط ) ،والانطلاق من بنيته الجديدة ، التجارية والتكنولوجية والعسكرية،واستغلالها مباشرة لرسم خارطة العالم الجديد .
من هنا قلنا ان معركة العراق ستقرر مستقبل العالم وليس الوطن العربي وحده . ورغم ان هذه الحقيقة تعني ان امريكا ستقاتل بشراسة غير مسبوقة في العراق، من اجل النجاح في استعماره ، وهو ما فعلته في الواقع ، الا ان الشعب العراقي ومقاومته المسلحة ، اوصلا امريكا الى الاختيار بين بديلين لا ثالث لهما : اما الاستمرار في الحرب مع العراق ، وهي حرب خاسرة ولا امل لامريكا في كسبها ، كما اكدت الاعترافات التي اوردناها ، وهذا يعني ، ويقود الى تهديد المصالح الامريكية الحالية ، بل انه يطرح بجدية احتمال انهيار امريكا من الداخل ، او ان تختار البديل الاخر ، وهو ترتيب انسحاب منظم يحفظ ماء الوجه ، ويظهر امريكا بمظهر من انجز ما حدده من اهداف في العراق : ( الديمقراطية الدموية ) . منذ نهاية معركة الفلوجة الاولى توصلت امريكا الى هذا الامر ،وشرعت بالتمهيد لانسحاب منظم ، وما يجري الان ،ومنذ عام تقريبا، هو اعداد المسرحين الامريكي والعراقي للخروج من العراق قبل حصول انهيار عسكري حاسم يمكن ان يقع في أي لحظة .
ما الذي يتطلبه ذلك ؟ انه يتطلب اول ما يتطلب ان تزيح امريكا الانطباع الذي انتشر في العالم، وهو ان ارنب اجرب في جزر القمر يستطيع تحديها ، بعد ان اذلت المقاومة العراقية العسكرية الامريكية ،ومرغت انفها في اوحال الهزيمة والفشل المتكررين . ان معركة الفلوجة الثانية ،وتدمير المدينة وابادة الالاف من مواطنيها ، استبطن عدة اهداف، من بينها الرغبة في اظهار امريكا بصورة القوة المنتصرة وليس المهزومة. ونفس الشيئ يقال عن احد اهم اهداف العمليات الاجرامية في النجف الاشرف والموصل وديالى والرمادي وبغداد وغيرها ، وما يجري الان في القائم وغيرها من ابادة للشعب العراقي . هذه العمليات تقع في اطار اعداد المسرح لانسحاب امريكا من العراق قريبا وليس العكس . واستنادا الى هذا الفهم فان كل المعارك الحالية ، خصوصا التدمير المبرمج ، الذي تقوم به المقاومة ، لاي جيش بديل عن الجيش الشرعي ، وتحريم العراق على العملاء يؤكد ان قيادة البعث والمقاومة قد هيأت كل مستلزمات طرد امريكا، واخذت توسع نطاق العمليات العسكرية وطبيعتها، بدخول معارك نظامية او شبه نظامية مع الاحتلال ، وتعمد ان يقاتل الحرس الجمهوري، والقوات العراقية الوطنية الاخري، بملابس الجيش العراقي الشرعي . ان امريكا تعرف بدقة انها مقبلة على مواجهة هزائم منكرة وساحقة لن تستطيع اخفائها عن العالم ، لان قيادة البعث هي التي سترسل اشرطتها للعالم ، خصوصا الى مواقع الانترنيت ، لتؤكد ان امريكا تهزم وان جيشها يذل ويمرغ انفه في الوحل .
كما ان ذلك يتطلب ان تقوم امريكا بالعاب بهلوانية ، مثل اجراء انتخابات وصفها بوش شخصيا بانها مزورة ، حينما قال متحدثا عن اجراء انتخابات لبنانية في ظل الوجود السوري في لبنان ، ان اجرا ءانتخابات في ظل الاحتلال يجعلها مزورة ! وبالفعل قامت ادارة بوش بلعبة بهلوانية ، باصرارها على اجراء انتخابات شكلية، وسلمت الحكومة بموجبها للسيستاني الايراني الجنسية والهوى . يضاف الى ذلك ان ضرورة الانسحاب الحافظ لماء الوجه تقتضي تكبير عدد الحرس الوثني والشرطة العميلة، كي يستطيع بوش ان يقول ، وهو ما فعله ، (لقد اكملنا ما اردنا تحقيقه، والان الكرة في ملعب العراقيين) ! لكن هناك مشكلة معقدة لم تحل : كيف يستطيع بوش ان يحصل على مكاسب من العراق المحرر ؟ ان بوش يتصور ان العراق، وقد دمر جيشه وقوى الامن فيه ، لايستطيع تجنب حرب طائفية مدمرة ، واعلان الزعامات الكردية الانفصال عن العراق ، لذلك فانه سيضطر لطلب تدخل امريكا لايقاف الحرب الاهلية وانفصال الشمال . اما ذا فشل هذا المخطط وتم تحرير العراق دون اعطاء امريكا مكاسب اقتصادية ، فان امريكا ستحاول اعادة فرض الحصار ومناطق حظر الطيران ، وربما ممارسة حرب منخفضة الحدة ، من اجل ابقاء النظام الوطني في العراق المحرر تحت مطرقة امريكا !هل هذا التصور قابل للتنفيذ في العراق بعد التحرير ؟
سنجيب باختصار وسنناقش ذلك بالتفصيل في دراسة اخرى ، ونقول : نعم تستطيع امريكا ممارسة الارهاب المنظم ضد شعب العراق بعد التحرير ، ولكنها نسيت امر مهم وخطير وهو ان العراق المحرر ، من الداخل ، سيكون كتلة صخرية تتشكل من كل الوطنيين الذين دحروا امريكا ،كما انه لن يكون وحيدا هذه المرة ، فتحريره سيفجر ماكتم وقمع في الوطن العربي ، وستشهد المنطقة تداعيات وتغييرات متسلسلة، تصب كلها في غير صالح امريكا . يضاف الى ذلك ان العالم ، بعد انتصار المقاومة ، ومهما كانت طبيعة الاخراج السينمائي الامريكي للانسحاب من العراق، سيقتنع تماما( ان امريكا نمر من ورق)، كما قال قائد الثورة الصينية ماو تسي تونغ ، ، رغم (ان انيابه ذرية) ، كما رد عليه نيكيتا خروشوف الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي وقتها ، وعندها سيجد العالم انه امام فرصة ذهبية لا تعوض، لرفض نزعات الهيمنة الامريكية بقوة وجدية ، ومن ثم اقامة عالم متعدد الاقطاب ،تدفع امريكا فيه الى مقعد احد الاقطاب ،وليس القطب المهيمن .
اذن امريكا بحاجة لاعادة ترتيب اوراقها وخططها ، بعد فشل منطلق خطتها لاعادة ترتيب المنطقة ، ومواجهة العالم بسياسة جديدة مختلفة تماما عن (ستراتيجية الضربة الاستباقية )، وسياسة (من ليس معنا فهو ضدنا) . هل نبالغ او نتصور ما نرغب فيه نحن ؟ بالطبع كلا ، فنحن ، بعد كل الكوارث التي اصابتنا ، لم نعد نتحمل كارثة الاوهام والاماني الذاتية ، ومن اراد ان يتأكد من صحة ما قلت ،عليه ان يتذكر ما سبق ايراده من تصريحات امريكية ، وان يعيد قراءة شهادة كونداليزا رايس ، عند مناقشتها في جلسة استماع في الكونغرس، للبت في تعيينها وزيرة للخارجية ، حيث اكدت للكونغرس ان السياسة الجديدة لامريكا في العالم تقوم على الوسائل الدبلوماسية وليس الحرب والغزو ! هذا الكلام ليس محض شهادة ،بل هو التزام امام الكونغرس، الذي اخذ يرى امريكا تفشل وتخسر في العراق ، وهو تحصيل حاصل للهزيمة الامريكية في العراق ، فما فشلت امريكا في تحقيقه في العراق لن تستطيع تحقيقه في بلدان اخرى . هل تريدون ادلة اخرى ؟ طيب اسألوا انفسكم لم يقوم جورج بوش بابعاد صقور المحافظين الجدد ،واحدا اثر اخر من محيطه ؟ في البداية اجبر ريتشارد بيرل ، اهم منظري هذه الجماعة، والذي لقب ب ( امير الظلام )، على ترك مناصبه في الادارة ، ثم اعقبه طرد منظر اخر هو دوغلاس فيث ، واخيرا وليس اخرا طرد اخر صقور المحافظين الجدد ، وهو بول ولفووتز ، وكيل وزير الدفاع ، واشرس صهاينة الادراة الامريكية في حقده على الامة العربية، بشكل عام، وعلى البعث بصفته الرمز الاساس للهوية القومية العربية، بشكل خاص . ان تعيين ولفووتز رئسا لصندوق النقد الدولي ، كان الخطوة الحاسمة في التحول الامريكي نحو سياسة تعترف بان لامريكا محددات لا تستطيع تجاوزها .
الخلاصة: امريكا تهزم ، امريكا تقزم
ماذا اردت قوله عبر هذه الرحلة الطويلة ؟ باختصار لقد اردت ان اهمس في اذانكم بالسر المكشوف التالي : اذا ارادت امريكا البقاء في (ضيافة) المقاومة العراقية فان كل الدروب تقودها الى المقبرة، مادام المسكوف هو الاكلة المفضلة لدى المقاومين العراقيين،اما اذا ارادت الانسحاب فان كل الدروب تقودها الى القبول التام لشروط المقاومة . وببساطة انني اعيد تاكيد ما قلته خلال عام مضى ، وهو ان الاحتلال ينهار وان لحظة الانتصار العراقي تقترب بسرعة كبيرة ، فامريكا لم تعد تتحمل ان تفرم على يد المقاومة في العراق ، وهي لا تستطيع انكار انها بدأت تقزم عالميا ، من خلال عجزها عن قهر المقاومة . ماذا بعد ؟ اريد ان اقو ل ان العملاء الايرانيين، وغير الايرانيين، يتعرضون الان لعمليات جراحية اخيرة، يتم تحويلهم من خلالها الى تماثيل شمع ،سنضعها غدا في متحف الشمع، الذي سنقيمه في الفلوجة ،ليرى العالم ومن يريد ان يتعض كيف تكون نهاية الخونة والجواسيس . انتظروا قليلا فسوف ترون غدا مفاجئة كل المواسم : الانسحاب الامريكي من العراق عبر شاشة قناة الصهاينة المسماة: العبرية .
للعودة الى موقع: سيبقى العراق إلى ألأبــــد